المقدمات
الممهدات [كتاب العرايا]
[فصل في اشتقاق لفظ العرية]
فصل في اشتقاق لفظ العرية العرية مأخوذة
من قولهم عروت الرجل أعروه إذا جئته تلتمس بره ومعروفه، من قوله عز وجل:
{وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: 36] . وقيل إنها مأخوذة
من تخلي الإنسان عن ملكه على الثمرة، من قوله عز وجل: {فَنَبَذْنَاهُ
بِالْعَرَاءِ} [الصافات: 145] . وقيل: إنما سميت عرية، لأنها تعرى من
المساومة عند البيع إذا جعلها عامة للمحتاج، والفعل الإعراء من أعرى يعري
إعراء؛ قال صاحب العين فعلى هذه الوجوه: العرية اسم للثمرة الموهوبة، وقد
قيل إن أصل هذه الكلمة مأخوذة من النخل تعرى من ثمرتها بالهبة لثمرتها،
فسميت عرية لذلك؛ فعلى هذا تكون العرية اسما للنخلة التي وهبت ثمرتها لا
للثمرة الموهوبة، والأول أظهر وأولى لتأييد الآثار له.
فصل في معنى الإعراء
والإعراء: هبة الثمرة في أصول الشجر والثمرة الموهوبة هي العرية، والعرية
تختص بالرخصة الواردة فيها عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ويكون سقيها
(2/525)
وزكاتها على المعري إذا سماها عرية على
مذهب ابن القاسم؛ فإن لم يسمها عرية - وإنما قال وهبتك الثمرة، لم تختص
بالرخصة، وكان السقي والزكاة على الموهوب له، وذهب ابن حبيب إلى أن هبة
الثمر في رؤوس الشجر عرية - سماها عرية أو هبة، تختص بالرخصة وتكون الزكاة
والسقي على المعري والواهب؛ وحكى سحنون في المدونة عن كبار أصحاب مالك أنهم
لم يفرقوا في السقي والزكاة بين العرية والهبة يريد وإن افترق ذلك عندهم في
الرخصة الواردة، فإنه لا يفترق في السقي والزكاة، ويكون ذلك على المعرى
والموهوب له، وحكى ابن المواز أنهم لم يختلفوا في سقي العرية أنها على
المعرى، وإنما اختلفوا في زكاتها فقال أشهب: إنها على المعرى كالهبة إلا أن
يعريه بعد الزهو؛ قال: وما روي عن مالك أنها على رب الحائط رمية رمى بها،
والصحيح أن الاختلاف داخل في السقي أيضا على ما ذكرناه، وكثيرا ما يفعل هذا
محمد بن المواز ينفي الاختلاف الموجود، وسحنون يقول إن كانت العرية بيد
المعري يسقيها ويقوم عليها، فالزكاة عليه، وإن كانت بيد المعرى يسقيها
ويقوم عليها فالزكاة عليه.
فصل والمعنى في الفرق بين الهبة والعرية عند من فرق بينهما: أن العرية هي
ما يقصد به المواساة في الثمرة لا - عين المعرى - على ما كان عليه الصحابة
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - من المواساة بثمر حوائطهم لمن لا حائط له؛
فكأنها على ملك المعري - ما لم تطب، يجب عليه سقيها وزكاتها، ولا تجب
للمعرى إلا بالطياب - وإن قبضها قبل ذلك، إذ لم يقصد بها عينه؛ والهبة ما
قصد بها عين الموهوب له، فخرجت عن ملك الواهب، ووجبت للموهوب له بالقبض.
