المقدمات الممهدات

 [كتاب الاستبراء] [القول في حقيقة الاستبراء]
القول في حقيقة لفظ الاستبراء.
الاستبراء هو: البحث عن الأمر والكشف عنه والوقوف على حقيقته؛ هذا موضوع هذه اللفظة في اللغة.
إلا أنها قد تصرفت عند الفقهاء بالكشف عن حال الأرحام ليعلم أَن كانت بريئة من الحمل أو مشغولة به؛ وذلك يكون بالحيض الذي كتبه الله على بنات آدم، وجعله حفظا للأنساب، وعلما لبراءة الأرحام، أو ما يقوم مقام الحيض عند عدمه من الشهور والأيام.

فصل واستبراء الإماء في البيع واجب لحفظ النسب كوجوب العدة التي فرضها الله في كتابه وجعلها حدا من حدود عباده، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم سبى أوطاس: «لا توطأ حامل حتى تضع، ولا حائل حتى تحيض» ، وقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يغشى رجلان امرأة في طهر واحد» . فوجب على كل من

(2/141)


انتقل إليه ملك أمة ببيع أو هبة أو ميراث أو وصية أو بأي وجه كان من وجوه الملك - ولم يعلم براءة رحمها - أن لا يطأها حتى يستبرئها، وسواء كانت الأمة رفيعة أو وضيعة كبيرة أو صغيرة إذا كانت ممن يوطأ مثلها، ولا يؤمن الحمل عليها، فإن أمن الحمل عليها لصغرها أو كبرها، وكانت الصغيرة ممن يوطأ مثلها، فمذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وأكثر أصحابه إيجاب الاستبراء فيها، وذهب مطرف وابن الماجشون إلى أنه لا يجب الاستبراء فيها، وجاء ذلك عن جماعة من السلف منهم عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وسعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، والقاسم بن محمد، وابن شهاب، وأبو الزناد، وربيعة، وابن هرمز وغيرهم.

فصل والاستبراء يجب بأربعة أوصاف وهي الملك، وأن لا يعلم براءة الرحم وأن يكون الفرج حلاله وأن لا يكون حلاله قبل ذلك فمتى انخرم وصف من هذه الأوصاف لم يجب الاستبراء.

فصل فإذا قلنا هذا فإن الاستبراء يحصل بما يغلب على الظن ببراءة الرحم به من الحمل، وذلك حيضة واحدة في ذوات الحيض، إذ لا يتعلق بها معنى من العبادة ولا حرمة الحرية، فيشترط فيه تكرير الحيض كالعدة.

فصل فأما من لا تحيض من صغر أو كبر، فاستبراؤها على مذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وأصحابه ثلاثة أشهر، وقيل: شهران، وقيل: شهر ونصف، وقيل: شهر واحد، وحجة من قال: شهر - أن الله جعل العدة في الطلاق ثلاثة قروء في ذوات الحيض، وفي اليائسة من المحيض، والتي لم تحض ثلاثة أشهر، فكان بإزاء كل قرء

(2/142)


شهر، فكما وجب على الأمة في الاستبراء حيضة واحدة إذا كانت ممن تحيض وجب عليها - إذا كانت ممن لا تحيض من صغر أو كبر شهر واحد، وهذه حجة من قال استبراؤها شهران في الشهر الواحد.
وقال في الثاني: إنه زيد عليها استقصاء للريب؛ وحجة من قال: شهر ونصف، أن عدة الحرة اليائسة من المحيض أو التي لم تحض ثلاثة أشهر، والأمة على النصف من الحرة في عدة الطلاق؛ فشددوا عليها في البيع فبلغوها في الاستبراء فيه مبلغ الاستبراء في الطلاق، وهذا كله لا حجة فيه؛ والقول ما قال مالك وأصحابه؛ لأن الحمل لا يتبين في أقل من ثلاثة أشهر، والاستبراء إنما هو ليعلم براءة الرحم من الحمل، فإذا لم يتبين الحمل في أقل من ثلاثة أشهر، وجب أن لا يحصل الاستبراء بدونها، وهذا بين لمن تأمله.

