النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات

بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم

الجزء الرابع من كتاب الجهاد

جامع القول فى إلانفال وذكر السلب
وفى شرط النفل قبل الغنيمة
قال أبو محمد قال مالك وأصحابنا: النفل من الخمس. وقال بعضهم: لأن الله سبحانه قال: (واعلموا أن ما غنمتم من شىء فإن لله حمسه) وجعل الأربعة إلاخماس لمن غنمها، فلا يجوز أن يؤخذ لهم منها شىء بإلاحتمال. وقولنا إن ما نفل النبى صلى الله عليه وسلم من السلب إنما هو الخمس أولى لأن الله سبحانه فوض إليه أمر الخمس يجتهد فيه. وإما الأربعة إلاخماس فمملوكة لهؤلاء. وليس تأويل من قال أنه من جميع الغنيمة أولى من قولنا أنه من الخمس.
ودليل آخر أنه لو كان السلب مستخرجة من جملة ما أوجب من الغنيمة لأهلها، لم يؤخر النبى صلى الله عليه وسلم البيان فيه عند الحاخة إلى بيأنه، لأن هذه إلاية نزلت فى شأن خيبر أو النضير فلم يكن يؤخر بيأنه إلى يوم حنين، ففى حنين قال: من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه، بعد أن برد القتال. ولو كان أمراً متقدماً لعمله أبو قتادة الذى قتل قتيلاً يوم حنين، وهو من فرسان النبى صلى الله عليه وسلم وأكابر
[3/ 221]

(3/221)


سلبه، فلم يطلب أحداً سلباً حتى نادى بذلك، ولم يكن هذا ليخفى لو كان أمراً مرتباً.

وشىء آخر أن قوله من قتل ظاهره أنه من قد فعل. فمن قال أنه فيما يستقبل فعليه الدليل. وظاهر هذا أنه شىء فعله فيما قد كان اجتهاداً، ومخرجه من الخمس الذى قد حكمه الله فيه.
ودليل آخر أن النبى صلى الله عليه وسلم أعطاه لأبى قتادة واحد بلا يمين. فلو كان من رأس الغنيمة لم يخرج حق من غنم إلا بما تنقل به إلأملاك من البينات أو شاهد ويمين. وشىء آخر أنه لو كان أمراً وجب للقتال فلم يجد بينةً لكان يوقف كاللقطة ولا يقسم. وهو إذا لم تكن بينة يقسمن فخرج من معنى التمليك، ودل ذلك أنه خارج باجتهاد الإمام يخرجه من الخمس الذى يجعل فى غير وجه.
قال ابن حبيب: وحديث ابن عمر فى السرية التى كان فيها، بعثها النبى صلى الله عليه وسلم فغنمت إبلاً: فكان سهماننا أحد عشر بعيراً أو اثنى عشر بعيراً ونفلنا بعيراً بعيراً، فدل هذا أن النفل من غير حقوقهم. وليس ذلك إلا الخمس. قال: ابن المسيب: كان الناس يعطون النفل من الخمس. قال ابن حبيب: وعلى ذلك العلماء.

ومن كتاب ابن المواز قال مالك: وكل نفل من الخمس، وقاله ابن المسيب. واحتج ابن المواز بحديث ابن عمر قال مالك: ولا نفل قبل الغنيمة.
قال ابن المواز ولا يعطى أمير الجيش شيئاً من الغنيمة أحداً منهم دون أصحابه إلا الطعام وما لا يبقى إلا إلأيام، أو ما يكون على العارية ويرد، فإما
[3/ 222]

(3/222)


تمليك فلا إلا لما له وجه من نفل الرجل الشجاع أو من قد اختص بفعل فيعطيه ما يزيده به إقدام اويحرض بذلك غيره من الشجعان، ويكون ذلك من الخمس. أو من صعد موضعاً كذا فله كذا.

قال سحنون وابن حبيب: والنفل قبل الغنيمة مما يكرهه العلماء. قال ابن حبيب: وقد استخفه بعضهم إذا احتاج إليه الإمام مثل أن يدهمه كثرة من العدو أو نحوه. وقد فعله أبو عبيدة يوم اليرموك لما دهمه كثرة العدو حتى قاتل يومئذ نساء من قريش.
ومن كتاب ابن المواز قال مالك: ولا يكون السلب للقاتل حتى يعطيه الإمام على الإجتهاد. وإنما قاله النبى صلى الله عليه وسلم يوم حنين، ولم يبلغنا أنه قال ذلك فى غيرها، ولا فعله بعد ذلك، ولا فعله أبو بكر وعمر. قال ابن المواز: ولم يعط عمر البراء بن مالك سلب قتيله وخمسه.
ومنه من كتاب ابن حبيب قال: وأهل الشام يرون السلب لمن بارز خاصةً نفله الإمام أو لم ينفله، ولا يجعلون لأحد سلباً فى هزيمة ولا فتح. والأمر على قول أهل المدينةرأنه من الخمس إذا قاله الإمام.

ومن كتاب ابن المواز والعتبية قال أصبغ: قال ابن القاسم فى السيرة تبعث بأرض العدو على أن لها ثلث ما تغنم أو جزءاً معلوماً إن ذلك لا ينبغى، وقاله أصبغ. قال ابن القاسم: وهذا مما تفسد به النيات ويصير عملهم للدنيا، ولا يخرج معهم على هذا، ولا أرى لمن خرج معهم على هذا أن يأخذ منه شيئاً. وبلغنى أن بعض أهل العلم خرج معهم، وما بذلك بأس لمن لا يريد أن يأخذ من هذا.
[3/ 223]

(3/223)


قال أصبغ: وما أراه حرإما لمن أخذه وقد عملت به السرايا. ولا أحب أن تكون السرية إلا كثيفةً ذوو شجاعة ونشاط، ولا يكون غرراً ولا إلى موضع غرر. وقول مالك وأصحابه فى هذا الصواب وقول أهل الورع.
قال ابن القاسم: وللإمام أن ينفل بعض أهل السرية بعد الغنيمة من الخمس لما يراه من شجاعة رجل وشبه ذلك. فإما وحالهم سواء فلأن لا من الخمس ولا غيره.

قال عبد الملك: ولا يكون النفل لغير من ولى الأخذ وجاء به.
ومن كتاب ابن سحنون وذكر ما يكره من قول الإمام قبل القتال: من قاتل موضعاً كذا فله كذا، ومن فعل كذا فله كذا. قال سحنون: وإنما ينبغى أن يخرج المجاهد على إعزاز دين الله وإعلاء كلمته ثم إن عرض له رزق قبله. فإما أن يكون أصل جهاده على دنيا يصيبها فهذا يدخل فى الحديث فى قوله: ومن كانت هجرته إلى الدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها، فهجرته على ما هاجر إليه. ولأمير الجيش أن ينقل فى أرض العدو على الإجتهاد.

قال: وإن بعث أمير الثغر سرية وأمر عليهم أميراً وسمى لهم موضعاً أو لم يسم، ولم ينهه عن النفل ولا إذن فيه، فإن نفل لم يجز نفله لأنه ولاه القتال، وليس إليه النظر ولأمير الثغر لو خرج، إلا أن يرضى جميع أهل السرية بما نفل وإليهم من انصبائهم لا من الخمس فيجوز. وكذلك لو نهاه عن النفل فلا ينفل إلا برضاهم من انصبائهم دون الخمس. وما روى من السرية التى كان فيها ابن عمر وقوله: فنفلنا بعيراً بعيراص، يحتمل أن يكون عن أمر النبى صلى الله عليه وسلم متقدماً.
قال سحنون قال ابن عباس والسلب من النفل. قال مالك: لا يجوز ما (فنل قبل الغنيمة، وإنما فعله النبى عليه السلام بعد الغنيمة. قال سحنون:

[3/ 224]

(3/224)


ولو) فعل ذلك إمام من أهل الإجتهاد فنفل قبل الغنيمة لم أنقضه، مثل أن يقول لهم: آخرجوا على أن لكم الربع بعد الخمس، كقضية حكم بها حاكم لما فيه من الإختلاف. وكذلك إن قال: ما غنمتم فلكم نصفه. وقال نحوه بعض أهل العراق.

قال: ولو نفل الإمام من الغنيمة بعد أن أحرزت بعض من له شجاعة فقد أخطأ ولكن لا ينقضه من رفع ذلك إليه. قال: وكذلك من أسهم لفرسين على قول أهل الشام لم أنقضه.
قال سحنون: وإن قال بعد القتال من قتل قتيلاً فله سلبه، فلا يخمس السلب ولكن يكون كله من الخمس. قال سحنون: كان ابن المبارك لا يأخذ لعبده من النفل شيئاً. قال سحنون: صواب، وقال الأوزاعى وغيره من أهل الشام: إن كراء حمل النفل يخرج من النفل خاصةً. وروى أيضاً عن الأوزاعى ان ذلك من جملة الغنيمة قبل الخمس.

قال سحنون: وحمل ما عجز الجيش عن حمله يبدأ بالكراء فيه قبل الخمس. قال سحنون: ولا حق فى النفل لأهل الذمة والعبيد إن حضروا، كما لا يرضخ لهم عندنا ولا للمكاتب.

وقال بعض أهل العراق: يدخل الذمى فى النفل لأنه يرضخ لهم عندهم، ولا يدخل فى قسم الغنيمة. والأوزاعى يرى أن يدخلوا مع المسلمين فى النفل وفى الغنيمة إذا غزوا مع المسلمين ويروى فيه حديثاً. وبعد هذا باب فى النفل هل يأخذه الذمى. قال مكحول: لا نفل فيما أصاب العسكر فى طريقه أو فى مقدمته.

[3/ 225]

(3/225)


قال الأوزاعى: ولا نفل فيما وجد فى العسكر ولا فيما وجد فى بيوت قرية نزلوا بها. وإذا استقر العسكر فمن خرج يسرى من العسكر أو يتعلق فله النفل فيما أصاب. وكذلك من سار عن يمين العسكر ويساره وناداً عن طريقه فله نفله من ما أصاب.

قال مكحول: لا سلب يوم هزيمة أو فتح.

قال سحنون: لسنا نعرف هذا كله، والنفل من الخمس ولا يكون راتباً وإنما هو على الإجتهاد من الإمام: إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل على اجتهاده إذا برد القتال. وله أن ينفل إلاسلاب يوم الهزيمة أيضاً باجتهاده، وإنما يكون ذلك إذا برد القتال. وإإذا قال من قتل فله سلبه ولم يستشن فى هزيمة فله السلب وإن كانت هزيمة، يريد سحنون: وإن قاله قبل القتال على غير مذهبه أنه يمضيه كقضية نفذت.

قال سحنون: وكيف يجوز أن يقول: ما أصبتم فهو بينكم بالسواء بعد الخمس، وفى هذا إبطال السهام التى أوجبها رسول الله صلى الله عليه وسلم، يريد: فى تفضيل الفارس.

فى تفريع مسائل نفل السلب وما يدخل فى السلب
وذكر نفل الذهب والفضة
قال سحنون قال أصحابنا وأهل الشام: ولا نفل فى العين وإنما هو فى العروض السلب والفرس والسلاح ونحوها. وقال أهل العراق إذا نادى الإمام بنف السلب للقاتل فأنه يكون له ما على المقتول من سوارين وطوق ذهب ودنانير ودراهم وحلية سيف ومنطقة. وذكر عن مكحول فى المبارز أنه جعل من السلب الطوق والسوارين (بما فيها من جوهر.

[3/ 226]

(3/226)


قال سحنون: إما حلية السيف فتبع للسيف. ولا شىء له فى الطوق والسوارين) والعين كله. وكذلك إن كان عليه تاج أو قرطان فلا شىء له فى ذلك. ويكون له فرسه وسرجه ولجأمه وخاتمه ودرعه وبيضته وسيفه ومنطقته بما فى ذلك من حليه وساعديه وساقيه وروايته. قال مكحول: بما فى ذلك من حلية وجوهر. قال سحنون والأوزاعى: وليس له ما فى منطقته من مال ونفقة ولا ما فى كمه وتكته. قال سحنون: وكذلك الصليب يكون فى عنقه. قال الوليد وقال الأوزاعى: يدخل الصليب فى السلب، وهو أحب إلى وقيل: وليس مما تزين به لحربه وإنما هو من دين تدين به فليس من السلب.

قال ابن حبيب: يدخل فى السلب فرسه وكل ثوب عليه وسلاحه ومنطقته التى فيها نفقته وسواراه وفرسه الذى هو عليه أو كان يمسكه لوجه قتال عليه. وإما إن تجنب أو كان منفلتاً منه، فليس من السلب.

ومن كتاب ابن سحنون قال الأوزاعى: وإذا أسر علجاً فأتى به إلى الإمام فقتله الإمام فليس له سلبه. وكذلك لو بارزه فصرعه ثم خرج فذهب به إلى الإمام فقتله.

قال سحنون: إلا أن أنفذ مقاتله بالضربةة فله سلبه.

قال سحنون: ولو أخذ إمام بغير قولنا فقال قبل القتال: من قتل قتلاً فله سلبه، فخرج رجل علجاً وأجهز عليه آخر، فإن كان الأول أنفذ مقاتله فالسلب له، وإن لم ينفذها فهو بينهما. قال الأوزاعى: وإن عانقه واحد قد بارزه وقتله آخر فسلبه للمعانق. قال سحنون: هذا إن قهره حتى لا يتخلص منه كأسيره. وإن كان يمكنه التخلص فالسلب للقاتل.
[3/ 227]

(3/227)


قال الأوزاعىك وإن بارز علجاً فوضع العلج بعض سلاحه بالارض، ثم قاتله فقتله المسلم فليس له إلا ما عليه دون ما فى الارض، وقاله سحنون. قال الأوزاعى: ولو قاتله على فرسه ثم نزل عنه العلج وقاتله ومقود فرسه بيده فليس له فرسه إلا أن يكون المسلم صرعه عن فرسه بطعنة أو ضربة.

وقال سحنون: الفرس له من السلب كان بيده أو مربوطاً فى منطقته بخلاف ما وضع بالارض من سلاحه. وإذا صرعه عن فرسه ثم جره إلى العسكر فمات بعد ذلك فإن كان أنفذ مقاتله فله سلبه، وإن لم ينفذ مقاتله فلا شىء له وإن مات بعد يوم أو أيام من ضربته فلا شىء له من سلبه وكذلك لو جره المشركون فمات عندهم وأخذ المسلم فرسه فلا شىء له من سلبه إلا أن تكون الضربة أنفذت مقاتله.

قا الأوزاعى: ومن حمل على فارس فقتله فإذا هو امرأة أو صبى أو مراهق: فإذا قاتلت المرأة فله سلبها، وكذلك الصبى. قال سحنون: إذا كان الإمام قد نفل إلاسلاب.

قال سحنون فى الإمام يقول: من قتل قتيلاً فله سلبه، فقتله رجلان أو أكثر، فسلبه بينهم بالسواء للاختلاف. ولو قال: غن قتل رجل منكم وحده قتيلاً فله سلبه فلا شىء لهم إذا لم يختلف فى هذا ينفرد الواحد بقتل قتيل. قال محمد بن سحنون: ولو برز عشرة علوج فقال الإمام لعشرة من المسلمين: إن قتلتموهم فلكم أسلابهم فقتلوهم كل رجل يقتل واحداً، فلهم أسلابهم لا ينفرد كل قاتل بسلب قتيله فى قياس قول سحنون، لأن بعضهم معونةً لبعضهم. ولمن قتل صاحبه أن يعين بقية من برز معه ولا يعينهم غير من برز من المسلمين. ولو قتل تسعة منهم تسعة وقتل المشرك الباقى العاشر من المسلمين وذهب، فأسلاب التسعة بين التسعة القاتلين، لا شىء للمقتول معهم. ولو بقى
[3/ 228]

(3/228)


المسلم العاشر حياً معيناً لهم لشاركهم فى إلاسلاب إلا أن يبين الإمام أن سلب كل قتيل لقاتله. ولو قال لكم أسلابهم إن قتلتموهم أجمع ولم تغادروا منهم أحداً فلا شىء لهم حتى يستوعبوهم.

وبعد هذا باب فى نفل الذهب والفضة والعروض.

فى المقاتل يجعل له السلب أو غير السلب فيقتل الإمام قتيلاً
قال سحنون: وإذا قال الأمير فى أول القتال من قتل قتيلاً فله سلبه فنحن ننهى عن هذا، فإن نزل مضى. فإذا قال هذا ثم لقى هو علجاً فقتله فإن له سلبه. كذلك إن قتله فى مبارزة. ولو قال: من قتل قتيلاً منكم فله سلبه، أو قال لما بارز رجل من العدو من قتله منكم فله سلبه، لو يكن له هو سلب من قتل، كان هو المبارز أو غيره، لأنه آخرج نفسه بقوله: منكم. ولو قال: إن قتلت قتيلاً فلى سلبه فلا شىء له لما خص نفسه. وكذلك لو قال بعد ذلك: ومن قتل منكم قتيلاً فله سلبه فى المستقبل. ولو قتل الأمير قتيلاً بعد أن خص نفسه وقتيلاً بعد أن قال من قتل قتيلاً فله سلبه فإنما له سلب الثانى.

ولو قتل الأمير قتيلين أحدهما قبل أن يقول من قتل منكم قتيلاً فله سلبه، والآخر بعد قوله من قتل قتيلاً فله سلبه، وقد كان قال قبل قتل القتيلين إن قتلت قتيلاً فلى سلبه، فإن سلب القتيل الأول فى الغنيمة، وله سلب الثانى. ولو قال الأمير: إن قتلت قتيلاً فلى سلبه، (ومن قتل منكم قتيلاً فله سلبه)، فقتل الأمير قتيلين وقتل رجل من القوم قتيلين، كان للأمير سلب القتيل الأول دون الثانى. وإما
[3/ 229]

(3/229)


القوم فمن قتل منهم قتيلين كان له سلبهما بخلاف الأمير لأن الأمير إنما خص نفسه بقتيل واحد، وهو بخلاف المسألة الأولى لنه قال فى الأولى: إن قتلت قتيلاً فلى سلبه، ثم قال بعد ذلك: من قتل قتيلاً فله سلبه، وهذا: إنما قال ذلك كله فى مقأم واحد، فخص نفسه معهم بقتيل واحد.

ولو قال لرجل: إن قتلت قتيلاً فذلك سلبه، فقتل قتيلين أحدهما بعد الآخر، فغيرنا يجيزه ويعطيه سلب الأول خاصةً. ونحن نكره هذا كله، فإن نزل وقاله الأمير على الإجتهاد مضى، وكان له سلب الأول فقط. فإن جهل سلب الأول، فقيل له نصفهما، وقيل: أقلهما. وإذا قالك من قتل منكم قتيلاً فله سلبه، فمن قتل منهم اثنين أو ثلاثة فله سلبهم.

محمد: ونحن وغيرنا مجمعون أنه إن خص نفسه فلا شىء له. فإما إن قال لعشرة هو احدهم من قتل قتيلاً فله سلبه، أو قال من قتل منا قتيلاً فله سلبه، فقال غيرنا: إن قتل هو وغيره قتيلين أو ثلاثة فله سلبهم، فنحن نمضيه على قولهم. وإن قال يا فلأن إن قتلت قتيلاً فلك سلبه فقتل قتيلين معاً، فقيل له نصف سلبهما، وقيل له أكثرهما. وكذلك قوله: إن أصبت أسيراً فهو لك فأصاب أسيرين، فله نصف كل واحد منهما.

جامع القول فى النفل يبذله الإمام قبل الغنيمة
من جزء مسمى أو مال مسمى
لمن قتل قتيلاً أو لمن تقدم إلى الحصن
والقول فى نفله لسرية وفيما غنمت أو يغنم بعدها

قال ابن سحنون قال سحنون: وكل شىء يبذله الإمام قبل القتال من هذه إلانفال لا ينبغى عندنا، إلا أنه إن نزل وقاله الإمام أمضيناه وإن أعطاهم ذلك
[3/ 230]

(3/230)


من أصل الغنيمة للاختلاف فيه. فلو ظأنه قال من تقدم إلى الحصن فله كذا أو إلى الباب فله كذا فليعطهم ما قال. وكذلك الصائفة يبعث أميرها سرايا على أن لهم الثلث بعد الخمس، أو قال قبل الخمس، فأنه يمضى ويعطون ما قال، ويدخلون فى السهام فيما يبقى بعد الخمس منه.

ولو بعث سرية على الثلث وآخرى إلى جهة آخرى على الربع، وفى كل سرية قوم بأعيأنهم، وكل ذلك على اجتهاده على قدر صعوبة أحد الموضعين، فدخل فى كل سرية رجل من الآخرى فغنموا، فليحرم الإمام النفل من دخل منهم فى غير سريته عقوبةً له، وله حقه من الغنيمة. ولو خرج معهم رجل لم يأمره الإمام بالخروج، والأمير متفقد لأمر جيشه، فلا نفل له أيضاً. ولو قال يخرج فى كل سرية من شاء، فللذى دخل فى غير سريته النفل مثل أصحابه.

قال الأوزاعى: وإن خرج فى سرية فلقى آخرى فإنضم معها، فإن كان من أهل الديوان أحرم النفل بتعديه. وإن كان متطوعاً فله نفله ويضمه إلى السرية التى كان معها فيقسمه معهم، ولييشركهم فى نفل ماغنموا. ولو بعث أمير الجيش سريةً على أن لهم الربع بعد الخمس، ثم نفل وإليها قوماً على فتح حصن أو نفل رجلاً ففتحوا وغنموا، فنفل أمير السرية باطل، إلا أن يجيزه جميع أهل السرية، فيجوز مما نفلهم أمير الجيش فى تلك السرية ومن سهامهم فيها بعد النفل لا فى سهأم أهل العسكر.

ولو ضل من السرية رجل عن قوم من العسكر فتركوا هناك نفراً لأنتظاره، ثم رجعوا إليهم غانمين، قال: لا نفل للذى ضل منهم بخلاف الغنيمة، وقد أخطأ الأمير فى تغريره بمن خلف منهم إلا فى موضع مأمون.
قال ابن سحنون: وللذين أقاموا على النضال من النفل ما لأصحابهم لأنه خلفهم فى مصلحة. ولو لم يتخلف أحد عليه فرجع الضال غانماً وقد غنم
[3/ 231]

(3/231)


أصحابه فالتقوا، فلهم النفل فيما غنموا وللضال نفله فيما غنم، وما بقى جمع إلى ماغنم العسكر فقسم بين الجميع. وكذلك لو افترقت على فرقتين، فرجعت كل سرية غانمة فقط، فالتقوا عن العسكر بأميال لا يلحقهم فى مثلها فى النصر، (فلكل سرية نفها مما غنمت دون الآخرى، إلا أن يكون لا غنى لواحدة عن الآخرى وبها خلصت) فلتشركا فى النفل.
قال سحنون: وإن بعث الإمام سرية على الربع بعد الخمس على مذهبه فقدموا غانمين، فلم يأخذوا النفل حتى مات أو عزل وولى من يرى قولنا، فأنه لا ينفذ ذلك إلى الحصن ونحو ذلك مما لا نراه. قال ابن سحنون: وأنا أرى أنها قضية نافذة لا ترد، قبضوا ذلك أو لم يقبضوه.

قال سحنون: وإذا بعث الوالى سرية على أن لهم الثلث بعد الخمس على مذهبه، فبعدوا من العسكر بعداً لا يمكنهم الرجوع إليه، فرجعوا إلى دار الإسلام من موضعهم، فما غنموا بينهم خاصةً بعد الخمس فقالوا للإمام سلم لنا نفلنا فلا يسلم لهم لأن الغنيمة صارت لهم كلها. قال سحنون: ويسقط حقهم فيما غنم أهل العسكر بعد انقطاعهم عنهم. وإما ما غنموا قبل خروج السرية فحق السرية فيه معهم.
قال سحنون: ولو أصابت السرية غنائم فى موضع يكون العسكر رداءاً لهم لو استعانوا بهم، ثم خرجت السرية إلى دار الإسلام ولم ترجع إلى العسكر، فأهل
[3/ 232]

(3/232)


العسكر شركاؤهم فى غنيمتهم، ولهم نفلهم فيما غنموا ولو كان خروج السرية إلى دار الإسلام على إلاضطرار والغلبة لكثرة العدو فلا يقدرون أن يرجعوا إلى العسكر.

قال ابن القاسم: نرى للسرية حقاً فيما غنم أهل العسكر بعدهم، لأنه روى عن مالك فى المراكب تفرقهم الريح فترد بعضهم إلى أرض الإسلام: أن لهم حقهم (فيما غنموا. وأنا أرى فى السرية الخارجة بغلبة أن لهم حقهم) مع العسكر فيما غنم قبل خروجهم، (وساقط فيما غنم بعد خروجهم) كالميت لا شىء لعه بعد موته. ولو خرجوا اختياراً فحق أهل العسكر ثابت فيما غنمت السرية، وحق أهل السرية ساقط فيما غنم العسكر بعد دخولهم دار الإسلام فى قول ابن القاسم وقول غيره.

وإذا بعث الأمير سرية من المصيصة ليلحقها على أن لهم الثلث بعد الخمس أو قبل، فتقدموا فغنموا، فإن ادركهم الإمام بأرض الحرب كما قال فلهم نفلهم، ثم يشركهم أهل العسكر فى بقية الغنيمة. وإن بدا للإمام فلم يخرج حتى رجعت السرية أو خرج فأخذ غير ناحيتهم وخرجت السرية إلى أرض الإسلام فلا حق للعسكر فيما غنمت، وليعزلوا الخمس ويقسم ما بقى بينهم خاصةً.

قال محمد: هذا إن نفلهم الثلث بعد الخمس لأن كل ما يبقى لهم خاصةً. فإما إن نفلهم الثلث قبل الخمس فلهم الثلث بدءاً ثم يخمس ما بقى ويضم أربعة أخماس إلى الثلث فيقسمون ذلك، وكأنه نفلهم بعض الخمس. قال سحنون: وأصحابنا يكرهون أن يبعث سريةً ثم ينفلها جميع الخمس لأنه أمر لم يمض به سلف. وإما بعضه فله أن ينفلهم بعضه أو ينفل بعضهم.
[3/ 233]

(3/233)


قال أهل العراق: ولو بعث الإمام رجلين أو ثلاثة وقال: ما أصبتم فلكم لا خمس فيه فهو جائز بخلاف السرية والجيش. قال محمد: لا فرق بين ذلك ولا ينبغى إبطال الخمس قلوا أو كثروا. وقال غيرنا: ولو أن هؤلاء الثلاثة سروا بغير أمر الإمام فما أصأبوا فلهم لاخمس فيه. قال محمد: هذا خطأ وفيه الخمس، ولا فرق بين هذا وبين الجماعة.

قال محمد: وإن بعث سرية على نفل الربع بعد الخمس وآخرى على فنل الثلث، فضل من كل سرية رجل فدخل فى السرية الآخرى وبعد ما بينهما فلم يجتمعا إلا فى العسكر، ففى قياس قول سحنون يصير نفل الضال وسهمه مع السرية التى صار إليها وعلى نفلهم. وقال غيره من أصحابنا: بل يأخذ معهم مثل نفلهم يضمه إلى نفل التى ضل منها، فيأخذ نفله معهم كما يأخذون. وقال مثله الأوزاعى: إذا أخطأ طريق سريته فدخل مع الآخرى.

قال محمد وإذا نفل سريةً الرع بعد الخمس فأنه يسأوى فيه بين الفارس والراجل فى قسم النفل، لأنهم أعطوه لما ينالهم، والراجل أشد غرراً وتعباً. وإما ما بقى بعد الخمس فيعطى للفارس سهم فارس، وقاله أهل الاشم وأهل العراق. قال محمد: ولو بين لهم فى النفل أن يقسم للفارس سهمان وسهم للراجل قسم على ما قال.

فى النفل على فعل شىء فيفعل بعضه أو ما يشبهه أو خلافه
وفى النفل لمن جاء من المال بكذا أو جاء بكذا فله كذا
من كتاب ابن سحنون وإذا قال الإمام بعد الغنيمة: من قتل قتيلاً فله سلبه، فجاء فارس وراجل بسلب علج قتلاه فليقسم بينهما بالسواء. ولو قال لسرية قبل القتال، يريد على مذهب غيرنا، من فعل كذا فله كذا فقد تقدم قوله: إنا ننهى عنه فإن نزل أمضيناه.
قال سحنون: وإذا قال للسرية: إن قتلتم مقاتلة هذا الحصن وقتحتموه، فلكم الربع بعد الخمس، فقتلوا بعضهم وأنهزم من بقى وفتحوا فلهم نفلهم.

[3/ 234]

(3/234)


وكذلك لو لم يقتلوا غير أمير الحصن وأنهزموا وفتح. وكذلك لو أنهزموا لما أقبل إليهم المسلمون خلوا عن الحصن فلهم نفلهم. وإما لو خلوا عن الحصن قبل إقبال المسلمين إليهم فأتوا فوجدوه خالياً فلا نفل لهم.

ولو قال: إذا قتلتم المقاتلة وسبيتم الذرية فلكم الربع، فقتلوا بعض المقاتلة وسبوا فلهم نفلهم. وكذلك لو هجموا عليهم فهزموهم بغير قتال فلهم النفل. وإن قال: من قتل بطريقاً فله سلبه، فقتل غير بطريق فلا شىء له. وكذلك لو شرط قتل الملك فقتل بطريقاً. ولو قالك من قتل قتيلاً فله سلبه وقتل مسلم ومشرك مشركاً أخطأ به المشرك، فللمسلم نصف السلب والنصف يقسم قسم الغنيمة.
ولو قال: من قتل رجلاً من صعاليك المشركين فله سلبه فقتل رجل بطريقاً أو ملكاً فليس له سلبه لأنه منع سلب البطارقة لكثرة سلبهم. ولو قال: ففله مائة درهم، فله ذلك من الخمس. ولو قال: من قتل شيخاً فله سلبه فقتل شاباً فله سلبه إلا أن يعلم أنه خص الشيوخ لكيدهم وتدبيرهم فلا شىء له. ولو شرط شاباً فقتل شيخاً فلا شىء له.

ولو قال: من جاء بأسير فهو له أو له كذا، فجاء رجل بوصيف أو وصيفة فلا شىء له. ولو قال: (من جاء بوصيف أو وصيفة فجاء بأسير، فإن أراد الأمير أن يكثر السبى فلا شىء له. وإن لم يرد ذاك فله نفله. وإن قال: من جاء برضيع فجاء بوصيف فلا شىء له. ولو شرط وصيفاً فجاء برضيع فهو له. وإن قال:) من جاء بوصيف فله مائة درهم من الخمس فجاء بوصيفة، فإن كانت فى القيمة مثله فأكثر فله نفله. وإن كانت أقل، فلا شىء له. وكذلك فى مجيئه بوصيف والشرط وصيفة. وإما إن جاء بشيخ والشرط شاب فلا شىء له.

وإن قال: من جاء بشيخ فله مائة درهم فجاء بشاب، فله نفله فى إجماعنا إلا ان يكون إنما حرض على الشيوخ لكيدهم ورأيهم. وغيرنا يرى النفل فى المال بقول إن قال: من جاءنى بألف درهم فله مائة منها، إن ذلك لازم، وليس بقولنا.
[3/ 235]

(3/235)


وفرغ فى هذا على أصله: إن جاء بأفضل عيناً أو دون عيناً على ما قدمنا. وإن قال: من جاء بعشرة من الغنم فله شاة منها أو قال مائة درهم، فجاء رجل بعشر بقرات فله ما جعل له. وكذلك من جاء بثياب كذا فله كذا. فإن جاء بثياب غيرها مثل قيمتها فأكثر فله شرطه. وإن كان دون القيمة فلا شىء له.

وإن قال من جاء بفرس (أو قال: ببردون فله كذا، فجاء ببغل أو حمار فلا شىء له. ولو قال من جاء بفرس) فلا شىء لمن جاء ببرذون. وإن قال من جاء ببرذون فجاء بفرس فله نفله. وأن قال من جاء بفرس فله مائة درهم، فجاء رجل بفرس ثم لم يغنموا غيره فله من خمسه مائة درهم إن بلغ ذلك خمسه.

فى النفل فى الذهب والفضة والعروض
وكيف إن استثنى أو ذكر أشياء تتصرف إلى أصناف
وفى النفل فى الارض

قال ابن سحنون عن أبيه قال أهل الحجاز وأهل الشام: لا نفل فى ذهب ولا فضة، وخالفهم آخرون.
قال: فلو قال الإمام من أصاب ذهباً أو فضةً فله منها الربع بعد الخمس أمضيناه على ما قال كقضاء نفذ بقول قائل، ولمن أصاب ذلك نفله منه كان مسكوكاً أو غير مسكوك من سكتنا أو من سكتهم أو حلى أو تبر. وإن قال من أصاب شيئاً فله ربعه إلا ذهباً أو فضةً فهو كذلك لا شىء له فى ذهب أو فضة على أى حال كان.

[3/ 236]

(3/236)


وإن قال من أصاب حديداً فهو له أوله منه كذا، فإن كان ذلك أمراً عرفوه فهو ذلك. فغن عنوا به السلاح دخل فيه الدروع والسيوف والسكاكين وغيرها من السلاح. وإن عنى نقر الحديد لم يدخل فيه السلاح. وإن كان ذلك قولاٌ مبهماً، فإن كان بلد معادن حديد حمل على أنه عنى زبر الحديد لا السلاح. وإن لم يكن بلد معادن حمل على كل حديد من سلاح وزبر وآنية، ولا يدخل أجفإن السيوف ونصال السكاكين فى ذلك. وإن ذكر البز فإن ثياب الكتان والقطن من البز. وكذلك يعرف عند الناس من البز، ولا يدخل الغزل فى ذلك.

ولو قال: من أصاب ثوباً دخل فى ذلك ما أصاب من ثوب ديباج أو بزيون من لباسهم أو كساء بز كانوا يلبسونه فى أعيادهم. وإن أصاب كسساء للنوم أو عمأمةً أو قلنسوةً فلا شىء له. وكذلك فى الفراش والبساط أو النسج وإنما الثياب ما يلبس.

ولو قال من أصاب متاعاً دخل هذا فيه، ودخل فيه الفرش والثياب والبزيون والمرافق، ولا يدخل فى ذلك إلانية كلها.

وإن قال من أصاب ذهباً أو فضةً فهو له فأصاب سيفاً محلى، فإن كانت حليته تبعاً يسيرةً فلا شىء له. وإن كان النصل تبعاً فهو له. وكذلك ما حلى من سرج ولجأم أو مصاحفهم. وكذلك أبواب فيها مسأمير ذهب أو فضة يسيرة فلا شىء له.

ولو وجد حلياً مرصعاً بالجوهر فى الغنيمة، وكذلك فص الخاتم، فله الذهب والفضة. وكذلك لو كثرت قيمة الفص، وهذا بخلاف ما مضى لأن هذا منسوب إلى الذهب والفضة، (يقول: خاتم ذهب أو فضة. وكذلك صليب ذهب مرصع.
[3/ 237]

(3/237)


ولو قال من أصاب ياقوتاً أو زمرداً أو لؤلؤاً فهو له فوجد حلياً مرصعاً بذلك، فهذا ينزع الجوهر ويكون له دون الذهب والفضة). وكذلك من الخاتم. ولو قال من أصاب فصاً من ياقوت فأصيب فى الخاتم فأنه يقلع. ولو قال من أصاب حديداً ولا دليل على قصده فجاء بسرج فله الركابان. وليس له مسأميره ولا ضبة فيه يتفكك بنزعها، كما لا ينزع مسأمير السفينة ولا حشو الجبة المحشوة مما شرط، لأنه لا اسم له منفرد إلا بزوال اسم ما تضمنه.

ولو قال من أصاب ثوب قز فأصاب جبة بطانتها قز ووجهها غير قز فله فيها بمبلغ قيمة القز منها. ولو قال جبة حرير فكان وجهها حريراً فله الجبة كلها لا ينظر إلى بطانتها، ولا شىء له فيها. وإن قال: من أصاب ذهباً فجاء بثوب فيه ذهب ونسيج، فإن كان ذهبه تافهاً فلا شىء له. وإن كان كثيراً نزع منه وأخذه، ولا يباع ويقسم ثمنه إذ لا يجوز تركه كذلك. وإن وجد قصعةً مضببةً بذهب فإن كان له بال جعل للزينة ولا يضر نزعه فله فصله وأخذه. وإن كان شيئاً تافهاً فلا شىء له. وكذلك وكذلك المائدة. وإن قال من أصاب حريراً فوجد جبة علمها حرير أو لبنتها حرير فلا شىء له.

وإن قال ذهباً فوجد ياقوتةً فيها مسمار ذهب فلا شىء له. وإن وجد أسيراً قد اتخذ أنفاً من ذهب فله إلانف الذهب لأنه بائن بخلاف ما ضبب به أسنأنه. فإن قال ثوب حرير فوجد ظهارةً تحتها فرو نسور أو فنك فلا شىء له لأنه فرو، هو الغلب على اسمه. ولو قال من أصاب حلياً فأصاب حلياً مرصعاً فهو له بجوهره.

وإن قال من أصاب سيفاً فله السيف بجفنه وما فيه حلية تافهة. وإما الكمثيرة فتنزع إلا أن يعلم الإمام ومن معه أن سيوف ذلك العدو كذلك فهو
[3/ 238]

(3/238)


له. وكذلك المناطق والثوب النسيج إذا قال من وجد ثوباً. وإن قال ذهباً فوجد درعاً مموهاً أو لجإما مموها ص بذهب، فإن كان لو كان تافهاً فلا شىء له فيه، ولا تباع هذه الأشياء حتى ينزع ما فيها من الذهب. وإن قال من وجد حلياً فوجد تاجاً للنساء أو تاج الملك فهو له ولا فرق بينهما، وقد أخطأ من فرق بينهما. والخاتم من الحلى فهو له كان ذهباً أو فضةً. فإن لبس رجالهم الذهب، قال والسلك المنظوم والقرط المنظوم هو من الحلى وإن كان لم يكن فيه ذهب. ولو قال ومن وجد صوفاً فوجد جلود صوف أو ثياب صوف أو غزله فلا شىء له فيها. وكذلك إن قال شعراً فلا شىء له فى جلود الماعز ولا فى مسوح الشعر ونحوها. ولو قال خزاً فوجد جلود خز فهى له ها هنا، نزع الخز عنها أو لم ينزع لأنه الغرض منها. وكذلك له غزل الخز وثياب الخز، ولا شىء فى راية الخز. ولو قال من أصاب فرواً فله الفرو بما ظهر به من حرير أو خز بخلاف قوله جبة خز فيوجد بطانتها فنك أو نسر لأن إلاسم فرو. وإن أصاب جبة خز بطانتها مروية فله الظهارة وحدها لأنه يقع عليها جبة خز بلا بطانة. ولو قال جبة مروية، فيوجد ظهارتها مروية وبطانتها جنساً آخر فهى له ببطانتها. وكذلك فى القلأنس هى له ببطانتها، ويعمل على ما عرف من إلاسماء. ولو قال: هذه الجبة الخز وهى على علج فأخذها رجل كانت هذه ببطانتها. ولو قال من أصاب قباءً مطلقاً، أو قال قباء خز أو مرورى، فلا يكون له فى هذا كله غير ظهارة القباء دون بطانته لأنه سمى قباء. وقد أخطأ من فرق بين قوله قباء وبين قوله قباء خز أو مرورى. والسرأويل كذلك لا شىء له من بطانته.

قال أهل العراق: وإذا نفل الإمام سريةً الربع بعد الخمس من الارض فذلك جائز لهم. قال سحنون: لا ينفل الارض ولا شىء لهم كما لا تخمس.
[3/ 239]

(3/239)


فى النفل المجهول
من كتاب ابن سحنون قال: وإذا قال الإمام على غير قولنا من جاء بشىء فله منه طائفة أو قال بعضه أو جزء منه فليعطه بقدر اجتهاده. وكذلك قوله فله منه يسير أو قليل. قال وما أعطاه فمن الخمس.
وقد قال أشهب فى الحالف لأقضينك بعض حقك إلى شهر: أنه يبر بما قضاه منه.

ولو قال لأقضينك حقك إلا أن تؤخرنى ببعضه، أو أحلفه الطالب بذلك فليؤخره بما شاء وهو بعض. وقال ابن القاسم: يؤخره بقدر ما يرى من ناحية الحق وناحية الرجل، وليس تأخيره بدينار من ألف دينار أو مائة وجه مراده. وقال سحنون: وهذا يرجع إلى اجتهاد الرأى.

قال أشهب: ولو وخره بالجميع لم يحنث. وولو قال من جاء بشىء فله منه سهم فإن له سهماً منه. ولو أعطاه السدس كان حسناً. قاله بعض أصحابنا في الموصى له بسهم من ماله ,لأن أصل الفرائض من ستة.

وقال أشهب: له سهم ما تستقيم عليه فريضته. وإن كان وارثه واحداً فللموصى له الثلث إلا أن يجيز له الورثة الجميع. فإن ترك من لا يجوز له المال أو لم يترك وارثاً فله الثمن لأنه أقل سهم ذكر لأهل الفرائض، فيأخذه إن كان مليئاً وإن كان فقيراً، لم أر بأساً أن يزاد بالإجتهاد. ولو قال من جاء بشىء فله منه نصيب فذلك يرجع إلى الإجتهاد أيضاً كمن لرجل نصيباً من دار فإنما له ما أعطاه. ولو قال فله شرك فيه فهو كذلك يجتهد فيه ولا بأس أن يبلغ به النصف.

وهو على غير قول ابن القاسم فى المقارض على أن له فى الربح شركا: إن له النصف، وهو أحسن. ولو قال من جاء بشىء فله منه مثل سهم أحد القوم، نظر
[3/ 240]

(3/240)


سهم راجل من الجماعة إن كانوا رجالةً أو سهم فارس إن كانوا فرساناً. وإن كانوا صنفين، فنصف سهم من كا صنف فى غير قول ابن القاسم. وفى قول ابن القاسم تقسم الغنيمة على الفرسان والرجالة بالسواء، ويعطى مثل ذلك السهم كمن أوصى بمثل نصيب أحد ورثته وفيهم رجال ونساء.

ففى هذين القولين قال: فإن لم يبلغ الذى جاء به ما ذكر لم يزد عليه، وذلك يحسب من الخمس. وإنما جعلت له جميع ما جاء به إذا كان مثل السهم فأقل والأمير إنما قال فله منه سهم. ولأن ذلك مثل من أوصى لرجل بعبد من عبيده ولم يدع غير عبد واحد فإن له جميعه. وأنه لا يزاد على ما جاء به كما لو قال من جاء بمائة فله مائتان فلا يزاد عليها، وهذا خطأ من الإمام إن قاله.

ولم يبلغنا أن أحداً من السلف نفل إلا بعض ما جاء به أو ما جاء به لا أكثر منه، قال: ولم يختلف الناس أنه لا يعطى أكثر مما جاء به فى السلب وفى غيره.

ولو قال من جاء بوصيفة فله ألف فجاء بوصيفة تسأوى خمسمائة دينار فلا يزاد على قيمتها. وكذلك سائر العين والعروض. وإما إن قال من جاء بأسير فهو له وله أيضاً خمسمائة، فهذا عندنا خطأ، ولكن إذا فعل ما أراده ويعطى ما قال: وليس كالأولى لأن فى هذا تحريضاً على الجهاد. وكذلك من جاء ببطريق فله سلبه وله ألف درهم، أو قال من قتل الملك أو جاء به فله ألف دينار، أو كان رجل قد أنكى على الحصن فقال من صعد إليه فأسره أو قتله فله كذا، ففعل ذلك رجل فله ما قال.

ولو سقط ذلك العلج خارج الحصن بموضع يمتنع فيه فقتله رجل أو أسره فلا شىء له لأنه زال من الموضع الذى أنكى فيه. ولو وقع داخل الحصن فصعد
[3/ 241]

(3/241)


رجل ونزل إليه فقتله أو جاء به فله نفله. ولو طعنه على السور فرمى به إلى المسلمين فى موضع يمتنع فيه فأخذه رجل آخر وقتله فالنفل بينهما. ولو لم يقل من قتله ولكن قال من قتله أو جاء به، فوقع من غير فعل أحد بموضع يمتنع، فقتله رجل أو جاء به، فإن أراد الإمام زواله من موضعه لثملة سدها أو غير ذلك فلا شىء له لأنه زال من غير فعله. فإن لم يقصد هذا فالنفل لمن جاء به أو قتله إلا أن يقع فى موضع لا يمتنع فيه.

وإن قال من قصد الحصن ونزل عليهم أو من دخل عليهم من ثملة كذا فله كذا. فلا ينبغى هذا إذا كان فيه خطر. فإن لم يكن فيه خطر ونزل هذا فله نفله إذا كان فيه نكاية وجرى على الإجتهاد. وإن دخل من ثملة آخرى أو صعد من حائط آخر وهو مثل ما دعا إليه أو أنفع للمسلمين فله نفله. وإن كان أشد خطراً فينبغى أن يحرمه نفله عقوبةً له فيما غرر بنفسه. وإن كان موضعاً أقل نفعاً وفائدةً فلا شىء له. وكذلك من جاء بدون ما شرط له به النفل.

فى الإمام ينفل السلب لمن قتل قتيلاً
فيقتل الرجل من ينهى عن قتله أو يقتل عبداً
من كتاب ابن سحنون: وإذا قال الإمام من قتل قتيلاً فله سلبه، فقتل رجل رجلاً أجيراً للمشركين أو تاجراً لا يقاتلأن أو عبداً لا يقاتل أو مرتداً أو ذمياً لحق بأرض الحرب فله سلب هؤلاء. ولو قتل منهم امرأة فليس له سلبها إلا أن تكون تقاتل وقأمت بذلك بينة. وكذلك الغلأم إذا ثبت أنه قد قاتل وإن لم يبلغ ولم ينبت وهو يطيق القتال، فله سلبه. وإن قتله وقد أنبت فله سلبه وإن لم يقاتل.
وإن قتل مريضاً لا يقدر أن يقاتل أو يقدر أو مقطوع اليد فله سلبه. وإن قتل شيخاً فانياً فليس له سلبه فى قول أكثر العلماء إلا فى قول من يرى قتل مثله
[3/ 242]

(3/242)


لما فيه من الرأى والتدبير. وإن قتل راهباً فليس له سلبه. وإن قتل أسيراً مسلماً أكرهوه على القتال فلا شىء له وسلبه لورثته مع ماله، إلا أن يكون سلبه أعاره إياه العدو فهو لقاتله. وليس له سلب من لم يقاتل من امرأة وصبى وشيخ فإن وإن كان سلبهم عاريةً للعدو، لأنه قصد إلى قتل من لا يجوز له قتله.

ولو قتل مشركاً وسلبه أعاره إياه كافر أو رجل أو امرأة أو شيخ أو من يحل ماله من الكفار فذلك للقاتل. وإن كان أعاره ذلك مسلم من تاجر عندهم أو رسول فلا شىء للقاتل. وإن كان السلب لرجل أسلم بدار الحرب فالسلب للقاتل فى قياس قول ابن القاسم، لأنه يرى ماله فيئاً إن دخلنا إليهم أو خرج هو وحده ثم دخلنا إليهم. وأنا أرى أنه أحق به ما لم يقسم. فإن قسم فهو أحق به بالثمن. ولو أن سلاحه كان غصبه للمسلم لكان للقاتل بخلاف أن لو أعاره إياه.

فى السلب يحوزه المشركون وقد وجب للقاتل
من كتاب ابن سحنون: وإذا نفل الإمام السلب فرمى رجل علجاً فقتله وهو فى صف المشركين، فلم يقربه المشركون حتى أنهزموا فهو للقاتل. ولو أخذوه ثم أنهزموا ثم وجدنا ذلك السلب والدابة، فإن كان أخذه ورثته أو وصيه أو ملكهم أمر بأخذه على ما رأى من النظر لهم، فلا شىء لقاتله لأنه قد ملك عنه قبل يحوزه. وإن أخذ على غير هذا أو سرقه أو خلسه فالقاتل أحق به. وإن أخذ بعد أن أخذه من له أخذه فهو فىء. وإن أنهزموا فلا يدرى أخذوه أم لا، فما وجد عليه فلقاتله. وكذلك دابته إن أصيبت معه. وإما ما نزع عنه ففىء، لأن الغلب أنه نزعه من له نزعه.

وإن وجدوا دابته بيد من أخذها من وصى أو وارث له فهى فىء. وإما بيد مختلس أو سارق فهى للقاتل. وإن وجدت بعد سير العسكر مرحلةً أو مرحلتين فهى للقاتل ذلك بخلاف لو وجدت بعد أمد طويل. ولو حمل أهله أو وصيه القتيل على دابته مع سلاحه ثم ساقوها منهزمين فذلك للقاتل. وكذلك لو فعله أحد من العسكر على الخلسة، لا أفرق بينهم وبين ورثته إذا كان بحدثان
[3/ 243]

(3/243)


القتل، ولأن الوارث أيضاً لم ينزع عنه سلبه، ولا فات فيه أمر كما لو لم يجروا القتيل إليهم، وليس يملك الوارث السلب عندنا فى هذا لجر المشركين القتيل إليهم إذا كان أم يفت فيه أمر.

فى التداعى فى السلب
وجامع القضاء فيه
من كتاب ابن سحنون: وإذا نفل الإمام السلب للقاتل فضرب رجل علجاً ثم احتز آخر رأسه، فإن كانت الضربة أنفذت مقاتله وإن تآخر موته فالسلب للضارب دون المجهز. وإن لم ينفذ مقاتله فالسلب للثانى. وكذلك لو قطع أوداجه أو نثر حشوته وأجهز آخر عليه.

محمد: ولا اختلاف فى هذا لأن حياته حياة موت. وقول الله تعالى فى أكيلة السبع وما ذكر معها (إلا ما ذكيتم)، ومعناه: إذا كان خرجاً من معنى ما (حرمت عليكم) ولو كان فى معناه لكان تكريراً وكان الميتة قد جمع ذلك. إلا ترى أن ذكره للجمع بين إلاخيتن فيه معنى من تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها لأنهما قرابة محرم كما إلاختين قرابة محرم، وليس اينتا العم قرابة محرم؛ ولأن من قطعت أوداجه أو انتثرت حشوته أو قطع نصفين له حياة ولا تذكية فيه، ولم يختلف فيهم.

و‘ذا تداعيا قتله الجارح والحتز الرأس وقد ذهب الجسد، فالسلب بينهما لاحتمال دعواهما. وأهل الشام يرون سلبه للجارح الأول وإن لم ينفذ مقاتله. وغيره يراه لمحتز رأسه لأنه متيقن أنه عن فعله مات، ونحن نشك فى الجارح هل قتل أو
[3/ 244]

(3/244)


لم يقتل. قال وإذا احتمله من فرسه فأتى به إلى الصف أو إلى عسكر المسلمين لم يكن له سلبه لأنه صار أسيراً تعدى فيه بغير أمر الإمام. ولو صرعه بين الصفين فله سلبه.

ولو جاء به إلى الإمام فأمر بقتله لم يكن له سلبه. ولو أسلم حين صرعه بين الصفين حرم معه، وليس له سلبه ويصير فيئاً إن كان قاهراً له. وكذلك لو أسلم بعدما جاء به إلى صف المسلمين أو عسكرهم. ولو جره بدابته بوهق إلى غسكر المسلمين أو صفهم فقتله فليس له سلبه إذ صيره بذلك مستأسراً غير ممتنع. ولو كان بعد أن أتى صف المسلمين غير ممتنع فقاتل غير مستسلم فله سلبه إذا قتله. وكذلك فى العسكر لن قتاله عند إلااس أشد. وكذلك الذى يحمل فيدخل العسكر وهو يقاتل حتى قتل فقتاله سلبه، إلا أن يقتله بعد أن يلقى بيده ويطرح سلاحه ويستأسر فلا شىء له.
ولو جرحه رجل ثم جرحه آخر وليسا بجراح مقتل فمات فسلبه بينهما. وإذا قال الأمير عند اللقاء من جاء برأس فله كذا فنحن نكره هذا. فإن نزل أمضيناه وكان من الخمس إذا كان اجتهاداً وتحريضاً وإن جاء رجل برأس وقال أنا قتلته، وقال آخر أنا قتلته وهذا احتز رأسه، فالذى جاء بالرأس أولى بالنفل مع يمينه ولا بينة عليه. وإن ثبت ببينة أن هذا قتله وهذا احتز رأسه فالنفل لقاتله، كما لو غلب على رأسه أو وقع فى نهر كان له السلب.

وقد قال لى أيضاً، يعنى سحنون: وإن جاء بسلب وقال قتلت صاحبه فلا يأخذ السلب إلا ببينة على القتل. وكذلك إن جاء بالرأس فاختلف قوله فى الرأس. ولو شك فى الرأس أرأس مسلم هو أو مشرك، نظر إلى علأمة وسيماء يستدل بها هذا فى قوله الأول فيأخذه مع يمينه. فإن نكل فلا شىء له. وإذا أشكل فلا شىء
[3/ 245]

(3/245)


له فى القولين. وإذا علم أنه مشرك وداعى آخر أنه قتله فأقر له الجائى به فالسلب للمقر له.

ولو جاءا به وقإلا قتلناه فالنفل بينهما فى قوله الأول وإن كان بيد أحدهما، ولا شىء لهما فى قوله الآخر. ولو قال من بيده قتلته أنا وهذا، وقال الآخر بل أنا قتلته، فالسلب بينهما فى قوله الأول. وإذا كان بأيديهما كل واحد يقول أنا قتلته، ففى قوله الأول يحلفإن والسلب بينهما. ومن نكل فهو لمن حلف. وإن نكل فلا شىء لهما. ولو رأى قوم رجلاً يحز رأساً فقال هو أنا قتلته وحلف فالنفل له فى قوله الأول. ولو رأوه جاء من موضع بعيد لا يقتله من مثله فاحتز رأسه فلا شىء له فى القولين. قال: ولو قال الإمام بعد هزيمة العدو من جاء برأس فله كذا، فأخذوا يقتلون يأتون بالرؤوس، فقال الإمام إنما عنيت رؤوس السبى فإنما يحمل هذا على رؤوس الرجال. فإن كان بعد الهزيمة حتى جىء ببينة، أو يكون شىء قد عرفه أهل الثغور بينهم، أو كان الغالب عندهم فيعمل عليه، ثم لا يقبل قول الإمام أنه عنى غير ذلك. وكذلك لو أنهزموا ولا تؤمن كرهتهم.

