المقدمات
الممهدات [كتاب الولاء والمواريث] [فصل في ترتيب
الولايات وتقسيمها ووجه الحكم فيها]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم
كتاب الولاء والمواريث
فصل في ترتيب الولايات وتقسيمها ووجه الحكم
فيها
الولاية تنقسم على خمسة أقسام:
أحدها: ولاية الإسلام والإيمان.
والثاني: ولاية الحلف والأيمان.
والثالث: ولاية الهجرة.
والرابع: ولاية النسب.
والخامس: ولاية العتق.
فأما ولاية الإسلام والإيمان فإن الله قد نص عليها في محكم القرآن فقال
تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}
[التوبة: 71] إلا أن هذه الولاية ولاية عامة فلا يتوارث بها إلا عند عدم
النسب والولاء، لكنها شرط في صحة الميراث بهما، أعني بالنسب والولاء، لقول
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يرث المسلم الكافر
ولا
(3/127)
الكافر المسلم ولا يتوارث أهل ملتين شيئا»
ويوجب في الموضع الذي لا يوجب الموارثة بها المناصحة والتناصر في دين الله
والتعاون في ذاته. قال الله تبارك وتعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ
وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:
2] وَقَالَ {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ
أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات: 10] وقال النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من حق
المسلم على أخيه المسلم أن يسلم عليه إذا لقيه ويعوده إذا مرض ويشهد جنازته
إذا مات» . وقال: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا» .
وأما ولاية الحلف والأيمان فقيل إن الناس كانوا يتوارثون بها في أول
الإسلام بدليل قول الله عز وجل: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ
فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} [النساء: 33] ثم نسخ الله ذلك بقوله: {وَأُولُو
الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال:
75] وقيل إن ذلك كان في الجاهلية، فلما جاء الإسلام أمروا أن يؤتوهم نصيبهم
من النصر والنصيحة والمعونة والمشورة ولا ميراث. واحتج من ذهب إلى هذا بقول
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا حلف في الإسلام وكل
حلف كان في الجاهلية فلم يزده الإسلام إلا شدة» . وبقوله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ما كان من حلف في الجاهلية فتمسكوا به ولا حلف في
(3/128)
الإسلام» . فالآية على هذا التأويل محكمة
فيما عدا الميراث من النصر والمعونة. وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أن الآية
محكمة على ظاهرها في الميراث وغيره، وأن الرجلين إذا لم يكن بينهما نسب
معروف فوالى أحدهما الآخر على أن يتوارثا ويتعاقلا فإن ذلك يصح ويتوارثان
ويتعاقلان. قالوا ولكل واحد منهما أن يرجع على الموالاة ويفسخها ويوالي
غيره ما لم يعقل أحدهما عن صاحبه، فإن عقل عنه لزمته الموالاة. وهذا يرده
قول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا حلف في الإسلام»
معناه لا حكم له في الموارثة على ما كان يفعل في الجاهلية. وأيضا فإن الآية
التي احتجوا بها يخالفونها ولا يقولون بها، وذلك أن الله تعالى علق فيها
استحقاق النصيب بعقد اليمين فقال: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ}
[النساء: 33] وهم لا يرون أن اليمين تؤثر في استحقاق الميراث شيئا. وقد
رويت عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في هذا المعنى آثار تدل على ما ذهب
إليه أبو حنيفة من أن للمولى بالموالاة أن يرجع بولايته إلى من شاء بغير
إذن مواليه، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من تولى مولى بغير إذنه
فعليه لعنة الله» . وقوله: «لا يتولى مولى قوم إلا بإذنهم» . وذهب الطحاوي
إلى استعمال هذه الآثار على ظواهرها وما تدل عليه من معانيها فقال: إن
للمولى
(3/129)
بالموالاة أن ينتقل بولايته إلى من شاء
بإذن من ينتقل إليه. فالانتقال الولاء عنده أربع شرائط، وهي أن يكون ذلك
بإذن المولى، وبإذن من ينتقل عنه، وبإذن من ينتقل إليه، والرابع أن يكون
الولاء المنتقل عنه بالموالاة لا بالعتق، لأن الولاء بالعتق لا يصح
الانتقال عنه «لنهي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن
بيع الولاء وعن هبته» . قال وليس في قوله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «إنما الولاء لمن أعتق» ما ينبغي أن يكون ثم ولاء سوى ولاية
العتاقة، لأن الحديث إنما قصد به إلى الولاء بالعتاقة لا إلى الولاء بما
سواه، فإنما ينفي أن يكون ولاء المعتق بالعتاقة لغير الذي أعتقه. وقد
تكلمنا على لفظه إنما وما يوجب في كتاب كراء الأرضين. وبالله التوفيق.
وأما ولاية الهجرة فإن الناس كانوا يتوارثون بها في أول الإسلام، لا اختلاف
بين أهل العلم في ذلك. قال الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا
وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ
بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ
وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي
الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ
وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الأنفال: 72]
. فكان المهاجرون والأنصار يتوارثون بالهجرة وبالمؤاخاة التي آخى رسول
الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بها بينهم دون ذوي الأرحام حتى
أنزل الله: {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ
اللَّهِ} [الأنفال: 75] يريد بقوله في كتاب الله على ما قال أهل التأويل أي
في آية المواريث. فالمراد بأولي الأرحام في هذه الآية من سمى الله في آية
المواريث أو دخل فيها بالمعنى وإن لم يسم.
(3/130)
فصل وورث أهل العراق بهذه الآية العمة
والخالة وسائر ذوي الأرحام وجعلوهم أحق بالميراث من الموالي. وهذا ليس
بصحيح لأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد بين مراد
الله في كتابه في هذه الآية. فقال: «فما أبقت الفرائض فلأولى عصبة ذكر» .
وأما ولاية النسب فموجودة أيضا في القرآن. قال الله عز وجل: {وَلِكُلٍّ
جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ}
[النساء: 33] وقال تعالى حاكيا عن زكرياء - عَلَيْهِ السَّلَامُ -:
{وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي
عَاقِرًا} [مريم: 5]- يقول وإني خفت بني عمي وعصبتي من بعدي أن يرثوني-
{فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا} [مريم: 5] {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ
آلِ يَعْقُوبَ} [مريم: 6] أي ولدا وارثا معينا يرث مالي ويرث من آل يعقوب
النبوة. وذلك أن زكرياء كان من ولد يعقوب فوهب الله له يحيى. روي «أن رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا قرأ هذه الآية قال:
يرحم الله أخي زكرياء وما كان عليه من ورث ماله، ويرحم الله أخي لوطا إن
كان ليأوي إلى ركن شديد» .
