المقدمات
الممهدات [كتاب البيوع
الفاسدة] [فصل في تقسيم البيوع في الصحة والفساد]
فصل في تقسيم البيوع في الصحة والفساد،
البيوع تنقسم على ثلاثة أقسام: بيوع جائزة، وبيوع محظورة، وبيوع مكروهة؛
فأما البيوع الجائزة فهي التي لم يحظرها الشرع، ولا ورد فيها نهي - وإنما
قلنا ذلك، لأن الله تعالى أباح البيع لعباده وأذن لهم فيه إذنا مطلقا،
وإباحة عامة - في غير ما آية من كتابه، من ذلك قَوْله تَعَالَى: {وَأَحَلَّ
اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] ، وقَوْله تَعَالَى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ
الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة:
9] ، ثم قال تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي
الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: 10] ، يريد التجارة
للبيع والشراء، ولفظ البيع لفظ عام لأن الاسم المفرد إذا دخل عليه الألف
واللام صار من ألفاظ العموم، قال الله عز وجل: {وَالْعَصْرِ} [العصر: 1]
{إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر: 2] {إِلا الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [العصر: 3] ، فاستثنى من الإنسان - جماعة
المؤمنين، لاقتضائه العموم، واللفظ العام إذا ورد يحمل على عمومه إلا أن
يأتي ما يخصصه، فإن خص منه شيء بقي ما بعد المخصوص على عمومه أيضا، فيندرج
تحت قوله
(2/61)
تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ}
[البقرة: 275] كل بيع، إلا ما خص منه بالدليل، وقد خص منه بأدلة الشرع بيوع
كثيرة؛ فبقي ما عداها على أصل الإباحة، ولذلك قلنا في البيوع الجائزة: إنها
جائزة ما لم يحظرها الشرع ولا ورد فيها النهي.
فصل والأشياء الموجودة بأيدي الناس تنقسم على قسمين (أحدهما) ما لا يصح
ملكه. (والثاني) ما يصح ملكه؛ فأما ما لا يصح ملكه، فلا يجوز بيعه بإجماع،
كالحر والخمر والخنزير والقرد والدم والميتة وما أشبه ذلك، وأما ما يصح
ملكه، فإنه ينقسم على قسمين: (أحدهما) ما لا يصح بيعه - إما لأنه على صفة
لا يجوز بيعه عليها كالعبد الآبق والجمل الشارد، وتراب الصواغين، وما أشبه
ذلك؛ وإما لأن الشرع حرم بيعه كالأوقاف، ولحوم الضحايا - عند جماعة
العلماء، والمصحف عند بعضهم، والكلب المأذون في اتخاذه عند بعض أصحابنا.
(والثاني) يصح بيعه ما لم يقع على وجه يمنع الشرع منه.
فصل والوجوه التي يمنع الشرع من عقد البيع عليها كثيرة، منها ما يعود إلى
الثمن والمثمون، ومنها ما يعود إلى حال المتبايعين، ومنها ما يعود إلى
الحال التي وقع فيها البيع؛ فأما ما يعود منها إلى الثمن والمثمون، فعدمها
شرط في صحة البيع وجودا وعدما باتفاق، كعدم الربا ومعرفة الثمن والمثمون
وعدم الجهل بهما والغرر فيهما إلى ما سوى ذلك مما يشترط في صحة البيع؛ وأما
ما يعود منها إلى حال المتبايعين أو إلى الحال التي وقع فيها البيع؛ ففيه
تفصيل واختلاف سأبينه فيما بعد إن شاء الله تعالى.
(2/62)
فصل وأما البيوع المحظورة فإنها تنقسم إلى
قسمين، أحدهما ما كان محظورا لحق آدمي، والثاني ما كان محظورا لحق الله
تعالى؛ فأما ما كان منها محظورا لحق آدمي، فإنها موقوفة على إجازة من حظرت
لحقه. وأما ما كان منها محظورا لحق الله تعالى، فإنها تنقسم إلى أربعة
أقسام، (أحدها) ما كان محظورا لتعلقه بالمحظور في الشرع دون أن يطابقه نهي
أو يخل فيه بشرط من الشرائط المشترطة في صحته. (والثاني) ما طابقه النهي
ولم يخل فيه بشرط من الشرائط المشترطة في صحته. (والثالث) ما أخل فيه بشرط
من شرائط صحته. (والرابع) بيوع الشروط وهي التي يسميها الفقهاء بيوع
الثنيا.
