المقدمات
الممهدات [كتاب الصلح]
[ما جاء في الصلح]
ما جاء في الصلح
قال الله عز وجل: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ
أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء:
114] وهذا عام في الدماء والأموال والأعراض، وفي كل شيء يقع التداعي
والاختلاف فيه بين المسلمين؛ وقال تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9] .
وقال: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا
فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ
خَيْرٌ} [النساء: 128] . وقال: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا
فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا
إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا
خَبِيرًا} [النساء: 35] . وقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - في الحسن: «إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين
عظيمتين من المسلمين» فكان كما قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وذهب - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى بني عمرو بن عوف
(2/515)
ليصلح بينهم. «وروي أن أهل قباء اقتتلوا
حتى تراموا بالحجارة فأخبر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- بذلك فقال: " اذهبوا بنا نصلح بينهم» «وعرض جابر بن عبد الله - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - على غرماء أبيه أن يأخذوا الثمر بما لهم عليه فأبوا ولم
يروا أن فيه وفاء، فأخبر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
بذلك فقال له: " إذا جذذته ووضعته في المربد فآذني "، فلما كان ذلك، آذنه
فأتى هو وأبو بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فجلس عليه ودعا بالبركة
فيه، ثم قال: " ادع غرماءك فأوفهم "، فكال منه لأهل دينه وبقي منه مثل الذي
كان فيه بعد قضاء الدين» .
فصل فالإصلاح بين الناس فيما يقع بينهم من الخلاف والتداعي في الأموال
وغيرها من نوافل الخير المرغب فيها المندوب إليها. ولا بأس على الإمام أن
يشير على الخصوم بذلك، روي «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - سمع صوت خصوم بالباب عالية أصواتهما، وإذا أحدهما يستوضع الآخر
ويسترفقه في شيء - وهو يقول: والله لا أفعل، فخرج رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: أين المتألي على الله؟ ألا يفعل
المعروف؟ فقال: أنا يا رسول الله. فله أي ذلك أحب» . وروي «أن كعب بن مالك
تقاضى ابن أبي حدرد دينا كان له عليه في عهد النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -
في المسجد، فارتفعت أصواتهما حتى سمعهما رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو في بيته فخرج حتى كشف سجف حجرته، فنادى كعب بن
مالك فقال: يا كعب، قال: لبيك يا رسول الله، فأشار بيده أن ضع الشطر، فقال
كعب قد فعلت يا رسول الله، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: قم فاقضه» وهذا الحديث أصل لما تلهج العامة به من قولها خير
الصلح الشطر، ولا صلح إلا بوزن.
(2/516)
فصل وإذا أشار الإمام على المتخاصمين
بالصلح وندبهما إليه وحضهما عليه فأبيا أو أبى أحدهما، فلا يجبرهما عليه،
ولا يلح عليهما فيه إلحاحا يشبه الإلزام؛ ولكنه يفصل بينهما بواجب الحق
وصريح الحكم، كما فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
روي في الصحيح «أن الزبير بن العوام خاصم رجلا من الأنصار في شراج من الحرة
كانا يسقيان به كلاهما، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: اسق يا زبير ثم أرسل إلى جارك، فغضب الأنصاري فقال يا رسول
الله أن كان ابن عمتك؟ فتلون وجه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - ثم قال: اسق واحبس حتى يبلغ الجذر» . فاستوفى رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للزبير حقه - وكان قبل ذلك قد أشار
على الزبير برأي سعة له وللأنصاري فلما أحفظ الأنصاري رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استوفى للزبير حقه في صريح الحكم. قال عروة
قال الزبير والله ما أحسب هذه الآية نزلت: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ
حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي
أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:
65] إلا في ذلك.
فصل وإنما ينبغي للإمام أن يندب المتخاصمين - إلى الصلح ويديرهما - عليه ما
لم يتبين له أن الحق لأحدهما، فإذا تبين له ذلك، لم يتأن في الحكم له -
رجاء أن يصالحا، فقد قال عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في
رسالته إلى أبي موسى الأشعري، فاحرص على الصلح ما لم يتبين لك فصل القضاء.