وأما ولاية العتق فإنها توجب الميراث عند انقطاع النسب بحق الإفعام بالعتق
والمن به عند جماعة العلماء. قال الله عز وجل: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ
وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} [محمد: 4] والمن
العتاقة. وقال تبارك وتعالى: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ
عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} [الأحزاب: 37]
يريد أنعم الله عليه بالإسلام
(3/131)
وأنعمت عليه بالعتق. فولاية العتاقة كالنسب
سواء في وجوب الميراث بها عند عدم الأقربين والعصبة. قال رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الولاء نسب» . وقال: «الولاء لحمة
كلحمة النسب» .
فصل «ونهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بيع الولاء
وعن هبته» وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما الولاء لمن
أعتق» . فقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الولاء لمن أعتق»
فعل الإعتاق وإن لم يكن ذلك حقيقة اللفظ، لأن الثواب حاصل عن العتق والولاء
حاصل عنه فوجب ألا يفترقا. وقد أجمعوا أن من وكل رجلا على عتق عبده فالولاء
للموكل لا للوكيل الذي تولى فعل الإعتاق. ولهذا قلنا: إن من أعتق عبده عن
غيره بإذنه أو بغير إذنه إن الولاء للمعتق عنه؛ لأن ثواب العتق له، وكأنه
إذا أعتقه عنه فقد ملكه إياه بشرط إعتاقه عنه. وليس ذلك من هبة الولاء
المنهي عنه في الحديث، لأن النهي إنما يقتضي نقل الولاء بعد ثبوته وتقرره
لمن حصل له ثواب العتق على ما بيناه.
فصل ومن هذا المعنى اختلفوا في عتق السايبة فكرهه ابن القاسم ابتداء من
ناحية هبة الولاء المنهي عنه، فإذا وقع كان الولاء للمسلمين، وأجاز ذلك
أصبغ ابتداء ومنع منه ابن الماجشون ورأى أن ذلك هبة الولاء حقيقة، فقال: إن
وقع كان
(3/132)
الولاء لملأ المسلمين. ففهم أصبغ ومن أجاز
عتق السايبة من قول الرجل لعبده: أنت سايبة؛ أن مراده بذلك إعتاقه عن
المسلمين وجعل ثواب العتق لهم لا لنفسه. وفهم ابن الماجشون ومن لم يجز أن
مراده بذلك أن يجعل ثواب العتق لنفسه وولاءه للمسلمين. ولم يتحقق عند ابن
القاسم مراده بذلك فلذلك كرهه ابتداء. فهذا توجيه الاختلاف في عتق السايبة
عندي. ألا ترى أن الرجل لو قال لعبده: أنت حر عني وولاؤك للمسلمين لم يختلف
أن ذلك جائز وأن الولاء يكون للمسلمين أعني في المذهب. وأما في غير المذهب
فالشافعي وأبو حنيفة يقولان إن الرجل إذا قال لعبده أنت حر عن المسلمين إن
الولاء له لا للمسلمين على أصلهما فيمن أعتق عبده عن غيره بغير إذنه أن
الولاء له دون المعتق عنه. واستدلوا على ذلك بقول رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما الولاء لمن أعتق» . وإذا استدلوا على
ذلك بهذا الظاهر فيلزمهم عليه عتق الوكيل، والعتق عن الغير بإذنه، وهذا بين
لا خروج لهما عنه.
فصل وإذا قلنا إن المفهوم من قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «الولاء لمن أعتق» أي لمن حصل له ثواب العتق، فمن أسلم على
يديه رجل فلا ولاء له عليه. هذا قولنا وقول فقهاء الأمصار. وقال إسحاق بن
راهويه: له ولاؤه، واحتج بما روي «عن تميم الداري أنه قال للنبي - عَلَيْهِ
السَّلَامُ -: يا رسول الله، ما السنة فيمن أسلم على يديه رجل فقال: هو أحق
به في محياه ومماته» . وهذا محمول عندنا على أنه أحق به في نصرته والقيام
بأموره وتولي دفنه إذا مات. بدليل قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -:
«إنما الولاء لمن أعتق» . ولأن الولاء إنما يكون بالإنعام، ولا إنعام لمن
أسلم على يديه، وبالله التوفيق.
(3/133)
فصل وكذلك من التقط لقيطا فهو حر ولا ولاء
له عليه وقد قال قوم: إن ولاءه لمن التقطه. واحتجوا بقول عمر بن الخطاب -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هو حر ولك ولاؤه وعلينا نفقته. وهذا محمول أيضا
عندنا على أن عمر إنما أراد أن له ولايته والقيام بأموره والثواب على
تربيته، وعلى بيت المال نفقته بدليل قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «إنما الولاء لمن أعتق» .
فصل ومن الناس من قال إن اللقيط عبد لمن التقطه، وهذا لا وجه له، لأنه لا
يخلو من أن يكون ابن أمة مملوكة فهو لسيدها لا يحل لملتقطه أن يتملك، أو
يكون ابن حرة فهو حر.
فصل وما روي عن عائشة وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنهما قالا في
أولاد الزنى: أعتقوهم وأحسنوا إليهم. فإن مخرج ذلك في أمر الحرية على
الإعلام لهم بأنهم أحرار، وهذا جائز في الكلام، كقول النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يجزي ولد والده إلا أن يجده عبدا مملوكا
فيشتريه فيعتقه» وليس يجوز بقاء] ملك الولد على والده ولا ملك الوالد على
ولده لأنه يتنافى أن يكون ابنا عبدا أو أبا عبدا، بدليل قول الله عز وجل:
{وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ
مُكْرَمُونَ} [الأنبياء: 26] . وقال تعالى: {وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ
أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا} [مريم: 92] {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم: 93]
(3/134)
فنفى الله تعالى أن يكون الولد عبدا. فإذا
كان هذا في الولد فهو في الأب أولى لحرمة الأب وما أوجب الله له من الحق.