ولو تفرق المشركون وكف المسلمون عن القتال، كان محمل قول الإمام من جاء برأس فله نصفه أو رأس من رأسين فقد أخطأ، ولكن أمضيه إن جرى على الإجتهاد، ويكون هذا على السبى دون رؤوس الرجال.
ولو أن بطريقاً عرف بالنكاية فقتل، فرأى الإمام أن ظهور رأسه ونصبه للناس فيه وهن للعدو وتثبت للمسلمين فقال: من جاء برأسه فله من الخمس كذا، فإن كان رأسه فى موضع لا يوصل إليه إلا بقتال فقاتل رجل حتى جاء به، أو كان بموضع يخاف ان يقاتل عليه، فإنا نكره هذا شديداً أن يغرر بنفسه فى هذا، ولكن إذا جاء به فله النفل. ولو كان موضع مأمون فجاء به فله النفل. وكذلك لو عرفه بين القتلى فحز رأسه فجاء به، وهذا كالعجل.
[3/ 246]

(3/246)


وإذا قتلنا الخوارج مع قوم من أهل الحرباستعانوا بهم علينا، فقال الإمام: من قتل قتيلاً فله سلبه، فإن من قتل خارجياً فليس له سلبه وله سلب الحربى. ولو أن سلاح الخارجى ودابته عارية من حربى، فذلك لقاتله إن ثبت ذلك. ولو كان القتيل حربياً استعار ذلك من خارجى فلا شىء فيه لقاتله ويأخذه الخارجى. ولو دخل جربيون بأمان عسكر الخوارج فاستعاروا منهم سلاحاً قاتلونا به لم يكن فيئاً إن ظفرنا بهم. ولو أخذوه منهم غضباً بعد أن دخلوا عندهم لم يكن للقاتل هذا السلب لأنه مال مستأمن، ولا يقسم ويوقف لأهل. وإن خاف عليه الإمام ضيعه باعه وأوقف ثمنه. وإن مات الخوارج أو هزموا فليرد هذا السلاح إلى الحربيين ويتركهم يذهبون به إلى دار الحرب إذا لم يكن اشتروه من بلد الإسلام.

فى الأمير ينفل ثم يعزل أو يموت
أو يموت أحد ممن نفل
أو يلحق بالعسكر قوم أسلموا
من كتاب ابن سحنون: وإذا نفل الإمام قبل الغنيمة على غير قولنا ثم مات بعد الغنيمة أو عزل لم ينقص ما فعل، وإن لم يقسم وثبت على هذا بعد أن قال يرد ما لم يقبضوه. وإذا نفل سريةً الربع بعد الخمس ثم قدم عليه وال غيره فذلك قائم للسرية حتى يلحقوا بالعسكر، ثم يبطل عنهم تنفيل الأول إلا أن يجدد لهم الثانى نفلاً.

ولو مات أميرهم واستحلف غيره عليهم فالأمر قائم لأن هذا خليفته إلا أن بنهى المستخلف عنه. وإن كان باعث الأولى قال فإن مات فلأن ففلأن بعده، فأنه يزول سبب النفل بموته حتى يأتنف الثانى نفلاً.

[3/ 247]

(3/247)


ومن مات من أهل السرية قبل القسم وبعد الغنيمة أو قبل فتح الحصن ثم فتح فى ذلك القتال فحقه فى النفل والمغنم لورثته. ومن مات ممن فى العسكر دون السرية فحقه فى غنيمة السرية موروث.

وإذا قال أمير العسكر: من قتل قتيلاً فله سلبه فلحق بالعسكر قوم أسلموا من العدو، فإن من قتل منهم قتيلاً فله سلبه. ولو كان قال من قتل منكم قتيلاً فله سلبه لم يدخل فى ذلك هؤلاء ولا من لحقهم من أهلسوق العسكر ولا جند جاء من بلد الإسلام، لكن الذين كانوا يقاتلون ذلك اليوم لأنه خصهم بقوله منكم، ولا يدخل أهل العهد ومن استأمن فيما ذكرنا من شرط إلاسلاب.
وإذا نفل أمير الجيش من قتل قتيلاً ثم عزل الإمام أمير الجيش الأول وولى ثانياً جعله أمير الجيشين بطل ما جعل الأول م النفل فى المستقبل من يوم قدوم الثانى.

فى الغنيمة فيها شرط نفل هل يقتل منها الأسارى
وكيف إن استهلك أحد من تلك الغنيمة شيئاً
قال سحنون: وإذا نفل الإمام سريةً الربع فأراد قتل الرجال، فقال أهل السرية لنا فيهم نفل، فلا قول لهم فيهم فى نفل ولا مغنم لأن الحكم قتل الرجال، والغنيمة ما بقى وفيه النفل، ما لم يستحيهم الإمام أو يقع فيهم قسم.
وإذا جاءت سرية بما غنمت ولهم نفل، فاستهلك رجل من أهل العسكر بعضها فهو ضأمن لأهل النفل ولأهل الغنيمة. قال محمد وقال العراقيون: لا يضمن إلا النفل، إلا من قتل من الرجال فلا يضمنه.
[3/ 248]

(3/248)


قال سحنون: إما بعد أن استحياه الإمام فأنه يضمنهز وإما الطعام وغيره من المأكول والعسل وشبهه يأكله فلا يضمنه لأنه مباح أكله ولو حتى أتى عليه فى أرض الحرب فلا ضمان فيه. وإما إن أحرزه الإمام فى المقاسم ونقله إلى دار الإسلام فإن من أكل منه بعد هذا فأنه يضمن. قال: وللتجار وإلاجراء فى العسكر إلاكل مما فى العسكر من الطعام ولا يضمنون فى نفل ولا غيره.

فى السرية ينفلها أمير الجيش أو أمير السرية
وهل ينفل بعض السرية؟
والسرية تنقطع عن الجيش
من كتاب ابن سحنون قال سحنون: لا يجوز نفل أمير السرية. وكذلك لو خرج أمير الجيش فى سرية وترك ضعفاء العسكر فأمر عليهم أميراً فقاتلوا بعض الروم فنفلهم أميرهم فلا نفل لهم. وإذا بعث أمير الجيش سريةً فنفلهم جزءاً بعد الخمس، فلما بعدوا عن الجيش بعث أمير السرية بعضها سريةً ونفلهم أقل من ذلك أو أكثر، ثم رجع الجميع إلى العسكر، فإن نفل أمير الجيش جائز ونفل أمير السرية باطل إلا أن يرضى به بقية أهل السرية فيجوز من نفلهم وسهامهم من تلك الغنيمة.

وإذا انقطعت عن العسكر أياما حتى لا يكون لها فيه رد ثم سرت سرية منهم فغنموا، ورجع الجميع إلى أرض الإسلام ولم يروا العسكر، فأنه يبطل نفل السرية الأولى لأنقطاعهم عن العسكر، فبطلت إمارته عليهم وحقه فيهم، وبطل نفل السرية الثانية لأنها بنفل أمير السرية، إلا أ، يرضى لهم أهل السرية الأولى بذلك.

ولا يجوز لأمير أن ينفل بعض السرية دون بعض، والعناءوالعمل واحد. وكذلك لو كان منهم أصحاب مجانيق وقوم يحفرون الحصن فلا ينفلهم، وإنما ينفل مثل هؤلاء من الخمس.
[3/ 249]

(3/249)


قال سحنون: فإن نفلهم من غير الخمس أنفذ لاختلاف الناس فيه. وكذلك إن فضل الفارس على الراجل أو الراجل على الفارس أو أهلخيل أفرة من خيل على قدر الجزاء. وهذا كله يجيزه غيرنا.

فى الحكم فى النفل والغنيمة
فى دخول عسكر على عسكر وسرية على سرية
أو يرجع الأمير على ما نفل
قال سحنون: وإذا بعث أمير الجيش سريةً ونفلهم الربع بعد الخمس، يريد: على قول غيرنا، فأبعدت أياما عن العسكر فغنمت، ثم لقيها عسكر ثان آخرجه الخليفة فى جهة آخرى، فإن كان انقطاع السرية عن عسكرها لا يرجو منه رداء وكانت ضعيفةً عن النفوذ بما غنمت، فالعسكر الثانى شركاؤهم فى النفل والغنيمة. فما صار لهم من نفل أخذوه وما صار لهم من المغنم ضموه إلى العسكر الأول واقسموه.

وإن كانت السرية قويةً على التخلص، لم يشركهم العسكر الثانى فى نفل ولا سهأم ولهم نفلهم، وما بقى بينهم وبين عسكرهم بعد الخمس. وكذلك لو نفذت مع العسكر الثانى إلى بلد الإسلام لم يرجعوا إلى العسكر الأول، وهى قوية على التخلص، هذا إن لم يحل بينها ويبن العسكر بغلبة. وإن كانت تضعف عن التخلص بما غنمت فليشركها العسكر الثانى فى النفل، ثم يكون ما بقى بعد الخمس بينها وبين العسكرين. وإن كانت مغلوبةً عن النفوذ إلى عسكرها فقد أعلمتك بقول ابن القاسم وبقولى.
[3/ 250]

(3/250)


قال ابن القاسم: لا يقطع حظ عسكرهم مما غنموا كان خروجها باضطرار أو اختيار، ولهم نفلهم. ولو شاركهم العسكر الثانى فى القتال حتى غنموا ورجعوا إلى عسكرهم قسم ما غنموا بينهم وبين العسكر الثانى بلا نفل. فما صار للسرية أخذوا منه نفلهم وقسم ما بقى بينهم وبين عسكرهم بعد رفع الخمس أولاً على سهأم الغنيمة.

وكذلك لو تمادوا مع الثانى إلى الإسلام عن غير ضرورة ولو يرجعوا إلى عسكرهم، وللسرية حقها فى غنائم عسكرها قبل خروجهم إلى أرض الإسلام، ولا شىء لهم فيما بعد ذلك فى قول ابن القاسم وقولى.
وإذا نفل الأمير سريةً الربع فغنموا، ثم غلبهم عليها الكفار، فأتى جيش آخر فاستنقذوا ذلك من أيديهم وأتوا به بلد الإسلام، فإن كانت السرية الأولى أهلقوة ومنعة أو كانت أهلصائفة، فلهم أخذ ذلك ممن غنمه، ما لم يقسم فيكون لهم أخذ ذلك بالثمن، وكذلك فى النفل. ولا تدخل السرية الثانية على الأولى إذا كانت قويةً ولا على الصائفة والجيش فى النفل ولا فيما غنموا قبل هؤلاء. وإن لم تكن الأولى قويةً مأمونةً ولا كثيفةً، فلا شىء لهم فيه، قسم أو لم يقسم، ولا حق لهم فى النفل. وإذا غنمت سرية غنيمةً وليس بكثيفة والخوف عليها أغلب، ثم أتت سرية آخرى فعززتها حتى خلصت من دار الحرب، فأنهم يشاركونهم فى تلك الغنيمة وفى النفل منها، وليست كالصائفة تبعث سريةً على نفل فتغنم وتأتى، فيكون لسرية الصائفة نفلهم وإن كان لهم القوة بالصائفة، لأن الصائفة شركاء فى غنيمة السرية من أول، والسرية بعد السرية إنما حدثت الشركة لهم بتعزيزهم إياهم.

قال سحنون: وإن بعث الأمير سريةً على نفل بعد الخمس ثم أتبعها بآخرى وأشركهم فى نفلهم فوجدوا الأولى قد غنمت، فإن كانت تضعف عن
[3/ 251]

(3/251)


النفوذ لولا الثانية فالنفل بينهما. وإن كانت تقوى لم تدخل معها فى ذلك النفل فيما غنموه قبل مجيئهم.
ولو كانت السرية الأولى والثانية خيل ورجل وقال لهم أنتم شركاؤهم بالسوية، فاجتمعت السريتان فغنمتا فالنفل بينهم كما قال، ذكروا ذلك للأولى أو لأميرهم أو لم يذكروه. ولو قال للثانية لكم ثلثا النفل أجمع ولم يخبروا بذلك الأولى، فلا يقسم النفل بين السريتين إلا بالسواء، وهذا لا يمضى من فعل الإمام. ولو قال للثانية لكم النفل كله فذلك باطل، أعلمهم بذلك أو لم يعلمهم.

قال: ولو نفل سريةً الربع بعد الخمس، فلما فصلت أشهد أنه قد أبطل ذلك لما رآه من النظر، فإبطاله ولذلك نافذ حسن إلا أن يكون إبطاله لذلك بعد أن غنمت فلا يجوز إبطاله وذلك نافذ لهم. وكذلك لو قال لرجل إن قتلت هذا العلج فلك سلبه ثم أبطل ذلك، فغنما فعل إلا أن يبطله بعد ما قتله، فإن له سلبه لأن مثل هذا من النفل نكرهه.

فى الأمير ينفل جميع الغنيمة
أو يقول من أصاب شيئاً فهو له
والمنفول يعتق بعض عبد
وكيف إن كان فى النفل من يعتق عليه
من كتاب ابن سحنون وإذا قال أمير الجيش للسرية: ما غنمتم فلكم بلا خمس فهذا لم يمض عليه السلف، فلا يجوز وإن كان فيه اختلاف، فإنى أبطله لأنه كقول شإذ حكم به فهو رد.

قال محمد: إلا أن يكون مضى فى هذا من صدر الأمة من الإختلاف مثل ما مضى فى نفل جزء بعد الخمس فليمض، ثم يكون سبيله سبيل النفل يسأوى فيه بين الفارس والراجل.
[3/ 252]

(3/252)


فإن كان فيه ذو رحم من أحدهم يعتق عليه، ففى قول سحنون يعتق عليه ولا يعتق فى قول ابن القاسم وأشهب. وكذلك من أعتق منهم بعض الرجل أو نصيبه من الرقيق لم يعتق فى قولهما ويعتق فى قول سحنون. وللإمام أن يقتل الرجال منهم ولا قول لأهل السرية فيهم.

قال سحنون وكذلك لو قال من أصاب منكم شيئاً فهو له لم ينظر إلى هذا وقسم ذلك بين جميع أهل السرية بعد الخمس وفرق أهل العراق فى ذلك بين الطليعة مثل إلاثنين والثلاثة وبين السرية فى عتق القرابة وعتق من أعتق منهم نصيبه، ولا فرق عندنا بين ذلك.
قال سحنون: وإن أعتقت الطليعة، وهم رجل أو رجلان أوثلاثة، ما غنموا من الرقيق أو بعضهم بدار الحرب ثم لقيهم جيش خرجوا معه إلى أرض الإسلام فإن العتق موقوف. فإن كان لا نجاة لهم إلا بهذا الجيش شركهم الجيش فى الغنيمة وقوم على المعتقين أنصباءهم. إلا ترى لو أعتقوا ما غنموا وهم بهذا الضعف ثم أخذهم العدو منهم ثم غنموا بعد ذلك أنهم رقيق لأن ذلك العتق فيه ضعف إذ لم يقو ملكهم لهم.

فى النفل هل يكون لأهل الذمة أو لامرأة
وفى الأمير ينفل ولا يعلم بذلك بعض الجيش

قال ابن سحنون عن أبيه: وإذا قال الإمام بعد أن برد القتال أو قبل القتال: من قتل قتيلاً فله سلبه فلا شىء من السلب للذمى وإن ولى القتال، إلا أن يقضى له به الإمام وينفذه له فلا يتعقب برد، لأن أهل الشام يرون ذلك للذمى. وكذلك لو قتلته امرأة فلا شىء لها إلا أن يحكم بذلك لها فيمضى. وأشهب يرى أن يرضخ لأهل الذمة، ففى قياس قوله له السلب من الخمس لأنه نفل، ونحن نقول كما لا حظ له فى الغنيمة فكذلك النفل.

ولو قال: من قتل كافراً من المسلمين فله سلبه فقتله ذمى شىء له بإجماعهم للشرط. وكذلك لو قال من قتل حراً. وإن قتل قتيلاً فله سلبه أو له كذا فسمع ذلك بعض الناس دون بعض، فالسلب للقاتل وإن لم [3/ 253]

(3/253)


يكن سمع وإن كنا نكره هذه إلانفال، ولكن نمضيها إذا وقعت. وكذلك لو جعل للسرية نفلاً فهو كذلك وإن لم يعلم ذلك جميعهم. وإن لم يسمع ذلك أحد منهم فلا شىء للقاتل منهم فى هذا. وكذلك لو دخل عسكر ثان لم يسمعوا ما جعل للأول فلهم مثل ما للأول إذا كان أمير العسكرين واحداً، كما يشركون فيما يغنمون فى المستقبل، ولا يدخلوا فيما مضى إلا أن يكون الأول يضعف عن النجاة لولا الثانى فأنهم يشتركون فيما مضى أيضاً.

فى الإمام يقول من قتل قتيلاً فله فرسه
أو قال فرساً وكان تحت المقتول برذون أو حمار أو بعير أو نحوه
وكيف إن قال من قاتل على فرس فله كذا فقاتل على برذون
من كتاب ابن سحنون وإذا قال الإمام من قتل قتيلاً فله فرسه فقتل رجل علجاً راجلاً وله فرس مع غلأمه، فلا يكون له فرسه حتى يكون معه يقوده. ولو كان معه إلا أنه فرس أنثى أو برذون ذكر أو أنثى فهو للقاتل. وإن كان بغلاً أو حماراً فلا شىء له فيه. ولو قال الإمام من (قتل قتيلاً فله فرس، فقتل راجلاً أو فارساً فله فرس من الخمس وسط ولا يعطى برذوناً. وهذا كله نكرهه.
وإن قال من) قاتل موضعاً كذا على فرسه، أو من نزل عن فرسه فقاتل فله كذا، فالنفل لمن فعل ما قال، كان تحت برذون أو فرس. وإن قال: من قتل قتيلاً فله برذون فأنه يكون له كان ذكراً أو أنثى. فإن كان فرساً لم يكن له كان ذكراً أو أنثى. وإن قال: من قتل قتيلاً فله دابته فأنه يكون له كان فرساً أو برذوناً ذكراً أو أنثى. وإن كان على بعير أو بغل أو حمار أو ثور لم يكن له إلا أن يكون قوم لا مراكب لهم إلا ما ذكرت فذلك له.
[3/ 254]

(3/254)


وإن قال: من قتل قتيلاً على بغل فهو له فكانت بغلة فهى له. ولو شرط على بغلة لم تكن له إن كان بغل. وإن قال على حمار فكان أتان فهى له. ولو قال على أتان أو على حمارة فكان على حمار ذكر لم يكن له. وكذلك يفترق فى البعير والناقة فذكره للناقة يمنع من أخذ الذكر. وإن قال من قتل فارساً فله دابته فقتل من تحته بغل أو حمار أو بعير فلا شىء له. وإن كان تحته فرس أو برذون ذكر أو أنثى فهو له.

فى الحكم فيما يوجد فى الغنيمة من مال مسلم أو ذمى
وكيف إن كان عبداً فبيع أو أسر ثانيةً ثم غنم
أو كان جنى جناية أو كان مرهوناً
من كتاب ابن حبيب وغيره: قال النبى صلى الله عليه وسلم للذى وجد بعيره فى المغانم: إن وجدته فى المغنم فخذه وإن قسم فإنت أحق به بالثمن. قال فى كتاب ابن المواز: رواه ابن عباس. قال ابن حبيب: ولو قسم وبيع وتدأولته إلأملاك بالبيع فلربه أخذه إن شاء بأقل إلاثمان كالشفعة يأخذها بأى ثمن شاء. قاله من أرضى وبه أقول.

وقال غيره من أصحاب مالك: ليس له أخذه إلا بالثمن الأول، واختلف فيه قول ابن القاسم فقال بهذا وبهذا. واختلف إن كان عبداً فى عتق فاديه من العدو والموهوب له أو عتق مشتريه، فأشهب ينقض العتق ويأخذه ربه، وابن القاسم يرى ذلك فوتاً وفى إيلاد الأمة. ولا شىء لربه عليه إلا أن يكون وهبه له العدو، فيؤدى القيمة إلى السيد. وإن كان مشترياً ممن ذكرنا فلا شىء عليه، ويرجع ربه بالثمن كله على بائعه. وإن كان بائعه مشترياً من العدو ومفدياص قاصه به فى ذلك كله ورجع عليه بفضل إن بقى له، وقال كله أصبغ. وبه قال ابن حبيب.

وذكر ابن سحنون عن أبيه: إذا تدأوله إلأملاك أخذه بأى ثمن شاء، ثم رجع فقال: يأخذه بما وقع به فى المقاسم بخلاف الشفعة: إذ لو سلم الشفعة
[3/ 255]

(3/255)


فى بيع ثم بيع الشقص كان للشفيع فيه الشفعة. وهذا إذا أسلمه لم يكن له أخذه إن بيع بعد ذلك، وهو قول ابن القاسم. وكذلك رواه عنه سحنون فى العتبية واحتج بهذا. وإذا أراد ربه أخذه بالثمن جبر مشتريه على تسليمه إليه.
ومن كتاب ابن حبيب: وإذا عرف ربه فلا يقسم. فإن بيع بعد ذلك فى المقاسم فقد أخطأ، ولربه أخذه بلا ثمن. قال مالك: وإما إن عرف أنه للمسلمين ولا يعرف ربه فأنه يقسم، ثم يكون ربه إن جاء أحق به بالثمن، وقاله الأوزاعى وسفيان.

ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: وإذا عرف أنه لمسلم ولم يعرف ربه ولم يقسم فأكره أن يشتريه أحد. قال عنه ابن وهب: إن عرف ربه واستطيع على دفعه إليه وإلا قسم.

قال سحنون فى كتاب ابنه: وإذا عرف ربه بعينه أوقف له ولو كان بالصين. قيل لسحنون: وإذا عرف أن العدو أخذوه من بلد معروف من بلدان المسلمين أيوقف ويبعث إليهم يسأل لمن هو؟ قال: بل يقسم وليس يوقف حتى يعرف ربه بعينه.

قال ابن المواز وإذا عرف ربه وهو غائب، فإن كان خيراً له أن يبعث إليه ويؤخذ منه الكراء والنفقة فعل ذلك به. وإن لم (يكن ذلك خيراً له باعه عليه الإمام وأوقف له الثمن، ولزمه البيع لأنه بيع على النظر. وإن لم) يعرف ربه بعينه بيع فى المقاسم ولم يكن لربه أخذه إلا بالثمن. وإذا عرف ربه ويقدر على إيصاله إليه مثل العبد والسيف وما لا مؤنة كثيرة فيه فباعوه فى المقاسم بعد المعرفة بربه فلربه إن جاء أخذه بلا ثمن. وإذا عرف أنه لرجل غصب منه ولا يعرف بعينه فهذا يباع ويقسم ثمنه. وقال مالك فى هذا: ما سمعت فيه بشىء.
[3/ 256]

(3/256)


ومن كتاب ابن سحنون: وإذا وقع عبد فى المغانم وقد عرف ربه بعينه، فجهل الإمام فوضعه فى المقاسم أو تأول أو تعمد. قيل له: فروى عن ابن القاسم أن لسيده أخذه بلا ثمن، ويرجع المشترى على المغانم إن أدركها فقال سحنون: ليس له فيه شىء إلا أن يؤدى ما وقع به، وهى قضية من الحاكم وافقت اختلافاً من الناس، فقد قال الأوزاعى: أنه يقسم وإن عرف ربه ولا يأخذه إلا بالثمن.

ومن العتبية رواية سحنون عن ابن القاسم: ولو سبى بعد ثانيةً بعد أن تدأولته أملاك، فليس لأحد فيه مقال إلا للذى سبى منه أولا وللذى سبى منه آخراً، إلا أن المسبى منه آخراً أحق به من الأول إذا دفع إلى من هو بيده ما وقع به فى المقاسم. فإن أخذه فربه الأول مخير: إن شاء أخذه بما وقع به فى المقسم الثانى لا بما وقع به فى الأول، لأنه جاء ملك ثان أملك به.

ومن كتاب ابن المواز: ومن ابتاع عبداً من المغنم بمائة ولم يعرف ربه، ثم سبى ثانيةً فاشتراه رجل بخمسين ثم قأم ربه، فأنه يقال له: أدفع مائةً للأول وخمسين للثانى وخذه. فإن أبى فلا سبيل له إليه، ثم إن شاء الأول فداه من الثانى بخمسين وكان له. فإن أسلمه إليه الأول فلربه الأول أن يعطيه خمسين ويأخذه. ولو أن مشتريه بالمائة فداه بخمسين من الثانى فلا يأخذه ربه حتى يعطيه خمسين ومائة.

ولو كان قد جبى قبل الأسر جنايةً وغصب دابةً ثم بيع فى المقاسم قفيم فى ذلك، فأنه يقال لربه: إن شئت فافده بما بيع به فى الفىء وبما فى رقبته من جناية وإلا فأسلمه. فإن أسلمه بدى بمبتاعه من المغنم فقيل له: آفده وإلا فأسلمه إلى الرجلين يكون بينهما بالحصاص.
[3/ 257]

(3/257)


قال ابن المواز: وقيل إذا أسلمه ربه بدى بولى المقتول ورب الدابة فقيل لهما: افدياه بما بيع به فى المغنم فكان بينهما بالحصص، وليس لأحدهما فداء قدر (مصابته فينتقص على مبتاعه. وإن فداه أحدهما كله بعد إسلأم) صاحبه إياه فذلك له ويكون له وحده. وإن فداه بغير علم صاحبه فلصاحبه أن يشاركه فيه إن أعطاه حصته مما فداه به. وإن لم يعترفه ربه حتى فدياه، ثم اعترفه ربه، فإن لربه أن يفديه من هذين بما فدياه به من مشتريه وبدية المقتول وقيمة الدابة. وإن شاء فداءه ممن شاء منهما بما صارت له تلك المصابة لحقته جميعاً، وسواء كان مشرياً من المغنم أو من العدو.

ومن كتاب ابن سحنون: قال أشهب: ولو ابتاعه الأول من المغنم بمائة، ثم ابتاعه الثانى بخمسين فى المغنم الثانى، ثم سبى ثالثةً فغنم فابتاعه آخر بعشرة، ثم قأم ربه والآخران، فلربه إن شاء فداؤه بأكثر إلاثمان وهو مائة، فيدفع منها عشرةً للثالث وخمسين للثانى وأربعين للأول. ولو كان البيع الأول بعشرة والثانى بخمسين والثالث بمائة، فليأخذ الثالث المائة ولا شىء لمن قبله. ولو أسلمه المستحق الأول كان الثالث أحق به.

ولو كانت أم ولد لكان عليه إلاقل من قيمتها أو من أكثر إلاثمان المذكورة. وفى باب أم الولد تقع فى المقاسم قول بعض المدنيين فى الأمة إذا كان الثالث أقلهم ثمناً، وهو خمسون إن الثانى مبدأ على ربها. فإن فداها منه بخمسين فللأول أن يفديها من الثانى بالمائة التى ودى، ثم لربها أخذها من الأول بما فداها به من العدو وهو مائتان. فإن أسلموها أخذها ربها من الثالث بخمسين.

قا ل سحنون فى العبد المإذون له يركبه الدين ويجنى جنايةً، ثم يأسره العدو فيغنم ويقع فى سهم رجل: فلربه إن قأم أن يفديه بإلاكثر مما وقع به فى المقاسم
[3/ 258]

(3/258)


أو من أرش الجناية. فإن كان إلارش عشرين وثمنه فى المقاسم عشرةً، أخذ من صار له عشرةً وصاحب الجناية عشرةً. وإن كان إلارش عشرةً أخذ من هو بيده العشرين ولا شىء لصاحب الجناية، ثمل ما لو سبى فغنم فابتاعه رجل، ثم سبى ثانيةً وغنم لفداه ربه بإلاكثر كما ذكرنا، هذا قول سحنون وتقدم لابن القاسم جواب غير هذا.

قال يحيى بن يحيى: إذا وقع العبد الذى أخذه العدو لمسلم وقع فى سهمان رجل ثم سبى ثانيةً فغنم، (فللذى كان وقع فى سهمه أخذه بغير شىء ما لم يقسم، فيكون لربه الأول أخذه ويعطى لهذا قيمته).

قال سحنون: إن أراد قيمته التى وقع بها فى المقاسم فصواب. وإلا فعليه ما وقع به فى المقاسم.

قال يحيى: فإن قسم ثانيةً فإن مولاه الذى وقع فى سهمه أحق به بالقيمة إن شاء، ثم لمولاه الأول أخذه من هذا بالقيمة إن شاء.

قوال سحنون: ليس كذلك إنما يفديه ربه بإلاكثر مما وقع به فى المرتين. فإن كان وقع فى المغنم الثانى بأكثر أخذ الجميع ولا شىء لصاحب السهمان الأول. وإن كان ما فى الأول أكثر فداه من الثانى بما وقع عليه، وما بقى فللأول. قال يحيى: ولو تقدم فى رقبته جناية خطأ ودين فى ذمته لم يلحقه شىء من ذلك وإن كانت الجناية عمداً لم تبطل.

قال سحنون: ليس كما قال، وقد تقدم قولى لك فى الجناية، وقد ناقض فى قوله: إن كانت عمداً أو كانت خطأ. وإما الدين فلا يسقط وهو فى ذمته. قال يحيى: وإن أصاب العدو لمسلم دنانير أو دراهم أو تبر ذهب أو
[3/ 259]

(3/259)


فضة، ثم غنم فعرف قبل القسم، فربه أحق به ما لم يقسم. فإن قسم فلا سبيل له إليه لأنه إنما يعطى مثله. قال سحنون: هذا صواب.

قال سحنون: وإن وقع العبد الرهن فى الغنيمة فللمرتهن أخذه قبل يقسم ويبقى بيده رهناً. فإن قسم فللراهن فداؤه بما وقع ويأخذه المرتهن رهناً. وإن أسلمه فللمرتهن فداؤه بما وقع به ثم يباع فى ذلك مكأنه، حل أجل الدين أو لم يحل قيأخذ من ثمنه ما فداه به. فإن فضل شىء قبضه فى دينه. وإن أسلمه المرتهن رجع بدينه على الراهن. وابن القاسم يقول: لا يباع حتى يحل الدين، ولا أقول به وهذه المسألة مثل مسألة العبد الرهن يجنى.

قال ابن سحنون: وما غنم من متاع المسلمين مما كان بأيدى العدو فباعه الإمام فلم يقسم الثمن بين الجيش حتى استحق، قال يأخذه أهله ويرجع المبتاع على الإمام بالثمن، وإنما يؤخذ بالثمن إذا قسم.

قال أصبغ فى العتبية فى العبد يهرب من المغنم ثم يسبى فى جيش آخر وهو مغنم للجيش الأول لا شىء فيه للثانى، ولا يخمس مرتين إلا أن ينفلت بحدثان أخذه قبل استحكأم الغنيمة مثل أن ينفلت عند أخذه من رباطه أو يختفى وشبه ذلك فيكون للجيش الثانى.

ومن كتاب ابن سحنون: ومن نفله الإمام فرساً فتدأولته بياعات ثم قأم ربه فله أخذه بأى ثمن شاء. وإن شاء أخذه بالقيمة من الذى أعطيه نفلاً. وقال فى عبد غنمه المسلمون ومعه أموال كسبها بأرض الحرب أو وهبت له وقد كان أقروه عندهم على الجزية أو على أنه عبد لهم، قال فمولاه أحق به وبما معه من مال.

وقال الأوزاعى: إذا كسب مالا من عمل يده فربه أحق به وبماله. وعن عبد أبق لسيده المسلم فلقيه خيل المسلمين بقرب أرض الحرب فى مفاز بيننا
[3/ 260]

(3/260)


وبينهم وأخذوه وباعوه وقسموا ثمنه، قال: ربه أحق به بلا ثمن لأنه لم يصل بعد إلى أيدى العدو، ويرجع المشترى عليهم بالثمن كإلاستحقاق.

وإذا أبق العبد من الخمس ثم غنماه ثانيةً فليرد إلى الخمس، ولا خمس فيه كالمستحق. ولو أبق من المغنم رد إلى المغنم الأول وفيه خمس واحد، إلا أن يأبق قبل استحكأم الغنيمة، فيكون كما لم يؤسر كالذى ينفلت فى الأخذ أو من الرباط أو يختفى وشبهه.

وإذا قسم الأسارى فابتاع رجع منهم جماعة فعجز عن بعضهم وتركهم بأرض العدو ثم غنمهم جيش آخر، فلربهم أخذهم إلا أن يقسموا قيأخذهم بالثمن. ومن اشترى أسيراً من المغنم فأعتقه، يريد: (ثم رجع إلى أرض الحرب، قال: دخلت خيل للمسلمين فأسروه فهذا لا يرجع) إلى رق، ولأنه أعتقه مسلم قاله أشهب وبه أقول. وكذلك الذمى إذا حارب ولم يتبين لى فيه قول ابن القاسم. ولو لقى العدو مسلماً، فخافهم فصالحهم على أن أعطاهم سلاحه ودابته، ثم ظفر بذلك المسلمون، فهو لهم فىء لأن الحربيين قد ملكوا ذلك. وقال أبو محمد: كأنه رأه فداءً.

وقال الأوزاعى: ولو صالح العدو أهلحصن على تسليم الحصن إليهم والكراع والسلاح، فأخذوا ذلك ونفذوا به إلى بلدهم ثم غنمه المسلمون، قال: يرد إلى أهل الحصن.

وقال سحنون: بل ذلك فىء لأن العدو ملكوه. قإلا: ومن أهدى إلى العدو هديةً أو باع منهم عبداً نصرانياً أو دابةً أو ابتاع منهم وقبضوا ذلك ثم غنماه فلا يرد إلى ربه وهو فىء.

ومن كتاب ابن المواز وغيره: ومن قول مالك: إن من فدى أمةً من العدو فلا يطأها حتى يعرضها على ربها.
[3/ 261]

(3/261)


فيمن اشترى أمةً من المغنم أو فداها من العدو أو وهبت له
ثم أحدث فيها عتقها أو أولدها أو باعها
وهل يصدق فيما فداها به؟
من كتاب ابن سحنون: وما أحرزه العدو من مال مسلم أو ذمى بغنيمة أو عبد أبق إليهم فغنمناه فوقع فى سهمان رجل فلا يأخذ ذلك ربه إلا بالثمن. فإن كانت أمةً فأولدها من وقعت فى سهمه أو أعتقها فقد فاتت ولا سبيل لربها إليها. قاله انب القاسم وغيره. وقال أشهب: هى كالمستحقة ويأخذها ربها ملكاً ويأخذ قيمة الولد. وقاله ابن القاسم، ثم رجع. قال ابن نافع: ولو وهبت ولم يثب عليها فربها أحق بها ويرد العتق. وإن أثاب عليها شيئاً أعطاه ما أثاب. ومن اشترى منهم أمةً وعرف أنها لمسلم لم ينبغ له وطؤها، اشتراها منهم فى بلدهم أو فى بلد الإسلام.
ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: وإن كان عبداً فأعتقه مشتريه من العدو أو دبره أو كاتبه أو اتخذ الأمة أم ولد فذلك نافذ ولا سبيل لربه إليه. ولو باعه لم يرد بيعه، وكان لربه فى البيع ما فضل من ثمنه بيد مبتاعه من العدو أو من المغنم على ما ودى فيه. ولو قال إنما وهب لى فلربه أخذ جميع ما بيع وليس له نقض بيعه.

ومن العتبية من سماع ابن القاسم: وإذا فدى أمةً من العدو وهو يعلم أنها لفلأن فليردها إليه. قال ابن القاسم: يريد بالثمن، وهو فيه مصدق إلا أن يأتى بأمر يستنكر لا يشك فى كذبه فيأخذها بالقيمة.

ومن كتاب ابن حبيب: وعن أمة أبقت إلى العدو فباعوها ممن علم أنها لمسلم، فلربها أخذها بالثمن، ومشتريها مصدق فيه ما لم يأت بمستنكر فيعطى القيمة.
[3/ 262]

(3/262)


ومن كتاب ابن سحنون: قا ل سحنون: ولو أخذ العدو عبيداً نصارى للمسلمين فصالحهم الإمام منهم على ثمن، قال: يكون ذلك لأرباب العبيد ولا يكون مغنماً. ولو أن العبيد مسلمون لم ينبغ للإمام أن يأخذ فيهم المال فإن فعل لم أر للسادة أخذه ولا أحب لأهل الجيش أن يقتسموه. وروى ابن أبى حسان عن ابن القاسم قال: وإن أخذ المشركون رقيقاً للمسلمين فصالحهم الإمام على ثمن أخذه منهم، فليس لاربابهم أخذ المال، وكأنهم وقعوا فى المقاسم فلا يأخذهم إلا بالثمن.
ومن كتاب ابن حبيب: ومن وهب له العدو عبداً (فباعه فلربه أخذه من مبتاعه بلا ثمن ويرجع المبتاع بالثمن على بائعه إلا أن يكون البائع غريماً) فلا يأخذه ربه إلا بالثمن ويرجع بما غرم على بائعه، ولربه الرضى بالبيع وأخذه الثمن. قاله ابن الماجشون وغيره: وكذلك غن فات بيد المبتاع بعتق أو غيره.

فى الفرس والسيف يوجد فى المغنم وفيه مكتوب: حبس
وكيف إن باعه ربه وذلك فيه
وفى النبل يوجد فى المعركة
من العتبية: قال أصبغ فى الفرس يوجد فى المغنم فى فخذه موسوم: حبس، قال: لا يقسم ويكون حبساً فى السبيل، وقاله سحنون فى العتبية.

وقال فى كتاب ابنه: لا يمنعه ذلك من أن يقسم لأن الرجل قد يوسم فى فخذ دابته: حبس فى سبيل الله ليمنعه ممن يريده منه قال: ولو أن رجلاً باع فرسه وفى فخذه حبس فى سبيل الله فذلك له إذا زعم أنه لم يرد به الحبس فى السبيل.
[3/ 263]

(3/263)


قال ابن سحنون: واختلف فيه قول الأوزاعى، فقال مرة: أحب إلى أن يحمل عليه الإمام رجلاً فيكون بيده حبساً. وروى عنه أنه يقسم. وقاله سفيان: ما لم يأت صاحبه فله أخذه بالثمن.

قال الأوزاعى وسحنون: ولو وجدوا سيفاً فيه مكتوب: حبس، لم يمنعه ذلك من المقاسم. قال الأوزاعى: وليس هو كالفرس. قال سحنون: وكذلك لو لم يكن فى فخذ الفرس إلا: الله، فهو حبس إذا استيقن أنه من خيال الإسلام، كالسبى يستحق قبل القسم.

ومن كتاب ابن حبيب: وذكر ابن حبيب أن الأوزاعى قال فى الفرس الذى فيه مكتوب حبس ولا يعرف صاحبه: يكون حبساً يوقفه الإمام فى سبيل الله. قال ابن حبيب: فيكون كما لو جاء صاحبه.

قال الأوزاعى: وإذا رموا العدو بالنبل ثم انكشفوا، فما أصيب مما العدو عليه أغلب، فمن عرف سهمه أو رمحه أخذه. وما لم يعرف وضع فى المقاسم. ومن عرف رمحه أو سهمه فأخذه فلا يجوز له بيعه لأن رميه به يصير به كالحبس حين آخرجه من يده. وما وجد مما المسلمون عليه أغلب فهو كاللقطة يعرف به. فإن لم يعرف تصدق به.

فى أم الولد تقع فى المقاسم فتشترى أو تفدى من العدو
من كتاب ابن سحنون: روى ابن وهب عن ابن شهاب فى أم الولد تعرف فى المقاسم، يريد بعد أن قسمت، فليأخذها ربها بالقيمة. ولو عتقت لم تؤخذ فيها فدية. وقال مالك فى الموطأ: إذا وقعت فى المقاسم فليفدها الإمام لسيدها. فإن لم يفعل فعلى سيدها فداؤها. وروى عنه ابن القاسم أن عليه ثمنها الذى أخذها به، كان أكثر من القيمة أو أقل. فإن لم يكن معه ذلك اتبع به.
[3/ 264]

(3/264)


وقال المغيرة وعبد الملك فى كتاب ابن سحنون وكتاب ابن المواز: عليه إلاقل من الثمن أو القيمة، وقال سحنون وابن المواز بقول مالك. وفى كتاب ابن حبيب: بإلاقل مثل الجناية، ذكره عن عبد الملك وغيره، ويتبع به فى عدمه. قال ابن حبيب: وإن فداها رجل من العدو فقال مالك: يأخذها سيدها ويتبعه بما فداها به قل أو كثر. وقال المغيرة: يتبعه بإلاقل كالجناية.

ومن كتاب ابن المواز قال: يرجع الذى اشتراها على سيدها بما اشتراها به من العدو أو من المغنم. وإن أخذها بسهمه فليرجع بقيمتها. وليس لواحد منهما أن يأبى ذلك، ويتبع السيد بذلك عى عدمه. وهذا كله قول مالك وابن القاسم وقال أشهب والمغيرة وعبد الملك: على السيد إلاقل من قيمتها أو الثمن، اشتراها من العدو أو من المغنم. قال عبد الملك: وسيدها أحق بما فى يدها من غرمائه. قال محمد: وقول مالك أحب إلى أن عليه الثمن ما بلغ، وقاله ابن القاسم وابن وهب وأصبغ. ولم يختلفوا فى العبد أن يؤخذ فيه الثمن. قال أشهب: وإن كان مائة ألف.

ومن كتاب ابن سحنون قال سحنون: وإذا عرف أنها أ/ولد فلا تدخل فى المقاسم.
قال ابن سحنون وقال سفيان: ولو قسمت كان لربها أخذها بلا ثمن. وليس هذا قولنا.
قال سحنون: ولو صارت فى سهم رجل بمائتى دينار ثم تسبى ثانيةً فتغنم فتصير فى سهم آخر بمائة ثم تسبى فتغنم فتصير فى سهم آخر بخمسين، فسيدها أولى بها يأخذها بإلاكثر وهو مائتان يأخذ منها من هى فى يديه خمسين والذى قبله مائةً، وما بقى فلللأول وهو ثالثهم الذى وقعت فى سهمه. ولو صارت فى سهمه بخمسين والثانى بمائة والثالث بمائتين، أخذها من الثالث بمائتين وسقط الأولأن.
[3/ 265]

(3/265)


ولو كانت أمةً غير أم ولد، فالذى فداها آخراً أحق بها، وللثانى فداؤها منه بها، ثم كان للأول أن يفديها بمائة دون سيدها، ثم لسيدها فداؤها من هذا وهو الأول بمائتين فقط. ولو أسلمها الأولأن إلى الثالث فلربها فداؤها منه بخمسين فرجع، يعنى فيما أظن سحنون، عن ما قال فى الأمة وقال حكمها حكم أم الولد.

قال سحنون: وإذا أعتقها من صارت فى سهمه وهو يعلم أنها أم ولد لمسلم فكأنه وضع المال عن سيدها، ولسيدها أخذها منه بلا ثمن ويبطل العتق. ولو لم يعلم فعلى سيدها غرم ما فداها به ويبطل العتق. ولو أولدها لأخذها بالثمن ورجع بقيمة ولد أم ولد.

قال سحنون: ولو مات سيدها قبل يعلم بها فأنها حرة ولا يرجع على أم الولد بشىء ولا فى تركه سيدها. قيل: فلم قلت فى الجناية إذا مات السيد ولم يفدها أنها تتبع؟ قال: لأن هذا فعلها وليس لها فى الأول فعل. ولو ماتت بيد من صارت بيده لم يتبع سيدها بشىء، وكذلك فى الجناية.

قال: ولو وطىء أمةً ثم أخذها العدو فغنمت ومعها ولد فقالت هو من وطء سيدى، فإن لم يدع السيد استبراء وثبت أنها ولدته، وربما تبين لى أن الوطء إذا ثبت صدقت الأمة فى الولد، قال: ويأخذها سيدها وولدها. ولو قسمت جبر على افتكاكها.

قال أشهب: ولا قيمة عليه فى الولد لأنه حر لا يرجع فيه بما وقع فى المقاسم، وإنما يلزمه إذا فدى به من العدو ما فدى به.

قال سحنون: وإن ادعى إلاستبراء لم ييلحق به ويأخذها السيد بما صارا به فى المقاسم.
[3/ 266]

(3/266)


قلت له: قال أشهب الولد فىء، وهو مخير فى فدائها هى إن بيعت ويجبر على أن تباع مع ولدها. قال: القول ما قلت لك، وهو قول ابن القاسم وغيره.
قال سحنون: ولو وطئها، ثم سببت فوطئها علج ثم قدم بها فأسلم عليها. فإن وطئها العلج بعد زمان فيه استبراء لرحمها فالولد ولد العلج. وإن وطئها فى طهر فوضعت لما يشبه أن يكون منهما دعى له القافة، فإن ألحقوه بالمسلم لحق به وجرى فيها حكم أم الولد. وإن لحق بالحربى لحق به ولا شىء عليه فيها، كمن أسلم على عبد بيده لمسلم. وإن قالت القافة اشتركا فيه، فابن القاسم يقول: يوإلى إذا كبر أيهما شاء.

وقال غيره، يعنى ابن الماجشون، يدعى إلى قائف غيره أبداً حتى يلحقه بواحد. قال: وبه أقول كما لو نفاه عنهما لم يقبل منه. وقد أتى مروان بأمة أصابها ثلاثة، فقالت القافة: اشتركوا فيه، فقال لهم: ألحقوه بأفصحهم به شبهاً، فقالوا: هذا فألحقه به.

ولو غلب أهل الحرب على أم ولد رجل ثم أسلموا عليها فليأخذها سيدها ويؤدى قيمتها إليهم.

ومن العتبية: روى أصبغ عن أشهب فيمن وطىء علجةً من السبى ثم أبقت فوجدها بعد سنين معها أولاد فقالت هم منك، فإن لم يدع استبراء فهم ولده إن كانوا من بطن واحد. وإن كانوا من بطنين لم يلحق به غير البطن الأول.
[3/ 267]

(3/267)


فى المدبر يقع فى المغانم أو يفدى من العدو أو يسلمون عليه
وكيف إن أحدث فيه نم فداه تدبيراً أو عتقاً
وما دخل فيه من ذكر المكاتب والمعتق إلى أجل
من كتاب ابن سحنون قال سحنون قال ابن القاسم: وإذا وقع فى الغنيمة مدبر قد ارتد وهو لمسلم فاستتيب فتاب فليأخذه سيده. قال سحنون: وإن عرف أنه لمسلم لا يعرف فلا يقسم ولكن تدخل خدمته فى المقاسم.

قال فى كتاب آخر: توقف خدمته لافتراق الجيش. وإنما تجوز الشهادة فيه أن يقولوا: أشهدنا قوم يسمونهم أن سيده دبره، ولم نسألهم عن اسم السيد أو: سموه ونسيناه، قاله سحنون، وقال نحوه ابن حبيب.
ولسيد المدبر أخذه قبل القسم. فإن قسم فله فداؤه بما وقع فى المقاسم. وكذلك إن فدى من العدو فبما فدى به، ثم لا يتبعه بشىء من ذلك هو ولا ورثته إن عتق فى ثلثه. قال سحنون: وإن أبى أن يفديه اختدم فى ثمنه. فإن مات ربه خرج من ثلثه عتيقاً واتبع بما بقى. وكذلك إن عتق بعضه أتبع حصة العتيق بمقداره ورق ما بقى.

وقال عبد الملك فى الكتابين: لا يتبع بشىء أعتق فى ثلثه أو ما خرج منه، ولابد أن تضم قيمته إلى ماله. وكذلك إذا كان إنما بيع فى المغنم بعد خروجه من الثلث. وقاله سحنون: يعتق فى نفسه وفيما ترك سواه.

قلت له: قال عبد الملك إذا أبى سيده أن يفديه أنه يبقى بيد من اشتراه، يكون له من ورقه ما كان لسيده لا يحاسبه فيه بخدمته حياة سيده. قال: لا أرى ذلك، وإنما أسلم سيده خدمته، فيقاص بها كما قال ابن القاسم. وذكر ابن حبيب كلام الماجشون وهذا فى المدبر والمعتق إلى أجل سواء.
[3/ 268]

(3/268)


ومن سماع ابن القاسم عن مالك: إن المدبر إذا وقع فى المقاسم فإن فداه سيده بما وقع فى المقاسم إن شاء رجع إليه مدبراً إلى سيده.

(قال ابن المواز: وإما المدبر والمكاتب والمعتق إلى أجل ابن القاسم: إن ذلك) فيهم كالجناية ويخير السيد بين أن يؤدى إلى مشتريهم من المغنم أو من العدو ما ودوا ويبقوا عنده بحالهم، وإلا أسلم ما له فيهم، فيختدم المسترى المدبر والمعتق إلى أجل فى الثمن. فإن مات سيد المدبر عتق فى ثلثه واتبعه المبتاع بما بقى له. وكذلك إن أجل المعتق إلى أجل عتق واتبعه بما بقى له. وإما إن أعتق بعض المدبر فى ثلث سيده فأنه يتبع ذلك البعض بما يقع عليه مما بقى ويرق باقيه للمبتاع. ولا يحاسب فيه بخدمة لأن سيده أسلم ما كان له فيه. وكذلك فى المعتق إلى أجل حين أسلمه صارت خدمته وإن كثرت للمبتاع حتى يحل إلاجل ويعتق. فإن بقى له شىء اتبع به. وإما المكاتب فيقال له: ود ما اشتراك به حإلا وتبقى مكاتباً، وإلا رققت.

وروى أبو زيد عن ابن القاسم فى المعتق إلى أجل يتم إلاجل ولم يستوف المشترى فى الخدمة ما بقى له أنه لا يتبعه بشىء، وهذا الصواب ورجوع منه عن قوله الأول. وكذلك ينبغى فى المدبر يعتق فى ثلثه إلا يتبع بشىء مما بقى للمشترى، وقاله عبد الملك وغيره. وهو أصل قول مالك. وإن رق من هذا المدبر شىء بقى للمشترى.

قلت: وهو فى هذا كبيع ما كان له فيه من خدمة ومرجع وليس كجناية فيحسب فى تركه السيد، وهو يرق بعضه للمشترى؟ قال: نعم، وقد قال عبد الملك: يقوم فى الثلث قيمة رقيق فإن خرج لم يتبع بما بقى إن كان من الفىء اشتراؤه، كالحر لا يتبع فى الفىء. وإن كان اشتراؤه من العدو اتبعه بما بقى له بعد أن يحسب عليه قيمة خدمته وما استغل، لأن فى هذا يتبع.
[3/ 269]

(3/269)


قال محمد بن المواز: صواب ولأنه لا يأخذ أكثر مما أعطى فيه فيدخله الربا. وكذلك المعتق إلى إن بقى له بعد عتقه ببلوغ إلاجل شىء اتبعه فى شرائه من العدو ولم يتبعه فى شرائه من الفىء. وإن استوفى من خدمتها كل ما ودى قبل موت السيد فى المدبر وقبل تمام إلاجل فى المؤجل رجعا إلى سيدهما يخدمأنه.

قال عبد الملك: وإما المكاتب فإن اشتراه من العدو فأبى سيده أن يؤدى ذلك، قيل للمكاتب: هذا يلزم ذمتك. فإما وديته وإلا عجزت الساعة ورققت لمشتريك. وإن وديته بقيت مكاتباً لسيدك. وإن اشتراه من الفىء فأسلمه السيد قيل له: هذا فى رقبتك دون ذمتك، وليس عليك غير الكتابة تؤديها إلى مشتريك، قلت أو كثرت، ثم تعتق. وإ، عجزت رققت له. قال ابن المواز: صواب كله، اشتراه بأمره أو بغير أمره. وقاله ابن القاسم وعبد الملك.

قال ابن سحنون: وسأوى عبد الملك بين أن يشترى المدبر فى المقاسم أو يفديه من العدو فيسلمه سيده أنه يبقى بيد مبتاعه لا يحاسب سيده بخدمته. فإذا عتق فى ثلث سيده افترق هاهنا فيما يتبع، فيتبع المشترى من أرض الحرب بجميع ما ودى فيه، ولا يتبع فى المقاسم بشىء، والولاء لورثة سيده، يعنى: الذكور. وكذلك قال ابن حبيب فى المدبر والمعتق إلى أجل.

قال سحنون: وإذا أسلم بعض أهل الحرب على مدبر فأنه يكون لهم جميع خدمته ولا يقاصون فيه بشىء، وإذا مات السيد عتق فى ثلثه ولم يتبع بشىء كحر أسلموا عليه. ولو كان على السيد دين محيط بجميع ماله رق المدبر لمن أسلم عليه. ولو ترك ما يعتق به بعضه فى ثلثه، رق باقيه لمن أسلم عليه ولم يتبع ما عتق منه بشىء.
[3/ 270]

(3/270)


وقال فى مدبرة اشتريت من العدو أو من المقاسم أو أسلموا عليها ثم وطئها من صارت له فحملت، فأنها تكون له أم ولد لا ترد إلى سيدها. ولو دبرها الذى اشتراها من العدو ولم يعلم سيدها، فإن سيدها إن دفع إليه ما فداها به بطل تدبير (الثانى وعادت إلى ربها على حالها. وإن أسلمها بقيت بيد مشتريها يختدمها ولا يبطل) تدبيره. فإن مات الأول وثلثه محتمل له عتقت واتبعها هذا بجميع ما فداها به، ثم إن مات هذا وثلثه يحتملها لم يسقط ذلك ما فداها به. وهو حكم قد تم قبض أو لم يقبض. ولو كان على الأول إذا مات دين يرقها عتقت فى ثلث الثانى إن مات.

قال سحنون: ويتبعها ورثته بما فداها به. وإن لم يحمل ثلثه إلا بعضها اتيعوا ذلك البعض بحصته ورق لهم باقيها. وإن حمل الثلث الأول نصفها، عتق (نصفها واتبع مفديها ذلك النصف بنصف الفداء وبقى نصفها بيده بحال التدبير. فإن مات عتق فى ثلثه واتبع ببقية الفداء. قال: ولو أسلم على المدبرة ثم دبرها فتدبيره جائز ولا يأخذها الأول ويختدمها الثانى. فإن مات الأول وخرجت من ثلثه، لم تتبع بشىء كالحر يسلم عليه الحربى. وإن خرج بعضها فباقيها مدبر على الثانى يعتق فى ثلثه ولا يتبع بشىء. وإن رق باقيها لدين عليه، بيع لغرمائه ولا يتبع ما عتق منها بشىء.

قال ابن سحنون: ولو مات الذى أسلم عليها أولاً) فخرجت من ثلثه، عتقت ولم تتبع بشىء وولاؤها لمن خرجت من ثلثه. وإن كان عليه دين محيط بقيت بيد ورثته إلى موت الأول. فإن كان عليه دين محيط رقت لورثة الذى
[3/ 271]

(3/271)


أسلم عليها. وإن ترك ما يخرج به من ثلثه أو نصفها عتق ذلك، وما رق منها فلورثه الذى أسلم عليها.

قال سحنون: وإما الذى صارت له فى السهمان ثم دبرها فتدبيره باطل، فداها ربها أو أسلمها، لأنه إنما يسلم إليه خدمتها يحسب عليه فى ثمنها فإذا تم رجعت إليه.

