المقدمات
الممهدات [كتاب أمهات
الأولاد] [فصل في وجوب العتق لأم الولد
بعد موت سيدها بالولادة]
فصل
في وجوب العتق لأم الولد بعد موت سيدها بالولادة قال الله عز وجل:
{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5] {إِلا عَلَى
أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ
مَلُومِينَ} [المؤمنون: 6] ، فأباح تعالى وطء ما ملكت اليمين. والوطء يكون
عند الحمل. قال الله تعالى: {فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلا
خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ} [الأعراف: 189] . واشترى رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مارية القبطية فولدت له ابنه إبراهيم، فقال -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما روي عنه عند ولادتها: «أعتقها
ولدها» ، يريد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه ثبت لها حرمة بسبب
ولدها فلا تعود إلى الرق أبدا، ولا يجوز بيعها ولا هبتها لأنها ثبتت حريتها
فلا يبقى له فيها إلا الاستمتاع طول حياته بدليل ما روي عنه من حديث ابن
عباس أنه قال: «أيما امرأة ولدت من سيدها فهي حرة بعده» . وإذ قد انعقد
الإجماع على أن أم الولد لا تعتق قبل موت سيدها وأن أحكامها أحكام أمة في
جميع أحوالها
(3/195)
من الموارثة والشهادة ودلتها وأرش
جراحاتها. «وروي عن مسلم بن يسار أنه قال: قلت لسعيد بن المسيب: إن عمر بن
الخطاب أعتق أمهات الأولاد، فقال: أو عمر أعتقهن؟ أعتقهن رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في غزوة بني المصطلق - فأصبنا سبيا من
سبي العرب فاشتهينا النساء واشتدت علينا العزبة وأحببنا الفداء فأردنا أن
نعزل، فقلت: نعزل ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين
أظهرنا قبل أن نسأله، فسألناه عن ذلك فقال: ما عليكم ألا تفعلوا ما من نسمة
كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة» دليل على أن حمل الإيماء من ساداتهن
مبطل لأثمانهن ومحرم لبيعهن، إذ لو لم يكن حمل الأمة مبطل لثمنها لما أقرهم
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على هذا الخطأ واستعمال
الحيلة فيما لا حاجة بهم إليهم ولقال لهم: وأي حاجة بكم إلى العزل، وما
الذي تخافون من الحمل، وهذا ظاهر. ومن أهل العلم من ضعف هذا الدليل فقال:
يحتمل أن يكونوا إنما أرادوا العزل مخافة أن يحملن من وطئهم فلا يقدرون على
الفداء بهن حتى يضعن، وتحرجوا من العزل فلم يقدموا عليه لما كانوا يسمعون
من اليهود الذين كانوا بين أظهرهم وهم أهل كتاب أن العزل هو الموءودة
الصغرى حتى سألوا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ذلك
فأباحه لهم وأخبرهم أن كل نسمة تسبق في علم الله أن تكون لا بد أن تكون.
والأول أظهر أنهم إنما أرادوا العزل مخافة أن يفوتهم الفداء جملة لا مخافة
أن يفوتهم تعجيل الفداء ولا يمكنهم إلا تأخيره إلى حين الوضع، لأن في
الحديث: وأحببنا الفداء. فلو كان إنما خافوا أن يفوتهم تعجيل الفداء
لقالوا: وأحببنا تعجيل الفداء، والله أعلم.
فصل وإذا ولدت الأمة من سيدها الحر فقد حرم عليه بيعها وهبتها ورهنها
(3/196)
والمعاوضة على رقبتها أو على خدمتها أو
إسلامها في الجناية وعتقها في الواجب، وليس له منها إلا الاستمتاع بالوطء
فما دونه طول حياته، وهي حرة من رأس ماله بعد وفاته. هذا قول مالك -
رَحِمَهُ اللَّهُ - وكافة فقهاء الأمصار. وقد كان بين الصحابة - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمْ - في ذلك اختلاف، فذهبت طائفة إلى إجازة بيعهن أبو بكر
الصديق، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد
الله بن قيس، وأبو موسى الأشعري، وإليه ذهب أيضا «جابر بن عبد الله وأبو
سعيد الخدري، روي عنهما أنهما قالا: كنا نبيع أمهات الأولاد على عهد رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا نرى بذلك بأسا» . وقال عبد
الله بن مسعود: تعتق من نصيب ولدها. وقد روي ذلك عن ابن عباس وابن الزبير
إلى أن أبا حفص عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن أمرهن وكشفه.
