النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه / 40/ 156/ظ

كتاب الأيمان والنذور
في اليمين بغير الله، وما يكره من كثرة الحلف،
وذكر اليمين بالله، وما ينبغي منه
من الواضحة قال ابن حبيب: حدثني الطلحي عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه: [ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم] الآية. قال: نهاهم أن يكثروا الحلف به وإن كانوا بررة مصلحين بين الناس. وفي كتاب ابن المواز، قال: هو أن يحلف على ما لا يصلح، فينبغي أن يكفر ويأتي ما هو خير.
ومن الواضحة وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [شر الفجار من كثرت أيمانه، وإن كان صادقا]: وقال للتجار: [لا تلفحوا بيوعكم بأيمانكم فإنها ملفحة للمال ممحقة للدين].
[4/ 5]

(4/5)


وقال ابن عمر: اليمين مأثمة أو مندمة. قال ابن حبيب وأنا أقول مأثمة ومندمة ولا يكاد يسلم من حلف من مواقعة الحنث.
4/ 157/وومن العتبيَّة [من سماع أشهب قال مالك قال ابن مسعود ما أحب أن أحلف إلا اعتد هذا] إن البلاء موكل بالقول.
وروي أن عيسى عليه السلام قال [قال موسى لقومه لا تحلفوا بالله إلا صادقين، قال وأنا] أنهاكم أن تحلفوا بالله لا صادقين ولا كاذبين، قولوا لا أو نعم.
قال ابن حبيب وروى أن النبي عليه السلام قال: [لا تحلفوا بذمة الله ولا بعهود الله وبالكعبة ولا بآبائكم ولا بحدود الله ولا بالطواغيت، ومن كان حالفا فليحلف بالله، ومن حلف بالله فليصدق، ومن حلف له بالله فليرض ومن لم يرض بالله فليس من الله].
قال ابن عباس: لأن أحلف بالله فأثم أحب إلي من أن أضاهي فقيل معناه الحلف بغير الله، وقيل يعني الإلغاز والخديعة بربه أنه حلف ولم يحلف، والأول أولى، لأنه عظم غير الله في الحلف به، لقوله عز وجل [يضاهون قول اللذين
[4/ 6]

(4/6)


كفروا] أي ما يشبه قولهم وقد بينه ابن عباس فقال [لأن أحلف بالله مائة مرة فأثم] أحب إلي من أن أحلف بغيره واحدة ثم أبر فيها، وقال ابن مسعود لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقا.
وقال ابن وهب ومطرف وابن الماجشون: وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول "لا ومقلب القلوب" قال ابن حبيب وكان ابن الماجشون يحلف لا والعظيم، وكان غيره يحلف لا والذي لا شيء أعظم منه.
ومن كتاب آخر وكان عمر 4/ 157/ظ لا يكره أن يحلف الرجل إذا كان صادقاً. وكان ابن عمر يتوقف أن يحلف وإن كان صادقا.
قال ابن حبيب وروي أن النبي عليه السلام قال: لا تحلفوا بالطلاق ولا بالعتاق فإنهما من أيمان الفُسَّاق.
قال مطرف وابن الماجشون فمن لزم ذلك واعتاده فذلك السلطان أحداً في دم ولا غيره ولينه عنه الناس ويؤدَّب عليه. قيل لمالك: إن هشام بن عبد الملك كتب أن يجلد من حلف بذلك عشرة أسواط، قال مالك قد أحسن هشام إذ أمر بالضرب
[4/ 7]

(4/7)


فيه، قال ابن عبدوس قال ابن القاسم عن مالك يضرب الناس على ذلك إن نهوا فلم ينتهوا.
وفي كتاب آخر أن عمر بن عبد العزيز كتب أن يجلد في ذلك أربعون سوطا وكذلك روى ابن القاسم عن مالك في العتبية.
قال ابن حبيب: وكره مالك أن يقول الرجل رغم أنفي لله أو يقول الصائم والذي خاتمه على في. قال ابن حبيب إن عمر بن عبد العزيز لما بلغه موت الحجاج [ابن يوسف] خرَّ ساجداً لله وقال رغم أنفي لله، الحمد لله الذي قطع مدة الحجاج، فلا بأس أن يتأسَّاه في مثل هذا.

في اليمين الغموس ولغو اليمين
والإلغاز في اليمين ونية المستحلف
ومعاريض الكلام
من الواضحة قال عمر بن الخطاب: اليمين الغموس تدع الديار بلاقع.
قال ابن حبيب: هي اليمين الكاذبة متعمدا 4/ 158/ظ، وهي من الكبائر، وهي أعظم من أن تكفرها الكفارة، وليتب إلى الله سبحانه الحالف بها ويتقرب إليه بما قدر من عتق أو صدقة.
قال ابن المواز: وكذلك الحالف على شك أو على الظن فإن صادف ذلك كما حلف فلا شيء عليه إلا أنه كان مخاطراً [قال أبو محمد] قوله على الظن يريد وهو لا يوقنه. وأما قولهم في اللغو أن يحلف على الأمر يظنه كذلك فيعني بالظن ها هنا اليقين به.
[4/ 8]

(4/8)


قال ابن حبيب وروي عن ابن عباس وأبي هريرة والنخعي في لغو اليمين أن يحلف على الشيء يظنه كذلك فيكون خلافه كما ذهب إليه مالك.
قال بعض البغداديين: وقول عائشة هو قول الرجل لا والله وبلى والله هو في مثل معناه، لأنها لا تعني تعمد الكذب لكن على ما يظنه.
قال ابن حبيب: ولا لغو إلا في اليمين بالله أو بعهد الله أو بنذر لا مخرج له قال مالك في العتبية: ولا يكون لغو اليمين في اليمين بالمشي إلى مكة أو بطلاق أو عتاق، يريد ولا في غيره، إلا في يمين تكفره.
ومن الواضحة قال مالك والإلغاز في اليمين فما كان مكراً أو خديعة أو ليفرَّ به من حق عليه فهو فيه آثم ولا يكفر، ولا يأثم فيه في غير ذلك ولا كفارة فيه، ولا أحب لأحد أن يفعله. قال ابن حبيب: ما كان على وجه العذر أو تنحياً من سخط أخيك لما بلغه عنك ونحوه 4/ 158/ووالليث.
قال أبو محمد: وقد قال ابن حبيب في أول الكلام عن مالك أنه قال لا إثم فيه ولا أحب أن يفعله.
قال النخعي فيمن بلغه عنك شيء قلته فيه فلا بأس أن تقول له والله إن الله ليعلم ما قلت فيك من شيء، وقال إن في هذه المعاريض لمندوحة عن الكذب فكان النخعي إذا كره أن يخرج إلى رجل جلس في مسجد بيته وقال للخادم قولي له هو في المسجد.
قال ابن حبيب فما كان من هذا في مكر أو خديعة ففيه الإثم والنية نيتك، وما كان في حق عليك فالنية نية الذي حلفك، قاله مالك.
[4/ 9]

(4/9)