قال ابن سحنون: ويلزم عبد الملك أن يجيز تدبير صاحب السهمان لأنه يرى أن خدمتها له إذا لم يفدها ربها ما دام حياً. قلت: روى عن أشهب فى الحربى يسلم على أم ولد رجل أنها ترد على سيدها. قال: لا أعرف هذا له ولا لغيره من أصحابنا، وهذا غلط عليه.

ومن كتاب ابن المواز: وقال فى المدبر يبتاعه من المغنم فأعتقه ولم يعلم: قال ابن القاسم: ينفذ عتقه ولا يرد. وإما أم الولد والمعتق إلى أجل، فلينقض عتق مبتاعهما ويأخذهما السيد وعليه قيمتهما، فإن لم يكن عنده شىء اتبع بذلك ديناً. وقال أصبغ: إما المعتق إلى أجل فليس للسيد نقض عتقه.

فى المدبر يجنى ثم يؤسر ثم يقع فى المقاسم
من كتاب ابن سحنون عن أبيه: وعن مدبر جنى ثم أسر فغنم فوقع فى سهم رجل، فليقل لربه أفد خدمته بإلاكثر مما وقع به فى المقاسم أو من الجناية، ثم سبيله سبيل ما ذكرنا فى العبد. فإن أبى قيل لأهل الجناية: آفدوه بما وقع به فى المقاسم. فإن فدوه اختدموه بذلك أولاً ثم بالجناية. فإن وفى عاد مدبراً إلى سيده، وإن مات عتق منه محمل الثلث ورق ما بقى لأولياء الجناية، ولا خيار للورثة فى فداء ما رق منه، ثم يقسم ما بقى عليه من الفكاك ومن الجناية، فيتبع العتيق بما يقع عليه من ذلك. فإن أسلمه أولياء الجناية اختدمه الذى صار له فى السهمان وقاصه. فإن استوفى رجع إلى أولياء الجناية فاختدموه وقاصوه. فإن استوفوا عاد إلى سيده. وإن
[3/ 272]

(3/272)


مات السيد ولم يستوف من صار له سهمان حقه وكان الثلث يحمله عتق واتبعه بما بقى من صار غليه من السهمان، واتبعه أهل الجناية بجنايتهم. وإن لم يحمله الثلث عتق منه ما حمل الثلث منه ثم يقسم ما بقى مما بيع به فى السهم على ما رق منه، وما عتق فيتبع ما عتق منه بحصته، ويبطل ما صار على الرقيق، ويرق باقيه لمن أخذه فى القسم، وتقسم الجناية على ما رق منه وما عتق، فيبطل ما قابل الرقيق، ويتبع بما وقع على العتيق منه، ويبدأ بالذى وقع به فى السهم.
ولو ودى ما وقع به فى السهم، والسيد حى، وأخذه أهل الجناية، ثم مات السيد ولم يؤد ما فداه به من أرض الحرب، فضت الجناية على ما ذكرنا على ما رق منه وما عتق، ولا خيار للورثة. وإن حمله الثلث فكما قلنا إذا عجز بيد صاحب السهمان.

فى المعتق إلى أجل
يشترى من المغانم أو من العدو أو يسلم عليه أحد
من كتاب ابن سحنون قال سحنون: والمعتق إلى أجل إذا سبى ثم غنمناه كالمدبر: إن عرف ربه أوقف له وإلا وقعت خدمته فى المقاسم. ثم سيده مخير كالمدبر. ولو أسلم عليه حربى كان له خدمته إلى إلاجل دون سيده. فإذا عتق بتمام إلاجل لم يتبع بشىء. ولو فداه رجل من العدو بمال فإن شاء سيده فداه بذلك ولا يحاسبه بعد العتق. وإن أسلمه صارت جميع خدمته للذى فداه إلى إلاجل. فإذا عتق اتبعه بجميع ما فداه به. وإن وقع فى المقاسم فى سهم رجل فإن فداه ربه بالثمن عاد إلى سيده. وإن تم إلاجل ولم يف عتق ولم يتبع بشىء.
قلت له قال بعض أصحابنا: ولو أعتقه من صار فى سهمه لم يجز عتقه ويبقى بحاله. ولو كان مدبراً مضى عتقه. قال: أصاب فى المدبر. وإما المعتق
[3/ 273]

(3/273)


إلى أجل فإن أعتقه ولم يجز عتقه. وإما فداه ربه وأسلمه. وإن أعتقه وهو يعلم أنه معتق إلى أجل، فإن كان ما أخذه به أكثر من خدمته مضى عتقه. وإن كان أقل لم يجز عتقه، وكان لربه أن يفديه ويبقى بحاله إلى أجله أو يسلمه فيتم عتقه. ولو كان معتقة إلى أجل فأسلم عليها حربيى وأولدها، فإن عليه قيمة ولده على أنهم يعتقون إلى إلاجل مع أمتهم.

قلت: لم وهو قد ملك منها ما كان يملك السيد؟ قال: لأنه لم يملكها ملكاً تإما. ولو قتلت كانت قيمتها للذى أسلم عليها. ولو ولدت من غيره كان ولدها معها فى الخدمة. ولو فداها من بلد الحرب ثم أولدها، فإن ودى سيدها إلى الواطىء ما فداها به قاصة بقيمة الولد على أنه ولد أم ولد. وإن أسلمها فعلى الواطىء قيمة ولده. وكذلك لو أخذها فى المقاسم ثم أولدها. فإن فداها السيد قاة بقيمة الولد. (وإن أسلمها أخذ منه قيمة الولد).

وفى باب الحر يفدى شىء من ذكر المعتق إلى أجل

فى المكاتب يسبى ثم يغنم فيقع فى سهم رجل
أو يفديه من العدو أو يسلم عليه حربى
وفى العبد فى المغنم يدعى أنه مكاتب
أو مدبر أو معتق إلى أجل ونحو ذلك
من كتاب ابن سحنون قال سحنون: وإذا غنم المكاتب وعرف أنه مكاتب ولم يعرف ربه فإن كتابته تباع فى المقاسم. فإن جاء ربه ففداها عاد إليه مكاتباً. وإن أسلمها وعجز رق لمبتاعها. وإذا ودى فولاؤه لعاقدها، ولا خيار فيه لربه بعد العجز ولا يعصمه من بيع رقبته إن شهدت بينة أنه مكاتب أو
[3/ 274]

(3/274)


مدبر لا يعرفون سيده، ولا تجوز فى شهادة السماع، وإنما ينفعه أن يشهدوا أن فلأناً وفلأناً أشهداهما أن مولاه كاتبه أو دبره ولم يسألهما عن اسمه، أو قإلا ذكراه لنا فنسيناه.

وكل ما استنقذ من أيدى العدو من عبد فلا يخرجه من الرق إلا بينة بحرية أصل أو حرية غير أصل، أو أنه مكاتب أو مدبر أو معتق إلى أجل أو الأمة أم ولد. وإذا بيع المكاتب فى المقاسم (ثم قأم سيده قال ابن القاسم: إن قدر المكاتب على غرم ما وقع به فى المقاسم) ويعود مكاتباً إلى سيده فعل. وإلا فقد عجز وخير سيده بين أن يسلمه عبدا ً أو يفديه بما ذكرنا كالجناية.

وقال سحنون مرةً: يبدأ بسيده فإن فداه بقى له مكاتبا ً. وإن أسلمه قيل للمكاتب: إما وديت ما صرت به لهذا أو تمضى على كتابتك. فإن لم يقدر فهو كمكاتب عليه دين فأفلس به فأنه يعجز. ثم رجع سحنون إلى قول ابن القاسم، ووجدت له قولاً آخر: أنه يخير سيده بين أن يفديه بالثمن ويبقى مكاتباً له، وإلا، أسلمه فصار عند مبتاعه مكاتباً: إن عجز رق له، وإن ودى عتق فقرأته عليه فخطأه وقال بقول ابن القاسم.

قال ابن حبيب بعد أن ذكر اختلاف مالك والمغيرة فى أم الولد تباع فى المقاسم أو تفدى وذكر المعتق إلى أجل والمدبر ثم قال: إما المكاتب فيجتمع عليه من قولهم فى الوجهين أن سبيله كما لو جنى جنايةً.

قال سحنون: وإذا أسلم حربى على مكاتب بيده لمسلم فأنه تكون له كتابته. فإن عجز رق له، وإن ودى فولاؤه لعاقدها. ولو كان مع المكاتب آخر بيد السيد فى عقد واحد فأنه يقال للذى أسلم على الواحد وللسيد: إما أن يبيع أحدكما من الآخر كتابة الذى بيده ليصير المكاتبان فى ملك واحد وأداء واحد،
[3/ 275]

(3/275)


وإلا فبيعا كتابتهما جميعاً واقتسما الثمن بقدر قيمة المكاتبين وقوتهما على إلاداء. فإن وديا فالولاء للأول، وإن عجز رقا لمبتاع كتابتيهما. ولو أن مكاتباً فداه رجل من العدو أو ابتاعه منهم فهو كما ذكرنا إذا وقع فى المقاسم فى سهم رجل على قول ابن القاسم واختلاف قول سحنون كما تقدم.

وفى باب الحر يفدى شىء من ذكر المكاتب يفدى.

فى المخدم يشترى من العدو

من كتاب ابن سحنون: قال سحنون فى الموصى بخدمته لرجل سنين ثم هو لفلأن، فأخذه العدو فى الخدمة فابتاعه رجل، فأنه يقال للمخدم أفده بالثمن. فإذا تمت خدمتك قيل لصاحب الرقبة: ادفع إليه ما فداه به وإلا فأسلمه إليه رقاً.

فيمن ابتاع عبداً فغنمه العدو قبل دفع ثمنه
ثم غنمناه فصار فى سهم رجل
من كتاب ابن سحنون: ومن باع عبداً من رجل فللبائع حبسه فللبائع حبسه حتى يأخذ الثمن. فإن أسره العدو قبل ذلك ثم غنم فى سهم رجل بمائة دينار، فإن شاء البائع فداه بالمائة، ثم للمشترى أخذه إن دفع إليه الثمن الأول ومصيبة المائة التى ودى البائع منه لأن ضمأنه منه لو مات بيده، وإن أبى أن يفديه فللمبتاع أن يفديه بإلاكثر. فإن كان ثمنه فى السهمان مائتين وثمنه القديم مائةً فليؤد مائتين إلى صاحب السهمان ولا شىء للبائع، وإن كان ثمن السهمان مائةً والثمن القديم مائتين فليؤد إن شاء مائتين يأخذ منها صاحب السهمان مائةً، وللبائع مائة وليس له غيرها، وإن أسلمه المبتاع كما أسلمه البائع فليس للبائع على المبتاع شىء من الثمن، ومصيبته منه كموته.
[3/ 276]

(3/276)


قال ابن سحنون: وهذا على مذهب سحنون وبعض أصحاب مالك أن ما حبسه البائع بالثمن فهو منه. قال ابن سحنون: وعلى قول ابن القاسم هو من المشترى، فعلى قوله لا خيار للبائع فى العبد. وقد لزم المشترى الثمن ومنه المصيبة، وهو يخير فى فدائه أو إسلأمه، ويغرم الثمن للبائع بكل حال. وإن شاء افتكه من السهمان أو أسلمه.

فى الحر المسلم أو الذمى يفدى من العدو
أو يقع فى المقاسم أو يسلم عليه حربى
وكيف بمن بعضه حر وبعضه رقيق
أو عبد أسر فأعتقه ربه ثم غنمناه أو أعتقه ربه ببلد الحرب
أو أسلم نصرانى ببلاده ثم غنمناه

من كتاب ابن المواز قال مالك وابن القاسم فى الحر أو الحرة يقع فى المقاسم: أنه يتبع بشىء مما وقع به فى المقاسم، وكذلك الذمى. قال عبد الملك: ولا يرجع مشتريه على أهل المغنم ولا على أحد منهم بشىء.

ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: كان حراً أو ذمياً لا يتبع بشىء ولا يرجع من كان فى يديه على أهل الجيش بشىء إلا أن يكونوا نفراً يمكن ذلك فيهم لقلتهم، مثل عشرة ونحوهم وهم حضور فليرجع عليهم. وروى بعض أصحابنا عن أشهب أن مبتاعه بالثمن، وخالفه رواته عنه وقالوا لا شىء عليه. قال سحنون لا يتبع بشىء كان حراً مسلماً أو ذمياً.
قال وروى عن عيسى عن ابن القاسم: أنه لا يتبع بشىء، وينبغى للإمام أن يغرم لمن وقع فى سهمه من الخمس أو من بيت المال لافتراق الجيش. قال عيسى هذا إن كانا ممن يجهلأن ذلك كالصغير. وإما من لا يعذر بجهل ذلك فعليه أن يرجع. وإن كانت جارية فوطئت فلا شىء عليها إذا عذرت بجهل أو تأويل.
[3/ 277]

(3/277)


قال سحنون: لا أعرف أن يعطى من الخمس أو من بيت المال، وهى مصيبة نزلت به كان ممن يجهل أو يعلم فلا شىء عليه عندى. وقد سمعت من يقول إن كانا ممن لاتجهلأن فيرجع عليهما. وكذلك الحر يمكن من نفسه من يبيعه أنه يتبع بثمنه لأنه غار. وقال غيره لا غرم عليه وإن كان عالماً.
ومن العتبية قال يحيى بن يحيى عن ابن القاسم: وهى مصيبة نزلت به، يعنى بالمشترى إلا ان يدرك ذلك قبل المقاسم فيسقط عنه الثمن.

قال ابن المواز: وإن كان نصفه رقيقاً لم يرجع إلا على مالك نصفه بنصف ثمنه فقط إن شاء ربه. وكلما اعترفه ربه من عرض أو رقيق أو حيوان أو غيره مما قسم فى المغنم أو ابتيع من المغنم أو من العدو، فلا يأخذه ربه إلا بالثمن إلا فى الحر والحرة، فأنه إ، بيع فى المغنم، فأنه يخرج ولا يتبع بشىء. وإما إن اشترى من العدو فليتبع لأنه فداء. وكذلك إن فدى، فإن لم يكن له شىء اتبع فى ذمته.

ولو كان معه مال وعليه دين فالذى فداه أو اشتراه من العدو أحق من غرمائه إلى ما ودى فيه، لأن ذلك فداء له ولماله، كما لو فديت ماله من اللصوص أو فديت دابته من ملتقطها أو متاعاً له أكريت عليه، فليس لربه أخذه ولا لغرمائه حتى يأخذ هذا ما ودى فيه. وكذلك ما أنفق المرتهن على الرهن. وإن فدى أمةً من العدو، لم يطأها حتى يعرضها على ربها.

ومن العتبية: قال أصبغ عن ابن القاسم فى الحر المسلم يشترى من العدو بأضعاف الثمن فأنه يتبع بذلك وإن كثر، شاء أو أبى.

قال ابن المواز وقال عبد الملك مثله فى مال الحر الذى فدى من العدو: إن مشتريه من العدو أحق بماله من غرمائه. قال محمد: وهذا فى ماله الذى أحرزه
[3/ 278]

(3/278)


العدو مع رقبته لأنه قد فدى ذلك كله. وإما إن اشتراه فى المغنم أو أخذه بسهمه فلا شىء له عليه، لم يختلف فى هذا مالك وأصحابه إلا شىء بلغنى عن أشهب.

قال عبد الملك: والحر الذمى كالمسلم فى هذا لا يتبع بما وقع به فى المقاسم، ويتبعه مفديه من العدو ويكون أحق بالفداء من غرمائه، سواء صار بأيدى العدو بأسر أو غضب.
قال وقال ابن القاسم: إذا نودى على الحر من المغنم المبيع، وهو ساكت معتمد بلا عذر ولم ينكر، فليرجع علييه مشتريه إن تفرق الجيش بالثمن إذا لم يجد على من يرجع، وإما الحر الصغير أو كبير قليل الفطنة كثير الغفلة أو أعجمى أو من يظن أنه قد أرقه ذلك فلا يتبع هؤلاء بشىء.

وروى عيسى عن ابن القاسم فى العتبية نحوه: لا يتبع الحر والحرة بما بيعا به فى المقاسم إذا سكتا ومثلهما يجهل مثل ذلك. وإن كانا ممن لا يعذران فى ذلك فعليهما غرم أثمأنهما. قال فى الكتابين: ولو كانت جارية فوطئت لم يكن عليها شىء إذا عذرت بما ذكرت لك من الجهالة والتأويل.

ومن كتاب ابن المواز قال: وأو قالت الحرة قد علمت أنى حرة محصنة، لم يكن عليها فى وطئها شىء إلا أن يطأها عالماً بأنها حرة. وقد كره مالك لكل من اشترى أمةً من العدو أو من المغنم أن يطأها حتى يستبرىء أمرها. ولو وهبه العدو هذا الحر المسلم لم يرجع عليه بشىء إلا أن يكافىء عليه فأنه يرجع عليه بما كافأ فيه وإن كثر، شاء المفدى أو أبى، كافأ بأمره أو بغير أمره. وكذلك فى عبد لمسلم أو لذمى إن لم يكافىء فيه بشىء فلربه أخذه بغير شىء. وإن كافأ فيه فلا يأخذه إلا بما ودى فيه من عين وبقيمة العرض. وكذلك ما أخذ من المغنم ببيع. وإن أخذه مقاسمةً بلا ثمن أخذ فيه قيمته.
[3/ 279]

(3/279)


قال ابن المواز: ومن ابتاع أمةً وزوجها نصرانيين فاعتقهما ثم لحقها بأرض الحرب ثم سبيا، فأنهما يكونان حرين لأن الولاء نسب لا ينتقل. وإما إذا أسلم الحربى على حر فى يديه أو ذمى فهو مذكور فى موضع آخر.
ومن كتاب ابن سحنون قال سحنون فى العبد يؤسر أو يهرب إليهم فيعتقه ربه قال: عتقه موقوف، فإن خرج إلينا فهو حر، وإن سبى فربه أحق به إن لم يقسم فيكون حراً. فإن قسم فهو أيضاً حر حين غنم كالحر إذا قسم. ثم قال بعد ذلك: إن كان يوم أعتقه سيده لم يحدث فيه أهل الحربحدثاً يزيل ملك ربه عنه مثل هذه الحوادث فهو حر ولا يضره. ويكون ما اشتراه به إن اشتراه مسلم ديناً عليه.

ومن العتبية وقال فى النصرانى، يريد الذمى، يعتق عبده النصرانى ثم يخرج العبد إلى أرض العدو فيسلم هناك ثم يأسره المسلمون. قال: هو حر ولا يقع فى المقاسم. ورورى أشهب عن مالك فى رجل مسلم رهنه أبوه فى أيدى العدو ثم مات أبوه ففداه رجل: أيرجع عليه أو على أبيه؟ قال: لو فداه السلطان.

ومن كتاب ابن سحنون: وروى أصبغ عن أشهب فى ذمى ومسلم حرين سبيا فبيعا فى المغنم أنهما حران ويتبعهما مبتاعهما بالثمن. قال أصبغ: هذا وهم، بل هما حران ولا يتبعان بشىء.

وقال ابن المواز: لم يختلف فى هذا مالك وأصحابه إلا بشىء قد بلغنى عن أشهب.
وقال ابن سحنون قال يحيى بن سعيد: ومن اشترى ذميةً من اعلدو فهى حرة وليتبعها بما ودى فيها. وقاله مكحول، وهو قول مالك.
[3/ 280]

(3/280)


ومن كتاب ابن المواز: فإذا أسلم نصرانى ببلاده ثم غنمناه فأنه يكون حراً لا يرق. وكذلك لو خرج إلينا وهو على دينه لكان حراً أيضاً.

قال سحنون: ومن دخل دار الحرب بأمان فابتاع منهم رقيقاً فأعتقهم ثم خرج وتركهم ثم ظهرنا على تلك الدار، فإن كان العبيد مسلمين فهم موإلى ساداتهم. وإن كانوا نصارى فهم فىء يباعون. فإن عتقوا فابن القاسم يرى ولاءهم لسيدهم الثانى. وقال غيره بل للذى أعتقهم أولاً.

وقال أشهب: لا يسترق هذا العبد أبداً وهو حر على عتق سيده الأول. وكذلك عنده لا يسترق أهل الذمة إذا نقضوا العهد، وابن القاسم يرى أن يسترقوا. وفى الجزء الثالث فى أوله باب فيمن فدى زوجته فيه شىء من هذا (وبقية أبواب من الفداء هى أول الثالث).

فى الحرة أو الأمة أو الذمية تسبى فتوطأ فتلد
ثم ظهرنا عليهم بغنيمة أو خرجوا إلينا
والحربى يسلم ويقدم إلينا أو لا يقدم
ثم نظهر نحن على بلاده
ما حكم ماله وأهله وولده؟ أو مسلم تزوج عندهم
من كتاب ابن سحنون: قال ابن القاسم فى الحرة المسلمة أو الذمية يسبيها العدو فيولدها ثم تغنم، فهى وولدها الصغار أحرار. ومن كبر من ولدها وقاتل فهو فىء. وإما أمة المسلم تسبى ثم تغنم وقد ولدت فأولادها الصغار والكبار لسيدها.
[3/ 281]

(3/281)


وقال أشهب فى ولد الأمة جميهم فىء إلا أن تكون الأمة تزوجت فولدت فهذا الولد لسيدها معها. قال سحنون: ذلك سواء وكلهم لسيدها. واختلف قول أشهب فى ولد الحرة المسلمة، فقال: ولدها فىء. وقال: هم أحرار. وقال سحنون بقول ابن القاسم.

وقال ابن حبيب: ولا سبيل على الحرة المسلمة ولا الذمية، وترد إلى ذمتها والأمة إلى سيدها. واختلف فى أولادهن، فقال ابن الماجشون وأشهب: أولادهن فىء صغارهم وكبارهم. وروى مطرف عن مالك: أن أولادهن تبع لأمهاتهن إلا أولاد الذمية الكبار البالغين فهم فىء، وولد الأمة الصغار والكبار لسيدها، وولد الحرة صغارهم وكبارهم تبع لها فى الإسلام والحرية. فإن أبوا الإسلام جبروا عليه. وإن تمادوا، يريد كبارهم، قتلوا عليه كالمرتد. وقاله ابن وهب، وقاله ابن حبيب.

وقال النبى صلى الله عليه وسلم الإسلام يعلو ولا يعلى عليه. وقاله ابن القاسم: إلا فى كبار ولد الحرة فأنهم عنده فىء كالكبار من ولد الذمية.

قال ابن حبيب: ما يعجبنى، أرأيت المسلمة يغصبها نصرانى ببلد الإسلام فتلد منه، أيكون الولد إلا مسلم؟ ولو كان عبداً لكان الولد حراً.

ومن كتاب ابن سحنون: وإذا أسلم الكافر ببلده فدخلنا عليهم فإن ماله وولده فىء عند ابن القاسم، ورواه عن مالك. وقال سحنون، وهو قول أشهب: إن ولده أحرار وتبع له، وماله له وأمرأته فىء. وكذلك لو هلجر وحده وترك ذلك كله بأرضه، أو رجل مسلم دخل أرضهم فتزوج وكسب مالا وولد له ولد، فذلك كله سواء وأمرأته فىء.

قال الأوزاعى: وإن تزوج بأرض الحرب فولد له ولد فدخل المسلمون تلك الدار فولده حر لأحق به، وله ماله ويسقط نكاحه، ويؤدى قيمة أمرأته فى المقاسم، ثم إن شاء تزوجها.
[3/ 282]

(3/282)


قال سحنون: له ماله وولده حر كما قال. قوله: يسقط نكاحه، فإن زوجته فىء للمسلمين. فإن أسلمت بقيت امرأة له، إذ لا تحل له أمة كتابية بنكاح. وذلك إذا كان ممن لا يجد الطول. وإما قوله: يقوم عليه فليس بقولنا ولا أعرفه. وإن كبر ولده وقاتلوا فهم كالمرتدين يستتأبون. فإن لم يتوبوا قتلوا.

قال الأوزاعى: وإن أكرهالأسير سيده على تزويج أمته فإن ولده منها أحرار. قال سحنون: بل هم رقيق ويدخلون فى المقاسم.

ومن كتاب ابن المواز: وإذا قدم إلينا بأمان فأسلم ثم غزا معنا بلاده فغنم ماله وأهله وولده، فإما ماله ورقيقه ودوابه وخرثى فهو له. وإما أمرأته وولده الكبير ففىء له ولأهل الجيش، ويفسخ النكاح لشركته فى ملك زوجته. وإما أولاده الصغار فأحرار مسلمون بإسلأمه.

وقال أشهب: ولو هربت علجة لسيدها المسلم ثم أصابها بعد سنين ومعها أولادها، وقال هم منى، فالأول به لأحق. وإن لم يدعه إلا أن يدعى استبراء قبل إباقها فيصدق. قال محمد: يريد أشهب أنها أم ولد له.

فيمن أسلم من عبيد أهل الحرب
ثم قدم أو غنمناه أو قدم ثم أسلم
من كتاب ابن حبيب قال: وإذا أسلم عبيد الحربيين ثم خرجوا إلينا فهم أحرار لخروجهم لا ملك عليهم لساداتهم. وإن أسلموا ولم يخرج العبيد إلينا وقد أسلموا، فملك ساداتهم قائم عليهم فى البيع وغيره. وإن أسلم ساداتهم فهم لهم رقيق. وإما لو دخلنا إليهم غلبين، فابن القاسم يرى دخولنا إليهم كخروجهم إلينا وهم أحرار.

وقال أصبغ: بل هم عبيد، والقولأن إذا لخصا كانا كقول واحد. فإن كان إذا دخلنا بلده غلبين، فزع إلينا العبيد من دون ساداتهم فهم أحرار. وإن لم
[3/ 283]

(3/283)


يلجأوا إليهم حتى غنموهم فهم رقيق كما لو باعوهم ساداتهم. ولو خرج إلينا عبد لحربى تاجر بأمان ومعه مال لمولاه فأسلم عندنا فهو حر وما فى يديه له.

وقال أصبغ: المال لسيده إلا أن يكون استأمن على الإسلام وعلى ما معه فى أول نزوله، فهذا يكون له كما لو هرب به مسلماً، بخلاف إسلامه بعد أن استقر نزوله بالعهد. وقول ابن القاسم أحب إلينا.

ومن كتاب ابن سحنون قال أشهب: إذا أسلم العبد عندنا فهو حر فى حكم الإسلام ولا يعرض له المال إلا أن عليه أن يفدى لسيده، لأنه خرج على أن يرجع إليه، فليرجع وليرد إليه المال، وهو حر على سيده كما لو بعث أسيراً مسلماً لتجارة فهو حر لا يكلف أن يرجع، ولا يمنع مما فى يديه إلا أن عليه الوفاء لمن بعثه بما خرج عليه. وقال ابن القاسم: المال للعبد ولا خمس فيه ولم يذكر رجوعه.

قال ابن حبيب: وقال أشهب فى حربى دخل إلينا بأمان فاشترى عبيداً مسلمين، ثم مضى بهم إلى بلد الحرب، ثم عنمنا بلدهم فغنمنا العبيد أنهم أحرار، وقال أصبغ هم غنيمة لأهل الجيش لأن حكم إنما كان يوجب بيعهم عليهم ولم ينتقل ملكهم عنهم، وبه أقول.
[3/ 284]

(3/284)


فى العلج يباع فى المغنم فيوجد معه مال
أو له مال ببلده أو ببلدنا

من العتبية: روى عيسى بن دينار عن ابن القاسم فى الأمة تسترى من المغنم فيوجد معها مال، قال: فإما ما ليس من هيئتها ولباسها مثل الدنانير والدراهم فذلك لأهل الجيش لأن المبتاع لم يشترطه. وقال أشهب عن مالك: إذا وجد معها الحلى وقد بيعت فى المقاسم، فإما اليسير مثل القرطين ونحو ذلك فلا بأس به وإما ما له بال فلا.

قال يحيى عن ابن القاسم: وما كان للعلج المبيع فى المقاسم من مال وديعة ً بأرض الإسلام، فهو فىء لأهلذلك الجيش. وكذلك لو قتل بعد أن أسر. فإما لو قتل فى المعترك، لرد ماله المودع إلى ورثته حيث كانوا.

قال عنه عيسى: ولو كان معه مال أو له ببلد الإسلام مال من وديعة ودين وعليه دين للمسلمين، فإما ما أوجف عليه من ماله فأهل الجيش أولى به. وإما ما لم يوجف عليه من وديعة له أو دين فغرماؤه أولى به.

وهذا الباب قد تقدم مثله فى الجزء الأول.

فى العتق من المغنم
وكيف إن كان فى المغنم من يعتق على بعض أهل المغنم
وفى الوطء والسرقة من المغنم

قال ابن سحنون قلت لسحنون: قال سفيان إذا كان فى الغنيمة من يعتق على بعض أهل المغنم من أقاربه فلا يعتق عليه شىء منه إذ لا يعلم قدر نصيبه منه إلا بعد القسم.

وكيف إن كان فى المغنم من يعتق على بعض أهل المغنم
وفى الوطء والسرقة من المغنم

قال ابن سحنون قلت لسحنون: قال سفيان إذا كان فى الغنيمة من يعتق على بعض أهل المغنم من أقاربه فلا يعتق عليه شىء منه إذ لا يعلم قدر نصيبه منه إلا بعد القسم.
[3/ 285]

(3/285)


قال: هذا كقول ابن القاسم وأشهب أنه إذا أعتق أمةً من المغنم فلا عتق له. قال مالك: ويحد إن وطىء أمةً من المغنم. وإن سرق منه قطع. قال سحنون: وكذلك لو قال عدد الجيش فكان عشرة أو أقل أو أكثر فى قولهم. وفى قول غيرهم لا يحد فى الزنا ويقطع إن سرق.

وقال سحنون: إن سرق فوق حقه من المسروق بثلاثة دراهم قطع. وبه أقول وأنه يعتق من أعتق ويؤدى نصيب أصحابه. وإن كان فيها من يعتق عليه أعتق وغرم نصيب أصحابه. وكان سحنون يقول: إن سرق حقه (من المغنم بثلاثة دراهم قطع. ثم رجع إلى أنه: إنما يقطع إن سرق فوق حقه) من المسروق بثلاثة دراهم.

قال مالك: إذا أحرزت الغنيمة قطع من سرق منها كمال بين رجلين أودعاه رجلاً. فمن سرق منهما قطع.

قال سحنون: وإن وطىء أمةً من المغنم فأولدها وهو من ذلك الجيش فقد اختلف فيه. وأحب إلى أن يدارأ عنه الحد للشبهة بالشرك الذى له فيها. وهو يورث عنه بخلاف بيت المال، ويخرج قيمة الأمة يوم أحبلها فيدفعه إلى أمير الجيش إن لم يفترقوا. فإن افترقوا تصدق به. فإن كان عديماً فمصابته منها بحساب أم الولد، ويباع باقيها فيما لزمه من القيمة ويتبع من قيمة الولد بقدر ذلك.
قال ابن المواز: ومن زنا بما غنمه أصحابه أو سرق منه، فإن كان ذلك بعد أن أحرز عند أصحابه، فقال ابن القاسم: يحد فى الزنا ويقطع فى السرقة.
وقال عبد الملك: لا يحد فى الزنا ويقطع إن سرق فوق حقه بثلاثة دراهم. وإما من بيت المال فيحد فى الزنا ويقطع فى السرقة.
[3/ 286]

(3/286)


فى تعارف السبى بين الزوجين وإلاقارب والتفرقة بينهم
زما يحل به وطء من سبى من النساء

من كتاب ابن المواز: فإذا تعارف الزوجان من السبى عند البيع فى المغنم والمقسم، أو تعارف إلأبوان والولد أو إلاخوان، فإما الزوجان فلا يقبل ذلك منهما إلا أن يعرف ذلك من أسرها مثل أن يجدهما فى سرير واحد أو مجمع واحد فيصدقان فى هذا. وإن بيع كل واحد على حدة جاز ذلك ويشترط على كل واحد من المالكين أنهما زوجان. وإما إلأم فتصدق فى ولدها إن ادعته قبل البيع والقسم فيجمع معها فى البيع، كان ذكراً أو أنثى قليلاً كان الولد أو كثيراً. وإما غير إلأم وحدها فى الولد فلا يقبل، ولا يجمعان أيضاً فى البيع وإن عرف صدقهما، لا إلاخوان ولا غيرهما ولا والد مع ولد صغار أو كبار، وما علمت ممن يجب اتباعه قال غير هذا غير قول بعض أهل العراق فأنه قال: يباع مع الاب ابنه الصغير.
قال مالك وأصحابه: ولا يفرق بين الولد وإلأم حتى يثغر وليس فى أول إلاثغار. قال الليث: فى عشرين سنة، ولم يختلف فى غير ذلك. وروى على ابن زياد عن مالك: إن حد التفرقة البلوغ.

وقال محمد بن عبد الحكم: لا يفرق بينهما بعد البلوغ.

ومن العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم فى الإمام يبيع السبى على أن هذا زوج هذه، أو يبيعهم الربانيون القادمون بهم على هذا، فليس للمشترى أن يفرقهم ويقران على تلك الزوجية، وليس فى هذا اختلاف. قال أصبغ قال ابن القاسم: ويفرق بين الجدة وبين ولد ابنها أو ابنتها فى البيع فى السبى وغيره.
[3/ 287]

(3/287)


ومن كتاب ابن حبيب: وإن اشترى جاريتين من السبى أو وقعتا فى سهمه فقالتا نحن أختان أو أم وابنتها، فلا يجمع بينهما فى الوطء إذ لعل ذلك كما قالتا. وإن اشترى علجاً وأمرأته من السبى أو وقعا فى سهمه، فقال زوجتى وصدقته فله أن يطأها. ولو اشتراهما من أهل الحرب ولم يسبيا فادعيا أنهما زوجان أو قال ذلك بائعها، فلا يطأها لأن البيع ل يهدم النكاح بخلاف السبى، ولا يفرق بين الوالدة وولدها فى البيع والسبى وغيره، وحد ذلك إلاثغار، وليس ذلك فى غيرها من القرابة من أب أو غيره. وما بيع على التفرقة والولد صغير فسخ البيع.

وروى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال يوم سبى أوطاس: لا توطأ حأمل حتى نضع ولا حائل حتى تحيض. قال ابن حبيب: وهذا فى الكتابيات. وإما المجوسية فحتى تسم (وتحيض. وإن حاضت قبل أن تسلم أجزأه، وإسلأمها أن تشهد أن لا إلاه إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله)، أو تجيب بأمر يعرف دخولها فيه بإشارة أو كلام. والصغيرة التى تعقل ما يقال لها فلا توطأ حتى تجيب إلى الإسلام. وإن ماتت قبل ذلك لم يصل عليها. فإما الصغيرة التى لو ماتت لصلى عليها فتلك توطأ إن حملت ذلك. وينهى عن وطء المسيبة فى بلد الحرب لئلا تهرب إلى أهلها. وفى حديث الخدرى ما يدل على إجازته ويجوز وطء المسيبة الكتابية لها زوج ببلدها أو معها فى السبى، والسبى يهدم النكاح، سبيا معاً أو سبى الزوج قبلها أو بعدها، إلا أن يسلما أو يسلم الزوج مكأنه، يريد بعد إسلأمها لأنها أمة، ويريد ما لم يقرأ على نكاحها بعد السبى، فليس للسيد بعد ذلك وطء الأمة، ولو وطئت أولاً بالملك لزالت العصمة.
ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: إن سبيا معاً أو سبى أحدهما قبل صاحبه فهما على نكاحهما ما لم تستبرأ المرأة ويطأها السيد. فإن وطئها قبل يدركها الزوج ويعلم بذلك فالنكاح منقطع.
[3/ 288]

(3/288)


قال ابن بكير البغداداى قال مالك: إذا سبيت قبل الزوج انفسخ النكاح وحلت لمالكها إذ عهد لزوجها. وإن سبيا معاً فاستبقى الزوج أقرا على نكاحهما إذ صار لزوجها عهد حين استحيى، فصار أحق من المالك.

قال أبو محمد: يريد إذا صحت الزوجية:

باب الشهداء ودفنهم والصلاة عليهم

قال أبو محمد: وهذا الباب مثله فى كتاب الجنائز، فيه ما جرى فى المجموعة وكتاب العتبى وبعض ما فى كتاب ابن سحنون، وها هنا بقية كتاب ابن سحنون وابن حبيب.

قال ابن حبيب: ويدفن الشهداء فى المعترك بدمائهم وثيابهم كما فعل النبى صلى الله عليه وسلم، وينزع منهم السلاح كله والمناطق والمهأمز والدرع والمغفر والساعدان وغير ذلك من السلاح، ولا تنزع العمأمة والقباء والقميص والدراعة والسرأويل ونحوه، وهذا مجتمع عليه. واختلف العماء فى القلنسوة والخف والفرو والجبة المحشوة. وأكثر ما عليه علماؤنا أن لا ينزع ذلك، وهو أحب إلى. ولا بأس بترك الخاتم إن كان لا قدر له. فإن كان له قدر نزع.

ومن كتاب ابن سحنون: روى سحنون عن ابن نافع عن مالك، قال: ينزع السلاح. قيل فالخفإن؟ قال: لا أدرى ما الخفإن. قال أيضاً مالك: لا ينزعا. وقال أشهب: ينزع الخفإن والقلنسوة والمنطقة والفرو والحشو وجميع السلاح. قال سحنون: لا ينزع شىء من هذا إلا السلاح. وكذلك روى معن وابن القاسم عن مالك فى الفرو. وكذلك قال ابن المواز وقال: ولا يغسل من دمه شىء.

ومن كتاب ابن سحنون قال أشهب: ولا أحب أن يزاد عليه فى الكفن ولا ينزع منه، إلا أن يقتل فيما لا يواريه أو يسلب فليكفن.
[3/ 289]

(3/289)


قال ابن حبيب: وإن كان عليه ثوب عارية أعطى ربه قيمته من تركته وترك عليه.

ومن كتاب ابن سحنون قال أشهب: وإنما الذى لا يصلى عليه من قتل فى المعركة قعصاً. وإما من حمل من المعركة إلى بيته فمات فيه أو فى أيدى الرجال أو بقى فى المعركة حتى مات فليغسل ويصلى عليه. قال سحنون وابن حبيب فى الذى بقى فى المعركة: إنما هذا فى الحياة البينة الذى لا يقتل قاتل مثله إلا بالقسأمة. قال ابن حبيب: كذلك سمعت أهل العلم يقولون.

قال سحنون: ومن حمل وهو فى غمرة الموت فمات مكأنه أو بعد ذلك بقليل فى أيدى الرجال أو أنفذت مقاتله فحمل فمات فى بيته، فلا يغسل ولا يصلى عليه. وإن أوصى بوصية وهو فى غمرة الموت بكلام يسير ثم مات مكأنه فلتنفذ وصيته ولا يغسل ولا يصلى عليه. ولو أنفذت مقاتله لم تجز وصيته. وقال غير سحنون من أصحابنا: تجوز وصتيه وقد أوصى عمر حين طعن، وهذا مذكور فى كتاب الديات.

ومن كتاب ابن حبيب: ومن أسره العدو فلم يؤمنوه حتى قتلوه ورموه إلينا فلا يصلى عليه. ولو أمنوه ثم قتلوه لغسل وصلى عليه. ومن قتله العدو فى غير قتال فى علاقة أو سرية أو ساقة أو غفلة فى المسير أو فى القفل فأنه لا يغسل ولا يصلى عليه. وكذلك لو حلوا بالمسلمين فى مدينة أو حصن فقتلوهم فى عقردارهم يريد فى وسط دارهم، أو فى حصن من حصنوهم، فقتلوا الرجال والنساء والصبيان، فليدفنوا بغير صلاة ولا غسل. وإذا احتيج إلى دفن اثنين فى قبر واحد أو جماعة من الشهداء أو بوباء نزل فلا بأس بذلك ويقدم أحسنهم حإلا وإن كان أصغر سناً وأقلهم قرآناً. فإن استووا فأعلمهم وأكثرهم قرآناً. فإن استووا فأسنهم.
[3/ 290]

(3/290)


قال: وإنما كان النبى صلى الله عليه وسلم يقدم أكثرهم قرآناً لأن الحال منهم كلهم حسنة. قال: ومن وجد قتيلاً فى قرية من قرى العدو ممن شذ فلا يغسل ولا يصلى عليه حتى يعلم أن قاتله من غير العدو أو أنه عاش بعد أن جرح.
قال ابن حبيب قد قيل: أنه يغسل ويصلى عليه حتى يعلم أن العدو قتله قعصاً وبالأول أقول. وإن قدر على دفن الشهداء حيث صرعوا فعل ذلك وهى السنة. ومن قتله نصرانى أو مسلم بدار الإسلام فأنه يغسل ويصلى عليه.

ومن كتاب ابن سحنون قيل لمالك: روى أنه يبدأ بالشهداء بأكثرهم قرآناً؟ قال ليس هذا من إلاحاديث المعروفة. قال ابن حبيب: كان هذا أول الإسلام والحال منهم كلهم حسنة.

ومن كتاب ابن سحنون: قال ابن القاسم فى القوم بأرض العدو يوجد منهم رجل فى القرية قد قتل لا يدرى من قتله بسلاح أو غيره، فليغسل ويصلى عليه. ولو عرف أنه قتله أحد من العدو قعصاً فى قتال بينهما قتلاً لم يحى بعده فلا يغسل ولا يصلى عليه. ومن وجد ميتاً فى المعترك ولا أثر فيه فلا يغسل ولا يصلى عليه.

قال سحنون: إذا وجد من ساعته أو من يومه من المتعلفة أو نحوهم مقتولاً لم يصل عليه. وإن وجد بعد أيام فليغسل ويكفن ويصلى عليه. ومن وجد بحضرة القتال ميتاً فى المعترك ولا أثر فيه، أو وجد الدم يخرج من فيه أو من أنفه أو إذنيه أو عينيه أو دبره أو من ذكره، أو خرج منه مرةً حمراء أو صفراء فلا يغسل ولا يصلى عليه. وكذلك من قتل فى الصف بنشاب أو حجر، أو سقط فأوطأته دابة مشرك قاصداً أو غير قاصد، أو نفحته أو كدمته أو ضربته بيدها أو بذنبها فمات فلا يغسل ولا يصلى عليه. ولو لم يكن عليها راكب وقد غارت لمشرك ولا سائق لها ولا قائد فقتلته بصدم أو أوطأته فمات يغسل ويصلى عليه. وإذا أنهزموا فقتلهم العدو فى الهزيمة فلا يصلى عليهم. وإن عثرت برجل دابته فرته
[3/ 291]

(3/291)


فقتلته أو وطئت دابته على رجل فقتلته وعليها راكب أو لها سائق أو قائد فهذا يغسل ويصلى عليه.

ولو رمى مشركاً بسهم فأصاب مسلماً خطأ لغسل وصلى عليه. وكذلك من نفرت دابته بتنفير المشركين إياها فرمته فقتلته أو زجروا دوابهم وضربوها فرمت برجل دابته فمات فأنه يغسل ويصلى عليه. وكذلك لو ضربوا بالدرق وجهها فنفرت فرمتهم فمات بعضهم. وكذلك من نفرها من حمل خيل المشركين عليها. وكذلك لو ألجأوهم إلى نهر فغرقوا فيه، أو إلى نار فاحترق بعضهم أو غرقوا، فليغسلوا ويصلى عليهم. وكذلك لو طعنوهم برماح فرموهم فى الماء أو فى نار عن دوابهم أو عن السور فماتوا فكما ذكرنا.

وإذا قتل الشهيد جنباً قال سحنون: يغسل ولا يصلى عليه لأنه حى عند ربه. وقال أشهب لا يغسل. وإذا وجد فى المعركة حريقاً أو غريقاً لا يعرف سببه لم يغسل ولم يصلى عليه.

ولو طلعوا حصناً فزهقت رجل أحدهم فسقط فمات، أو سقط عليهم حائط السور فماتوا، أو نقبوه فخر عليهم، فليغسلوا ويصلى عليهم. ولو نقبة العدو وعلقوه ثم دفعوه عليهم فهلكوا، فلا يصلى على هؤلاء ولا يغسلون. ولو سقط عليهم من غير دفع لغسلوا وصلى عليهم. وإذا خندق المشركون خندقاً جعلوا فيه ماءاً أو ناراً أو رموا حولهم الحسك فهلك بذلك أحد فأنه يصلى عليه. ولو رمونا بالنار لم يصل على من مات من ذلك. وكذلك لو جعلوا النار فى أطراف الشجر لتصل إلينا لقربها منا. ولو لم يجعلوها لذلك إلا لإحراق الخشب ونحوه فليغسل من مات بذلك ويصلى عليه. وإن رموا العسكر بالنار فأخذت فى الفساطيط فأحرقت وقتلت أو ذهب بها الريح فقتلت فلا يصلى على من مات بذلك. وكذلك ما رمونا به فى البحر، فتراقت النار إلى حرق مركب وأهله بخلاف نار تلحقنا من غير رميهم.

وإذا وجد فى المعركة أحد قد مات بأحد هذه الوجوه فلا يدرى بفعل
[3/ 292]

(3/292)


المشركين أو بغير فعلهم، فهو على أنه بفعلهم حتى يظهر خلافه. وهذا إن وقع بينهم لقاء أو حرب أو مرإماة، وإلا فالغسل والصلاة عليه واجبة.
قال أشهب: إذا أغار الروم على مدينة للمسلمين فقتلوا الرجال والنساء والصبيان، فإن كان على وجه قتال فلا يغسلوا ولا يصلى عليهم، (ومن قتل منهم على غير قتال صلى عليه وغسل, وقال سحنون: لا يغسلون ولا يصلى عليهم).
قال أشهب: ومن أكله سبع أو مات من تردى من جبل أو سقوط جدار أو غرق أو فى بئر، أو قتيل يوجد فى القبيلة لا يدرى ظالم هو أو مظلوم بحديد أو غيره، فليغسل ويصلى عليه.

بقية مسائل من صلاة الخوف
زيادة على ما فى كتاب الصلاة من ذلك
فى صلاة المسايفة وصلاة الراكب
من كتاب ابن سحنون فى السير قال مالك: إذا اشتد الخوف والقتال وأخذت السيوف مأخذها صلوا بقدر الطاقة إيماءً، وحيث توجهوا مشاةً وسعاةً وركباناً تومئون بالرؤوس. وقال أهل العراق: إنما صلاة الخوف والقوم متوافقون. فإما فى المسايفة والطعان والمرإماة فلتؤخر الصلاة إلى زوال ذلك، لأن هذا عمل فى الصلاة. قالوا: وقد صليت المغرب يوم الخندق بعد هوى من الليل. قال سحنون: كان ذلك قبل نزول إلاية فى صلاة الخوف. وإما قولهم: هذا عمل، فإن من قولهم: إذا صلت الطائفة الأولى ركعة، ذهبت وجاه العدو وهى فى الصلاة، فهذا العمل أكثر. وقال ابن عمر فى صلاة الخوف ما قال، قال: فإن كان خوفاً أشد من ذلك، صلوا كما قال الله عز وجل: (فإن خفتم فرجإلا أو
[3/ 293]

(3/293)


ركباناً)،حيث ما توجهوا ويؤمئون بالسجود أخفض من الركوع. فإن لم يقدروا على إلايماء فالتكبير يجزيهم فى كل ركعة تكبيرين، وقاله مجاهد.
وقال الأوزاعى ومكحول: إن لم يقدروا على إلايماء وخروا. قال سحنون: قد اعلمتك بقولنا. قال الأوزاعى: إن لم أن يصلوا صلاة الخوف مع الإمام كما روى وقدروا أن يصلى كل واحد ركعتين بأربع سجدات، ويقاتل عنه صاحبه فليفعلوا. قال الوليد: ولا يجب عليهم صلاة الخوف إن قدروا على هذا. قال سحنون: أقامة صلاة الخوف أولى بهم إن قدروا.

قال أشهب: وإذا صلى الإمام بالطائفة الأولى ركعةً، ثم حمل عليهم العدو فأتموا الصلاة بإلايماء أجزاهم. وكذلك إن حملوا عليهم فى الركعة الثانية.
قال أشهب وإذا أتوا العدو وخافوا منهم صلوا (على الدواب. قيل: أيصلى بطائفة وطائفة تكف العدو؟ قال: نظن أنه) إن كان فى طائفة كف للعدو أنه يقدر أن يصلى بالآخرى بالارض. وإذا خاف على الطائفة المواجهة، (فله أن يصلى بالآخرى ركباناً. وغن صلى بطائفة ركعةً ثم ركبوا أو واجهوا العدو) لم تفسد صلاتهم بالركوب والقتال للضرورة، كما لم يفسدها عمل الشىء للضرورة.
قال أشهب: وللإمام أن يستخلف فى صلاة الخوف إذا أحدث فيعمل المستخلف ما كان يعمل. وإن كان الإمام مقيماً أتم بهم. وإن كان مسافراً وخلفه مسافرون ومقيمون، صلى بكل طائفة ركعةً ويعمل على أصل أشهب كما تقدم، إلا ان المقيمين يتمون بعد سلأمه. وإذا لم يقدر الركبان على النزول من العدو، وقدروا أن يصلوا ركباناً بإمام فعلوا. وإلا صلوا أفذإذا. وإن قدروا أن ينزل بعضهم فيصلون بالارض ممسكين دوابهم. ولو رجلاً والباقون وقوف ركباناً فعلوا. ولا يجوز حينئذ أن يصلوا على الدواب إلا ان يخافوا أن يفوت المتربصين منهم فليصلوا على الدواب.
[3/ 294]

(3/294)


قال سحنون: وإن حاصروا حصناً وحضرت الصلاة فخافوا إن نزلوا فاتتهم غرة أمكنتهم فليصلوا على دوابهم. وقاله الأوزاعى. وقال: وإن كانوا راغبين غير راهبين. وقاله مكحول فى قرية عدوا عليها، وقد انتشر أهلها وخافوا الفوت وأمكنتهم فرصة. وفعله شرحبيل بن السمط.
وروى أن النبى صلى الله عليه وسلم إذن فى ذلك للسرية إذا بلغوا المغار عند الصلاة. قال سحنون: وإذا اشتد القتال ورجى فتح الحصن جاز أن يصلوا إيماء وهم يسعون ويقاتلون. قيل: فإن لم يقدروا على (إلايماء؟ قال: هذا محال أن يأتى بهم حال لا يقدرون على إلايماء.
وقال الأوزاعى: إن لم يقدروا على) ذلك، وخروا حتى يفتحوا أو تمكنهم صلاة الخوف. وقال أنس بن مالك: ما صلينا صلاة الصبح فى فتح تستر مع أبى موسى إلاشعرى إلا بعد طلوع الشمس، وما أعدل تلك الصلاة ما طلعت عليه الشمس.

فى إقصار الصلاة فى الغزو أو فى بلد العدو
قال أبو محمد: وهذا الباب قد جرى منه شىء فى كتاب الصلاة الثالث.

ومن كتاب ابن سحنون: قال: وإذا قأموا على حصن بأرض العدو وقد وطنوا أن يقيموا عليه شهراً أو يفتحوه قبل ذلك أو على أقامة شهر، فإن فتحوه فليقصروا لأن دار الحرب ليست بدار أقامة. وإن كان بين الحصن وبين دار الإسلام ما لا يقصر فيه (ونيتهم إلا يجأوزوه فليتموا فى طريقهم ومقأمهم. ولو خرجوا إلى ما يقصر فيه) من بلد الحرب ثم رجعوا فحصرهم الثلج فى آخر بلد
[3/ 295]

(3/295)


الحرب فأقاموا باقى سنتهم حتى انكشف، قال: يقصرون لأن بلد الحرب ليست بقرار وقد يرهقهم العدو، إلا أن يجرى بينهم فى ذلك هدنة فليتموا فى أقامتهم.
ومن دخل دار الحرب بأمان فله حكم من بدار الإسلام فى مقأمه وفى نيته أن يقيم أربعة أيام بموضع. ومن أسلم منهم وأمن أو كتم إسلأمه، فهو كمن فى وطنه فى سفره ومقأمه. وإما أسير مسلم بأيديهم فهو كالعبد يغلب على مراده. فإن سافروا به إلى ما يقصر فيه وهو لا يريد السفر أو يريد المقام أربعة أيام فليقصر. وإن نووا هم أقامة أربعة أيام أتم هو. وإن لم يرد هو مقاما يعمل على مرادهم. وكذلك حكم العبد والزوجة يسافر بها فى بلد الإسلام. وكذلك الرجل يبعث فيه الخليفة ليؤتى به من بلد كذا وهو لا يريد فإنما يقصر أو يتم على قصد الذاهبين به.

وإن انفلت منهمالا سير المسلم فليقصر أبداً ما بدار الحرب. وإن نوى أن يقيم شهراً أوغيره، فليقصر لأنه لا يأمن. وكذلك من أسلم منهم فطلبوه فهرب، أو مستأمن منا غدروه فطلبوه، فهو على القصر فى هربه فى مسافة يقصر فيها. ومن خرج بغير علمهم فيقيم كأمناً فى موضع ينوى فيه أقامة شهر ونحوه فليقصر.

قال ابن سحنون: ومن أوطن من هؤلاء مدينة من مدائن الحرب، ثم لما طلب اختفى فيها، فليتم ما أقام بها حتى يظعن. وكذلك إن خرج إلى مسيرة نصف يوم ليقيم فيها مختفياً فليتم.
ولو أسلم أهلمدينة فحاصرهم الروم فليتموا حتى يخرجوا إلى مسافة يقصر فيها فليقصروا، (غلبوا على مدينتهم أو لم يغلبوا. وإن أقاموا ببلد الحرب شهراً
[3/ 296]

(3/296)


فليقصروا). وإن رجعوا إلى مدينتهم ولم يكن عرض لها الروم فليتموا بها. وإن كان قد غلب عليها الروم ثم لما رجع أهلها تركوها لهم، فإن أراد أهلها إيطانهم فليتموا. وإن لم يريدوا ذلك ولكن ليقيموا بها شهراً ويذهبوا فليقصروا كمن لا يأمن بدار الحرب. وكذلك المسلمون يغلبون على مدينة للروم، فأقاموا بها ليوطنوها وهم ممتنعون فليتموا. وإن لم يكونوا ممتنعين وإنما يقيموا وإنما يقيموا مدةً ويرتحلوا، فليقصروا.
ولو أتى العدو مدينة للمسلمين فخرجوا فعسكروا على ميلين منها فحضرت صلاة الجمعة فلا جمعة عليهم، وليصل بهم ظهراً على سنة صلاة الخوف فى الحضر، وليس عليهم صلاة العيد لشغلهم بالعدو. ولو حوصروا فى المدينة صلى بهم الإمام بكل طائفة ركعةً.
قال: واختلف أهل الشام فى الصلاة بدابق إذا نزلها الإمام فى الإقصار. فقال الأوزاعى: هى من منازل المسلمين. فإذا لم يدر متى يرحل منها. فأقصر إلى اثنى عشر يوماً، ثم أتم. واختلف قول مكحول فى الإتمام بها والإقصار، ورجع إلى أن يتم.
قال سحنون: هى من بلد الإسلام، والأمر عندنا على حالين: فإن نزل بأرض الإسلام قصر ما لم ينو أقامة أربعة أيام. وإن كان بأرض الحرب فليقصر ومن أقام السنين، أقام على حصن أو غيره. وروى الوليد عن مالك أنهم كانوا يجمعون الصلاة فى الغزو، وما سمعت أحداً يحكى هذا عن مالك، ولا جمعة عند مالك ببلد الحرب.
قال الأوزاعى: يصلون صلاة العيد بإمامهم. قال سحنون: لا صلاة عيد ولا جمعة ببلد الحرب، ولا أضحية عليهم.
[3/ 297]

(3/297)


وقال الأوزاعى ومكحول: يضحون بغنم الروم. قال سحنون: إنما يضحى الرجل بملكه وغنم الروم غير مملوكة.

