المقدمات الممهدات

 [كتاب الزكاة الثاني] [فصل في القول في زكاة القراض]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليما كتاب الزكاة الثاني فصل
في القول في زكاة القراض أجمع أهل العلم فيما علمت أن رأس مال القراض وحصة رب المال من الربح مزكى على ملك رب المال. وأما حصة العامل من الربح فتتخرج على ثلاثة أقوال في المذهب: أحدها أنها تزكى على ملك رب المال دون الاعتبار بملك العامل. والثاني أنها تزكى على ملك العامل دون الاعتبار بملك رب المال. والثالث أنها تزكى على ملكهما جميعا.

فصل فالقول في زكاة مال القراض يرجع إلى أربعة فصول: أحدها معرفة ما تجب به الزكاة على رب المال في رأس المال وحصته من الربح، أو في رأس المال وجميع الربح على مذهب من يرى حظ العامل من الربح مزكى على ملك رب المال، وهو مذهب سحنون وقول أشهب وروايته عن مالك واختيار محمد بن المواز. والثاني معرفة ما تجب به الزكاة على العامل في حظه من الربح على القول بأن حظه مزكى على ملكه. والثالث معرفة ما تجب به الزكاة على العامل في حظه من الربح على القول بأنه مزكى على ملكهما جميعا. والرابع معرفة وقت وجوب إخراجها.

(1/315)


فصل فأما ما تجب به الزكاة على رب المال في رأس المال وحصته من الربح أو في رأس المال وجميع الربح على مذهب من يرى حظ العامل من الربح مزكى على ملك رب المال وهو قول أشهب وروايته عن مالك ومذهب سحنون حسبما ذكرناه فخمس شرائط في حقه، وهي الإسلام، والحرية، وعدم الدين، والنصاب في رأس المال وحصة رب المال من الربح أو في رأس المال وجميع الربح على المذهب المذكور أو ذلك مع مال إن كان له مال سواه قد أفاده قبله أو معه معا مما لم يدفعه إلى العامل، وحلول الحول على رأس المال من يوم أفاده.

فصل وتجب الزكاة على العامل في حظه من الربح على القول بأنه مزكى على ملكه بخمس شرائط أيضا في حقه، وهي الإسلام، والحرية، وعدم الدين، والنصاب في حظه من الربح أو في حظه منه مع مال سواه وإن كان له مال قد أفاده قبل أخذه المال، وحلول الحول عليه من يوم أخذه وإن لم يعمل فيه إلا قبل الحول بيسير.

فصل وتجب الزكاة عليه في حظه من الربح على القول بأنه مزكى على ملكهما جميعا بعشرة أوصاف، وهي: أن يكونا مسلمين، وأن يكونا حرين، وأن لا يكون على واحد منهما دين، والسابع أن يكون في رأس المال وحصة رب المال من الربح أو في رأس المال وحصته من الربح مع مال لرب المال سواه إن. كان له مال سواه قد أفاده قبله أو معه معا مما تجب فيه الزكاة. والثامن أن يكون في حظ العامل

(1/316)


من الربح أو في حظه منه مع مال سواه إن كان له مال قد أفاده قبله ما تجب فيه الزكاة. والتاسع أن يحيل الحول على رب المال من يوم ملك النصاب الموصوف. والعاشر أن يحول الحول على العامل من يوم أخذ المال وإن لم يعمل فيه إلا قبل الحول بيسير.

فصل فهذه الثلاثة الأقوال مطردة راجعة إلى أصل وجارية على قياس. وأما ابن القاسم فلا يرجع مذهبه في زكاة حظ العامل من ربح القراض إلى أصل ولا يجري على قياس، لأنه اعتبر في بعض الشرائط المشترطة في وجوب الزكاة في ذلك ملكهما جميعا، واضطرب في بعضها قوله فلا هو راعى فيه ملكهما جميعا ولا ملك أحدهما بانفراده على صحة ما سنذكره ونبينه إن شاء الله تعالى.

فصل فالذي اعتبر فيه ملكهما جميعا الإسلام، والحرية، وعدم الدين، لم يختلف قوله فيما علمت أن العامل لا يلزمه زكاة الربح إلا أن يكونا حرين مسلمين وأن لا يكون على واحد منهما دين. والذي اضطرب فيه قوله النصاب، والحول. فأما النصاب فله فيه ثلاثة أقوال: أحدها أنه يعتبر في رأس مال رب المال وحصته من الربح دون ما بيده مما لم يدفعه إلى العامل المقارض، فإن كان في ذلك ما تجب فيه الزكاة وجبت على العامل في حظه من الربح الزكاة قليلا كان أو كثيرا. هذا قول ابن القاسم في المدونة ومذهبه المشهور المعلوم، فلا هو اعتبر في هذا القول ملك العامل إذا وجبت عليه في حظه الزكاة وإن كان أقل من نصاب، ولا ملك رب المال إذا لم يضف رأس المال وحظه من الربح إلى ما بيده من غير مال القراض، فهو استحسان على غير قياس.

فصل واختلف على هذا القول إذا أخذ من العامل قبل تمام الحول بعض رأس المال وأبقى بيده بعضه ففاصله فيه بعد الحول، فقيل إن رب المال إن صار له في

(1/317)


بقية رأس ماله وجميع حصته من الربح ما تجب فيه الزكاة وجبت على العامل في حظه الزكاة وإن لم يبلغ النصاب، وإن لم يصر لرب المال في بقية رأس ماله وجميع حصته من الربح ما تجب فيه الزكاة لم يجب على العامل في حظه الزكاة، ويضيف رب المال ما قبض من العامل بعد الحول إلى ما قبض منه قبل الحول إن كان باقيا بيده فيزكيه إن كان فيه باجتماعه ما تجب فيه الزكاة. هذه رواية أبي زيد عن ابن القاسم، وله في المجموعة مثله.

فصل وكذلك لو قبض منه قبل الحول جميع رأس ماله وبقي الربح بيده إلى أن حال عليه الحول فصار لرب المال منه ما تجب فيه الزكاة يزكي العامل ما صار له منه وإن قل، وإن لم يصر لرب المال منه ما تجب فيه الزكاة سقطت الزكاة عن العامل في حظه من الربح، وأضاف رب المال ما صار له منه إلى رأس المال الذي قبضه قبل حلول الحول فزكاه إن كان بيده وكان فيه ما تجب فيه الزكاة. وذهب محمد بن المواز فيما تأول عن ابن القاسم أنه إن قبض جميع رأس المال قبل الحول فلا زكاة على العامل في حظه من الربح وإن صار لرب المال في حظه الذي قبض منه بعد الحول ما تجب فيه الزكاة، وأنه إن قبض منه بعض رأس المال قبل الحول وأبقى بيده بعضه حتى حال عليه الحول فصار له في بقية رأس ماله وحصته ما تجب فيه الزكاة وجبت على العامل في حظه الزكاة. وإن لم يصر له في ذلك ما تجب فيه الزكاة ولا بقي له من المال الذي قبض قبل الحول ما يتم به النصاب لم تجب على العامل في حظه الزكاة لسقوط الزكاة عن رب المال. وإن كان قد بقي بيده مما قبض قبل الحول تتمة النصاب زكى ذلك وزكى العامل من ربحه ما ينوب منه ما بقي بيده من رأس المال إلى أن حال عليه الحول، وهذا تناقض.