فصل فأما القسم الأول وهو ما كان محظورا لتعلقه بالمحظور دون أن يطابقه نهي
أو يخل فيه بشرط من شرائط صحته، مثل أن يبيع قبل الصلاة في آخر وقتها بقدر
ما لا يدرك قبل تمامه إلا ركعة من الصلاة، ويعلم أنه يفوته جميع الوقت
باشتغاله بالبيع، ومثل البيع والشراء في موضع مغصوب وما أشبه ذلك، فإن
البيع على هذا الوجه حرام محظور غير جائز، إلا أنه إذا وقع لم يفسخ، فات أو
لم يفت، باتفاق، إلا ما كان من هذا النوع علة الحظر فيه باقية ببقاء
المبيع، مثل شراء النصراني المصحف والمسلم، أو شراء الدين على الرجل إرادة
الإضرار به، فقيل: إنه يفسخ لبقاء علة الحظر فيه بعد البيع، وقيل: إنه لا
يفسخ وترفع العلة ببيع المشترى على المشتري.
فصل وأما القسم الثاني وهو ما طابقه النهي ولم يخل فيه بشرط من الشرائط
(2/63)
المشترطة في صحته، مثل البيع في وقت
الجمعة، وبيع حاضر لباد وبيع الرجل على بيع أخيه، وبيع التلقي وبيع
التفرقة، وما أشبه هذا من البيوع، فيختلف أهل العلم فيها إذا وقعت على
قولين، فمن رأى أن النهي لا يقتضي فساد المنهي عنه، لم يفسخها وإن كانت
السلعة قائمة لم تفت، ومن رأى أن النهي يقتضي فساد المنهي عنه، فسخها إن
كانت قائمة أو فائتة. وإن كانت قائمة ردت بعينها. وإن كانت فائتة ردت
قيمتها وكان رد قيمتها كرد عينها؛ وفي هذا النوع من البيوع قول ثالث، أنها
تفسخ ما كانت السلعة قائمة، فإن فاتت مضت بالثمن ولم ترد إلى القيمة، وهو
قول بين القولين لا يجري على قياس.
فصل وأما القسم الثالث من البيوع وهو ما أخل فيه بشرط من شرائط صحته، فإنها
تنفسخ على كل حال، ولا خيار في ذلك لأحد المتبايعين، وترد السلعة إلى
البائع إن كانت قائمة، أو قيمتها يوم القبض إن كانت فائتة، ويرد البائع
الثمن على المشتري، وقد تقدم ذكر بعض الشروط المشترطة في صحة البيع، وأن من
ذلك أن يكون مبلغ الثمن والمثمون معلوما، ولا يلزم أن يزيد في هذا الشرط
حال العقد إلا على مذهب عبد العزيز بن أبي سلمة الذي لا يجيز شراء الصبرة
على الكيل، كل قفيز بدرهم؛ إذ لا يعلم مبلغ الثمن والمثمون حال العقد،
وإنما يعلم بعد الكيل؛ فإذا باع الرجل السلعة بثمن مجهول أو إلى أجل مجهول،
أو ما أشبه ذلك؛ فسخ على كل حال في القيام والفوات، شاء المتبايعان أو
أبيا.
فصل وأما القسم الرابع - وهي بيوع الشروط التي يسميها أهل العلم بيوع
الثنيا - فذلك مثل أن يبيع الرجل السلعة على أن لا يبيع ولا يهب، أو على أن
يتخذها أم ولد، أو على أن لا يخرج بها من البلد، أو على أن لا يعزل عنها،
أو على أن لا يجيزها البحر، أو على إن باعها فهو أحق بها بالثمن الذي
يبيعها به، أو على أنه فيها بالخيار إلى أجل بعيد لا يجوز الخيار إليه، أو
ما أشبه ذلك من الشروط التي
(2/64)
تقتضي التحجير على المشتري في السلعة التي
اشترى؛ فهذا النوع من البيوع اختلف فيه إذا وقع شيء منها على قولين،
(أحدهما) أنه يفسخ ما دام البائع متمسكا بشرطه، وإن ترك الشرط صح البيع،
وإن فاتت السلعة كان فيها الأكثر من القيمة أو الثمن. وقيل: إنه يرجع
البائع على المشتري إذا فاتت بمقدار ما نقص من الثمن بسبب الشرط على كل
حال، ولا ينظر في ذلك إلى القيمة، كانت أقل من الثمن أو أكثر؛ ووجه العمل
في ذلك على هذا القول أن تقوم السلعة بشرط وبغير شرط، فما كان بين القيمتين
من الأجزاء رجع البائع على المبتاع بذلك الجزء من الثمن؛ فهذا حكم هذا
الباب على هذا القول. وهو المشهور في المذهب - إلا في مسألة واحدة، وهي
شراء الرجل السلعة على أنه فيها بالخيار إلى أجل بعيد لا يجوز الخيار إليه،
فإنه يفسخ فيها البيع على كل حال، ولا يمضي - إن رضي مشترط الخيار بترك
الشرط، لأن رضاه بذلك ليس تركا منه للشرط، وإنما هو مختار للبيع على الخيار
الفاسد الذي اشترط. والقول الثاني أن حكم هذه البيوع كلها حكم ما فسد من
البيوع للإخلال بشرط من شروط صحتها، فيفسخ على كل حال، كانت قائمة أو
فائتة، شاء المتبايعان أو أبيا، ولا خيار في ذلك لواحد منهما؛ فإن كانت
السلعة قائمة ردت بعينها، وإن كانت فائتة ردت قيمتها على البائع بالغة ما
بلغت ورد الثمن على المشتري.