قال سحنون: وإذا كانت مدينة هى أقرب إلى دار الحرب من آخرى، وأمر الخليفة أهلها بالغزو، فكتب بذلك أمير الدنيا إلى القصوى فخرجوا إلى الدنيا فإن كان بين المدينتين ما يقصر فيه قصروا. وإن لم يكن بينهما ذلك وبين القصوى وبلد الحرب ما يقصر فيه، فإن كان أهل القصوى على عزم فى الخروج، خرج أهل القريبة أو قعدوا، فليقصروا من يوم خرجوا، ولا قصر على أهل الدنيا إن خرجوا حتى يكون بينهم وبين أرض الحرب ما يقصر فيه. وإن كان أهل القصوى لا ينفذون إلا بخروج أهل الدنيا فلا يقصر أهل القصوى حتى يبرزوا مع أهل الدنيا منها إلا أن لا يكون بسير منها إلى أرض الحرب ما يقصر فيه فلا قصر على أحد منهم. وإذا جهلوا أقصى سفرهم لم يقصروا على شك حتى يوقنوا بما يقصر فيه.

وإن كان بين المدينتين أربع برد فأكثر قصر أهلها بخروجهم وفى مقأمهم فى الدنيا وإن طال مقأمهم إن كانوا عازمين على النفوذ، ما لم ينووا أقامة أربعة أيام بها فليتموا حتى يبرزوا منها فيرجعوا إلى أصل سفرهم فيقصروا. وإن جهلوا أقصى المغزى فلا يقصر من خرج من المدينة القريبة حتى يوقن بمسيرة أربعة برد، إما لخبره أو علمهم بمخارج أسفاره. وإذا خرجوا عازمين والسفر تقصر فيه الصلاة فعسكروا خارجاً حتى يلحقهم الوالى فليقصروا ما أقاموا إن كان لابد أن يخرجوا، خرج وإليهم أو لم يخرج. وإن كان لا يخرجون إلا به أتموا حتى يرحل بهم عن عسكرهم إلى ما يقصر فيه. وإن خرجوا وبينهم وبين المدينة الآخرى بريدان، وبينهم وبين أول دار الحرب أربع برد فليقصروا. فإن قصروا فلما بلغوا المدينة
[3/ 298]

(3/298)


الآخرى قال الوالى: قد كتبت إلى الخليفة قبل خروجكم إلا تغزوا، فإن كان خروجهم من مدينتهم على إلا يخرجوا إلا بخروجه وقصروا فليعيدوا كل ما قصروا فيه. ولو كتب إليهم وإلى القرية من أراد الخروج فليواف موضع كذا من أول دار الحرب، ولم يخبرهم مدى سفره فأتوه، فإن علموا أن فى سفرهم ما تقصر فيه قصروا من يومئذ. وإن قصروا قبل ذلك أعادوا أبداً أربعة. وإن ظعنوا فى الوقت فركعتين.
آخر الرابع من كتاب النوادر والحمد لله
يتلوه الخأمس والحمد لله
[3/ 299]

(3/299)


صفحة بيضاء

(3/300)


بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا ومولأنا محمد
وآله وسلم
الخامس من الجهاد والنوادر

فى فداء الأسارى المسلمين
وهل يفدون بالخيل والسلاح
والرجال والنساءوالصبيان والأشياء المحرمة
وفى رجوع من يفدى الأسير عليه
من العتبية روى أشهب عن مالك (قال: ويجب على المسلمين فداء أساراهم بما قدروا عليه، كما عليهم أن يقاتلوا حتى يستنقذوهم. قال أصبغ عن أشهب عن مالك) وإن لم يقدروا على فدائهم إلا بكل ما يملكون فذلك عليهم. وذكر ابن سحنون نحوه عن مالك، وذكر ابن حبيب رواية أشهب هذه كلها. قال: ورواها ابن الماجشون عنه.
قال ابن حبيب: وقاله الأوزاعى. وقد سمعت أهل العلم يقولون يجب ذلك على الإمام وعلى العام ة. فإما على الخاصة فمستحسن. وأمر عمر بن عبد العزيز أن يفدى من هرب إليهم طوعاً من حر أو عبد، وذكر ابن سحنون عنه مثله.
ومن العتبية قال أشهب: فإن طلبوا الخيل والسلاح فلا بأس أن يفدى بها. وإما الخمر فلا ولا يدخل فى نافلة بمعصية.
[3/ 301]

(3/301)


ومن كتاب ابن سحنون قال سحنون: يفدى بالخيل والسلاح، والمؤمن أعظم حرمة. وإن طلبوا الخمروالخنزير والميتة أمر الإمام أهل الذمة بدفع ذلك إليهم وحاسبهم بقيمته فى الجزية. فإن أبى من ذلك أهل الذمة لم يجبروا، ولم ير قول أشهب. قال سحنون: لا بأس ان يبتاع لهم الخمر للفداء وهذه ضرورة.
وفى غير كتاب ابن سحنون: أن ابن القاسم لم ير أن يفدى بالخيل والخمر (قال: والخمر أخف.
ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: إذا طلبوا منا فداء المسلم بالخيل والخمر). فلا يصلح ذلك بالخيل، وهو بالخمر أخف. وأجاز أبو زيد أن يفدى بالفرس وقال: مسلم أحب إلينا من فرس.
ومن كتاب ابن سحنون: ومن فدى أسيراً مسلماً بخمر أو بخنزير أو ميتة أو اشتراه بذلك أو وهب له فكافأ عليه بذلك فلا رجوع له عليه بشىء من ذلك إلا ان يكون المعطى ذمياً فليرجع عليه بقيمة الخمر والخنزير. وإن كانت الميتة مما يملكون أخذ منه قيمتها.
قلت: فلم أرجعته بما كافأ فيه والمكافأة تطوع؟ قال: لأنهم يرى أنهم أرادوا الثواب.
قال ابن حبيب: قال لى مطرف وابن الماجشون وأصبغ لا بأس بفداء المسلم بالخيل والسلاح وبالمشرك الذى له القدر عندهم والنجدة إذا لم يرضوا إلا به.
[3/ 302]

(3/302)


قال عمر: لبقاء مسلم أحب إلى من فتح حصن حصونهم. قال ابن حبيب: وهذا إذا أيس أن يقبلوا مالا، ويجتهد فى ذلك ويبذل. قال والسلاح والخيل أيضاً إذا لم يكن أمراً كبيراً يظهر لهم بالقوة القاهرة. وكذلك العدد الكثير. فإما الرجل والرجلان والشىء بعد الشىء فى الفرط فذلك جائز إلا أن ياتى مشرك إلينا معه أسير مسلم فلا يفادى بالسلاح. فإن أبى إلا ذلك أخذ منه صاغراً وأعطى به القيمة. وكذلك إن جاء به ليفدى به مشركاً فوجده قد مات، فلا يترك يرجع به ويعطى القيمة. والذى ذكر ابن حبيب قول ابن الماجشون وغيره، وخالفه ابن القاسم.
قال أبو محمد: وفى باب فداء أسارى المشركين من هذا.
ومن كتاب ابن سحنون قال: وإذا فدى الأسير بأضعاف ثمنه، فأنه يرجع عليه به على ما أحب أو كره.
قال ابن نافع عن مالك: وإذا أسلم الصبى عندنا فلا يفدى بهالأسير المسلم. قال سحنون: وإن طلبوا علوجاً بأيدينا لهم نكاية فى فداء المسلم فلا بأس أن يعطوا ذلك. وكذلك صبيان صغار من أطفالهم إلا ان يسلموا ويعقلوا الإسلام فلا أرى ذلك. وقد قال مالك: إذا سبوا أطفالهم وليس معهم أب ولا أم فلهم حكم المسلمين ويصلى عليهم إن ماتوا. وأجاز ان يفادى بهم المسلم. وقال لى معن عن مالك: لا يفادى بمن صلى من السبى.
قال سحنون: ولا بأس أن يفدى مسلم بذ مى إن رضى الذ مى وكانوا لا يسترقونه. فإما إن كانوا يسترقونه فلا.
قال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون عن مالك: وإذا قدم مشرك بأسير مسلم فطلب أن يفدى به قريباً له مشركاً رقيقاً لمسلم، فأبى سيده فليجبره
[3/ 303]

(3/303)


الإمام على أن يأخذه فيه قيمته ويفدى به المسلم. قال: وإن طلب المشرك بأسيره شططاً من الثمن فإن كان قريباً من القيمة أعطيه. وإلا أخذ القيمة، ولو طلب الرجوع به جبر على أخذ القيمة ونزع منه، قاله ابن نافع.
وقال ابن القاسم: لا يؤخذ منه إلا برضاه ويترك الرجوع به، وخالفه أصبغ وغيره، وليس من الختر ولم يعاهدهم على أن يخالف بالعهد أحكأم الله سبحانه. وذكر ابن سحنون عن عبد الملك نحوه وقال: إن كان فى قيمة المشرك فضل بين على المسلم منع القادم به من الرجوع به.
قال سحنون وقال عبد الملك: ولا يزاد على قيمته إلا الشىء القريب. وقال مالك: يمنع من التشحيط فى ثمنه. وكذلك إن كان العلج والعلجة تشبه قيمتهم قيمة المسلم، نزعها ممن هما بيده وأعطاه القيمة على الإجتهاد.
قال ابن سحنون عن أبيه: إذا طلبوا فى فداء أسارى مسلمين علوجاً استرقهم المسلمون وأبوا إلا هذا، فلا بأس أن يجبر الإمام ساداتهم على البيع ويعطيهم الثمن ويفدى المسلمين بهم، ولا يباع منهم جبة مشرك ذات ثمن، ولا بأس أن يفدى بها مسلم، يريد: كأنها مما يتزين به فى الحزب. وإذا قدم علج بأسير يطلب به فداء زوجته أو ولده فوجدهما قد أسلما، فمالك وابن القاسم يريان ان له رده، وغيرهما يرى أن يجبر على أخذ القيمة. قال: ولو كان إنما فاتا بتدبير أو كتابة أو عتق إلى أجل، فهو فوت ويعطى قيمةالأسير عند من ذكرنا، ومعنى القيمة فى هذه المسائل أى فداء مثله، ليس العربى والقرشى كإلاسود والمولى.
قلت: فقد فديت الأسارى الذين كانوا بسردانية على قيمتهم عبيداً. قال: إنما ذلك لأنهم غير معروفين عندى من ذوى القدر.
[3/ 304]

(3/304)


وقد روى ابن نافع عن مالك فى مسلم رهنه أبوه بيد العدو فمات الاب فخرج رجل مسلم ففداه على من يرجع قال: لو فداه الإمام. قال سحنون: وأنا أرى إن كان رهنه أبوه فى مصلحة للمسلمين
وما ينزل بينهم وبين العدو ثم التاث الأمر فعلى الإمام فداؤه، وأحب إلى أن يفتكه ويغرم لمن فداه. وإن كان إنما رهنه فى تجارة فغرم ذلك على الاب ويؤدب. وإن مات فذلك فى تركته يرجع به إلابن ويؤدى إلابن لمن فداه ويرجع بذلك فى تركه إلاب.
وقال ربيعة: وإذا فدى الذمى مسلماً فليرجع عليه بما فداه به إن كان من ذمتنا ممن علينا نصره. وإن كان ممن ليس علينا نصره فلهم رضاهم. قال: يعنى من ليس علينا نصره: من ينزل عندنا بأمان وقد فدوا مسلماً فلهم رضاهم. قال ابن حبيب: إلا أن يطلب هذا المستأمن ثمناً شحيطاً فليعط القيمة. قاله مالك من رواية مطرف وابن الماجشون، وقاله أصبغ.
قال سحنون: ومن فدى خمسين أسيراً مسلماًببلد الحرب بألف دينار رجع عليهم، ومنهم ذو القدر وغيره الملىء والمعدم، فإن كان العدو قد عرفوا ذا القدر منهم وشحوا عليهم فليقسم عليهم الفداء على تفأوت أقدارهم. وإن كان العدو جهلوا ذلك فذلك عليهم بالسوية. وكذلك إن كان فيهم عبيد، فهم سواء والسيد مخير بين أن يسلمهم أو يفديهم. قال: ومن فدى أسيراً مسلماً فهو أحق بماله من غرمائه حتى يأخذ الفداء.

قال عبد الملك: وذلك آكد من الدين لأنه يفدى وهو كاره وبأضهاف ثمنه وديته، فقد حل ذلك فى ذمته بغير طوعه فلهذا صارأولى. وقد يبيع الرجل العبد بيعاً فاسداً فيفسخ وقد أتلف البائع الثمن وفلس فالمبتاع أحق به حتى يأخذ الثمن كالرهان. فإن بقى عن قيمتهم شىء، حاصهم (به فيما سواه من ماله.
[3/ 305]

(3/305)


وكذلك من فدى مكاتباً أو مدبراً أو معتقاً إلى أجل، وسيد أم الولد) فيما يلزمه فيها. قال سحنون: ومفديها أحق من غرماء سيدها بما فداها به. وقد تقدم فى الجزء الثانى فى باب الحر يفدى أو يباع فى المغنم ذكر الرجوع على الحر بالفداء.
قال سحنون: ومن فدى ذميةً من العدو فلا يطأها وله ما فداها به، يريد: عليها. ولو أهدى مالك الروم إلى أمير المسلمين أو إلى المسلمين مسلماً أو ذمياً لم يكن عليهما شىء. قال: وروى ابن نافع عن مالك فيمن اشترى عبداً من العدو فلما قدم به تكلم بالعربية وأقام البينة أنه حر أسره العدو فأنه يغرم لمبتاعه الثمن. فإن لم يكن عنده فليبتع به ديناً.
قال عنه ابن نافع فيمن عنده أم ولد نصرانية ابتاعها من السبى فطلب قريب لها ان يعطيه فيها أسيراً مسلماً، قال: إن رضيت أم الولد.
قال فى كتاب ابن المواز: وكانت على شركها فذلك جائز. وإن كرهت فإنى أكره ذلك. وإما لو أسلمت فلا يجوز ان يفدىالأسير بها. وذكره ابن حبيب عن مالك وقال: فإن كرهت أو كره ذلك سيدها فلا يفعله. واستثقله أصبغ وإن رضيا. وبقول مالك أقول.
وقال العتبية أبو زيد عن ابن القاسم فى أم الولد النصرانية لمسلم طلب وليها أن يفديها، قال: فلا يفعل ذلك سيدها. قال: ولو أعتقها فله أن يدفعها فى الفداء وبعد أن يستبرئها، وكذلك لو أولدها فله ان يدفعها فى الفداء.
قال أبو محمد: إنما يعنى، والله أعلم، فى التى أعتقها أو أولدها: إنما يدفعها فى فداء مسلم برضاهم لا بمال يأخذه. وإنما يدفعها فى فداء مسلم
[3/ 306]

(3/306)


على أن لا يسترقوها. وقد قال سحنون فى الذمى أيفدى به مسلم برضى الذمى؟ قال: إن كان لا يسترقونه فنعم وإلا فلا.
قال ابن حبيب قال مالك فى أسير مسلم قال لرجل: افدنى ولك كذا غير ما تفدى به: فلا شىء غليه غير ما فداه به.
وبعد هذا باب فى فداء المشركين فيه من معانى هذا الباب، وباب فى بيع صغارالكتابيين والفداء بهم من هذا، وزيادة فيه.

فيمن فدى زوجته أو أحداً من ذوى محارمه
وفى الفداء على شرط زيادة أو عرض
ومن العتبية من رواية عيسى عن ابن القاسم، ومثله فى كتاب ابن سحنون عن مالك والمغيرة فيمن ابتاع زوجته من العدو وقد أسروها أو فداها: فإن لم يعلم بها حين الشراء فله اتباعها بالفداء. وإن علم بها فليس له اتباعها بشىء. قال عنه يحيى بن يحيى: إلا ان تأمره بذلك.
قال ابن حبيب: ومن فدى من الزوجين صاحبه فلا رجوع له عليه إلا ان يكون فداؤه بأمره أو يفديه وهو غير عارف به، فليتبعه بذلك فى عدمه وملائه. وقاله مطرف وابن الماجشون عن مالك، وقاله ابن القاسم. وسبيل فداء القريب لقريبه كالزوجين لا رجوع له على الأباء والأمهات والابناء والبنات والاخوة والاخوات والاعمام والعمات والاخوال والخالات والاجداد وبنى الاخوة وبنى الاخوات. فإن فداه وهو لا يعرفه رجع عليه إلا فيمن يعتق عليه فلا يرجع عليه. وإما ان فداه بأمره فليرجع عليه، كان يعتق عليه أو لا يعتق عليه.
[3/ 307]

(3/307)


قال سحنون: من فدى أحداً من ذوى رحمه من العدو أو اشتراه منهم، فكل من لا يرجع عليه بثواب فى الهبة فلا يرجع عليه فى هذا إذا كان عالماً به. وكذلك أحد الزوجين يفدى صاحبه إذ لا ثواب بينهما فى الهبات. وإن كان لا يعلم به رجع عليه فى ذلك كله. وكذلك فى إلأبوين والولد لأنه لم يملكه بالفداء. ولو كان ملكاً لكان إذا فدى زوجته حرمت عليه. فإن كان عالماً به لم يرجع عليه.
ومن كتاب ابن حبيب: وإن قالت الأسيرة لزوجها آفدنى ولك مهرى أو ولك كذا فليس له إلا ما ودى. وقال ابن القاسم: إن وفيت له الفدية فالمهر موضوع لأنه أمر بين لا خطر فيه. قال ابن حبيب: وقول مالك فى إلاجنبى يكشف هذا: إذا قال له افدنى ولك كذا أنه ليس له غير ما ودى. (وكذلك هذا ليس له غير ما ودى) والمهر ثابت عليه.
ومن العتبية: روى يحيى عن ابن القاسم فى الأسيرة تسأل زوجها أن يفديها ولم تسم له شيئاً على أن تسقط عنه مهرها فلا يجوز إذا لم تسم العوض الذى له تركت المهر، ويبقى لها مهرها وعليه غرم ما فداها به. وإما إن سمت له الفدية، فإن سمت دراهم والمهر دنانير لم يجز إلا أن تقبض هى منه الدراهم صرفاً مكأنها قبل التفرق ثم تدفعها إليه للفداء، فيجوز إن كان المهر حإلا. وكذلك لو كانت الفدية دنانير والمهر دراهم. وإن كان كلاهما دنانير والسكة سواء والمهر حال فلا بأس أن يفديها بأقل منه أو بأكثر إذا قبضت ما يفديها به والمهر حال، لأنها إما قبضت أقل منه وتركت باقيه أو قضاها جميعه وزادها.
وإن كان المهر إلى أجل لم يجز أخذها أقل منه لأنها وضعت وتعجلت. وإن أخذت أكثر فهو بيع ذهب بذهب إلى أجل متفاضلاً. وإذا كان الذى عليه
[3/ 308]

(3/308)


عروضاً جاز أن يفديها بمثلها صفةً وجنساً. وإن كانت عليه دنانير أو دراهم جاز الفداء بما شاء حل المهر أو لم يحل إذا قبضت ما يفديها به. وإن كان الذى عليه عروضاً جاز فداؤها بعروض وإن خالفتها، وبدنانير أو دراهم إذا عجل الفدية. فإن تآخرت فلا يجز فيما ذكرنا من ذلك ومن اختلاف العروض. وإن كان المهر طعام افيجوزو أن يفديها بمثله صفةً وجنساً حل أو لم يحل. وإذا لم يحل لم يجز بأكثر منه ولا بأقل.
ومن كتاب ابن سحنون روى ابن نافع عن مالك قال: إذا قالت لزوجها افدنى وأضع عنك مهرى وهو خمسون ديناراً، ففداها بعبد قيمته خمسون ديناراً، قال لا شىء له من مهرها إلا أن يفديها وهو لا يعلم أنها أمرأته.
وقال ابن نافع عن مالك فىالأسير يقول لرجل: افدنى بكذا وأرده عليك وأزيدك كذا، فليس له إلا ما ودى. وكذلك فى كتاب ابن حبيب عن مالك.

فيمن فدى حراً من العدو ثم اختلفا فى مقدار الفداء
أو ادعى كل واحد أنه فدى صاحبه
أو ادعى استرقاق من قدم معه أو نحو ذلك
ومن كتاب ابن المواز عن أصبغ، رواه عن ابن القاسم, ونحوه فى العتبية عن ابن القاسم: ومن فدى أسيراً من بلد الحرب وقدم به وقالالأسير ما فدانى بشىء أو قال بشىء يسير وقال الآخر بكثير، فالأسير مصدق فى الوجهين، كان يشبه ما قالالأسير أو لا يشبه، يريد مع يمينه. قال لأن مالكاً قال لو قال لم
[3/ 309]

(3/309)


يفدنى أصلاً لصدق مع يمينه إلا أن يأتى الآخر ببينة. قال ابن القاسم وإن كان هو آخرجه من أرض الحرب.
قال: ولو ادعى كل واحد أنه فدى صاحبه لم يصدقا ولا يتبع كل واحد منهما صاحبه بشىء. قال فى العتبيةو يحلفإن.
ومن كتاب ابن سحنون إذا قال قد فديتك بمائتين وقالالأسير بمائة، فالقول قولالأسير مع يمينه، وقاله ابن القاسم من غير رواية سحنون. وقال سحنون مرةً: القول قولالأسير إن اختلفا إن ادعى ما يشبه، ثم رجع فقال القول الذى فداه لأنه هو آخرجه من أرض الحرب فهو كالحيازة. وكذلك لو قال لم يفدنى بشىء.
قال ابن حبيب: وإذا اختلف المفدى والمفدى فى مبلغ الفداء فالمفدى مصدق مع يمينه (وإن كان مالا يشبه فداء مثله، كما لو قال لم يفدنى بشىء وقد خرجا من بلد الحرب. وكذلك لو قأمت بينة أنه فداه ولم يوقت فالمفدى مصدق مع يمينه). وإذا خرج تاجر من بلد الحرب وخرج معه أسير مسلم أو رجل أسلم من الحربيين وقال فديتهما أو أحدهما فكذباه، فهما مصدقان مع أيمأنهما. ولو صدقه المفدى واختلفا فى مبلغ الفداء فالمفدى مصدق مع يمينه فى مبلغه، وقاله مطرف وابن الماجشون وابن القاسم وأصبغ.
وقيل: إذا أقر المفدى أنه فداه واختلفا فى قدر الفداء فالفادى مصدق ويصير كالرهن فى يديه وهذا خلاف قول مالك. وإذا خرجت مسلمة كانت مأسورةً مع حربى أسلم فادعى كل واحد أنه فدى صاحبه فليتحالفا. فمن نكل صدق عليه ما حلف.
ومن كتاب ابن سحنون (قال الأوزاعى: إذا حلفالأسير والمشترى فيما اشتراه به. صدق المشترى. وقاله سحنون) إن كإن الأسير فى يدى المشترى.
[3/ 310]

(3/310)


وقال سفيان: إن أقر أنه أمره أن يشتريه ولم يوقت فالمشترى مصدق. وإن قال: أمرتك أن تشترينى بكذا وقال المبتاع بل بكذا فالأسير مصدق. وقال ابن أبى ليلى: القول قول المشترى.
وقال ابن حبيب: قا ل ابن القاسم، (وذكر مثله العتبى من رواية يحيى عن ابن القاسم) قال فى أسير مسلم هرب من العدو أو قدم برقيق فزعم أحدهم أنه حر مسلم وانتسب، وهو فصيح وذكر قوماً عرفوا ما يقول أن رجلاً أسر من عندهم عما يصف وينسب ولا يعرفونه بعينه، قال فى العتبية: وفيهم عدول، قال يبقى بيد الذى خرج بيده رقيقاً حتى تثبت حريته. قال فى العتبية: حتى يثبت أنه الذى سبى بالعدول. وقال فى الكتابين: أو يثبت أنه كان يعرف بالإسلام بأرض العدو فلا يجوز استرقاقه بآخراجه من أرضه، وقاله أصبغ.
ومن كتاب ابن سحنون وقال الأوزاعى: وإن خرج إلينا أسير مسلم بامرأة وصبية فزعم أن المرأة زوجته وأن الصبية ابنته، فإن صدقته المرأة فهى زوجته. وإن أنكرت فهى مصدقة، ولا يلحق به ولدها إلا ببينة، وقاله سحنون، وكذلك لو لم يكن معها ولد لم يقبل قوله إلا ببينة أو تقر له بالزوجية.
جامع القول/فى الأسير
وفى إكراهه على القول أو عمل
وذكر صلاته وغير ذلك من شأنه وهل يطأ أهله؟
من كتاب ابن سحنون: روى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من استأسر ولم تثخنه جراح فليس منا. وجاء الفضل فيمن قتل منهم، أو خير بين القتل والكفر
[3/ 311]

(3/311)


فاختار القتل. وقد أنزل الله سبحانه فى عمار بن يأسر: (إلا من أكره وقلبه مطمئن بإلايمان)
ومن كتاب ابن حبيب قال الله تعالى: (إلا أن تتقوا منهم تقاة)، وقال (إلا من أكره)، إلاية. وقال النبى صلى الله عليه وسلم لعمار: إن عادوا فعد. فمن ترك الرخصة وصبر على إظهار الإسلام فذلك له واسع فيما يعرض من القتل، وذلك أحظى له عند ربه إن صدق. وقد جاءت به إلاثار. قال: وإنما الرخصة فى القول والقلب مطمئن بإلايمان. وإما على أن يعمل عملاً فيسجد لغير الله أو يصلى إلى غير القبلة أو يشرب الخمر ويأكل الخنزير أو يزنى أو يقتل مسلماً أو يضربه أو يأكل ماله وما أشبه ذلك فلا رخصة له وإن خاف القتل. قال ابن عباس: التقية بالقول وليس بالفعل ولا باليد. وقال محمد بن الحسن: إن كان الصنم إذا سجد إليه قبالة القبلة فله أن يسجد وينوى القبلة، وهو قول حسن. ومن كتاب ابن سحنون قال الأوزاعى: أبيح للمكره القول ولا يصدق ذلك بعمل. قال: فإن أكره على ذلك مثل السجود للوثن أو صليب أو أكل خنزير وشرب خمر، فلا يفعل وليختر القتل، وقاله قتادة. وقال سحنون: يسعه أن يفعل ذلك كما يسعه فى القول. وقال الحسن ومكحول: يكره على القول والعمل وهو يسر إلايمان.
قال سحنون قال مالك والأوزاعى أخبره عنهما الوليد: قد أسر عبد الله ابن حذافة صأحب النبى صلى الله عليه وسلم، فطبق عليه فى بيت مع خمر وخنزير ليأكل من ذلك ويشرب، فآخرج بعد ثلاث ولم يفعل وكاد أن يهلك، فقال لصأحب قيسارية: إن الضرورة تبيح لى ذلك ولكن كرهت أن أشتمك بالإسلام.
[3/ 312]

(3/312)


وروى الوليد عنهما فى أسير قدم للقتل بعد أن صلى العصر أيركع ركعتين؟ قإلا: ليركع فى كل وقت. وقال ابن نافع عن مالك قال ما سمعت ذلك. قال سحنون: لا يركع إلا فى وقت تصلى النافلة. قال الأوزاعى وسحنون فى أسير موثوق منع من الصلاة، قإلا: يصلى إيماء. قال سحنون: فإن أطلق فى الوقت أحببت له أن يعيد وما ذلك عليه. قإلا: فإن حيل بينه وبين الماء فليتيمم ويصلى. قال الأوزاعى: فإن حيل بينه وبين التيمم فلا يدعه وإن قتل، إلا أن يكون فى حديد ولا يقدر معه على وضوء ولا تيمم. قال سحنون: إذا خاف القتل وسعه ترك التيمم، وكذلك ترك الصلاة.
وروى معن عن مالك فيمن كعمه العدو ثم حلوه، أنه لا يعيد ما مضى وقته من الصلاة. وعلى رواية ابن القاسم فى الذين تحت الهدم: يعيدون أبداً. وابن نافع لا يرى على من تحت الهدم إعادةً. قال الأوزاعى: ليس على أسارى المسلمين جمعة. قال سحنون: ولو كانوا جماعة يكون لمثلهم جمعة ولم يمنهم من ذلك العدو فليجمعوا، كانوا فى سجن أو فى مدينة مسرحين. قال ابن شهاب ومالك والأوزاعى: إن الأسير يتم حتى يسافر. قال سحنون: ويسألهم عن المسافة ويقبل منهم.
قال معن عن مالك: ولا بأس على المجاهد أن يصلى بالسيف قد قتل به المشرك ولا يغسله.
قال الأوزاعى: وإذا دعى الطاغية من عنده من أسارى المسلمين أن يقاتلوا معه من خالفه من أهلملته ويخليهم إن فتح له، فإن قاتلوا معه لأنجاز ما وعدهم لا ليحظوا عنده أو ليعزوا دينه فلا بأس بذلك. فعله فروة بن مجاهد فى أصحاب
[3/ 313]

(3/313)


له من التابعين مع طاغيته الرومى غزوة برجان، ففتح لهم فأطلقهم، فلم ير من كان يومئذ من العلماء بذلك بأساً.
قال الأوزاعى: ويسعهم أن يقاتلوهم من غير دعوة إلى الإسلام، وما غنموا فهو له لأنهم كعبيده. قال سحنون: بقول مالك أقول: أنهم لا يقاتلون معه وإلى من يدعوهم.
قال ابن القاسم: وكذلك لو كان عنده تجار فأراد أن يقاتلوا معه فلا يفعلوا ولا يجوز لهم ذلك. وقال مالك فى الروم يقولون لأسارى مسلمين عندهم: قاتلوا معنا أعداءنا من الروم ونطلقكم، فلا يجوز هذا إلى من يردونهم.
من العتبية: قال يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فى أهلبرشلونة حين أجل لهم العدو سنةً لرحلتهم، فتخلف بعد إلاجل من المسلمين من أغار على المسلمين وأخاف وسبى وقتل أو لم يقتل، قال: هو كالمحارب إن أصابه الإمام رأى كالمحارب ولا قتل عليه ولا عقوبة إذا تبين أنه يخاف وأنه مأمور.
ومن كتاب ابن سحنون: قال قتادة فى امرأة سبيت فخافت الفضيحة: أتقتل نفسها؟ قال: لا ولتصبر. قال الأوزاعى: ولا تؤتى إلا عن ضرب. قال سحنون: إنما عليها أن لا تؤتى طائعة، فإن أكرهت وسعها. وإذا خافت القتل أو ضربت وسعها. وكذلك المطلقة ثلاثاً يطأها زوجها فليس عليها قتلها ولا قتله ولكن لا يأتيها إلا مكرهة.
قال الأوزاعى فىالأسير يأمره سيده أن يسقيه الخمر قال: لا يفعل وإن قتل. قال سحنون: بل يسقيه إن خاف القتل أو قطع جارحة له. قيل: فأى ذلك أفضل؟ قال: يسقيه إن خاف القتل أو خاف ضرباً يخشى منه الموت وإلا فلا، ثم رجع فقال مثل قول الأوزاعى.
[3/ 314]

(3/314)


قال الأوزاعى: وإن أمره الطاغية بقتل العلج فليفعل. قال سحنون: كل من للأسير قتله إن جفى له فليطعه فى قتله ولا يطيعه فى من ليس له قتله إن جفى له، مثل أن يطلق ويؤتمن فلا يسعه ذلك. وإما الذى فى وثاق أو سجن فله ذلك بأمره أو بغير أمره. ولو كان مطلقاً وأخذ الطاغية عدواً له من البرجان فله قتلهم بأمره لأنهم عدو لم يأتمنوه على شىء. وإن أمر بقتل أسير مسلم فلا يفعل وإن خاف القتل. فإن قتله قتل به إن طفر به.
قال الأوزاعى: وإن أخذ مال أسارى مسلمين فأعطاه إياه كرهت له أخذه. قال سحنون: حرأم عليه أخذه، قال: وإذا رأودته امرأة سيده أن يطأها فإن لم يفعل كذبت (عليه أنه رأودها فخاف على نفسه، فلا يسعه وطأها بهذا. وإن أكرهه الطاغية على أن يزنى بمسلمة) أو حربية وإلا قتله أو قطع جارحة له فلا يفعل.
قال سحنون: وللأسير أن يخيط عندهم ويعمل من الصنائع مالا يضر بالإسلام، ولا يصقل سيفاً أو يعمل سلاحاً إلا أن يخاف القتل أو الضرب فليفعل. وله أن يشترى منهم المضحف ويحتال آخراجه من بلدهم، وأكره أن يأخذ منهم قراضاً، وإنما لم أكره أن يخيط لهم ويعمل لضرورته، ولا يعمل لهم سلاحاً قد علم أنهم لا يقاتلون به الإسلام وإنما يقاتلون به البرجان.
قال سحنون: وللأسير أن يحرم بالحج وأن علم أنهم لا يخلونه. وقد أحرم البنى صلى الله عليه وسلم، وهو يعلم أنه يصد.

قال: فإذا أتى إلى الوقت لو أطلق علم أنه لا يدرك حل مكأنه. وإن خاف العنت فله أن يتزوج وينكح مسلمة أحب إلينا، ولا يعقد هو نكاحها وليل ذلك رجل مسلم بأمرها. فإن لم يجد لم يجزله النكاح.
(قال أبو محمد: لم ذلك؟ فإن كان لأنه كعبد فإن العبد يعقد على غير، وإنما أراه لاشتهار النكاح).
[3/ 315]

(3/315)


قال ابن حبيب: كره له مالك أن يتزوج حتى يخشى العنت. فإن خشيه فأحب إليه أن يتزوج من قعد عن الولد، وحكى مثله سحنون عن الأوزاعى. قال سحنون: صواب، ولا يتزوج صغيرة ًلا يلد مثلها إذ قد يأتى وقت يلد مثلها إلا أن يخشى العنت. وكذلك إن لم يجد من الكبار من لا تلد وخاف العنت فليتزوج ولا يعزل إلا بإذنها، وشراؤه للأمة أحب إلى لأنه يعزل عنها لأنه إنما يكره له لئلا ينتشر ولده بأرض الكفر، وكرهه ابن شهاب ومالك والأوزاعى.
وإذا سبى هو وزوجته وكان العلج يطأها فلا يطأها الزوج. وله أن يقبل ويباشر وينال ما فوق إلازار كالحائض وكالمغصوبة حتى يستبرئها. وكذلك عندى: من اشترى أمةً بينة الحمل بالبراءة فهى فى ضمأنه، وله التلذذ منها فوق إلازار بخلاف من فيها مواضعة. قال أبو محمد: ومالك لا يرى له ذلك.
قال سحنون: وكذلك لمن ابتاع أمةً من وخش الرقيق بيعت على القبض، يريد ولم يطأها البائع، فله أن يقبل ويباشر ولا يطأها حتى تحيض. وكذلك لو وهبه رجل جارية لم يطأها فللموهوب أن يقبل ويباشر ولا يطأها حتى تحيض. وقال الأوزاعى: وإذا أسر مع أمته فلا يطأها لأنها فى ملكهم. قال سحنون: له وطؤها إن خفى له، ولا يزول ملكه عنها إلا أن يسلموا عليها.
قال أبو محمد: يريد إن لم يطأها سيدها، أو يريد: فوق إلازار إن كانت يطؤها سيدها.
قال ابن حبيب: إذا كانت معه زوجته أو أمته، وهى عند سيده أو عند غيره، فكره له مالك وطأها خيفة أن ينتشر ولده بأرض الكفر. وكذلك ذكر ابن المواز عن مالك: كما يكره للأسير أن يتزوج هناك. قال ابن حبيب: وهذا إنما يكره إذا خلوا بينه وبينها ... فإما إن لم يفعلوا وصار من هى له أملك بفرجها فلا
[3/ 316]

(3/316)


يجوز له وطؤها سراً ولا جهراً، بإذن من صارت له ولا بغير إذنه، وقاله الأوزاعى. وقال نحوه ابن القاسم: إن أمره أن يطأ الحرة والأمة من سباها فذلك له وإلا فلأن، ثم كره الأمة لأنها بملك الكافر معلقة، إذ لو أسلم عليها كانت له. قال سحنون: ذلك له.
وكذلك روى يحيى/بن يحيى عن ابن القاسم فى العتبية: أنه إن أيقن أن من سباها لا يطؤها، فلزوجها وطؤها حلال، إلا أنى أكرهه لنشر ولده بدار الكفر. وذكر فى الأمة مثل ما تقدم أنه كره له وطأها لتعلق ملك من سباها بها لو أسلم عليها، فتركه أحب إلى.
وقال سفيان فى كتاب ابن سحنون فىالأسير يقال له: مد عنقك للقتل فيفعل خوفاً إن لم يفعل أن يمثل به، فلا يعجبنى أن يعين على نفسه. قال الأوزاعى وسحنون: ذلك له، وليس بمعين على نفسه لخوف المثلة. ولو كان مع ابنه فقال: قدموا ابنى قبلى لأحتسبه، فكره ذلك سفيان وأجازه الأوزاعى وسحنون. قال الأوزاعى: وإن كانوا نفراً فقال لهم أحدهم آبدئوا بهذا فبئس ما قال. قال سحنون: هذا إن كان العدو يسمعون منه وإلا فلا بأس عليه. ولم يعجب الأوزاعى أن يقول لقاتله خذ سيفى فأنه أحد وأجازه سحنون.
قال سحنون: وللأسير إن شاء أن يأخذ سيفاً فيقاتلهم ولا يرجو نجاةً يريد الشهادة، وفى ذلك توهين لهم. وإن خاف أن يضر بغيره من الأسر ى فذلك له وإن كان بقسطنطينية، وقاله الأوزاعى. وإن ألقى نفسه وقال لا أتبعكم، وهو لا يمتنع من ذلك إلا قتل فذلك له.
[3/ 317]

(3/317)


في الأسير المسلم أو من أسلم بدار الحرب
هل له أن يفعل ما يمكنه من هروب أو جناية أو قتل أو سبى
وكيف إن سرحوه بشرط أو عاهدهم على أمر
وكيف إن زنى أو سرق

من كتاب ابن المواز، وهوفى العتبية عن أصبغ وعن ابن القاسم: وقال في الأسير إذا أمكنه الهروب ممن هو عنده من العدو، فإما المخلى يذهب ويجىء فذلك له جائز إلا من خلى على عهد. فإن لم يخل على عهد فله أن يقتل ويغنم ويأخذ ما أمكنه. وكذلك من كان منهم فى وثاق (فاحتال فى كسر قيده بنفسه، فإما إن أطلق من وثاق) بشرط إلا يهرب ولا يخونهم فهذا لا يسعه ذلك.
وروى نحوه عيسى عن ابن القاسم قال: وقاله من أرضى، وأشك أن يكون قاله مالك فى الذى خلى على أمان فلا يجوز له أن يهرب ولا يأخذ لهم شيئاً، وإن أرسلوه على غير أمان على ما يرسلون العبد ولا يخافونه فله أن يهرب ويأخذ ما قدر عليه.

قال ابن المواز: (إلا أن يكون الذين أطلقوه من وثاق خلوه فى بلد لا يقدر أن يهرب منها وخلوه على أن لا يهرب فهذا له أن يفعل من ذلك ما أمكنه.
قال ابن المواز) قال ابن القاسم: وإذا لم يشترطوا ذلك عليه حين أطلقوه من وثاقه فله أن يفعل ما أمكنه من ذلك من أخذ مال وقتل وسبى النساء والذرية. وإن أطلق بشرط أن لا يهرب ولا يحدث حدثاً فلا يجوز له أن يفعل شيئاً من ذلك وذلك كالعهد.
[3/ 318]

(3/318)


قال أصبغ: وإن لم يكن فيه يمين.

قال ابن المواز: وإذا خلوه على أيمان، فإما مثل العهد والوعد فذلك له لازم. وإما أيمان بطلاق أو عتق أو صدقة فلا يلزمه لأنه إكراه. وقاله لى أبو زيد عن ابن القاسم: إذا خلوه على أن حلف بطلاق أو عتق أو غيره فلا يلزمه وهذا مكره.

قال أشهب: وإن خرج به العلج فى الحديد ليفادى به فله إذا أمكنه قتل العلج والهرب أن يفعل. قال يحيى بن سعيد: إذا ائتمنوه على أموالهم فليرد أمان ته. وإما إن كان مطلقاً فقدر أن يتخلص يأخذ من أموالهم ما لم يؤتمن عليه فذلك له.
قال ابن المواز: ولو هرب بجارية أو غيرها فلا خمس فى ذلك لأنه لم يوجف عليه، وهذا إن كان إنما أسروه فى بلد الإسلام. فإما إن كان هو خرج إلى بلد الحرب فأسر فعليه الخمس فيما غنم لأنه لم يصل هو إلا بالإيجاف.
قال ابن المواز: ولا يطأ الأمة ما دام ببلد الحرب حتى يصل إلى بلد الإسلام فيطأ، يريد وقد إستبرأها.

قال ابن القاسم: وله أن يسرق ما بأيديهم ولا يعام لهم بالربا. وقال أشهب فىالأسير يدفعون إليه ببلد الحرب الثوب يخيطه فلا يجوز أن يسرق منه. قال محمد بن المواز: وما سرق منهم ثم تخلص منهم فلا إثم عليه. وإما ما عام لهم فيهم بالربا فليتصدق بقدر ما أربى. وكذلك ما خان إذا لم يقدر على رد ذلك على من خأنه. وإما إن زنى ثم قدم فقال ابن القاسم: يحد إن قأمت به بينة، وإلا فليستتر. فإن أتى الإمام فأقر وتمادى على إقراره (فأنه يحد. قال أصبغ: زنى بحربية أو أمة لأن ذلك حرأم عليه لا تأويل فيه). وقال عبد الملك: لا حد فى زناه بهم ولا فى سرقته أموالهم. [3/ 319]

(3/319)


ومن كتاب ابن سحنون قال: قال الأوزاعى إذا زنى فيهم حد حد البكر وإن كان محصناً. قال سحنون: لا أرى ذلك، وابن القاسم يقول: حد حد الزنا. وأشهب يقول: لا يحد لأنها شبهة لما كان له أن يسيبهم ويسترق ويأخذ ما قدر عليه صار بذلك شبهةً. ولوكان زناه فيهم بمسلمة أو ذمية أو سرق من مسلم أو ذمى لزمه الحد كما يجب فى ذلك كله. وكذلك لو حارب فقطع الطريق فلا شىء عليه إلا أن يفعل ذلك بمسلم أو ذمى. وقال سحنون: يقول ابن القاسم: كما لو زنى بأمة من الخمس. وإما لو حاربهم فى بلدهم فقتل وأخذ المال لجاز له لأن له قتلهم، وليس له وطء نسائهم.
ومن العتبية: قال أصبغ عن ابن القاسم فىالأسير يدخلونه فى بلادهم على القهرة له: فله إذا أمكنه أن يهرب ويسبى النساء والذرية ويأخذ ما قدر عليه. وإذا خلوه على أن لا يهرب ولا يحدث حدثاً فليس له أن يفعل شيئاً من ذلك، سواء إذا تركوه على هذا كان فى وثاق أو مطلقاً.
ومن كتاب ابن سحنون قال سحنون: كل أسير حر أو عبد كان عند العدو غير ممتنع منهم فأمنهم وأمنوه (أو أخذوه، ثم أطلقوه وائتمنوه فليف لهم. وإن لم يؤمنهم من نفسه ولكنهم أمنوه) وأدخلوه دارهم فلا يغدرهم ولا يخنهم ولا يأخذ لهم شيئاً. وقال ابن حبيب فىالأسير: إذا اؤتمنالأسير على شىء من أموالهم ورقيقهم ونسائهم فليؤد أمان ته، لا يجوز له أن يهرب بشىء من ذلك كان مطلقاً أو غير مطلق، وله الهروب بنفسه خاصةً وإن أطلقوه على الطمأنينة له ما لم يطلقوه على أن لا يهرب. قال: وله أن يهرب بما لم يأتمنوه عليه. قال: ولو جعلوا أموالهم/فى يديه على وجه الغلبة والرق فله أن يهرب بها، وهى لا خمس فيها.
[3/ 320]

(3/320)


قال مالك ومطرف وابن الماجشون: ولو كان هروبه إلى جيش دخل بلد الحرب، فإن كان لولا الجيش لم يمكنه الهروب فذلك داخل فى الغنيمة ويخمس، إلا ما كان له خاصةً من كسبه أو هبة وهبت له ونحوه. والقول قوله فيما قال أنه له من ذلك مع يمينه، وقاله كله أصبغ.
قال ابن سحنون عن أبيه: وإذا أطلقوه من وثاق بعهد على أن لا يهرب ولا يخونهم فذلك يلزمه، وإن أخذ شيئاً رده. قال محمد وقال سفيان: له أن يهرب، واختلف فيه عن الأوزاعى، فقال: يكفر يمينه ويهرب فى أحد قوليه. قال سحنون: لا وجه للكفارة فى العهد، وإنما فيه الوفاء به أو لا يوفى إذا لم يلزمه الوفاء به. وإن كان على إلا يجاهدهم لم يلزمه وله أن يجاهدهم. قال: وله أن يعاهدهم على ذلك لينجو ولا يلزمه، ثم قال بعد ذلك: وأحب إلى أن لا يغزوهم إلا فى ضرورة تنزل بالإسلام. وإذا كفل به مسلم أو ذمى أو حربى على أن يطلق من وثاق على أن لا يهرب، فإن كان شأنهم قتل الكفيل فلا يهرب كان حربياً أو غيره. وإن كان شأنهم أن يغرموه مالا فليهرب وليبعث إليه بما غرموه. وإن كان شأنهم حبسه يسيراً أو ضربه ضرباً خفيفاً فله أن يهرب. وإن كان يضرب الكفيل كثيراً أو يحبس طويلاً أو مؤبداً فلا يهرب الأسير. وإذا حلوه من وثاق وأمنوه وهو فى حصن نزل به المسلمون أو سمع بهم لم يسعه أن يدل المسلمين على عورة ولا ينزل إليهم من سلاحهم ولا ينزل إليهم حبإلا يصعدون بها ولا يغتالهم فى نفس ولا مال.

قال مالك: وإما الموثق فليأخذ ما أمكنه ويهرب ويدل على العورة. وإن حلوه من وثاق ليسقوه ماءً أو يأتى لحاجة فليس له أن يحمل عليهم فيقاتلهم. فإن رأى فلينبذ إليهم على سواء.

ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: وإذا خلى أهل الحربأسارى مسلمين ببلدهم مسرحين، فقال غيرنا إن لهم إن قدروا على أن يقتلوا من أمكنهم ويأخذوا
[3/ 321]

(3/321)


ما قدروا عليه ويهربوا. قال سحنون: ليس لهم ذلك، وهذا كأمان من الأسر ى لهم. قال سحنون: إما الهروب فذلك إن أمكنهم، قاله مالك.
قال سحنون: إذا قالوا للأسرى قد أمناكم فإذهبوا حيث شئتم، فلهم أن يهربوا ولكن لا يقتلوا أحداً ولا يأخذوا مالا.
قال أبو محمد قال غيره: إن سرحوا على عهد فلا يفعلوا شيئاً من ذلك. وإما لو لم يطلقوهم على عهد لكان لهم ذلك.
قال سحنون وإذا أسلم قوم بدار الحرب حل لهم قتل من أمكنهم وأخذ أموالهم. ولو أخذهم الملك فإنكروا إسلأمهم فتركهم، فلهم أن يفعلوا مثل ذلك وليس كمن دخل إليهم المسلمين يقولون إنا نصارى، فيصدقونهم ويدعونهم يدخلوا لأن تركهم يدخلون أمان وعهد فلا يتعدوا عليهم. وإن ذكروا للملك إسلأمهم فقال أنتم أمنون، ولم يؤمنوه هم ولا قالوا له شيئاً ولا فشا هذا بالبلد حتى يعرف أهل البلد أنهم فى أمان، فلهؤلاء ان يقتلوا ويأخذوا ما شاءوا. وكذلك لو قال لهم أمنتكم فألحقوا بأرض الإسلام فلم يقولوا له شيئاً، فلهم أيضاً ما أمكنهم من قتل أو غيره ويخرجون من بلد الحرب. وإن فشا أمان الملك لهم فلا أحب لهم أن ينالوا منهم دماءً ولا مالا. وقال بعض أهل العراق: وإن دخل مسلم أرض الحرب بلا أمان فأخذ (فقال أنا منكم أو قال جئت أقاتل معكم فتركوه فله أن يأخذ من أموالهم) ما أمكنه ويقتل من أمكنه، وليس الذى قال بأمان منه لهم. فقال سحنون: ما تبين لى هذا، وقد كان قال: لا يقتل ولا يأخذ شيئاً، وتركهم له كالأمان. وإذا أمنوه أمنوا منه.
[3/ 322]

(3/322)


فىالأسير المسلم يؤمنونه على أن يأتيهم بمال أو يبعث إليهم بسلاح
من كتاب ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون فى أسير مسلم بيد العدو فأطلقوه على أن ياتيهم بفدائه: فله أن يبعث بالمال إليهم ولا يرجع هو. فإن لم يجد الفداء فعليه أن يرجع. وإما إن عوهد على أن يبعث إليهم بالمال فلم يجده فهذا يجتهد فيه أبداً وليس عليه أن يرجع، وقاله أصبغ.
ومن كتاب ابن سحنون: قال عطاء والأوزاعى فيمن أسرته الديلم، فأطلقوه بعهد على أن يبعث إليهم بكذا فإن لم يقدر فليرجع، فلم يقدر، قإلا: يرجع إليهم، ولكن على المسلمين أن يفدوه. وقال سفيان: لا يرجع إليهم. قال سحنون: من أصحابنا من قال لا يرجع ويسعى فى فدائه، ومنهم من يقول يرجع، وقاله أشهب. قال سحنون: وأنه لحسن وربما تبين لى هذا وربما تبين لى القول الآخر.
قال: ولو فدى أسير نفسه بألف دينار يبعثها إليهم ففعل، ثم غنمها المسلمون بعينها، فهى فىء لا حق للأسير فيها. وعن أسير مسلم صالح العلج الذى هو فى يديه على مال على أن يطلقه ليأتيه به، وأخذ عليه عهد الله إن لم يجد ليرجعن، فذهب فلم يجد؛ فإما على قول مالك فليرجع إليه، وقال سحنون. لا يرجع إليه وليبعث إليه بما وجد، ويبقى الباقى عليه حتى ييسر. ولو خلوه على أن يبعث إليهم بخيل وسلاح فليبعث إليهم بذلك ولا يمنعه الإمام. فإما على أن يبعث بالخمر والخنازير فلا يفعل، وليبعث إليهم بفداء مثله.

فى الحكم فى زوجةالأسير وماله وغير ذلك من أحكأمه
من كتاب ابن حبيب: قال مالك وأصحابه فىالأسير يوقف ماله وزوجته وينفق عليها منه وعلى من تلزمه نفقته حتى يعلم صحة موته بالبينة.، إن
[3/ 323]

(3/323)


عرف موضعه ولم ينقطع خبره. (فإما إن انقطع خبره بعد أن عرف موضعه أو جهل خبره من أول ما فقد فى المعترك، فليعمر ثم يحكم) بموته، ويرثه ورثته يوم ذلك الحكم بموته، ومن يومئذ تعتد أمرأته للوفاة. وقال مالك مرةً فى التعمير أقصاه ثمانون، وقال مرةً تسعون. وبالثمانين أخذ ابن القاسم ومطرف، وبه قال ابن حبيب. قال وأخذ بالتسعين ابن الماجشون.

وما قضىالأسير فى ماله الذى خلف عندنا، فما كان فى أول أسره وعند الخوف عليه فهو فى ثلثه إن مات أو قتل فى فوره، إذا كان خوفه كخوف من حبس للقتل وصح علم ذلك. فإما من طال لبثه عندهم فذلك فى رأس ماله، قاله مطرف وابن الماجشون وأشهب وأصبغ وغيرهم.

ومن مات له من موروث وقد علمت حياته أو علم أنه مات بعد موروثه فليؤخذ ميراثه منه فيضم إلى ماله. وإن جهل خبره أوقف له ميراثه فى ولده أو غيره. فإن صحت حياته أو أنه مات بعده ضم إلى ماله. وإن جهل ذلك حتى موت بالتعمير رد ذلك إلى ورثة ولده وبقى مالا لأسير لورثته يوم قضى بموته.
وإن علم أنه تنصر طائعاً أو لا يدرى طوعاً أو كرهاً، فرق بينه وبين زوجته ويوقف ماله، ولا ينفق منه على من كان ينفق منه عليه. وإن علم أنه مكره فأحكأمه قائمة كمن لم ينتصر فى الزوجة والمال.

وهذا الباب أكثره فى المدونة ومكرر فى غير موضع.

فيمن دخل دار الحرب بأمان هل له أن يحدث حدثاً
من كتاب ابن سحنون: ومن دخل دار الحرب بأمان منهم فهم فى أمان منه لما أمنوه. وإن اغتالهم فقال أمنونى ولم يعطهم هو أمان اً لم ينفعه. وإذا أمنوه فلا يسفك لهم دماءً ولا يأخذ لهم مالا. وإن دخل بغير أمان فله قتل من أمكنه
[3/ 324]

(3/324)


منهم وأخذ ما قدر عليه من مالهم. ولو كان إنما أمنه رجل واحد من الروم فذلك يوجب أن يكون الروم كلها أمنين منه. ولو أعطاه ملكهم شيئاً من أموال أهلمملكته أو أمره أن يقتل رجلاً منهم فإن كان دخل إليهم بأمان فلا يفعل. وإن كان أسيراً عندهم ولم يدخل بأمان فله أن يقتل من أمره ويأخذ بأوأمره. ولو أنزله عند بعضهم وأمره أن ينفق عليه، فإن كان دخل عندهم بأمان وكان ذلك النزول ظلماً من الطاغية للمأمور بالنفقة فلا يجوز ذلك. وإن كان أمراً قد صبر عليهم كالجزية وأمراً جرى عليهم وليس بظلم، فله أن ينزل حيث أمره. وإن كان لم يدخل بأمان فله أن ينزل عليه ويأكل ماله كيف أمكنه.