فصل والعرية هبة من الهبات، فإذا سماها عرية علم أنه قصد بها المواساة لا
عين
(2/526)
المعرى، وإذا لم يسمها عرية وإنما قال
وهبتك الثمرة احتمل أن يريد بها عين الموهوب له على سبيل الهبة المحضة له،
وأن يكون إنما قصد بها المواساة على معنى العرية، لا عين الموهوب له،
فحملها ابن القاسم على الهبة المحضة حتى يبين أنه أراد بها العرية؛ وحملها
ابن حبيب على العرية حتى يبين أنه أراد الهبة المحضة؛ وأوجب كبار أصحاب
مالك في المدونة السقي والزكاة في العرية على المعرى؛ ووجه ذلك أن العرية
قد وجبت للمعرى بالقبض وجوبا لو أراد المعري صرفها إلى غيره، لم يكن ذلك
له، فأشبه الهبة المحضة المقصود بها عينه؛ ويلزم على هذا أن تجب له وتورث
عنه - إذا قبضها أبرت أو لم تؤبر - كالهبة؛ فيأتي على هذا التعليل فيما تجب
به العرية للمعرى أربعة أقوال:
أحدها هذا، والثاني: أنها تجب له بالإبار قياسا على قول أشهب في الحبس.
والثالث أنها لا تجب لها إلا بالطياب، وهي رواية محمد بن خالد عن ابن
القاسم.
والرابع: أنها تجب له وتورث عنه إذا قبض الأصول، وإن لم تطلع الثمرة بعد
على ظاهر ما في كتاب الهبة والصدقة من المدونة، القولان منها على القول
بالعرية لا يقصد بها عين المعرى، وإنما يقصد بها المواسة، والقولان الآخران
على القول بأن العرية يقصد بها عين المعرى، فلا تفترق من الهبة إلا في
الرخصة.
وأما قول من فرق بين الزكاة والسقي في العرية، فلا وجه له عندي من جهة
النظر، لأن الثمرة إن كانت قد وجبت للمعرى بقبض الأصول أو بقبضها مع الطلوع
على القول بأنها تجب له بذلك، وإن مات المعري، فيجب أن يكون عليه سقيها كما
تكون عليه زكاتها؛ لأن من حق المعري أن يقول للمعرى: لا أسقي
(2/527)
الثمرة، إذ لا حق لي فيها - وأنت بالخيار
إن شئت فاسق ثمرتك وإن شئت فدع؛ وإن كانت الثمرة لم تجب للمعرى إلا بالطياب
على القول بأنها باقية على ملك المعري ما لم تطب؛ وإن قبضها المعرى فيجب أن
تكون على المعرى زكاتها كما يكون عليه سقيها؛ ووجه الفرق بينهما من جهة
الاستحسان: أن سقي الثمرة لما كان فيه منفعة الحائط سلمت الثمرة أو ذهبت
كان السقي على ربه - وهو المعري؛ وإن كانت الثمرة قد وجبت للمعرى وكانت
زكاتها عليه ولا يحمل ذلك القياس؛ لأن من حق صاحب الحائط ألا يسقي حائطه
وإن تلف.
فصل وأرخص رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في بيع العرية
بخرصها، ذكر مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في موطئه عن نافع عن عبد الله بن
عمر عن زيد بن ثابت «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
أرخص لصاحب العرية أن يبيعها بخرصها» . وعن داود بن الحصين، عن سفيان مولى
ابن أبي أحمد عن أبي هريرة، «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أرخص في بيع العرايا بخرصها فيما دون خمسة أوسق أو في خمسة
أوسق» شك داود: قال خمسة أوسق أو دون خمسة أوسق. فقوله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أرخص لصاحب العرية أن يبيعها بخرصها، وأرخص في بيع
العرايا بخرصها دليل على أن العرية اسم للثمرة الموهوبة لا للأصول التي
أعريت ثمرتها. ومن قال إن العرية اسم للأصول التي أعريت ثمرتها، ذهب إلى أن
معنى قوله أرخص في بيع العرايا، أرخص في بيع ثمرة العرايا، فحذف المضاف
وأقام المضاف إليه مقامه، مثل قَوْله تَعَالَى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ}
[يوسف: 82] يريد أهل القرية، وهذا كثير في كلامهم، إلا أنه من المجاز، وحمل
الكلام على الحقيقة، أولى من حمله على المجاز.