فصل والثاني أنه يعتبر، أعني النصاب، في رأس المال وجميع الربح، وهي رواية أصبغ عنه، فلا هو اعتبر أيضا في هذا القول ملك العامل إذ أوجب عليه في حظه

(1/318)


الزكاة إن لم يبلغ النصاب، ولا ملك رب المال إذ لم يضف رأس المال والربح إذا لم يكن فيه نصاب إلى ما بيده مما لم يدفعه إلى العامل في إيجاب الزكاة على العامل في حظه من الربح، وإنما أضافه إليه في إيجاب الزكاة عليه في رأس ماله وحصته من الربح، فهو أيضا استحسان جار على غير أصل ولا قياس.

فصل والقول الثالث أن الزكاة لا تجب على العامل في حظه من الربح إلا بأن يكون فيه ما تجب فيه الزكاة، وبأن يكون أيضا في رأس مال رب المال وربحه ما تجب فيه الزكاة. وهذا القول تأوله محمد بن المواز عن ابن القاسم ولا يوجد له نصا ولو وجد لكان أيضا استحسانا على غير قياس ولا أصل، إذ لم يعتبر في ذلك ملك أحدهما دون صاحبه على انفراده ولا ملكهما جميعا كما فعل في الحرية والإسلام وعدم الدين، إذ اقتصر في اعتبار النصاب على رأس المال وحصة رب المال من الربح دون أن يضيف إلى ذلك [ما لرب المال من غير مال القراض وعلى حصة العامل من الربح دون أن يضيف إلى ذلك] ، ما له من مال قد حال عليه الحول فيتم به النصاب.

فصل -
وأما الحول فله فيه قولان: أحدهما أن العامل لا تجب عليه في حظه من الربح الزكاة حتى يقيم المال بيده حولا من يوم أخذه وإن لم يعمل به إلا قبل أن يحول عليه الحول بيسير. هذا نص قوله في الزكاة من المدونة، وله في القراض منها دليل على أن الزكاة تجب عليه في حظه من الربح وإن لم يقم المال بيده حولا إذا كان في رأس مال رب المال وحصته من الربح ما تجب فيه الزكاة وحال عليه الحول. وإلى هذا ذهب ابن المواز، وعليه حمل قول مالك. والقول الأول هو أجرى على أصله وأظهر من مذهبه.

(1/319)


فصل فتحصيل مذهب ابن القاسم على ما حكيناه من أقواله ووصفناه من مذاهبه وآرائه أن الزكاة تجب على العامل في حظه من الربح بخمسة أوصاف، الثلاثة منها لم يختلف قوله في وجوب اشتراطها ولا في وجه اعتبارها، وهي أن يكونا جميعا حرين، وأن يكونا جميعا مسلمين، وأن لا يكون على واحد منهما دين. والاثنان وهما النصاب، والحول لم يختلف قوله في وجوب اشتراطهما، واختلف قوله في وجه اعتبارهما.

فصل فأما النصاب فله في وجه اعتباره ثلاثة أقوال: أحدها أنه يعتبر في رأس المال وحصة رب المال من الربح خاصة، فإن كان في ذلك ما تجب فيه الزكاة وجبت الزكاة على العامل في حظه من الربح وإلا فلا، وهو قول ابن القاسم في المدونة والمشهور المعروف من مذهبه. والثاني أنه يعتبر في رأس مال رب المال وجميع الربح، فإن كان في ذلك ما تجب فيه الزكاة وجبت على العامل في حظه الزكاة وإلا فلا، وهي رواية أصبغ عنه في العتبية. والثالث أنه يعتبر في رأس مال رب المال وحصته من الربح وفي حظ العامل من الربح، فإن كان في كل واحد منهما ما تجب فيه الزكاة وجبت الزكاة على العامل في حظه من الربح وإلا فلا.
وأما الحول فله في وجه اعتباره قولان: أحدهما أنه يعتبر في رأس مال رب المال وحصته من الربح دون عمل العامل. والثاني أنه يعتبر في رأس مال رب المال وحصته من الربح وفي عمل العامل، فلا تجب الزكاة على العامل في حظه من الربح حتى يحول الحول على المال الذي بيد العامل من يوم أخذه لأنه إذا حال الحول على المال بيد العامل فقد حال على رب المال.

فصل ويلزم ابن القاسم كما اشترط في وجوب الزكاة على العامل في حظه من الربح إسلامهما جميعا، وحريتهما جميعا، وأن لا يكون على واحد منهما دين، أن

(1/320)


يشترط في ذلك مرور الحول على رب المال وعلى العامل، وذلك قوله في كتاب الزكاة من المدونة، لأن الحول إذا حال على العامل من يوم أخذ المال فقد حال على رب المال. وأن يعتبر النصاب. في رأس مال رب المال وحصته من الربح مع مال إن كان له مال قد أفاده قبله أو معه معا، وهذا ما لا يوجد لابن القاسم ولا يعرف من مذهبه. [وأن يعتبر أيضا النصاب في حصة العامل من الربح مع مال سواه إن كان له مال قد حال عليه الحول وهذا أيضا ما لا يوجد له ولا يعرف من مذهبه] ، فلو قال بهذين الوصفين في اعتبار النصاب في وجوب الزكاة على العامل في حظه من الربح لاستقام مذهبه على أن زكاة ربح العامل في القراض مزكى على ملكهما جميعا.

