المقدمات
الممهدات [كتاب
الاستحقاق] [فصل في معنى الاستحقاق]
فصل في معنى الاستحقاق قال الله عز وجل:
{فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا} [المائدة: 107]- أي
باطلا يوجب إثما فالاستحقاق هو أن يحق الرجل الشيء لنفسه بما تثبت به
الحقوق وتمضي لأهلها، وذلك شاهد عدل، أو شاهد وامرأتان، أو شاهد ويمين على
مذهب من يرى القضاء باليمين مع الشاهد فإذا أقام ذلك، وجب الحق ولزم القضاء
به في الظاهر بعد الإعذار، وإن كان الأمر في الباطن على خلاف ذلك، فليس حكم
الحاكم بالذي يحله له؛ قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا
تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء: 29] وقال:
{وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا
إِلَى الْحُكَّامِ} [البقرة: 188]- الآية. وقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما أنا بشر مثلكم وإنكم تختصمون إلي، فلعل بعضكم
أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه، فمن قضيت له بشيء
من حق أخيه، فلا يأخذ منه شيئا فإنما أقطع له قطعة من النار» . وروي «أن
رجلا من حضر موت ورجلا من كندة اختصما إلى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -
في أرض باليمن، فقال الحضرمي أرضي اغتصبها أبو هذا، فقال الكندي يا رسول
الله أرضي ورثتها عن أبي؛ فقال النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - للحضرمي:
(2/503)
هل لك بينة؟ فقال لا، ولكن يحلف بالله ما
يعلم أنها أرضي غصبها لي أبوه؛ فتهيأ الكندي لليمين، فقال رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لا يقتطع رجل مالا بيمين إلا لقي
الله - عز وجل - وهو عليه غضبان - فتركها الكندي»
فصل فإن كان الشيء المستحق له غلة قد اغتلها المستحق منه، فقد قال رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الخراج بالضمان» ، وقوله:
الخراج بالضمان لفظ عام مستقل بنفسه إلا أنه ورد في البيع على ما روي، وذلك
«أن رجلا ابتاع غلاما فأقام عنده ما شاء الله، ثم وجد به عيبا، فخاصمه إلى
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فرده عليه، فقال له الرجل يا
رسول الله، قد استغل غلامي، فقال النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: الخراج
بالضمان» ، أخرجه أبو داود، وقد اختلف أهل العلم في اللفظ العام الوارد على
سبب: هل يقصر على سببه، أو يحمل على عمومه - على قولين، الأصح منهما عند
أهل النظر: حمله على عمومه، لأن الحجة إنما هي في كلام صاحب الشرع، لا في -
السبب؛ إذ لو انفرد السبب، لم يوجب حكما، ولو انفرد لفظ النبي - عَلَيْهِ
السَّلَامُ - دون السبب - لكان له الحكم فلا يعتبر السبب.
فصل وكذلك اختلف أهل العلم في قول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - «الخراج بالضمان،» هل يحمل على عمومه في الغاصب والمشتري، ومن
ضمن بشبهة وبغير شبهة أو يقصر على المعنى الذي خرج عليه، فيحمل على ما ضمن
بوجه شبهة - على قولين؛ واختلف في ذلك أيضا قول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -:
فروى أشهب عنه أن الغاصب لا يرجع عليه بالغلة وتكون له بالضمان في الأصول
والحيوان - أكرى ذلك كله وقبض الخراج، أو سكن الدار واستخدم العبد، وما
أشبه ذلك؛ فعلى هذه الرواية حمل
(2/504)
الحديث على عمومه، وروى عنه أنه أوجب على
الغاصب رد الغلة في الحيوان والأصول، وهذا أحد قوليه في المدونة، فقصر
الحديث - على هذه الرواية على ما خرج عليه - وهو ما ضمن بوجه شبهة، وهذان
القولان جاريان على قياس.
وأما تفرقته بين الحيوان والأصول، فاستحسان وليس بقياس؛ ووجهه أنه حمل
الحديث على عمومه فيما كان بوجه شبهة وبغير وجه شبهة في الحيوان الذي ليس
بمأمون، وخصص الأصول من ذلك لكونها مأمونة، لا يخشى عليها التلف، فلا تضمن
إلا في النادر، والنادر لا يحكم له؛ وكذلك تفرقة من فرق في الأصول بين أن
يكري أو يسكن، وفي رواية أبي الفرج عن مالك وتفرقة من فرق بين ذلك في
الحيوان أيضا استحسان وليس بقياس، إلا أنها كلها أقاويل مشهورة معلومة.