فصل ولا يجوز الصلح بالحرام قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «الصلح جائز بين المسلمين،
(2/517)
إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا» . فكل ما
يتراضى عليه المتصالحان فهو جائز ما لم يجر ذلك إلى تحليل حرام أو تحريم
حلال، واختلف فيه إذا وقع: فقيل إنه يفسخ ويرد ولا يمضي وهو قول جمهور أهل
العلم، وذهب أصبغ إلى أنه يجوز في وجه الحكم ولا يحل له فيما بينه وبين
الله أن يأخذ إلا ما يجوز في التبايع؛ واحتج لذلك بما روي أن علي بن أبي
طالب أتي بصلح فقرأه فقال: هذا حرام، ولولا أنه صلح لفسخته - والأول أصح،
لثبوته عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قولا وعملا؛ فأما قوله فهو ما روي
عنه في الصحيح أنه قال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» . وأما
عمله وقضاؤه فهو ما حكاه مالك في موطئه من رواية أبي هريرة وزيد بن خالد
الجهني «أن رجلين اختصما إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فقال أحدهما يا رسول الله اقض بيننا بكتاب الله وقال الآخر
الحديث بطوله إلى قوله: " أما غنمك وجاريتك فرد عليك» ". وأبطل - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان
مائة شرط.
فصل والصلح إنما هو قبض شيء عن عوض، فهو يشبه المبايعة ويجري مجراها في
أكثر الوجوه؛ فلا ينبغي أن يمضي فيه؛ الحرام كما لا يمضي في البيوع، ولا
اختلاف إذا انعقد الصلح بين المتصالحين على حرام لا يحل لواحد منهما في أنه
يفسخ، مثل أن يدعي رجل على رجل أن له عليه عشرة دنانير فيقر له منها بخمسة
وينكر الخمسة، فيصالحه عن جميع دعواه بدراهم إلى أجل، وما أشبه ذلك؛ وإنما
يختلف إذا انعقد الصلح على حرام في حق أحد المتصالحين دون صاحبه، مثل أن
يدعي عليه عشرة دنانير فينكره فيها فيصالحه عنها بدراهم إلى أجل، لأن
المدعي لا يحل له أن يأخذ في عشرة دنانير له دراهم إلى أجل، والمدعى عليه
جائز له أن
(2/518)
يصالحه عن يمينه الواجب له عليه بدعواه على
دراهم إلى أجل؛ فهذا أمضاه أصبغ، ولم يفسخه بحكم على ما جاء عن علي بن أبي
طالب، والمشهور أنه يفسخ، وأما الصلح المكروه فقيل إنه يجوز إذا وقع، وقال
ابن الماجشون يفسخ إذا عثر عليه بحدثانه ما لم يطل، وهو أن يقع بين
المتصالحين على وجه ظاهره الفساد ولا يتحقق في جهة واحدة منهما مثل أن يدعي
كل واحد منهما على صاحبه دنانير أو دراهم وينكره فيها ولا يقر له بشيء
منها، فيصالحان على أن يؤخر كل واحد منهما صاحبه بما يدعيه قبله إلى أجل،
لأن كل واحد منهما يقول: لا حرام فيما فعلت، لأني واهب لما أعطيت؛ والظاهر
أن كل واحد منهما أخر صاحبه بما له عليه على أن يؤخره بما له عليه، فيدخله
أسلفني وأسلفك، ويخشى أن يكون لكل واحد منهما على صاحبه بعض ما يدعيه عليه،
فيكون كل واحد منهما قد أخر صاحبه بما له عليه على أن يزيده فيه، وذلك
الربا المحرم بالقرآن؛ فقف على أنها ثلاثة وجوه:
وجه يفسخ فيه الصلح باتفاق.
ووجه يفسخ فيه على اختلاف.
ووجه لا يفسخ فيه باتفاق إلا أن يعثر عليه بحدثانه فيفسخ على اختلاف.
فصل ومن مسائل الصلح التي تجري مجرى البيوع فيما يحل فيها ويحرم منها -
مسألة الصلح في العيب يوجد بالعبد وهي مسألة وقعت في المدونة ناقصة الوجوه
غير كاملة المعاني، فرأيت أن أوردها هنا باستيعاب وجوهها وكمال معانيها -
إن شاء الله، ولا قوة إلا بالله؛ فإذا باع الرجل عبدا فادعى المبتاع أن به
عيبا وأراد مصالحة البائع، فإن الأمر لا يخلو في ذلك من وجهين:
(2/519)
أحدهما: أن يكون العبد فائتا.
والثاني: أن يكون قائما.
فصل فأما إن كان فائتا فلا يخلو الأمر من ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يكون باعه بنقد فانتقد.
والثاني: أن يكون باعه بنقد فلم ينتقد.
والثالث: أن يكون باعه إلى أجل.
فأما إذا باعه بنقد وانتقد ثم وجد المبتاع به عيبا بعد فواته، فجائز للبائع
أن يصالحه على دنانير أو دراهم أو عروض نقدا بعد معرفتهما بقيمة العيب؛ لأن
قيمة العيب من الثمن الذي نقد، قد وجبت للمبتاع قبل البائع فجائز له أن
يبيعها بما شاء إذا تعجل، ولا يجوز له أن يصالحه على دراهم إلى أجل - إن
كان البيع بدنانير، ولا على عروض إلى أجل لأنه يدخله في العروض فسخ الدين
في الدين، وفي الدراهم الصرف المتأخر؛ وإن صالحه على دنانير إلى أجل لم يجز
إلا أن يكون مثل قيمة العيب فأقل، فإن كانت أكثر من قيمته فلا يجوز.