فصل وأما الفصل الرابع وهو معرفة وقت وجوب إخراجها فيفتقر بيان ذلك إلى تقسيم، وذلك أن العامل لا يخلو أن يكون غائبا عن صاحب المال لا يعلم حال ما في يديه، أو حاضرا معه يعلم حال ما في يديه من مال القراض. فأما إن كان غائبا عنه فلا اختلاف في أنه لا زكاة عليه في ماله الذي بيده حتى يرجع إليه ويعلم أمره، فإن رجع إليه بعد أعوام زكاه للسنين الماضية على ما سنبينه إن شاء الله من حكم المدير وغير المدير. وأما إن كان حاضرا معه يعلم حال ماله بيده فلا يخلو من أربعة أحوال: أحدها أن يكونا جميعا مديرين. والثاني أن يكون رب المال مديرا والعامل غير مدير. والثالث أن يكون رب المال غير مدير والعامل مديرا. والرابع أن يكونا جميعا غير مديرين. فأما إن كانا جميعا مديرين أو كان رب المال غير مدير والعامل مديرا، والذي بيده الأكثر أو الأقل على قول من يقول إن المالين إذا كان يدار أحدهما فإنه يزكى المدار على سنة الإدارة كان الأقل أو الأكثر، أو كان رب المال مديرا والعامل غير مدير والذي بيده من مال الإدارة أو من غير مال الإدارة وهو

(1/321)


الأقل فلا زكاة عليه حتى ينض المال ويتفاصلا وإن أقام المال بيده أحوالا. كذا روى أبو زيد عن ابن القاسم في كتاب القراض، ومثله في كتاب القراض من المدونة وفي الواضحة، وهو ظاهر ما في سماع عيسى من كتاب القراض. فإذا رجع إليه ماله بعد أعوام زكى لكل سنة قيمة ما كان بيده من المتاع. فإن كان قيمة ما كان بيده في أول سنة مائة وفي السنة الثانية مائتين وفي الثالثة ثلاثمائة زكى لأول سنة مائة، وللسنة الثانية مائتين، وللسنة الثالثة ثلاثمائة، إلا ما تنقصه الزكاة. واختلف إن كانت قيمة ما بيده في أول سنة ثلاثمائة وفي السنة الثانية مائتين وفي السنة الثالثة مائة فقيل يزكي لكل سنة ما كان بيده، وهو ظاهر ما في كتاب القراض من المدونة، إذ قال يزكي لكل سنة ما كان بيده ولم يفرق. وقيل يزكي مائة لكل سنة، وهذا يأتي على ما في الواضحة لعبد الملك في المال الغائب عن صاحبه إذا تلف بعد أعوام أنه لا زكاة عليه فيه، وقيل إنه هو الذي تدل عليه الروايات كلها إذ لا معنى لتأخير الزكاة إلى حين المفاصلة مع حضور المال إلا مخافة النقصان.

فصل وأما إن كانا غير مديرين أو كان العامل غير مدير والذي في يده الأكثر مديرا فلا زكاة على رب المال فيما بيد العامل من مال القراض حتى يرجع إليه، فإن رجع إليه بعد أعوام زكاه لعام واحد إن كان في سلع. وهذا على قياس قول ابن دينار في العتبية في المالين يدار أحدهما أنه إن كان الذي يدار هو الأكثر زكيا جميعا على الإدارة، وإن كان الذي يدار هو الأقل زكي كل مال منهما على سنته. وأما إن كان رب المال مديرا والعامل غير مدير والذي بيده الأقل فإن رب المال يقوم كل سنة ما بيد العامل فيزكيه من ماله لا من مال القراض، قيل جميع المال بربحه كله، وهو قول ابن حبيب في الواضحة، وقيل رأس المال وحصته من الربح خاصة لا حصة العامل، وهي رواية أصبغ عن ابن القاسم. وكذلك إذا كان الذي بيد العامل الأكثر على ما ذهب إليه ابن لبابة تأويلا على ما في المدونة من أن المالين إن كان يدار أحدهما فإنهما يزكيان جميعا على الإدارة، والله سبحانه وتعالى أعلم وبالله التوفيق.

(1/322)


[فصل في زكاة الماشية]
فصل
في زكاة الماشية قال الله عز وجل: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] فأجمع أهل العلم على أن المواشي من الإبل والبقر والغنم من الأموال التي تجب في أعيانها الزكاة، إلا أنهم اختلفوا هل ذلك في جميعها أو في السائمة منها خاصة، فذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلى أن الزكاة في جميعها سائمة كانت أو غير سائمة، خلافا للشافعي وأبي حنيفة رحمهما الله تعالى في قولهما إن الزكاة لا تجب في غير السائمة.

فصل ولا تجب الزكاة عند مالك وجميع أصحابه في شيء من الحيوان سوى الإبل والبقر والغنم، خلافا لأهل العراق في قولهم إن الزكاة تجب في الخيل السائمة إذا كانت ذكورا وإناثا متخذة للنسل. والدليل لما ذهب إليه مالك عموم قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة» ، وما روي عنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أنه قال: «عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق» . ومن جهة المعنى والقياس أنه لما أجمع أهل العلم في البغال والحمير على أنه لا زكاة فيهما وإن كانت سائمة وأجمعوا في الإبل والبقر والغنم على الزكاة فيها إذا كانت سائمة، واختلفوا في الخيل السائمة وجب ردها إلى البغال والحمير لا إلى الإبل والبقر والغنم لأنها بها أشبه، لأنها ذات حافر كما أنها ذوات حوافر، وذو الحافر بذي الحافر أشبه منه بذي الخف والظلف، ولأن الله تبارك وتعالى قد جمع بينهما فجعل الخيل والبغال والحمير صنفا واحدا لِقَوْلِهِ تَعَالَى:

(1/323)


{وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل: 8] وجمع بين الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم فجعلها صنفا واحدا بقوله تعالى: {وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} [النحل: 5] {وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ} [النحل: 6] ، وكقوله عز وجل: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} [غافر: 79] .

فصل والعمل في زكاة الإبل والغنم على كتاب عمر الذي ذكره مالك في موطئه أنه قرأه فوجد فيه: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هذا كتاب الصدقات. في أربع وعشرين من الإبل فدونها الغنم في كل خمس شاة، وفيما فوق ذلك إلى خمس وثلاثين بنت مخاض، فإن لم تكن بنت مخاض فابن لبون ذكر، وفيما فوق ذلك إلى خمس وأربعين بنت لبون. وفيما فوق ذلك إلى ستين حقة طروقة الفحل، وفيما فوق ذلك إلى خمس وسبعين جذعة، وفيما فوق ذلك إلى عشرين ومائة حقتان طروقتا الفحل. فما زاد على ذلك ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة. وفي سائمة الغنم إذا بلغت أربعين إلى عشرين ومائة شاة، وفيما فوق ذلك إلى مائتين شاتان، وفيما فوق ذلك إلى ثلاثمائة ثلاث شياه، فما زاد على ذلك ففي كل مائة شاة ولا يخرج في الصدقة تيس ولا هرمة ولا ذات عوار إلا ما شاء المصدق، ولا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة. وما كان من خليطين فإنهما يترادان بينهما بالسوية. وفي الرقة إذا بلغت خمس أواق ربع العشر.
والعمل في زكاة البقر على ما ثبت من «أن معاذ بن جبل الأنصاري أخذ من ثلاثين بقرة تبيعا، ومن أربعين بقرة مسنة، وأنه أتي بما دون ذلك فأبى أن يأخذ منه شيئا وقال: لم أسمع من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ذلك شيئا حتى ألقاه فأسأله، فتوفي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل أن يقدم معاذ بن جبل» وهو حديث يدخل في المسند لأنه