(2/528)
فصل فبيع العرايا بخرصها إلى الجداد
مستثناة من المزابنة وسائر وجوه الربى بالرخصة، لوجهين:
أحدهما نفي الضرر الداخل على المعري ببقاء يد المعرى على عريته، وذلك أن
الناس كانوا يتواسون فيما بينهم فيطعم من له نخل لمن لا نخل له - النخلة
والنخلات من نخله، فكان يشق على المعري دخول المعرى عليه لجمع عريته
والقيام عليها؛ لامتناعه بذلك من الانفراد في حائطه بأهله وولده - على ما
جرت به عادتهم؛ فيؤدي ذلك من المشقة عليه إلى ما يمنع من الإعراء في عام
آخر.
والوجه الثاني القصد إلى المعروف والرفق دون المكايسة وذلك أن المعرى إذا
احتاج إلى حفظ عريته وجمع سواقطها والقيام عليها، لزمه من المشقة في ذلك
أكثر من قدر قيمتها، فيؤدي ذلك إلى أن لا ينتفع بعريته فاحتاج المعرى إلى
من يكفيه مؤونته عريته، كما احتاج المعري إلى الانفراد في حائطه، فرخص رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لهذا المعنى أن يخرص على
المعري عريته التي أعراها ويكون عليه خرصها ثمرا عند الجداد إذا تراضيا
بذلك واتفقا عليه.
فصل فبيع العرية بخرصها من معريها، ليس ببيع على الحقيقة؛ وإنما هو معروف
اتبعه معروفه الأول ونفى به الضرر على نفسه بأن التزم له عريته بخرصها إلى
الجداد، كما تخرص عليه الزكاة التي تجب لأهل الزكاة، لما يلحقه من الضرر
بمشاركتهم له في الحائط ويجري قياس جواز أخذ العرية بخرصها على خرص الزكاة
بأن نقول إن هذا معنى حد الشرع بخمسة أوسق، فجاز أن تخرص ثمرته على أن يعطي
مكيلة خرصه تمرا عند الجداد، أصل ذلك الزكاة؛ وإنما سماه
(2/529)
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - بيعا، لما فيه من معنى البيع - وإن لم يكن بيعا على الحقيقة؛
وهو أن مبتاع العرية بخرصها يملكها ويجوز له التصرف فيها، كما لو اشتراها
بالدنانير والدراهم؛ ولا يجوز ذلك له أيضا إلا باجتماع منهما جميعا واتفاق
ورضى واختيار كالبيع، بخلاف خرص الزكاة التي النظر فيها إلى الأمام، ولا
خيار فيه إلى رب الحائط، فلذلك لم يرد فيه الشرع بلفظ البيع.
فصل
فمالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجيز بيع العرية بخرصها إلى الجداد للعلتين
جميعا، وابن الماجشون لا يراعي إلا الضرر ولا يرى العلة في جوازها سواه،
والعلة التي هي أملك بجوازها نفي الضرر، ألا ترى أن شراء العرية في مذهب
مالك وجميع أصحابه لا يجوز بخرصها إلا لمعريها، أو لمن صار إليه ثمر الحائط
بشراء أو هبة أو غير ذلك من وجوه الملك.
فصل ومن الحجة لمالك في ألا يجوز للمعرى بيع عريته ممن شاء بخرصها إلى
الجداد مع ما تقدم من علة نفي الضرر - ما روي «أن رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أرخص في العرية أن تباع بخرصها يأكلها أهلها
رطبا» فقوله أهلها - يريد أهل الحائط المعرين للثمرة - والله أعلم؛ ودخل من
صارت إليه الثمرة بوجه من وجوه الملك مدخلهم بالقياس، وفي بعض الآثار «أن
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أرخص لصاحب العرية أن
يبيعها من معريها بخرصها ثمرا عند الجداد» وهذا نص في موضع الخلاف.
فصل وقد ذهب جماعة من أهل العلم، منهم أحمد بن حنبل إلى أنه يجوز لصاحب
العرية بيع عريته بخرصها ممن شاء على ظاهر ما روي أنه - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أرخص لصاحب العرية أن يبيعها بخرصها مطلقا من غير
تقييد، وهو ظاهر قول
(2/530)
يحيى بن سعيد في المدونة؛ لأنه قال: العرية
الرجل يعري الرجل النخلة والنخلتين يسميهما من ماله ليأكلها فيبيعها بثمر -
لم يقل من المعري ولا من غيره، والقول ما قاله مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وذهب إليه؛ لأن المطلق يجب حمله على المقيد في هذه المسألة وفاقا بما دل
عليه من الدليل.