فصل وهذا في الخراج والاستخدام، وأما ما كان من الغلل المتولدة عن الشيء
المستحق كاللبن والصوف في الحيوان والثمرة في الأصول فنصوص الروايات أن
الغاصب يرد ذلك كله مع الأصول إن كان قائما، أو مكيلة خرصه - إن كان فائتا،
ولا فرق في القياس بين ذلك؛ وقد عده محمد بن المواز اختلافا من القول وهو
الصحيح - إن شاء الله؛ ومما يدل على أنه اختلاف من القول: رواية ابن المعذل
عن مالك فيما كان من الغلل متولدا عن الشيء المغصوب أنه للغاصب بالضمان،
ولا يلزمه رده؛ ولم أر هذه الرواية في أصل كتاب، وإنما أخبرني بها بعض
أصحابنا.
فصل وتحصيل هذا الباب أن الضمان ينقسم على وجهين:
أحدهما: ضمان بشبهة.
(2/505)
والثاني: ضمان بغير شبهة.
فأما الضمان بالشبهة، فلا اختلاف أن الغلة تكون فيه بالضمان، لورود النص في
ذلك عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.
وأما الضمان بغير شبهة - كالغاصب والسارق وشبههما، فاختلف فيه على ستة
أقوال:
أحدها: أن الغاصب لا شيء له من الغلات كلها كانت متولدة عن الأصول أو غير
متولدة عنها، استغل ذلك بقبض الغلات المتولدات وقبض الأكرية والخراجات أو
انتفع بذلك ولم يغتله أو عطله فلم يكره ولا انتفع به يلزمه في ذلك كله
الكراء كراء المثل إن انتفع به أو عطله ولم ينتفع به. وإن أكرى وقبض
الخراج، فالأكثر من كراء المثل، أو ما أكراه به، هذا قول مطرف وابن
الماجشون في الواضحة.
والقول الثاني: أنه يلزمه رد الغلة والكراء إن أكرى أو انتفع بالاستخدام
والسكنى، فإن لم يكر ولا انتفع بشيء من ذلك، فلا شيء عليه.
والقول الثالث: أنه إن أكرى كان عليه الكراء؛ وإن لم يكر، فلا شيء عليه؛
وإن سكن واستخدم، وهي رواية أبي الفرج عن مالك.
والقول الرابع: التفرقة بين الحيوان والأصول.
والقول الخامس: التفرقة بين ما كان من الغلل متولدا عن الشيء المستغل
كاللبن والصوف والثمرة، أو غير متولد عنها كخراج العبيد وكراء المساكن.
والقول السادس: أن له الغلات كلها وإن كانت متولدة عن الشيء المغصوب.
(2/506)
فصل
وأما ما استحق مما لا ضمان فيه على المستحق منه، فإنه ينقسم أيضا على
قسمين:
أحدهما: أن يكون قد أدى فيما استحق من يده ثمنا.
والثاني: أن يكون لم يؤد في ذلك ثمنا.
فأما ما أدى فيه ثمنا، فلا ضمان عليه فيه، لوجوب الرجوع له بالثمن إن تلف
عنده، كالرجل يشتري العبد ثم يستحق من يده بحرية أو يشتري الأصل ثم يستحق
من يده بحبس؛ فقيل إن الغلة تطيب له بالثمن الذي أدى لأنه ضامن للثمن الذي
دفع في عدم البائع إن تلف ذلك الشيء وهي رواية عيسى عن ابن القاسم في كتاب
الاستحقاق من العتبية، وبه جرى العمل عندنا فيما يستحق من الأصول بالحبس؛
وقيل إنه يرد الغلة، لأنه إن تلف رجع بالثمن، فلم يكن ضامنا لشيء وهو ظاهر
مذهب ابن القاسم في المدونة لأنه علق الغلة بالضمان فيها - أعني في
المدونة؛ وأما ما لم يؤد فيه ثمنا ولا كان عليه فيه ضمان كالوارث يرث ثم
يأتي من هو أحق منه بالوراثة، فلا اختلاف أنه يرد ما اغتل أو سكن لانتفاء
وجوه الضمان عنه. واختلف قول مالك إذا سكن ولم يكر فأتى من يشاركه في
الميراث، لا من هو أحق به منه على قولين، الأصح منهما رواية علي بن زياد عن
مالك بوجوب الكراء عليه في حصة الوارث الطارئ عليه، لانتفاء جميع وجوه
الضمان عنه.