فاجتمع هو بعد أن كان يقول فيما روي عنه بجواز بيعهن ومن حضره من بقية
العشرة ومن المهاجرين والأنصار على أنهن متعة لساداتهن ما عاشوا، ثم هن بعد
موتهم أحرار من رءوس أموالهم، فانعقد الإجماع على هذا من حينئذ واستقر
الأمر عليه إلى أيام عبد الملك بن مروان، إلا ما يذكر من رجوع علي بن أبي
طالب أيام خلافته إلى إجازة بيعهن في الدين، ثم اضطرب في أمرهم ففحص عبد
الملك عن ذلك فأخبره الزهري عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب أمضى ما
وصفت عنه. وروي أنه أخبره أن المسور قال: إن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -
قال: «لا يبعن في دين ولا يعتقن من ثلث فأقر ذلك وكتب به إلى البلدان» .
ومن الفقهاء من يدعي الإجماع في هذه المسألة. ولا يصح ما روي من رجوع علي
بن أبي طالب، وهذا على ما ذهب إليه ابن القصار وغيره ممن تابعه على أن
الإجماع لا ينعقد إلا بانقراض أهل العصر، فلا ينخرم الإجماع المنعقد أيام
خلافة عمر بن الخطاب برجوع علي أيام خلافته. وفيما روي من رجوعه ما يدل على
أنه رجع إلى ما كان انعقد عليه الإجماع، فتجدد بذلك الإجماع في زمانه، وذلك
قول عبيدة السلماني في حديثه: فقبل مني وصدقني. روى الشعبي عن
(3/197)
عبيدة السلماني أنه قال: خطبنا علي بن أبي
طالب فقال: رأى أبو بكر رأيا ورأى عمر رأيا عتق أمهات الأولاد حتى مضيا
لسبيلهما، ثم رأى عثمان ذلك، ثم رأيت أنا بعدُ بيعَهن في الدين. قال عبيدة:
فقلت لعلي: رأيك ورأي عمر وعثمان في الجماعة أحب إلينا من رأيك بانفرادك في
الفرقة، فقبل مني وصدقني. وهذا من علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إجماع منه
مع سائر الصحابة على المنع من بيعهن في غير الدين، ثم رجع عما انفرد به من
جواز بيعهن في الدين إلى ما أجمع عليه الصحابة بقبوله لقول عبيدة وتصديقه
له. وإلى جواز بيعهن في الدين وغيره ذهب أبو داود القياسي والرافصة وأهل
الظاهر، واحتج من نصر مذهبهم بقول الله عز وجل: {وَأَحَلَّ اللَّهُ
الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] وبما روي «عن جابر بن عبد
الله أنه قال: كنا نبيع أمهات الأولاد على عهد رسول الله وعهد أبي بكر وصدر
من خلافة عمر بن الخطاب، ثم نهانا عمر عن بيعهن» . وهذا كله لا حجة لهم
فيه. أما الآية التي احتجوا بظاهرها من القرآن وهي قوله عز وجل: {وَأَحَلَّ
اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] فإنه عموم تخصص بما
ذكرناه من الأدلة. وأما حديث جابر فإنه ضعيف عند أهل النقل. وقد روي عنه من
طريقه ما عارضه وهو أنه قال: «كنا نبيع أمهات الأولاد على عهد رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم زجرنا عن بيعهن» . ذكره أبو الفرج
في الحاوي وزجره - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن بيعهن فسخ لما كانوا عليه من
استجازة ذلك وفعله. وقد يكون أيضا في عهد الإمام من الأفعال ما لا يعلمها
فلا حجة فيه على حال.