فصل فإن كانت الأمة ممن تحيض فاستحيضت أو ارتفعت حيضتها، فقيل: تستبرئ تسعة أشهر رواه ابن وهب وأشهب عن مالك، وروى ابن غانم وابن القاسم عنه أن ثلاثة أشهر تجزئ في استبرائها إذا نظر إليها النساء فلم يجدن بها حملا.

فصل وأما إن كانت لا تحيض من مرض أو رضاع، أو لا تأتيها حيضتها إلا من فوق التسعة الأشهر إلى مثل ذلك، فثلاثة أشهر تبرئها من الاستبراء، ولا أعلم في هذا نص خلاف وقد يدخل الخلاف في بعض هذه الوجوه بالمعنى، واختلف قول ابن القاسم إذا كانت تحيض من فوق الثلاثة الأشهر إلى فوق الثلاثة فيما دون التسعة الأشهر، هل تنتظر الحيض أو تبرأ بالثلاثة الأشهر.
فصل فإن اشترى الرجل أمة فوطئها قبل أن يستبرئها فعليه العقوبة الموجعة مع

(2/143)


طرح الشهادة، فإن حملت فماتت قبل أن تضع وقد كان البائع وطئها في ذلك الطهر، فمصيبتها منه كان موتها بأقل من ستة أشهر من يوم وطئها المشتري، أو لأكثر منها ما بينها وبين ما تلحق به الأنساب من الأول، وإن لم يكن البائع وطئها في ذلك الطهر فمصيبتها من المبتاع.

فصل فإن لم تمت ووضعت فلا يخلو وضعها من أن يكون لأقل من ستة أشهر أو لأكثر منها، فإن كان لأقل من ستة أشهر والبائع مقر بالوطء في ذلك الطهر، فالولد ولده والأمة أم ولد له سقطا كان الولد أو تماما، حيا كان أو ميتا، وأما إن كان البائع منكرا للوطء في ذلك الطهر، فالولد ولد الأمة لا والد له والمشتري بالخيار إن شاء أن يأخذها وإن شاء أن يتركها؛ لأن ذلك عيب فيها؛ وهذا إذا ولدته حيا أو ميتا تام الخلقة، لا يشبه أن يكون من المشتري، وأما إن وضعته سقطا يشبه أن يكون من المشتري فهو منه وهي أم ولد له، وأما إن أتت به لستة أشهر فصاعدا، قال في رواية أصبغ عن ابن القاسم أو مقدار نقصانها بالأهلة والبائع مقر بالوطء في ذلك الطهر، فلا يخلو ذلك من وجهين: أحدهما: أن تكون وضعته حيا، والثاني: أن تكون وضعته ميتا أو سقطا، فأما إن كان حيا فإنه تدعى له القافة، فمن ألحقوه به منهما لحق به، وكانت الأمة أم ولد له، وهذا إذا لم يدعيا الولد؛ فأما إن ادعياه جميعا فإن الأمة تكون معتقة منهما جميعا ويرجع المشتري بنصف الثمن على البائع؛ وأما إن كان ميتا أو سقطا ففي ذلك اختلاف، روى أصبغ عن ابن القاسم أنه من المبتاع وأن الأمة أم ولد له، وقال يحيى بن سعيد في المدونة: تعتق عليهما جميعا، والأظهر أن يلحق بالبائع وتكون الأمة أم ولد له؛ وأما إن كان البائع منكرا للوطء فالأمة أم ولد للمبتاع وولدها لاحق به، وقد قيل: إن الولد للأول والأمة أم ولد منه، فإن ولدته حيا لأكثر من ستة أشهر فلا تدعى له القافة؛ لأن فراش الأول صحيح وفراش الثاني فاسد، وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الولد للفراش وللعاهر الحجر» .

(2/144)


وأجمعوا - لهذا الحديث - أن الزوجين إذا وطئا المرأة في طهر واحد أن الولد للأول وإن أتت به لأكثر من ستة أشهر لصحة فراشه، ولا فرق بين الموضعين.