وإذا حلف وهو مظلوم أو تبرع باليمين فالنية نيته، وكذلك قال النخعي.
في تأكيد اليمين وتكريرها أو تكرير النذور
والعهد والميثاق وشبهه أو يحلف على
أشياء مختلفة أو بأيمان البيعة
وبأشد ما أخذ أحد على أحد
قال ابن حبيب قال مالك: تأكيد اليمين أن يحلف بالله على شيء واحد مرارا فعليه كفارة واحدة، وكان ابن عمر يعتق إذا وكد اليمين، وكان يستحب ذلك أن يعتق أو يكسو في التأكيد. قال ابن حبيب: ويضارع التوكيد إن حلف على أشياء مختلفة ألا يفعلها فكفارة واحدة عليه، فعل جميعها أو أحدها، ثم لا شيء عليه في باقيها.
ومن كتاب ابن المواز 4/ 159/وومن حلف لا باع منك سلعته فقال له آخر فأنا؟ فقال والله ولا أنت، فباعها منهما فعليه كفارتان، وفي الطلاق طلقتان. ولو باعها من أحدهما ثم ردها إليه فباعها من الثاني فعليه كفارتان، قاله مالك وابن القاسم. قال ولو قال لا بعتها من فلان ولا من فلان فكفارة واحدة باعها منهما أو من أحدهما أو ردها عليه فباعها أيضا من الآخر فهو سواء.
قال ابن القاسم عن مالك في العتبية فيمن حلف لا باع سلعته من فلان ثم حلف لا باعها من فلان فباعها منهما فليكفر كفارتين، وإن باعها من أحدهما فكفارة [كما ذكر ابن المواز] وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن قال والله لا كلمتك غدا ووالله لا كلمتك بعد غد فإن كلمه في اليومين فعليه كفارتان، وإن كلمه في أحدهما فكفارة واحدة.
[4/ 10]

(4/10)


ومن كتاب ابن المواز: ومن قال والله ثم والله ثم والله لا كلمت فلانا ولا لبست ثوبا فلبسه وكلم فلانا فكفارة واحدة، إلا أن ينوي لكل يمين كفارة كالنذور، وكذلك قوله والله ووالله ووالله قال مالك فيه وفي العتبية وإن حلف بالله فقيل له ستحنث، فقال والله لا أحنث فكفارتان إن حنث.
ومن كتاب ابن المواز: ومن حلف بالله إن فعلت ثم قال علي نذر إن فعلت فكفارتان. ومن قال علي النذر إن فعلت ثم قال علي النذر إن فعلت فكفارتان، إلا أن يريد بالنذر الثاني النذر الأول. وإن قال إن فعلت كذا وكذا فعلي عشرة 4/ 159/ظ نذور ففعله لزمه عشر كفارات، وكذلك لو قال علي عشر كفارات أو عشرة عهود أو مواثيق أو كفالات فلكل واحدة كفارة، ولو قال علي نذور فحنث فثلاث كفارات.
وقوله علي عهد أو قال عهد الله سواء يلزمه به الكفارة، وكذلك قوله عهود أو عهود الله فثلاث كفارات.
ومن قال لا وعهد الله فعليه كفارة يمين. ولو قال علي عهد وميثاق فكفارتان. وكذلك كفالته وذمته مع كل واحدة كفارة وإن قال كفالاته فثلاث كفارات، وقوله والله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم العزيز العليم كفارة واحدة.
وإن قال علي عهد الله وغليظ ميثاقه وكفالته وأشد ما أخذ أحد على أحد فعليه في العهد والميثاق والكفالة ثلاث كفارات، وأما في أشد ما أخذ أحد على أحد، فإن لم تكن له نية فليطلق نساءه ويعتق رقيقه ويتصدق بثلث ماله ويمشي إلى الكعبة، وكذلك روى عيسى عن ابن القاسم في العتبية وقال إلا أن يكون قد عزل الطلاق والعتاق من ذلك فليكفر ثلاث كفارات ولا شيء عليه. قال وإن لم
[4/ 11]

(4/11)


تكن له نية فذكر مثل ما ذكر ابن المواز في رفع النية ومن كتاب ابن المواز: ومن قال علي أيمان البيعة في 4/ 160/ويمين ثم حنث وقال نويت بالله وبالمشي وبالعتق وشبهه ولم أرد الطلاق فذلك إلى نيته، وهذا المعنى في باب آخر بعد هذا.
ومن العتبية وقال سحنون: ومن حلف بالتوراة والإنجيل في كلمة واحدة فعليه كفارة واحدة.
قال عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب فيمن قال في يمينه علي عهد الله وأشد ما أخذ أحد على أحد فعليه في العهد كفارة يمين وفي قوله أشد ما أخذ أحد على أحد كفارة يمين.
ومن كتاب ابن المواز والعتبية قال مالك في امرأة حلفت بعشر نذور لزوجها لا تزوجت إلا أن يغلبها أمر فطلقها واحتاجت، فإن لم يكن لنذورها مخرج فلتطعم مائة مسكين مدّاً مدّاً، فإن لم تقدر صامت ثلاثين يوما ولم تجعل الحاجة أمراً عليها.
ومن العتبية روى ابن القاسم عن مالك فيمن حلف بعشرين نذراً فحنث فإن لم يجعل لذلك مخرجا من صيام أو حج أو غيره فليكفر عن يمينه، يريد بعشرين كفارة. ومن قال علي أربعة أيمان فعليه أربع كفارات.
قال أبو محمد: وأعرف أن ابن المواز قال كفارة واحدة إلا أن ينوي أربع كفارات بقوله أربعة أيمان.
[4/ 12]

(4/12)


في العهد أو النذر واليمين الذي لا كفارة له إلا الوفاء
وذكر ما فيه الكفارة من ذلك
من كتاب ابن المواز قال: ومن النذور والعهد ما لا كفارة فيه، وذلك ما أريد به المعاقدة والمعاهدة لى البيعة والحلف، وما مخرجه على هذا ليس على اليمين ولا توجيهها.
ومنه ومن العتبية قال مالك في الذي أوصى امرأته أن تلي على ولده على أن أعطته يميناً بصدقة مالها أن لا تتزوج وأن عليها عشرة نذور وأراها ذكرت عهد الله. قال مالك: يلزمها ذلك ولا أرى فيه كفارة لقول الله تعالى [وأوفوا 4/ 160/ظ بالعهد] وإنما أعطاها الولاية على أن لا تتزوج بالعهد الذي أعطته. قيل وإذا تزوجت انفسخ خلافتها؟ قال نعم لأنها تركت ما أعطاها الولاية عليه.
ومن كتاب ابن حبيب قال: ومن أعطى مشركا أو خائفاً عهدا أو قوماً في أمر من طاعة الله عز وجل ثم خفر فيه فلا كفارة في هذا، وهو أعظم من أن تكفره الكفارة وليتب إلى الله وليتقرب إلى الله سبحانه بالخير.
قال ابن شهاب فيمن عاهد امرأته وعاهدته أن لا يتزوج من بقي منهما بعد صاحبه فبقيت بعده فلتف له بالعهد حتى تخشى العنت. قال ابن حبيب وهذا مما لا تكفره كفارة، وكأنه رأى باب ضرورة بالعنت.
[4/ 13]

(4/13)


قال ابن حبيب وقول الرجل للرجل على عهد الله إن فعلت كذا فهذا يكفر، فأما إن قال قد أعطيتك عهد الله أو لك على عهد الله إن فعلت كذا فلا كفارة في هذا ولا رخصة في تركه إلا فيما أفتى به ابن شهاب من خوف العنت.
ومن قال أعاهد الله أو أبايع الله إلا أفعل كذا فكفارته كفارة اليمين، وكذلك عاهدت الله أو بايعت الله.
ومن سماع أشهب من العتبية ومن قال أعاهد الله عهدا لا أخيس به ألا أفعل كذا ثم فعله، قال يكفر بإطعام عشرة مساكين، وأحب إلي أن يزيد ويتقرب إلى الله سبحانه.