فصل فهذا هو المانع من بيع أمهات الأولاد من جهة الأثر. وأما المانع من
طريق النظر فهو أنه لما حملت بولده وحصلت له الحرية من قبل أبيه اتصل بها
وخالطها حتى صار كعضو منها فسرت الحرية في جميعها وصارت في معنى المعتقة
منه، وهذا من أصح الاعتلال وأقواه، لأنه مروي عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - حين قال: خالطت دماؤنا دماءهن ولحومنا لحومهن. ويتحرى من
هذا قياس بأن
(3/198)
يقال: إن هذه أمة حملت في ملك واطئها بولد
حر على أبيه فحرم بيعها اعتبارا بحال حملها. وإنما قلنا في ملك واطئها
تحرزا من حمل الأمة الزوجة، وقلنا بولد حر على أبيه تحرزا من إعتاق سيد
الأمة إياه لأنه يكون حرا لا من جهة أبيه. وهذا القياس مبني على صحة
الاستدلال باستصحاب حال الإجماع، وهو استدلال صحيح، وبه احتج أبو سعيد
البراذعي على داود القياسي حين ناظره في هذه المسألة، فانقطع ولم يحر
جوابا. وذلك أن داود القياسي استدل عليه باستصحاب الحال فقال: قد اتفقنا
على جواز بيعها قبل العلوق فمن زعم أن بيعها بعد الولادة لا يجوز فعليه
إقامة الدليل. فقال أبو سعيد: ما أنكرت أن هذا مقابل بما هو أولى منه وهو
أنا قد اتفقنا على منع بيعها حاملا، فمن زعم أنها إذا وضعت جاز بيعها فعليه
إقامة الدليل قال: فسكت ولم يقل شيئا. فلأهل العلم في بيع أمهات الأولاد
ثلاثة أقوال:
أحدها: قول مالك وكافة العلماء: إنها لا تباع أصلا في الدين ولا غيره وتعتق
من رأس المال.
والثاني: قول أهل الظاهر: إنها تباع في الدين وغيره ولا تعتق من رأس المال
ولا من الثلث. وللشافعي مثله في مواضع من كتبه، ثم قطع في أربعة عشر موضعا
من كتبه أنهن لا يبعن في دين وغيره مثل قول مالك وجمهور العلماء.
والثالث: أنها لا تباع إلا في الدين، وهو القول الذي روي أن عليا - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - رجع إليه ثم رجع عنه على ما بيناه. وما روي عن ابن مسعود
وابن عباس وابن الزبير أنها تعتق من نصيب الذي في بطنها قول رابع في
المسألة.
فصل وأجاز الشافعي استئجار أم الولد في الخدمة واستخدامها خلاف ما ذهب إليه
مالك من أنه لا يجوز أن تؤاجر ولا تستخدم إلا فيما خف ولا تعب فيه وإن كانت
دنية. وتبتذل الدنية في الحوائج الخفيفة فيما لا تبتذل فيه الرفيعة.
والدليل على صحة ما ذهب إليه مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن كل حرمة منعت من
بيع الرقبة منعت من
(3/199)
بيع المنافع، لأن هذه الحرمة لم تحصل
للرقبة دون المنافع وقد كانت مقصية لتبتيل العتق في الحال لكن منع من ذلك
أن الحرمة لما حصلت لها بسبب الوطء لم يجز أن تكون مانعة منه وهو أصلها
الذي عنه حصلت. فإن كان الأمر على هذا صح ما ذهب إليه مالك - رَحِمَهُ
اللَّهُ - ولم يجز استخدامها إلا في الشيء اليسير الخفيف.
فصل وإنما وجب أن تعتق أم الولد من رأس المال بعد وفاة سيدها لأن الحرمة
أوجبت لها الحرية إلا أنا أخرناها لئلا تفيته حقه من الوطء وكذلك روي في
الحديث. فإذا مات فهي حرة، وذلك يقتضي رأس المال دون الثلث، فلا تباع أم
الولد في الدين في حياة سيدها ولا بعد وفاته. وإن أولدها وعليه دين يحيط
بماله فلا سبيل للغرماء عليها بخلاف العتق. والفرق بين العتق والإيلاد أن
العتق فعل المعتق وكسبه، ونفس العتق الذي هو كسب المعتق يخرج العبد عن
ملكه، وليس لمن عليه دين يستغرق ماله أن يخرج ماله عن ملكه على غير عوض لأن
ذلك إتلاف لأموال غرمائه. وأما الإيلاد فليس فعل الواطئ ولا كسبه ولا يقع
بمشيئته وإرادته. وقد أباح الله تبارك وتعالى لعباده وطء ما ملكت أيمانهم
كما أباح لهم وطء نسائهم فقال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ
حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5] {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ
أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: 6] فالغرماء إذا
عاملوا الرجل فقد علموا أنه يستبيح ما أباح الله تعالى له من الوطء بملك
يمينه وعلى ذلك عاملوه، فإن حمل نساؤه من وطئه فهي مصيبة دخلت عليهم من
الله ليست من فعل الواطئ ولا كسبه كالموت الذي هو فعل الله لا كسب لمخلوق
فيه.