فصل وإن بقيت الأمة المبيعة بيد البائع فوطئها بعد البيع قبل الاستبراء، وقد كان المبتاع ائتمنه على استبرائها وهي ممن تجب مواضعتها لرفعتها، أو لأن البائع كان يطؤها فإنها تكون أم ولد له ويبطل البيع، وإن كان وطؤه إياها بعد استبرائها بائتمان المبتاع له على استبرائها وكانت من وخش الرقيق التي لا مواضعة فيها، وقد انتقد فإنه يحد ولا يلحق به الولد وتكون الأمة وولدها للمبتاع، واختلف إن كان لم ينقد ووطئها وهي عنده محبوسة بالثمن؛ فقال ابن القاسم: يدرأ عنه الحد بالشبهة ويأخذ المشتري جاريته وتكون على البائع قيمة الولد، وقال سحنون: تكون له أم ولد ويبطل البيع، وبالله سبحانه وتعالى التوفيق.

فصل في معنى المواضعة ووجوبها قد مضى الكلام في الاستبراء، وأنه واجب عند الجميع لحفظ النسب كوجوب العدة التي أوجبها الله في كتابه وجعلها حدا من حدود عباده.
وأما المواضعة، وهي: أن توضع الأمة المستبرأة على يدي امرأة عدلة حتى تحيض، فإن حاضت تم البيع فيها للمشتري، وإن لم تحض وألفيت حاملا ردت إلى البائع، إلا أن يشاء المشتري إذ يقبلها إن لم يكن الحمل من البائع؛ فهي واجبة عند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وعامة أصحابه لرفع الغرر والخطر والسلف الذي يجر المنافع - إن نقد في الأمة الرفيعة التي تراد للوطء وليست بظاهرة الحمل ولا معرضة لحمل يتبعها في البيع، كذات الزوج والزانية وفي التي وطئها البائع وإن كانت وضيعة؛ وأخصر من هذه العبارة أن نقول: إن المواضعة تجب في الأمة التي

(2/145)


ينقص الحمل من ثمنها كثيرا وفي التي وطئها البائع فيصح ذلك؛ لأن الوخش وذات الزوج والزانية لا ينقص الحمل من قيمتها كثيرا، والصغيرة لا يخشى منها الحمل، إذا كان مثلها لا يوطأ.

فصل واختلف في التي توطأ ولا يحمل مثلها لصغرها، فرأى مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فيها المواضعة، وقال مطرف وابن الماجشون: لا مواضعة فيها وهو مبني على استبراء من كانت في هذا الحد. وقد تقدم ذكر ذلك.

فصل وإنما وجبت المواضعة فيمن كانت هذه صفتها من الإماء ولم يكن الحمل إن ظهر بها كسائر ما يظهر من العيوب بالمبيع فيكون المشتري مخيرا بين الرد والإمساك، أو كالجنون والجذام والبرص الذي إن ظهر بالعبد أو الأمة في السنة رد به وجاز البيع من غير مواضعة؛ لأن الجنون والجذام والبرص أمر نادر في توقيف العبد والأمة حولا كاملا لاستبراء الجنون، والجذام والبرص ضرر بين بالمتبايعين؛ وأما الحمل في الأمة فليس بنادر بل هو أمر عام، وقد قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: جل النساء على الحمل ومدة إيقافها للمواضعة يسيرة لا ضرر في ذلك على المتبايعين، وفيه رفع الغرر والخطر وغير ذلك مما لا يجوز من السلف الذي يجر نفعا إن نقد المشتري الثمن.

فصل والحكم بالمواضعة واجب في كل بلد كانت جارية فيه أو لم تكن، لم يختلف قول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في ذلك كما اختلف في العهدة؛ وكذلك تجب أيضا عنده على كل أحد كان حاضرا أو مسافرا، وقد سئل مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن ذلك في أهل منى وأهل مصر عند الخروج إلى الحج في الغرباء الذين يقدمون، فرأى أن يحملوا على ذلك على ما أحبوا أو كرهوا، وسواء باع الأمة ربها أو وكيل له، أو

(2/146)


باعها عليه السلطان في الدين - وإن كان بيعه بيع براءة، المواضعة في ذلك كله واجبة؛ لأن بيع البراءة لا يسقط المواضعة عند مالك، وسواء باع بنقد أو إلى أجل، كان ممن يطأ أو لا يطأ؛ إلا أنه إن باع بنقد لم يجز النقد في المواضعة بشرط - لما قدمناه من أنه يدخل ذلك البيع والسلف الذي يجر منفعة.