(1/324)


توقيف. وفي قوله إنه لم يسمع من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما دون الثلاثين دليل على أنه قد سمع منه في الثلاثين والأربعين.
شرح ابن المخاض ما أوفى سنة ودخل في الثانية. وابن اللبون ما أوفى سنتين ودخل في الثالثة لأن الناقة ترضع فصيلها في العام الأول ثم تحمل في العام الثاني أو تلحق بالحوامل وإن لم تحمل، لأن الناقة لا تحمل في كل عام وإنما تحمل في عام وترضع في آخر، ففصيلها في العام الثاني ابن مخاض لأن أمه أرضعته في العام الأول ثم حملت في العام الثاني فصار ابن مخاض، وفي العام الثالث ابن لبون، لأنها أرضعته في العام الأول وحملت في العام الثاني ووضعت في العام الثالث فصارت ذات لبن فكان ابنها من البطن الأول ابن لبون. والحقة: ما أوفت ثلاث سنين ودخلت في الرابعة فاستحقت أن يحمل عليها وأن يطرقها الفحل. والجذعة: ما أوفت أربع سنين ودخلت في الخامسة، وهو أعلى الأسنان المأخوذة في الزكاة.
وقوله في سائمة الغنم لا دليل فيه على أن الزكاة لا تجب في غير السائمة لأنها سائمة في طبعها وإن حبست على الرعي فلا يخرجها ذلك عن أن يقع عليها اسم سائمة. وقد قيل في معنى ذلك: إن الحديث خرج على سؤال سائل والأول أولى.
وقوله لا يخرج في الصدقة تيس ولا هرمة ولا ذات عوار إلا ما شاء المصدق، الرواية فيه المصدق بالكسر. قال أبو عبيد وأنا أراه المصدق بالفتح وهو كما قال، لأنه إن كان دون حقه فلا يجوز له أن يأخذه على حال، وإن كان فوق حقه فلا يجوز له أخذه إلا برضا رب الماشية. فالصواب فيه المصدق بالفتح. وأما التيس المنهي عن إخراجه في الصدقة فقيل هو الذكر من المعز غير المسن الفحيل فلا يجوز للساعي أن يرضى به لأنه أقل من حقه، إذ لا يؤخذ من المعز إلا أنثى على ما قاله ابن حبيب، وهو قوله في المدونة. والتيس هو دون الفحل إنما يعد مع ذوات العوار والهرمة والسخال. وقيل هو الفحل الذي يطرق الغنم كان من الضأن أو المعز،

(1/325)


فنهى عن أخذه في الصدقة لأنه فوق السن الواجبة له فلا يأخذه إلا برضا رب الماشية.
وقوله ولا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة ذهب الشافعي إلى أن النهي في ذلك إنما هو للسعاة، وذهب مالك إلى أن النهي في ذلك إنما هو لأرباب المواشي. والصواب أن النهي على عمومه لهما جميعا، لا يجوز للساعي أن يجمع غنم رجلين إذا لم يكونا خليطين فيزكيهما على الخلطة ليأخذ أكثر من الواجب له، ولا أن يفرق غنم الخليطين فيزكيهما على الانفراد ليأخذ أكثر من الواجب له. وكذلك أرباب الماشية لا يجوز لهم إذا لم يكونوا خلطاء أن يقولوا نحن خلطاء ليؤدوا على الخلطة أقل مما يجب عليهم في الانفراد، ولا يجوز لهم أيضا إذا كانوا خلطاء أن ينكروا الخلطة ليؤدوا على الانفراد أقل مما يجب عليهم على الخلطة، وأما أبو حنيفة الذي لا يقول بالخلطة فيقول المعنى في ذلك أنه لا يجوز للساعي أن يجمع ملك الرجلين فيزكيهما على ملك واحد، مثل أن يكون للرجلين أربعون شاة فيما بينهما، ولا أن يفرق ملك الرجل الواحد فيزكيه على أملاك متفرقة، مثل أن يكون له مائة وعشرون فلا يجوز له أن يجعلها ثلاثة أجزاء أربعين أربعين فيأخذ منها ثلاث شياه. والتراد عنده هو في مثل أن يكون للرجلين مائة شاة وعشرون شاة على الثلث والثلثين فيأخذ منهما الساعي شاتين قبل القسمة، فيكون قد أخذ من غنم صاحب الثلثين شاة وثلثا وإنما عليه شاة، ومن غنم صاحب الثلث ثلثي شاة وعليه شاة، فيرجع صاحبه عليه بثلث شاة.

فصل وكتاب عمر هذا أصله عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من وجوه ثابتة صحاح. من ذلك ما روي عن ابن عمر أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتب كتاب الصدقات فلم يخرجه إلى عماله حتى قبض، وعمل به أبو بكر حتى قبض، ثم عمر حتى قبض، وساق الحديث بمعناه. وأجمع أهل العلم على ما نص فيه واختلفوا منه في مواضع محتملة للخلاف، منها في المذهب موضع واحد، وهو إذا زادت الإبل على مائة وعشرين ولم تبلغ مائة وثلاثين، فقال مالك في المشهور عنه: الساعي مخير بين أن يأخذ

(1/326)


حقتين وبين أن يأخذ ثلاث بنات لبون، وهو قول عبد العزيز بن أبي سلمة، وعبد العزيز بن أبي حازم، وابن دينار، وإن لم يكن في الإبل إلا السن الواحدة. وقيل إنه إنما يكون مخيرا إذا كانت السنان جميعا في الإبل أو لم يكن فيها واحد منها. وقال ابن شهاب: يأخذ ثلاث بنات لبون، واختاره ابن القاسم. وقال المغيرة وابن الماجشون: يأخذ حقتين، وهو قول مالك في رواية أشهب عنه. وهذا الاختلاف جار على ما قاله أهل الأصول في المجتهد إذا تعارضت عنده الأدلة ولم يترجح عنده أحدها هل يأخذ بالحظر أو بالإباحة أو يكون مخيرا. وذهب أهل العراق إلى أنه يرجع فيما زاد من الإبل على مائة وعشرين إلى زكاة الغنم، فيكون في مائة وخمسة وعشرين حقتان وشاة، وفي مائة وثلاثين حقتان وشاتان، وفي مائة وخمسة وثلاثين حقتان وثلاث شياه، وفي مائة وأربعين حقتان وأربع شياه، وفي مائة وخمس وأربعين حقتان وبنت مخاض، وفي مائة وخمسين ثلاث حقاق، وفي مائة وخمس وخمسين ثلاث حقاق وشاة، وفي مائة وستين ثلاث حقاق وشاتان، وكذلك ما زاد إلى مائتين فيكون فيها أربع حقاق.