فصل وهو مصدق في حمل أمته أنه منه وإن كان مستغرق الذمة بالديون. وأما إن
قال: إنها ولدت منه ولا أولاد معها أو أنها أسقطت منه فلا يصدق، وتباع
للغرماء إلا
(3/200)
أن يكون قد سمع ذلك من قوله قبل أن يداين،
أو كان ذلك أمرا قد سمع وفشا عند النساء والجيران فيصدق.
فصل ولا اختلاف في ولد الأمة من سيدها الحر أنه حر. وأما ولد أم الولد من
غير سيدها فهم على مذهب مالك وجميع أصحابه وكافة فقهاء الأمصار بمنزلة أمهم
في العتق بعد وفاة السيد من رأس ماله، وبخلافها في الاستخدام والاستئجار
والوطء، فله أن يستخدمهم ويؤاجرهم، وليس له أن يطأ إن كانت أمة لأنها محرمة
له كالربيبة المحرمة بنص القرآن. فإذا وطئ الرجل المرأة بالملك فبناتها
عليه حرام كما لو وطئها بنكاح، وهذا ما لا خلاف فيه. وإنما جاز له أن
يؤاجرهم ويستخدمهم لأن حرمتهم أضعف من حرمة أمهم فجاز له فيهم ما لم يجز في
الأم. وأيضا فإن الأم له وطؤها والابنة ليس له وطؤها، فلو منعناه من
استخدامها وإجارتها لم يبق له عليها حق من حقوق الملك ووجب أن تعتق عليه.
وإلى هذا ذهب ربيعة فقال: يعجل عليه عتق ولد أم الولد من غيره. وفي المسألة
قول ثالث أنهم مملوكون، وممن روي ذلك عنه الزهري. وقيل إنه هو المشهور من
قوله وبالله التوفيق.
فصل وكل ما أسقطته الأمة مما يعلم أنه ولد فإنها تكون به أم ولد، كان مضغة
أو علقة أو دما في مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك. وقال أشهب: لا تكون أم
ولد بالدم المجتمع. وقال حماد بن أبي سليمان والأوزاعي إذا كانت مضغة عتقت
به. وذهب الشافعي إلى أنها لا تكون أم ولد حتى يتم شيء من خلقه عين أو ظفر
وما أشبه ذلك، وهو قول أبي حنيفة إنها لا تعتق إلا بما لا يشك فيه وهو أن
تسقط سقطا مخلقا أو فيه خلق من يد وما أشبه ذلك. فوجه هذا القول أنه رأى
أنه لا يوقن أنه ولد إلا أن يتم شيء من خلقه. ووجه قول حماد بن أبي سليمان
والأوزاعي أنه قد يتقن أنه ولد وإن لم يتم شيء من خلقه إذا كان مضغة. ووجه
قول أشهب أنه قد
(3/201)
يتيقن أنه ولد وإن لم يكن مضغة إذا كان
علقة. ووجه قول ابن القاسم وروايته عن مالك أنه قد يتيقن أنه ولد بكونه دما
وإن لم يكن بعد علقة ولا مضغة.
فصل واختلف قول مالك إذا توفي سيدها وهي حامل، فمرة قال: إنها تكون حرة إذا
تبين الحمل بتحرك الولد، يقتل من قتلها وترث وتورث، وهذا قول ابن القاسم
وروايته عن مالك. ومرة قال: إنها لا تكون حرة حتى تضع حملها لاحتمال أن
ينفشَّ الحمل فلا يتحقق أنه كان حملا، وهو مذهب ابن الماجشون وسحنون. وعلى
هذا اختلفوا في اللعان على الحمل، وفي وجوب النفقة للمطلقة البائن، وفي
مسائل كثيرة من هذا المعنى.
فصل فعلى هذا القول بأنها لا تكون حرة حتى تضع تكون لها النفقة، ويختلف على
القول بأنها تكون حرة بتبين الحمل هل لها نفقة على الاختلاف في أم الولد
الحامل هل لها نفقة في مال سيدها أم لا، اختلف في ذلك قول مالك، ولم يختلف
في أن الحرة الحامل لا نفقة لها من مال زوجها وإن حبسها ميراثها.