وعن رجل دخل إلى ملك السودان زائراً له، فيجعل مالا على بعض مملكته فيهبه فلا يصلح أن يأخذ من ذلك شيئاً.

وعن قوم مسلمين أتوا دار الحرب غير ممتنعين، فقال لهم مشائخ أهل الحربآدخلوا أمنين فدخلوا، فلا يحل لهم أن يعرضوا لأهل الحربفى شىء. ولو أن أهل الحربلقوا مسلمين فأخذوهم، فقالوا نحن تجار (دخلنا إليكم بأمان من أصحابكم فصدقوهم، فلا ينبغى للمسلمين بعد هذا أن يقتلوا منهم أحداً). فإن عرض لهم أهل الحرب وعلموا كذبهم فحبسوهم ثم انفلتوا فلهم قتلهم وأخذ أموالهم.
وكذلك لو دخل مسلمون إلى ملكهم بأمان، فغدر بهم فحسبهم، فلهم إن أمكنهم القتل والسبى فليفعلوا. وإما لو فعل هذا عام تهم فإنكر ذلك ملكهم وغيره فالقوم على عهدهم ولا ينبغى لهم أن يستحلوا منهم دماءًولا مالا. وإن لم يغير ذلك ملكهم ولا أنكره حلت لهم دماؤهم وأموالهم.
[3/ 325]

(3/325)


فى مفاداة أسارى المشركين
وكيف إن رهنوا رهائن أو أعطوا عهداً
وفى حربى فدى زوجته ورهن ولده فى الفداء

من كتاب ابن حبيب: قال الله سبحانه: (فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب)، فنهى عن الأسر فى أول اللقاء: (حتى إذا اثخنتموهم)، يقول: بالقتل والغلبة (فشدوا الوثاق) فإذن فى الأسر هاهنا. وقال سبحانه: (فإما منا بعد وإما فداء)، فالمن العتق، والفداء أخذ المال منهم، وذلك فى الضعفاء منهم والنساء والصبيان. فإما من يخشى منهم من الشباب والمراهقين فقد استحب من مضى من الخلفاء قتلهم. فإن استبقوا فلا يقبل منهم الفداء بالمال. ولا حجة لقائل إن النبى صلى الله عليه وسلم قد فادى أسارى بدر، لأن الله تعالى لم يإذن له فى ذلك، وقد عاتبه عليه فقال: (ما كان لنبىء أن يكون له أسرى حتى يثخن فى الارض)، إلى قوله: (لولا كتاب من الله سبق)، إلاية. ولا بأس أن يفدى المسلمالا سير بمشرك وإن كان الكافر قائداً شريفاً. وإما أن يفدى الكافر بالمال فلا، قاله مطرف وابن الماجشون. وإما الضعفاء والنساء والصبيان فلا بأس أن يفادوا بالمال ما كان الجيش بأرض الحرب أو بفوز خروجه إلى بلد الإسلام. فإما بعد تقرقهم فى بلد الإسلام وقرارهم بها، طال مكثهم أو لم يطل، فلا يفادوا إلا بأسرى المسلمين، قاله الأوزاعى ومطرف وابن الماجشون وأصبغ.
قالوا: ولا يفادى الصغار منهم بمال إذا لم يكن معهم آباؤهم وإن كانوا من أهل احد الكتابين، ويفادوا بالمسلمين. وإذا رضى مسلم فى فداء أسير بيده بمال فلما أخذه تبين له أنه من قوادهم أو أشرافهم ولم يكن عرفه فذلك يلزمه ولا رجوع له.
[3/ 326]

(3/326)


ومن كتاب ابن المواز: ويفدى العلج منهم بمسلم لا بالمال، ما لم يكن المفدى منهم معروفاً بالشجاعةوالذكر، فليفد بمثله فى الذكر من المسلمين. فإن لم يوجد اجتهد فيه الإمام.

قال أبو محمد: وهذا فى باب ما يكره بيعه من أهل الحرب.

ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: قال فىالأسير من الروم بيد مسلم، فيفاديه على مال ويرهن فيه ابنه أو أخاه صغيراً أو كبيراً حربياً أو ذمياً، أو شرط أن يكون لهم عبداً إن لم يأته المال، (قال: لا يصلح فداء الرجال بالمال ولكن بالمسلمين، ولكن لا ينبغى أن يأخذ هذا فيه رهناً إلا رجلاً هو فى بأسه كالأول أو أشد، ثم إن شرط أن يكون هذا عبداً إن لم يأت بالمال) فله شرطه. وإذا رهنه بالمال وأبطأوا فلم يأت بالمال فوداه هذا الرجل المرهون، فليخل ويوفى له بشرطه. وإن شرط أن يكون هذا الرهن عبداً، أو ذمى أو معاهد فلا يرق نفسه، ولكن عليه قيمةالأسير أو المال الذى شرط فى فدائه.
وقال سحنون عن أشهب فى علج سبى أهله فقال للأمير: أعطنى أهلى وأدلك على مائة رأس، فرضى وبعث معه خيلاً فدلهم على سبعين، قال: لا يعطى أهله حتى يتم المائة، وهذا عهد ليس من باب الإجارة. وقال ابن القاسم: إن لم يبق إلا يسير تافه، فليأخذ أهله. وقال الأوزاعى: كانوا يقولون إن جاء بالنصف فأكثر أخذ أهله. وإذا أسروا مسلماً أوعبداً فخرج إليهم أخو المسلم أو سيد العبد فى بر أو بحر ففداه بمال أو بعبد ورهنهم رهناً، ثم طلبهم المسلمون فظفروا بهم بعد أن بلغوا بلدهم أو قبل: إن ذلك فىء إلا الرهن فربه أحق به لأنهم لم يملكوا الرهن، وعليه أن يبعث إليهم بالفداء ويفى لهم به.
[3/ 327]

(3/327)


ومن العتبية: روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فى العلج يباع فى المغنم، فيفدى نفسه بمال فيرهن فيه ابنه أو ابنته، ثم يذهب ليأتى به، فيقيم ببلده ويخيس بهم؛ فإن كان الولد كبيراً فليسترق وللسيد بيعه إذا تبين قعود العلج ونقض ما خرج عليه. وإن كان إلابن صغيراً فليطلق إذا تبين خفر أبيه. وإلابنة مثل إلابن البالغ بخلاف الصغير كما قلنا. وإما إن مات أو قتل فى الطريق وتبين أن له عذراً ولم يمكث حتى مضى عليه، لزم السيد إطلاق الولد ورده إلى مأمنه.
وقال سحنون فى كتاب ابنه: قولنا المعروف أن لا يفدى علج بمال ولكن بالأسارى المسلمين. قال: فإذا جىء بالولد من أرض الحرب فرهنهم على أن يكونوا (رهناً بأبيهم، فخاس بهم فأنهم يكونوا رقيقاً، صغاراً كانوا أو كباراً ذكوراً أو إناثاً ولا) يقتلوا ولا خمس فيهم. وإن كان إنما قدموا على أن يكونوا ذمةً ويؤدوا الجزية، فرضى الكبير أن يكون رهناً بأبيه فخاس بهم، فهؤلاء لا يسترق منهم صغير ولا كبير وعلى إلابن الكبير فداء مثل إلاب، ولا يسترقون لأن الذمة فيهم ثابتة.
ومن العتبية من رواية عيسى عن ابن القاسم، وذكره ابن المواز وابن حبيب عنه، فى العلج يفدى نفسه بأمة، فاعترفت أنها حرة، زاد ابن حبيب: أو حرة مسلمة كانت قد سبيت، (قالوا: فأنها تطلق ولا تتبع هى ولا أبوها بشىء كما لو بيعت فى المغنم ويتبع العلج بقيمتها)، زاد ابن حبيب: يوم فادى بها، ولا يرد كالمكاتب يقاطع بعبد فيستحق.
وقال فى العتبية عيسى عن ابن القاسم، وكتاب ابن المواز: وليسالأسير يسبى بمنزلة من قدم بأمان فيما فى يديه من مسلم استرقه، هذا لا يعرض
[3/ 328]

(3/328)


له فيه وله بيعه. وإن باعه من مسلم صار حراً واتبعه مبتاعه بالثمن مثل ما لو فداه، وقاله أصبغ وابن المواز. قال عنه أصبغ: وإن قدم إلينا بأمان ففدى زوجته بمال رهن فيه ابنه ثم أبطأ، قال: فإن جاء وإلا بيع عليه إلابن واستوفى من ثمنه المال، وما بقى رفعه له حتى يأتى. وكذلك ذكر ابن المواز عن أشهب مثله سواء.
قال أشهب: ولو دفع إليه بعض الثمن وعجز منه اليسيركتبوه عليه وذهب وتركها، فلم يجد شيئاً: أنها تباع عليه. قيل له: أنه اشتراها على أنها حرة. قال: نعم يباع عليه منها ما بقى من الثمن.
قال فى كتاب ابن حبيب: إذا لم يأت بالفداء وقد رهن ولده فأنه يسترق الكبير والكبيرة ويطلق الصغير والصغيرة وذلك إذا خاس بهم. وإن تبين أنه قتل أو مات أو منع المجىء فلا يسرق ولده، وليطلق وإن كان كبيراً ويرد إلى مأمنه.

وقال مطرف وابن الماجشون وأصبغ: إن كان الولد فى عهد أو هدنة فأنه يسرق، كان كبيراً أو صغيراً، خاس به الاب أو لم يخس، أو مات أو منع، لأن هذا شأن الرهن.
قال عيسى عن ابن القاسم: وإذا وافقهم فى فداء زوجته على أربعة أسارى من المسلمين سماهم، فأتى بثلاثة وقال لم أقدر على الرابع، قال فإما أعطوه أمرأته أو ردوا عليه الثلاثة. قال عيسى بل ينبغى أن يعطوه أمرأته.
وذكرها ابن المواز من أولها وقال: إذا اتى العلج فوقف قريباً من عسكر المسلمين ثم ذكر مثله. وقال أصبغ وأبو زيد: ولا يسعهم إلا أن يعطوه أمرأته.
قال أبو زيد: وهذا أحسن فى النظر للمسلمين، وكذلك لو لم يأتهم إلا بواحد واستقصى أمره فى الباقين وأيس له من وجدان ذلك. قال ابن المواز: وإن ظن أن ذلك منه إربة نظر فيه. فإن طمع به أنه لا يترك أمرأته فلا يعطاها إلا بما فارقوه عليه أو من العرض بما هو أفضل للمسلمين.
[3/ 329]

(3/329)


وقال سحنون فى كتاب ابنه مثل قول أبى زيد: إذا بقى (عليه واحد فذكر مثل ما ها هنا. قال: وقاله معن بن عيسى وابن الماجشون، وذكر ابن حبيب) مثله.
ومن كتاب ابن سحنون قال: ومن اشترى علجاً من المغنم فجاء أهله يريدون فداءه وفيه نكاية، قال يمنعه الإمام من ذلك، ولا يرد إليهم أسير يفدى بمال أو غيره إلا أن يفدى به مسلم من الرجال، وقال مرةً: إن هؤلاء الذين فيهم النكاية ويتقى منهم إذا استحياهم الإمام قسموا فإن ذلك خطأ ولا يمنعهم ذلك من القتل، ثم رجع فقال: لا يقتلوا وهذه شبهة، ولا بأس أن يؤخذ فى فداء النساء المال وفى صغار إناثهم. فأما فى صغار الذكور فلا. وقال بعض الرواة: إن كانت صبية مع أمها فذلك جائز لأنها على دين أمها. وإما إن كانت وحدها فلا يصلح لأنها على دين من سباها، ويصلى عليها فى قوله إن ماتت. قال سحنون: وإما فداء الحأمل بالمال فذلك خفيف. وإن كانت قد تلد ذكراً فذلك بعيد.

قيل لسحنون: لم منعت من فداء الأسارى بالمال، وقد أخذ النبى صلى الله عليه وسلم المال فى أسارى بدر؟ قال: قد خصت مكة وأهلها بخاصة منها أنها لم تقسم ولاخمست وهى عنوة، وقد من عليه السلام على بعض الأسارى بلا فداء، وقد أبيح له ذلك بقول الله تعالى: (فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها)، وذلك فتح مكة، ثم لا يجوز اليوم المن على المشركين، ولكن إنما هو القتل أو الرق أو الفداء بأسارى المسلمين. وقال الأوزاعى مثل قول سحنون: وليس الأمر على ما قال الحسن وعطاء إن الأسير يمن عليه أو يفادى، وإنما كان ذلك فى حرب النبى صلى الله عليه وسلم خاصةً. وسأل الأمير سحنون عن أسرى أسروا من صقلية، فلما أراد الوالى قتله، يريد: قتل رأسهم، قال: دعونى وأعطيكم
[3/ 330]

(3/330)


الحسنى، فتركه واستحيى الباقين ليفدى بهم أسارى المسلمين، فأرسل إلى الطاغية فى ذلك، وقد غنم المسلمون لهم بطارقة أكثر من هؤلاء، فأرسل الطاغية أن لا أفدى بالحسنى من ذكرت إلا بالبطارقة الذين أخذت ولا أفدى بالباقين حتى أفدى حتى أفدى بالمأخوذين من بعدهم. قال سحنون: أما العلج الذى بدل الجسنى فقد أعوزه ذلك فليقتل، وهو ممن يوصف بالنجدة. وأما الباقون فوخرهم واكتب إلى الوالى بكتابة الطاغية: فإن كان عنده بهم فداء فودى بهم، وإلا قتلوا. (وفى الباب الذى يلى هذا من معانى هذا الباب).

جامع القول فى الرهائن من العدو
من كتاب ابن حبيب قال ابن الماجشون فى الرهن يرهنهم العدو عندنا فيجوز رهنهم، فهو غدر ممن رهنهم بهم ويصيرون فيئاً لا خمس فيهم ولا مغنم، وهم أنزلوا أنفسهم بهذه المنزلة. فإن كانوا صغاراً فآباؤهم أنزلوهم بهذا، وقد كان لهم بيعهم ولنا شراؤهم، ولا يقتلهم الإمام وهم رقيق للمسلمين.
قال ابن حبيب: وإذا رهن حربى مستأمن ابنه الصغير أوقريباً له أو أجنبياً عند مسلم فى مال، فإن أسلمه بالمال طوعاً فهو رقيق للمرتهن بذلك. وإن غدر وخرج إلى بلد الحرب ولم يسلمه ولا ودى كان الرهن بذلك رقيقاً للمرتهن.
قال ابن الماجشون: وإذا أسلم الرهن فذلك مخرج لهم من الرهن. وإن أسلم عبيدهم بيعوا ودفع ثمنهم إلى المرهونين. (وإن كانوا للراهن بعث بثمنهم إليه، والمرهونون) فيما لهم وعليهم من دية وحد وميراث بمنزلة المعاهد.
وروى ابن وهب عن مالك أنه سألوه أهل المصيصة إذا رهنوا منهم سبعةً وارتهنوا من الروم سبعةً حتى يفرغ ما بينهما، فأسلم الذين بأيدينا وأبوا الرجوع إلى بلدهم إنهم يردون إليهم. قال ابن حبيب: قال من لقيت من أصحاب
[3/ 331]

(3/331)


المدنيين: ومعنى ذلك أن الروم حبسوا من عندهم من المسلمين، فيرد هؤلاء يستنقذ بهم أولئك. فإن رجى خلاص أولئك فلا يرد إليهم هؤلاء. ولو شرط أن يرد إليهم من أسلم، قال ابن الماجشون وغيره: ولا يوفى لهم بذلك، وهذا جهل من فاعله.

ومن كتاب ابن سحنون قال أشهب فى الرهن وغدر الراهن: فما دام أمر ينتظر وله وجه فليتربص له. فإن طال ففيه المراجعة، ولهم حكم المستأمنين فيما لهم وعليهم. فإذا استبيح الأمر الذى كان له الرهن غلق الرهن وذهب الأمان. قال سحنون: إذا تبين غدر الطاغية الراهن فللإمام أن يسترقهم أو يقتلهم، وهم كالفىء.

وقال سحنون: فإن جنى أحدهم خطأ فإن صح الغدر فالجناية فى رقبته إن بقى. وإن قتل بطلت. فإن تم الوفاء فذلك فى ماله وذمته.
قال أشهب: وإن أسلم أحدهم خرج من الرهن ولا سبيل عليه، ومن بقى رهن. ولو أسلم عبد أحدهم بيع عليه ودفع إليه ثمنه. وإن كان لغيرهم بعث بثمنه إلى ربه.
قال سحنون: وليس هذا قول مالك، ومالك يرى أن يرد من أسلم من الرسل والرهن، وقاله سحنون مرةً، وقال أيضاً سحنون لا يردون.
وسأله أهل الاندلس إذا رهنوا أولادهم وقد صالحناهم إلى خمس سنين فأسلموا، فقال ابن القاسم: يقول: إن شرطوا رد من أسلم فليردوا. وكذلك العبيد. وقال غيره: لا يردوا. وإن كانوا عبيداً أعطوا قيمتهم. فإن لم يشترطوا رد من أسلم فمن أصحابنا من يرى ردهم ومنهم من لا يرى ردهم. وإن نكثوا فالإمام مخير فى الرهن فى إبقائهم لما يرى من المصلحة وإمضاء الصلح لضعف المسلمين فعل ذلك. وإن فسخه لقوة المسلمين وكثرة غدر العدو كان الرهن فيئاً، إن شاء قتل أو باع. وأنكر ما قال عبد الملك أنهم لا يقتلون. قال: والإمام فيهم مخير. وإن لم يشترطوا أنهم لنا إن نكثوا فذلك سواء. ولكن إن كانوا صغاراً لم يقتلوا (وهم فىء.
[3/ 332]

(3/332)


وقال عبد الملك: إن شرطنا للرهون إنا نقتلكم بنكث أصحابكم فذلك لنا. وليس لنا ذلك فى الصغار) وإن شرطناه. قال سحنون: ولو بلغ الصغار ثم نكث الروم لم يجز قتل من بلغ إذ كان دمهم قبل ذلك لا يحل. وكذلك لو بلغوا مجانين. ولو كان فى الره مجنون لم يقتل. وإما الراهب والشيخ الزمن فيقتل لأنه لما رضى أن يكون رهناً فقد أباح دمه.
ومن كتاب ابن سحنون قال: إذا رهنوا ورهانهم فقتلوا رهننا فقد غلق رهنهم ولا أمان لهم ولا للرهن.

قلت: قال بعض أصحابنا إن أخذ الرهن منهم حسن على وجه النظر وإن شرطنا عليهم إن غدرتم أو خالفتم فلنا أن نقتل الرهن أو نسترقه. قال لا يجوز هذا الشرط ولا يلزم، ولا يقتل ولا يرق. وإن شاء أبقاه رهناً أو رده. قال سحنون: ليس هذا قولنا والشرط لازم.
جامع القول فى الرسل من أهل الحرب
وهل يقاتلهم والرسل عندنا؟

ومن كتاب ابن حبيب وهو لأشهب فى كتاب ابن سحنون قال: والسنة تأمين الرسل أن لا يهاجوا ولا يخرجوا ما دام لما أرسلوا وجه وانتظار جواب، ولهم فى هذه الحال فيما لهم وعليهم ما يحدثون ويحدث فيهم وفى دمائهم ومواريثهم مثل حكم المستأمنين.
ومن كتاب ابن سحنون: وإذا جاء الرسول لفداء أو لحاجة فالإمام مخير: إن شاء رده إلى مأمنه ولم يسمع منه شيئاً، وإن شاء أمنه وسمع منه حسب ما يراه أحوط على المسلمين. قال ويترك الرسل فى حاجتهم بقدر قضائها، فإذا فرغ منها ومن بيع تجارته خرج. وإن استبطأه الإمام أمر بإخراجه. فإن كان له دين
[3/ 333]

(3/333)


مؤجل فلم يكن له أن يبيع إلى أجل. فإن كان قريباً انتظر. وإما البعيد ومثل السنة، فليؤمر بالخروج. فإن شاء وكل، أو يقدم إذا حل.
قيل: فإن لم يشترط عليه قدر المقام فقال: ما ظننت أنكم تجعلونى، وقد بعت إلى أجل، قال ما علمت أنه يشترط عليه مقاما. قال: وليفعل الإمام ما ذكرنا. فإذا جاء لحلول الدين لم يدخل إلا بأمان مؤتنف. فإن دخل بغير أمان لم يبح لأن لذلك أصلاً وشبهة، ولا يمنعه الإمام من الدخول لدينه إلا ان يقبضه فيدفعه إليه.
قال سحنون: وإذا جاء إلى العسكر ببلد الحرب حربى بأمان، أو رسول استدل أنه رسول، فرأيا عورةً أو خيف ان يرياها فليس للإمام حبسهما بعد انقضاء ما دخلا فيه، وقد يطول إصلاح تلك العورة، ثم قال عاودنى فعاودته، فقال ان كان إصلاح العورة إلى قريب فعله. وإما إلى بغيد فلا، ثم قال: عاودنى.
قال ابن سحنون: وأرى إلا يخليهما حتى يأمن من ذلك الأمر ولا يقبل منهما يميناً أنهما لا يخبران بما علماأو حلفا أنهما لم يعلما فلا يخيلهما لأن فى ذلك هلاك الإسلام، ولكن لا يحبسهما فى قيد ولا غل، وليوكل من يحرسهما. فإن حضر قتال وخاف الشغل عنهما فليقيدهما. فإذا زال القتال حلهما وجعل من يحرسهما. فإذا قفل إلى أرض الإسلام مضى بهما حتى يصل إلى موضع يأمن منهما. فإن أطلقهما ببلد الإسلام، ثم سألاه مالا يتحملان به، فليعطهما مالا يبلغهما إلى الموضع الذى اكرههما فيه الرجوع. فإن خاف عليهما، بعث معهما من يبلغهما إلى خبرهما إذا كان يأمن فيه على المسلمين، (وإلا فليس عليه أن يبلغهما إلا إلى أدنى موضع يأمن فيه على المسلمين) وليخرج ما يعطيهما من ذلك المغنم لأنه لمصلحة الجيش حبسهما، إلا ان يقسم فيعطيهما من بيت المال. وكذلك فى الإنفاق عليهما.
[3/ 334]

(3/334)


ومن كتاب ابن حبيب قال: وإذا وجدنا الرسول مرتداً فليستتب ولا يرد إليهم. وان وجد عبداً لمسلم أبق إليهم أو غنموه فهو لمرسله، فإن كان العبد مسلماً بعث بثمنه إليهم. وكذلك إن كان مرتداً ويستتاب. وإن كان نصرانياً فله الرجوع.
وقال مطرف وابن عبد الحكم وأصبغ، وقاله ابن القاسم وأشهب إلا أن ابن القاسم قال: إن أمنوه وهم يعلمون أنه مرتد ترك. وخالفه الباقون، وقولهم أقوى.
وإن وجد الرسول ذمياً نزع إليهم أو سبى فإنه يمتنع بالرسالة ولأنه صار حربياً. وإن ألفى الرسول عليه ديون وحقوق للمسلمين أو فى يديه حر مسلم حكم عليه (فى ذلك بحكم الإسلام. وكذلك فيما أحدث من زنا أو شرب خمر وفاحشة كالحربى المستأمن. وإن أسلم) الرسول لم يرد إليهم، يريد ابن حبيب: هذا فى غير قول ابن القاسم. (قال: وإن أراد الرسول المقام ورفض ما أرسل إليه فيه لم يكن من ذلك).
ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: قيل: فإن أرسل إلينا العدو رسلاً أنغير على العدو والرسول عندنا قبل ان ينعقد الصلح؟ قال: إن كان ذلك عندهم أماناً (قد عرفوه منكم فلا تهاجموا. وإن كانت رسلكم عندهم فهو كذلك. فإن لم يكن ذلك عندهم كالأمان). فلكم ان تغيروا عليهم ان أمنتم على رسلكم. فإن خفتم عليهم فلا تفعلوا. وإذا قدم حربى بأمان ومعه سلاح، وقد كانت الرسل تقدم ومعها السلاح، فلا ينزع منهم. ونزع النبى صلى الله عليه وسلم سيف عمير بن وهب إذ قدم. وما اشتروا من سلاح وخيل فلا يتركوا يخرجون به ولا يباع منهم.
[3/ 335]

(3/335)


فيمن أسلم من حربى أو مستأمن على شىء فى يديه
من مال لمسلم أو لذمى
أو على استرقاق حر مسلم أو ذمى استأمن على ذلك
ومن كتاب ابن سحنون وابن حبيب: (روى أن النبى عليه السلام قال: من أسلم على شىء فهو له. قال ابن حبيب): فإذا أسلم الحربى أو كان مستأمناً عندنا فأسلم فلم يختلف مالك وأصحابه أن ما بيده (من أموال المسلمين أنه له دون أصحابه لهذا الحديث. وأما ما كان بيده) من حر أو من أحرار ذمتنا فليطلق ولا سبيل عليه ولا ثمن. وكل ما بيد من أسلم من أموال المسلمين فهو له إلا أن يتنزه عنه متنزه. وقد كره مالك ان يشترى ذلك منه أومن معاهد وإن لم يعرف صاحبه من المسلمين.
وذكر ابن سحنون عن أبيه ان ما بيده من مال مسلم فهو له، وكل من بيده من حر مسلم فلا سبيل عليه. واختلف فى احرار ذمتنا، فابن القاسم يراه رقاً له، وأشهب يراه حراً.
قال ابن حبيب: وما وجدنا بأيدى المستأمن من حر مسلم جبر على أخذ قيمته فى قول عبد الملك ومطرف، وروياه عن مالك. وقاله ابن نافع وخالفهم ابن القاسم، وقد ذكرنا هذا فى باب آخر. ولا يؤخذ منهم ما أحرزوا من مال المسلمين إلا بثمن وطوع. وكذلك من بأيديهم من أحرار ذمتنا.
وقال ابن المواز: لا يعرض للمستأمن عندنا فيما بأيديهم من متاع المسلمين ومن عبيدهم، ولا أحرار مسلمون وذ ميون ومكاتبون ومدبرون، يريد وأمهات وأولاد، قال: وله بيع ما شاء من ذلك وأخذ ثمنه أو الرجوع به بعد أن يغرم ما نزل عليه، يريد: على قول ابن القاسم وروايته. وعبد الملك يرى ان يعطوا قيمة المسلمين الأحرار وإن كرهوا.
[3/ 336]

(3/336)


قال ابن المواز: فأما إذا أسلم المستأمن والحربى فلا حق له فى كل من بيده من حر مسلم ويخرجون من يده بلا عوض، لم يختلف فى ذلك.
واختلف فى الذمى الحر فرآه ابن القاسم رقيقاً له. وقال أشهب: لا يرق ويرجع إلى ذمته بلا ثمن. وأما كل مال لمسلم فهو له حلال إذا أسلم عليه، فلا يؤخذ منه إن عرفه ربه، ولا بالثمن إلا بطوعه. وكذلك فيمن بيده من عبد لمسلم أو ذمى، وإنما ينزع من يده الحر والحرة من المسلمين. وأما أم الولد فلترد إلى سيدها ويتبع بقيمتها. وأما الحر الذمى فقد اختلف فيه كما ذكرنا.

ومن العتبية روى سحنون عن ابن القاسم فى العدو يغلبون على مدينة للمسلمين فاسترقوا الأحرار، ثم راسلونا على أن يسلموا أو يؤدوا الجزية على أن لا يعرض لهم فيما ملكوا من الأحرار من مسلم ومسلمة وذرية، ومال، قال: إن قوى عليهم المسلمون فلا يجيبوهم إلى هذا إلا أن يرضوا بالأموال فقط، فهو سهل إذا كان لا ينالونهم إلا بقتل من المسلمين. وإن علم أنهم لا يقوون عليهم فذلك لهم. وهم كالروم لو طلبوا الإسلام على هذا فإنا نجيبهم. وكذلك من لا يطمع بهم. فأما إذا جابوا إلى الإسلام وهو بأيديهم فليعتقوا عليهم لإسلامهم. وان لم يسلموا وصالحوا على الجزية، لم تؤخذ منهم إلأموال، ولكن يباع عليهم العبيد المسلمون كمن أسلم بيد الذمى. وأما الأحرار فليدفع إليهم قيمتهم من بيت المال ويخرجوا أحراراً.
وذكر ابن سحنون عن أصبغ فى أمير الجيش إذا صالح حصناً أن يخرجوا إلى أرض الإسلام على اداء الجزية على ان يسترقوا من بأيديهم من أحرار المسلمين، وفعل هذا جهلاً، قال قد أخطأ وللإمام ان يعطيهم قيمتهم من بيت المال ويطلقهم أحراراً.
[3/ 337]

(3/337)


ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: وكل من أسلم من الحرب وقد غلب قبل إسلامه على شىء من مال مسلم أو معاهد أو محارب فهو له، كان قائماً أو مستهلكاً.
وإما الدين فمن كان له ربا فلا يأخذ إلا رأس ماله. وما كان له من خمر أو خنزير فلا شىء له، يريد: كان لمن أسلم ديناً يربى على نصراني أو كان خمراً. وان كان الدين عليه لم يلزمه كما لو كان بيده مال مسلم.
وقال سحنون فى المكاتبين فى كتابة يغلب العدو على احدهما، ثم يسلمون عليه، فلتقض الكتابة عليهما، ثم يقال لهما اجمعا بينهما فى ملك، يبيع احدهما ما صار على عبده من الكتابة، أو بيعا كتابتهما من رجل واحد ثم يقسم الثمن بين السيدين بقدر ما ثبت من كتابة كل واحد.

فى أهل الحرب يسلمون
ثم يطالب بعضهم بعضاً بالحقوق
من كتاب ابن سحنون عن أبيه: وإذا أسلم قوم من أهل الحرب وقد نال بعضهم من بعض، ثم تخاصموا فى ذلك بعد الإسلام، فكل ما تقدم بينهم من غضب أو استهلاك فساقط عنهم، أسلموا طوعاً أو كرهاً. وكل معاوضة بينهم بفساد من نكاح أو بيع خمر أو خنزير ونحوه وتقايضوا فيه فلا يراجع بينهم بسببه.
قال ابن حبيب: وإذا أسلم قوم من الحربيين، فإن كانوا إنما سبوا، فإن ما كان لبعضهم على بعض قبل السبى من حق ودين وجناية وغضب وكل تباعه فهدر، وإن أسلموا بعد ذلك وعتقوا. وإما إن دخلوا إلينا بغير سبى لكن متطوعين، إما مسلمين أو ليقيموا على ذمة، فلهم اتباع بعضهم بعضاً بذلك إذا كانوا هم ألزموها انفسهم يومئذ، وسواء بقوا على ذمة أو أسلموا، كان فى ذلك
[3/ 338]

(3/338)


من ثمن خمر أو ربا أو بيع أو قرض أو مهر أو غيره. وأما ما غضب بعضهم بعضاً بدار الحرب أو جناية لبعضهم على بعض فذلك هدر كله.

فى عبد نصرانى لمسلم أحرزه العدو
ثم أسلم العبد وخرج إلينا
من كتاب ابن سحنون عن أبيه: وإذا احرز العدو عبداً نصرانياً لمسلم فأسلم ثم خرج إلينا، فأنه يرد إلى سيده كما لو غنمه المسلمون لرد إليه، وليس كما أسلموا عليه. فإن لم يعرف سيده بعينه وعرف أنه لمسلم، فقال أصبغ: يصير كالفىء فى مثل من وجد بساحلنا من العدو. وقال سحنون: لا حق لأحد فيه، وهو كعبد يعرف ربه، لا سبيل لأحد عليه حتى يأتى سيده.
وقا أصبغ فى المسألة الأولى: إن كان العبد عندهم بمحل الأسر والقهر فالأمر على ما قلنا. وان كان حارب معهم الإسلام وصار منهم ومن أعدادهم لا يبالى كان عندهم على الملك أو على الحرية ثم أسلم (وخرج، فهذا حر لا يأخذه ربه لأنه لحق بالحرب وصار من أهله وصار كعبيدهم، سواء أبق أو أسر. وقال) سحنون: هذا غلط ولا أراه حراً.

فيمن أسلم وله دين من ربا أو عليه
أو له دين من خمر من بيع أو نكاح
من العتبية روى عيسى عن ابن القاسم قال: وإن تسلف نصراني من نصرانى خمراً أو خنزير ثم أسلم الذى عليه الدين فليغرم قيمة الخمر والخنازير. وإذا أسلمت النصرانية وقد قبضت فى صداقها خمراً أو خنازير، فإن فات ذلك عندها ردت قيمته. ولو لم يفت ذلك لردت القيمة وكسر عليها الخمر ويقتل
[3/ 339]

(3/339)


الخنازير. وإذا أسلم نصرانى وعليه خمر وخنازير من سلم فليرد رأس المال إلى ربه. ولو أسلم الطالب فإنه يؤخذ الخمر والخنازير من الآخر ويهراق الخمر على المسلم ويقتل الخنازير وتغيب بموضع لا يصل إليها النصرانى. ولو رضى المطلوب ان يرد عليه رأس ماله عيناً فذلك جائز. وإن أسلم إليه ديناراً فى دينارين ثم أسلم فليس على المطلوب غير دينار. وإن أسلم الطالب فلا يأخذ إلا ديناراً. ولو أسلم المطلوب لودى دينارين. وإذا أسلما وقد أسلفه خمراً أو خنازير فلا شىء له عليه. وان تزوجت بخمر وخنازير وقبضت ذلك، ثم أسلما قبل البناء، فأحب إلينا أن يعطيها ما يستحلها به قبل أن يبنى بها.
قال عيسى: وقد اختلف فيه وأحب إلى أن يعطيها ربع دينار. وإذا لم تكن قبضت شيئاً فليعطها صداق (المثل ان لم يكن بنى بها والنكاح لازم. ولو بنى بها وقد قبضت ذلك ثم أسلم فلا شىء عليه). ولو كان بنى بها ولم يدفع إليها ذلك ثم أسلم فليدفع إليها صداق المثل.

فى الصلح والهدنة بيننا وبين أهل الحرب
على الجزية أو على غير الجزية
من كتاب ابن المواز: وإذا طلب منا أهل الحرب الهدنة على قطع الحرب (بيننا وبينهم على مال يعطوناه فى كل عام ونؤمنهم براً وبحراًن فإن علماءنا يكرهون ذلك).
ولقد طلب الطاغية ذلك إلى عبد الله بن هارون، وبذلوا مائة الف دينار كل عام. فشاور الفقهاء فقالوا له: إن الثغور اليوم عامرة، فيها أهل البصائر، وأكثرهم نازعون من البلدان، فمتى قطع عنهم الجهاد تفرقوا وخلت الثغور للعدو، والذى يصيب أهل الثغور منهم أكثر من مائة الف، فصوب ذلك ورجع إلى رأيهم.
[3/ 340]

(3/340)


وقال عبد الملك فيما كان من هدنة الروم وما ضرب عليهم المهدى من الجزية، قال: فكره ذلك علماؤنا وقالوا: لم يكن هذا فيما مضى.
قا ابن المواز: ولا تقبل الجزية إلاممن (يجرى عليه حكمنا وسلطاننا. فأما وهم فى عزهم وسلطانهم، فلا) ينبغى ذلك، ولعلهم إنما يريدون سد ما انثلم من حصونهم وعورتهم نحو هذا. قال عبد الملك واحتج عليه بمهادنة النبى صلى الله عليه وسلم لأهل مكة فقال: كان ذلك أصلح فى وقته لقلة أهل الإسلام ليكثر العدد والعدة حتى أعلى الله الإسلام.
قال ابن حبيب قال ابن الماجشون: وإذا كان الإمام على رجاء من فتح حصن لم ينبغ ان يصالهم على مال. وإن كان إياس منه لضعفه أو لأمتناعهم أو لما يخاف أن يدهمه من العدو فليفعل، وليس يحرم عليه أن يصبر عليهم إن كان ذا قوة. وإذا بذلوا الجزية فإن كانوا بحيث ينالهم سلطاننا وإلا لم تقبل منهم إلا ان ينتقلوا إلى بلد الإسلام، أو يكون المسلمون قد حازوا ما خلفهم وما حولهم واستحوذوا عليهم فلتقبل منهم. وقاله مطرف وابن عبد الحكم وأصبغ وهو قال مالك. وقال نحوه ربيعة: أنهم إن كانوا بموضع لا يقدر على أخذها منهم إن منعوها فالمسلمون بالخيار: إن شاءوا قبلوها منهم أو قاتلوهم.
قال ابن حبيب: ولا بأس أن يصالحوا على غير شىء يؤخذ منهم، وقد صالح النبى صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية على غير شىء. قال ابن حبيب: وما صولح به أهل الحصن من مال أعطوه إلى الجيش الذى نزل عليهم، فإنما هو مثل مال الجزية لا خمس فيه لأنه ليس بمغنم لأهل الجيش. قاله لى أهل العلم وقاله ابن القاسم.
[3/ 341]

(3/341)


قال ابن سحنون: ولا بأس أن يصالح أهل الحرب على أن يبيعوا فى الجزية من شاءوا من أولادهم ونسائهم وصغارهم ومن قهروه من كبارهم ان كان شرط فى العهد مع بطارقتهم، وإن لم يكن شرط فى العقد فلأولادهم من العهد مثل ما لهم وكذلك لضعفائهم ولجميعهم، وقاله مطرف وابن الماجشون وغيرهما من أصحاب مالك.
ورووه عن مالك فيمن قدم إلينا منهم: فلا بأس أن يبتاع منهم أبناءهم ونساءهم إلا أن يكون بيننا وبينهم هدنة فلا يجوز ذلك، كانت الهدنة إلى عام أو إلى عام ين أو إلى غير مدة، إلا أن يكون شرطوا ذلك وعقدوا عليه هدنتهم. قال ابن حبيب: سواء علم أهل مملكة البطريق بما شرط أو لم يعلموا.

وذكر ما ذكر ابن سحنون من صلح أبى موسى لأهل مدينة ملكها على أن يؤمن ثمانين رجلاً ولم يذكر نفسه. وذكر سحنون الإختلاف فى هذا، واختار ان مجرى القول فى هذا أنه أمن مع الثمانين.
وهذا مذكور فى الجزء الأول، وفيه ذكر بذل الجزية مستوعباً.

وإذا صالحوا على جزية تؤخذ منهم كل سنة أو كانت سنين مسماه، فأسلموا بعد تمام سنة وقبل أن يؤدوا ما عليهم فيها فإنه يسقط عنهم ما مضى وما بقى. وكذلك من أسلم من أهل الجزية بعد تمام سنته وقبل أن يؤديها، قاله مالك وأصحابه.

ذكر ما يبيح دم الذمى مما يشبه النكث
من كتاب ابن حبيب: روى عن عمر فى ذمى اغتصب مسلمة أنه يقتل، وهو كنقض العهد. وروى عنه يهودى دهس ناقةً عليها امرأة فوقعت فإنكشفت، فضربه ابنها بالسيف فقتله فأهدر عمر دمه. وروى عنه أن نصرانياً
[3/ 342]

(3/342)


نخس بغلاً عليه امرأة يعنى: مسلمة، فوقعت فإنكشفت (عورتها، فكتب ان يصلب فى ذلك الموضع. وقال إنما عاهدناهم على اعطاء الجزية عن يد وهم صاغرون.)

قال ابن حبيب: فإذا غصب ذمى مسلمة قتل ولها الصداق من ماله، والولد على دين أمه، والولد مجذوذ النسب. ولو أسلم الاب لم يقتل لأنه إنما كان يقتل لنقض العهد لا للزنا، ولا يلحق به
الولد وعليه الصداق. وقاله كله أصبغ.

فى أهل الذمة ينكثون العهد وفى سبى ذراريهم.
من كتاب ابن حبيب قال الأوزاعى فى الذمى يهرب إلى أرض الحرب ويدع ذريته: أنه لا سبيل عليهم. ولو خرج بهم وحارب عليهم فهم فىء.
ومن العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم فى أهل الذمة ينزع رجالهم فيحاربونا فيظفر بهم، هل يسبى نساؤهم وذراريهم ومن زعم من ضعفاء رجالهم مكره ومن يرى أنه مغلوب على أمره؟ قال إن كان الإمام عدلاً قوتلوا وقتلوا وسبى ذراريهم ونساؤهم وأبناؤهم المراهقون والأبكار وهم تبع لهم. وأما من يرى أنه مغلوب على أمره مثل الكبير والضعيف والزمن فلا يعرض لهم بقتل ولا رق ولا غيره. وإذا قاتلونا وظفرنا بالذرية قبل ظفرنا بهم فلا بأس أن نسبيهم إذا كان الإمام عدلاً ولم ينقموا ظلماً. قال: ولو نقضوا ومضوا إلى بلد الحرب وتركوا الذرية لم يجز سباؤهم. ولو تحملوا معهم ثم ظفرنا بهم جاز سباؤهم. وهذا فى الإمام العادل. فأما إن لم يكن عادلاً ونقموا شيئاً يعرف فلا يقاتلوا. ولو ظهر عليهم فى تلك الحال لم يسترقوا ولم تسب لهم نساء ولا ذرية وردوا إلى ذمتهم. وكذلك لو تحملوا بذراريهم إلى أرض العدو، ولم يستحل منهم شىء على هذا إلا أن يعينوا علينا المشركين بعد دخولهم إليهم ويقاتلوا معهم فيسلك بهم مسلك الحربيين فيهم وفى ذراريهم ونسائهم.
[3/ 343]

(3/343)


وقال عنه يحيى بن يحيى فى ناس من أهل الذمة هربوا ليلاً، فأدركتهم خيل المسلمين وقد دخلوا أرض العدو فقسموا وخمسوا، ثم ادعوا أن ما فعلوا خوفاً من البيع والظلم، وكان بجوارهم قوم من العرب أهل استطالة وظلم وقهر لأمثالهم، ومن مثلهم من يهرب ويخاف، ولكن لا يعرف ما خافوا منهم وهل أريد ذلك منهم، قال: إن عرف تصديق دعواهم فى ناحية ما شكوا الظلم من جيرانهم وقدرتهم على ما يخاف منهم وسوء حالهم وما يرتكبون به من جاورهم، آخرجوهم كرهاً أو كانوا بأيديهم على قهرة وظلم، فأرى أن يصدقوا ولا يستحلوا ولا يسبوا، ويردهم الإمام إلى ذمتهم إن كان الذى يلى ذلك يقوى على دفع الظلم عنهم من هؤلاء ومن غيرهم والوفاء لهم بعهدهم، وإلا فليدعهم يذهبوا حيث شاءوا من أرض العدو وغيرها. قال أصبغ: وكذلك إن أشكل أمرهم لا يستحلوا حتى يظهر نكثهم تحت إمام عادل.
ومن كتاب ابن سحنون: وعن العدو يحل بمرسى لنا فيخرج إليهم المسلمون فيهرب إليهم علوج عندنا، منهم من أسلم ومنهم من لا يسلم، فظفرنا بهم وقد علمنا أنهم ارادوا عونهم علينا، قال لا يقتلوا وليحبسوا.
قيل: فإن لم يصلوا إلى حبسهم إلا بأن يثخنوا بالجراح؟ قال فلا ينبغى ان يجرحوا، ولا ينال منهم جرح ولا قتل إلا فى محاربة. وكذلك من هرب من أحرار ذمتنا. ولو خفنا أن يطلعوا منا على عورة فيها هلاكنا لم ينبغ أن نثخنهم بالجراح ولكن نحتال فى حبسهم إن أمكن ذلك.
قال يحيى ابن يحيى فى قوم من أهل الذمة كانوا فى ربض مدينة للمسلمين، فلما نزل بها العدو مع رجل من المسلمين قادهم إليها هربوا إلى العدو طائعين ثم ظفرنا بهم. قال: إن كان ذلك عن ظلم ركب منهم فلا يباح منهم دم ولا مال، وإن لم ينل منهم ظلم ولا خافوا ذلك من ناحية من عرف بالظلم، فأنهم إن أصيبوا بعد أن وصلوا إلى أرض الحرب فقد حلوا.
[3/ 344]

(3/344)


وقال: ولو وجدوا عند هذا المسلم الذى ساق العدو إلى المسلمين وقالوا نحن لم نأو إلى العدو ولا إلى أرضهم ولكن صرنا إلى هذا المسلم وإن أحدث خلافاً وبغياً، قال لا يستحلون بهذا ولهم بذلك شبهة ما كانوا ببلد الإسلام.
وقال ابن القاسم فى أهل الذمة ببلد المسلمين، فظفر بها العدو وأقام بها أهل الذمة وتليهم مدينة آخرى للمسلمين يغزونهم ويغيرون عليهم، فذكروا أن أولئك الذميين يتجسسون عليهم يطلبونهم مع العدو فيستنقذوا ويقتلوا، فإذا ظفرنا بأحدهم قالوا نؤمر بهذا ونقهر عليه ونخاف القتل إن لم نفعل، ولا يعلم ما ادعوا من القهرة والخوف إلا بقولهم، فما ترى فيمن ظفرنا به منهم؟ قال: إما من قتل منهم مسلماً فليقتل. ومن لم يقتل ولكن يطلب مع العدو ويستنقذ الغنيمة ونحو هذا، فلا يقتل ويطال سجنه.
قال وإن وجل لهم أجلاً فى الرحيل من عند العدو فجاوزوه وأغاروا معهم علينا وسبوا وأسروا وزعموا أنهم منعوا من الرحيل وأمروا بما فعلوا ولا يعرف ذلك إلا بقولهم، قال: إن تبين ما قالوا لم يستحلوا.
قال: ولو أن أهل ذمتنا سرقوا لنا سرقات فأخفوها حتى نكثوا وحاربونا، ثم صالحناهم على أن رجعوا إلى ذمتهم من غير الجزية التى كانت عليهم وتلك السرقات فى أيديهم، قال: فلا يؤخذ منهم ما وقع الصلح وهو بأيديهم، إلا أن للإمام أن يخيرهم فى ردها طوعاً أو نقض الصلح والحرب، إلا أن يشترطوها فى صلحهم فلا كلام له. وأما ما أخذوا فى حال حربهم فلا خيار للإمام فيه بعد الصلح.
قال ابن القاسم فى ناس من أهل الذمة ركبوا البحر بأموالهم وذراريهم أو بأبدأنهم فقط مع عبيد استألفوهم أو بغير عبيد، وذلك بغير إذن الإمام، وتساحلوا فى البحر يرتادوا طيب ريح لغير ذلك فظفر بهم، أيستباحون بذلك؟ قال: لا هم ولا أموالهم، وقد يقولون أردنا انتجاعاً إلى بلد لمير أو لمرفق. قال ولو لججوا
[3/ 345]

(3/345)


فى البحر حتى ينقطع عنهم مثل هذا العذر ما استحلوا بهذا حتى يلحقوا بدار الحرب ويصيروا فى منعهم فحينئذ.
قال ابن المواز عن ابن القاسم فى قوم من أهل الذمة: إذا قطعوا الطريق وقاتلوا على العصبية قظفر بهم فليحكم فيهم بحكم المحاربين من المسلمين. وأما إن خرجوا نقضاً للعهد ومنعاً للجزية من غير ظلم ظلموا به، فإن كان الإمام عدلاً قوتلوا ويكونون فيئاً.
وقال أشهب: لا يكونون فيئاً ويردون إلى ذمتهم، ويقتل منهم من قتل ويجرح من جرح.
ومن كتاب ابن المواز ذكر نحو ما تقدم وقال: وقف ابن القاسم عن القتل فيما كانوا قتلوا أن يستقاد منهم وقال فيه: لا أدرى. قال أحمد بن ميسر: لا يؤخذ منهم أحد بما قتل فى مصاف ولا غيره.
ومن كتاب ابن حبيب: روى أن قوماً من المسلمين لجأوا إلى حصن لأهل الذمة، وهم شاتون فلم يفتحوا لهم فباتوا فمات بعضهم من البرد، فاستبحاهم عمر ورآه نقضاً للعهد.
قال ابن القاسم: إذا حارب أهل الذمة والإمام عدل فليستحل بذلك نساؤهم وذراريهم. وإما من يرى أنه مغلوب منهم أو من زعم من ضعفاء رجالهم من شيخ كبير وذوى زمانة أنه استكره فلا يستباحوا بذلك ولا يسترقوا.
وقال أصبغ: كلهم مستباحون لنقض أكابرهم كما صلحهم صلح عليهم، وقاله الأوزاعى وابن الماجشون، وهو أحب إلى. قال ابن الماجشون: وكذلك فعل النبى صلى الله عليه وسلم فى قريظة وغيرها: إنما يقوم بالأمر رجالهم وأكابرهم من حرب وعقد وصلح، فيجرى ذلك على الجميع. قال ابن القاسم ولو ظهر على الذرية قبل أن يظهر على الأباء لا يستحلوا أيضاً.
[3/ 346]

(3/346)


قال: وإن كان الإمام غير عدل أو نقموا ظلماً به يعرف فلا يقاتلوا. وإن قوتلوا وظفر بهم لم يستباحوا بسبى ولا أخذ مال، ولم يسترقوا ويردوا إلى ذمتهم، وصلوا إلى دار الحرب أو لم يصلوا. قال أصبغ: وكذلك إن لم يعرف أنهم ظلموا بشىء إلا الإمام جائر والظلم الغالب فى البلد، كما أن بيع المضغوط عندى عند الإمام الجائر لا يلزمه. وإن كان قبل أن تحل به عقوبته. وقول أشهب لا يسترق الذمى بنقض العهد ويرد إلى ذمته، وانفرد بهذا أشهب.
قال ابن القاسم عن مالك: إن خرجوا عن ظلم فلا يقاتلوا وإن قتلوا المسلمين فى مدافعتهم. قال ابن الماجشون وذلك ما احتجروا فى دارهم فلا يقاتلوا ما لم يخرج ذلك منهم إلى الغياثة والخروج على المسلمين والفساد فى الارض. فإن فعلوا هذا جوهدوا وصاروا فيئاً. وقال مثله مطرف وابن عبد الحكم وأصبغ وغيره.
قا ل مطرف وابن الماجشون فى بلد صولح أهلها على اداء الجزية، فجعل الإمام عليهم ولاةً لجباية ذلك، فيستحلون نساءهم ويظلمونهم ويبيعون أولادهم، فيقومون من العمال فيقاتلونهم وينقضون العهد ويمنعون بلادهم: فلا ينبغى أن يقاتلوا ولا يجاهدوا ولا يسبوا (إذا لم يخرجوا على المسلمين ولا قتلوهم. وأما إن خرجوا ودخلوا بلد الإسلام وقتلوا وسبوا فليجاهدوا ويستباحوا ويسبوا).
ووقف مالك فى قتال الحبشة حين خرجوا بدهلك وقال: إنى أخاف أن يكونوا ظلموا بشىء، ولم يزل المسلمون يغزون الروم وقد ترك هؤلاء، فلا أدرى أتركوا عن شىء كان منهم، فلا ينبغى أن يقاتلوا حين خرجوا حتى يكشف الأمر. فإن كان عن ظلم ركب منهم تركوا. وإن لم يكن عن ظلم حل قتالهم.
قا مطرف وابن الماجشون: وان دفعوا عن انفسهم لظلم نيل منهم ثم تعدوا وغزوا المسلمين فليقاتلوا ويستباحوا. وقاله ابن وهب وابن نافع وابن عبد الحكم وأصبغ وغيره.
[3/ 347]

(3/347)


ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: وإذا نقض أهل الذمة العهد بعد ان سرقوا لنا أموالاً وعيبداً فحاربونا، وذلك فى أيديهم ثم صالحونا على أن يعودوا ذمة، قال: يوفى لهم. فإذا لم يطلعوا على تلك السرقات إلا بعد الصلح، فللإمام أن يخيرهم: أما ردوها أو يرجعوا إلى حالهم من الحرب، إلا أن يشترطوها فى الصلح. وهذا بخلاف ما أخذوا فى حين حربهم: هذا لهم ولا خيار للإمام فى نقض الصلح بهذا.

القول فى المرتدين
وهل يسبون ويغنمون فى الردة أو فى النكث؟
وإذا تأبوا هل يؤخذون بما جنوا؟
وشىء من ذكر المحاربين
وشىء من نكث المعاهدين
من كتاب ابن حبيب قال: وبلغنى عن ربيعة أنه قال فى قوم اتونا بأولادهم ونسائهم فأسلموا، ثم تركوا الإسلام ورجعوا إلى بلدهم فأدركناهم فأسرنا منهم وقتلنا: أنه يستتاب كبار من نفى. فإن تأبوا وإلا قتلوا. وكذلك من كان قدم صغيراً فبلغ بدار الإسلام وأسلم. ومن لم يبلغ إلان منهم ورجعوا به فأنه يسترق ولا يقتل ولا يستتاب. وإما من ولد وأبواه مسلمان ولم يبلغ إلان فأنه إذا بلغ يستتاب، فإن أبى قتل. وقاله ابن الماجشون. وقال ابن القاسم: هم كالمرتدين فى المال والدم، ويجبر صغارهم على الإسلام إذا بلغوا من غير استتابة.
وقال أصبغ: ليسوا كالمرتدين، وهم كالمحاربين لأنهم جماعة، فهم كأهل النكث (لأن المرتد انما هو كالواحد وشبهه.
[3/ 348]

(3/348)


قا ابن حبيب: ليس قول أصبغ بحسن، وانما أهل النكث) أهل الذمة، ونحن نسترقهم إذا ظفرنا بهم، ولعمرى أنه أمر خالف فيه عمر ابا بكر فى أهل الردة من العرب: جعلهم أبو بكر كاناقضين، فقتل الكبار وسبى النساء والصغار، وجرت فيهم المقاسم وفى أموالهم. وسار فيهم عمر السيرة فى المرتدين/، فرد النساءوالصغار من الرق إلى عشائرهم كذرية من ارتد، فلهم حكم الإسلام إلا من تمادى بعد بلوغه، والذين كانوا أيام عمر لم ياب احد منهم الإسلام. وعلى هذا جماعة العلماءوأئمة السلف إلا القليل منهم، فأنهم أخذوا فى ذلك برأى أبى بكر أنهم كالناقضين، وبه قال أصبغ. وذهب ربيعة وابن الماجشون وابن القاسم إلى فعل عمر فى ذلك، وبه نقول وعليه جماعة أهل العلم.

(ومن كتاب ابن سحنون قال ابن القاسم وإذا نزل عندنا من تجار الحربيين احد بأمان فذهبوا بعبيد لنا ابقوا إليهم أو غلبوا عليهم ثم عادوا إلينا بأمان أخذناهم منهم ولو قدم بهم غيرهم لم نأخذهم).
ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن لحق بأرض الحرب، فتنصر واصاب دماء المسلمين وأموالهم فى ردته ثم أسلم: فإن ذلك يزيل عنه القتل وكل ما اصاب. ولو اصاب ذلك قبل يرتد، أقيد به. وروى مثله سحنون.
وروى يحيى ابن يحيى عن ابن القاسم أنه يقتله الإمام ولا ينظر إلى أولياء من ثتل لأنه كالمحارب، ولا عفو فيه لولى الدم، ولا يستتاب استتابة المرتد فى دار الإسلام، وذكر مثله كتاب ابن المواز.