في اليمين بشيء من صفات الله سبحانه
أو بأسمائه أو بالقرآن أو بأمانة الله
وذمته وكفالته ولعمر الله وايم الله
ومعاذ الله وعلم الله ونحو هذا 4/ 161/و
ومن أقسم على غيره أو حلفه وجامع الأيمان
من الواضحة قال مطرف وابن الماجشون: ومن حلف بالعزة والعظمة والجلال هكذا فهو كقوله وعزة الله وعظمته وجلاله إنما هو حالف بالله، لأن ذلك لله ومن نعت الله وليكفر.
وكذلك وكتاب الله أو وقرآن الله، أو قال لا والكتاب ولا والقرآن لا والآيات فليكفر أضاف ذلك إلى الله سبحانه أو لم يضفه، لأن ذلك لله ومن الله وهي أيمان كثيرة، غير أن كفارة واحدة تجمعها بمنزلة من حلف بالله مراراً.
[4/ 14]

(4/14)


قال ابن الماجشون: وأمانة الله يمين يحلف بها العرب، فمن قال أمانة الله أن أفعل كذا أو قال وأمانة الله فحنث فليكفر يمينه. وقال أشهب في غير الواضحة من حلف بأمانة الله التي هي صفة من صفاته فهي يمين، وإن حلف بأمانة الله التي بين العباد فلا شيء عليه أو قال في عزة الله التي هي صفة ذاته وأما بالعزة التي خلقها في خلقه فلا شيء عليه.
وكذلك تكلم ابن سحنون في معنى قول الله سبحانه [سبحان ربك رب العزة] أنها العزة التي هي غير صفته التي خلقها في خلقه.
ومن كتاب ابن المواز ومن حلف بذمة الله فليكفر، ونحن نكره له اليمين بأمانة الله، فإن فعل فحنث فليكفر كالعهد والذمة.
قال مالك ومن حلف بكتاب الله فعليه إن حنث كفارة يمين ولم ير عطاء عليه الكفارة. وفي غير كتاب ابن المواز أن الناقل عن عطاء شك فقال: سئل عن اليمين بالكعبة أو بكتاب 4/ 161/ظ الله، وهذا أشبه أن يحمل الوهم على الناقل عن عطاء. وذكر علي بن زياد عن مالك في العتبية نحو ما ذكر عن عطاء، وهي رواية منكرة، والمعروف عنه غير هذا.
وقال في رواية علي بن زياد فيمن حلف بالمصحف فيحتمل أن يريد إن صح ذلك جسم المصحف دون المفهوم فيه والله أعلم.
قال سحنون في العتبية فيمن حلف بالتوراة والإنجيل، قال عليه كفارة واحدة إن حنث. ومن كتاب ابن المواز ومن قال على أربعة أيمان فعليه أربع
[4/ 15]

(4/15)


كفارات. وأعرف أن ابن المواز قال كفارة واحدة إلا أن ينوي أربع كفارات بقوله أربعة أيمان قال مالك وقوله لعمري ليس بيمين حتى يقول لعمر الله.
وقال في موضع آخر من كتابه: وقوله لعمر الله: وايم الله أخاف أن يكون يمينا.
قال ابن حبيب قال مالك في قوله لعمر الله وايم الله يمين يكفرها.
قال ابن المواز: ويمينه بالمصحف أو بالكتاب أو بالقرآن أو بما أنزل الله يمين وفيها كفارة اليمين.
قال ابن حبيب قال مالك وأصحابه في الحالف بالمصحف أو بالقرآن أو بسورة منه أو بآية فكفارته كفارة اليمين. قال وقال سفيان من قال شهد لا أفعل كذا ولم يقل أشهد أنه كمن قال أشهد، وإن أراد بالله فهو يمين مثل أحلف أو أعزم أو أقسم. قال ابن حبيب وذلك حسن.
ومن قال لرجل أعزم عليك بالله إن لم تفعل فهو كقوله أسألك بالله فينبغي له أن يجيبه ما لم يكن معصية وكذلك إن كان تعنتاً أو ضرراً أو إجحافاً وهو من قول الله سبحانه [واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام] وكذلك إن سئل بالرحم، فإن لم يفعل فلا كفارة على واحد منهما.
وأما قوله أقسمت عليك بالله لتفعلن كذا فهذا يحنث الذي أقسم إن لم يجبه، وهو كقوله حلفت 4/ 162/وعليك بالله. وأما إن لم يقل فيهما بالله ولا نواه فلا شيء عليه.
[4/ 16]

(4/16)


ومن كتاب ابن المواز: ومن قال لغيره أعزم عليك بالله أن لا تفعل ففعل فلا شيء عليهما.
ومن العتبية من سماع أشهب: ومن قال لغريمه الله يعلم أني لا أضع لك من حقي شيئاً فوضع له، قال لو كفر بإطعام عشرة مساكين.
قال سحنون في غير العتبية فيمن قال علم الله إن فعلت كذا فإن أراد العلم فهي يمين كالحالف بصفة من صفات الله سبحانه، وإن لم يرد العلم فليس فيه شيء. وقال بعض أصحابنا في معاذ الله ليست بيمين إلا أن يريد بها اليمين، وقيل في معاذ الله وحاشى لله ليستا بيمين بحال.
ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن قال بايعت الله إن فعلت كذا أنه إن حنث فعليه كفارة يمين قال أصبغ وقوله وحق الله ولا وحق الله سواء عليه كفارة يمين.
ومن كتاب ابن المواز: ومن قال لا وعهد الله فعليه كفارة يمين.

في النذر الذي له مخرج من الأعمال
أو لا مخرج له والحالف بذلك
قال أبو محمد ومن قول مالك وأصحابه أن من نذر شيئا من الطاعات في غير يمين أن ذلك يلزمه، وإن كان في يمين لزمه ذلك بالحنث.
ومن نذر نذراً لا مخرج له بلفظ ولا بنية فليطعم عشرة مساكين، وإن كان في يمين فحنث فليكفر كفارة يمين.
[4/ 17]

(4/17)


ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن قال علي نذر لا كفارة له إلا الوفاء به فليكفر كفارة يمين.
ومن كتاب ابن المواز: وقوله إن فعلت كذا فعلي نذر أو فعلي النذر أو لله علي نذر سواء، وفيه الكفارة.
وكذلك قوله إن لم أفعل كذا من طاعة أو معصية. وأما إن قال 4/ 162/ظ علي نذر أن أفعل كذا أو لأفعلن فلا كفارة عليه، وليف بالطاعة ويكف عن المعصية.
وإن قال إن شفاني الله من مرضي فلله علي ألا أقرب امرأتي حتى أحج أو أغزو أو أصوم فلا شيء عليه من الكف عن امرأته، وليس كفه عنها بطاعة لله، وعليه ما قال من حج أو غزو وشبهه.
ومن قال علي نذر لا يكفره صيام ولا صدقة فعليه كفارة يمين، وكذلك في قوله نذر لا كفارة له. وقاله الليث.
وبعد هذا باب في النذور مستوعب.

في الاستثناء في اليمين بالله
والاستثناء في الفعل في غيرها
وفيمن حلف يجمع على أن يكفر

ومن كتاب ابن المواز قال: ولا استثناء إلا فيما فيه الكفارة من الأيمان إذا نوى بقوله إن شاء الله استثناءً، فأما إن قالها سهواً أو استهتاراً لم ينفعه.
قال أشهب عن مالك في العتبية وكذلك من قالها لهجاً. وذكر له ما قيل عن عمر: من قال إن شاء الله فقد استثنى، فقال إنما ذلك إذا نوى به الاستثناء.
[4/ 18]

(4/18)