فصل وأما زكاة الغنم فلا اختلاف فيها في المذهب، إذ ليس في كتاب عمر منها موضع محتمل للخلاف. وقد اختلف في غير المذهب فيما زاد على المائتين، فقل فيها شاتان حتى تبلغ مائتين وثلاثين فيكون فيها ثلاث شياه، حكى الداروردي هذا القول ولا وجه له وأراه غلطا. وقيل شاتان حتى تبلغ مائتين وأربعين فيكون فيها ثلاث شياه، ثم كذلك فيما زاد على كل مائة. وقيل إنه كما يجب في مائتي شاة وشاة ثلاث شياه فكذلك يجب في ثلاثمائة شاة وشاة أربع شياه، وفي أربعمائة شاة وشاة خمس شياه، وفي خمسمائة شاة وشاة ست شياه، ثم كذلك فيما زاد على كل مائة. وهذان القولان جاريان على أصل، وأما ما حكاه الداروردي فلا وجه له على ما ذكرناه.

فصل وكذلك زكاة البقر لا اختلاف فيها في المذهب، إذ ليس في حديث معاذ ابن

(1/327)


جبل فيها موضع محتمل للخلاف. وقد قيل في غير المذهب إن فيما دون الثلاثين منها في كل خمس شاة قياسا على الإبل، وأن في كل خمس وثلاثين تبيعا وشاة، وأن فيما زاد على الأربعين بحساب المسنة في كل خمس وأربعين مسنة وثمن مسنة، وفي خمسين مسنة وربع مسنة، وكذلك ما زاد إلى ستين فيكون فيها تبيعان.

فصل والإبل كلها بجميع أجناسها صنف واحد تجمع في الزكاة. وكذلك البقر كلها بجميع أجناسها الجواميس وغير الجواميس تجمع في الزكاة. وكذلك الغنم كلها بجميع أجناسها ضأنها ومعزها تجمع في الزكاة، ولا اختلاف في هذا أحفظه إلا ما ذهب إليه ابن لبابة من أن الضأن والمعز صنفان لا يجمعان في الزكاة، وأن الذهب والفضة صنفان لا يجمعان في الزكاة. واستدل على ذلك بقول الله عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ} [الأنعام: 141] إلى قوله {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ} [الأنعام: 143] إلى قوله {وَمِنَ الإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ} [الأنعام: 144] قال فلو كان المعز من الضأن لكان البقر من الإبل، إذ لا فرق في ذلك بين التلاوة، وهذا معنى قوله دون نصه.

فصل وجاء في كتاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الصدقات في بعض الروايات: «فمن سئلها على وجهها فليعطها ومن سئل فوقها فلا يعطها» . وروي «عن جرير بن عبد الله البجلي قال جاء ناس إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالوا إن ناسا من المصدقين يأتون فيظلموننا، قال: أرضوا مصدقيكم، قالوا وإن ظلموا قال أرضوا مصدقيكم وإن ظلموا. قال جرير ما صدر عني مصدق بعدها إلا راضيا» . فقيل إن ما في كتاب الصدقات ناسخ لما جاء في حديث جرير بدليل أنه المتأخر إذ لم يخرجه إلى عماله حتى قبض - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقيل المعنى في ذلك أن يمنعوا إذا لم يخش في منعهم فتنة، ولا

(1/328)


يمنعوا إذا خشي في منعهم فتنة. كقوله للأنصار: «ستصيبكم بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني» ، وكقوله لأبي ذر: «وإن ولي عليك حبشي فاسمع له وأطع» . وعلى هذا يتأول «حديث عباده بايعنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على السمع والطاعة» الحديث. وقيل في تخريج الحديثين غير هذا وليس بصحيح. وبالله التوفيق.

[فصل في تحويل الماشية بعضها في بعض]
فصل
في تحويل الماشية بعضها في بعض الأموال التي تجب الزكاة في أعيانها بمرور الحول عليها صنفان: عين، وماشية. فأما العين وهو الذهب والورق فالحكم فيه إذا حول بعضه في بعض أن يزكى الثاني على حول الأول باع ذهبا بذهب أو ورقا بورق أو ذهبا بورق أو ورقا بذهب، لأنه كله صنف واحد. وأما الماشية فإنها ثلاثة أصناف: إبل، وبقر، وغنم. فإن باع إبلا بإبل أو بقرا ببقر أو غنما بغنم زكى الثاني على حول الأول ولا خلاف في ذلك أعلمه. واختلف إن باع صنفا بصنف غيره: إبلا ببقر أو بغنم أو بقرا بإبل أو بغنم أو غنما بإبل أو ببقر على قولين: أحدهما أنه يستأنف بالثاني حولا من يوم اشتراه، وهو قول ابن القاسم وروايته عن مالك قياسا على الماشية تشترى بالدنانير والدراهم أنه يستأنف بها حولا لأنهما صنفان كما أنهما صنفان. والثاني أنه يزكى الثاني على حول الأول، وهو قول مالك في سماع أشهب من كتاب الزكاة وقول أصحاب مالك كلهم حاشا ابن القاسم على ما حكاه ابن حبيب قياسا على الماشية تباع بالعين، لأنه إذا كان العين يزكى على حول الماشية وهو صنف آخر، فأحرى أن تزكى الماشية على حول الماشية وإن كانت صنفا آخر، لأن الماشية بالماشية ما كانت أشبه من العين بالماشية. وقول ابن القاسم أظهر، لأن قياس المثمون على المثمون أولى من قياسه على الثمن. والفرق بين بيع الماشية بالعين

(1/329)


وبين شرائها بالعين أنه يتهم في بيع الماشية بالعين بالهروب بالزكاة عن الساعي، ولا تهمة عليه في اشتراء الماشية بالعين إذا كانت زكاة العين موكولة إلى أمانته ولم يكن مأخوذا بها.

فصل فإذا كان للرجل دنانير فأشترى بها ماشيه إبلا أو بقرا أو غنما فلا يخلو ذلك من وجهين: أحدهما أن يكون ما تجب فيه الزكاة. والثاني أن لا يبلغ ما تجب فيه الزكاة. فأما إن كان ما تجب فيه الزكاة فلا زكاة عليه فيها حتى يحول عليها الحول من يوم اشتراها فيزكيها زكاة السائمة كان اشتراها لقنية أو لتجارة.