ألا ترى أنه قرن شكره بشكره فقال تعالى: {أَنِ اشْكُرْ لِي
وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان: 14] . وقول عمر هو حر؛ مفهومه الإخبار بحريته لا
إعتاقه، ولو كان حرا بإعتاقه لكان الولاء له؛ لأن هبة الولاء لا تجوز.
فصل والموالي أربعة:
موالي لا يتوارثون وهم المسلمون الذين لا يتناسبون.
وموالي يتوارثون وهم المسلمون المتناسبون.
وموالي يرثون ولا يورثون وهم الموالي المسلمون المعتقون.
وموالي يورثون ولا يرثون وهم الموالي المعتقون.
فصل الموالي الذين يرثون ولا يورثون ثلاثة: مولى الرجل الذي أعتقه، ومولى
أبيه، ومولى أمه.
فإن كان الرجل حرا معتقا فولاؤه لمولاه الذي أعتقه، فإن لم يكن مولى وكان
حرا لم يعتق كان ولاؤه لمولى أبيه الذي أعتقه، فإن كان الأب حرا لم يعتق
كان ولاؤه لمولى جده الذي أعتقه. هكذا أبدا ما ارتفع وعلا.
فإن لم يكن في آبائه حر معتق وكانوا كلهم أحرارا غير معتقين ورثه المسلمون،
ولم يكن لموالي الأم من ولائه شيء. وكذلك إن كان في آبائه حر
(3/135)
معتق فانقرض المعتق وعصبته ورثه المسلمون
دون موالي الأم. فإن كان الميت منقطع النسب ولد زنى أو منفيا بلعان أو كان
آباؤه كفارا أو عبيدا كان ولاؤه لموالي الأم إن كانت معتقة، فإن كانت الأم
حرة لم تعتق كان الولاء لموالي الجدات للأم. وإن كانت منقطعة النسب ابنة
زنى أو منفية بلعان أو كان أبوها عبدا أو كافرا كان الولاء لموالي الجدة أم
الأم، وهكذا على هذا الترتيب ينزل الأمر.
فصل والولاء في جميع ما ذكرنا من موالي الرجل وموالي ابنه وموالي أمه يورث
به ولا يرث. ومعنى ذلك أن الميراث يكون لأقرب الناس بالمعتق يوم مات المولى
الموروث، لا لمن ورث المولى المعتق.
فصل وهو ينتقل إلى الأقرب فالأقرب من العصبة لقول رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الولاء للكبر» . يريد الأقرب إلى المولى
المعتق فالأقرب من العصبة، وبالله التوفيق.
فصل فأولى الناس بميراث الرجل المعتق إذا لم يكن له ورثة ولا عصبة مولاه
الذي أعتقه، فإن لم يكن حيا فولده ثم ولد ولده وإن سفلوا الأقرب فالأقرب.
فإن لم يكن له ولد ولا ولد ولد أو كانوا فانقرضوا فأبوه ثم ولد الأب وهم
الإخوة. فإن كانوا لأب وأم أو لأب فالميراث بينهم، وإن كان بعضهم لأب وأم
وبعضهم لأب، فالذي لأب وأم أقعد من الذي لأب وأحق بالميراث. فإن لم يكن له
إخوة فولد الإخوة، فإن كان بعضهم ابن أخيه لأب وأم وبعضهم ابن أخيه لأب
فابن الأخ للأب والأم أقعد
(3/136)
وأحق بالميراث. فإن لم يكن له ولد الإخوة
فأولادهم، فإن لم يكن أولادهم فأولاد أولادهم أبدا ما سفلوا على هذا
الترتيب الذي وصفنا ومتى استووا في القعدد وكان أحدهم أقرب إلى المعتق بأم
كان أحق بالميراث، وإن استووا كانوا في الميراث شرعا سواء. فإن لم يكن للأب
ولد ولا ولد ولد أو كانوا فانقرضوا كان أبوه وهو الجد أحق الناس بالولاء،
فإن لم يكن الجد فولده وهم الأعمام، فإن كان بعضهم أقرب إلى المعتق بأم كان
أقعد بالميراث. فإن استووا كانوا في الميراث شرعا سواء. فإن لم يكن الأعمام
فولد الأعمام، فإن لم يكن ولد الأعمام فولد ولدهم وإن سفلوا أبدا على
الترتيب الذي وصفناه في بني الإخوة، متى استووا في القعدد وكان أحدهم أقرب
إلى المعتق كان أحق بالميراث، وإن استووا في ذلك كانوا في الميراث شرعا
سواء. فإن لم يكن للجد ولد ولا ولد ولد، أو كانوا فانقرضوا فأبو الجد أحق
بالميراث، فإن لم يكن أبو الجد فولده، فإن لم يكن ولده فولد ولده على
الترتيب الذي وصفناه في الإخوة وبنيهم، والأعمام وبنيهم، فإن لم يكن له ولد
فولد ولده على الترتيب الذي وصفاه. فإن لم يكن لجد الجد ولد ولا ولد ولد
فوالد الجد هكذا أبدا ما تباعد نسبهم وامتد فرعهم. فإن انقطعوا ولم يبق
منهم أحد كان الميراث لجماعة المسلمين بولاية الإسلام، إلا أن يكون مولاه
الذي أعتقه معتقا فيكون الولاء لمولى مولاه ثم لمن يجب ذلك له بسببه على ما
بيناه في انتقال الولاء عن المولى المعتق ثم لمولى مولى مولاه ثم لمن يجب
ذلك له بسببه على ما بيناه. فإن لم يكن مولاه الذي أعتقه معتقا وكان حرا لم
يعتق بولادته فمولى أبيه ثم لمن يجب له ذلك بسببه على ما بيناه. وإن كان
مولاه الذي أعتقه منقطع النسب ولد زنى أو منفيا بلعان أو كان أبوه عبدا أو
كان عبدا أو كافرا فولاؤه لمولى أمه ثم لمن يجب ذلك له بسببه على ما بيناه.