فصل
واختلف أيضا في البيع والسلف إذا وقع، فقيل: يفسخ ما دام مشترط السلف
متمسكا بشرطه، فإن رضي بتركه على مذهب سحنون أو رده على مذهب ابن القاسم -
يريد - والله أعلم - قبل أن يغيب عليه غيبة ينتفع فيها به، صح البيع - ولم
يفسخ، فإن فاتت السلعة، قال ابن حبيب: ولم يقبض السلف، كان فيها الأقل من
الثمن أو القيمة - إن كان المشتري هو مشترط السلف، أو الأكثر من القيمة، أو
الثمن إن كان البائع هو مشترط السلف، كالحكم في بيوع الثنيا سواء، هذا قول
ابن القاسم في المدونة وفي العشرة ليحيى عن ابن القاسم: أن فيها القيمة
بالغة ما بلغت،
(2/65)
كانت أقل من الثمن أو أكثر، وهي ظاهر
روايته عنه في السلم والآجال، من العتبية، وعلى هذا يفسخ البيع إن شاء
المتبايعان أو أبيا إذا كانت السلعة قائمة.
فصل فيحتمل أن تكون رواية يحيى عن ابن القاسم هذه على مذهب من يرى في بيوع
الثنيا أنها فاسدة، فتفسخ على كل حال ولا خيار لأحد المتبايعين في إمضائها؛
ويحتمل أن يكون رأي اشتراط السلف في البيع أشد من تلك الشروط، لأن شرط
السلف في البيع إنما أراد الانتفاع به إلى الأجل الذي سمياه، والانتفاع به
مجهول، فآل الأمر إلى الجهل بالثمن إن كان البائع هو مشترط السلف، أو إلى
الجهل بالمثمون إن كان المشتري هو مشترط السلف، والعلم بالثمن والمثمون
مشترط في صحة البيع، وقد جعل مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - في رواية
أشهب عنه من كتاب العيوب من العتبية البيع والسلف أخف من بيوع الثنيا، فقال
في الذي يبيع الجارية بشرط أن تتخذ أم ولد: إن البيع يفسخ وإن رضي البائع
بترك الشرط، وفي الذي باع بشرط السلف، أن البيع لا يفسخ إذا رضي البائع
بترك السلف، فلم ير على هذه الرواية أن اشتراط السلف من أحد المتبايعين على
صاحبه - يوجب مجهلة في الثمن لا في المثمون، إذ لم يتحقق عنده أن مشترط
السلف قصد إلى بيع سلعته بالثمن الذي سماه وبما يربح في السلف، إذ قد لا
يريده للتجارة فيه وإنما غرضه فيه أن يبتاع به عرضا يقتنيه أو ثوبا يلبسه
أو طعاما يأكله أو ينفع به رجلا فيسلفه إياه أو يهبه أو يتصدق به عليه أو
ما أشبه ذلك من وجوه المنافع الموجودة فيه، لأن الشرط إذا آل به البيع إلى
الغرر، أو المجهلة في الثمن أو المثمون، فالبيع فاسد مفسوخ على كل حال، ولا
خيار في إمضائه لأحد المتبايعين في قيام السلعة، وفيه القيمة بالغة ما بلغت
في فواتها.
فصل وإنما قلنا ذلك؛ لأن الشروط المشترطة في البيوع على مذهب مالك رحمه
(2/66)
الله تنقسم على أربعة أقسام، (أحدهما) يفسخ
به البيع على كل حال، ولا خيار في إمضائه لأحد المتبايعين، فإن كانت السلعة
قائمه ردت بعينها؛ وإن كانت فائتة، صح البيع فيها بالقيمة - بالغة ما بلغت،
كانت أكثر من الثمن أو أقل؛ وهو ما آل البيع به إلى الإخلال بشرط من الشروط
المشترطة في صحة العقد، كعدم الربا والغرر في الثمن أو المثمون وما أشبه
ذلك. (والثاني) يفسخ فيه البيع ما دام مشترط الشرط متمسكا بشرطه، فإن رضي
بترك الشرط صح البيع إن كان لم يفت، وإن كان قد فات كان فيها الأقل من
الثمن أو القيمة، أو الأكثر من القيمة أو الثمن على التفسير الذي قدمناه في
بيوع الثنيا. (والثالث) يجوز فيه البيع والشرط، وذلك إذا كان الشرط صحيحا
ولم يؤل البيع به إلى غرر ولا فساد في ثمن ولا مثمون، ولا إلى ما أشبه ذلك
من الإخلال بشرط من الشرائط المشترطة في صحة البيع، وذلك مثل أن يبيع الرجل
الدار ويشترط سكناها أشهرا معلومة، أو يبيع الدابة ويشترط ركوبها أياما
يسيرة أو إلى مكان قريب، أو يشترط شرطا يوجبه الحكم، وما أشبه ذلك.