فصل وقد اختلف في توقيف الثمن في أيام المواضعة؛ هل يحكم به أم لا؟ على قولين، وظاهر ما في كتاب البيوع الفاسدة من المدونة أنه يوضع على يدي عدل، وهو قول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الواضحة وكتاب ابن عبدوس وقول ابن المواز، وفي العتبية لمالك خلاف ذلك، أنه لا يحكم بوضعه على يدي عدل ولا يجب على المشتري إخراج الثمن حتى تجب له الأمة بخروجها من الاستبراء وهو ظاهر ما في كتاب الاستبراء من المدونة.

فصل فإن وضع الثمن على يدي عدل فتلف قبل خروجها من الاستبراء كانت مصيبته ممن كان يصير إليه، هذا قول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - في كتاب الاستبراء من المدونة، وقيل: إن الثمن من المبتاع، وروي ذلك عن مالك، وعلى قوله هذا: إن خرجت الجارية صحيحة من المواضعة لزمه ثمن آخر للبائع وتم البيع بينهما، وقيل: إنه يفسخ البيع؛ ومعناه - عندي - إن لم يرد أن يؤدي ثمنا آخر من عنده، واختلف أيضا: إن خرجت معيبة في المواضعة والثمن قد تلف، فقيل: إنه يأخذها بالثمن التالف، وقيل: ليس ذلك له إلا بثمن آخر، وفرق ابن الماجشون في ديوانه على ما فسر ابن عبدوس عنه بين أن يحدث العيب قبل تلف الثمن أو بعده، فقال: إن حدث العيب قبل تلف الثمن، كان له أن يأخذها معيبة بذلك الثمن التالف؛ لأن الخيار قد كان وجب له قبل تلف الثمن، فليس يسقط ذلك عند تلف الثمن، وإن تلف الثمن بعد حدوث العيب لم يكن له أن يأخذها بذلك الثمن التالف إلا بثمن يدفعه.

(2/147)


فصل وضمان الأمة في عهدة المواضعة ومن البائع والنفقة عليه فما لحقها من موت أو نقص جسم فهو من البائع، وللمبتاع في الموت إمساك جميع الثمن إن كان لم يخرجه، وارتجاعه إن كان أخرجه؛ وله فيما كان من نقص في جسدها خيار الرد بالعيب والإمساك، وأما ما كان في غير جسدها كالزنا والسرقة وشرب الخمر وما أشبه ذلك، فجمهور أصحاب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - على أن له الرد بذلك، وحكى ابن حبيب عن أصبغ أنه لا يردها به، وجه قول الجمهور: أن هذا عيب لو كان أقدم من أمد التبايع لردت به، فإذا حدث في مدة المواضعة كان له الرد به كنقص الجسم؛ ووجه قول أصبغ: أن مثل هذا يمنع البائع بيعها أبدا؛ لأنها متى أرادت البقاء عنده أحدثت مثل هذا في مدة المواضعة فترد عليه، وما كان بهذه الصفة وجب أن يمنع منه.

فصل وما حدث لها من مال بهبة أو صدقة أو ما أشبه ذلك فهو للبائع، إلا أن يكون المشتري اشترط مالها في البيع، فيكون ما حدث لها من مال في المواضعة تبعا للمال.

فصل وأما ما حدث لها من ولد، فقال ابن القاسم: هو للمبتاع؛ لأنه كعضو منها أصله نماء الجسم، وقال أشهب: هو للبائع، ووجه قوله: إنه نماء منفصل عنها في مدة المواضعة، أصله نماء المال.

فصل فإن اشترط البراءة من الحمل في الرفيعة فالبيع فاسد والمصيبة فيها من المشتري إن تلفت بعد قبضه لها كحكم البيوع الفاسدة، وذلك بعد خروجها من

(2/148)


عهدة الثلاث - والله أعلم، هذا هو المشهور من قول مالك وأصحابه - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وقيل: الشرط باطل والبيع جائز، وقع هذا القول في كتاب محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال ابن عبد الحكم: الشرط جائز والبيع جائز قياسا على ما رجع إليه مالك من إجازة البراءة من الجنون والجذام والبرص، بعد أن كان يقول: لا تجوز البراءة فيما يعظم من الأشياء.