وأما الحبس إذا استغله بعض المحبس عليهم وهم يرون أنهم ينفردون به، أو
سكنوه، فقيل إنه لا يرجع عليهم بالغلة ولا بالسكنى وهي رواية ابن القاسم عن
مالك في الصدقات والهبات. وقيل يرجع عليهم بالغلة والسكنى جميعا، وهذا يأتي
على رواية علي بن زياد عن مالك في المدونة وهو القياس. وقيل إنه يرجع
(2/507)
عليهم بالغلة ولا يرجع عليهم بالسكنى وهو
نص قول ابن القاسم في المبسوطة، ولا فرق في القياس بين الحبس وغيره، ولا
بين الاستغلال والسكنى.
فصل فإن اعترض على هذا بالموهوب له يستغل ما وهب له ثم يستحق ذلك من يده أو
الوارث يرث فيستغل ثم يستحق ذلك من يده أن الغلة تكون له وهو لم يؤد ثمنا
ولا هو ضامن؛ فالجواب عنه أن الوارث والموهوب له يحلان محل من صار إليهما
ذلك عنه في وجوب الغلة لهما؛ ألا ترى أن الواهب أو الموروث إذا كان غاصبا
حل الوارث والموهوب له محلهما فرد الوارث الغلة، وكذلك الموهوب له؛ إلا أنه
يختلف فيمن يبدأ على ثلاثة أقوال:
أحدها: المشهور عن ابن القاسم أن الغاصب هو المبدأ ولا يرجع على الموهوب له
إلا في عدم الغاصب، واختلف على هذا القول إن وجد الغاصب عديما فرجع على
الموهوب له، هل للموهوب له أن يرجع على الغاصب أم لا على قولين. قيل يرجع
عليه وهو القياس، وقيل إنه لا يرجع عليه وهو قول ابن القاسم في كتاب كراء
الدور من المدونة.
والثاني: قول غير ابن القاسم في كتاب الاستحقاق من المدونة وهو ظاهر قول
ابن القاسم في كتاب الشركة منها، وهو قول أشهب في رواية أصبغ عنه من كتاب
البضائع والوكالات: أن الموهوب له هو المبدأ - ولا يرجع على الغاصب - إلا
في عدم الموهوب له؛ واختلف على هذا القول إن وجد الموهوب له عديما فيرجع
على الغاصب، هل للغاصب أن يرجع على الموهوب له أم لا على قولين.
والثالث: أنه مخير بين أن يرجع على أيهما شاء - يريد ولا رجوع لمن رجع عليه
منهما على الآخر، حكى هذا القول ابن عبدوس عن أشهب واختاره سحنون؛ ومثله
بالطعام يبتاعه الرجل من الغاصب فيأكله، أنه مخير في اتباع من شاء منهما؛
(2/508)
وهو تمثيل غير صحيح، لأن المشتري إذا رجع
عليه، رجع هو على الغاصب بالثمن؛ والموهوب له إذا رجع عليه، لم يرجع هو على
أحد. وقد روي عن أصبغ أن الغاصب إذا وهب فاغتل الموهوب له أنه لا يرد الغلة
وذلك بعيد، إلا أن يتأول قوله على أنه إنما أراد ألا يرجع عليه إذا كان
الغاصب مليا، أو يكون قوله على مذهب من يرى أن الغلة للغاصب بالضمان فينزل
الموهوب له منزلته.
فصل واختلف في الحد الذي يدخل فيه الشيء المستحق في ضمان المستحق وتكون
الغلة له ويجب التوقيف به على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه لا يدخل في ضمانه ولا تجب له الغلة حتى يقضى له به وهو الذي
يأتي على قول مالك في المدونة إن الغلة للذي في يديه حتى يقضى بها للطالب
وعلى هذا القول لا يجب توقيف الأصل المستحق توقيفا يحال بينه وبينه، ولا
توقيف غلته، وهو قول ابن القاسم في المدونة أن الرباع التي لا تحول ولا
تزول ولا توقف، مثل ما يحول ويزول، وإنما توقف وقفا يمنع من الإحداث فيها.
والثاني: أنه يدخل في ضمانه وتكون له الغلة ويجب توقيفه وقفا يحال بينه
وبينه إذا ثبت له بشهادة شاهدين أو شاهد وامرأتان - وهو ظاهر قول مالك في
موطئه إذ قال فيه إن الغلة للمبتاع إلى يوم يثبت الحق، وقول غير ابن القاسم
في المدونة إذ قال إن التوقيف يجب إذا أثبت المدعي حقه، وكلف المدعى عليه
المدفع.