ومن كتاب ابن المواز: وإذا لم يقصد الاستثناء حتى انقضى آخر يمينه ثم أتبعها بالاستثناء من غير صمات ولا نفس قال لاينفعه حتى يبدو له في الاستثناء قبل انقضاء آخر حرف من يمينه فيكون له ذلك إذا لم يكن بين ذلك صمات إلا النفس، كقوله والله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة، فإذا لم يلفظ بالهاء من الشهادة حتى أجمع على الاستثناء نفعه، وإذا لم يجمع على ذلك حتى لفظ بالهاء لم ينفعه. وكذلك أنت طالق ثلاثاً البتة، فإن بدا له أن يستثنى قبل يلفظ بالهاء نفعه، ولو بدا له فيه بعد لفظه بالهاء في الوجهين فوصله بها قبل الصمات م ينفعه. وذكر ابن القاسم في المدونة عن مالك بخلاف ما ذكر ابن المواز من هذا، وقال إن هذا ينفعه. وقال إن هذا ينفعه. وقال ابن حبيب إذا بدأ في يمينه لا ينوي الاستثناء ثم بدا له وعرض له في قلبه فأتبعه يمينه نسقا قبل يقطع كلامه فذلك له، قاله مالك وأصحابه.
قال ابن المواز قال مالك، إذا حلف ولم ينو الاستثناء ثم استثنى قبل يقطع كلامه فإنه ينفعه إذا لم يصمت، مثل من حلف بالبتة فبعد أن قال البتة بدا له عن اليمين. قال مالك وكذلك إن حلف في وديعة ما هي في بيته فلقنه رجل فقال في علمي فإن كان نسقا فله ثنياه.
ولا بأس أن يحلف الرجل لأهله في الشيء يجمع أن يكفر ولا يفي بيمينه.
قال ابن حبيب ولا ينفع الاستثناء بالقلب دون اللسان، وإن حرك به شفتيه أجزأه وإن كان مستحلفاً لم يجزئه إلا الجهر به. وإذا ضمن يمينه
[4/ 19]

(4/19)


بالطلاق أو بالعتق ففعل وقال إن شاء الله فابن القاسم قال لا ينفعه ولم يذكر في الفعل ولا في اليمين، وقال ابن الماجشون إن نوى به الفعل أجزأه وقال وهذا لا شك فيه.
وبعد هذا باب في الاستثناء في جميع الأيمان مستوعبا.

في كفارة اليمين بالله سبحانه
قال الله عز وجل في كفارة اليمين بالله وهي التي أذن في اليمين بها [فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم إلى قوله فصيام ثلاثة أيام] فجاز أن يخرج في الكفارة الوسط من الشبع، ولم يذكر في الظهار وسطا فعملنا فيه على الغاية من الشبع وصرفناه إلى ما أبهم الله عز وجل من إطعام فدية الأذى، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن في ذلك مدين لكل مسكين، فكان الظهار مثله.
ومن كتاب ابن المواز قال ومد بالمد الأصغر وسط من الشبع بالمدينة، وإن مداً وثلثا بمصر لوسط، ولو أخرج بها مداً أجزأه، وإن شاء غذى المساكين وعشاهم عنده الخبز والإدام.
وقد أفتى ابن وهب بمصر بمد ونصف وأشهب بمد وثلث، وإن مدا وثلثها لوسط من عيش أهل الأمصار في الغداء والعشاء. ومن الواضحة قال ابن حبيب إن شاء جمعهم أو فرقهم. قال ابن عمر وابن عباس وزيد بن ثابت وأبو هريرة مدا لكل مسكين. وقاله كثير من التابعين بالمدينة، وروي عن عمر مدين.
وقاله الحسن ومجاهد وليس بلازم ولو زاد على مد بغير المدينة كان حسنا، وقال أصبغ يجزىء مد بكل بلد وإن رخص السعر.
[4/ 20]

(4/20)


قال ابن حبيب: وإن أطعمهم عنده فيغذيهم ويعشيهم حتى يشبعوا ولا يجزئه الخبز قفاراً ولكن بإدام من زيت أو لبن أو قطنية أو لحم أو بقل. قال ابن عباس أعلاه اللحم وأوسطه اللبن وأدناه الزيت.
قال ابن حبيب ولا يجزئه أن يغذي ويعشي الصغار، وإن أعطاهم الحنطة أعطاهم المكيلة كاملة، وإن كساهم فليعط كل صغير مثل كسوة الكبير.
قال أصبغ وله أن يعطي الصغير من الطعام المصنوع ما يأكل الكبير قال ابن المواز إذا كان فطيما قد أكل الطعام.
قال ابن حبيب ولا بأس أن يعطى صغار الإناث ما يعطى الرجال قميصا كبيرا بغير خمار إذ لا صلاة عليهن، وكذلك ذكر ابن المواز عن أشهب إذا لم يبلغن الصلاة، فإذا بلغن وحضن فدرع وخمار.
وقال عيسى عن ابن القاسم في العتبية يعطى الصغار من الطعام والكسوة مثل ما يعطى الكبير، وإن أعطى صغار الإناث فليعط درعا وخمارا، والكفارة واحدة لاينقص منها لصغير ولا يزاد لكبير. قال ابن المواز ولم يعجب ابن القاسم كسوة الأصاغر بحال، وكان يقول من أمر منهم بالصلاة فله أن يكسوه قميصاً مما يجزيه. قال محمد يعطيه كسوة رجل.
قال ابن حبيب ويعطى الرجل إن شاء قميصا وإن شاء إزاراً يبلغ أن يلتحف به مشتملاً، وللمرأة مالها أن تصلي به من درع يستر ظهور قدميها وخمارا وصدارا وإزاراً ولفافة تغطي بذلك شعرها أو رأسها وصدرها وعنقها.
ومن الواضحة قال ولا يخرج في الفطرة ولا قد ربعه فيجزئه.
[4/ 21]

(4/21)


وإذا أعطى من الخبز قدر ما يخرج من كيل الطعام أجزأه في الفطرة وفي الكفارات التي يطعم فيها طعاماً مصنوعا، فأما في الظهار وفدية الأذى فلا يجزئه.
وإذا كان بلده يأكل أهله القمح وهو الشعير فإن كان لضيق وجده أجزأه أن يخرج منه في الظهار وكفارة اليمين وفدية الأذى، وأما إن كان له سعة فلا يجزئه إلا البر، وإن كان أهل البد يأكلون الشعير وهو البر لم يجزئه إلا البر، قاله أصبغ، وذكره أو أكثره عن ابن القاسم.
ومن كتاب الزكاة قال ابن المواز قال ابن الماجشون: يخرج الفطرة من جل عيش البلد. قال ابن المواز يخرج مما يأكل هو ومما يفرض على مثله.
وإذا كان يأكل الشعير فليطعم منه في الكفارة قدر مبلغ شبع القمح، ولا تجزئه الذرة إلا أن يكون هو أكله. ومن أخرج أفضل مما يأكل منه فحسن. وإن أطعم خمسة وكسا خمسة فاختلف قول ابن القاسم فيه، فقال يجزئه وأظنه قول مالك، وقال لا يجزئه، وقاله أشهب، وليضف إلى ما شاء تمام العشرة.
ومن كتاب ابن المواز: ومن عليه ثلاث كفارات فأعتق وكسا وأطعم، يريد كل صنف عن يمين غير معينة، أجزأه. ولو كان كل صنف عن جميع الأيمان لم يجزئه العتق وأجزأه من الإطعام عن ثلاثة مساكين ومن الكسوة عن ثلاثة فليطع سبعة ويكسو سبعة، وليكفر عن اليمين الثالثة بما شاء غير الصوم من عتق أو إطعام أو كسوة. وإن شاء عن اليمينين أن يكسو سبعة عشر أجزأه أو يطعم سبعة عشر.
[4/ 22]

(4/22)


وكره مالك لمن عليه كفارتان أن يطعم اليوم عشرة ليمينه ثم يطعمهم في غد أو بعد أيام ليمينه الأخرى. قال ابن القاسم فإن فعل بعد أيام أجزأه، وكذلك لو كساهم بعد أن عروا من الكسوة الأولى. ومن اشترى صدقته أو زكاته أو كفارته كرهت ذلك ولا يبطل عليه ذلك ما تقدم.