فصل واختلف قول مالك فيمن تزوج أمة ثم اشتراها وهي حامل هل تكون بذلك الحمل
أم ولد أم لا على قولين:
فمرة قال: إنها تكون أم ولد لأنه عتق عليه وهو في بطنها، وهو مذهب ابن
القاسم وأكثر أصحاب مالك.
ومرة قال: إنها لا تكون به أم ولد لأن الرق قد مسه في بطن أمه، وهو مذهب
أشهب ورواية ابن عبد الحكم عن مالك، إلا أن تكون الأمة لأبيه أو لمن يعتق
عليه
(3/202)
في بطنها فإنها لا تكون له أم ولد عند
جميعهم لأنه قد عتق ما في بطنها على من اشتراها. وإنما تكون له أم ولد عند
ابن القاسم وروايته عن مالك إذا اشتراها فأعتق عليه الولد وفي شرائها من
أبيه اختلاف أجازه ابن القاسم ولم يره بمنزلة من اشترى أمة واستثنى عليه
جنينها،. وأما ما ولدت منه بعقد النكاح قبل أن يشتريها فإنها لا تكون له أم
ولد عند مالك وجميع أصحابه خلافا لأبي حنيفة في قوله إنها تكون بذلك أم
ولد.
فصل ولا تكون أمة العبد أم ولد له بما ولدت له في حال العبودية، ولا وإن
أعتق وأمته حامل منه على مذهب ابن القاسم، سواء حملت منه وهي له أو كانت له
زوجة فحملت منه ثم اشتراها حاملا، إلا أن يملك ذلك الحمل بهبة أو صدقة وما
أشبه ذلك. ويتخرج إجازة شرائه إياها على قولين في المذهب:
أحدهما: أن ذلك لا يجوز لأن شراء الجنين في بطن أمه غرر لا يجوز.
والثاني: أن ذلك جائز لأنه إنما اشتراه ليرتفع عنه التحجير في الأمة ويملك
بذلك التصرف فيها قياسا على ما قالوه في الذي يهب لرجل سكنى داره أو غلة
جنانه إنه يجوز له أن يشتري منه السكنى والغلة ليرتفع عنه بذلك التحجير في
الأصل ويملك التصرف فيه بما شاء من بيع أو غيره. واختلف إن وقع البيع في
الحمل على القول بأن ذلك لا يجوز، فقيل: يفسخ البيع فيه ما لم يفت بالوضع،
وقيل: العقد فيه فوت لأنه يكون به حرا وتكون عليه فيه القيمة على الرجاء
والخوف. وعلى مذهب أشهب ورواية ابن عبد الحكم فلا تكون به أم ولد وإن ملك
ذلك الحمل.
(3/203)
فصل واختلف في المكاتب والمدبر والمعتق إلى
أجل يولدون إماءهم هل يكن لهم أمهات أولاد إذا أفضوا إلى الحرية أم لا على
ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه لا يكن لهم لذلك أمهات أولاد.
والثاني: أنه يكن لهم بذلك أمهات أولاد.
والثالث: الفرق في ذلك بين المكاتب والمدبر والمعتق إلى أجل. وتحصيل الخلاف
في هذا أنه اختلف في الأمة هل لها حرمة بإيلاد سيدها المكاتب أو المدبر أو
المعتق إلى أجل أم لا على قولين:
أحدهما: أن لها بذلك حرمة.
والثاني: أنه لا حرمة لها بذلك.
فإذا قلنا إن لها بذلك حرمة فإنها تكون له أم ولد بما حملت به بعد عقد
الكتابة أو التدبير أو العتق إلى أجل إذا أفضى إلى الحرية وإن وضعت قبل
إفضائه إليها فلا خلاف. وأما ما حملت به قبل ذلك فوضعته بعده مثل أن تكون
له زوجة فتحمل منه قبل الكتابة أو التدبير أو عقد العتق المؤجل فيشتريها من
سيدها وهي حامل بعد عقد الكتابة أو عقد التدبير أو عقد العتق المؤجل فلا
تكون به أم ولد إلا على قول من يرى في الحر إذا اشترى زوجته وهي حامل منه
تكون له أم ولد بذلك الحمل، وقد مضى ذكر الاختلاف في ذلك.