(2/509)
والقول الثالث: أنه يدخل في ضمانه وتجب له
الغلة والتوقيف بشهادة شاهد واحد - وهي رواية عيسى عن ابن القاسم في كتاب
الدعوى والصلح - أنه يحلف مع شهادة شاهده وتكون المصيبة منه، وروايته عنه
في الكتاب المذكور في مسألة الزيتون إذا ادعاها وأقام شاهدا واحدا أن
الثمرة له إذا تؤولت أن معنى المسألة أنه استحق الأصل دون الثمرة؛ وأما على
تأويل من تأول أنه إنما ادعى الأصل والثمرة وشهد له بهما جميعا الشاهد الذي
أقامه، فتخرج الرواية عن هذا الباب إلى وجه متفق عليه، وما وقع في أحكام
ابن زياد أن التوقيف يجب في الدار بالقفل وتوقيف الغلة بشهادة الشاهد
الواحد يأتي على هذا القول؛ وكذلك النفقة أيضا تجري على هذا الاختلاف، وقد
فرق في رواية عيسى عن ابن القاسم من كتاب الدعوى والصلح بين النفقة
والضمان، وساوى بينهما عيسى من رأيه وهو القياس؛ وكذلك ظاهر المدونة أنه
فرق بينهما والصواب أنه اختلاف من القول.
فصل واختلف أيضا في الحد الذي تكون به الثمرة في استحقاق الأصل غلة
فيستوجبها المستحق منه ببلوغها إليه: إما بالحكم والقضاء، وإما بثبوت الحق
بشهادة شاهدين، وإما بأن يشهد للمستحق شاهد واحد على الاختلاف المذكور في
ذلك؛ فروى أبو زيد عن ابن القاسم أن الثمرة تكون للمستحق ما لم تجد، وفي
كتاب ابن المواز ما لم تيبس، ويرجع عليه بالسقي والعلاج، وعلى ما قال في
المدونة في الرد بالعيب ما لم تطب. إذ لم يفرق بين المسألتين؛ وهذا إذا كان
المستحق منه اشترى الأصول قبل إبار الثمرة، وأما إن كان اشتراها بعد الإبار
فالثمرة للمستحق على مذهب ابن القاسم، - وإن جدت، ويرجع عليه بالسقي
والعلاج كالرد بالعيب، وعلى مذهب أشهب تكون الثمرة للمستحق - ما لم تجد،
فإن جدت، كانت غلة للمشتري، وأما إن كان اشترى الأصل - والثمرة من هبة،
فاشترطها، ففي كتاب ابن المواز أن الثمرة تكون للمستحق كيف كانت يبست أو
(2/510)
جدها أو باعها أو أكللها، ويغرم المكيلة -
إن عرفها، وإلا فالقيمة، وفي البيع يغرم الثمن الذي باعها به إن فاتت؛ وإن
كانت بيد مبتاعها، فهو مخير في أخذها أو إنفاذ بيعها وأخذ الثمن؛ وإن تلفت
عند المبتاع، فليس له إلا الثمن؛ وهذا على القول بأنها لا تصير غلة للمبتاع
إلا باليبس أو الجداد. وأما على القول الذي يرى أنها تصير له غلة بالطياب،
فلا حق له فيها إذا أزهت عند البائع، لأنها قد صارت له غلة بالطياب، ويأخذ
المستحق النخل وحدها، ويرجع المستحق منه على البائع بما ينوبها من الثمن،
ويسقط عنه ما ناب الثمرة - لبقائها بيده، إلا أن يكون اشتراؤه إياها من
غاصب، أو من مشتر اشتراها بعد الإبار على مذهب ابن القاسم؛ فهي ثلاثة
أقوال:
أحدها: أن يكون المستحق منه اشتراها قبل الإبار.
والثاني: أن يكون اشتراها بثمرتها بعد الإبار.
والثالث: أن يكون اشتراها بثمرتها بعد الإزهار والطياب وقد تقدم الكلام
عليها.
فصل ولو وجد المشتري الثمرة بعد الإبار وقبل الطياب، ثم استحق الأصل مستحق
نظرت: فإن كان اشتراها قبل الإبار فهي غلة له ويرجع بجميع الثمن على
البائع؛ وإن كان اشتراها بعد الإبار جرى الحكم فيها على اختلاف قول ابن
القاسم وأشهب في العيوب، فتكون للمستحق على مذهب ابن القاسم - إن كانت
قائمة بيده لم تفت، ويغرم له مكيلة خرصها - إن كانت فائتة، وعلى مذهب أشهب
هي غلة للمشتري؛ وأما إن كان جدها المشتري قبل الإبار، فلا شيء للمستحق
فيها باتفاق، وينظر: فإن كان ابتاعها وفيها ثمر، حاسبه البائع بما ينوبها
من الثمن؛
(2/511)
وإن كان ابتياعه إياها قبل أن تكون لها
ثمرة، فهي غلة لا يحاسبه البائع بشيء من ثمنها.