فصل وأما إن باعها بشرط ترك المواضعة، فالبيع جائز والشرط باطل، ويحكم بينهما بالمواضعة وتخرج من يد المشتري إلى المواضعة، فإن تلفت بيد المشتري قبل أن يعثر على ذلك فيما يكون فيه استبراء لها من المدة - وذلك شهر على ما قاله ابن المواز وابن حبيب، إن لم تكن أيام حيضتها معروفة؛ إذ الشهر أغلب أحوال النساء في الحيض، وإن كانت أيام حيضها معروفة، بقدرها، كانت مصيبتها من المشتري.
وإن لم يمض لها من المدة ما تستبرَأ فيه فماتت، كان ضمانها من البائع، هذا قول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في المدونة، ومثله حكى ابن حبيب في الواضحة وفي المبسوط لإسماعيل القاضي عن مالك رحمهما الله: أن المصيبة من المشتري إن كان تلفها عنده بعد انقضاء عهدة الثلاث في البيع على هذا الوجه؛ وجه هذا القول أن هذا الشرط لا يفسد البيع فيعمل ما لم يحكم بنقضه؛ ووجه القول الأول أن الشرط فاسد يجب الحكم بفسخه فلا يجب إعماله قبل الفسخ؛ وقد قال أبو بكر الأبهري: إن البيع على شرط ترك المواضعة فاسد، ومثله في كتاب ابن المواز في قول، وهو على مذهب ابن عبد الحكم بيع جائز وشرط لازم، وأما إن دفعها إلى المشتري جهلا بصفة المواضعة ولم يشترط إسقاطها، فالبيع جائز باتفاق وتخرج إلى المواضعة، وأما إن باعها وتبرأ من حملها - وهو مقر بوطئها - فجعله في المدونة بيعا فاسدا، وذهب ابن حبيب إلى أنه ليس بفاسد وتخرج إلى المواضعة.

فصل فإن أراد المبتاع بعد أن اشترى على المواضعة وصح عقد البيع أن يسقط المواضعة ويرضى بالأمة وإن كانت حاملا كان ذلك له عند ابن القاسم وإن كره

(2/149)


البائع، وقال سحنون: لا يجوز، ووجه قوله أنه أسقط الضمان عن البائع على أن يتعجل خدمة الجارية، ويدخله على مذهب سحنون سلف جر منفعة؛ لأنه عجل له النقد بما تعجل من منفعة الجارية.

فصل والمواضعة تكون بما يحصل به الاستبراء، قد تقدم الكلام على ذلك، فإن اشتراها في أول دمها أجزأته تلك الحيضة في المواضعة، وإن كانت في آخر الحيض لم يجزه ذلك واستقبلت المواضعة في الحيضة الثانية؛ ووجه ذلك: أن الرحم في أول الحيض لا يقبل المني لما ترخيه من الدم، وفي آخره قد يقبله لقلة الدم؛ فافترق لذلك أول الحيض من آخره، وقد قيل: إنه لا بد من حيضة مستقلة كالمعتدة لا تعتد إلا بالطهر، حكى هذا القول ابن شعبان في الزاهي، واختاره وأخذ به وحكاه الفضل عن مالك من رواية أشهب عنه.

فصل والمواضعة في الاستقالة واجبة إذا استقاله بعد أن خرجت من الحيضة؛ لأن الإقالة بيع حادث، واختلف في الرد بالعيب، هل تجب فيه المواضعة أم لا؟ على اختلافهم فيه: هل هو نقض بيع أو ابتداء بيع.
وانظر من تزوج امرأة بجارية رائعة، هل تجب فيها المواضعة أم لا؟ فإني لا أعرف في هذه المسألة لأصحابنا نصا وهي محتملة؛ لأن النكاح طريقه المكارمة ويجوز فيه من الغرر ما لا يجوز في البيوع، وإيجاب المواضعة فيها أظهر، والله أعلم وبه التوفيق.

(2/150)