وروى سحنون عن ابن القاسم فى حصن ارتد أهله عن الإسلام: فليقاتلوا ويقتلوا ولا تسبى ذراريهم ولا تكون أموالهم فيئاً.

قال فى كتاب ابن المواز: وتجبر ذراريهم على الإسلام، وما ولد لهم بعد الكفر فليردوا إلى الإسلام ما لم يكبروا على الكفر.
[3/ 349]

(3/349)


قال محمد بن المواز: ولو خلعت قرية من أهل الذمة ونكثت وقاتلوا وقتلوا، فأنه يستباح نساؤهم وذراريهم وأمولهم بنقض رجالهم وأكابرهم.

قال عبد الملك: إذا ارتدت قرية من المسلمين فقوتلوا فظفر بهم فلا سبيل/على نسائهم وذراريهم وأموالهم لأنهم يقولون: لم نرتد نحن. ولو كانوا أهل الذمة نكثوا وقاتلوا فظفر بهم، فنساؤهم وذراريهم وأموالهم لهم تبع: يستباح ذلك بنقض رجالهم. وكذلك فعل النبى صلى الله عليه وسلم فى بنى قريظة وغيرهم، فنساؤهم وذراريهم وحاشيتهم فى العهد معهم. فلو باعوا منا نساء منهم لم يجز لنا ذلك إلا ان يكون عهدهم السنتين والثلاثة.

ومن العتبية قال أشهب: ومن نقض من أهل الذمة أو ارتد من المسلمين سواء فى إلا تسبى ذرارايهم ولا تؤخذ أموالهم ولا يعودوا إلى رق، وترجع عليهم الجزية.

وروى يحيى عن ابن القاسم فى رسول جاء من قبل الروم للهدنة فإذا هو مرتد قد نزع إليهم ممن كان قد أسلم، قال: ان كان قد أمن وفى له ورد. ان جاء بغير عهد ولا أمان استتيب. فإن تاب وإلا قتل. وان كان أبواه مسلمين أصابهما العدو فولد لهما فى ارض الشرك فتنصر وترك دين أبيه، فإن هذا بخلاف ما ولد لهما فى دار الإسلام، وهذا فىء ان استحيى. وان رأى الإمام قتله قتله. وان كان ولد بدار الإسلام فأصابه العدو مع أبويه أو دونهما فتنصر، فهذا يكره على الإسلام بالضرب ولا يقتل، وهو حر لا يسترق، وليس لمن اصابه فيه شىء لأنه فى ارض الإسلام فهو من ابناء المسلمين الأحرار.

ومن كتاب ابن حبيب: والسنة فى المرتد يلحق بدار الحرب فيقتل المسلمين ويزنى ويسرق ثم يتوب أنه لا يؤخذ بشىء من ذلك. وان فعل ذلك فى دار الإسلام بعد ردته فليؤخذ بذلك وان أسلم. وإذا مجن مسلم فى دار الإسلام ولحق بأرض الحرب على مجونة فحارب معهم وقتل منا أو لم يقتل: أنه يحكم
[3/ 350]

(3/350)


فيه بحكم المحارب فى بلد الإسلام من القتل والصلب، ويؤخذ فيه بأعظم عقوبة الله فى المحارب، قتل أو لم يقتل، ولا تقبل توبته ولا عفو فيه. وان ادعى أنه كان فى فعله ذلك مرتداً لم يصدق إلا ببينة، فحينئذ يسن به سنة المرتد فى قبول التوبة وهدر ما كان فعل. وليس تركه الصلاة بدار الحرب وشربه الخمر بردة حتى يفصح بالردة. وقاله لى ابن الماجشون وقاله أصبغ عن ابن القاسم.
قال أبو محمد هذا خلاف ما قال ابن حبيب فى موضع آخر ان ترك الصلاة واحدة فهو بذلك كافر.

(ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه فى المرتد) يلحق بدار الحرب فيولد له بها أولاد ويولد لهم أولاد ثم ظفرنا بجميعهم، قال سبيله وسبيل ولده وابنائهم سبيله، لا يسلط عليهم السبى، ويستتاب هو ومن بلغ من ذريته. فمن لم يتب منهم اجمع قتل، ويكره الصغار منهم على الإسلام. ومن وقعوا فى سهمه نزعوا منه بغير ثمن، ثم رجع سحنون فقال: من بغ من ولده وولد ولده فإن السبى يأخذهم.
وقيل لسحنون: ربما أخذنا اسارى فيسلمون فيباعون ثم يهربون إلى العدو فينكثون ويقاتلون، فنغنمهم فيسلمون فيباعون، ثم يأبقون فيحاربونا فنغنمهم فيعمل على ربط أفواههم لئلا يسلموا فنمتنع من قتلهم.، وقد صار لهم هذا عادةً. قال: لا ينبغى هذا ويقبل منهم الإسلام، ويباعون بشرط ممن يخرجهم من ذلك البلد ويبعدهم عنه، فإن لم يجد من يشتريهم على ذلك فليبعث بهم الإمام إلى بلد قاص عن موضعهم. فإن جاء الثمن وقد تفرق الجيش تصدق به.

ومن كتاب ابن سحنون قال ابن القاسم: وإذا نزل عندنا من تجار الحربيين احد بأمان، فذهبوا بعبيد لنا ابقوا إليهم أو غلبوا عليهم، ثم عادوا إلينا بأمان فأصبناهم معهم فلنا أخذهم منهم. ولو قدم بهم غيرهم لم نأخذهم.
وبقية القول فى المرتد فى كتاب المرتد.
[3/ 351]

(3/351)


فيمن تخلف ببلد الحرب وحارب المسلمين لم يرتد

من العتبية قال يحيى بن يحيى: قلت لأبن القاسم فيمن تخلف من أهلبرشلونة من المسلمين على إلارتحال عنهم بعد السنة التى اجلت لهم يوم فتحت، فأغار على المسلمين واخاف وقتل وسبى أو لم يقتل وأخذ إلأموال وانما أقامته هناك على الإسلام تعوذاً مما يخاف من القتل إذا ظفر به. قالوهو كالمحارب من المسلمين فى دار الإسلام. فإن اصيب فأمره إلى الإمام يحكم فيه بما يحكم فى المحارب. وإما ماله فلا يحل لأحد، قال: وان كان ما صنع مما يكره عليه ويؤمر به فلا يستطيع ان يعصى خوفاً على دمه فلا اراه محارباً، ولا يقتل ان ظفر به ولا يعاقب إذا تبين أنه يؤمر ويخاف على نفسه.

فى الجاسوس من مسلم أو حربى أو معاهد
وشى من معانى النكث

من كتاب ابن سحنون عن أبيه: وإذا وجدنا بأرض الإسلام عيناً لأهل الشرك، وهو حربى دخل بغير أمان، أو كان ذمياً أو مسلماً يكاتبهم بعورات المسلمين: فإنا الحربى فللإمام/قتله ول هاستحياؤه كمحارب ظفرنا به، وللإمام أخذ ماله ولا خمس فيه وهو فىء. فإن أسلم قبل ان يقتل فأنه لا يقتل ويبقى رقيقاً كأسير أسلم. وإما المسلم يكاتبهم فأنه يقتل ولا يستتاب وماله لورثته، وهو كالمحارب والساعى فى الارض فساداً. وقال بعض أصحابنا: يجلد جلداً منكلاً ويطال حبسه وينفى من موضع كان فيه بقرب المشركين. قال: وان كان ذمياً قتل ليكون نكإلا لغيره.
ومنه ومن العتبية قال ابن القاسم: يقتل الجاسوس ولا تعرف لهذا توبة.
[3/ 352]

(3/352)


وقا انب وهب عن مالك فى الجاسوس المسلم على الإسلام: ما سمعت فيه بشىء وليجتهد فيه الإمام، ورواه ابن القاسم عن مالك فى العتبية.
قال ابن سحنون قال ابن وهب: إذا ثبت ذلك عليه قتل إلا ان يتوب.
قال ابن المواز قال ابن القاسمك ان ظاهر على أمور المسلمين بأمر دل به على عوراتهم قتل. وان لم يكن فيما كان منه مظاهرة على عوراتهم سجن حتى
تعرف توبته. وقال ابن الماجشون: ينظر فيه، فإن ظن به الجهل وعرف بالغفلة وان مثله لا عور عنده وكان منه المرة ولم يكن عادةً وليس من أهل الطعن على الإسلام فلينكل لغيره. وان كان معتاداً وتوطأ عليه فليقتل.
ومن كتاب ابن سحنون قال سحنون: وان كان حربى قدم لتجارة فظهر لنا أنه عين للعدو ويكتب باخبارنا فللإمام قتله وأخذ ماله. وان شاء استحياه ولا أمان له فى نفس ولا مال، لأنه لو طلب المقام/لم يكن له إلا بأمان جديد. وان قدم للمقأم فأنه يقتل ويرث ماله ورثته. وكذلك ان كان ذمياً لأن الذمة انعقدت لهم ولأولادهم، فليس غدر احدهم يازم باقيهم. وكذلك من حارب من اله الذمة يرثه ورثته إذا قتل. وكذلك ان غصب مسلمة فوطئها قتل.

وإذا عاهدنا قوماً من أهل الحرب على مال أو على غير مال عهداً إلى وقت أو إلى غير وقت، ثم تبين لنا أنهم يدولون المشركين على عوراتنا واخبارنا ويأوون عيونهم وثبت ذلك بالبينة فهذا نكث، ولينبذ إليهم لقول الله تعالى: (وإما تخافن من قوم خيانة ً فإنبذ إليهم على سواء)،فالخيانة دون ما فعلوا.

فإما من صالح من المستأمنين، ثم ان احدهم قتل مسلماً من غير ملاء منهم فلا يؤخذون بفعله. وذلك كمن فعل هذا من أهل الذمة فليقتل القاتل. قال: ولو وجدنا قتيلاً منا فى قرية من قرى أهل الصلح لا يدرون من قتله فإن لم يكثر
[3/ 353]

(3/353)


ذلك منهم ولم يمتنعوا من الحكم عليهم فيه فليس ذلك ناقضاً للصلح، ويطلبون بذلك كما يطلب غيرهم من أهل الذمة. وفى هذا ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الحارثين إلى القسأمة فأبوا فوداه من عنده.

فيمن قتل مؤمناً أو معاهداً خطأ وهو مع أهل الحرب
من العتبية: روى ابن القاسم عن مالك فى قول الله تعالى: (فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة) لم يذكر/فيه دية. قال: هذا فى حرب النبى صلى الله عليه وسلم لأهل مكة، وفيهم المؤمن لم يهاجر فيصيبه المسلمون، والله سبحانه يقول: (ما لكم من ولايتهم من شىء حتى يهاجروا)، وإما قوله: (وان كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق)، فهذا فى الهدنة التى كانت بين النبى صلى الله عليه وسلم ويبن المشركين أنه ان اصيب مسلم خطأ لم يهاجر فديته على المسلمين إلى قومه. وقد رد النبى صلى الله عليه وسلم أبا جندل، فكذلك ترد ديته لو قتل خطأ.
وقوله تعالى: (وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به)، يقول: ان حبسوا عنكم مهر امرأة ثم حبستم عنهم مهر امرأة آخرى فادفعوا إلى هذا المسلم ما كان انفق على أمرأته التى هربت إلى الكفر، وذلك قوله سبحانه: (وان فاتكم شىء من ازواجكم إلى الكفار) إلاية. وكان فى تلك الهدنة ان من جاءهم من الرجال مسلماً ردوه إليهم. وان جاءت امرأة ترغب فى الإسلام لم ترد إليهم. وكان علينا ان نعطى زوجها الكافر ما كان ساق إليها. وان فاتت منا إليهم امرأة كان عليهم ان يعطونا مثل ما انفق عليها زوجها، وهو قوله سبحانه: (وسئلوا ما أنفقتم)، وحرم إلأمساك بعضهم الكوافر.
[3/ 354]

(3/354)


ومن كتاب ابن المواز: وإذا أوقف الكفار فى صفهم مسلماً فى وثاق فقتله رجل منا ولم يعلم قال: على عاقلته الدية ويعتق رقبة.

ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه/ومن ضرب علجاً فى القتال فأخطأ فأصاب نفسه فهو شهيد، ولكن يصلى عليه، وروى ان رجلاً اخطأ فاصاب مرتداً فأزال جلدة وجهه، فودى ذلك عثمان من بيت المال.
وقال سحنون فى سرية لقيت سرية ببلد العدو فاقتتلا وكل سرية تظن ان الآخرى من الروم: ان كل سرية تحمل عواقلهم دية من اصأبوا من قتل أصحابهم، ومن الجراح الثلث فاكثر. وما كان دون ذلك ففى أموالهم، والكفارة عليهم فى كل نفس. وخالفنا فى ذلك غيرنا، وقد اجمعنا أنه ان قتل مسلماً فى الصف يظنه مشركاً أو رمى مشركاً فرجع إليهم فاصاب مسلماً: ان فيه الدية والكفارة.

ذكر فرض الجزية
وعلى من تجب من اصناف أهل الكفر ومقدارها
وجزية أهل الصلح وأهل العنوة
(قال مالك رحمه الله فى الموطأ: ان السنة عندنا إلا جزية على نساء أهلكتاب ولا صبيأنهم، وان الجزية لا تؤخذ إلا من الرجال الذين بلغوا الحلم منهم صغاراً لهم).
قال ابن حبيب: أول ما بعث الله عز وجل نبيه عليه السلام بعثه بالدعوة بغير قتال ولا جزية، فأقام على ذلك عشر سنين بمكة بعد نبوته يؤمر بالكف عنهم، ثم أنزل عليه: (إذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا)، إلاية، ةأمره بالقتال
[3/ 355]

(3/355)


من قاتله والكف عن من لم يقاتله، فقال عز وجل: (فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا اليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلاً).
ونسخ الكف فأقام على هذا ختى نزل براءة لثمان سنين من الهجرة، فأمره بقتال جميع من لم يسلم من العرب من قاتله أو كف عنه إلا من عاهده، فقال: (واقتلوهم/حيث وجدتموهم)، إلى قوله: (فإن تأبوا وأقاموا الصلاة واتوا الزكاة) إلاية فلم يسن على العرب الذين لم يتعلقوا بكتاب إلا الإسلام ولم يقبل منهم غيره. وأمر بقتال أهل الكتاب حتى يسلموا أو يؤدوا الجزية، فقال: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر)، إلى قوله: (وهم صاغرون)، فدخل فى ذلك من تعلق من العرب بدين أهل الكتاب فأخذ النبى صلى الله عليه وسلم الجزية من أهلنجران وأهل ايلة، وهم نصارى من العرب، ومن أهل اذرح وأهل اذرعات وأهلدومة الجندل، وهم نصارى واكثرهم عرب. ولم يسم أخذ الجزية إلا من أهل الكتاب. وأمره بقتال غيرهم من مشركى العرب ومن مجوس إلأمم حتى يدخلوا الإسلام، ولم يستن فيهم الجزية، ثم نسخ الله تعالى من ذلك المجوس على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم فيما سن لهم من سنة بغير تنزيل القرآن، فأحل له أخذ الجزية من مجوس العجم إذا رضوا بها، وأقر مشركى العرب، وهم عبدة إلاوثان، على ان يقاتلهم حتى يدخلوا الإسلام بلا جزية، استثناها فيهم اكرإما للعرب وعلماً منه أنهم يدخلون الإسلام، فدخلوا فيه اجمعون إلا من تعلق منهم بكتاب، ولم يكن فى العرب مجوس لكن عبدة إلاوثان.
وأخذ النبى صلى الله عليه وسلم من نصارى هجر ومجوسها الجزية وكتب المنذر ابن سأوى وهو رئيسها، ان يقبل ذلك منهم. ومجوس هجر هم مجوس البحرين، وهى حاضرة البحرين، ومجوس السواد هم مجوس فارس.
قال ابن حبيب: والسأمرة هم صنف من يهود والصابئون صنف من النصارى فى جزيتهم ونكاح نسائهم واكل ذبائحهم،/وهم يقرأون الزبور ويعبدون
[3/ 356]

(3/356)


الملائكة. وكل جزية أخذها النبى صلى الله عليه وسلم فإنما هى جزية صالحهم عليها وليست جزية عنوة.
وصالح خالد بن الوليد نصارى بنى تغلب بالشام على ان يأخذ منهم الضعف مما يأخذ من المسلمين من مواشيهم، وكتب به إلى عمر فاجازه. وهم عثمان ان يأخذ منهم الذهب والورق حتى صح عنده ان عمر فعله، فأمضاه بتلك جزيتهم، وليست بصدقة ولكنها جزية صولحوا عليها.
قال أبو محمد: وتقدم فى الجزء الأول ذكر هذا المعنى والإختلاف فى أخذ الجزية من مجوس العرب مستوعباً.

ومن كتاب ابن سحنون: وكتب عمر فى السأمرة يسبتون ويقرأون التوراة ولا يؤمنون بالبعث: أنهم صنف من أهل الكتاب. قال سحنون وبهذا نقول فى ذبائحهم وغيرها. وقال فى طائفة من السودان يسبتون ويختتنون لم يعتقلوا من إليهودية إلا بهذا، قال: ان كان لهم كتاب وإلا فلهم حكم المجوس.

قال سحنون: حق على المسلمين ان يجاهدوا من كفر بالله، أهل الكتاب كانوا أو أوثان أو مجوس أو عبدة نار أو غيرهم من انواع الكفر، ولايهيجوهم حتى يدعوهم إلى عبادة الله وإلاخلاص له وإلايمان برسول الله صلى الله عليه وسلم، ويشرعون لهم شريعة الإسلام، فإن اجابوا فاخوان، وان أبوا دعوا إلى الجزية. فإن قبلوها فرضت عليهم ان كانوا فى قرب منا. وان بعدوا عرض عليهم إلانتقال إلى حيث ينالهم سلطاننا وإلا حوربوا. فإن اجابوا فرضت عليهم/الجزية كما فرض عمر: اربعة دنانير على أهل الذهب وأربعون درهماً على أهل الورق. وان لم يكونوا إلا أهل ابل فما راضاهم عليه الإمام ورآه نظراً. ولا ينقص أهل الذهب والورق مما ذكرنا إلا ان يحضر الإمام أمر يراه بمشورة أهل الرأى لما يرونه صالحاً للمسلمين فيفعله.

وكان عمر لا يأخذها إلا ممن جرت عليه المواسى، ولا يأخذ من النساء والعبيد شيئاً. وكان قد فرض عليهم ارزاق المسلمين من الحنطة مدان على كل
[3/ 357]

(3/357)


نفس فى الشهر مع ثلاثة اقساط زيت ممن كان من أهل الشام والجزيرة. وإما أهلمصر، فاردب من حنطة كل شهر، ولا ادرى كم من الودك والعسل، وعليهم من الكسوة التى كان عمر يكسوها للناس، وعلى ان يضيفوا من مر بهم من المسلمين ثلاثة أيام. وعلى أهل العراق خمسة عشر صاعاً كل شهر على كل رجل، ومع هذا كسوة معروفة لا اعرف قدرها كان عمر يكسوها للناس.
ومن كتاب ابن حبيب قال: ولا حد لجزية الصلح، وانما ما صولحوا عليه. وإما جزية العنوة، فذكر مثل ما يقدم ذكره من عمر على أهل الذهب والورق. قال: وقال أسلم مولى عمر: مع ارزاق المسلمين من الطعام يحمل إلى عمر وضيافة ثلاثة أيام. فمن كان منهم من أهل الشام والجزيرة، فذكر مثل ما ذكرلا سحنون وزاد: وشىء من عسل لا اعرف قدره كل شهر. ومن كان من أهلمصر فاردب من حنطة كل شهر يعنى: كل رجل منهم. ومن كان من أهل العراق فخمسة الف صاعاً كل شهر على كل رجل، ومع هذا كسوة معروفة لا اعرف قدرها كان عمر يكسوها للناس، وعلى ان يصيفوا من مر بهم من المسلمين ثلاثة أيام.
قال ابن حبيب: وإلاردب بمصر قدر قفيز قرطبة، وخمسة عشر صاعاً اكثر من قفيز قرطبة شيئاً، والضيافة هى على قدر ما استيسر بالعلج مما ينفق على نفسه وعياله، ليس عليه ذبح الغنم أو الدجاج، ولا يكلف إلا ما طاع به وتيسر له. وكذلك أمر عمر ورأى مالك ان يوضع اليوم عنهم ما جعل عمر عليهم من إلارزاق والضيافة لما احدث عليهم من الجور، وقاله النخعى. قال الثورى: أوفوا لهم يوفوا لكم. قال ابن حبيب: ومعنى حديث مالك ان عمر كان يؤتى بنعم تؤخذ فى الجزية: أنه انما أخذها بالقيمة فى الجزية رفقاً بهم. قال ابن حبيب: ولا يزاد فى الجزية العنوية أو الصلحية على الغنى ولا ينقص منها الفقير إذا كان فيه قوة على احتمالها. قال ابن الماجشون: ولا تؤخذ من إلاصاغر
[3/ 358]

(3/358)


ولأمن النساء ولا إلارقاء، وقاله مالك فى المحتصر وغيره وروى عن عمر. قال ابن الماجشون: ولا تؤخذ من العديم من الرجال.

قال ابن حبيب قال مالك: ولا تؤخذ من الرهبان المنهى عن قتلهم ممن اعتزل فى الصوأمع والديارات، وقاله سفيان. قال مطرف وابن الماجشون: وهذا فى مبتدأ حملها. فإما من ترهب بعد ان ضربت عليه وأخذت منه فأنها لا تزول عنه. وكذلك قال مالك. وإما رهبان الكنائس فلم ينه عن قتلهم ولا توضع الجزية عليهم، وهم الشماسة وهم الذين قال فيهم الصديق: وستجد قوماً قد فحصوا عن أوساط رؤسهم،/فاضرب ما فحصوا عنه بالسيف.

قال ابن القاسم وابن وهب: وإذا عنق عبيد أهل الذمة أخذت منهم من يومئذ. قال ابن حبيب: فإما العبد النصرانى يعتقه المسلم فاختلف فيه: فروى ابن شهاب ان معأوية أخذ منهم دون ما يأخذ من أهل الارض، فيأخذ منهم الدينار والدينارين والثلاثة بقدر قوتهم وقال مالك وعبد العزيز واصحاب مالك: لا جزية عليهم. وقال ابن حبيب: وأحب إلى ان تؤخذ منهم صغاراً لهم.

وأول من فرض الجزية على أهل العنوة عمر حين فتح مصر إذ بعث إليها عمرو بن العاص، ثم اتبعه بالزبير فى اثنى عشر الفاً فافتتحها عنوة. وشأور عمر فى قسم الارض فكتب إليه ان يقسم ما سواها وتبقى الارض وعمالها. وتأول قول الله تعالى: (والذين جاءوا من بعدهم)، فابقى خراجها نفعاً لمن يأتى من بعدهم، وجعل عمر على كل علج منهم اربعة دنانير من غير خراج ارضهم. وجعل على الارض على حدة. وقال غير ابن حبيب: أنه أقرهم فى الارض وجعل عليهم خراجاً واحداً على الارض والجماجم.

ومن العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم قال مالك: لا يزاد على أهل الذمة (فى جزية جماجمهم وان أيسروا على ما فرض عمر على أهل) الذهب:
[3/ 359]

(3/359)


اربعة دنانير، وعلى أهل الورق اربعون درهماً. قال ويطرح عنهم ضيافة ثلاثة أيام إذ لم يوف لهم. قال عبد الملك بن الحسن فى الرهبان فى ارض الإسلام فى صوأمع أو غيرها: فلا جزية عليهم.

ومن كتاب ابن المواز: ذكر عن مالك فى جزية جماجم أهل العنوة مثل ما ذكر ابن القاسم عنه فى العتبية إلى آخره، ويسقط/الضيافة عنهم لما قصر عنهم فى حق ذمتهم. قال أبو محمد: وفى الباب الذى يلى هذا شىء من ذكر جزية الارض، وبعد هذا باب فيما ينبغى ان يلزموه أهل الذمة فى لباسهم وشكلهم.

جامع القول فى أرض العنوة والصلح
وذكر خراج الارض وكيف تقسم
والحكم فى أهل العنوة ومن أسلم منهم أو من أهل الصلح
ومن العتبية من سماع ابن القاسم، وفى كتاب ابن المواز ونحوه، قال مالك: والعمل فى ارض العنوة على فعل عمر ان لا تقسم وتقر بحالها. وقد ألح بلال واصحاب له على عمر فى قسم الارض بالشام فقال اللهم أكفنيهم، فما أتى الحول وبقى منهم احد.
ومن كتاب ابن المواز قال: وما كان من ارض منقطعة عن بلد الإسلام لا يقسم. وما كان يصل إليه سلطان الإسلام ويقدر على احيائه، فليقر ولا يقسم كما تأول عمر قول الله عز وجل (والذين جاءوا من بعدهم). ومكة مما فتح عنوة ولم تقسم. وجرى بذلك فعل عمر وعثمان وغيره، فلم يقسم بذلك دار ولا أرض.
ومن العتبية من سماع أشهب، قال مالك فى خيبر افتتحت بقتال يسير،
[3/ 360]

(3/360)


قال: وقد خمست إلا ما كان منها عنوة أو صلحاً وهو يسير فأنه لم يخمس. فقلت: فالعنوة والقتال ليس واحد؟ قال: انما اردت الصلح.
وسمعت ابن شهاب يقول: افتتحت خيبر عنوة ومنها بقتال، وما ادرى ما اراد بذلك/. قال مالك: قسمت خيبر ثمانية عشر سهماً على الف وثمانمائة رجل لكل رجل سهم، قال: وصدقات النبى صلى الله عليه وسلم كلها من أموال بنى النضير، ولم تخمس لأنها كانت صافية، وخمس قريظة لأنها كانت بقتال. واجلى عمر أهلخيبر.

وإما فدك فصواحوا على النصف، صالحهم النبى صلى الله عليه وسلم، ولم يوجف عليها إلا أنها كانت عنوة بلا قتال، ثم اجلاها عمر وقوم لهم نصفهم، فأعطاهم به جمالا وأقتاباً وذهباً، واخبر الناس أنه اشتراه من بيت مال المسلمين، فلم يخمس فدك لأنه لم يوجف عليها. وما افتتح من خيبر بغير قتال فلم يكن فيها خمس، وأقطع منها ازواجه. وما كان منها بقتال خمسه وقسم باقيه على من افتتحها وهم الف وثمانمائة. قال مالك: ومن العنوة مثل الصلح يطيعون لهم بغير قتال ولا ايجاف بخيل ولا ركاب.

ومن كتاب ابن المواز عن مالك وذكر ارض العنوة أنها لا تقسم، قال: ويكون أهلها ذمة للمسلمين وتقسم غلة ذلك وخراجه قسم الفىء، يبدأ فيه بإصلاح بلدهم من سد ثغورهم وتحرزهم من عدوهم. وما بقى منهم قسم: يبدأ فيه بالفقراء من الرجال والنساء وتعطى الذرية ايضاً. وما فضل قسم إلاغنياء. وقا أشهب: لا شىء للنساء فيما يقسم من غنيمة الجيش. وإما الخمس فلهم فيه سهم بقدر الحاجة.

قال: وأراه، يعنى مالكاً، قال: ويقر أهل الذمة فى دورهم لعمارة البلد وخراج جماجمهم. قال: نعم،/ويكونون احراراً ويكتفى منهم بما يؤخذ من خراج جماجمهم. ومن أسلم منهم سقط الخراج عن جمجمته وأخذ ما كان بيده
[3/ 361]

(3/361)


من ذلك. وكذلك من هلك منهم ولم يدع من يخلفه من عصبته وورثته فيما ترك من ارض ودار. وما كان يملك من ماله فلأهل الإسلام، وتبقى تلك الارض موقوفة ابداً ما بقيت الدنيا. وما كان من مال يعلم أنه كان بيده يوم الفتح فيكون كالفىء.
قال مالك: وارض مصر عنوة. فمن أسلم منهم فلا يكون له ارضه ولا داره. وإما الصلح فذلك لهم وان أسلموا، ويسقط عنهم خراج جماجمهم وأرضهم.

ومن كتاب ابن حبيب، قال: ومن أسلم من أهل العنوة احرز نفسه وماله، وإما الارض فللمسلمين، وإما ماله وكل ما كسب فهو له، ولأن من أسلم على شىء فى يديه كان له. وان مات العنوى ولم يسلم فذلك كله لورثته إلا الارض فهى للمسلمين وتسقط جزية رأسه، يريد: ان أسلم. قال: وإذا مات ولا وارث له فكل ما ترك للمسلمين فى بيت المال، وتبقى الارض على ما كانت عليه.
قال والجزية الصلحية جزيتان: فجزية محملة على البلد (وجزية على جماجمهم. فإذا كانت محملة على البلد) فهى موقوفة لا تباع ولا تورث ولا تقسم، ولا يملكها ان أسلم وانما له ماله. وإما الارض فموقوفة ابداً لما عليها من الخراج، وذلك بأسره باق على من بقى من النصارى. فإما ان صولحوا على الجزية على جماجمهم فلهم بيع الارض، وهى لهم ملك يصنعون بها ما يشاءوا وتورث عنهم، وتسقط الجزية بموته عن ذمته وتبقى الارض ملكاً لورثته./وان لم يدع وارثاً فأرضه للمسلمين كميت لا وارث له. وان أسلم هذا فارضه له وماله لا حق به ولا جزية عليه ولا على ارضه. وكذلك فسر لى من كاشفته من اصحاب مالك وغيرهم، وجاءت به إلاثار.

ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: وإذا باع الصلحى ارضه من مسلم: فإن كان على ان الخراج على المبتاع لم يجز، يريد: وان ثبت ذلك على البائع فجائز.
[3/ 362]

(3/362)


ومن المدونة قا أشهب: يكون الخراج على المبتاع ويزول عنه باسلأم البائع. قال ابن المواز: وأهل العنوة كالأحرار لا يسترقون.

قال ابن مزين قال عيسى بن دينار: والفرض الذى يفرض عليهم فعلى جماجمهم، وتترك الارض بايديهم عوناً لهم كما فعل عمر. ومن أسلم منهم كان حراً وماله للمسلمين. قا ابن المواز: ما كان له قبل الفتح.

قا عيسى فى كتاب ابن مزين وفى العتبية عن ابن القاسم: ونساؤهم كالحرائر لا ينظر إلى شعورهن، ودية المرأة منهن كدية حرة ذمية.

ومن العتبية روى يحيى ابن يحيى عن ابن القاسم قال: ومن مات من أهل الصلح ولا وارث له من أقاربه فميراثه لأهلخراجه ولا يضع موته عنهم شيئاً من خراجه، وما صولوا عليه قائم عليهم. وان مات احد من أهل العنوة لا وارث له فيمراثه للمسلمين. قيل: وكيف علمنا من وارثه ولا علم لنا بمن يرث عندهم ممن لا يرث؟:قال: يرد ذلك إلى أهلدينهم واساقفتهم. فإن قالوا يرثه من يذكرون من ذى رحم أو غيره من رجل أو امرأة سلم إليه. وان قالوا لا وارث له كان للمسلمين. قا سحنون عن ابن القاسم: وإذا/أسلم أهل العنوة أخذ منهم أموالهم من عين ورقيق وغيرها. قا ابن المواز: مما كان بايديهم يوم الفتح.

قا سحنون قال ابن القاسم: ويجوز شراء رقيقهم منهم، وكأنهم على ذلك تركوا كالمإذون له فى التجارة. وانما يمنعون ان يهبوا أو يتصدقوا أو يفسدوا أموالهم. قيل: قتزوج بناتهم؟ قا ل: انى لأتقيه وما اراه حرإما. قال عنه عيسى: ولهن حكم الحرائر فى النظر إلى شعورهن وفى دياتهن. وان أسلمن فهن احرار.

قلت: فأهل الصلح إذا صولحوا على ان عليهم الف دينار كل عام أو على ان على جماجمهم دينارين على كل رجل منهم أو على ارضهم على مبذر كذا
[3/ 363]

(3/363)


شىء سموه وعلى كل زيتونة كذا؟ قال: ذلك سواء ولهم بيعها. فإذا أسلموا وضع عنهم ذلك الخراج كله.

القول فى كراء أرض الجزية
وذكر الحكم فى الارض إلاندلس التى قسمت ولم تخمس

من كتاب ابن حبيب: وقد روى التغليظ فى النهى عن أخذ المسلمين مالك كراءها، وكره ان يزرعها ايضاً عاريةً. ونهى ابن عباس عمن يتقبل أرض أهل الذمة وقال: يجعل صغار الكافر فى عنقه.

قال ابن عمر: لا يحل ان يكتب على نفسه الذلة والصغار فى أخذه أرض الجزية بما عليها من الخراج. وقد كانوا يكرهون الشغل عن الجهاد بالحرث اصلاً، فكيف بكراء ارض الذمة؟ وكان عمر ينهى عن الحرث وكتب/ان يمحى من الديوان من زرع.
قا ابن حبيب: وسألت مطرفاً وابن الماجشون عن ارض إلاندلس التى اختطت وقسمت على وجه المغانم، فقإلا: كان ينبغى ان تقر أولاً خراجاً للمسلمين، كما فعل عمر بأرض العنوة. فإذا لم يكن ذلك أو كان لا يقدر على ذلك لقربها من العدو، فينبغى لإمامكم ان كان عدلاً ان يعزل خمسها يكون للمسلمين، إذا ايقن أنه لم يوخذعند الفتح من الغنيمة عوضاً عن خمس الارض، ثم لا يعرض للناس فى باقيها على ما توارثوا عليه من المغنم والخطط. قلت: فمن يجرى ماء الزرع وبيده منها شىء بميراث ان ابتياع وهى لم تخمس؟ قال: يخمسها ويجعل سهم الخمس لجميع المسلمين كما لو حبسه، ثم
[3/ 364]

(3/364)


يسوغ له ما بقى بيعهوملكه. وإذا لم يفعل ذلك فهو فى خرج من إلانتفاع بها وكرائها، (ولا ينبغى ان يمنع منها احداً من المواساة بقدر الخمس فيها. قلا: وهذا كله إذا علم أنها قسمت بوجه التسأوى والعدل) إلا أنها لم تخمس.

قلت: فلو كا نكل رجل قعد على ما فتتح وغلب عليه ولم يعدل بينهم بالقسم، أو لعله خرج بعد من حضر الفتح ولم يأخذ منها شيئاً حين خرج موسى بن نصير وطارق مولاه اللذان قد فتحاها، أو لعل الرجل قد غلب على قرية أو بعض قرية وغلب اقوى منه على اكثر منها ثم توارثوا على هذا؟ قا هذا كله غلول ولا ينتفع بشىء منه، وحق عليهم اجتنابها والشراء من أهل الصلح منهم، وقاله كله أصبغ.

ذكر قسم ما يؤخذ فى الجزية وخراج الارض/
وشبه ذلك من الفىء
وهذا الباب مستوعب فى كتاب الزكاة وخزء منه فى هذا الكتاب فى باب فرض الجزية.

من كتاب ابن المواز قا ملك فيما يؤخذ من خراج الارض والجزية: يسلك بذلك مسلك الفىء، ويبدأ فى قسم الفىء وسبهه بأهل البلد الذى جبى فيه ويؤثر الفقراء، ثم ان فضل شىء دفع إلى غيرهم. وان بلغه عن أهلبلد حاجة وشدة بعث اكثر ذلك إليهم.

قا ابن القاسم: ولا يعمل فيه للحسب لكن للفقر. وهذا كله فيما جبى من عنوة أو صلح مما أوجف عليه.

قال ابن عبد الحكم عن مالك: وما افاء الله مما لم يوجف عليه، فقد كان ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم خاصةً، من ذلك أموال بنى النضير وغيرها. وإما النضير خاصةً
[3/ 365]

(3/365)


فقد قسمها النبى صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين وثلاثة من إلانصار: أبو دجانة والحارث ابن الصمة وسهل ابن حنيف.

ومن المجموعة قال ابن غانم عن مالك: ان النضير لم يوجف عليها، فصالحت النبى صلى الله عليه وسلم على ان لهم الصفراء والبيضاء والحلقة، يريد: السلاح. قال: وما اقلت إلابل. قال: فتحملوا إلى خيبر وبقيت الارض والنخل، فقسمها النبى صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين لحاجتهم وخروجهم من ديارهم وأموالهم، ولتخف مؤنتهم عن إلانصار، ولم يقسم منها للأنصار شيئاً إلا لثلاثة كانوا ذوى مسكنة وحاجة: أبو دجانة والحارث بن الصمة وسهل بن حنيف/

ومن كتاب ابن المواز قا ابن عبد الحكم: والنضير ما سوى النضير مما يشبهها، فكان عليه السلام يأخذ منها نفقته على أهله سنةً، وما فضل جعله فى الكراع والسلاح. وكذلك فعل فى ذلك من ولى الأمر بعده: ينفذه فى الخيل والسلاح ومصالح المسلمين، ولك يكن ينفق منه على نفسه وأهله. وانما كانت النفقة للنبى صلى الله عليه وسلم خاصةً.

قال ابن القاسم: ومما يقسم الفىء ما جبى من خراج أرض وجزية وعشور أهل الذمة إذا تجروا من افق إلى افق والركاز وما أخذ من الحربيين إذا نزلوا. وإما المعدن فما كان منه فيه الزكاة قسم قسم الزكاة. وما كان فيه الخمس قسم قسم الفىء. قال: ولا يرتزق العمال من الزكاة ولكن من الفىء. وانما يرتزق الزكاة، يريد: على غير الفقير، العام ل عليها يأخذ بقدر سعيه وبعد سفره وقربه فيها.

قال أشهب: ان كان من ولاه يضع الأمر فى وجهه وإلا فإنا نكره له ان يرتزق منه.

قال مالك: ولا باس ان يجيز الوالى من الفىء رجلاص يراه لذلك أهل ا، ويجوز للرجل أخذها. قال أصبغ: ان كان الإمام عدلاً.
[3/ 366]

(3/366)


قال ابن القاسم: ويعطى من الفىء القضاة ولاعمال الذين يلون اعمال المسلمين وما بهم الحاجة إليه، ومستخرجى جبايتهم والقائمين بأمرهم واسواقهم ويفرض لهم فيه، ويعطى منه الغزاة، وذلك على الإجتهاد لا على جزء معلوم. وإما العام ل على الزكاة فيأخذ منها بقدر/عمله، لا ينظر إلى كثرة عياله وولده، وأولئك يعطون من الفىء. ولا سهم للمؤلفة قلوبهم اليوم، ولا يقسم ذلك بين بقية إلاصناف الثمانية إلا على الإجتهاد، واسعدهم به احوجهم إليه. وربما انتقلت الحاجة فى عام آخر إلى الصنف الآخر فيصرف إليه. قال أصبغ: وأحب إلى ان يرضخ المستغنى من إلاصناف لئلا يندرس اسمه من ذلك.

وبعد هذا الباب فى سيرة الإمام فى مال الله، فيه معانى هذاالباب.

آخر الخأمس من الجهاد من النوادر
والحمد لله وصلواته على نبيه وعبده
وعلى آله وصحبه وسلم

[3/ 367]

(3/367)


صفحة بيضاء

(3/368)


بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على سيدنا ومولأنا محمد وآله وصحبه وسلم

كتاب الجهاد السادس

ذكر ما يؤخذ من أهل الذمة إذا تجروا من بلد إلى بلد
وما يؤخذ من الحربيين إذا نزلوا
وهذا الباب مستوعب فى كتاب الزكاة الأول إلا ما كان لابن حبيب، وكتبنا ها هنا شيئاً منه لتعلق احكأمه باحكأم الفىء.

من كتاب ابن حبيب قال ابن شهاب: كان يؤخذ من النبط العشر إذا تجروا إلى المدينة، وكان يؤخذ ذلك منهم فى الجأهلية، فألزمهم اياه عمر، وأخذ منهم فى الحنطة والزيت نصف العشر ليكثر حملهم ذلك إلى المدينة، وأخذ منهم فى القطنية العشر.

قال مالك: وذلك إذا تجروا من بلدهم إلى بلد آخر، فإن تجروا إليها مراراً فى السنة أخذ منهم كلما رجعوا، ولم يؤخذ بما روى عن عمر بن عبد العزيز فى الكتاب لهم براءة إلى الحول فى تحديد ما يتجرون به من مال.

قال ابن القاسم: ولا يؤخذ منه حتى يبيع، وله ان يرجع بمتاعه ولا يؤخذ منه شىء.

قال ابن حبيب: ب يجب عليه العشر بالنزول، ويصير المسلمون شركاءه فيما بيده/من رقيق وغيرهم، ويحال بينهم وبين وطء إلإماء. ويبين ذلك ان عمر
[3/ 369]

(3/369)


انما كان يأخذ منهم الحنطة والزيت نصف العشر ومن القطنية العشر، ولم يأخذ عشر الثمن. وكذلك قال مالك والمدنيون من أصحابه: فيؤخذ منه عشر ما معه من العين. وفى قول ابن القاسم: حتى يشترى به فيؤخذ منه عشر المشترى. وإما ان باع واشترى مراراً قبل ان يرجع إلى بلده فلا يزاد عليه شىء عند جمعيهم.

قال ابن حبيب: وإذا أخذ منه عشر ما قدم به وكره البيع لبوار سلعته فرحل إلى بلد آخر، فليؤخذ ايضاً منه بالبلد الآخر عشرما معه لحركتهم يتقلبون بالتجارة فى غير بلدهم أمنين. وإذا اكرى منهم الشامى ابله إلى المدينة أخذ منه لأنه انما تم له بالمدينة، وابن القاسم لا يرى عليه شيئاً حتى يكريها من المدينة، ونحن لا نرى عليه شيئاً كما لو تجر مراراً قبل ان يرجع، واجمع مالك وأصحابه أنه يؤخذ من عبيدهم إذا تجروا إلى غير بلدهم.

قال: وإما الحربيون فإنما يؤخذ منهم ما صولحوا عليه. وان كان فيهم يهود من بلدهم معهم فإن نزلوا إلى خمس أو عسر ثم طلبوا الرجوع قبل البيع فقد لزمهم ذلك والمسلمون شركاؤهم بذلك الجزء، ويحال بينهم وبين ذلك وبين وطء إلإماء حتى يقاسموا ما ينقسم يبع وقسموا الثمن.

ومن المجموعة قال ابن نافع: لهم الرجوع ولا يؤخذ منهم حتى يبيعوا ونحوه لأشهب. وهذا مذكور فى كتاب الزكاة.
قا ابن حبيب: وان نزل/الحربيون على أمر مبهم انزلهم الوالى كذلك وجهل، فإن نزلوا قبل ذلك على أمر فهم عليه. وان كان أول ما نزلوا فعليهم العشر لأنه الأمر الفاشى.

وما كان معهم من خمر وخنازير فليرق الوالى الخمر ويقتل الخنازير ويغيب جيفها. وان طلبوا النزول على بقاء خمرهم وخنازيرهم فلا يمكنهم من ذلك. وان
[3/ 370]

(3/370)


جهل فشرط لهم ذلك فإن عثر على ذلك بحدثأنه وقبل ان يبيعوا قيل لهم: إما نزلتم على اراقه الخمر وقتل الخنازير وإلا فإنصرفوا. وان لم يعثر على ذلك حتى باعوا بعض متاعهم وطال لبثهم جبروا على اراقه الخمر وقتل الخنازير، ولا عهد فيما خالف الكتاب والسنة. وكذلك ان شرطوا ان من أسلم من رقيقهم ترك فى ايديهم فلا يوفى لهم بهذا، وليبع عليهم من أسلم من عيبدهم. وكذلك لو شرطوا إلا ينزع منهم من معهم من أسير مسلم ومسلمة فأنهم يؤخذون منهم بالقيمة، ولا يكون رضى الوالى بما لا يجوز فى الكتاب والسنة بمانع من أقامة الحق عليهم فيه. وكذلك قال ابن الماجشون ورواه عن مالك.

ومن المجموعة روى ابن نافع عن مالك فى أهل الذمة: إذا تجروا بالخمر تركوا حتى يبيعوه فيؤخذ منهم عشر الثمن. وان خيف من خيانتهم جعل معهم أمين.

ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: ولا باس ان يراض تجار الحربيين على النزول ببلدنا على دينار واحد إذا كان على الإجتهاد. قال ابن المواز: وأحب إلى إلا ينزلوا على اقل من العشر، ولا باس ان ينزلوا على اكثر منه من نصف أو ثلث أو اكثر.

ومن العتبية قال أشهب عن مالك فيما/يؤخذ من الربانيين إذا نزلوا قال: يؤخذ منهم ما صولحوا عليه من ربع أو خمس أو ثلث أو عشر أو ما صالهم الإمام عليه.

ومن كتاب ابن المواز: وإذا نزلوا على العشر أو غيره ثم بدا لهم ان يرجعوا قبل ان يبيعوا أو قد باعوا البعض فقد اختلف فيه: فابن القاسم لا يرى لهم ذلك حتى يعطوا ما قد صولحوا عليه، ثم ان وقعوا إلى بلد آخر لم يكن عليهم شىء حتى يردوا بلادهم. فإن بلغوها ونزلوا ثم رجعوا بذلك المتاع بعينه أخذ منهم مرةً آخرى. وقال أشهب: لهم الرجوع قبل البيع ولا يؤخذ منهم شىء حتى يبيعوا حيث ما باعوا، إلا ان يكون اشترط عليهم ذلك حين نزلوا فيلزمهم.
[3/ 371]

(3/371)


وذكر عيسى عن ابن القاسم فى العتبية مثل ما ذكر عنه ابن المواز. قال ابن المواز قال ابن القاسم: وإذا نزلوا إلى العشر فإنما هو عشر الثمن، وليس للوإلى ان يقاسمهم الرقيق ولا غيرها حتى يبيعوا إلا ان يبدو لهم فى البيع فيؤدوا عشر القيمة. فإن نزلوا على بيان ان يقاسموا فى اعطاء العشر فليس لهم وطء الرقيق ولا البيع حتى يقاسمونا، ثم لهم الوطء والبيع.
وقال سحنون فى كتاب ابنه: إذا نزلوا على العشر ومعهم رقيق ثم ارادوا إلانصراف به فلا بد ان يقاسموا الرقيق، ولم يذكر: نزلوا على بيان القسم أو على العشر مبهماً.

ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: ولو اشتروا من بلدنا عبيداً مسلمين لبيعوا عليهم بخلاف من/قدموا به مسلماً أو أسلم بعد قدومهم به.

قال أبو محمد عبد الله: وقد ذكرنا قول غير ابن القاسم فى اسلأم من معهم.

قال ابن المواز قال ابن القاسم: وإما أهل الذمة يرديون الرجوع قبل البيع، قال ذلك لهم ولا شىء عليهم، واين ما نزلوا أخذ منهم. (زإما ان أسلم من رقيقهم شىء فلابد ان يباعوا عليهم ويؤخذ منهم) عشر الثمن. وكذلك فيمن جاءوا به مسلماً من عبيدهم. ولو قدم الذميون بخمر جاز لنا أخذ عشر ما بيع به، ولا يقال انا ملنا العشر فيراق علينا ذلك. قال ابن الموازك وقد ذكرنا اختلاف ابن القاسم وأشهب فى الحربيين ينزلون بتجارة ثم يريدون الرجوع قبل البيع. قال أصبغ: ولا ينبغى ان يتركوا يدورون بساحلنا فيطلعون على عوره. قال ابن القاسم: فإذا انصرفوا فلهم الأمان حتى يفارقوا بلد الإسلام. قال ابن المواز: بل حتى يصلوا إلى مأمنهم من بلدهم.
[3/ 372]

(3/372)


ومن العتبية قال مالك: إذا انصرفوا فالأمان لهم حتى يصلوا إلى موضع يأمنون فيه. فإذا صاروا إلى ذلك حلوا لمن قدر عليهم من المسلمين. قيل أنهم اليوم لا يأمنون حتى يبلغوا بلدهم ويخرجوا من البحر لأن مراكب المسلمين قد كثرت عليهم. قال فلا يحلون حتى يخرجوا من البحر على ما ذكر، ثم قال: وإذا نزلوا على غير تسمية فلا يجبروا على اداء اكثر من العشر، ولكن ان رضوا على شىء بعد نزولهم أو قبل فذلك وإلا ردوا إلى مأمنهم.
قا أشهب: وإذا باعوا واشتروا فردتهم/الريح، فهم على أمنهم حتى يردوا سلطانهم، ثم ان رجعوا فالإمام مخير بين انزالهم أو ردهم، ولا يؤسروا ولا يباعوا. وان لم يبلغوا مأمنهم فلا يمنعهم النزول ان شاءوا.

ومن أشهب قيل لمالك: ان الروم عندنا إذا قدموا بالرقيق جعلوا من كل صنف عشرة فيختار الروم (من احد إلاصناف رأساً من عشرة ثم يختار المسلمون من التسعة الباقية رأساً)، ثم يبدأ فى الصنف الثانى باختيارباختيار المسلمين ثم فى الثالث باختيار الروم، هكذا حتى يفرغ قد احكموا ذلك. قال: بئس ما احكموا. قال: وروى أصبغ وسحنون وابن القاسم قال: ويمنعون من الوطء للشرك الذى للمسلمين معهم باعوا أو لم يبيعوا، وفيما مات أو نقص إلا ان يكونوا صولحوا على مال فلا يمنعوا من الوطء. وان رحلوا من ذلك الموضع إلى موضع آخر من سواحل الإسلام لم يؤخذ منهم غير عشر واحد.
وروى سحنون عن ابن القاسم فى الروم ينزلون على العشر ومعهم رقيق مجوس فارادوا إلانصراف قال: يقاسمون ويذهبون بما بقى. ولو أسلم الرقيق لقوسموا وذهبوا بما بقى. واحتج برد النبى صلى الله عليه وسلم ابا جندل.
[3/ 373]

(3/373)


فى أهل الذمة ولأنهى عن ظلمهم
وما ينبغى ان يلزموه فى لباسهم وشكلهم
وهل يستعان بهم فى أمور المسلمين
وما يؤكل من طعام هم ومخالطتهم والسلام عليهم

ومن كتاب ابن سحنون، قال: وقد أمر الله سبحانه بالوفاء بالعهد. وقال النبى صلى الله عليه وسلم: لا تدخلوا بيوت المعاهدين إلا بإذن، وتواترت إلاحاديث فى النهى عن ظلم أهل الذمة أو أخذ/شىء من أموالهم إلا بحق.

قال سحنون: لا يجوز ان يؤخذ شىء من أموالهم إلا عن طيب نفس إلا الضيافة التى وضعها عمر رضى الله عنه، ولا يدخل كافر المسجد من ذمى أو غير ذمى، ولا يتشبه احد منهم بالمسلمين فى الزى، ويؤدبوا على ترك الزنانير.

من كتاب ابن حبيب وابن سحنون: وكتب عمر بن عبد العزيز ان يختم فى رقاب رجال أهل الجزية بالرصاص ويظهروا مناطقهم وتجز نواصيهم ويركبوا على إلاكف عرضاً. قال ابن حبيب: وروى عن النبى صلى الله عليه وسلم: إلا تبدأوهم بالسلام، وإذا لقيتموهم فى طريق، فألجئوهم إلى أضيقها. وقال عمر: سموهم ولا تكنوهم وإذلوهم ولا تظلموهم ولا تبدأوهم بالسلام. وقال النخعى: إذا كانت لك إليه حاجة فلا بأس ان تبدأه بالسلام. وكان النبى صلى الله عليه وسلم إذا كتب إلى المشركين كتب: السلام على من اتبع الهدى. ونهى عمر ان يتخذ احد منهم كاتباً لقول الله تعالى: (لا تتخذوا بطانة من دونكم)، ونهى عنه عثمان.

وقال عمر بن عبد العزيز: كان المسلمون إذا فتحوا البلاد لم يكن لهم علم بأمر الخراج حتى استعانوا بالعجم، ثم ان المسلمين ع
رفوا من ذلك ما يحتاجون
[3/ 374]

(3/374)


إليه وكثروا، فلا ينبغى ان يستعملوا فى شىء من أمور المسلمين. وكتب عمر ان يقأموا من اسواقنا، وقاله مالك.

ومن العتبية من سماع ابن القاسم عن مالك: سئل عن الحزم للأقباط، أيلزمون ذلك؟ قال: انى أحب لهم الذلة الصغار، وقد كانوا ألزموا ذلك فيما مضى. (قيل: أفيلزمون ذلك؟ قال: نعم) قيل: أفيكنون؟ قال/ (انى لأكره ان يرفع بهم، وقد رخص فيه قبل ذلك. قال ابن القاسم): وأرجوا ان يكون خفيفاً. قال غيره: وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم لصفوان: انزل ابا وهب.

قال سحنون فى أهل الكتاب: ولا يؤكل فى آنيتهم حتى تغسل. قال وقال مالك: يكره اكل طعام هم وذبائحهم، أهل الذمة أو أهل الحرب، من غير تحريم. قال سحنون: ولا بأس بأكل ما وجد ببلد الحرب من ذبائحهم وخبزهم وجنبهم، ولا يؤكل ما وجد بأرض المجوس من اللحم، ويؤكل خبزهم.

وكره مالك جبنهم مرةً وأجازه مرةً، ولا بأس به عندى. وأجازه ابن عمر وعائشة وزيد ابن أسلم. قالت عائشة: ان لم تأكله فأعطه آكله. وقال ابن شهاب: ان لم تعلم ان المجوس صنعوه. فكله. وكان ابن كنانة لا يجيز ان يؤكل فى بلد المجوس شىء من طعام هم مما صنعوه فى آنيتهم. وإما اكل الثمر وشبهه فجائز.

ومن كتاب آخر: ان بعض اصحاب مالك كره الأشياء المائعة من طعام هم، وهو نحو ابن كنانة. وكان ابن سيرين يكره فى نفسه الجبن الرومى.
وقال سحنون فى قلال أو زقاق كان فيها الخمر فغسلت فلم تذهب الرائحة، فلا يضر ذلك ولينتفع بها.
[3/ 375]

(3/375)


وفى مختصر ابن عبد الحكم: إما الزقاق فلا ينتفع بها. قال أبو محمد: يريد: زقاق الخمر التى قد كثر استعمالها. قال: وإما القلال, فليطبخ فيها الماء مرتين وثلاثة وتغسل وينتفع بها. وهذا المعنى فى كتاب الذبائح مستوعب.