جامع القول في العتق عن كفارة اليمين
من كتاب ابن المواز قال أشهب: وأجاز مالك عتق الرضع في الكفارة، وقاله أشهب إلا في قتل النفس، فإن من صلى أحب إليه، وإلا فهو يجزئه.
قال ابن القاسم: يجزئه في كل كفارة، وكذلك الأعجمي وإن وجد غيره.
وقال ابن وهب لا يجزىء الأعجمي حتى يجيب إلى الإسلام، ولا يجزىء عند مالك الأصم وأجازه أشهب، ولا يجوز الأخرس وأجاز من به البرص الخفيف، ويجوز أقطع الأنملة أو الجذع من الأذن، وقيل يجوز أقطع الإبهام ولا يجزىء أقطع الإبهامين. واختلف في الخصي، ويجوز المريض ما لم ينازع.
ومن كتاب ابن حبيب قال: ولا يجزىء عتق المريض بمرض مفسد للجسد مثل السل والمد والجنون والجذام والبرص والفالج وشبهها، وقاله مطرف وابن الماجشون، قالا ولا يجزىء الأجذم ولا الأجدع المصطلم، ويجزىء الجدع الخفيف والصمم الخفيف والعرج الخفيف وقطع الأنملة وذهاب الضرس ما لم يكن نقصانا فاحشا ينقصه ويعيبه فيما يحتاج إليه من عناية وجزاية. قالا وإن أعتق آبقا لم يجزه إلا أن يجده صحيحا وقد علم أنه كان يوم العتق صحيحا وإن كان يومئذ عليلا لا يجوز لم يجزه وإن صح. وكذلك لو كان يومئذ صحيحاً ثم اعتل في إباقه وقاله ابن القاسم.
[4/ 23]

(4/23)


ولا بأس بعتق الرضيع من قصر النفقة إن كان أبواه مؤمنين أو كان من سبي المجوس أو كان من سبي الكتابيين ولم يسب معه أبوه. وأما من ولد في أبناء عبيد المسلمين النصارى الذين في أيديهم فلا يجزىء في رقبة واجبة ولا كفارة حتى يبلغ ويسلم، قاله مطرف وابن الماجشون.
ومن كتاب ابن المواز: وإن قال إن اشتريت فلاناً فهو حر عن يميني أو عن ظهاري أجزأه إن اشتراه، يريد لما ذكر، وإن قال إن ابتعته فهو حر ولم يقل عن كفارته لم يجزه إن اشتراه عتقه عن يمين ولا غيره، ولا بأس أن يعتق من قرابته ما لم يكن ممن يعتق عليه بالحكم.
ومن أعتق جميع عبد بينه وبين رجل، يريد في ملائه، عن ظهار أو يمين لزمه وأجزأه. قاله ابن القاسم. قال ابن القاسم وأشهب ومن أعطى لرجل مالاً على أن يعتق عنه عبده لم يجزه وإن أعطاه أضعاف ثمنه لأنه شرط.

في الصوم عن كفارة اليمين وبقية القول فيها
في كتاب ابن المواز قال مالك: لا يصوم الحانث حتى لا يجد إلا قوته، أو يكون في بلد لا يعطف عليه فيها. قال ابن مزين قال ابن القاسم إن كان له فضل عن قوت يومه فليطعم إلا أن يخاف الجوع وهو في بلد لا يعطف عليه فيه.
ومن كتاب ابن المواز: ومن صام أيام التشريق ليمينه لم يجزه ووقف فيه مالك. قال محمد: يعيدها، وقد قيل عسى أن يجزيه في اليوم الرابع. قال ابن القاسم: ومن صام لكفارة يمين أو تمتع ثم أيسر فليتماد في الكفارة وفرق مالك بين ذلك وبين صيام الظهار وقتل النفس فاستحب فيهما إن صام يسيراً أن يرجع إلى العتق، وقال عبد الله بن عبد الحكم ذلك كله سواء، واستحب له إن لم يصم إلا يومين من التمتع أن يرجع إلى الهدي.
[4/ 24]

(4/24)


وقد قال عبد الملك مثل قول ابن القاسم قال ابن القاسم: وإذا كان يقدر أن يعتق فلم يعتق حتى أعدم فصام ثم أيسر فليعتق، ولم أسمعه من مالك. وكذلك ذكر في كتاب الظهار. والذي في المدونة فيمن ظاهر وهو معسر ثم أيسر فلم يعتق حتى أعسر فليصم، وإنما ينظر إلى حاله يوم يكفر.
ومن له مال غائب وليس له إلا دين فليتسلف ويعتق. وقال أشهب وقيل فإن لم يجد سلفا أو كان الدين قريبا انتظره، ولو كفر بالصيام ولم ينتظر الدين أجزأه.
أشهب: والمتمتع لا يجد الهدي يؤخر إلى أن يكون آخر الثلاثة يوم عرفة ليجد هديا أو يجد من يسلفه، ولو لم يؤخر أو ترك السلف وهو يجده وصام أجزأه، والأول أحب إلينا.
ومن كتاب ابن المواز: ويجزيه إن كفر عنه غيره بأمره أو بغير أمره كالميت.
قال ابن القاسم قال أشهب وقيل لا يجزيه وإن كان بأمره بخلاف الميت. قال وليس له أن يعطي من كفارة اليمين المكاتب وأم الولد والعبد، وله أن يعطي سيدهم إن كان محتاجا، ولا يقضي منها ديناً عن ميت ولا في كفنه. ومن عليه دين يحيط بماله فليكفر بالصيام. قال ابن حبيب وإذا أذن السيد لعبده أن يكفر بالإطعام والكسوة فترك ذلك وصام لم يجزه لأنه بالإذن خرج من أهل الصيام. وفي المدونة أن ذلك يجزيه. وضعف إذن السيد في ذلك.

جامع القول في النذور
من كتاب ابن المواز: ومن قال علي النذر إن لم أفعل كذا أو إن فعلت كذا، فإن لم يجعل لنذره مخرجاً لزمه بالحنث كفارة يمين، ولا ينبغي له أن يبرَّ
[4/ 25]

(4/25)


بمعصية إن كان بها بره، فإن فعل أثم ولم تلزمه الكفارة، وإن كان بالطاعة بره ففعل بر، وإن لم يفعل كفر إلا أن يجعل للنذر الذي حلف به مخرجا من طاعة فتلزمه بالحنث فعل تلك الطاعة، وإن كانت معصية فلا حنث عليه ولا كفارة.
ومن قال علي النذر شرب الخمر أو أن أشربها أو لأشربنها فلا شيء عليه لأنها مخرج نذره. وأما إن قال إن شربت الخمر فعلي نذر فإن شربها كفر وكذلك قوله إن لم يشربها فليكفر ولا يشرب. ولو قال علي النذر صوم شهر أو أن أصومه أو لأصومنه في نذر أو يمين فمخرجه فعله ذلك، لأنها طاعة تلزمه في النذر وفي الحنث.
وقوله علي نذر أو لله علي نذر في ذلك كله سواء.
ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم قال: النذور على خمسة وجوه، فإذا قال لله علي نذر شرب الخمر أو أن أشربها أو لأشربنها فلا شيء عليه في هذا فعله أو تركه، وإن قال علي نذر إن شربتها فليكفر إن فعل، وإن قال إن لم أشربها قيل له لا تشربها وكفر، فإن شربها أثم ولا يكفر.
وقوله علي نذر إن كلمت أبي أو قال فلاناً فليكفر إذا كلمه. قال عنه أبو زيد فيمن قال لله علي أن لا أكلم فلانا أو لا أدخل المسجد أو لا أصوم غداً فلا شيء عليه فيما فعل من ذلك. ولو قال علي إن فعلت ذلك لزمه بالفعل كفارة يمين.
ومن قال علي نذر عتق رقبة لأصومن غداً، فإن صام فلا شيء عليه، وإن لم يصم أعتق رقبة، هو في ذلك مخير.
[4/ 26]

(4/26)