فصل فإن باعها افترق الأمر فيها بين أن يكون اشتراها للقنية أو للتجارة. فإن كان اشتراها للقنية وباعها قبل أن يخرج من رقابها الزكاة فاختلف في ذلك قول مالك، مرة قال يستقبل بالثمن حولا من يوم باعها، ومرة قال يزكيها إذا حال عليها الحول من يوم ابتاعها. وكان القياس إذا لم يستقبل بالثمن حولا أن يزكيه على حول المال الذي ابتاعها به. وأما إن باعها بعد أن أخرج من رقابها الزكاة، فقيل إنه يزكيها إذا حال عليها الحول من يوم زكى رقابها ولا يدخل في ذلك اختلاف قول مالك. قال ذلك محمد بن المواز في موضع؛ وقال في موضع آخر: إن اختلاف قول مالك يدخل في ذلك فيستقبل بالثمن حولا على أحد قوليه، ويزكيها إذا حال عليها الحول من يوم أخرج زكاة رقابها على قوله الثاني. وكذلك ذكر ابن حبيب أن اختلاف قول مالك داخل فيها.

فصل وإن كان اشتراها للتجارة فباعها قبل أن يخرج من رقابها الزكاة زكاها على حول المال الذي اشتراها به، وإن كان باعها بعد أن أخرج من رقابها الزكاة زكاها إذا حال عليها الحول من يوم زكى رقابها، ولا اختلاف في هذا. وقال أبو إسحاق

(1/330)


التونسي: ينبغي أن يدخل فيها اختلاف قول مالك إذا باعها بعد أن أخرج من رقابها الزكاة فيستقبل بثمنها حولا من يوم باعها على أحد قولي مالك.

فصل وأما إن كانت الماشية التي باع بالدنانير لا تبلغ ما تجب فيه الزكاة فحكمها حكم العروض، إن كان إشتراها للتجارة وهو مدير قومها، وإن لم يكن مديرا فلا زكاة عليه فيها حتى يبيعها [ويحول الحول عليه من يوم زكى المال الذي اشتراها به وإن كان اشتراها للقنية فلا زكاة عليه فيها حتى يبيعها] ويستقبل بالثمن حولا من يوم باعها.

فصل وإذا كانت للرجل ماشية ورثها أو وهبت له ولم يشترها فباعها بدنانير ثم أخذ بها ماشية قبل أن يقبضها أو اشترى بها بعد أن قبضها ماشية أخرى منه أو من غيره من صنفها على مذهب ابن القاسم الذي يفرق في تحويل الماشية بين أن يحولها في صنفها أو غير صنفها. أو من غير صنفها على القول بالمساواة بين الوجهين ففي ذلك ثلاثة أقوال: أحدها أنه يستقبل بالغنم الثانية حولا في الوجوه كلها، وهو مذهب ابن القاسم. قال في كتاب ابن المواز: وكذلك لو استقاله فيها بعد أن باعها، لأن الإقالة بيع حادث. والثاني أنه يزكيها على حول الأولى، وهو قول ابن الماجشون في كتاب ابن المواز. والثالث أنه يستقبل بها حولا إن اشترى بالثمن من غيره ويزكيها على حول الأولى إن أخذها منه في الثمن أو اشتراها منه به. وهذا القول حكاه ابن حبيب في الواضحة عن مالك وأصحابه حاشا ابن القاسم.

فصل واختلف قول ابن القاسم إذا استهلك الرجل للرجل غنما فأخذ منه فيها غنما تجب فيها الزكاة، فمرة قال يزكيها على حول المستهلكة ومرة قال يستقبل بها

(1/331)


حولا. واختلاف قوله هذا إنما يصح عندي إذا كانت قد فاتت بالاستهلاك فوتا يوجب له تضمينه القيمة فيها وأما إذا فاتت أعيانها فلا اختلاف في أنه يستقبل بالغنم التي يأخذها منه في قيمتها الحول. ولو كانت قائمة بيد الغاصب لم تفت بوجه من وجوه الفوت لزكاها على حول الأولى بلا اختلاف، لأن ذلك كالمبادلة سواء، وبالله التوفيق.

فصل الدين لا يسقط زكاة ما عدا العين من الأموال التي تجب فيها الزكاة. والدليل على ذلك أن الله تبارك وتعالى قال: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] وقال: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] فعم ولم يخص من عليه دين ممن لا دين عليه في مال من الأموال. والعموم محتمل للخصوص، فخصص أهل العلم من ذلك من عليه دين في المال العين بإجماع الصحابة على ذلك، بدليل ما روي أن عثمان بن عفان كان يصيح في الناس: يا أيها الناس هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليؤده حتى تحصل أموالكم فتؤدون منها الزكاة. وبقي ما سوى ذلك على العموم. فلا يسقط الدين زكاة الحرث ولا الماشية، وكذلك زكاة الفطر عن العبيد على الصحيح من الأقوال، وهو قول ابن وهب عن مالك خلاف ظاهر ما في المدونة ونص ما في كتاب ابن المواز. وقد فرق أيضا بين العين وغيره في وجوب إسقاط الدين بتفاريق من جهة المعنى لا تخلص من الاعتراض، وقد يحتمل أن يكون صدر عنها الإجماع وبالله التوفيق.

[فصل في القول في زكاة الفطر]
فصل
في القول في زكاة الفطر اتفق جمهور أهل العلم على وجوب زكاة الفطر، واختلفوا هل هي واجبة

(1/332)


بالقرآن أو بالسنة، فقيل إنها فرض واجب بالقرآن داخلة في الزكاة التي قرنها الله بالصلاة في محكم التنزيل فقال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] ، وروي ذلك عن مالك. ودليله «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين وأخذها منهم» فكان ذلك من قوله وفعله بيانا لمجمل قول الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 103] ، وقد روي عن عمر بن عبد العزيز أنه قال في قَوْله تَعَالَى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} [الأعلى: 14] {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 15] أنها زكاة الفطر ثم الغدو إلى المصلى. وقيل إنها سنة واجبة فرضها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أي أوجبها. ولا يصح أن يكون معنى فرضها قدرها، لأن في الحديث الصحيح حديث ابن عمر «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فرض زكاة الفطر على الناس من رمضان صاعا من تمر أو صاعا من شعير» . وعلى تقتضي الوجوب واللزوم، ولا يجوز أن تكون على ههنا بمعنى عن لأن الموجب عليهم غير الموجب عنهم، وقد جمعهم في الحديث [فقال في الموجب عنهم على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين أي عن كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين] وهذا يقتضي أن ما أوجبه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ينطلق عليه اسم الفرض. وكان سبب فرضه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إياها الدواف التي كانت تدف عليه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أيام الهجرة بالمدينة، فكانوا ينزلون في المسجد ويأوون إليه، فإذا حضر الفطر رجع أهل القرار إلى ما أعد لهم أهلهم من الطعام، ويرجع أهل المسجد إلى غير شيء أعد لهم، ففرض رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زكاة الفطر وأمر بجمعها في المسجد، وكان أكثر ما يؤدون التمر لأنه كان جل عيشهم، فكانوا إذا انصرفوا إلى المسجد جلسوا عليه وأكلوا منه، فما فضل عنهم قسمه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين الفقراء والمساكين وقال: «أغنوهم عن طواف هذا اليوم» . وروي هذا القول عن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.