فإن كانت أمه حرة لم تعتق فولاؤه لمولى أبيها، فإن كان أبوها عبدا أو كافرا
أو كانت منقطعة النسب ابنة زنى أو منفية بلعان فولاؤه
(3/137)
لموالي أم أم مولاه، فإن لم يكن له موالي
من قبل أم مولاه فميراثه لجماعة المسلمين بولاية الإسلام.
فصل فإن كان الرجل المتوفى حرا لم يعتق كان الولاء للمولى الثاني وهو مولى
أبيه الذي أعتقه، ثم لمن يجب ذلك له بسببه على ما أحكمته السنة في ميراث
الولاء على ما وصفناه. فإن كان أبوه حرا أيضا لم يعتق كان الولاء لمولى أبي
أبيه. فإن كان أبو أبيه حرا لم يعتق كان ولاؤه لموالي أبي أبي الأب فإن كان
أبو أبي الأب عبدا أو كافرا أو كان قد نفى ابنه أبا الأب بلعان أو كان ابنه
من زنى كان الولاء لموالي أم أبي الأب. وإن كان أبو الأب عبدا أو كافرا أو
كان قد نفى ابنه وهو الأب بلعان أو كان ولده من زنى كان الولاء لموالي أم
الأب. فإن كانت أم الأب حرة لم تعتق كان الولاء لموالي أبي أم الأب، فإن
كان أبو أم الأب عبدا أو كافرا أو كان قد نفى ابنته وهي أم الأب بلعان أو
كانت ابنته من زنى كان الولاء لموالي أم أم الأب، وهكذا ترتيب الولاء أبدا
في موالي الأب فمن فوقه من الآباء والأمهات.
فصل وإن كان الرجل المتوفى حرا غير معتق منقطع النسب إما ولد زنى أو منفيا
بلعان أو لم يكن في آبائه حر مسلم كان ولاؤه للمولى الثالث، وهو مولى أمه،
ثم لمن يجب له ذلك بسببه على ما أحكمته السنة في ميراث الولاء. وقد بينا
ذلك. فإن كانت أمه حرة لم تعتق كان الولاء لموالي أبي أمه ثم لمن يجب ذلك
له بسببهم. فإن كان أبو الأم عبدا أو كافرا أو قد كان نفى ابنته بلعان أو
كانت ابنته من زنى كان الولاء لموالي أم الأم ثم لمن يجب ذلك له بسببهم.
فإن كانت الأم حرة لم تعتق كان الولاء لموالي أبي أم الأم ثم لمن يجب ذلك
له بسببهم. فإن كان أبو
(3/138)
أم الأم عبدا أو كافرا أو كان قد نفى ابنته
أم الأم بلعان أو كانت ابنته من زنى كان الولاء لموالي أم أم الأم ثم لمن
يجب ذلك له بسببهم. وهكذا يترتب الولاء أبدا في موالي الأم فمن فوقه من
الآباء والأمهات.
فصل ومتى ما أعتق الأب أو أسلم إن كان كافرا رجع الولاء إليه وجره إلى
مواليه إن كان مولى، أو إلى عصبته وجماعة المسلمين إن كان لا ولاء عليه
لأحد. وكذلك إن استلحق الملاعن ابنه رجع الولاء إليه وجره عن موالي الأم
إلى مواليه إن كان مولى أو إلى عصبته وجماعة المسلمين إن لم يكن عليه ولاء
لأحد. وبالله التوفيق.
فصل والأصل في هذا أن كل ولد يولد للحر من حرة فولاؤه لموالي أبيه إن كان
مولى أو لجماعة المسلمين إن كان حرا لم يعتق بعتق، ولا يرجع ولاؤه إلى
موالي أمه أبدا إلا أن تعتق وهي حامل به فيكون ولاء ولدها لمعتقها ولمن يجب
ذلك له بسببه، لأن الرق قد مسه في بطن أمه. وكذلك إذا كوتبت وهو في بطنها
أو دبرت أو أعتقت إلى أجل فولاء ما في بطنها لسيد أمهم، ولدته في الكتابة
أو بعد أدائها أو ولدته المدبرة في حياة سيدها أو بعد وفاته، أو ولدته
المعتقة إلى أجل قبل الأجل أو بعده. وبالله التوفيق.
فصل والولاء ينتقل عن الرجل والمرأة إلى بنيهما وعصبتهما من الرجال دون
النساء، فلا ترث المرأة من الولاء إلا ما أعتقت أو أعتق من أعتقت أو أعتق
من أعتق من أعتقت، أو ولد من أعتقت من الذكور إن كان حرا لم يعتق، أو ولد
من
(3/139)
أعتقت من الإناث إن كان ولد زنى أو منفيا
بلعان أو كان أبوه عبدا أو كافرا على ما بيناه قبل من أن الموالي ثلاثة:
مولى الرجل الذي أعتقه، ومولى أبيه، ومولى أمه.
فصل وقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الولاء لمن أعتق»
يهوديا أو نصرانيا لأن عتق الكافر جائز وفيه أجر. قال الله عز وجل:
{فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ
أَوْزَارَهَا} [محمد: 4] والمن العتاقة ففي هذا إجازة عتق الكافر قال رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أفضل الرقاب أنفسها ثمنا
وأغلاها عند أهلها» . فلم يخص كافرا من مسلم إلا أنه لا يرثه إلا أن يسلم
لاختلاف الدينين. وكذلك إن أعتق الذمي عبده الذمي فإن الولاء يثبت له بعتقه
إياه ويرثه إن أسلما جميعا. فإن قال قائل: كيف يصح له الولاء، وقد قلت فيما
تقدم: إن الولاء لمن حصل له ثواب العتق، والنصراني لا يثاب على عتقه؟
فالجواب على ذلك أن هذا إجماع، والإجماع أصل في نفسه، فلا يعترض عليه
بالقياس. وأيضا فإن النصراني له ثواب العتق إن أسلم على ما روي «أن عمر بن
الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال للنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: يا
رسول الله، أرأيت أشياء كنا نتخلق بها في الجاهلية؟ فقال له رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أسلمت على ما سلف لك من خير.