فصل وبيع العرايا لا يجوز بخرصها على مذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلا
على ستة شروط:
أحدها: أن تزهي الثمرة.
والثاني: أن تكون خمسة أوسق أو دون خمسة أوسق. فإن زادت على ذلك لم يجز وقد
قيل لا يجوز إلا في أقل من خمسة أوسق وهي رواية أبي الفرج عن مالك -
رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو الأظهر؛ لأن الأصل المنع لأنه مزابنة، فلا يستباح
منه شيء إلا بيقين، لأن الشك لا يقدح في اليقين.
والثالث: أن يعطيه الخرص عند الجداد، فإن أعطاه ذلك نقدا لم يجز.
والرابع: أن يكون من صنفها، ونوعها، فإن كان من خلافها لم يجز.
والخامس: أن تكون العرية مما ييبس ويدخر.
والسادس: أن يبيعها من معريها أو ممن صار له ثمر الحائط، وعلى مذهب ابن
القاسم في المدونة يحتاج في ذلك إلى شرط سابع - وهو أن يسميها عرية لا هبة
مطلقة، لافتراق أحكام الهبة المطلقة عنده من العرية.
فصل واتفق مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - والشافعي وأبو حنيفة على جواز أخذ
المعرى في عريته بخرصها ثمرا، إلا أنهم اختلفوا في تعليل ذلك؛ فأما مالك
فقد
(2/531)
تقدم مذهبه؛ وأما الشافعي، فلم يقصد ذلك
على العرية وأجاز بيع ما دون خمسة أوسق ممن الرطب في رؤوس النخل بالثمر يدا
بيد، كان ذلك من عرية أو شراء أو لمن يريد أن يبيع ذلك المقدار من حائطه
لعلة أو لغير علة، والرخصة عنده إنما وردت في المقدار المذكور فخرج ذلك
المقدار من المزابنة، وما زاد عليه فهو منها؛ وإنما خصت عنده العرايا
بالذكر في ذلك، لأن السؤال وقع عنها، أو لأنها إنما تقع في هذا المقدار في
الأغلب من الحال؛ وقالوا أيضا إن العرية ليست اسما لما أعري ووهب وأعطي
وإنما هو اسم لما أفرد عن جملة - سواء كان للهبة أو للبيع أو للأكل، كأنه
عري عن الأصل وأفرد عنه؛ والصحيح ما قدمنا ذكره عن أهل اللغة أنه اسم
للعطية مخالف الشافعي وما جاء في بعض الآثار من «أن رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أرخص لصاحب العرية أن يبيعها من معريها
بخرصها تمرا عند الجداد» في ثلاثة مواضع.
أحدها: أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شرط في جواز
بيعها أن يكون من معريها دون غيره - وهو يجيز بيعها من المعري وغيره.
والثاني: أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أرخص في بيعها بخرصها
تمرا عند الجداد، والشافعي يمنع ذلك عند الجداد، ويجيزه نقدا ويقول إن
تفرقا قبل القبض فسد.
والثالث: أن العرية اسم الفعل المعروف مستثنى من الأصول بدليل قوله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للخراص خففوا، فإن في المال العرية
والوصية. فأجراهما مجرى واحدا وهو يقول إنه المقدار وإن لم يكن عرية.