وأما إذا قلنا إنه لا حرمة لها بذلك فحالها فيما حملت به من سيدها أو وضعته
في هذه الحال حال أمة العبد تلد من سيدها أو تحمل منه لا تكون بذلك أم ولد
إلا أن يقضي إلى الحرية بأداء الكتابة أو انقضاء أجل الحرية أو موت سيده في
التدبير وخروجه من ثلثه وأمته حامل منه فيملك ذلك الحمل على مذهب ابن
القاسم وروايته عن مالك، خلاف قول أشهب ورواية ابن عبد الحكم عن مالك،
وبالله التوفيق.
(3/204)
فصل فإذا أقر الرجل بوطء أمته فجاءت بولد
فإنه يلحقه إلى ما تلحق فيه الأنساب، سواء قال: كنت أنزل فيها أو أعتزل
عنها إلا أن يدعي الاستبراء. قال في المدونة: بحيضة، وقيل: بثلاثة حيض. وهو
قول ابن الماجشون، فيصدق في ذلك قيل: بيمين وهو قول ابن الماجشون، وقيل:
بغير يمين وهو قول سحنون، وينفي الولد عن نفسه بغير لعان. وقيل: إنه لا
يصدق في دعوى الاستبراء ويلحق به الولد على كل حال إلى ما يلحق به الأنساب،
وهو قول المغيرة من أصحابنا. ومعناه إذا كان ينزل فيها ولا يعزل عنها والله
أعلم. ومن أهل العلم خارج مذهب من يرى أن الولد لا يلحقه إذا قال: كنت أعزل
عنها، وإن لم يدع الاستبراء. وإذا لم يدع الاستبراء لم ينتفع بإنكار الولد
وإن كان يعزل عنها على مذهب مالك وجميع أصحابه وكانت الأمة مصدقة في إلحاق
الولد به سواء أنكر أن تكون ولدت أصلا أو قال: إنها ولدت وليس هو هذا الولد
الذي تريد أن تلحقه به.
فصل وأما إن لم تأت بولد فادعت أنها ولدت منه فلا تصدق في ذلك ولا تكون له
أما حتى تقيم امرأتين على الولادة، فإن أقامت امرأة واحدة على الولادة حلف
السيد أنها ما ولدت منه. وإن لم يشهد لها بالولادة أحد لم يجب على السيد
يمين وإن كان مقرا بالوطء.
فصل وأما إن أنكر الوطء فأقامت به عليه شاهدين وأتت بولد فالصواب أن ذلك
بمنزلة إقراره بالوطء تصدق في إلحاق الولد وتكون به أم ولد. وإن لم تقم
بينة على الولادة فإن ادعى الاستبراء أجري الأمر في تصديقه فيه على
الاختلاف فيمن أراد أن يناكر زوجته فيما قضت به في التمليك بعد أن أنكره،
وفيمن ادعى رد الوديعة بعد الإنكار. والقولان قائمان في المدونة. ومن الناس
من يفرق بين أن يقر بالوطء أو ينكر وتقوم به عليه البينة، فيقول إنه إذا
أنكره وقامت به عليه البينة لم تصدق
(3/205)
الأمة في الولادة وإن كان الولد قائما حتى
تقيم امرأتين على الولادة على ظاهر ما وقع في كتاب الشهادات وفي هذا الكتاب
من قوله، فهذا إذا أقامته كانت أم ولد وثبت نسب ولدها إن كان معها ولد،
وهذا ليس بصحيح لأنه ليس في قوله إن نسب الولد يثبت إذا أقامت امرأتين على
الولادة وما ينبغي أن تصدق في ذلك إذا لم يكن لها بينة على الولادة، وبالله
التوفيق.
فصل وأما إن ادعت الولادة ولم تأت بولد فلا تكون أم ولد حتى تقيم شاهدين
على إقرار السيد بالوطء وامرأتين على الولادة. فإن أقامت شاهدين على إقراره
بالوطء وامرأة واحدة على الولادة، أو شاهدا واحدا على إقراره بالوطء
وامرأتين على الولادة لزمته اليمين. وأما إن لم تقم إلا امرأة واحدة على
الولادة وشاهدا واحدا على إقراره بالوطء فقيل إنه يحلف، وقيل إنه لا يمين
عليه على اختلاف الروايات في المدونة وبالله تعالى التوفيق لا شريك له ولا
ند.
(3/206)
|