»
فصل وأما إن أعتق النصراني مسلما فلا يثبت له ولاؤه؛ لأنه أعتق من لا يصح
له
(3/140)
حبسه ولا يستقر عليه ملكه، لقول الله عز
وجل: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
سَبِيلا} [النساء: 141] . هذا مذهب مالك وأصحابه، ورواية ابن القاسم عنه في
كتاب ابن المواز أن الولاء يثبت لهم، وهو أظهر، لأن إسلامه لا يسقط ملك
سيده عنه وهو عبده وعلى ملكه حتى يباع عليه، وبالله التوفيق.
فصل وقد مضى القول في الولاء موعبا، ويحسن أن يوصل بذلك القول في فرائض
المواريث إذ لم يقع منها في المدونة إلا فريضة واحدة ناقصة، فأنا أذكر
هاهنا منها جملة مختصرة ملخصة كافية على مذهب مالك وما روي عن زيد بن ثابت
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
فصل فيما يجب الميراث به
الميراث يكون بين الأحرار المسلمين بأحد ثلاثة أشياء:
إما نسب ثابت.
أو نكاح منعقد.
وإما ولاء عتاقة.
فإن لم يكن للمتوفى وارث بوجه من هذه الوجوه ورثه جميع المسلمين بولاية
الإسلام. لأن المؤمنين بعضهم أولياء بعض. قال الله عز وجل:
{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}
[التوبة: 71] وقد يجتمع الثلاثة الأشياء فيكون الرجل زوج المرأة ومولاها
وابن عمها. وقد يجتمع منها شيئان لا أكثر مثل أن يكون زوجها ومولاها، أو
زوجها وابن عمها، فيرث بوجهين ويكون له جميع المال إذا انفرد، نصفه
بالزوجية ونصفه بالنسب أو الولاء. ومثل أن تكون المرأة ابنة الرجل
(3/141)
ومولاته فيكون لها أيضا جميع المال إذا
انفردت، نصفه بالنسب ونصفه بالولاء وكذلك ما أشبهه، وبالله التوفيق لا شريك
له.
فصل ولا ميراث إلا بعد الدين والوصية. فإذا مات المتوفى أخرج من تركته
الحقوق المعينات، ثم ما يلزمه في تكفينه وإقباره، ثم الديون على مراتبها،
ثم يخرج من الثلث الوصايا وما كان في معناها على مراتبها، ويكون الباقي
ميراثا بين الورثة، وبالله التوفيق.
[فصل في تسمية من يرث من الرجال]
وهم خمسة عشر: الأب، والجد للأب وإن علا، والابن، وابن الابن وإن سفل،
والأخ الشقيق، والأخ للأب، والأخ للأم، وابن الأخ الشقيق، وابن الأخ للأب،
والعم الشقيق، والعم للأب، وابن العم الشقيق، وابن العم للأب، والزوج،
والمولى بولاء العتاقة.
[فصل في تسمية من يرث من النساء]
وهن: عشرة: الأم، والجدة للأب، والجدة للأم، والبنت، وبنت الابن، والأخت
الشقيقة، والأخت للأب، والأخت للأم، والزوجة، والمولاة المعتقة.
فصل ولا يرث من ذوي الأرحام سوى من له فرض مسمى بأرحامهم شيئا، وهم الأجداد
من قبل الأم، والأعمام للأم، وبنوهم، وبنو الأخ للأم، والأخوال، والخالات،
وبنوهم، وبنو البنات، وبنو الأخوات؛ ولا جميع العصبة من النساء بأنسابهن
شيئا، وهن العمات، وبنات الإخوة، وبنات الأعمام، فهؤلاء وأولادهم
(3/142)
ومن علا من أشباههم، مثل عمة الأب، وخالة
الجد، لا يرثن ولا يحجبن وارثا؛ لأن كل من لا يرث بحال فلا يحجب.
[فصل في الحجب]
فصل
في الحجب
الأب يحجب من فوقه من الآباء. ومن كان بسببه من الجدات، ويحجب الإخوة
وبنيهم والأعمام وبنيهم.، والابن يحجب من تحته من بني البنين، ويحجب الإخوة
كلهم ذكورهم وإناثهم، ويحجب الأعمام وبنيهم، ويحجب الأم عن الثلث إلى
السدس، والزوجة عن الربع إلى الثمن، والزوج عن النصف إلى الربع. والأخ
الشقيق يحجب الأخ للأب، والأخ للأب يحجب ابن الأخ الشقيق. وابن الأخ الشقيق
يحجب ابن الأخ للأب، الأقرب يحجب الأبعد أبدا. فإذا استويا في القعدد
فالشقيق أحق. وابن الأخ وإن سفل يحجب العم الشقيق. والعم الشقيق يحجب العم
للأب، والعم للأب يحجب ابن العم الشقيق. وابن العم الشقيق يحجب ابن العم
للأب، الأقرب يحجب الأبعد أيضا على ما تقدم في الإخوة. والأم تحجب جميع
الجدات اللواتي من قبلها واللواتي من قبل الأب. وكل واحدة من الجدتين تحجب
من فوقها من الجدات. والبنت وبنت الابن وإن سفلت تحجب الإخوة للأم، والزوجة
من الربع إلى الثمن.
[باب ميراث البنين]
الابن إذا انفرد كان له جميع المال، فإن كانوا أكثر من واحد كان المال
بينهم بالسواء. والبنت الواحدة إذا انفردت كان لها النصف، وللاثنين فصاعدا
الثلثان. فإن اجتمع البنون والبنات فلا فريضة للبنات واحدة كانت أو أكثر
معهم، والمال بين جميعهم للذكر مثل حظ الأنثيين. فإن كان مع البنين من له
فرض مسمى بدئ به وكان ما فضل بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين إن كانوا ذكورا
وإناثا، أو بينهم بالسواء
(3/143)
إن كانوا ذكورا، وان كن إناثا فلهن مع أهل
الفرائض فرائضهم كاملة إلا أن ينقصها العول. وبنو الأبناء كالأبناء في عدم
الأبناء ذكرهم كذكرهم وأنثاهم كأنثاهم، يرثون كما يرثون ويحجبون كما
يحجبون، ولا شيء لبني الابن ذكورا كانوا أو إناثا مع الابن الذكر، ولهم مع
البنت أو البنات ما فضل عن فرائضهم على السواء إن كانوا ذكورا، وللذكر مثل
حظ الأنثيين إن كانوا ذكورا وإناثا، فإن كانوا إناثا فلا شيء لهن مع
البنتين فصاعدا إلا أن يكون معهن ابن ابن أو بإزائهن فيرد عليهن ويكون
الفاضل بينهن وبينه للذكر مثل حظ الأنثيين. ولهن مع البنت الواحدة السدس
تكملة الثلثين، ولا شيء لمن تحتها من بنات الأبناء إلا أن يكون معهن ابن
ابن بإزائهن أو أبعد منهن فيرد عليهن ويكون الفاضل بينهم للذكر مثل حظ
الأنثيين.