ومن كتاب ابن المواز: ومن جمع في نذره طاعة ومعصية أو مع شيء ليس بطاعة ولا معصية لم يلزمه إلا ما هو طاعة فقط.
ومن العتبية من سماع ابن القاسم: ومن قال علي نذر أن أكلم فلانا أو لا أكلمه فلا شيء عليه، لأنه جعل نذره في الكلام أو في تركه، وكذلك قوله أن أحمل هذا الحجر.
قال ابن حبيب: من قال علي نذر أن أفعل كذا في يمين أو في غير يمين، فهذا فعله هو نذره، فإن كان طاعة لزمه، وإن كان معصية فلا يفعل ولا يكفر. ولو قال علي نذر إن لم أفعل كذا فهذا نذره غير فعله، فإن لم يجعل لنذره مخرجا ولا نواه فيؤمر أن يفعل الطاعة فيبر ولا يفعل المعصية ويكفر كفارة يمين.
ومن كتاب ابن المواز: ومن قال لامرأته علي نذر أن أطلقك فلا شيء عليه. ومن قال علي نذر أن أصوم العام رمضان بالمدينة لزمه، فإن خلفه مرض فلا شيء عليه، وإن كان لشغل فليصم في قابل، وكذلك الحج.
مالك: ومن نذر صوم شهر بعينه فما غلب عليه من الإغماء والحيض في المرأة فلا قضاء فيه، وأخاف في المرض أن يقضي. قال محمد: والمعروف من قول مالك أن لا يقضي ما مرض منه. وأما الشغل عنه فليقض، وإن كبر حتى يئس من القضاء أطعم عن كل يوم مداً.
ومن قال علي يمين أو قال نذر أو قال عهد في يمين ولم ينو مخرجاً فعليه كفارة يمين إن حنث، وإن نوى مخرجا من طاعة لزمه ما نواه ولا شيء عليه فيما ليس بطاعة.
[4/ 27]

(4/27)


ومن العتبية روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فيمن نذر عتق عبده قال ينبغي له الوفاء بذلك باللازم كما يلزمه في الحنث، وهذا ناذر فليوف بنذره.
ومن كتاب آخر قال أشهب: إن قال أنا أفعل ترك، وإن قال لست أعتقه قضي عليه بعتقه. وروى أبو زيد عن ابن القاسم فيمن نذر إن رزقه الله ثلاثة دنانير أن يصوم ثلاثة أيام فرزق دينارين فصام ثلاثة أيام ثم رزق دينارا ثالثا فإنه يبتدىء صيام ثلاثة أيام.
وقال فيمن قال إن قضى الله عني المائة دينار التي تحملت بها فعلي صيام ثلاثة أشهر، فقضاها إلا دينارا ونصفاً فصام ثلاثة أشهر ثم قضى الدينار والنصف قال أرجو أن تجزئه، ورأيته عنده ضعيفا.
وقد تقدم باب في النذر الذي لا مخرج له أوله مخرج فيه من معاني هذا الباب من نذر إن شفاه الله أن لا يقرب امرأته حتى يحج.

في ناذر المشي إلى مكة وغيرها في نذر أو يمين
أو أن يحمل شيئا إلى مكة
من كتاب ابن المواز: ومن قال علي المشي إلى الكعبة نذراً أو لم يقل نذراً فذلك سواء، وكذلك علي أو لله علي في هذا وفي غيره من نذور الطاعات فهو لازم.
قال ابن حبيب: من سمَّى في نذره أو في يمينه المشي إلى الكعبة أو قال مكة أو المسجد أو بيت الله، يريد ولا نية له، لزمه المشي. ولو قال إلى الحجر أو
[4/ 28]

(4/28)


الحطيم أو زمزم أو الصفا أو المروة والأبطح والحجون وحيادين وقعيقعان وأبي قبيس وشبه ذلك مما هو داخل القرية لزمه عند أصبغ، ولا شيء عليه في ذلك كله عند ابن القاسم.
قال أبو محمد والذي ذكر ابن حبيب عن ابن القاسم في الحجر والحطيم خلاف قوله في المدونة.
قال ابن حبيب: وإن سمَّى ما في خارجها من مزدلفة ومنى وعرفات وشبه ذلك لم يلزمه. وأصل ذلك في قول الله تعالى في المتمتع [ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام] واستحسن ابن حبيب أن يلزمه في كل ما تضمنه الحرم، فإن سمى ما في خارجه لم يلزمه خلا عرفات فإنه يلزمه فيها.
ومن العتبية سحنون عن ابن القاسم فيمن حلف بالمشي ذراعا ويحفر ذراعا، فليمش ولا هدي عليه ولا حفر.
ومن كتاب ابن المواز: والذي ينذر المشي إلى الحرم فلا شيء عليه إلا أن ينوي ما فيه من البيت وغيره فيلزمه، وإن قال إلى مكة وقال نويت بيوتها فلا شيء عليه إلا أن يكون ذلك على معنى الرتابق فلا تجزئه النية حتى يسمى البيوت كما يسمي الصفا والمروة وغيرها.
وقال أشهب وأصبغ: كل ما سمَّي من الحرم أو من مواضع مكة فهو له لازم.
[4/ 29]

(4/29)


ومن نذر المشي إلى مسجد المدينة أو بيت المقدس فإن نوى الصلاة في مسجديهما أتى ذلك راكبا، وقيل إن كان قريبا مثل الأميال أتاهما ماشيا، وهذا خفيف، وقيل لا يمشي وإن كان ميلا.
وقال ابن وهب في غير كتاب ابن المواز يمشي إليهما وإن بعدا. ومن نذر أن يصلي في مسجد غير الثلاثة مساجد فليصل بموضعه ويجزئه، إلا أن يكون قريبا جدا فليأته فيصلي فيه. قال ابن حبيب قال مالك إن كان معه في البلد مشى إليه وصلى فيه، وأوجبه ابن عباس في مسجد قباء من المدينة قال ابن حبيب لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتيه ماشيا وراكبا.
ومن كتاب ابن المواز ومن قال علي الركوب إلى مكة فلا يجزئه أن يأتيها ماشيا، قاله أشهب، لأنه يخفف عن نفسه مؤونة أوجبها في ماله وليأتيها في حج أو عمرة.
ومن العتبية من سماع أشهب: وسألت مالكاً سوداء حلفت بالمشي إلى مكة أن ابنها لم يعطها دراهم ولا دفعتها ثم ذكرت أنها فعلت، فقال لها امشي فإن لم تقدري فاركبي وأهدي وليس عليك عجلة حتى تجدين وتقوين.
قال في كتاب جامع الأحاديث فبكت وارتعدت وقالت والله ما أستطيع يا أبا عبد الله، فصعد مالك فيها النظر وصوبه وما رأيناه فعل ذلك في امرأة غيرها ثم قال لها: اذهبي لا شيء عليك، ثم قال: خافت مقام ربها. قال في
[4/ 30]

(4/30)


الكتابين لا يضرها سوادها إن دخلت الجنة، وثم من هي أهيأ منها لا تخاف ما خافت هذه.
وقال مالك في التي نذرت السير إلى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فماتت قبل ذلك فلا يفعل عنها ذلك أحد، وإن شاؤوا تصدقوا عنها بقدر كرائها وزادها ذاهبة وراجعة.
قال عيسى عن ابن القاسم في امرأة حلفت بثلاثين نذراً مشياً إلى مكة فحنثت قال فلزوجها أن يمنعها أن تخرج في ذلك.
ومن كتاب بن المواز: ومن قال إن فعلت كذا فأنا محرم بحجة فحنث في غير أشهر الحج فليؤخر ذلك إلى أوان الحج إلا أن ينوي أنه محرم ساعة حنث، فإن وجد صحابه وإلا فلا شيء عليه حتى يجد صحابه. قال ابن حبيب ولو قال فأنا محرم بعمرة فإنه محرم بها ساعة حنث ولا ينوي، إذ لا وقت للعمرة بخلاف الحج ولينتظر صحابه، قاله مالك.
ومن العتبية ابن القاسم عن مالك فيمن حلف أن يحمل شيئا على عنقه إلى مكة فعجز عن المشي فركب فإنما عليه هدي الركوب ولا شيء عليه لترك الحمل.
وفي كتاب الحج باب مستوعب في ناذر المشي إلى مكة في نذر أو يمين.
[4/ 31]

(4/31)