وأما أبو حنيفة فعلته في جواز أخذ المعري عريته بخرصها أنها هبة مبتدأة على
أصله أن للواهب الرجوع فيما وهب ما لم تحز عنه، فكأنه ارتجع عريته من
(2/532)
المعرى ثم وهبه تمرا عند الجداد؛ وإنما سمي
بيعا على المجاز والاتساع، وأما على الحقيقة فلا يجوز ذلك، لأنه بيع الرطب
في رؤوس النخل بالتمر على وجه الأرض وهذا أبعد الأقاويل؛ لأنه رد لأحاديث
الرخصة في بيع العرية بخرصها جملة، وإبطال لفائدتها ومعناها، إذ الهبة
المبتدأة لا يصح أن يشترط في جوازها أن يكون أصلها عرية، ولا أن يكون خمسة
أوسق فدون هذا مما لا يصح لأحد أن يقوله ولا يعتقده؛ لانعقاد الإجماع على
جواز ابتداء هبة القليل والكثير من غير حد ولا تقدير؛ ويلزم على قياس قوله
ألا يجوز للمعرى بيع العرية بخرصها من المعري إذا قبض عريته - إما بقبض
الأصول، وإما بقبضها مع الطلوع، إلا أن يكون من مذهبه أن القبض لا يكون إلا
بالجد.
فصل والعرية تجوز في الثمار كلها كان مما يدخر أو مما لا يدخر لعام واحد
وأعوام كثيرة، لأنها هبة من الهبات؛ وأما أخذها بخرصها عند الجداد، فلا
يجوز إلا فيما ييبس ويدخر من الثمر كالتمر، والعنب والتين، والجوز، واللوز،
والزيتون، وما أشبه ذلك؛ هذا هو المشهور في المذهب الموجود لمالك في
المدونة وكتاب ابن المواز والمبسوط، وقد روي عنه أيضا في كتاب ابن المواز
أن ذلك لا يجوز إلا في النخل والعنب خاصة، وهو قول الشافعي.
فصل وقد اختلف في الحيازة التي تصح بها العرية للمعرى إن مات المعري فقال
ابن حبيب لا تصح العرية للمعرى إن مات المعري إلا أن يكون قد قبض الأصول
وطلع فيها الثمر قبل موته، واختلف الشيوخ في تأويل ما في المدونة في ذلك،
(2/533)
وهل الهبة والصدقة بمنزلة العرية أم لا على
ما أذكره إن شاء الله، أما أبو عمر بن القطان، فكان يقول قول ابن حبيب
مفسرا لما في المدونة في العرية والهبة والصدقة، ولا فرق بين العرية والهبة
والصدقة في أن المعري أو الواهب أو المتصدق، إذا مات فلا شيء للمعرى أو
الموهوب له أو المتصدق عليه إلا أن يكون كل واحد منهم قد قبض الأصول قبل
موته وطلعت فيها الثمرة، وكان يحتج لمساواته بين الهبة والعرية والصدقة
برواية يحيى عن ابن القاسم في كتاب الهبات والصدقات من العتبية الواقعة في
رسم الصلاة منه؛ ورأيت لأبي مروان بن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه كان
يقول ما قال ابن حبيب خلاف لما في المدونة - يريد والله أعلم أن العرية تصح
للمعرى بقبض الأصول في حياة المعري وإن لم تطلع فيها الثمرة على ظاهر ما
وقع في كتاب الهبة والصدقة في الهبة والصدقة، فتستوي عنده الهبة والعرية في
أنها تصح للمعرى والموهوب له بقبض الأصول وإن لم تطلع فيها الثمرة؛ وكان
الفقيه أبو جعفر بن رزق - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول قول ابن حبيب مفسر لما
في المدونة في العرية، وخلاف لما فيها في الهبة والصدقة؛ ومذهبه في
المدونة: الفرق بين العرية والهبة، هذا قوله وتأويله وهو أظهر التأويلات
على ما في المدونة؛ وأشهب يقول إذا أبرت النخل قبل موت المعري صحت للمعرى،
لأنه لا يمنع من الدخول إلى عريته؛ وأما إن قبض الأصول وحازها؛ فهي له وإن
لم تؤبر. وأما إن مات المعرى فلا تجب لورثته العرية، وإن كان قد قبضها، إلا
أن يكون مات بعد طيب الثمرة، هذه رواية محمد بن خالد عن ابن القاسم في
العتبية حملها محمل الحبس لا محمل الهبة، وذلك صحيح على قياس القول بأن
السقي والزكاة على المعرى، ويلزم على قول أشهب في الحبس أن الثمرة تجب
لورثة المحبس عليه بالإبار: أن تجب أيضا لورثة المعرى بالإبار، وبالله
التوفيق.
(2/534)
|