فصل وحيثما وجبت الثمرة للمستحق، يجب للمشتري المستحق منه الرجوع عليه
بالسقي والعلاج - إن كان عالج وسقى - حتى انتلفت الثمرة بسقيه وعلاجه من
حال إلى حال على مذهب ابن القاسم وأشهب، وذلك مثل أن يشتري النخل ولا ثمرة
فيها فيسقي ويعالج حتى تصير فيها ثمرة، ثم يستحقها مستحق؛ أو يشتريها وفيها
طلع لم يؤبر فيسقى ويعالج حتى يؤبر ثم يستحقها منه مستحق بعد الإبار. ولو
لم تنتقل بسقيه وعلاجه من حال إلى حال، لرجع أيضا به على مذهب ابن القاسم
في الاستحقاق والبيع الفاسد والرد بالعيب على القول بأنه نقض بيع، والشفعة
على القول بأن محملها محمل الاستحقاق لا محمل ابتداء بيع، والتفليس أيضا
يتخرج الأمر فيه على قولين، وعلى مذهب ابن الماجشون وسحنون لا يجب للمشتري
المستحق منه رجوع على المستحق بشيء مما عالج وسقى؛ فهذا تلخيص هذه المسألة،
وهي إحدى المسائل الخمس التي تتشابه أحكامها وتفترق في بعض وجوهها.
والثانية: الرد بالعيب.
والثالثة: الأخذ بالشفعة.
والرابعة: التفليس.
والخامسة: الرد بالبيع الفاسد، وقد كتبتها في كتاب العيوب ملخصة فأغنى ذلك
عن إعادتها هاهنا - وبالله التوفيق.
فصل وإن كان الشيء المستحق من يد المشتري عبدا أو دابة فزعم المستحق منه
(2/512)
أن بائعه الذي باع ذلك منه غائب ببلد آخر،
وأراد الذهاب به إلى ذلك البلد ليسترجع الثمن من بائعه، فذلك له بعد أن يضع
للمستحق قيمته؛ فإن وضع له قيمته وذهب به إلى ذلك البلد بكتاب القاضي فوجد
به بائعه فرجع عليه بحقه، وزعم البائع المرجوع عليه أن بائعه الذي باعه منه
غائب ببلد آخر، وأراد الذهاب به إلى ذلك البلد، ليسترجع الثمن من بائعه؛
فذلك له أيضا بعد أن يضع للمستحق منه الذي رجع عليه قيمته بذلك البلد، إلا
أن تكون قيمته بذلك البلد أقل من القيمة التي وضعها هو للمستحق، فليس له أن
يأخذه ويذهب به حتى يضع له مثل القيمة التي وضع - وإن كانت قيمته بذلك
البلد أكثر من القيمة التي وضعها هو، مثل أن تكون القيمة التي وضعها
ثلاثين، - وقيمته بذلك البلد أربعون، لم يكن له أن يذهب به حتى يضع قيمته
أربعين، لأن ذلك من حق المستحق صاحب الدابة أو العبد، فإن وضع الأربعين
قيمة ذلك فذهب به وتلف قبل أن يرده، كانت الأربعون للمستحق صاحب الدابة أو
العبد وأخذ المستحق منه الثلثين التي وضعها، وإن لم يتلف ورده، أخذ
الأربعين التي وضع ورد المستحق منه الدابة أو العبد إلى صاحبه الذي استحقه،
وأخذ الثلاثين التي وضعها له؛ وإن تلف في رجوعه به كان لصاحبه المستحق له
الثلاثون التي وضع له، وكذلك إن أراد البائع الأول الذي رجع عليه واضع
الأربعين أن يذهب به إلى بلد بائعه، لم يكن ذلك له حتى يضع للذي باع منه
الأربعين التي وضع، أو قيمته - إن كانت أكثر من الأربعين، مثل أن تكون
قيمتها خمسين، لأن ذلك من حق المستحق صاحب الدابة أو العبد وكذلك الحكم في
البائع من البائع الأول إن أراد أن يذهب به إلى موضع بائعه لاستخراج حقه
منه، وفي المرجوع إليه - أبدا من البائعين - ما تكرر وتناهى، وهذه مسألة لي
فيها جواب وقد كتب عني ملخص مبين محتو على جميع فصولها يقف عليه من أراد أن
يشفي نفسه بمعرفتها وبالله تعالى التوفيق.
(2/513)
|