فصل
وأما إن لم ينقد الثمن حتى اطلع على العيب فجائز للبائع أن يصالحه على عرض
معين يدفعه، أو موصوف إلى أجل يجوز إليه السلم، ولا يجوز بدراهم نقدا ولا
إلى أجل، إلا أن يكون يدا بيد مثل الصرف وأما بالذهب فلا أعرف في ذلك نص
رواية والنظر يوجب - عندي ألا يجوز على مذهب مالك إلا مراطلة كفة بكفة بعد
معرفتهما بقيمة العيب وتقاربهما عليه.
(2/520)
وأما إن ادعاه المبتاع وأنكره البائع فلا
يجوز وإن أحضر المبتاع قيمة العيب، من الذهب وراطله بها، لأنه لم يرض بهذه
المراطلة إلا بما طرح عنه البائع من مئونة إثبات العيب والعناء في ذلك أو
اليمين؛ لأن البائع لو نكل عن اليمين وجبت على المبتاع فصار إنما رضي
بالمراطلة بما أسقط عنه من اليمين، فيدخله التفاضل بين الذهبين؛ وأما على
مذهب ابن القاسم، فينبغي أن يكون الصلح بالذهب جائزا إذا أحضر قيمة العيب
وراطله بها. وإن كان البائع منكرا للعيب، لأن المبتاع إن نكل يدعي باطلا
فلا يجوز له أن يأخذ منه قليلا وكثيرا. وإن كان يدعي حقا، فجائز له أن
يراطله بما يعلم أنه قد سقط من قيمة العيب، وإنما الذي يجوز بلا كلام أن
يحط عنه من الثمن الذي عليه ما يتفقان عليه من قليل أو كثير.
فصل وأما إن كان الثمن مؤجلا، فجائز له أن يصالحه على عروض أو طعام نقدا،
ولا يجوز على عروض مؤجلة؛ لأنه يدخله الدين بالدين؛ ولا على دراهم نقدا ولا
إلى أجل، وأما الدنانير فقال في المدونة: إنه لا يجوز، فقيل إن معنى ذلك إن
كانت الدنانير التي صالحه عليها أقل من قيمة العيب.
وأما إن كانت مثلها أو أكثر منها، فذلك جائز؛ لأنه لا يتهم أن يعطي ذهبا
ويأخذ مثلها أو أقل منها - إذا حل الأجل؛ هذا تأويل ابن أبي زيد وأحمد بن
خالد؛ وقيل إن ذلك لا يجوز بحال وإن كانت الدنانير مثل قيمة العيب أو أكثر
منها إذا كان البائع منكرا للعيب، لأن البائع إنما رضي بدفع دنانيره في
مثلها أو في أقل منها إلى أجل، لما طرح عنه المبتاع من الخصومة في قيمة
العيب، فصار ذلك سلفا جر نفعا، ودنانير في دنانير إلى أجل.
(2/521)
فصل وأما الوجه الثاني - وهو أن يكون العبد
قائما لم يفت، فلا يخلو أيضا من ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يكون باعه بنقد فانتقد.
والثاني: أن يكون باعه بنقد فلم ينتقد.
والثالث: أن يكون باعه بثمن إلى أجل.
فصل
فأما الوجه الأول وهو أن يبيعه بنقد فينتقد ثم يجد المبتاع به عيبا فلا
يخلو أيضا من وجهين:
أحدهما: أن يصالحه البائع بشيء يعطيه على ألا يرده عليه.
والثاني: أن يصالحه المبتاع بشيء يعطيه على أن يرده عليه.
فصل
فأما إذا صالحه المبتاع بشيء يزيده على أن يرده عليه، فإن كانت الزيادة
عرضا فلا بأس به نقدا أو إلى أجل؛ وإن كانت الزيادة ورقا وقد باع بذهب، فلا
بأس به نقدا إذا كان أقل من صرف دينار، ولا يجوز إلى أجل؛ وإن كانت الزيادة
ذهبا، فلا تجوز نقدا ولا إلى أجل، لأنه ذهب وعرض بذهب؛ فلا يجوز إلا على
المقاصة.
وأما إن صالحه البائع بشيء يزيده على ألا يرده عليه، فإن كانت الزيادة
دنانير نقدا وقد باع بدنانير فذلك جائز؛ لأنه كان استرجع ذلك من الثمن
وأمضى العبد بما بقي.