[باب ميراث الأبوين]
الأب إذا انفرد كان له المال كله، وله مع البنين السدس فريضة، وله مع أهل
الفرائض ما فضل عن فرائضهم إن فضل السدس أو أكثر منه، فإن فضل أقل منه لم
ينقص منه إلا ما نقصه العول. وللأم إذا لم يكن ولد أو اثنان من الإخوة أو
الأخوات فصاعدا كانوا أشقاء أو لأب أو لأم الثلث فريضة لا يزاد عليه ولا
ينقص منه إلا أن ينقصها العول. فإن كان للمتوفى ولد أو ولد ابن ذكرا كان أو
أنثى أو اثنان من الإخوة أو الأخوات فصاعدا ورثا أو حجبا، فلها السدس فريضة
لا تزاد عليه ولا تنقص منه إلا أن ينقصها العول. فهذه حال الأم إلا في
الغراوين، وهما زوجة وأبوان، أو زوج وأبوان، فلها فيهما ثلث ما بقي بعد
فريضة الزوج أو الزوجة.
[باب ميراث الجدات]
وللجدة الواحدة من قبل أب كانت أو من قبل أم السدس إذا انفردت، فإن اجتمعتا
فالسدس بينهما بنصفين. فإن كانت التي من قبل الأم أقرب فالسدس لها
(3/144)
دون التي للأب، وإن كانت التي من قبل الأب
أقرب فالسدس بينهما بنصفين. ولا يرث من الجدات إلا جدتان: أم الأم
وأمهاتها، وأم الأب وأمهاتها. وأما أم أبي الأب، وأم أبي الأم فإنهما لا
ترثان.
[باب ميراث الزوجين]
وللزوج من امرأته النصف إن لم يكن لها ولد، فإن كان لها ولد ذكرا أو أنثى
منه أو من غيره أو ولد ولد ذكر له الربع. وللزوجة من زوجها الربع إن لم يكن
له ولد ولا ولد ولد، فإن كان له ولد ذكرا كان أو أنثى منها أو من غيرها أو
ولد ولد ذكر فلها منه الثمن. فإن كان للرجل زوجات فالثمن أو الربع بينهن
بالسواء لا يزدن على ذلك شيئا. والمدخول بهن وغير المدخول بهن في الميراث
سواء.
[باب ميراث الجد]
ميراث الجد للأب وإن علا كميراث الأب إذا لم يكن دونه أب ولا ترك المتوفى
إخوة أشقاء أو لأب إلا في الغراوين فإن للأم معه ومع الزوجة أو الزوج الثلث
بخلاف ما لها مع الأب. فيرث الجد المال كله إذا انفرد، فإن كان معه أهل
فرائض فرض له السدس ولم ينقص منه إلا أن ينقصه العول.
[باب ميراث الإخوة الشقائق ولأب]
باب ميراث الإخوة الشقائق وللأب الأخ الشقيق إذا انفرد كان له المال كله،
فإن كانوا أكثر من واحد فالمال بينهم على عددهم. وهو مع أهل الفرائض عاصب
فيما بقي لهم، فإن استكملوا المال لم يكن له أولهم إن كانوا عددا شيء إلا
أن يكون في الذين استكملوا المال إخوة لأم ورثوا الثلث فيشاركنهم فيه على
أنهم إخوة لأم. وتسمى هذه الفريضة المشتركة، وتعرف بالحمارية. ولو فضل
للإخوة الشقائق شيء لم يكن لهم إلا ما فضل وإن كان أقل مما صار للإخوة
للأم.
(3/145)
وللأخت الواحدة الشقيقة النصف، وللأختين
فصاعدا الثلثان لا ينقص من ذلك إلا أن ينقصهن العول. فإن كان معهن أخ أو
إخوة أشقاء فلا فريضة لهن معه ولا معهم، والمال بينهم إذا انفردوا، أو ما
فضل عمن له فرض مسمى إن كان معهم من له فرض مسمى، للذكر مثل حظ الأنثيين.
والإخوة للأب كالإخوة الشقاق عند عدم الشقائق ذكرانهم كذكرانهم، وإناثهم
كإناثهم إلا في المشتركة فإنهم لا يشتركون مع الإخوة للأم لخروجهم عن
ولادتها. فلا شيء للإخوة للأب مع الأخ الشقيق، ولهم مع الأخت الشقيقة أو مع
الأختين ما فضل من المال على السواء إن كانوا ذكورا، وللذكر مثل حظ
الأنثيين إن كانوا ذكورا وإناثا. فإن كانوا إناثا فلا شيء لهن مع الأختين
فصاعدا، ولهن مع الواحدة السدس تكملة الثلثين فريضة. والأخوات الشقائق أو
اللواتي لأب مع الابنة أو البنات، فلا شيء للواتي لأب مع الشقائق وإن كانت
شقيقة واحدة.
[باب ميراث الإخوة لأم]
باب ميراث الإخوة للأم وأما الإخوة للأم فإن كان واحدا فله السدس، وإن
كانوا أكثر فهم شركاء في الثلث على السواء ذكورا كانوا أو إناثا. وليس في
الفرائض موضع يكون فيه الذكر والأنثى فيه سواء إلا في ميراث الإخوة للأم.
ولا يرثون إلا في الكلالة، وهي ألا يورث المتوفى بابن وإن سفل ولا بأب وإن
علا.