فيمن نذر هدياً أو بدنةً أو أن ينحر ابنه
أو غيره أو قال مالي في رتاج الكعبة
أو جعل ماله أو شيئا منه هديا
من كتاب ابن حبيب: ومن نذر هدياً فليهد بدنة، فإن لم يجد فبقرة، فإن لم يجد فشاة، فإن لم يجد صام عشرة أيام.
قال مالك: ولو نذر بدنة أو حلف بذلك فحنث فليهد بدنة، فإن لم يجد فبقرة، فإن لم يجد فسبع من الغنم، فإن لم يجد صام سبعين يوما. وكذلك قال أشهب في كتاب ابن المواز.
قال مالك في المختصر في ناذر البدنة إن لم يجد سبعا من الغنم لم يجزه الصوم، فإن صام فعشرة أيام، يريد فإذا وجد أهدى ما ذكرنا. وهذا كله مستوعب في كتاب الحج.
ومن كتاب ابن حبيب: ومن قال لرجل أنا أهديك إلى بيت الله في يمين فحنث أو قاله لابنه أو لأجنبي في غير يمين، قال مالك فعليه الهدي وعليه مع ذلك أن يحجه أو يعتمره فإن لم يطعه أجزأه الهدي بدنة، فإن لم يجد فبقرة، فإن لم يجد فشاة، فإن لم يجد صام عشرة أيام.
قال مالك: وأحب إلي أن يهدي عن ابنه بدنتين، فإن اقتصر على واحدة أجزأه، ولا يسأل في ذكره الهدى عن نيته. فأما لو قال لابنه أو لأجنبي نحرتك أو أنحرك في يمين فحنث فهذا إن قال عند مقام إبراهيم أو عند البيت أو في المنحر أو بمنى أو بمكة فليهد كما ذكرنا، وإن لم يسم شيئا من ذلك سئل ماذا أراد، فإن نوى الهدي فعليه ما ذكرنا، وإن لم ينو الهدي تحلل بكفارة يمين، قاله مالك، ثم رجع
[4/ 32]

(4/32)


إلى أنه لا شيء عليه، وبالأول يقول أصبغ. وكذلك فيمن قال أنحر نفسي قال ربيعة ومن جعل جاريته هديا فإنه يهدي مكانها هدياً، وقاله مالك والليث.
قال أبو محمد: لعله يريد أم ولده، وقد قال ابن القاسم في المدونة فيمن أهدى عبده أنه يخرج بثمنه هدايا.
وفي العتبية ابن القاسم عن مالك فيمن نذر عبده أو دابته هدياً، فإن شاء جعل قيمته في هدي، وإن شاء باعه وجعل ثمنه في هدي. قال أبو زيد عن ابن القاسم: ولو قال لولده أنت بدنة فلا شيء عليه إلا أن يريد الهدي.
ومن كتاب ابن المواز: ومن نذر أن يذبح نفسه فليذبح كبشاً. قال أبو محمد [أراه] يريد إن سمَّي موضع المنحر بمكة. قال ومن أهدى ثوبه فليخرج ثمنه في هدي، وقال مرة أخرى قيمته.
قال ابن القاسم والثمن أحبّ إلي، وذلك واسع. وما عجز عن هدي دفعه إلى خزان الكعبة في نفقتها، وإن خاف أن يضيع تصدق به. وإن جعل شيئا من ماله في مقام إبراهيم، فإن احتاج البيت إلى شيء ينفقه فيه فعل وإلا جعله في هدي، وما لم يبلغ هديا تصدق به. ومن قال مالي هدي أو قال بدن فليهد ثلثه وتكون منه النفقة. ولو قال إبلي هدي أو بدن فعليه أن يبلغها ولا يبيع منها شيئا. ومن قال فرسي بدنة فليبعه ويجعل ثمنه في بدن.
وروى عيسى عن ابن القاسم في العتبية فيمن قال مالي هدي، قال يهدي ثلثه وينفق عليه حتى يبلغه من غير الثلث، وقاله مالك فيمن وجبت عليه صدقة
[4/ 33]

(4/33)


ماله وهو بموضع ليس فيه مساكين، فليكر عليه من ماله، وكذلك إن قال إبلي هدي فعليه أن يبلغها من ماله.
ومن كتاب ابن المواز: ومن قال أنا أهدي من مالي ولم يسم شيئا فليهد هدياً.
ومن أهدى ابنه فلم يجد بدنةً ولا كبشا فلا يصم.
قال ابن حبيب: ومن نذر أن ينحر جزوراً بمكة فعليه أن ينحر بها وليس يهدي. ومن كتاب ابن المواز ومن نذر هدي بدنة ذات عوار وما لا يجوز فإن كانت بعينها أهداها، وإن لم تكن بعينها فليهد ما يجزئ من غير معيب. وكذلك إن نذر جدعة من غير الضأن فليهد ثنّثية.
وقال محمد: وكذلك في هديه المعيبة فليهد بقيمتها ما يجوز. وقال ابن حبيب إن إعرابيا سأل مالكا عن ناقة له نفرت ثم انصرفت فقال لها تقدمي وإلا فأنت بدنة، فقال له أردت بذلك زجرها لكي تمضي؟ فقال نعم، فقال لا شيء عليك، فقال رشدت يا بن أنس.
وذكر ابن المواز هذه المسألة في روايته عنه أنه حانث، وكذلك رواها أبو زيد في العتبية عن ابن القاسم عن مالك وقال في السؤال مرّ بها من زقاق فجبنت فقال [لها] أنت بدنة إن لم تمرِّي فجبنت فلم تمر، قال أرى أن يخرجها.
من الواضحة: ومن قال مالي في رتاج الكعبة في نذر أو يمين فكان ابن عمر يوجب ذلك عليه. وقال عائشة يكفّر كفارة يمين فأخذ بقولها مالك ثم رجع إلى
[4/ 34]

(4/34)


أن لا شيء عليه وهو قول عمر. وكذلك من قال في الحطيم، والحطيم ما بين الركن الأسود إلى الباب إلى المقام وعليه تنحطم الناس.
قال ابن حبيب وأرى أن يسأل، فإن نوى أن يكون ماله للكعبة فليدفع ثلثه إلى خزنتها يصرف في مصالحها، فإن استغني عنه بما أقام السلطان له تصدق بذلك. وإن قال لم أنو بهذه الكلمة شيئا ولا عرفت لها تأويلا فكفارة يمين أحب إلي.

في الناذر بصدقة ماله أو بعضه في يمين أو غير يمين
وكيف إن حلف مرارا أو حنث بذلك مرارا

من الواضحة قال ابن الماجشون ومطرف وأصبغ: اختلف في الحالف بصدقة ماله أو بماله في السبيل، فقال ربيعة يخرج [قدر] زكاة ماله، وكذلك في صدقة جزء منه يطهره ما تطهره الزكاة.
ورواه أصبغ عن ابن وهب عن الليث عن ربيعة، واستحسنه عبد العزيز، وأكثر المحدثين يرون فيه كفارة يمين، وقاله الثوري ورواه عن عمر بن الخطاب وابن عمر وعائشة.
وقال مالك يخرج ثلث ماله على حديث أبي لبابة. وقال أبو حنيفة يخرج ماله كله، وجميع أصحاب مالك على قول مالك إلا ابن وهب فقال في الملي بقول مالك، وفي القليل المال الذي يجمعه الثلث بقول ربيعة، وفي الفقير بكفارة يمين، وبهذا كان يفتى الليث واستحسنه أصبغ وكان فتياه يقول مالك.
وقد تقدم في باب قبل هذا ذكر من قال مالي في رتاج الكعبة.
[4/ 35]

(4/35)