(1/333)


ومن أصحابنا من أطلق القول بأنها سنة وقال ما روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فرضها إنما معناه قدرها ووقتها، لأن الفرض يكون بمعنى التقدير والتوقيت. قال الله عز وجل: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] أي قدرها. وقد تقدم ما دل على ضعف هذا التأويل. وإنما يعزى إسقاط وجوب الفطر إلى ابن علية والأصم. فإن قال من ذهب إلى أنها سنة واجبة من السنن التي الأخذ بها فضيلة وتركها خطيئة فإنما يرجع ذلك إلى الاختلاف في العبارة على ما ذكرناه.

فصل وهي زكاة الرقاب زائدة إلى زكاة الأموال فتجب على الغني والفقير إذا كان له مال يؤديها منه وإن لم يكن له إلا ما يتصدق به عليه منها إذا كان فيه فضل عن قوت يومه. ويستحب له إذا لم يقدر على شيء أن يتسلف ويؤدي، وقيل إنها لا تجب على من تحل له، والأول أظهر، لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أغنوهم عن طواف هذا اليوم» .

فصل وهي تبع للنفقة عن الصغير والكبير والذكر والأنثى والحر والعبد من المسلمين، فيخرج الرجل زكاة الفطر عن نفسه وزوجه وخادم زوجه ومن في حجره من ولده إن لم يكن لهم مال، وعن أبويه إذا لزمته نفقتهما، وعن عبده وأم ولده ومدبره وعن مكاتبه لأنه عبد بعد، ونفقته على نفسه من ماله كنفقة العبد على نفسه من خراجه، فيؤدي عنه السيد زكاة الفطر من ماله لأنه هو المنفق عليه في الحقيقة، ولا يستطيع أن يأخذها من مال المكاتب لإحرازه ماله عنه بالكتابة. واختلف في المخدم فقيل إن صدقة الفطر على المخدم لأن النفقة عليه، وقيل إن صدقة الفطر على سيده لأن نفقة المخدم عليه كالإجارة على خدمته، فهو كمن أجر عبده بنفقته فالزكاة عليه لا على المستأجر.

(1/334)


فصل واختلف في نفقة المخدم فقيل إنها على المخدم وقيل إنها على المخدم، وقيل إنها إن كانت الخدمة قليلة فالنفقة على المخدم، وإن كانت الخدمة كثيرة أو حياة المخدم فالنفقة على المخدم الذي له الخدمة. وقيل إن الاختلاف إنما هو في الخدمة الكثيرة، ولا اختلاف في الخدمة اليسيرة أنها على رب العبد المخدم، ذهب إلى ذلك سحنون، والأول أصح أن في المسألة ثلاثة أقوال.

فصل ويستحب لمن وجبت عليه زكاة الفطر أن يؤديها يوم الفطر قبل الغدو إلى المصلى، فإن أخرجها قبل ذلك بيوم أو يومين أو ثلاثة أجزأ على الاختلاف فيمن أخرج زكاته قبل حلول الحول بيسير.

فصل واختلف في حد وجوبها على من كان من أهلها على قولين: أحدهما أنها تجب عليه بغروب الشمس من آخر يوم من رمضان، وهي رواية أشهب عن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، والثاني أنه لا تجب عليه إلا بعد طلوع الفجر من يوم الفطر، وهي رواية ابن القاسم عن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. والأصل في هذا الاختلاف اختلافهم في معنى ما ثبت من قول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنه فرض زكاة الفطر من رمضان على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين» ، فتؤول في رواية أشهب عنه أن مراده بالفطر من رمضان هو الفطر بعد انقضاء شهر رمضان أول ليلة من شوال وتؤول في رواية ابن القاسم عنه أن المراد به الفطر المنافي للصوم، وذلك لا يكون إلا بعد الفجر، وهو الأظهر، لأن الفطر بعد غروب الشمس من آخر يوم من رمضان كالفطر بعد غروبها في سائر الأيام، فلا يقال أفطر من رمضان إلا لمن أفطر بعد الفجر من شوال. وأما من أفطر بعد غروب الشمس من آخر يوم

(1/335)


رمضان فإنما يقال له أفطر من صوم ذلك اليوم بعينه، فلا اختلاف فيمن مات قبل غروب الشمس من آخر يوم من رمضان أن الزكاة ساقطة عنه، ولا اختلاف فيمن مات بعد طلوع الفجر من يوم الفطر أن الزكاة واجبة عليه. واختلف فيمن مات بعد غروب الشمس من آخر يوم من رمضان وقبل طلوع الفجر من يوم الفطر هل تجب عليه الزكاة أم لا على قولين كما ذكرنا.

فصل واختلف في حد انتقالها عمن وجبت عليه مثل العبد يباع أو يعتق والمرأة تتزوج أو تطلق أو الابن يحتلم أو يوسر أو الأبوان يعسران على أربعة أقوال: أحدها أن الزكاة تنتقل في ذلك كله إلى غروب الشمس من يوم الفطر، وهذا على أحد قولي مالك في المدونة في العبد يباع يوم الفطر إن الزكاة فيه على المبتاع. والثاني أنها تنتقل في ذلك كله إلى طلوع الشمس من يوم الفطر، حكى هذا القول عبد الوهاب. والثالث أنها تنتقل في ذلك كله إلى طلوع الفجر من يوم الفطر. والرابع أنها تنتقل في ذلك كله إلى غروب الشمس من آخر يوم من رمضان. واختار محمد ابن المواز وأشهب في أحد قوليه القول الثالث أنها تنتقل إلى طلوع الفجر من يوم الفطر، وأخذ به وراعى سائر الأقوال فقال في العبد إذا بيع بعد طلوع الفجر من يوم الفطر إلى غروب الشمس من يوم الفطر إن الزكاة واجبة على البائع ومستحبة على المبتاع، وإن بيع بعد غروب الشمس من آخر يوم من رمضان إلى طلوع الفجر من يوم الفطر إن الزكاة واجبة على المبتاع ومستحبة على البائع. وكذلك سائر ما ذكرناه مما تنتقل الزكاة فيه. وأخذ أشهب بجميع الأقوال احتياطا إذ لم يترجح عنده أحدها على صاحبه فقال إن البيع إذا وقع في العبد من بعد غروب الشمس من آخر يوم من رمضان إلى غروب الشمس من يوم الفطر إن الزكاة تجب عليهما جميعا. وكذلك على مذهبه سائر ما ذكرناه فيما تنتقل فيه الزكاة. وقول أشهب هذا على ما ذهب إليه أبو الفرج المالكي ومن ذهب مذهبه في أن المجتهد إذا تعارضت عنده أدلة الحظر والإباحة ولم يترجح عنده أحدهما أنه يأخذ بالإباحة،

(1/336)


وذهب أبو بكر الأبهري وبعض أصحاب الشافعي إلى أنه يأخذ بالحظر. فيجب على هذا أن لا يوجب الزكاة على واحد منهما. وفي المسألة قول ثالث، وهو أن الناظر مخير بين أن يأخذ بالحظر أو بالإباحة، فيجب على هذا أن يوجب الزكاة على أيهما شاء.