ذكر ما ينهى عنه من احداثهم الكنائس
واظهارهم الصليب والخمر والخنازير/
من كتاب ابن حبيب: روى ان النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا ترفع فيكم يهودية ولا نصرانية، يعنى: البيع والكنائس. قال ابن الماجشون: ولا تحدث كنيسة فى بلد الإسلام. وإما ان كانوا أهلذمة منقطعين عن بلد الإسلام ليس بينهم مسلمون، فذلك لهم، ولهم ادخال الخمر وكسب الخنازير. وإما بين المسلمين فيمنعون من رم كنائسهم القديمة إذا رثت، إلا ان يكون ذلك شرطاً فى عهدهم فيوفى لهم، ويمنعون من الزيادة الظاهرة والباطنة.

وان صولحوا على ان يحدثوا الكنائس ان شاءوا، قال ابن الماجشون: فلا يجوز هذا الشرط ويمنعون منه لأنه ما قال النبى صلى الله عليه وسلم إلا فى بلدهم التى لا يسكنها المسلمون معهم فلهم ذلك وان لم يشترطوه.

قال ابن الماجشون: وهذا فى أهل الصلح. فإما فى أهل العنوة فلا يترك لهم عند ضرب الجزية عليهم كنيسة إلا هدمت، ثم لا يحدثوا كنيسة وان كانوا معتزلين عن بلد الإسلام.
ويمنع أهل الذمة الذين يسكنون مع المسلمين من اظهار الخمر وحملها إليهم من قرية إلى قرية، وتكسر عليهم ان ظهرنا عليها وان قالوا لا نبيعها من مسلم، وكذلك لا يدخلون الخنازير إليهم، ويضرب من فعل ذلك منهم، ومن أخذ سكران منهم أدب. وكذلك لا يظهرون صلبهم فى أعيادهم واستسقائهم وتكسر ان فعلوا ويأدبوا. وقال مثله مطرف وأصبغ وغيره. وكتب به عمر رضى الله عنه./
[3/ 376]

(3/376)


ذكر ما يمنع الداخلون إلينا بأمان من حمله إلى بلدهم
وما نهى عن بيعه منهم والمفاداة به

من كتاب ابن حبيب: وقال فى أهل العهد وتجار الحربيين إذا انصرفوا من عندنا منعوا من حمل السلاح والحرير والحديد والصفر وإلادم معمولة أو غير معمولة، ومن الخيل والبغال والحمير والغرائر والآخرجة، ولا يترك لهم حمل كل شىء فيه قوة فى المغازى ولا الزفت ولا قطران الشمع واللجم والسروج والمهأمز والسياط ولا شقق الكتان والصوف ولا الطعام من القمح والشعير، ولا كا ما لهم فيه قوة حربهم. وليأخذ الإمام فى منع ذلك والتغليظ فيه وينذر ان من فعل ذلك فهو نقض للعهد، ويتقدم للمسلمين ان لا يبيعوه منهم وينادى بذلك، ويفتش عليهم فى انصرافهم، وكذلك جرى عمل أهل العدل. قال الحسن: فمن حمل إليهم الطعام فهو فاسق. ومن باع منهم السلاح فليس بمؤمن.
وكره الأوزاعى بيع الطعام والسلاح منهم. وقال ابن الماجشون ومطرف وأصبغ: إما فى الهدنة فيجوز. وإما فى غير الهدنة فلا يباع منهم طعام ولا شىء مما فيه قوة، فيبيعونه فى دار حربهم. وإما الكراع والسلاح والحديد والنحاس واللجم والسروح والحرير والجلود وما يستعان به فى الحرب فحرأم بيعه منهم فى الهدنة وغيرها.

ومن دخل إلينا منهم بأمان فلا يترك يبتاع ذلك عندنا. وان دخل بسلاحه فله الرجوع به، وله من عندنا من غير بيع بمثله أو بادنى منه./فإما بأرفع أو بنصف غيره من السلاح فلا يترك يخرج به. (فإما ان باع سلاحاً بثمن ثم اشترى به سلاحاً فلا يترك يخرج به) كان مثله أو خلافه.

ومن العتبية من سماع ابن القاسم قيل: أيباع الديباج من الروم؟ قال: ان لم يتخذوه عدةً للقتال فلا بأس بذلك، وذكره ابن سحنون من رواية ابن وهب
[3/ 377]

(3/377)


عن مالك، وقاله الأوزاعى: ومن اشترى من المغانم صليباً من ذهب فكسره أحب إلى من بيعه من النصارى. قال سحنون: لا يجوز بيعه منهم.

ومن العتبية: روى أشهب عن مالك فى التجارة فى النبل والسلاح والسيوف، قال: لا بأس بذلك لم يزل الناس يجيزونه إلا ان يخاف ان يصل إلى العدو. قال سحنون: ومن اهدى للمشركين سلاحاً فقد شرك فى دماء المسلمين. وكذلك فى بيعه ذلك منهم، وهو كمن أخذ رشوة فى دماء المسلمين، ولا ينزع ممن قدم من الرسل سلاحاً ويمنعون من شراء السلاح.

ومن كتاب ابن المواز: وعن الحربى يبيع عندنا تجارته فله شراء ما شاء إلا (ما فيه ضرر علينا مما يدخل فى السلاح والنفط ونحوه، ويمنعون من شراء) الخيل والسلاح، ولا يمكن من شراء علج منهم أو غلأم بثمن، ولكن ان كان بمسلم فنعم ما لم يكن المفدى منهم من أهل الذكر بالشجاعة وإلاقدام فلا يفدى إلا بمثله من المسلمين المذكورين بمثل ذلك. فإن لم يجد ذلك اجتهد فيه الإمام. قال ابن القاسم: وإذا قدموا بأمان فى شراء من قد سبى منهم فلا يمكنوا من شراء الذكور بثمن وان كان/صغيراً، ولهم شراء النساء ما لم تكن صغيرة، ويشترى الزمنى وأهل البلاء من الرجال والشيخ إلا من يخاف كيده وشدة رأيه فلا يفدى إلا برجل مسلم. وبقية هذا فى أبواب الفداء. وبعد هذا باب الفداء بصغار الكتابيين

وسأل حبيب سحنون عن الناقلين: هل يمنعون من شراء الخفاف؟ قال: ما اعلم أنهم يمنعون من شراء السلاح، وكأنه رأى الخفاف بمنزلة الثياب.
[3/ 378]

(3/378)


فى بيع المجوس من الصقالبة والسودان من أهل الكتابين
وكيف ان وجدوا فى ملكهم
وفى بيع الكتابيين بعضهم من بعض

من العتبية من سماع ابن القاسم: وعمن ابتاع رقيقاً من السودان والصقالبة أيبيعهم من النصارى قبل ان يسلموا؟ يريد الكبار، قال: ما اعلم حرإما. وإما الصغار فلا. ويفسخ البيع ان فعل لأن صغارهم يجبرون على الإسلام ولا يجبر كبارهم.

وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فى الروم يقدمون بعبيد من مجوس الصقالبة، قال: يمنعهم الإمام من بيعهم من إليهود والنصارى والمجوس، لا صغير منهم ولا كبير، لأنمه يصيرون إلى دين ملكهم، ولا يبيعون إلا من المسلمين. فإن وجدوهم فى ايدى إليهود والنصارى قد اشتروا منهم، قال: يباعون عليهم إلا ان يوجدوا قد صأورا على دين من ملكهم من نصارى أو يهود أو مجوس فلا يباعوا عليهم لأنهم لم يكونوا يجبرون على الإسلام إذا ملكهم المسلمون. ولو كان قد تقدم اليمه إلا يشتروهم، ففعلوا/وردوهم على دينهم، عوقبوا لئلا يعودوا إلى مثل ذلك.

قال عبد الملك بن الحسن قال ابن وهب: ولا يجوز ان يباع النصارى من إليهود ولا إليهود من النصارى. قال سحنون: يكره ذلك للعدأوة التى بينهم.

قال أصبغ قيل لأبن القاسم: أيباع العبد من أهلدينه النصارى؟ قال: لا، واخاف ان يكون عورةً للمسلمين. ولولا ذلك لم أكرهه ان ثبت على دينه.

ومن كتاب ابن سحنون: وأجاز ابن القاسم ان يباع من الروم من سبينا منهم من النساء والأولاد بعد ان صاروا بأيدينا ببلد العدو وبعد ان بلغوا المصيصة.
[3/ 379]

(3/379)


قال: وانى لأتقيه فى الصغار لأنهم على دين من اشتراهم. وإما المجوس فلا يباعون منهم لأنهم يجبرون على الإسلام، ولا بأس ان اشترى أهل البيت ان يعتق العجائز منهم ببلد الروم.

فى المجوس وصغار الكتابيين
هل يجبرون على الإسلام إذا ملكوا؟
وهذا الباب مستوعب فى كتاب الجنائز من العتبية، قال أصبغ فى المسلم يشترى عبداً مجوسياً من المجوس الذين بالعراق قد أقروا بين المسلمين على مجوسيتهم، فليس عليه ان يجبره على الإسلام. وانما ذلك فيما يشترى من السبى من الصقالبة ونحوهم من المجوس.

ومن كتاب ابن المواز قال أشهب: لا يجبر صغار الكتابيين إذا ملكوا على الإسلام وا نلم يكن معهم احد أبويهم. قال ابن القاسم وأشهب فيمن/سبى صغيراً ونيته ان يدخله الإسلام مثل ابن سنتين أو ثلاثة ثم مات، فلا يصلى عليه حتى يبلغ فيعرف الإسلام ويجيب إليه.

وقال عبد الملك فى صبيان من أهل الكتاب سبوا بغير أب ولا أم فملكهم المسلم: ان سبيلهم سبيل المسلم إذا لم يكن معهم أبوهم. وان أعتق فقتل أو جرح فسبيله سبيل المسلم ويصلى عليه ان مات ويقبر ويواريه المسلمون. وإما ان كان مع أبيه فهو على دين أبيه، وكان مملوكاً أو حراً، ولا ينبغى ان يفرق بينه وبين أبيه فى البيع إذا عرف ذلك إذا كانوا صغاراً. فإن استيحى أبوهم فهم على دينه. وان أسلم فهم مسلمون كالمعاهد.

قال عبد الملك وقال قائل: وروى ان الإسلام أولى بهم ان أسلمت أمهم، وليس على ذلك الأمر ببلد الرسول ولا عند أصحابه والتابعين، والأمر الماضى

[3/ 380]

(3/380)


عندهم على ان يكون على دين أبيه. وقال عبد الله بن عبد الحكم: لا يباع الصغير مع أمه من نصرانى. قال ابن المواز: إما إذا ملكه مسلم فاستحسن ذلك من غير ان ألزمه ذلك. وإما ما كان ببلد الحرب فلا بأس ببيعه ما لم يكن لللصغير اب قد أسلم وعرف ذلك.

وفى كتاب الجنائز شىء من هذا، وقول ابن وهب: ان لم يكطن معه إلا إلأم.

فى الفداء بصغار الكتابيين
وبيعهم منهم أو بالنساء وبرجال أو بيع رجال منهم
وذكر ولد الحربى من مسلمة

من كتاب ابن المواز قال أشهب: ولا بأس ان يفادى بصغار الروم الذين لم يثغروا، كانوا ذوى آباء وأمهات أو لم يكن لهم آباء ولا أمهات، ولا يجبروا على الإسلام كان لهم وإلان أو لم يكونا. قال ابن المواز: ويجوز/ان يفادى بهم مسلمين. وإما بغير مسلمين فأكره ذلك.

قال أشهب: ولو سبوا حرةً فظفرنا بها وهى حأمل، فإن حملها وولدها فىء أرقاء للمسلمين وهى حرة. قال ابن المواز: وان سبى أولادها الصغار معها فهم أحرار ويكونون مسلمين كما لو زنت وولدت. وإما الكبار فهم فىء.
قال ابن القاسم: لا يباع من الروم شىء تعدوا به على المسلمين، وكان عبد الملك يشدد فى ذلك ويقول: لا يباع منهم النساء ولا شيخ ولا غيره إلا من يعلم ان عليه فيه الضرر من الزمنى ومن لا رأى ولا عون، يريد من الزمنى. وإذاجاء علج بمسلم يفدى به أمرأته فوجدها قد ولدت من سيدها المسلم، فإن كانت على شركها فذلك جائز. قال ابن المواز: والمسلم أفضل منها.
قال ابن القاسم: لا يفديها اتلا ان يعتقها سيدها فلا بأس ان يدفعها حينئذ فى الفداء بعد ان يستبرئها. وكان أشهب اسهلهم فى ذلك، وأجاز الفداء
[3/ 381]

(3/381)


بالصبيان ممن معه أبوه أو لا أبوين معه، إلا ان تكون معه أمه فلا يفدى إلا معها، يعنى من اجل التفرقة. وهذه المسائل مكررة فى باب تقدم فى الفداء.

وقا أشهب فى علج أسرناه فأرغبونا الروم فى ثمنه أيباع منهم؟ قال: نعم ان كان ذلك نظراً للمسلمين. وسحنون لا يرى ان يفدى بالمال.

قال أشهب فى الرومى المعتق يريد الخروج إلى بلد العدو فأنه يمنع. قال ابن المواز: وان أعتقه نصرانى لأنه قد لحقته ذمته مولاه.

فى شراء الكنيسة أو بعضها من إلاسقف أو شىء مما جعل لمصالحها
والقول فيما يحكم فيه بين أهل الذمة
من العتبية:/روى عيسى بن دينار عن ابن القاسم فيمن اشترى عرصةً من الكنيسة أو حائطاً منها من أسقف ذلك البلد القائم عليها فإن كانت البلد عنوةً لم يجز ذلك ورد. وان كانت صلحاً فذلك جائز.
قال أصبغ عن ابن القاسم فى نصرانى دفع إلى نصرانى طائراً ليبيعه ويجعل ثمنه فى الكنيسة أيشتريه المسلم؟ فرآه خفيفاً. وقال أصبغ: لا يفعل، وهو بذلك آثم وهذا فى ايمأنه مرض.

قال أصبغ فى بيع إلاسقف لشىء من الديارات فى الخراج أو في شىء من مصالح الكنيسة، وذلك حبس عليها، قال لا يشتريها المسلم ولا يجوز من ذلك فى أحباسهم إلا ما يجوز فى أحباس المسلمين، وقاله أصبغ. ولا يحكم حاكم المسلمين فى منع بيع حبس الكنائس ولا رده ولا انفإذ حبسها ولا اجازته ولا الأمر فيه.
قال عيسى عن ابن القاسم قيل له: أيحكم حاكم المسلمين بين أهل الذمة فيما تظالموا فيه من أموال البيوع والرهون والغضب؟ قال: ذلك الذى يحق عليه، وانما الذى لايحكم فيه يبنهم فى حدودهم وعتقهم وطلاقهم والربا من
[3/ 382]

(3/382)


بيعهم الدرهم بالدرهمين ونحوه ونكاحهم وغير وجه. وما القتل والجراح والغصب وتظالمهم إلأموال فعليه ان ينظر فيه بينهم.

فى دخول بلد الحرب والتجارة فيها
وإلاجتماع فى أعياد أهل الكتاب

من كتاب ابن حبيب قال: ومن قول مالك وأصحابه أنه لا يجوز دخول دار الحرب تاجراً ولا غير تاجر إلا ان يدخل لمفاداة، وينبغى ان يمنع الإمام من ذلك ويجعل الرصد فيه ويشدد فى ذلك. قال/الحسن: من تجر إلى بلد الحرب فهو فاسق. وقاله الأوزاعى.

قال سحنون: من ركب البحر إلى بلد الروم فى طلب الدنيا فهى جرحة، ونهى عن التجارة إلى ارض السودان لجرى أحكأم أهل الكفر عليه. قال ابن حبيب: وكره مالك ان يشترى من أهل الذمة بدارهم وفيها اسم الله تبارك وتعالى. وكره ان يعطى لحبى أو ذمى. قال مطرف وابن الماجشون: ولا يباع من الحربيين الطعام وان جاؤوا بأمان إلا فى الهدنة فليبع منهم الطعام فقط.

قال ابن القاسم فى قوم دخلوا دار الحرب فشهد عليهم بينة مسلمون أنهم كانوا بأرض الحرب نصارى: فلا يقتلون بذلك لأنهم يقولون خفناهم على أنفسنا وأموالنا، ولكن يمنعون من الدخول إليهم.

ومن العتبية من سماع ابن القاسم: سئل مالك عن اعياد الكتابيين يحمل إليها المسلمون المتاع والثياب وغيرها للبيع، قال: لا بأس بذلك. وكره الخروج إلى أرض الحرب فى البر والبحر تجرى عليه أحكأمهم.
[3/ 383]

(3/383)


باب سيرة الإمام العدل فى مال الله عز وجل
وهذا الباب كثير منه فى كتاب الزكاة وفى غير باب من الجهاد. وفى الثالث من كتابالجهاد باب فى الغنائم والخمس وسهم ذى القربى.

قال ابن حبيب: مال الله سبحانه الذى جعله رزقاً وقوةً لعباده المؤمنين على ايدى ولاة الأمر من عباده مالا ن: فمالا جعله للفقراء وحرمه على إلاغنياء، ومال آسى فيه بين إلاغنياء والفقراء.
فالمال الذى خص به الفقراء: ما أخذ من الزكاة من عين وحرث وماشية وزكاة معدن وزكاة فطر. فقال الله سبحانه: (انما الصدقات/للفقراء والمساكين والعام لين عليها)، إلى قوله: (وابن السبيل) إلاية، فسمعت محمد بن السلام البصرى يقول: الفقير الذى له علقة مال، والمسكين المدقع الذى لا شىء له. قال ابن حبيب: والعام لون: السعاة، لهم بقدر العمل وقربه وبعده إذا عدلوا فى أخذها وصرفها فى حقها، وانقطع سهم المؤلفة. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يستألفهم بكثرة العطاء ليسلم من قومهم بأسلأمهم، وهو من إلاستيلاف لا من إلالفة. فكان يعطيهم من الزكاة ومن الفىء، فكان ذلك أيام النبى صلى الله عليه وسلم وأيام أبى بكر. ثم قطعه عمر وتأول ان الإسلام قد كثر وعز واستغنى عن ذلك. وقال ذلك لأبى سفيان وهو منهم، وأبقى حقهم فى الفىء كخق سائر الناس. وقوله: (وفى الرقاب)، الرقبة تعتق من الزكاة وقد اجيز ان يعتق فيها سهم يتم به عتقها لا على ان يبقى منها شيئ رقيقاً. وكذلك ما يعتق به المكاتب (الغارمين) منعليه دين فى غير سرف ولا فساد ولا شىء له أو له مال احاط به الدين، فليعط منه، ويعطى من الفىء ايضاً. وكذلك على الإمام ان يقضى عنه.
[3/ 384]

(3/384)


وروى ان النبى صلى الله عليه وسلم قال: من ترك ديناً فإلى. وقاله ابن شهاب وعمر بن عبد العزيز: ان على الأمير قضاءه عنه من مال الله. وقوله سبحانه: (وفى سبيل الله): فى الجهاد (وابن السبيل):هو المسافر يحتاج فى غربته وهو غنى ببلده. وانما هى فى إلاصناف على الإجتهاد لا على يسأوى القسم فى هذه إلاصناف. وكذلك قال على بن أبى طلب وابن عباس.
قال انب الماجشون: ولافقراء والمساكين أولادهم إلا ان يكون عدو قد اظل. قال مالك: ولا يحمل منها إلى الإمام شىء/ولتقسم فى مواضعها إلا ان يرى الإمام حمل شىء منها إلى فقراء موضعه أو إلى بعض عمله من حاجة وفاقة هم بها فله ذلك ويكرى على نقلها منها، ورواه مطرف وابن وهب عن مالك.
قال مالك: ونصيب من هو اشد فاقة وتعففاً عن المسألة وصلاحاً أجزل من نصيب أهل السؤال وفساد المال ولكل فيها نصيب. قال ابن حبيب: ولا بأس ان يعطى المسكين المتعفف العشرين درهماً وإلاربعين إلى مائة درهم، وقاله عروة ابن الزبير.

قال ابن حبيب: ومن الطعام المدين ونحوهما، ويعطى من له العيال اكثر من ذلك بالإجتهاد، ويعطى من له مسكن وخادم لا فضل فيها عن كفايته. وإما من له غير ذلك من غنيمة أو مزروعة أو شجر، فإن كان فى ثمن ذلك ما يغنيه عن الصدقة لم يعط ولا يجزى من اعطاه. وأم كان لو باعه لم يسد عنه مسداً مثل الدريهمات والدنانير القليلة فليعط. ولا يقوى منها الحاج الغنى بخلاف الغازى، ولا يشترى منها مصحف ليسبل. ولا بأس ان يفك منها أسارى المسلمين، وذلك داخل فى عموم ذكر الرقاب.

وذكر حديث مالك: لا تحل الصدقة لغنى إلا لخمسة، ولا يرتزق منها الإمام ولا عماله وقضاته. وكره مالك للرجل الصالح ان يعمل على الصدقة ان
[3/ 385]

(3/385)


كان الإمام لايعدل. فإن اكره فلا ياكل منها ولا يأخذ شيئاً. وما جاء ان لا تحل الصدقة لآل محمد، فهم نبوا هاشم فمن دونهم، لا يدخل فى ذلك من فوقهم من بنى عبد مناف وغيرهم، قاله مطرف وابن الماجشون. وكذلك عندهما الموإلى. وقال ابن القاسم: تجوز/لموإليهم. واجاز ذلك للجميع فى التطوع، وخالفاه. وقد جاء فى الحديث وعن السلف ما شد قولهما، فإما الهبة والعطية فمجتمع على اجازتهما لهم حتى تسمى صدقة.
قال ابن حبيب وإما المال الذى آسى فيه بين إلاغنياء والفقراء فهو فىء من خمس وجزية أهل العنوة وأهل الصلح وخراج ارضهم، وما صولح عليه الحربيون من هدنة، وما يؤخذ من تجار الحربيين وتجار أهل الذمة وخمس الركاز. قال عمر بن عبد العزيز: آية الفىء وآية الخمس سواء، وهو قول مالك وأصحابه.
قال ابن حبيب: وقول الله تبارك وتعالى فى إلايتين: (فلله)، فهو مفتاح كلام فيما أمرنا ان نجعله فيه وقوله: (وللرسول)،يقول، يجعله فى مواضعه لقول النبى صلى الله عليه وسلم: ما لى مما افاء الله عليكم إلا الخمس والخمس مردود عليكم. وكذلك قوله فى إلانفال: أنها لله وللرسول، يقول: الحكم فيها. وقوله (ولذى القربى) قرابة النبى صلى الله عليه وسلم، بنو هاشم فمن دونهم وهم آل محمد، فوسع عليهم من الخمس لا على سهم لهم معلوم، وبذلك عمل العمران. وليس على ان يقسم ما ذكر فى إلايتين على خمسة أجزاء، بل هو اعلم بوجوهه كما ذكر فى ثمانية اصناف فى الزكاة. وكذلك عمل الخلفاء وأئمة العدل فى ذلك كله. وتأول قوم ان خمس الخمس للرسول صلى الله عليه وسلم يضعه حيث اراه الله تعالى وان منه اعطى المؤلفة قلوبهم وما/أكثر من العطاء يوم حنين. وان ذلك كل من ولى الأمر بعده: له خمس الخمس يضعه فيما يخص به الإسلام وأهله.
[3/ 386]

(3/386)


وخمس آخر من الخمس لذى القربى غنيهم وفقيرهم سواء، للذكر سهمان وللأنثى سهم، والثلاثة إلاخماس الباقية لليتأمى والمساكين وابن السبيل. وهذا ما قال بنو هاشم فيه: وأبى ذلك عليهم قومهم من قريش. قال ابن عباس: وأبى ذلك علينا قومنا. قال ابن حبيب: وانما كانوا يرون ذلك فى خمس الغنائم دون مال الفىء وشبهه. وقد أبى ذلك بقية قريش والخلفاء أبو بكر وعمر وعثمان، وقاله عمر بن عبد العزيز.
قال غير ابن حبيب: ولما ولى على عمل فى ذلك عمل أبى بكر وعمر حتى عاتبه ابن عباس، فقال على: تأولا وتأولنا ولسنا بتأويلنا أولى منهما، وقد كان رشيدين وما أحب ان يؤثر عنى خلافهما.

قال ابن حبيب قال عمر بن عبد العزيز: آية الخمس كآية الفىء، أخبر الله سبحانه ان الله ولرسوله الحكم فى ذلك، فأجرى ذلك فى الخمس كما أجراه فى الفىء، ثم اخبر بمواضعها التى يجرى ذلك فيها على الإجتهاد لا على قسم معلوم. ولو كان كذلك لكان على معنى المواريث وتجريتها، ويسأوى فيه الغنى والفقير. ولو كان أمراً مرتباً للأول لورثت عنه ورثته، ولكان لهم حق فيما غنم النبى صلى الله عليه وسلم من صأمت وعرض وحيوان وعقار، فلم يعرف أنه كان منه عليه السلام فى ذلك فرض يعلم.

وقد/قسم لهم يوم حنين مقسماً لم يعم به عام تهم ولا خص به قريباً دون احوج منه. وقد أعطى منه من لا قرابة له منه لما شكوا من الحاجة، وأعطى حلفاءهم. ولو كان حقاً ثابتاً لقرابته لكان أخواله وأخوال أبيه وجده ذوى قربى منه وكل من ضربه برحم. ولو كان ذلك لأعطاهم ذلك أبو بكر وعمر وعثمان. ولهم يفعل ذلك على حين ولى. ولو كان هذا وجهه لكان قد أعلمهم من ذلك ما يعمل به فيهم، ولكنه كما قال الله سبحانه: (كيلا يكون دولة بين إلاغنياء منكم). فلو كان ذلك السهم جارياً لم يكن دولةً ولكن كان توراثاً يورث،
[3/ 387]

(3/387)


ولكن كان يقوم لهم بحقهم فى ذلك قرابتهم وحاجتهم كما يقوم بحق المسكين واليتيم لحاجته. فإذا استغنى زال حقه. ولم يكن الخلفاء الراشدون يصنعون هذا من حكم الله سبحانه، وهم القائمون بكل حق الله تعالى.

وقد قال النبى عليه السلام: ما لى مما أفاء الله عليكم إلا الخمس، والخمس مردود عليكم، فأين ما قال هؤلاء من هذا؟

قال ابن حبيب فى قوله فى اليتيم والمسكين يزول حقه بغنائه، يريد: لزوال إلاسم الذى به أخذوا وهو الفقير، والقرابة لذى القربى لا تزول بالغنى، ولكن خمس الخمس مرتباً لهم فرضاً، ولكن لهم منه ما رآه الإمام باجتهاده، يعطى فقيرهم وغيرهم من الفقراء والمساكين. وهذا فعل الخلفاء فيهم، وإنما لم يروا لهم سهماً مرتباً كالمواريث. وإما حق القرابة فقد كانوا يرعونها منهم ويؤثرونهم بها. وكذلك/استحب فى إلادنى، قإلادنى من قريش ممن هو اقرب بالنبى صلى الله عليه وسلم نسباً ورحماً يؤثر بقدر ذلك.
قال مطرف قال مالك: ويعطى الإمام أقرباء رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخمس كل عام بقدر ما يرى من قتله وكثرته. وبلغنى ان عمر بن الخطاب كان يفعل ذلك. وكان عمر بن عبد العزيز يخص ولد فاطمة رضى الله عنها، يعطيهم كل عام اثنى عشر ألف دينار سوى ما كان يعطى غيرهم من ذوى القربى.
وقد سأل عمر بن عبد العزيز أبا بكر بن حزم أن يكشف عن الكتيبة من خيبر هل هى خمس النبى صلى الله عليه وسلم من خيبر، فسأل عمرة فقالت: كانت هى الخمس الذى خرج للنبى صلى الله عليه وسلم من خيبر حين جزأها خمسة أجزاء، وأقرع بين ذلك وقسم ما بقى على ثمانية سهماً.
[3/ 388]

(3/388)


قال ابن حبيب: فما افاء الله على المسلمين بغير إيجاف فليسلك به مسلك الفىء ولا يستأثر به ولى الأمر. ومما أفاء الله على نبيه مما لا يوجف عليه أموال بنى النضير وفدك وبعض خيبر، فلم يجز فيها مغنماً ولا خمساً فكان القضاء فيه له خالصاً، فلم يصرفها صلى الله عليه وسلم ولا حازها لنفسه ولا لقربته ولا خصهم منها بسهم، ونظر فيها بما أراه الله، فكانت لنوائبه ونفقة نسائه وما يعدوه من أمور غير معتقد لشىء منها ولا مستأثر لنفسه ولا لمن بعده، فكان يخرج من غلتها نفقة نفسه وعياله سنةً، ويجعل ما بقى فى الكراع والسلاح، فكان هذا عمله فى غلة قريظة والنضير.

وإما فدك، فجعلها لأبناء السبيل. وإما خيبر فجزأها على ثلاثة، ثلثاً للمهاجرين الذين آخرجوا من ديارهم/وثلثاً لرجال من إلانصار، وثلثاً لفقراء المسلمين. وأراد نساؤه أن يطلبن بعده ميراثهن من ذلك، وظنن أنه ملك له فقالت لهن عائشة: ألم يقل: لا نورث ما تركنا صدقة؟ وقاله لهن أبو بكر فأمسكن. ثم وليها أبو بكر بمثل ذلك، فكان يخرج منها نفقة عمالها، ثم نفقة أزواج النبى صلى الله عليه وسلم، ثم يفرق سائرها فى المسلمين.

ثم وليها عمر بمثل ذلك حتى سأله على والعباس ان يوليها إليهما ففعل على ان يفعلا فيها كما فعل النبى صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر، ففعلا. فكان أزواج النبى صلى الله عليه وسلم يرتزقن منها حتى متن، فمضت صدقةً للمسلمين إلى اليوم ولم يرث أحد منها من ورثة من كان يجرى عليه النفقة منها، ولم يكن لأحد ممن ولى الأمر بعد النبى صلى الله عليه وسلم منها ما كان له، بل كانوا أسوةً للمسلمين. وكذلك ما أفاء الله بعده بغير إيجاف فهو لجميع المسلمين. وكطذلك قال عمر بن عبد العزيز ومالك وأصحابه.
قال ابن حبيب: والسيرة التى مضى عليها أئمة العدل فى قسم الفىء وشبهه أن يبدأ فيسد خلل تلك البلد التى جبى فيها أو أفىء فيه، ويسد حصونه ويزيد فى كراعه وسلاحه، ويقطع منه رزق عمال ذلك البلد وقضاته والمؤذنين ومن يلى شيئاً من مصالح المسلمين، ثم يخرج عطاء المقاتلة الذين دونهم من أهلذلك البلد لجهاد عدوهم، ثم للعيال والذرية وسائر المسلمين على قدر المال، ويبدأ بالفقراء.
[3/ 389]

(3/389)


فما فضل حمله إلى بيت المال يقسمه على من عنده من المسلمين، فيبدأ فيه بمثل ما بدأ فيه فى البلد الذى أخذ فيه. وإن لم يكن فيه/ما يعم الفقراء وإلاغنياء آثر الفقراء كما بدأ الله بهم فقال: (كيلا يكون دولة بين إلاغنياء منكم). إلا ان تنزل ببلد سنة وشدة وليس عندهم ما يحملهم، فليعطف عليهم من غيرها بقدر ما يراه. وإذا اتسع المال فليبق منه فى بيت المال لما يعرو من نوائبهم وبناء مساجد وقناطر وغزو وفك أسير وقضاء دين ومعونة فى عقل جراج وتزويج عازب وإعانة حاج وإرزاق من يلى مصالهم ويدبر أمورهم.

قال عبد الله بن عبد الحكم فى قسم الفىء الذى يصير فى بيت المال: أن يبدأ فيعطى الرجال المقاتلة من جميع البلدان، ويعد فيهم من بلغ خمس عشرة سنةً، ويحصى ذرية المسلمين ممن بلغ دون السن أو دون المحتلم من ذكر أو أنثى، ويحصى النساء، ويعلم ما يحتاج الجميع إليه فى عام هم ويبدأ بالمقاتلة فيسد بهم الثغور وإلاطراف وعورات المسلمين، ويفاضل بينهم فى العطاء على قدر قرب المغزى وبعده مؤنته، ثم يعطى النساء والذرية والمنفوس لقوأم عام هم، ولا يعطى المماليك، وليعط إلاعراب وأهل البوادى ممن له قرار أو لا قرار له، كما يعطى النساء والذرية والزمنى، لا كما يعطى المقاتلة لأنهم حشوا الإسلام وبقدر المؤنة. وكذلك الزمنى من أهل الحاضرة، وإنما العطاء للمقاتلة من أهل المدائن ممن تضرب عليهم البعوث، فليس هؤلاء كإلاعراب: أولئك إنما يعطون لحرمة الإسلام كالذرية.
قال عمر بن عبد العزيز: إلا من انتقل من دار أعرابية إلى دار الهجرة وجهاد العدو، فهو أسوة المجاهدين فيما أفاء الله عليهم.

قال ابن عبد الحكم:/وما فضل عم به المسلمين فقيرهم وغنيهم، الرجال والنساء والذرية بقدر ما يرى. وإن قل ذلك آثر الفقراء به بعد أن يقيم منه ما يحتاج إليه من مصالح المسلمين وما يقوم به أمورهم. وإذا أصاب إلاعراب سنة فلا بأس ان يعينهم منه، وقد فعله عمر.
[3/ 390]

(3/390)


ذكر بعض ما روى من السيرة فى مال الله عز وجل
عن النبى صلى الله عليه وسلم وعن الخلفاء بعده
من الواضحة قال ابن حبيب قال ابن شهاب: قدم أبو عبيدة على النبى صلى الله عليه وسلم من البحرين بجزية مجوس أهل البحرين. قا قتادة وهو ثمانون ألفاً. قال ابن حبيب وهو أكثر مال قدم به عليه صلى الله عليه وسلم. قال ابن شهاب: وقدم ليلاً، قعد إلانصار فصلوا مع النبى صلى الله عليه وسلم. فلما سلم تبسم فقال: (أظن أنه بلغكم قوم أبى عبيدة بالمال، فأبشروا بما يسركم الله، فوالله ما أخاف عليكم الفقر ولكن أخاف عليكم الغنى أن تبسط لكم الدنيا كما بسطت لمن كان قبلكم فتنافسوا فيها، فتهلككم كما أهلكتكم). قال قتادة: فصب المال على حصير ففرقه وما حرم منه سائلاً. وجاء العباس فقال: خذ، فجعل يحثى فى حجره حتى عجز عن حمله وقال: هذا خير مما أخذ منا. ورأيت فى غير كتاب ابن حبيب: فاستعان بمن يعينه على القيأم به، فنهاهم النبى صلى الله عليه وسلم حتى نقص منه حتى قوى على النهوض به.
قال ابن حبيب: وسأله حكيم بن حزأم أن يعطيه من فىء الفتح فأطاه، ثم سأله فأعطاه، ثم سأله فقال: خير/لأحدكم إلا يأخذ من أحد شيئاً. قيل: ولا منك يا رسول الله؟ قال: ولا منى. وكا نعمر يعرض عليه العطاء فلا يأخذه.

وقدم على أبى بكر حملأن من مال اليمأمة فما أمسى حتى فرقه، وجمع المهاجرين وإلانصار وأبناء السبيل والمساكين، وكان يحثى بيديه ويجعل فى ثوب أحدهم حتى يفرغ. ولما ولى أبو بكر قال: من كان له من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعد فليأتنى، فأتاه جابر بن عبد الله، فقال: سألته فقال: إن جاء مال اليمن
[3/ 391]

(3/391)


أعطيتك هكذا وهكذا، فحفن بيديه. قال: فلما جاء المال من اليمن أعطاه أبو بكر فحفن له ملأ يديه فقال: عدها، فوجدها خمسمائة فزاده عليها ألفاً.

وكان أبو بكر قد سأوى بين الناس فى القسم. قال غير ابن حبيب (ولم يكن يكثر المال فى أيامه.

قال ابن حبيب):وفضل عمر بين الناس فى العطاء. قال يحيى بن سعيد: بلغت الغنائم يوم جلولاء ثلاثين ألف ألف، فبعث سعد بن أبى وقاص خمسها إلى عمر، فاستكثره هو والمسلمون، فصب فى المسجد وغطاه بالمسوح وإلانطاع وبات عليه جماعة منهم على بن أبى طالب وعثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمان بن عوف وعبد الله بن أرقم، وكان خازن عمر على مال المسلمين. فلما أصبح عمر دعا بالناس ثم كشف عنه. فإذا فيه حلى وجوهر وتيجان، فلما أضحى، أصابتها الشمس فائتلقت، فحمد عمر والمسلمون الله حمداً كثيراً، وفرح المسلمون وبكى عمر واشتد بكاؤه، فقال له عبد الرحمان بن عوف: يا أمير المؤمنين ليس هذا حين بكاء إنما هذا حين شكر الله، فقال عمر: والله ما فتح هذا على قوم إلا قطعوا أرحأمهم وسفكوا دماءهم ووقعت/العدأوة بينهم.
وكان فى المال تاج كسرى وسواراه وفروه، فدعا عمر سراقة بن جعشم، وكان رجلاً طوإلا طويل الشعر، فألبسه فرو كسرى ووضع تاجه على رأسه وسواريه فى يديه، ثم قال: اللهم لك الحمد، أنت سلبت هذا كسرى وألبسته سراقة، فلك الحمد كثيراً، ثم أمره أن ينبذ ذلك فى المال ففعل، ثم قال: اللهم منعت هذا نبيك إكرإما له وفتحته على لتسألنى عنه، اللهم فقنى شره واجعلنى أنفقته فى حقه. فما برح حتى لم يبق منه شىء.

قال مالك: كان عمر لا يأتيه مال إلا أظهره ولا رسول إلا أنزله، وكا ن يقسم للنساء مع الرجال حتى كان يعطيهن المسك والورس. قال حذيفة: لم يزل أمركم ينمو صعداً ما كان عليكم خياركم. وكان عمر يستجيد الحلل الرفيعة باليمن،
[3/ 392]

(3/392)


ثمن ألفين وألف وخمسمائة يكسوها الصحابة، ويلبس هو الخشن والمرقوع يأخذ فى نفسه بالقصد. قال: فخرج الحسن والحسين إلى المسجد، وعمر جالس، ولم يلبساها، فقال عمر: لما لم تلبساها، فقإلا: كبرت علينا يا أمير المؤمنين، فاغتنم وأسرع بكتاب إلى عام ل اليمن يستحثه فى حلتين على قدرهما، فبعث بهما فكساهما ذلك عمر وجعل عطاءهما مثل عطاء أبيهما.

قال ابن حبيب: ولا تكون الحلة ثوباً واحداً ولكن رداء مئزراً ورداء وجبة. يدل على ذلك قول أسيد بن حضير الذى كان يبيع حلته ويعتق بها الرقاب، فقال وقد أعتق بثمنها خمسة أرؤس: إن رجلاً آثر قشرتين يلبسهما على عتق هؤلاء أنه لغبى الرأى./

قال ابن حبيب: ولما كثر المال أيام عمر، فرض العطاء ودون لهم ديواناً فاضل فيه بينهم. وأمر شباب قريش بتدوينه، فكتبوا بنى هاشم، ثم الصديق وقومه، ثم عمر وقومه. فلما نظره، قال: ابدأوا بقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إلاقرب فإلاقرب حتى تضعوا عمر حيث وضعه الله. وابدأوا من إلانصار بسعد بن معإذ ثم إلاقرب فإلاقرب منه، فقال العباس: أنه وصلتك رحم يا أمير المؤمنين. فقال له: يا أبا الفضل لولا رسول الله ومكأنه الذى وضعه الله به كنا كغيرنا من العرب، وإنما تقدمنا بمكاننا منه. فإن لم يعرف لأهل القرابة منه قرابتهم لم تعرف لنل قرابتنا.
وقال لأهلمشورته: أشيروا على فإنى أريد أن أفاضل بين الناس، فقالوا: إذكر ما تريد، فإن كان حسناً تابعناك، وإلا أعلمناك برأينا. فقال: أريد أن أبدأ بإزواج النبى صلى الله عليه وسلم فأفرض لكل واحدة اثنى عشر ألف درهم إلا صفية وجويرية، فأفرض لكل واحدة ستة إلافز وأفرض لآل الرسول لكل رجل اثنى عشر ألفاً، فذكر علياً والعباس والحسن والحسين. قال: وأفرض للمهاجرين صليبهم وحليفهم ومولاهم لكل رجل منهم خمسة إلاف، (وأنا رجل منهم فى الفرض. وأفرض لأهلبدر من قريش وغيرهم صليباً وحليفاً ومولى مثل ذلك. وأفرض للأنصار صليبهم
[3/ 393]

(3/393)


وحليفهم ومولاهم لكل رجل أربعة إلاف) ثم أفرض للناس بقدر منازلهم فى الإسلام، وأعطى (أكثر حظاً من كان) أكثرهم قرآناً وعلماً وأحسنهم حإلا، فلم ينكروا من رأيه شيئاً.

وفرض لصهيب خمسة إلاف ولسلمان أربعة إلاف لإبنه عبد الله ثلاثة إلاف ولأسأمة بن زيد ثلاثة إلاف وخمسة مائة. فقال ابنه:/ليس أسأمة أقدم منى إسلإما ولا شهد ما شهدت. فقال عمر: كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك، وأبوه أحب إليه من أبيك. وفرض لأبناء شهداء بدر وأحد لكل واحد ثلاثة إلاف ولمهاجرة الفتح ألفين ألفين، وفرض للقبائل بعد عل ىقدر منازلهم فى الإسلام حتى فرض لربيعة العراق ثلاثمائة لعربهم ومائتين وخمسين لموإليهم، لأن عربهم سبقوا إلى الإسلام.

قال: فقال ربيعة: جعلتنا أوضع العرب فريضةً. فقال: كنتم آخر العرب إسلإما وأسلمتم فى دياركم ولم تهاجروا. وفرض للمنفوس مائة درهم فى السنة، وفرض للعيإلات لكل عيل من ذكر وأنثى من بر من كل شهر وقسطين من زيت وقسطين من خل ومائة درهم فى كل سنة.

قال ابن حبيب: الجريب قدر قفيز بالقرطبى، والقسط ثمن ربع الزيت بالقرطبى. قال: وقال عمر: لئن بقيت لأجعلن عطاء الغازى أربعة إلاف. وقال أيضاً: لئن بقيت لأعطين المهاجرين فى السنة (خمسة أعطيات، وفى حديث آخر: لجعلن عطاء كل مسلم) ثلاثة إلاف.

وجعل عمر على بيت مال المسلمين وخزائنهم عبد الله بن أرقم، ثم جعله عثمان بن عفإن، فأقام عليها ست سنين، ثم استعفى فعفاه وأمر له بعمالته ثلاثمائة ألف درهم، فلم يأخذها وقال: إنما عملت لله.
[3/ 394]

(3/394)


قال الحسن: وكان عثمان لما ولى يقيم للناس إلاعطية كما فعل عمر، ويعطى الحلل والسمن والعسل، فكان العطاء داراً والعدو منفياً وذات البين حسناً والخير كثيراً، وما عىلى الارض مؤمناً يخاف مؤمناً أن يسل عليه سيفاً حتى زعموا أنهم رأوا ثرةً. فلو صبروا لوسعهم/ماكانوا فيه من العطاء والتكمين ونفى العدو. وقال ابن سيرينك كثر المال أيام عثمان حتى بيعت جارية بوزنها وفرس بمائة ألف درهم ونخلة بألف درهم. قال: ولما ولى عمر على بن أبى طالب سار فى قسم المال بالعراق سيرة عمر غير أنه لم يفاضل فيه بينهم. قال: وأخبره صأحب بيت ماله بما قد اجتمع فيه قال: قد أمتلأ من صفراء وبيضاء، ففتحه وقال: (هذا جبائى وخيارةً فيه وكل خار يده فيه)، ثم قسمه بن الناس كله وأمر بكنسه ونضحه وقال فيه قا ل محمد بن على بن حسين: وصنع فى الخمس ما صنع أبو بكر وعمر كان يكره خلافهما.

قال ابن حبيب: وولى عمر بن عبد العزيز بعد أن حال الأمر عن طريقة العدل فى دين الله وسيرة الخلفاء فى مال الله، فغير البدع ورد المظالم سار بالعدل ورفض الدنيا وسار فى المال سيرة جده حتى مات رحمه الله. وقال عمر بن عبد العزيز: ما من أحد إلا وله فى هذا المال حق من الفىء والخراج وشبهه، من المقاتلة وغيرهم، من غنى وفقير. وقد قسم الصديق ما جاءه من الخراج من مجوس البحرين ومن عمان، ولاخمس الذى بعث به خالد بن الوليد من قرايات العراق التى صالح عليها، ولم يكن يومئذ ديوان، وسأوى بين الناس، وأعطى من يغزو ومن لا يغزو والغنى والمحتاج عطاءً واحداً.

وقد قال عمر بن الخطاب بعد أن قسم للمقاتلة وغيرهم: ما من أحد إلا وله فى هذا المال حق أعطيه أو منعه إلا المملوك/. وكان معأوية من دونه يدرون العطاء لأهل المدينةرولا يضربون عليهم البعث، ويقولون: لا بعث عليهم. فلو كان
[3/ 395]

(3/395)


لا يصلح لهم لم يأخذوه. وكان القاسم بن محمد وابن المسيب وشبههما يأخذون وهم لا يغزون.

وكان عمر بن عبد العزيز يفرض لمن يغزو ولمن لا يغزو، ويسوى بين الناس فى العطاء الرجل والمرأة والصغير والكبير والغنى والفقير. وكتب إلى أبى بكر بن حزم: افرض للناس إلا للتاجر الموسر الموسع عليه، وفرض للمنفوس وقال: لو بقيت خمسين سنةً لظننت أنى لا آتى على الحق كله. وأمر أن ينفق على أبناء السبيل من مرض منهم، ومن هلكت دابته أخلفت له. ومن ضعف فليقو. ومن عليه دين فى غير سرف ولا فساد قضى عنه. وكذلك بعد موته ولم يجد قضاء. وكذلك من لم يجد ما يتزوج به فزوجوه.

قال: وكان يكثر العطاء، وربما طلب الرجل من يعطى صدقته فلا يجد أحداً إلا وقد أعطاه عمر من مال الله.

وفرض عمر بن عبد العزيز لأهل المدينة، ففرض لزيد بن أسلم ولأبى حازم وصفوان بن سليم وغيرهم ممن يشبههم، لكل رجل منهم فى كل شهر ستين صاعاً من بر وثلاثين صاعاً من تمر وفرق زيت ونصف فرق سمن ودرهم لحم كل يوم.

قال: وأرسل إلى القاسم بن مخيمرة، وقد ذكر له فضله، فجاءه فوجد له فضلاً فقال: سل حاجتك، فقال: قد علمت ما يقال فى المسألة، فقال: ليس سؤإلى من ذلك، أنا قاسم بينكم حقاً لكم. قال: تلحقنى فى العطاء. قال: قد ألحقتك فى خمسين، سل حاجتك. قال: وتلحق بناتى فى العيال. قال: قد فعلت، سل. قال: (تحملنى على دابة. قال قد فعلت، سل. قال) وما الذى بقى؟ قال: قد أمرنا لك بخادم./

قال ابن حبيب: اختلف أئمة العدل فى التسوية والتفضل فى القسم بين الناس، فسأوى بينهم الصديق، فقال له عمر: أتجعل الفقراء المهاجرين الذين
[3/ 396]

(3/396)


آخرجوا من ديارهم وأموالهم كمن دخل فى الإسلام كرهاً؟ فقال أبو بكر: تلك فضائل عملوها لله، ثوابهم فيها على الله، وهذا المعاش الناس فيه أسوة والدنيا بلاغ.

فلما ولى عمر فاضل بين الناس بقدر البلاء والسابقة والفضل فى الإسلام ونحوه. وفعل عثمان مثله.

وفعل على كفعل أبى بكر وأعطى المولى ومعتقه عطاءً واحداً ولمولاه سابقةً وكان أنصارياً فتكلم، فقال على: أسابقته مثل سابقتى؟ ما أنا أحق بهذا المال من وكيلى هذا. وولى عمر بن عبد العزيز ففعل بالوجهين: ففضل بقدر السابقة والحال، وقسم قسمين على العام ة بغير ديوان العطاء فسأوى فيه بين الناس.

قال ابن حبيب: وذلك سائغ للإمام العدل، فضل أو سأوى. وأحب إلى أن يفضل ذرية رسول الله صلى الله عليه وسلم وذرية أهل السوابق فى الإسلام، ويلحقوا بآبائهم وإن لم يلحقوا بهم فى ذروة الفضل، كما ألحق الله تعالى ذرية أهل الدرجات بهم فى جنته وإن لم يكونوا مثلهم فى الفضل، فقال (الحقنا بهم ذرياتهم).
قال: ويفضل أهل العلم والفضل فى القسم وإن لم يكن لهم قدم ولا سابقة فى آبائهم على من لا فضل فيه ولا علم. ويفضل المجاهدون وأهل النكاية، ولعل علياً لم يكن بين الذين لحضرته بالعراق كثير تفاضل فى الحال، وقد كان عنهم غير راض. ولا بأس إذا حضره مال أراد تعجيل قسمه لكثرة فىء أتاه وشبهه أن يقسمه على غير ديوان وعلى المسأواة. وقد فعل مثله عمر وقسمه غرفاً/باليدين سأوى فيه، وإن شاء فاضل فيه بالإجتهاد. قال: وقول عمر: لئن بقيت إلى قابل لألحقن أسفل الناس بأعلائهم لم يرد به التسوية، إنما أراد التوسعة أن يكثر عطاءه حتى يصير نصيب أدناهم حينئذ مثل نصيب أعلائهم إلان لكثرة عطائه.
قال ابن حبيب: ومن التفضيل إكرأم أهل العلم والفضل وتفضيلهم فى العطاء، كما كان عمر يكسو الصحابة الحلل دون غيرهم، وما خص به عمر بن عبد العزيز أهل المدينةرفى التوسعة، وما خص به المهدى وهارون مالكاً من سعة
[3/ 397]

(3/397)


العطاء دون غيره لفضله وعلمه وعنائه فى فقهه فتياه والنفع به، وهذا سائغ للإمام.

وإن أراد أن يقسم على غير ديوان فليبدأ بالفقراء، ثم ما بقى يسأوى فيه بين الناس شريفهم ووضيعهم. وإن شاء فضل. وإن شاء حبس ذلك للنوائب بقدر اجتهاده، وقاله مالك. قال: ومعنى قوله: يسأوى فيه بين الناس بعد الفقراء، هو أن يعطى كل واحد ما يغنيه، الصغير ما يغنيه والمرأة ما يغنيها والرجل ما يغنيه، وما فضل اجتهد فيه.

قال ابن حبيب: وهذا التفضيل بعينه، ولم ير مالك لمن سب السلف فى الفىء حقاً لقول الله تعالى: (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بإلايمان) إلاية، فهذه صفة من له فيه حق.

فى نفقة الإمام من مال الله
قال ابن حبيب قال مالك قال ابن شهاب: كان النبى صلى الله عليه وسلم يأخذ مما أفاء الله عليه نفقته ونقفة أهله سنةً ويسلم/ما بقى للمسلمين.

قال مالك: ولما ولى أبو بكر حضر السوق بقلائصه فقالوا له: بالناس إلى نظرك حاجة. قال: فمن يسعى على عيإلى؟ فقالوا: تأخذ من بيت المال، فاجتمعوا ففرضوا له درهمين كل يوم فرضى، ثم وضع ماله فى بيت المال فمات ولم يستوعبه. قال ابن حبيب: وفى رواية أسد: فإنفق من ماله الذى أدخل أربعة إلاف درهم فى عام ين وبعض عام، ولم ينفذه، وقال لعائشة: وديها عنى للخليفة من بعدى. وفى حديث آخر: إن ماله الذى جعل فى بيت المال سبعة إلاف درهم. فقالت عائشة: فربح المسلمون على أبى ولم يربحوا على أحد من بعده.

قال ابن حبيب فى روايته: ولما ولى لم يكفه درهمان فزاده درهمين، فكان يرتزق أربعة دراهم فى كل يوم. فلما فرض للناس لكل عيل جريبين وما
[3/ 398]

(3/398)


يصلحه من الخل والزيت، فرض لعياله كذلك وترك الأربعة دراهم. وكان يكتسى من بيت المال ويأخذ عطاءه كما يأخذ أصحابه من المهاجرين، ويأكل مع الناس من بيت المال، ثم ترك ذلك وجعل طعام هـ من خالص ماله.

فلما احتضر، أمر أن يحسب ما وصل إليه من بيت المال من ذلك كله، فوجده أربعة وثمانين ألفاً فأمر ابنه عبد الله أن يقضيها عنه من صلب ماله، فإن لم يف فليستعن فيها ببنى عدى، ففعل فباع من ماله بعده بمثل ذلك وأتى بها إلى عثمان، فقال: قد قبلناها منك ووصلناك بها، فقال: لا حاجة لى أن تصلنى بأمان ة عمر.

قال: ثم ولى عثمان فكان على منهاج من قبله فى النفقة من ماله قصداً وتنزها. قال: وولى على بن أبى طالب بالعراق فتنزه أن ينفق من مال الله شيئاً وقال: قال النبى صلى الله عليه وسلم:/ليس للخليفة من مال الله إلا قطعتان: قطعة يأكل منها هو وأهله وقطعة للمسلمين، فترك على رضى الله عنه القطعة التى له ولأهله، وكان ينفق من عطائه الذى كان يأخذ من مال الله كرجل من المسلمين، واشترى قميصاً يثلاثة دراهم، وهو الخليفة، فلبسه وقطع من الكم ما فضل عن أصابعه. وقال الحسن بن على: لقد مات وما ترك إلا سبعمائة درهم بقيت من عطائه أراد أن بتاع بها خادماً.

قال: وولى عمر بن عبد العزيز وقد استؤثر بالفىء كله، فسار فيها بالعدل وتنزه أن ينفق منه لا على نفسه ولا على عياله ولا أخذ منه لنفسه ولا لولده عطاءً، وكان ينفق من غلة نخل له بالسويداء حتى خلصت الحاجة إليه وإلى عياله وقيل له: إن العام ل من عمالك يرتزق المائة دينار فى الشهر والمائتين وأكثر، فقال: ذلك لهم يسير إن عملوا بكتاب الله وسنه نبيه صلى الله عليه وسلم، وأحب أن أفرغ قلوبهم من الهم بمعاشهم وأهليهم.

فقيل له: فإنت أعظمهم عملاً، وقد وصل الضر إليك وإلى أهلك فارتزق مثل ما تراه حلإلا لرجل منهم، فوضع يده اليمنى على ذراعه اليسرى وقال: إنما
[3/ 399]

(3/399)


نبت هذا العظم واللحم من مال الله، فوالله لئن استطعت إلا أغير فيه شيئاً لأفعلن.