(والرابع) يجوز فيه البيع ويفسخ الشرط، وذلك ما كان الشرط فيه غير صحيح،
إلا أنه خفيف فلم يقع عليه حصة من الثمن، وذلك مثل أن يبيع السلعة ويشترط
إن لم يأت بالثمن إلى ثلاثة أيام أو نحوها فلا بيع بينهما، مثل الذي يبتاع
الحائط بشرط البراءة من الجائحة، لأن الجائحة لو أسقطها بعد وجوب البيع، لم
يلزمه ذلك، لأنه أسقط حقا قبل وجوبه؛ فلما اشترط إسقاطها في عقد البيع، لم
يؤثر ذلك عنده في حصته؛ لأن الجائحة أمر نادر فلم يقع لشرطه ذلك حصة من
الثمن، ولم يلزم الشرط، إذ حكمه أن يكون غير لازم إلا بعد وجوب الرجوع
بالجائحة وما أشبه ذلك؛ فهذا مذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - في
الشروط المقترنة بالبيع، وعلى هذا الترتيب لا يتعارض ما روي عن النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في هذا الباب، خلاف ما ذهب إليه أهل
العراق، روي أن عبد الوارث بن سعيد قال: قدمت مكة فوجدت فيها أبا حنيفة،
وابن أبي ليلى، وابن شبرمة - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -،
فسألت أبا حنيفة فقلت: ما تقول في رجل باع بيعا واشترط شرطا، فقال: البيع
باطل والشرط
(2/67)
باطل، ثم أتيت ابن أبي ليلى فسألته فقال:
البيع جائز والشرط باطل، ثم أتيت ابن شبرمة فسألته فقال: البيع جائز والشرط
جائز؛ فقلت: سبحان الله، ثلاثة من فقهاء العراق اختلفوا في مسألة واحدة،
فأتيت أبا حنيفة فأخبرته، فقال: لا أدري ما قالا، حدثني عمرو بن شعيب، عن
أبيه، عن جده، «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن
بيع وشرط» . ثم أتيت ابن أبي ليلى فأخبرته، فقال: لا أدري ما قالا، حدثني
هشام بن عروة عن أبيه عن «عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: أمرني
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن أشتري بريرة وأعتقها -
وإن اشترط أهلها الولاء، فإن الولاء لمن أعتق» البيع جائز والشرط باطل. ثم
أتيت ابن شبرمة فأخبرته فقال: لا أدري ما قالا، حدثني مسعر بن كدام عن
محارب بن دثار، عن «جابر قال: بعت من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - ناقة وشرط لي حلابها وظهرها إلى المدينة،» فالبيع جائز، والشرط
جائز؛ فعرف مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الأحاديث كلها واستعملها في
مواضعها، وتأولها على وجوهها؛ فأما أبو حنيفة وابن أبي ليلى وابن شبرمة فلم
يمعنوا النظر، ولا أحسنوا تأويل الآثار، والله يوفق من يشاء.
وأما البيوع المكروهة، فهي التي اختلف أهل العلم في إجازتها، والحكم فيها
أن تفسخ ما كانت قائمة، فإن فاتت لم ترد، مراعاة للاختلاف فيها، كذا روى
ابن وهب عن مالك أن البيع المكروه لا يرد إذا فات، وبعضها أشد كراهية من
بعض، فمنها ما العقد فيه فوت، ومنها ما القبض فيه فوت، ومنها ما فوات العين
فيه فوت، ومنها ما يختلف فيما يفوت به، كشراء الزرع إذا أفرك قبل أن ييبس،
وما أشبه ذلك.
(2/68)
فصل فلا يخرج شيء من البيوع عن هذه
الأقسام، وإن وجد بين أصحاب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اختلاف في
بيع من البيوع، فإنما ذلك لاختلافهم من أي قسم هو من الأقسام المذكورة.
فصل ومن بيوع الشروط ما يختلف فيه: هل هو بيع أو غير بيع، مثل أن يبيع
الرجل السلعة على أن لا نقصان على المشتري، فاختلف هل هو بيع فاسد، أو
إجارة فاسدة؛ ومنه أن يبيع الرجل السلعة على أنه متى جاءه بالثمن فهو أحق
بها، فاختلف فيه هل هو بيع فاسد أو سلف جر منفعة، والقولان في كتاب بيوع
الآجال من المدونة.
(2/69)
|