[باب ميراث الإخوة مع الجد]
وينزل الجد مع الإخوة الشقائق أو الذين لأب منزلة أخ فيقاسمهم المال للذكر
مثل حظ الأنثيين، إلا أن يكون الثلث أفضل له.. فلا ينقص منه شيء. فإن كان
مع الإخوة الشقائق إخوة لأب عادّوا الجد بهم فمنعوه كثرة الميراث ورد ما
صار لهم في المقاسمة على الإخوة الشقائق، ولم يكن للإخوة للأب معهم شيء،
إلا أن يكون الشقائق أختا واحدة ويفضل من المال بعد ما صار للجد أكثر من
النصف فيكون الفاضل عن الأخت للإخوة للأب للذكر مثل حظ الأنثيين. وإن كان
مع
(3/146)
الجد والإخوة من له فرض مسمى بدئ به، ثم
قاسم الإخوة فيما بقي إلا أن يكون ثلث ما بقي أو السدس من رأس المال أفضل
له من المقاسمة فيكون له الأفضل من الثلاثة الأشياء، فما صار للإخوة
الشقائق أو الذين لأب مع الجدود وفي الفرائض كان بينهم للذكر مثل حظ
الأنثيين. فإن اجتمعوا رجع الشقائق عن الذين لأب فيما صار لهم في المقاسمة،
ولم يكن للإخوة للأب معهم شيء، إلا أن يكون الشقائق أختا واحدة ويفضل من
المال بعد ما صار للجد ولأهل الفرائض أكثر من النصف فيكون الزائد على النصف
للإخوة للأب. فإن استكمل أهل الفرائض المال بسدس الجد لم يكن للإخوة شيء
ذكورا كانوا أو إناثا إلا في الأكذوبة، وهي امرأة توفيت عن زوج وأم وجد
وأخت شقيقة أو لأب، فللزوج النصف، وللأم الثلث، وللجد السدس، ويرتى للأخت
بالنصف، ثم يجمع سدس الجد ونصف الأخت بما دخل ذلك من العول فيقسم بينهما
للذكر مثل حظ الأنثيين، فيقسم من سبعة وعشرين، للزوج تسعة، وللأم ستة،
وللجد ثمانية، وللأخت أربعة.
فصل وإنما لم ينقص الجد مع الإخوة الشقائق والذين لأب من الثلث شيئا إذا لم
يكن معهم من له فرض مسمى، أو من ثلث ما بقي إن كان معهم من له فرض مسمى،
لأن الإخوة للأم يفرض لهم مع عدم الإخوة الشقائق أو الذين لأب الثلث فريضة
لا ينقصون منه إلا أن ينقصهم العول. فلما كان الجد يحجبهم عن الثلث وجب ألا
ينقص منه شيئا، إذ لو كان إخوة لأم لكان لهم ذلك الثلث. وقد روي عن مالك -
رَحِمَهُ اللَّهُ - في زوج وأم وجد وإخوة لأب وإخوة لأم أن للزوج النصف،
وللأم السدس، وللجد الثلث الذي حجب عنه الإخوة للأم، ولا شيء للإخوة للأب
معه، إذ لو لم يكن الجد لم يكن لهم مع الإخوة للأم شيء، فكان أحق منهم
بجميع الثلث الذي حجب عنه الإخوة للأم. وهذه الفريضة تنسب إلى مالك فتسمى
المالكية لقوله بها وصحة اعتباره فيها، وبالله التوفيق.
فصل ولا ميراث بين المسلم والكافر، فميراث الكافر لأهل دينه إلا أن يكون
عبدا
(3/147)
فيرثه سيده بالملك الذي له فيه. وميراث
المسلم لورثته من المسلمين إلا أن يسلم عبد الكافر فيموت قبل أن يباع عليه
فيرثه بالملك الذي لنفسه؟ ولا بين الحر والعبد ومن فيه بقية رق من مكاتب أو
مدبر أو معتق إلى أجل أو أم ولد. وميراث هؤلاء لساداتهم دون قرابتهم إلا أن
يعتقوا أو يموت سيد أم الولد، فإن مات سيد أم الولد عتق لها وولد أم الولد
من سيدها وولد ابنتها من غير سيدها أيضا يعتقون بموت السيد، فلا ميراث
بينهم وبين قراباتهم إلا أن يموت السيد أو يعجل عتقهم. وولد من فيه بقية رق
من أمته بمنزلته. ولا يرث المولود حتى يستهل صارخا ولا يورث. ولا يرث قاتل
العمد من المال ولا من الدية شيئا. ويرث قاتل الخطأ من المال ولا يرث من
الدية، ومما يرثان الولاء جميعا. ولا يرث ولد الزنى ولا المنفي بلعان من
أبيه شيئا ولا يرثانه، فإن استلحق الملاعن ابنه جلد الحد ولحق به وورثه.
وإن استلحق الزاني ولده من الزنى لم يلحق به إذا كان الزنى في الإسلام. ولا
يتوارث من جهل موته مثل أهل البيت يموتون جميعا بغرق أو هدم أو غير ذلك فلا
يعلم أيهم مات قبل صاحبه، فيرث كل واحد منهم ورثته من الأحياء ولا يورث
بعضهم من بعض. ولا يتوارث من ولد في أرض الشرك مثل المسبيين والمستأمنين
إلا أن يثبت نسبهم ببينة أو يكونوا جماعة كثيرة تحملوا فيشهد بعضهم لبعض.
ويتوارث توءما المسبية أو المستأمنة بالأب والأم، ولا يتوارث توءما الزانية
إلا بالأم. واختلف في توءمي المغتصبة والملاعنة، فالمشهور في توءمي
الملاعنة أنهما يتوارثان بالأب والأم، والمشهور في توءمي المغتصبة أنهما لا
يتوارثان إلا بالأم. وبالله تعالى التوفيق.
[فصل في ميراث الخنثى]
فصل
في ميراث الخنثى
والخنثى المشكل يورث نصف ميراث ذكر ونصف ميراث أنثى على ما ذهب إليه أهل
الفرائض، وفي ذلك اختلاف. ولا يكون الخنثى المشكل زوجا ولا زوجة
(3/148)
ولا أبا ولا أما. وقد قيل إنه وجد من ولد
له من بطنه ومن ظهره، فإن صح ذلك ورث من ابنه لصلبه ميراث الأب كاملا، ومن
ابنه لبطنه ميراث الأم كاملا، وهو بعيد. والله أعلم.
[فصل في فرائض المواريث]
فصل
في فرائض المواريث والفرائض التي فرضها الله عز وجل في المواريث ست: ثلثان،
ونصف، وثلث، وربع، وسدس، وثمن. فإن كان في الفريضة نصف فأصلها من اثنين.