فى أرزاق العمال
قال ابن حبيب: قال زيد بن أسلم: ولما فتح النبى صلى الله عليه وسلم مكة، ولى عتاب بن أسد عليها، ففرض له كل يوم درهمين.
قال مطرف عن عبد الله بن عمر العمرى: إن عمر أمر على الكوفة عمار ابن يأسر وبعث معه عبد الله بن مسعود وعثمان بن حنيف، فجعل عماراً على جيوشهم وصلاتهم وابن مسعود على قضائهم وبيت مالهم وعثمان على خراجهم، وفرض لهم كل شاة لطعام هم، وشطرها لعمار شطرها بين ابن مسعود وعثمان.
قال ابن حبيب: سوى ما كان يرزقهم من البر والدنانير والدراهم، وذلك كله من الفىء وما ضارعه. وكذلك يقول مالك فى أرزاق العمال والحكأم والكتاب وكل من ولى مصلحةً للمسلمين: ولا يرتزق من الصدقات إلا السعاةالعام لون عليها كما أمر الله تعالى.
قال مالك: وكانت أرزاق العمال أيام بنى أمية من الصدقات، وكان أبو بكر بن محمد ابن عمر بن حزم يرتزق منها. فلما ولي عمر بن عبدالعزيز، ولاه وكتب إليه أن يرتزق أولأمن الصدقات ويقول: كانت غفلةً. وفرض له من فدك فى كل شهر سبعة وثمانين ديناراً وثلثاً.
قال ابن حبيب: وكان عمر بن عبد العزيز يوسع فى إلارزاق. وقال الليث: كان يفرض للعام ل المائة دينار فى الشهر والمائتين ويقول: ذلك لهم قليل إذا عملوا.
[3/ 400]

(3/400)


بكتاب الله وسنة رسوله. قال مالك: وإنما ذلك على قدر عمالتهم وما يستحقونه من كفايتهم، وليس فيه حد. قال ابن حبيب: إلا أن التوسعة فيه أحب إلينا إذا كانوا أهلعدل.

فى الهدايا إلى الأمراء والعمال والحكأم وغير ذلك
قال ابن الحبيب:/ولم يختلف العلماء فى كراهية الهدية إلى السلطان الإمام إلاكبر أوإلى العمال وجباة المال أوالحكأم، أهداها إليهم مسلم أوذمى من أهلعملهم، ويكره قبولها للقاضى ممن كان يهديها إليه قبل أن يلى، أومن قريب أوصديق أوغيره ولو كافأه بأضعافه، إلا من الصديق الملاطف ومن الاب وإلابن وشبهه من خاصة القرابة التى تجمع من خاصة القربى ما هو أخص من الهدية، قال مطرف وابن الماجشون، وهوقول مالك ومن قبله من أهل السنة.
وقد رد علي خروفاً أهدى إليه. وقال ربيعة: الهدية ذريعة للرشوة وعلة الظلمة. وأهدى سلمة بن قيس من الفىء سفط جوهر بإذن الجيش إلى عمر فرده وتواعده، وتواعدرسوله إن افترق المسلمون قبل أن يقسمه بينهم.
وأهدى أبوموسى، وهوعام له على العراق، وسادتين إلى أهلعمر، فلما رآهما آخرجهما من بيت أهله وتصدق بهما، وذلك أنهما ليسا من الفىء.
قال ابن حبيب: وللإمام أن يأخذ ما أفاد العمال ويضمه إلى ما جبوا. وقد فعله النبى صلى الله عليه وسلم فى عام ل له قال: هذا أهدى إلى، فأخذه منه وقال: هلا جلس فى بيت أبيه أو أمه حتى ينظر أيهدى إليه وفعله الصديق. وروى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: هدايا العمال غلول.
[3/ 401]

(3/401)


قال ابن حبيب: فكل ما أفاد الوالي فى ولايته من مال سوى زرقه أو قاض فى قضائه أو متولى أمر للمسلمين فللإمام أخذه منه للمسلمين. وكان عمر إذا ولى أحداًأحصى ماله لينظر ما يتزيد. ولذلك شاطر عمر العمال حين كثرت ولم يقدر على تمييز ما ازدادوه بعد الولاية، قال مالك. قال: وشاطر أباهريرة/وأبأموسى وغيرهما.
وقال مطرف عن مالك: إن معأوية لما احتضر أمر أن يدخل شطر ماله في بيت مال المسلمين تأسياً بفعل عمر بعماله ورجا أن يكون ذلك تطهيراً له.
قال سفيان: ولما قدم معإذ بعد النبى صلى الله عليه وسلم على أبى بكر، وكان والياً على اليمن، فقدم بوصائف ووصفاء وأشياء قدم بها معه، فاجتمع مع عمر بمكة، فقال له: ماهذا؟ فقال: هدايا أهديت إلى. قال: إنى أرغب بك عن هذا فادفعها إلى أبى بكر. قال: لم، وإنما وصلت بها على إلاخاء في الله، فرأى معإذ فى تلك الليلة وكأنه يجر إلى النار وعمر يأخذ بحجزته يجره عنها، فتأول قول عمر ودفع ذلك كله إلى أبى بكر، وذكر له قول عمر ورؤياه فقبض ذلك أبو بكر ثم قال لمعإذ ما أرى له موضعاًغيرك، قال معإذ: اشهدوا أن الوصائف والوصفاء أحرار.
وإما هدايا الحربى إلى أمير الجيش أو بعض أهله فتقدم فى باب مستوعباًفى الجزء الثانى، وذكرنا منه ها هنا بعض الذكر لابن حبيب.
قال ابن حبيب: وما أهداه الحربى إلى وإلى الجيش فهو مغنم. وما أهداه الطاغية إلى وإلى ثغر أو الوالى إلاعظم فهو للمسلمين يضم إلى بيت المال لأنه نيل سلطانهم فهو فيه كرجل منهم. وقد فعله عمر فى جوهر أهدته امرأة ملك الروم إلى زوجته مكافأة لها فى ربعة طيب أهدتها إليها، فأخذ عمر الجوهر للمسلمين وأعطى زوجته ثمن الطيب.
[3/ 402]

(3/402)


فإن قيل: قد أهدى المقوقس جارتين وحماراً، فقبله النبى صلى الله عليه وسلم، قيل: النبى صلى الله عليه وسلم ليس كغيره، لأنه إنما يهدى إليه قربة إلى الله ورسوله لأنه/بمحل نبوة ولمكأنه من الله تعالى، وكان يأخذ مما أفاء الله عليه قوته وقوت أهله سنةً ويجعل ما بقى للمسلمين. وقد أباحه الله جميعه، وهذا من خصائصه. وكذلك ما يهدى إليه أهل الحرب وأهل الإسلام.
قال: وما أهدى للوإلى، فلم يقصد به إلا السلطان الذى وليه، وذلك السلطان للمسلمين. وما أهدى للنبى صلى الله عليه وسلم، قصد به النبى صلى الله عليه وسلم عينه. وقد قال عمر فيما أهدى إليه راهب: كانت الهدية يومئذ هدية وهى اليوم رشوة، وأخشى أن له عندنا حاجةً.
وسحنون يخالفه فى الهدية إلى أمير المؤمنين، وهذا مفرد بباب فى الجزء الثانى.

فى رد الإمام العدل ما استأثر به من قبله من مال الله تعالى وفى رده المظالم
قال ابن حبيب قال أبو الزناد: ولما ولى عمر بن عبد العزيز نظر فيما كان بيد سليمان. فما رأى أنه لم يكن يجوز لسليمان رده عمر إلى بيت المال. وقال غيرأبي الزناد: ورد كل شىءأخذ من أهله إليهم من جارية أو أرض أوغير ذلك، ونظر فيما كان بيد بنى أمية من القطائع فردها إلى مال المسلمين. ومن شكا أن شيئاً ظلم فيه رده إليه.
قال مالك: ورد ما كان بيده من القطائع وإلأموال، فقيل له: كيف يعيش ولدك من بعدك؟ قال: أكلهم إلى الله.
قال يحيى بن سعيد: وكلمه رجال من بنى أمية فيما بأيديهم وقال بعضهم: دع ما مضى عليه أولوك واعمل بما يوفقك الله له واترك ما عملوا،
[3/ 403]

(3/403)


فقال: كيف ألقى الله وفى يديك ويد أصحابك مظالم أقدر على ردها؟ فقال بعضهم: إنا لا نعيب آباءنا ولا نضع شرفنا. فقال عمر: وأى عيب أعيب مما عابه القرآن؟ وتلا: (ومن لم يحكم بما أنزل الله).
قال أبو الزناد: وكتب فى رد المظالم، فكتب إلى العراق إلى عبد الحميد بن عبد الرحمان بن زيد بن الخطاب برد المظالم فإنفذ ما فى بيت مال العراق حتى حمل عمر إليهم المال من الشام، وكان عمر يرد المظالم إلى أهلها بغير البينة القاطعة ويكتفى بأيسر ذلك. فإذا عرف وجهاً من مظلمة الرجل ردها عليه ولم يكلفه تحقيق ذلك لما كان يعرف من غشم الولاة.

فى الأخذ من الأمراء بعد ما أحدثوا من الجور
روى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: خذوا العطاء ما كان عطاءً، فإذا كان رشوة عن دينكم، فلا تأخذوه، ولستم بتاركيه، يمنعكم الفقر والحاجة. وفى حديث آخر ذكر ما يكون من ظلم الأمراء وقال: فأدنى الحق عليكم إلا تأخذوا منهم العطاء ولاتحضروهم فى الملاء.
قال ابن حبيب: ونهى النبى صلى الله عليه وسلم عن أخذ العطاء منهم وإن كان مجباهم غير خبيث، لاستعانتهم بأهل الديوان على معصية الله وتعديتهم أهل الديوان إلى المسلمين. قال ابن حبيب: فإذا كانوا هكذا لم يجز لأحد أن يكتب فى ديوأنهم لأخذ أعطياتهم وإن كان مجباهم صحيحاً، خيفةً مما خوف منه الرسول صلى الله عليه وسلم إذ قال: لن يدع الديوان صاحبه حتى يقوده إلى النار كما تقاد الراحلة بزمأمها.
[3/ 404]

(3/404)


ولا بأس بقبول ما أعطوا من المال على غير الديوان إذا طاب المجبى. فإذا خبث المجبى فلا يؤخذ منهم على كل حال، على ديوان أو بغير ديوان لاعطاء ولأمبايعة ولاغيرها، إلا أن يعرف صحة ما يعطى من الفىء وما ضارعه مما لم يختلط، فعلى هذا من مضى من أهل الفقه والسنة ومن يقتدى به فى الدين والورع.
والناس فى الأخذ من الأمراء على أصناف: فإما الأمراء الذين اختصوا بالمال ولم يقسموه فى الناس والمجبى صحيح فإن العلماء فيه على فريقين: فريق كرهوا الأخذ حتى يواسى فيه بين الناس وذلك منهم احتياط، فمنهم أبو ذر وابن المسيب والقاسم وبسرابن سعيد وربيعة وابن هرمز.
وفريق آخر أخذ لما لهم فيه من الحق والنصيب. قال ابن حبيب: والأخذ منهم وإن لم يواس فيه بين الناس كافة حلال جائز إذا طاب المجبى. فإماإذا خبث المجبى فيجتمع على النهى عنه والعيب له، وافترقوا فى الأخذ له منهم على ثلاثة أصناف:
صنف أخذ حين أعطوا وهم له عائبون والناس عنه ناهون، والله أعلم بما كانوا فيه وما تأولوا فى أخذه منهم مالك بن أنس والليث بن سعد.
وقال مطرف قال مالك: لاتقبل أموال الظلمة أمراء كانوا أو غير أمراء، إذا أخذوا المال بغير حقه، ولا يحل أخذه لقاض ولا عالم ولا غيره. قيل له: فإنت تأخذه؟ قال: إنى أكره أن أبوءبإثمى وإثمك. وإما الليث فكان كثير الصدقة وكان يعطى أكثر مما يأخذ.
وصنف أخذوا وفرقوا ما أخذوه، منهم عائشة وعبد الله بن عمر والحسن، وبعث معأوية إلى عائشة بمائتى ألف فقسمتها فى ساعتها. وأخذ ابن عمر عشرين
[3/ 405]

(3/405)


ألفاً ففرقها وتصدق بألف من عنده. وأجاز عمر بن هبيرة الحسن بألف فأمر ابنه فقسمها.
وصنف لم يأخذوا ما أعطوا وكرهوا ان يأخذوه ويفرقوه، منهم أبو ذر، أرسل إليه بعض الولاة بجائزة فلم يقبضها. وأرسل عبد الملك إلى ابن المسيب بخمسمائة دينار فلم يقبلها.
وأرسل الوليد إلى بسر بن سعيد (خصياً بمال فوجده يصلى فى المسجد، فلما سلم قال له: أتعرفنى؟ قال: نعم أنت بسر بن سعيد). قال: لعله أراد غيرى، فخذ المال وعأوده، فإن قال أنا فارجع إلى هنا. ففعل ذلك الخادم وذهب، فإنصرف بسر هارباً. فلما جاء الخصى لم يجده، فأعلم الوليد فاستشاط غضباً وقال لعمر بن عبد العزيز: دللتنى على حرورى وحلف ليقتلنه، فقال عمر: لعله كان غنياً عنه وأنت تجد مثله وأفضل منه يقبل ذلك. قال: من هو؟ قال: فلأن، فذكر رحلاً صالحاً، فأرسلها إليه فقبلها فسري عن الوليد.
وبعث عمر بن عبيد الله بن معمر بألف دينار إلى القاسم فلم يقبلها. وبعث عبد العزيز بن مروان إلى عبد الله بن عياش بن أبى ربيعة بمال فلم يقبله. وبعث خالد بن أسيد إلى مسروق بثلاثة إلاف فلم يقبلها وهو محتاج.
وبعث عمر بن هبيرة إلى بن سيرين بألفى دينار فلم يقبلها، ودخل عليه فسلم سلإما عام اولم يخصه فأجازه فلم يقبلها. فلما ألح عليه ولم يقبل، فقال: ردوا علي أرضى أحب إلي، قال نعم، قال: وأزيلوا عنها الخراج قال نعم، قال: فما تصنعون فيه؟ نفضه على أهل البلد. قال: إن رفعتموه من إلاصل وإلا فلا حاجة لى فيها، فأبى ابن هبيرة فتركها ابن سيرين فلم يقبلها.
ودخل ابن محيرز على سليمان بن عبد الملك فقال له سليمان: بلغنا أنك أنكحت ابنك/قال نعم، قال قد أصدقنا عنه. قال بن محيريز: إما العاجل فقد نقده. وإما إلاجل فهو عليه.
[3/ 406]

(3/406)


ودخل طاؤس ووهب بن منبه على محمد بن يوسف أخى الحجاج، وهو إذ ذاك وال باليمن، فى يوم بارد وطاؤس يقفقف من البرد، فأمر بطليسان به من الجودة ما الله أعلم، فألقى على كتفيه، فجعل طاؤس يحرك منكبيه حتى سقط عنه، فغضب محمد. فلما خرج قال له وهب: ما كان عليك لو أخذته وتصدقت به؟ فقال له: ما أحسن ما تقول لولا أنهم يقولون: أخذ طاؤس ثم يأخذولا يتصدقون.
وبعث خالد بن أسيد إلى طأوس ثلاثين ألفا فلم يقبلها، فقيل له: لو تصدقت بها؟ فقال: أرأيت لو أن لصاً نقب بيتاً فنهبه ثم أهدى إليك هدية أكنت تقبلها؟ قال ابن حبيب وما روى: إذا جاءك شيء عن غير مسألة فإنما هو رزق ساقه الله إليك، إنما ذلك فيما صح أصله لأن من أخذ من سارق ما سرق أو اشتراه منه فقد شاركه فى إثمها، وكذلك فى بعض الحديث ما يوهن العالم بأخذه ذلك من الحق ويعين به الظالم على الظلم.
ومن العتبية، وهو فى الشهادات مذكور، وسئل سحنون عمن يقبل جوائز السلطان، قال: إما من يقبل ذلك من العمال عمال أمير المؤ منين المضروب على أيديهم فهو ساقط الشهادة. وإما إلاكل عندهم فمن كان منه الزلة والفلتة لم ترد بذلك شهادته. وإما المدمن على ذلك فساقط الشهادة.
وإما قبول مالك للجائزة وقبول ابن شهاب، فإنما قبلا وقبول/من ذكرت ممن تجرى على يديه الدوأوين، وهو أمير المؤمنين، فجوائز الخلفاء عندنا جائزة على ما شرطت لك لاجتماع الناس على قبول العطاء من الخلفاء، من يرضى به منهم ومن لا يرضى، وجل ما يدخل فى بيوتات إلأموال بالأمر المستقيم، والذى يظلمون فيه قليل فى كثير، ولم نعلم أحداً من أهل العلم أنكر أخذ العطاء من زمان معأوية إلى اليوم. وإما قولك: إن ابن عمر أخذ جوائز الحجاج فسمعت على بن زياد ينكر ذلك ويدفعه.
[3/ 407]

(3/407)


فى الإنفاق فى سبيل الله
وهل يأخذ الغازى ما أعطى؟
والمال يجعل فى السبيل كيف ينفذ؟
وهل ينفق منه المعطى على أهله؟
وكيف إن مات أو رجع وفضلت منه فضلة؟
أو كان أعطاه فرساً وما يصنع بما فضل؟
قال ابن حبيب: وجاءت الرغائب فيمن أنفق فى سبيل الله أو أعان بماله. قال: ونفقة الخارج أفضل. قال زيد بن أسلم فى نفقة الخارجين. (كمثل حبة أنبتت سبع سنابل) إلاية. وقال فى الذين يقوون من خرج ولا يخرجون، (ثم لا يتبعون ما أنفقوا منأولا إذى لهم أجرهم عند ربهم).
ومن العتبية من سماع ابن القاسم فيمن أعطى فرساً أوسلاحاً فى سبيل الله أيقبله؟ قال: لابأس به إن كان محتاجاً.
ومن كتاب ابن المواز فى المال يعطى فى السبيل (قال: لا بأس أن يأخذ منه من يأخذ من العطاء إن كان محتاجاً وكان لذلك أهل ا، ولا بأس أن) يعطى منه من لا سلاح له. وإما من يعطى مالا يقسمه من الزكاة فلا يقسمه إلا فى إلاصناف التى ذكر الله سبحانه أو فى بعضها على الإجتهاد.
ومن كتاب ابن سحنون: وأجاز/ابن عمر وحكيم بن حزأم أن يعطى مثل ذلك للغنى الغازى. وكان أبوه عبيدة بن عقبة يؤتى فى سبيل الله بالكبة من الشعر وبالمسلة وبالثوب قيمته ثلاثة دنانير فيأخذه. فيقال له قد أغناك الله عن ذلك
[3/ 408]

(3/408)


فيقول: أجل، نأخذه منه فيؤجر عليه ونعطيه نحن فنؤجر عليه. قال سحنون: أحب إلي إلا يأخذه المستغنى.
قيل لمالك فى السلاح أوصى به فى السبيل: أيعطى لأهل الديوان؟ قال: أحب إلى ان يعطى للمحتاج منهم ولا أحب للغنى قبول ذلك، ولابأس به للمحتاج. وكان ابن عمر يقبل ما أعطى. قال بكر بن سوادة: ما رأيت من ينكر ذلك، وروى عن كثير من السلف فى قبول ما يعطى فى الغزو وهو غنى. وأعطى مكحول رجلاً شيئاً فى الغزو فلم يأخذه، ولم يدعه حتى أخذه منه،
وقال: تنتفع به وتقوى غيرك. وكان مكحول إذا بعث إليه شىء فى السبيل قسمه ولم يأخذ منه شيئاًإلا أن يسمى له أن يأخذ منه كذا. ولو سمى له كله لقبله. قال ابن حبيب: ولم يختلف فى كراهية المسألة للغازى، غنياً كان أو فقيراً، والفقير يجلس ولا يتكلف مالا يطيق. قال جابر بن عبد الله: دخل رجل المسجد بسهم فى يده يقول: من يعين فى سبيل الله؟ فقأم إليه عمر فلببه، ثم آجره سنةً من رجل أنصارى فعزل له نفقته، (ثم أعطاه الفضل فقال أحرز هذا. قال ابن حبيب: وإما أعطى الغازى من غير مسألة فأكثر) العلماء لا يرى بأخذه بأساً أن يأخذه. فإن احتاج إليه أنفقه وإلا فرقه فى السبيل. وقالت طائفة: أفضل له إلا يأخذه/إن كان له عنه غنى. وقبول الفقير الغازى ما أعطى أفضل من تركه، ولا يتأثل منه مالا فى غير السبيل ولا ينفقه فى أهله، ولا بأس ان ينفقه فى قفله إلى أهله. (وما كان فيه عن ذلك فضل فليفرقه فى أهلسبيل الله قبل قفله) أو يرده إلى معطيه، إلا أن يبقى اليسير فلا بأس أن ينفقه فى أهله. قال: ومعنى قول ابن عمر لمن كان يعطيه شيئاً فى السبيل: إذا بلغت وادى القرى فشأنك به، إنما ذلك فيما كان يعطى هو عن نفسه، ويبتله
[3/ 409]

(3/409)


للمعطى إذا بلغ رأس مغزاه لأنه قد استعمله. فإما أن يكون ذلك لكل من أعطى شيئاً فى السبيل على غير هذا الشروط فلا.
ولم يكن مالك وأصحابه يتأولون ذلك إلا لمن تطوع بإبتال ذلك عن نفسه. فإما عن نذر أو أعطى ذلك تطوعاً ولم يشترط هذا الشرط أو أوصى إليه بإنفإذ ذلك، أو أمره به أحد أن يفرقه فى السبيل أو يحمل عليه فى السبيل، فليس فى هذا إبتال ولا يتأثله المعطى ولكن يغزو به أو عليه. فما استغنى عنه رده على غيره فى السبيل أو يرده إلى معطيه لينفذه أيضاً فى مثل ذلك حتى لا يبقى منه شىء، هذا قول مالك وأصحابه. وللمعطى أن ينفق منه منذ يخرج وفى قفله حتى يصل إلى بيته لأن ذلك كله غزو. والذى يبتل له ليس له أن يتعجل ياثله حتى يستعمله استعمالا له آثار ومعتمد.
ومن كتاب ابن المواز قيل لمحمد: ومن أنفق فى السبيل أو أعطى فيه أو تصدق أو أنفق فيه على نفسه وعياله سواء فى الثواب؟ قال: لا بل النفقه فيه والصدقة فيه وعلى الغزاة أفضل. قال: والرباط فى أرض العدو متقارب وإن كان قد قال مالك فى السير فى أرض العدو أفضل. وقد قال عمر فى أهل الشام: إن لهم التضعيف فيما أنفقوا فى أهليهم أو إذا فصلوا، وقاله عثمان. وقال بالمدينة على المنبر: عليكم بإلاجناد المجندة والجنود العام رة، فإن لهم التضعيف. وذكر عنه سحنون أن لهم التضعيف فى النفقة أقاموا أو خرجوا.
ومن كتاب ابن المواز: ولا يجوز أن يعطى الرجل لرجل شيئاً على ان يرابط أو يرابط عنه وإن ضرب أجلاً. ولكن إن أعطى خارجاًعن نفسه شيئاً لينفقه فى رباطه فجائز. وقال ابن عمر: إن أجمع على الغزو فجائز أن يعطى. وإما ان كان إن أعطى غزا وإن منع ترك فلا خير فيه. قال ابن المواز: ولا بأس أن يقبل ما
[3/ 410]

(3/410)


أعطى. وكان ابن عمر يقبل ما أعطى. قال ابن لهيمة: يعنى: فى السبيل وغيره وهو ملىء.
ومنه ومن العتبية من سماع ابن القاسم: ومن جعل مالا فى سبيل الله ثم مات، قال مالك: فلا يبعث به إلى الثغور ولكن يعطيه ها هنا لمن يخرج إليها، فذلك خير إما أن يخرج مرابطاً أو يخرج إلى موضع القتال إن لم يسم موضعاً. قال ابن المواز: إنما يدفعه إلى من عزم الخروج لا لمن لا يخرج إلا لما يعطى.
قال مالك: وإن سمى فقال إلى المصيصة فليعطه من يخرج إليها من المدينة ولا يبعث به إليها. فإن لم يجد فليحبسه حتى يجد وإن كان قريباً لأن طريقها سافل.
قال: وإن كان موضع لايكاد يجد من يخرج إليه فليبعث به إلى غيرها، وله حبسه مثل الثلاثة شهور والأربعة وشبه ذلك.
قيل لمالك: فالذى يأخذه كيف يصنع؟ قال: إن قال ربه: خذ هذا الفرس فى سبيل الله، أو: هذا المال خذه فى سبيل الله، أو: أنفقه في سبيل الله، فليس له من المال إلا انتفاعه به ما كان فى سبيل الله وفى سيره، ولا يخلف منه لأهله ولا ينفق منه فى روجوعه، وليدفع ما فضل منه إلى غيره ممن فى السبيل إلا لمن يرجع. قال ابن المواز: وليس الراجع بغاز فيمن هو من أبناء السبيل. وإن كان فرساً رده إلى ربه. ولو قال: خذه فى سبيل الله ثم هو لك فله بيع الفرس إذا بلغ رأس مغزاه وبان أثره، وينفق ثمنه فى غزاته ولا ينفق منه فى رجعته، إلا أن يقول هو لك فآصنع به ما شئت، فله تأثل ثمنه وينفق منه فى أهله وحيث شاء بعد أن يأثر منه فى السبيل ولو شىء.
[3/ 411]

(3/411)


قال محمد: إذا قال هو لك آصنع به ما شئت فقد أبتله له. قال ابن القاسم: إذا قال: هو لك فى السبيل فله بيعه إذا أثر به فى السبيل. وإن قال هو فى سبيل الله أو أعطاه إياه فى سبيل الله فليرده إلى ربه بعد قفوله.
ومن العتبية من سماع ابن القاسم: ومن أعطى رجلاً فرساً أو ذهباً فى سبيل الله فقال: آصنع به ما شئت هو لك، فهذا تمليك، فليصنع به فى غزوه إذا هو بلغه ما يعمل فى ماله. فإن كان وصى قال له ذلك، فليس قول الوصى بجائز فيه أن يصرفه فى غير سبيل الله.
ومن كتاب ابن المواز ومن العتبية: من سماع ابن القاسم: وإن مات المعطى قبل أن يخرج به أخذه ربه إن قال لم أبتله، وليس لورثة الميت أن يقولوا نحن نغزو به، ولربه أخذه ويصرفه فى الوجه الذى يرى. وكذلك فى الدنانير ترجع إلى ربها. قال ابن المواز: وأحب إلينا أن ينفذها فى مثل ذلك. وقال ابن حبيب: يأخذه ربه فيصرفه فى مثل ذلك.
قال ابن المواز قال ابن وهب، قيل لابن شهاب فيمن أعطى شيئاً فى سبيل الله أينفق منه؟ قال: يجعله تلك السنة فى السبيل. فإن بقى منه شىء صنع به ما شاء إلا أن يستثنى فيه بشىء. قال ابن المواز. بل يرد ما بقى إلى ربه أو يعطيه لغاز، ما لم يقل: ثم شأنك به تصنع به ما شئت.
ومن العتبية: روى أشهب عن مالك فيمن أعطى دراهم يقسمها فى السبيل أيعطى منها من قد قضى رباطه وهو منصرف إلى أهله ولا يجد ما يتحمل به إلى أهله؟ قال: لا يعطى منه المنصرف وليعط غيره.
[3/ 412]

(3/412)


وعن من أعطى شيئاً فى السبيل فقضى رباطه وأراد إلانصراف إلى أهله وقد بقى معه منه فضل، قال يعطيه لغيره من أهل السبيل أو يرده إلى من أعطاه إياه، (ولا ينفعه فى انصرافه.
ومن كتاب ابن سحنون قال مالك فذكر مثله: أنه يرد ما بقى إلى من أعطاه إياه).فيجعله فى مثل ذلك أو يعطيه لرجل من أهل السبيل، كل ذلك واسع. وقال فى باب آخر: أو يعطيه لأهلسبيل الله.
قال مالك: وإن أعطى رجلاً فرساً فى السبيل، فقال: تغزو به فغزا عليه ثم مات المعطى، فإن قال ربه: لم أبتله له فله أخذه منه، قال الوليد قال مكحول فيمن أوصى لفلأن بمال فى سبيل الله فمات فلأن قبل أن يأخذه، فليضعه ورثة الموصى فى السبيل، وقاله لى مالك والأوزاعى. قال سحنون: لا أعرف هذا، وهى ميراث لهم. قال سحنون فى مال جعل فى السبيل فإن خص به قوماً معينين قسم بينهم الرجال والنساء سواء، يريد: وإن لم يخص قسم على الإجتهاد ويؤثر إلاحوج. وقال فيمن أوصى بمال فى سبيل الله أو لأهلسبيل الله، أيعطى منه من هو ساكن بموضع الجهاد من النساء والصبيان وإلاعمى ومقطوع اليدين والشيخ الزمن؟ قال: نعم إلا أن يكون فى الوصية دليل أنه أريد به الرجال المقاتلة. قال الأوزاعى: ومن أعطى فرساً فى السبيل وشرط عليه إنى إن عدت غازياً كنت أحق به. قال هو نافذ لايورث. وإن غزا هذا ثانيةً فهو أحق به. وإن قال: إن شئت فبعه واستبدل واجعل ثمنه إن شئت فى سكين ونعل ونحوه ولا تأكل منه فله شرطه. قال سحنون: إلا أن يبتله حبساً فلا يباع إلا فى تغيره ويرد ثمنه فى مثله. قال الوليد عن مالك والأوزاعى فى نال جعل فى سبيل الله: فليعط فى السبيل. قيل له: فإن لم يكن فى زمأنه غزو، أيعطى للحاج؟ قال: لا، ويطى ذلك فى سبيل الله، وأجاز ذلك غيرهما.
[3/ 413]

(3/413)


قال مالك: ولا يعطى منه حاج منقطع به بالمدينة وهو حاج من أهل الثغور حتى يرجع إلى ثغره. قيل: فهو إلى ثغره راجع؟ قال: لا حتى يرجع إليه.
ومن العتبية: قال مالك من رواية ابن القاسم فى المال يعطى فى السبيل: فلا بأس ان يعطى منه المرضى، يريد من أهل السبيل. قيل: أنها وصية؟ قال: الله اعلم وكأنه خففه ولم يثبته. قال ابن القاسم: لا باس به إلا مريضاًقد ايس منه، ومن تعطل من القتال من مفلوجواعمى وشبهه فلا يعطى منه.
ومن كتاب ابن سحنون: ابن وهب عن مالك لا بأس ان يعطى منه المريض، واعطاء الصحيح احب الي.
ومن العتبية: قال ابن القاسم عن مالك: وإذا كان فى الثغر غلمان يعطوا. ومن أوصى بسلاح فى سبيل الله أيعطاه أهل الديوان؟ قال: ما أحب ان يعطى أهل الغنى ولكن أهل الحاجة.
ومن كتاب ابن سحنون: روى ابن وهب ان ابن عمر كان إذا حمل على البعير أو الدابة فى سبيل الله يقول لصاحبه: لاتبعه ولا تملكه حتى تبلغ وادى القرى من طريق الشام أو جدة من طريق مصر ثم شأنك به. قال سحنون: كأنه متعتها وثوابها إلى ذلك الموضع، ثم للمعطى عمل الدابة لا الدابة بعينها، وانما تجب الدابة عندنا للمعطى إذا بلغ اقصى مغزاه ثم تصير ملكاًله يصنع بها ما يشاء، وان لم يلق عليه العدو. قال ابن المسيب: إذا بلغ بها رأس مغزاه فهى له. وقاله القاسم وسالم فى المال فيما فضل منه.
وكذلك ما فضل من متاع وثياب ودواب، وقاله ابن عمر وقاله القاسم: ولا يدع منها لأهله شيئاً.
[3/ 414]

(3/414)


ومن العتبية من سماع ابن القاسم، قيل: فالرجل يعطى الفرس فى سبيل الله يحمل عليه أو الدنانير؟ قال: إما من الوالى فلا بأس به. قال ابن القاسم، يريد: من الخلفاء. وإما من غيره، يريد من الولاة، فلا يجوز. وإما من الناس بعضهم لبعض، فإما الغنى فتركه أحب إلى وكذلك السلاح.
وروى ابن وهب عن مالك فيمن اعطى مالا يقسمه فى السبيل فيأتيه رجل جلد لا سلاح له فلا بأس ان يعطيه ما يبتاع به سلاحاً إذا كان يؤمن ان يجعله فى غير ذلك، ولا بأس ان يعطى منه المريض، واعطاء الصحيح احب إلينا. قال سحنون اراه عن الوليد: وأعطى مكحول عشرة إلاف دينار فى السبيل، فكان يعطى الرجل خمسين ديناراًثمن فرس، عندى فرس فيقول: بعه وانفقه على عيالك.
قال سحنون: يبدأ عندنا بالضعفاء. وإذا دفع إلى المستحق فينفقها فى السبيل، ولا يأمره ببيع فرس قد أوقفها للجهاد ولكن يستعين بما أعطى. قال: وأوصى عبد الرحمان بن عوف بخمسين ألفاً فكان يعطى للرجل ألف دينار.
قال الأوزاعى: ومن أعطى شيئاً فى السبيل فلا بأس ان يتجهز منها بثياب وغيرها ولا يخلف منها لأهله. قال مالك لا يخلف لهم منها ولايرسل إليهم منها ولا يرد ما فضل إليهم. قال: وأرخص الأوزاعى ان يكرى منها إلى الثغر. ولا بأس ان يعقب رب الدابة عقبه بلا شرط. قال سحنون: إما الثغر البعيد فلا يكرى إليه لأن ذلك يذخب بالمال. قال سحنون: ولايحدث فى الدابة التى يعطاها فى الغزو حدثاً حتى يبلغ بها اصى مغزاه الذى قصد إليه فى البر والبحر.
ومن العتبية من سماع ابن القاسم قيل لمالك: من أعطى فرساً فى سبيل الله أيبيعه؟ قال: ان كان ليبتاع بثمنه فرساًغيره أو يتكارى به فى سبيل الله فجائز. وإما ان يبيعه ويأكل ثمنه فى أهله فلا.
[3/ 415]

(3/415)


ومن كتاب ابن سحنون: (روى ابن وهب عن ابن عمر كان إذا قيل) قال فى المعطى فرساً فى السبيل أيبيعه؟ قال: على أى وجه أعطيه؟ قيل: بتل له. قال: ان أقام عنده أقامة يستعمله فيها، كأنه يقول يبالغ فى العمل، فذلك له. وان كان شيئاً يسيراً فليس ذلك له. ومن أعطى فرساً فله بيعها قبل ان يخرج ليتقوى بها ولا يخلف من ذلك شيئاً لأهله، ولا ينتفع بذلك فى غير سبيل الله إلا ان يقول له: شأنك به آفعل به ما شئت.
قال مروان ابن الحكم: لا يقضى منه دينه ولا يتزوج منه ولا يعقد منه مالا. قال مالك: وما فضل من/المال الذى يعطى فى السبيل فليفرقه فى السبيل أو يرده إلى معطيه.
قال سحنون: ان أعطى ليفرق فى السبيل فلا يرد ما فضل وليفرقه فى السبيل. وان كان أعطيه لينفقه على نفسه فليرد الفاضل إلى معطيه فيكون هو يعطيها. ولو مات كان ما فضل فى ثلثه والعطية التى أعطى فى السبيل قد نفدت لا ترد. ولو كان أشهد فيها حين أعطاها كان أقوى. وليس اعطاء المال مثل اعطاء الخيل والسلاح التى تصير ملكاً للمعطى لأنه ينتفع بذلك بغير اتلاف عينه، والمال يذهب عينه.
قيل لمالك فيمن أعطى شيئاً فى السبيل وهو غنى عنه: أيعطيه لجيرأنه؟ قال: بل يرده على صاحبه. قال سحنون: هذا ان أعطاه ذلك لينفقه على نفسه. فإما ان أعطاه ليفرقه فى السبيل فلا يرده وليفرقه على أهل السبيل. قال مالك: ومن بعث معه بمال فى غزو أو حج يعطيه لمن قطع به فاحتاج هو فله ان يأخذ منه بالمعروف. ولو تسلف إلى ان يرجع إلى بلده كان أحب الي. وله ان يأخذ وقد يحتاج وهو ملىء ببلده فهو ابن السبيل. وله ان يأخذ من الصدقة ويسع ذلك معطيه وان لم يعرف صدقه إذا كان عليه هيئة السفر. وانى لا أكره للذين لا يجدون ما ينفقون إلا بالمسألة ان يخرجوا فى حج أو غزو. ولا يأخذ الغنى
[3/ 416]

(3/416)


مما يجعل فى السبيل من العلف والطعام. فإن أخذ منه فلا يجب عليه رده. وكذلك لو أخذ فرساً أو سلاحاً وهو غنى عنه.
ومن العتبية روى أشهب عن مالك فيمن أعطى مالا ص يقسمه فى سبيل الله على المجاهدين وهو أحدهم: أيأخذ منه؟ قال: أحب إلى ان يعلم رب المال بذلك. قيل: فمن أعطى له دنانير يقسمها فى السبيل وقيل له: ان احتجت فخذ منها/فاحتاج إلى دينار فقضاه فى دينه، وانما يعطى الناس منها نصفاً نصفاً؟ قال: ان كان المعطى أراد هذا فلا بأس. وأخاف ان يكون آخر عليه ثلاثين. فإن كان رب المال أراد هذا فلا بأس.
قال ابن حبيب: ومن اعطى مالا يقسمه فى السبيل فلا يعطى منه إلا غنياء ولكن الفقراء، ولا يأخذ هو منه إلا ان يسمى له شىء. وذكر ابن وهب عن مالك فيمن خرج بعياله إلى الثغر، وبه دور السبيل. قال يسكن بكراء أحب الي. وكذلك السلاح المحبس ان استغنى عنه فهو أفضل. قال سحنون: لا يجوز ان تكرى دور السبيل. (ومن سماع: ابن القاسم عن مالك نحوه. قال: ان كان غنياً عن دار السبيل) فأحب إلى ان يسكن غيرها. وان سكنها لم أرى بذلك بأساً.
وكره مالك ان يحمل على الفرس العقوق فى السبيل ويشترط ما فى بطنها. قال سحنون: فإن فعل وقبضت مضت فى السبيل وبطل الشرط. وان لم تقبض بقيت فى يد ربها كما كانت. ومن حمل رجلاً على فرس فى السبيل فلا يعود فيشتريه. قال سحنون: فإن فعل رد البيع ورجع إلى بائعه. قال مالك: ولو وجده بيد غير المعطى فاشتراه فلا بأس بذلك. وفى موضع آخر أنه كرهه.
[3/ 417]

(3/417)


قال مالك فى التى جعلت حلخالين فى السبيل: أرى مثل ذلك ان يباعاً ويقسم ثمنها فى السبيل. قال. وفرق ابن قاسم بين عطية الخيل والسلاح فى سبيل الله فى حياته أو يوصى بها، فيرى فى الوصية ان ذلك حبس فى السبيل، ينتفع به من غير استهلاك بخلاف العطية، وغيره يراهما سواءً ولا يكون ذلك عنده حبساً موقوفاً.
قال ابن القاسم: والوصية بالمال فى سبيل الله فالوجه فيه ان يفرق بأجزاء. قال سحنون فيمن حبس سلاحاً أو فرساً، يعنى: فى المرض والثلث يحمله على بعض ورثته، ولم يجزه الباقون وفيهم أم وزوجة، قال: يؤاجر ذلك وتقسم بينهم الإجارة على المواريث. وان شاء أحدهم غزا به باجارة.
قال الأوزاعى: ومن أوصى بمال فى السبيل فلا يجعله الوصى فى خيل ولا سلاح ولكن ينفق فى السبيل. ومن أوصى بخيل فى السبيل فلا يجعل حبساً إلا ان يوصى بذلك، قاله بعض أصحابنا. وابن القاسم يرى الوصية بهذا لا تكون إلا حبساً، وبه أقول. قال الأوزاعى: ومن أوصى بسيف محلى فى السبيل، قال: تنزع الحلية فيشترى بها سلاح فى السبيل، وقال سحنون: لا يغير ولا ينزع منه شىء. وكذلك حلية المصحف الحبس.
قال الأوزاعى: ومن دفع إليه حبس فى سبيل الله فى ثغر بعينه ولم يشترط إلا يخرج منه فأراد ان يتحول به إلى غيره فذلك له. وقاله سحنون: حيث كان الجهاد فله ان يمضى به فيه. قإلا: وان اشترط إلا يخرج منه فلا يزال به إلى غيره.
قال الأوزاعى: ولو أعطى الرجل لرجلين لكل واحد منهما فرساً فى سبيل الله حبساً فتبادلا بزيادة من عند احدهما فلا بأس به، ولم يجزه سحنون.
[3/ 418]

(3/418)


ومن العتبية من سماع ابن القاسم: وكره مالك ان يقول رجل لرجل اشتر هذا الفرس وأحملك عليه ولايدرى ما يبلغ من ثمن، حتى يوقت فيه ثمناً. قال سحنون: ذلك جائز، وليس لها معنى. قال عيسى عن ابن القاسم فيمن حمل على فرس فى السبيل على أنه ان أسلم فهو رد إليه، فيصاب فيجعل أمير الجيش لمن أصيب فرسه خلفاً، قال: فالخلف لرب الفرس الأول.
ومن سماع ابن القاسم، وعن القوم يتراحلون فى الغزو والرباط، وقد/أعطى أحدهم رجلاً ذهبا فى سبيل الله، فيتخارجون النفقة فيخرج معهم المعطى والمعطى، أيكره ذلك للمعطى؟ قال: لا وليس هذا مما يتقى. وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم فى بريرة: هو لها صدقة ولنا هدية.
(وهذااكثر معانيه فى كتاب الصدقات والهبة وإلاحباس)
فى الدواب الحبس هل تباع لكبر أوضعف أو ترد بعيب على بائعها؟
وهل يعمل بها غير ما حبست له؟
ومن تجهز للغزو ثم بدا له
ومن حبس بعض فرسه
من كتاب ابن سحنون قال مجاهد ويحيى بن سعيد والأوزاعى ومالك فيما ضعف وكبر من الدواب فى السبيل: فلا باس ان يباع ويرد فى مثل ذلك. قال مالك: فإن لم يكن فى ثمنه ثمن فرس أو هجين أعين له فى مثله. وكذلك الثياب
[3/ 419]

(3/419)


ان لم تبق فيها منفعة بيعت واشترى بثمنها ما ينتفع به. فإن لم يكن فى ثمنها ذلك تصدق به فى السبيل. وقال غيره لا يباع شىء من ذلك لا دواب ولا ثياب. وذلك كالربع الخرب.
قال مكحول: لا تعيروا الدواب ولا تركبوها إلا فى الغوطة من حول دمشق إلا الذى حبسها نفسه فله ان يركبها ويسافر عليها ويعيرها، وقاله الأوزاعى. قال سحنون: لا يركب الفرس إلا فى مصلحة الفرس. وإما ان لم يخرج عن يده فهذا يورث عنه ان مات. وكره الأوزاعى عارية الفرس.
ومن أعطى فرساً حبساً فى ثغر آخر ضمن، وقاله سحنون. قال الأوزاعى: لتصن دواب السبيل عن السفر عليها فى غير ما جعلت له، وللذى هى فى يديه أن يتنأول عليها حوائجه من طعام وعلف مما حول الثغر/وقربه ولا يسافر عليها. وقال سحنون: انما يركبه فى مصلحة الفرس لا فى حوائج نفسه.
قال الأوزاعى: ومن أعطى نبلاً فى السبيل فلا يرم بها بين إلاغراض ويتعلم بها الرمى، وقاله سحنون. قال الأوزاعى فى السبى يؤمرون بسوقه، يكرى عليه فلا بأس أن يحمل السبى على الفرس الحبس (ان لم يقسم السبى. وان قسم فأكره حمل ما اشتراه لنفسه.
قال سحنون: لا يحمل الفرس الحبس) بكراء قسمت أو لم تقسم، لأنه غير ما حبس فيه.
قال الأوزاعى: إذا دعا الإمام أهل الديوان لعرض عليهم فطلبه رجل ان يعيره هذا الفرس الحبس، فإن كان مقلاً فلا بأس به، وإما الموسر فلا. وهذا إذا عرض قبل أن يصل إلى أهل الروم. وإما بأرض الروم فلا يعيره بعد القسمة أو قبلها، قال: والذى بيده الفرس يأخذ له فى الثغر رزقاً فيضعف عن الغزو فيدفعه إلى غيره، ويبقى بيده فضل من ذلك الرزق فلا بأس ان ينفقه على نفسه.
[3/ 420]

(3/420)


(ومن كتاب ابن المواز والعتبية: من سماع أصبغ، ومن أعطى فرساً فى السبيل، أيحرث به؟ قال: وإما اليسير وهو فى رباطه ممل يكون لعلفه ونفقته مما لا يضره فلا بأس به. فإما ان يكريه لنفسه أو لغيره فلا خير فيه. ولا يعجبنى ان يسافر به فى حوائجه، إلا ان ابتل له ليكون مالا من ماله فليصنع به ما يشاء).
ومن كتاب ابن سحنون قال سحنون: لا يحرث عليه لنفسه ولا للفرس، وانما يأخذه من يضمن مؤنته. ولو جاز ان يحرث عليه لقوته جاز ان يكريه ممن يقضى عليه حوائجه لقوته. قال أشهب: ومن عنده دابة حبس فلا يحج عليها ولا يعتمر ولا يركبها إلا لحلجة من أمر الجهاد، وقاله سحنون. ومن كتاب ابن المواز والعتبية من سماع أصبغ: قال ابن القاسم فى فرس حبس أبدله ربه بفرس حبس، فوجد باحدهما عيب وأصيب الآخر، فليرد المعيب ويأخذ قيمة فرسه الفائت. وقد أخطأ حين تبادلا، وليترادا وان لم يجدا عيباً. قال ابن القاسم: ولو حدث/عضاض أو حطم أو ضعف، فها هنا يجوز بيعه. وما لم يجز بيعه لم تجز فيه المبادلة. ولو كان ذلك فى احدهما والآخر سليم فليرد السليم إلى صاحبه. قال فى كتاب ابن المواز: يرد الحاضر ويرجع بقيمة الغائب. ومن سماع ابن قاسمك ومن ابتاع فرساً ثم حمل عليه فى سبيل الله ثم وجد به عيباً: فإن كان قد مضى وخرج فله ان يرجع بقيمة العيب على بائعه. وان كان حاضراً بيده رده على بائعه وجعل عيره فى مكان ما أنفذه فيه. ورواها ابن وهب عن مالك.
كذلك فى كتاب ابن سحنون. قال سحنون فى فرس بين رجلين، حبس أحدهما نصيبه منه فى السبيل: فإن طلب الآخر البيع قيل للمحبس: بع معه أو خذه بما بلغ. فإن باع جعل نصيبه (فى فرس فى سبيل الله. وان لم يبغ أعان به فى فرس. وان اشتراه بما بلغ) لم يكن منه حبس إلا نصفه، ولا يجبر على تحبيس
[3/ 421]

(3/421)


باقية. ولو بقى بيده حتى يموت بطل جميعه، ولا يجبره السلطان على آخراجه من يديه فى مثل هذا، ولو أوصى بان نصفه حبس فى سبيل الله ثم مات فطلب شريكه البيع فليبع ويجعل ثمن حصة الميت فى فرس. فإن لم يحمل اعان به فى فرس.
(قال ابن وهب عن مالك فيمن حمل رجلاً على فرس) فى السبيل على ان يحبسه سنين ينفق عليه ثم هو له فأجازه. ثم كرهه ابن وهب عن مالك. ومن أعطى فرساً فى السبيل، فحبس فى فخذه حبساً أيبيعه؟ قال: لا. قيل: أفيمنعه ممن اراد أن يتنزه؟ قال: نعم، لأن ذلك يضعفه عما حبس له. وكذلك إلابل.
ومن كتاب ابن سحنون، مما كتب به سحنون/إلى شجرة فى قوم نزلت بهم فتنة، وبأيديهم دواب محبسبة فى السبيل وقد نهوا عن ركوبها، ولا يقدرون على بيعها إلى ان يجدوا إلى الشراء سبيلاً، ولا يجدون من بأخذها ممن يرضى حاله، فكتب إليه: تدفع إلى من يخرج إلى الثغر مثل المصيصة وغيرها من ثغور الشام ولاتباع.
وفى كتاب إلاحباس شىء ن معانى هذا الباب.
فى المطأواة فى البعوث والمجاعلة فى أهل الديوان
فى غيبة بعض أهل الديوانلحج أو غيره
ومن العتبية: روى أشهب ان مالكاً سئل عن البعوث المكروهة تقطع عليهم إلى المغرب ونحوها فيجعل القاعدون للخارجين، وللوإلى هوىً فى بعضهم من ذوى الصلاح، فيكتبهم فى رفعة ليعافو من الغرم الذى غرمه القاعدون لمن خرج.
قال: لاادرى ما هذا يخرجهم من الغرم ويغرم غيرهم ولا يغرم عنهم، فكأنه كرهه. قيل له: ان الوالى يكون له رفع على كل حال، فإن احتاج إليهم استعان
[3/ 422]

(3/422)


بهم. فإذا وقع البعث المكروه الذى يكون فى العزم جاء الرجل الذى له الفضل يطلب ان يكون فى رفع الوالى ليسلم من الغرم. قال ليس هذا الذى سأل عنه الرجل، هذا قد جعل إلى السلطان فهو أخف.
ومن كتاب ابن سحنون: قال مالك فى الذى يرتفع من أهل الديوان عن الغزو لحاجة من حج أو غيره، قال: لا بأس بذلك. قيل: أنه نهى عن ذلك قوم وقالوا: أنه يأخذ العطاء إذا جاء. قالك ليس كما قالوا: (وما كان المؤمنون لينفروا كافة).

باب جامع لمعان مختلفة/
من كتاب ابن سحنون قال مالك: لا بأس بالكراء فى الغزو إلى القفل من بلد العدو، وفيه للناس توسعة. وكذلك على أزوادهم إلى القفل، ولأن وجه غزوهم معروف. (قيل: وقد تختلف الطرق ويكون المقام نحو الشهر وأقل وأكثر. قال: وجه ذلك معروف)
ومن العتبية: سئل سحنون عن أشجار بينهم وبين أهل الشرك، فغلبهم عليها العدو، ثم تمر بها الجيوش: هل يؤكد منها؟ فأباح ذلك فى الواحد وإلاثنين والنفر ومن لا ثمن لتلك الثمار عندهم فجائز. وإما الجيوش التى تكون لها فيها قيمة فلا إلا بقيمة ذلك، ويتصدقون بالقيمة كاللقطة. وكذلك الشاة بالفلاة، فأنه ان وجدها الجيش ولا ثمن لها فلا بأس ان يأكلوها.
وقيل لسحنون فيما غلب عليه الروم من بلد المسلمين من شجر ثم دخلنا بلدهم، أنأكل منها وأهلها معروفون أولا يعرفون؟ قال: جائز ان تأكلوا منها، وهى إذا تركت تفسد. قال: وإذا كانت بموضع يرجو المسلمون الظهور عليه، فلا يحرقوها ولا يغرقوها. وان لم يرجو ذلك فلا بأس بخرابها.
[3/ 423]

(3/423)


ومن كتاب ابن سحنون قال سحنون: وإذا اتى الإمام ما سره من فتح من الكفار أو قتل عظيم أو سلأمة سرية ونحوه فليشكر الله تعالى وليكثر من حمده، ولا أحب له ان يخر لذلك ساجداً، ولم يره مالك.
قال سحنون: وللجريح مدأواة جرحه بعظم إلانعام ان كان ذكياً، ولا يدأويه بخمر أو عظم انسان أو عظم خنزير أو ميتة أو روث أو مالا يحل أكله. وإذا وجد عظماً بالياً ولم يدر عظم شاة هو أو أعظم انسان أو خنزير، فلا بأس/به إلا ان يكون معترك عرف بكثرة عظأم الناس أو موضع عرف بكثرة عظأم الخنازير فلا يصلح حتى يعرف العظأم بعضها من بعض. وإما جهله هل هو ذكى أم لا فهذا ليس هو عليه وهو على التذكية. وقد قيل: دأوى النبى صلى الله عليه وسلم وجهه يوم أحد بعظم بال. ولا بأس ان تضبب إلاسنان بالذهب ان اضطربت أو طرحت.
ومن كتاب ابن سحنون: قيل لمالك فى هذا النفط الذى يلقى على الرجال وعليهم الطلاء: فإن كان أمراًان قد عرفوه فلا بأس به. قال ابن وهب: هذا خطر عظيم ان ينتصب لنار تلقى عليه. قال سحنون: مالك اعلم بما قال.
ومن سماع ابن القاسم: وقال فى بقر الروم لا يقدرون على أخذها حتى تعقر وتطعن وهى انسية ثم تذبح قال: لا ارى ذلك. أرأيت البدنة إذا لم يقدر على نحرها أتعقر ثم تنحر، هذا باطل؟ وقال فى البقر لا تعرقب ثم تذبح: ولا أحب اكلها. وقال أصبغ فى قوم كانوا كميناً فى ناحية العدو، فغشيهم العدو فبادروا إلى خيلهم فركب بعضهم خيل بعضهم عمداً أو خطأ فعطب تحته، قال: يضمن فى العمد والخطا.
وسئل سحنون عن مفاز كان بين المسلمين والعدو وفيه شجر كان للمسلمين فأقفروه، وفيه ثمار تمر بها الجيوش والوصائف والسرايا أياكلونها؟ قال: إما الجيوش الكثيفة فلا يأكلوها لأنه يصير لذلك فيهم ثمن. وإما السرية والنفر
[3/ 424]

(3/424)


فذلك لهم، ويصير كالشاة الضالة بالفلاة. وفى العسكر الكبير كالشاة توجد بقرب العمران./
وروى عبد الملك بن الحسن عن أشهب فيمن له أم نصرانية عمياء فتسأله المضى بها إلى الكنيسة: فلا بأس أن يسير معها حتى يبلغها ولا يدخل معها الكنيسة. ولا بأس ان يعطيها لنفقة عيدها فى طعام ها وشرابها، ولا يعطيها ما تعطى فى الكنيسة.
ومن سماع ابن القاسم، وعن القوم يخرجون إلى الغزو بأموال يشترون المغانم الرقيق والخرثى، قال لا بأس بذلك. وقال فى الأمة تباع ومعها ابن صغير حر لا يستغنى عنها، قال: يشترط على مبتاعها إلا يفرق بينه وبينها وان مؤنته عليه. وان بيعت بغير أرضها فذلك جائز.
(آخر السادس من النوادر والزيادات
والحمد لله وحده
[3/ 425]

(3/425)


صفحة بيضاء

(3/426)