فصل وأما إن باع العبد قبل غروب الشمس من آخر يوم من رمضان فلا اختلاف أن الزكاة فيه على المبتاع. وكذلك إن باعه بعد غروب الشمس من يوم الفطر لا اختلاف في أن الزكاة فيه على البائع.

فصل وكذلك اختلف أيضا في حد وجوبها على من لم يكن من أهلها مثل النصراني يسلم والمولود يولد على هذه الأربعة الأقوال. وقد رأيت في المسألة قولا خامسا لابن الماجشون في الثمانية أن حد وجوبها إلى زوال الشمس من يوم الفطر لأنه الوقت الذي يجوز إليه تأخير صلاة العيد. وقوله في الكتاب في النصراني يسلم يوم الفطر إن الزكاة عليه مستحبة وليست بواجبة هو مثل ما حكيناه فوق هذا من قول ابن المواز في مراعاة الاختلاف. وأشهب يرى أن الزكاة لا تجب عليه إلا أن يسلم قبل طلوع الفجر من آخر يوم من رمضان، فهذه في النصراني ستة أقوال.

فصل واختلف أهل العلم فيما يجوز إخراج زكاة الفطر منه بعد إجماعهم على أنه يجوز إخراجها من الشعير والتمر على ستة أقوال.
أحدها قول ابن القاسم وروايته عن مالك أنها تخرج من غالب عيش البلد من تسعة أشياء، وهي القمح، والشعير، والسلت، والأزر، والذرة، والدخن، والتمر، والأقط، والزبيب. فإن كان عيشه وعيش عياله من هذه الأصناف من غير الصنف الذي هو غالب عيش البلد أخرج من الذي هو غالب عيش البلد، كان

(1/337)


الصنف الذي خص به نفسه أدنى أو أرفع، إلا أن يعجز عن إخراج أفضل مما يتقوت به فلا يلزمه غيره. هذا على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة. وذهب محمد بن المواز - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلى أنه لا ينظر إلى حال عيش أهل البلد وإنما ينظر إلى ما يتقوت به فيخرج منه كان أرفع من قوت أهل البلد أو أدنى، إلا أن يكون ترك ما يتقوت به أهل البلد إلى ما هو أدنى شحا وبخلا فيلزمه أن يخرج مما يتقوت به أهل البلد. ولا يخرج مما عداها من القطاني أصلا، وقيل إلا أن يكون عيشهم يزيد في الخصب والجدب يعني الرخص والشدة اختلف في ذلك قول ابن القاسم.
والثاني رواية يحيى عن ابن القاسم في العتبية أنها تخرج من خمسة أصناف، وهي القمح، والشعير، والتمر، والزبيب، والأقط، ولا تخرج من السلت والذرة والدخن والأرز إلا أن يكون ذلك عيشهم يزيد في الخصب والجدب. وعلى هذا القول لا تخرج من القطنية والجلجلان وإن كان ذلك عيشهم.
والثالث قول ابن الماجشون حكاه الفضل عنه أنها تخرج من خمسة أشياء، وهي: القمح، والشعير، والسلت، والتمر، والأقط.
والرابع قول أشهب أنها تخرج من ستة أشياء وهي القمح والشعير والسلت والتمر والأقط والزبيب.
والخامس قول ابن حبيب إنها تخرج من عشرة أشياء، فزاد العلس، وذهب إلى أنه مخير في القمح والشعير والتمر يخرج من أيها شاء كان عيشه من الأدنى أو الأرفع. فإن لم يكن قوته من واحدة منهن أخرج من أي ذلك كان قوته وقوت أهل بلده الشامل فيهم من السبعة الأشياء الباقية، فإن كان قوته وقوت أهل بلده من بعضها وأخرج فطرته من غيرها من هذه السبعة لم يجزئه. ظاهر قوله وإن كان الذي أخرج منها هو أفضل مما كان قوته وقوت أهل بلده. وانظر على مذهبه إن كان قوته وقوت عياله من هذه السبعة غير الذي يتقوت منه أهل البلد، فالأظهر أنه يخرج من الصنف الذي يتقوت به أهل البلد كان أفضل أو أدنى، إلا أن يكون الذي يتقوت به أدنى ولا يقدر على إخراج الفطر من الصنف الذي هو قوت أهل البلد.

(1/338)


فصل ووجه قول ابن حبيب في تخيير المزكي في الثلاثة الأصناف ظاهر حديث ابن عمر «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فرض الزكاة على المسلمين صاعا من تمر أو صاعا من شعير» ودخل القمح مدخل الشعير في التخيير لأنه أفضل منه ومن التمر ولم يخيره في سائر الأصناف، وجعل ما ورد في ذلك من قوله كذا أو كذا على التقسيم لا على التخيير، وهذا لا دليل عليه.
والسادس قول أهل الظاهر إن زكاة الفطر لا توفى إلا من التمر والشعير إتباعا لظاهر حديث [ابن عمر وتعلقوا في حديث] أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - برواية من روى «كنا نخرج زكاة الفطر صاعا من طعام صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو صاعا من أقط أو صاعا من زبيب» بإسقاط لفظة أو فيما بين القمح. والشعير، وتأولوا أن الشعير تفسير للطعام لوقوع لفظ الطعام على كل مطعوم، وهذا بعيد، لأن لفظ الطعام إذا أطلق فالظاهر منه القمح دون ما سواه مع ما جاء في بعض الروايات «صاعا من طعام أو صاعا من شعير» بزيادة أو فارتفع الإشكال والاحتمال.

فصل ومكيلة زكاة الفطر صاع من كل ما يؤدي منه حاشا القمح فإنه قد قيل فيه مدان ورويت في ذلك آثار عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعن عمر وغيره من الصحابة، وأنكر ذلك كله مالك، وقال عقيل وتبسم: والذي ذهب إليه هو الحق، والحجة على ما ذهب إليه في هذا قد ذكرها ابن المواز وغيره فلا معنى لذكرها، وبالله التوفيق.

(1/339)