وإن كان فيها ثلث وثلثان فأصلها من ثلاثة. وإن كان فيها ربع أو ربع وثلث ما
بقي فأصلها من أربعة.، وإن كان فيها ثمن أو ثمن ونصف فأصلها من ثمانية. وإن
كان فيها ربع وثلث أو سدس وربع فأصلها من اثني عشر. وإن كان فيها ثمن وسدس
أو ثمن وثلث فأصلها من أربعة وعشرين وإن كان فيها سدس وثلث ما بقي فأصلها
من ثمانية وعشرين. وإن كان فيها سدس وربع وثلث ما بقي. فأصلها من ستة
وثلاثين.
فأصول الفرائض تسعة على ما ذكرناه منها، ستة لا تعول، وثلاثة قد تعول.
إحداها: فريضة ستة فإنها تعول بالسدس إلى سبعة، وبالثلث إلى ثمانية وبالنصف
إلى تسعة وبالثلثين إلى عشرة، وهو أكثر ما تعول به الفرائض.
والثانية: فريضة اثني عشر فإنها تعول بنصف السدس إلى ثلاثة عشر، وبالربع
إلى خمسة عشر، وبالسدس ونصف السدس إلى سبعة عشر.
والثالثة: فريضة أربعة وعشرين فإنها تعول بالثمن إلى سبعة وعشرين.
وما كان من الفرائض ليس فيه من له فرض مسمى فأصلها من حيث تنقسم، وذلك ما
يجتمع من عدد البنات وضعف عدد البنين إن كان الورثة بنين وبنات،
(3/149)
وكذلك الإخوة مع الأخوات، أو ما يجتمع من
عدد العصبة الوارثين أو الإخوة الذكور أو البنين.
فصل والورثة ينقسمون على أربعة أقسام: فمنهم من له فرض مسمى وليس بعاصب،
فلا يزاد على فريضته ولا ينقص منها إلا أن يدخل الفريضة عول، وهم الأزواج
والزوجات، والأم والجدات، والبنت والبنات، والإخوة والأخوات للأم. ومنهم من
له فرض مسمى وهو عاصب، فيرث المال كله إن انفرد، ولا ينقص من فريضته إذا لم
ينفرد إلا أن يدخل الفريضة عول، وهو الأب والجد للأب وإن علا.
ومنهم من هو عاصب في حال، وهن الأخوات الشقائق واللواتي للأب لأنهن عصبة مع
البنات.
ومنهم من هو عاصب في كل حال، فيرث المال كله إذا انفرد وما فضل عمن له فرض
مسمى إن فضل عن شيء وهم الأبناء وبنوهم، والإخوة وبنوهم، والأعمام وبنوهم،
والموالي والمواليات بولاء العتاقة.
[باب ميراث الولاء]
الولاء كالنسب يجب الميراث به عند عدم النسب كما يجب بالنسب، فللمولى
المعتق المال كله إذا انفرد، وهو مع من له فرض مسمى عاصب فيما بقي.
والموالي ثلاثة:
مولى الرجل الذي أعتقه.
ومولى أبيه.
ومولى أمه.
(3/150)
فإن كان الرجل حرا معتقا فولاؤه لمولاه
الذي أعتقه ثم لمن يجب له ذلك بسببه وهم الأقرب فالأقرب من العصبة الرجال.
فأحق الناس بولاء ما أعتق الرجل والمرأة من رجل أو امرأة ابنه ثم ابن ابنه
وإن سفل الأقرب فالأقرب، ثم أبوه، ثم بنو أبيه وهم الإخوة، ثم بنوهم وإن
سفلوا الأقرب فالأقرب، فإن كانوا في درجة واحدة في القرب فالمال بينهم
بالسواء إلا أن يكون فيهم شقيق فيكون أحق من الذين لأب. ثم الجد، ثم بنوه
وهم الأعمام، ثم بنوهم وإن سفلوا الأقرب فالأقرب أيضا، فإن كانوا في درجة
واحدة وبعضهم شقيق فالشقيق أحق من الذين لأب. ثم أبو الجد ثم بنوه على
الترتيب الذي ذكرنا. ثم جد الجد ثم بنوه على الترتيب الذي ذكرنا. ثم أبو جد
الجد ثم بنوه وهكذا أبدا إلى ما يمكن أن يعلم ويحصى.
وإن كان الرجل حرا لم يعتق وكان أبوه حرا معتقا فولاؤه لمولى أبيه ثم لمن
يجب ذلك له بسببه على الترتيب الذي وصفناه في مولاه. وإن كان أبوه حرا أيضا
لم يعتق فولاؤه لمولى جده إن كان حرا معتقا ثم لمن يجب له ذلك بسببه أيضا
على ما بيناه. فإن كان ولد زنى أو منفيا بلعان أو كان أبوه عبدا أو كافرا
فولاؤه لمولى أمه إن كانت حرة معتقة ثم لمن يجب ذلك له بسببه على ما بيناه.
فإن كانت حرة لم تعتق فولاؤه لموالي أبيها. وإن كانت ابنة زنى أو منفية
بلعان أو أمة أو كافرة فولاؤه لموالي أمها. ومتى استلحق الملاعن ابنه أو
أسلم الكافر أو أعتق العبد جر الولاء عن موالي الأم إلى مواليه أو موالي
أبيه لأن كل ولد يولد للحر المسلم من الحرة فليس لموالي أمه من ولائه شيء،
وولاؤه لمولاه إن كان حرا معتقا أو لمولى من كان من آبائه حرا معتقا، فإن
لم يكن فيهم معتق فميراثه لجماعة المسلمين. فإن لم يكن لأحد الموالي
الثلاثة عصبة أو كان فانقرضوا رجع الولاء إلى مولى مولاه إن كان مولاه حرا
معتقا ثم لمن يجب ذلك له بسببه على الترتيب الذي وصفناه. ولا يرث النساء من
الولاء إلا ما أعتقن أو أعتق من أعتقن أو ولد من أعتقن من الرجال إن كان
حرا لم يعتق، أو من النساء إن كان منقطع النسب أو مات أبوه عبدا أو كافرا.
(3/151)
|