فإن كانت الزيادة دنانير إلى أجل، فلا يجوز لأنه بيع وسلف؛ وإن
(2/522)
تأخرت الدنانير من غير شرط، فذلك جائز، وإن
صالحه على دراهم إلى أجل، فلا يجوز؛ لأنه يدخله الصرف المتأخر كأنه باع منه
عبدا ودراهم إلى أجل بدنانير نقدا؛ وإن كانت الدراهم نقدا، فذلك جائز إن
كانت أقل من صرف دينار على مذهب ابن القاسم؛ ويجوز على مذهب أشهب - وإن
كانت أكثر من صرف دينار. وإن كانت الزيادة عروضا نقدا. فذلك جائز - وإن
كانت العروض إلى أجل فاختلف في ذلك قول ابن القاسم فأجازه مرة ومنع منه
أخرى.
فصل وأما الوجه الثاني - وهو أن يبيعه بنقد، فلا ينتقد حتى يجد المبتاع
عيبا فلا يخلو أيضا من وجهين:
أحدهما: أن يصالحه البائع بزيادة على ألا يرده عليه.
والثاني: أن يصالحه المبتاع بزيادة على أن يرده عليه.
فأما إذا صالحه البائع على أن لا يرده عليه ويزيده، فإن كانت الزيادة
دنانير، لم يجز إلا أن تكون مقاصة؛ لأنه إذا انتقده يصير قد باع عبدا
ودنانير بدنانير، وإن زاده دراهم لم يجز إلا أن يكون نقدا، ويكون أقل من
صرف دينار على مذهب ابن القاسم؛ وإن زاده عروضا نقدا أو مؤجلة موصوفة، فذلك
جائز، وأما إذا صالحه المبتاع على أن يرده عليه بزيادة يزيده إياها، فإن
كانت الزيادة دنانير نقدا، فذلك جائز؛ وإن كانت الزيادة إلى أجل، لم يجز؛
لأنه بيع وسلف أعطاه العبد ببعض الثمن الواجب له عليه على أن يؤخره ببقيته،
وإن كانت الزيادة دراهم يسيرة أقل من صرف دينار جاز؛ لأنه كأنه قد باع منه
العبد ببعض الثمن على أن صرف منه بقيته، وإن كانت الزيادة عرضا نقدا، فذلك
جائز؛ وإن كانت الزيادة شيئا إلى أجل، لم يجز لأنه فسخ دين في دين.
(2/523)
فصل وأما الوجه الثالث وهو أن يشتري منه
العبد بدنانير إلى أجل ثم يجد المبتاع به عيبا، فلا يخلو أيضا من وجهين:
أحدهما: أن يصالحه البائع على ألا يرده عليه.
والثاني: أن يصالحه المبتاع على أن يرده عليه.
فأما إذا صالحه البائع على ألا يرده عليه بزيادة يزيده إياها، فإن كانت
الزيادة دنانير - وقد كان باعه إياها بدنانير، فإن كانت الدنانير نقدا أو
إلى غير أجل الثمن، فلا يجوز، لأنه كأنه قد باعه عبدا ودنانير بدنانير إلى
أجل؛ وإن كانت الدنانير إلى أجل الثمن فذلك جائز، لأنه مقاصة إذا حل الأجل
قاصه بها من الثمن وأخذ بقيمته فكأنه حط عنه بعض الثمن من أجل العيب الذي
طعن فيه. وإن كانت الزيادة دراهم فلا يجوز نقدا كانت أو مؤجلة؛ وإن كانت
الزيادة عروضا فذلك جائز نقدا ولا يجوز إلى أجل، وأما إذا صالحه المبتاع
على أن يرده عليه بزيادة يزيده إياها، فإن كانت الزيادة عرضا معجلا، فذلك
جائز - ولا يجوز إلى أجل، وإن كانت الزيادة دنانير معجلة أو مؤجلة، لم يجز
إلا إلى ذلك الأجل بعينه؛ لأنه يكون مقاصة، وإن كانت الزيادة دراهم، لم يجز
نقدا ولا إلى أجل، لأنه إن كانت الزيادة عرضا مؤجلا دخله فسخ الدين في
الدين: فسخ ما وجب عليه من الثمن المؤجل في عرض معجل وهو العبد، وعرض مؤجل
وهي الزيادة؛ وإن كانت الزيادة دنانير نقدا وقد باعه بدنانير، دخله ما يدخل
إحدى مسألتي ربيعة: ضع وتعجل، وعرض وذهب بذهب - إلى أجل، وكذلك إن كانت
الدنانير التي زاده مؤجلة، وإن كانت الزيادة دراهم نقدا أو مؤجلة دخله
الصرف المتأخر؛ هذا تحصيل هذه المسألة فانحصرت وجوهها إلى تسع مسائل: ثلاث
في فوات العبد، وست في قيامه، وبالله تعالى التوفيق.
(2/524)
|