ومن كتاب ابن المواز قال [روى] ابن وهب عن ابن عمر وأبي هريرة في الحالف بصدقة ماله أنه يخرجه كله، وقال ابن المسيب يخرج الثلث وقال عبد العزيز [يخرج] زكاة ماله. قال وروي عن عائشة كفارة يمين.
ومن كتاب ابن المواز: ومن قال مالي نذر أو صدقة أو في السبيل أو هدي فليخرج ثلثه. وكذلك من قال مالي لوجه الله.
ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم في القائل مالي لوجه الله فليخرج ثلثه. قال أصبغ يخرجه في الصدقة دون غيرها فهو مخرج نذره. ولو قال ذلك في عبده كان مخرجه العتق. وإن قال مالي لسبيل الله أو في سبيل الله كان مخرجه الغزو والجهاد خاصة.
ومن كتاب ابن المواز: ومن حلف بصدقة ماله على المساكين أو ثوبه على فلان لرجل بعينه فحنث فإنه يؤمر في ذلك ولا يقضى عليه.
وقد تقدم في باب النذور ذكر من نذر عتق عبده أو حنث به في يمين.
ومن الواضحة: ومن قول مالك فيمن قال مالي كله إلا درهماً وصدقة أن ذلك يلزمه، وكذلك في جزء منه.
قال ابن حبيب: وإن حلف بصدقة مال مسمّى فحنث لزمه إخراجه وإن اغترق ماله. وإن قال مائة فلم يف ماله بها بقي باقيها ديناً عليه، قاله مالك وأصحابه.
ومن كتاب آخر قال ابن وهب عن مالك: إذا سمّى أكثر من ثلث ماله اقتصر على الثلث في الإخراج، وقال ابن نافع من تصدق بشيء بعينه وهو ماله كله أنه يجزئه الثلث وهو نحو رواية ابن وهب، وقال بذلك محمد بن عبد الحكم.
[4/ 36]

(4/36)


ومن كتاب ابن حبيب قال ابن الماجشون ومن حلف بصدقة داره فحنث ثم حلف بصدقة عبده فحنث ثم بصدقة ماله فحنث فليخرج العبد والدار وثلث ما بقي من ماله.
وإذا حلف بصدقة ماله فحنث فلم يخرج شيئا حتى حلف فحنث والمال الأول بيده لم يزد فليس عليه إلا ثلث واحد. وكذلك في كتاب ابن المواز. قال ابن حبيب قاله مالك وأصحابه. قال ابن حبيب وقالوا لو حلف فحنث وماله مائة ثم حلف فحنث وهو مائتان ثم حلف فحنث وماله ثلاثمائة فليس عليه إلا مائة وبذلك قال في كتاب ابن المواز إلا أنه قال وقد نما ماله بتجارة.
ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم ومن حلف بصدقة ماله فحنث ثم حلف بصدقته ثانية فحنث فليخرج ثلثه الأول ثم ثلث ما بقي، وقاله مثله في الحالف مرتين بصدقة ماله، ثم قال يخرج ثلثه مرة واحدة ويجزيه، وقاله ابن كتانة، وبالأول أخذ محمد. وقاله أشهب.
قال أشهب ومن حلف بصدقة ماله فحنث فلم يخرج شيئا حتى أنفقه فلا شيء عليه ولا يتبع به دينا.
قال ابن القاسم يضمن إذا أنفقه أو ذهب منه كزكاة فرّط فيها حتى ذهب ماله.
وقال سحنون فيمن حلف بصدقة ماله فحنث ففرّط في أخراج ثلثه حتى هلك المال إنه يضمن. قال أصبغ وكذلك لو حلف لأفعلن فتلف المال قبل يحنث أنه ضامن إلا أن يتلف بعد حنثه، فهذا إن تلف بغير سببه لم يضمن، وقاله محمد.
[4/ 37]

(4/37)


قال أبو محمد: أراه يريد ولم يفرط، وإنما ضمنه أصبغ قبل الحنث لأنه كان على حنث.
قال مالك ومن حلف بصدقة ماله فحنث وقد زاد ماله، قال في العتبية بتجارة أو فائدة، فعليه ثلثه يوم حلف، وإن نقص فثلثه يوم حنث.
وإذا حنث ثم نما ماله ثم حنث فيه بيمين ثانية ثم نما ثم حنث فيه بيمين ثالثة فليخرج ثلث المال الأول وثلث الزيادة لليمين الثانية وثلث الزيادة الثالثة لليمين الثالثة، وذلك أن يخرج ثلث جميع ما معه الآن، ولو لم يزد ماله لم يخرج إلا ثلثاً واحداً. ولو حنث أولاً وماله مائة ثم حنث ثانية وهو ستون، ثم حنث ثالثة وهو أربعون، فليس عليه إلا ثلث المائة التي حنث فيها أولا، إلا أن يبقى بيده أقلَّ من ثلثها فلا شيء عليه غير ما بيده، إلا أن يذهب بإتلافه أو أكله فيلزمه ديناً. ولو تلف بعضه بغير سببه لم يضمنه وإن فرط في إخراجه لأنه كالشريك، وقاله مالك في التلف وقاله أصبغ كله، وما نما بعد الحنث فلا شيء عليه فيه.
قال ابن المواز إذا حلف إن فعل أو أن لا يفعل لم يضمن ما أكل أو تلف قبل الحنث. ولو حلف لأفعلنَّ أو إن لم أفعل فهو كتلفه بعد الحنث يلزمه ما تلف بسببه ولا يلزمه ما ذهب بغير سببه.
ومن الواضحة: ومن حلف بصدقة مائة فحنث ثم ذهب ماله باستنفاق فذلك دين عليه، وإن ذهب بغير سببه فلا يضمن ولا يضره التفريط حتى أصابه، ولم يختلف في هذا مالك وأصحابه. وإن حلف بصدقة ماله فحنث وقد زاد ماله، فإن زاد بتجر فليخرج ثلث الأصل، وإن زاد بولادة لزمه الثلث منه ومن الولادة، وإن نقص لم يلزمه غير ثلث يوم الحنث. ولم يختلفوا في هذا وكذلك ذكر ابن المواز، إلا أنه لم يذكر الولادة.
[4/ 38]

(4/38)


ومن العتبية روى يحيى عن ابن القاسم فيمن حلف بصدقة ماله في أيمان مختلفة في وقت أو في أوقات فحنث فيها كلها أو في بعضها في وقت واحد أو حنثاً بعد حنث فليس عليه أن يخرج إلا ثلث ماله مرة واحدة، حنث في جميع أيمانه أو لم يحنث إلا في يمين واحدة، إلا أن يحلف فيحنث فيخرج ثلثه ثم يحلف فيحنث فليخرج ثلث ما بقي هكذا كلما حنث. فأما ما وكد من الأيمان أو أكثر من الحنث قبل يخرج ثلث ماله لحنثه، وإن كان في أشياء مختلفة فليس عليه إلا ما على من حلف يميناً واحدة في أمر واحد. ثم إذا حنث في أحد الأيمان ثم حنث في باقيها قبل يخرج ثلث ماله فلا شيء عليه في باقيها، حنث فيها قبل إخراج الثلث أو بعده. وإذا نما ماله بعد الحلف بتجارة أو فائدة ثم حنث فلا يخرج إلا ثلث ما معه يوم حنث. قيل فما أتفق بعد الحنث؟ قال أحب إلي أن يخرج جميع ثلثه يوم حنث مما كان يملكه يوم حلف، وما هو عليه بواجب.
وروى أبو زيد عن ابن القاسم نحو رواية يحيى في اليمين بالصدقة في أشياء مختلفة.
ومن كتاب ابن المواز: ومن حلف بصدقة ماله ثم حنث دخل في ذلك العين وغيره من طعام ورقيق وغيره إلا أن ينوي العين خاصة. قال أبو محمد.
وهذا الباب قد كتبناه في كتاب الصدقات بابا في مثل معنى كثير منه ولا غنى بالناظر في هذا الباب عنه.
[4/ 39]

(4/39)


فيمن قال في يمين أو في غير يمين:
كلّ ما أكسب صدقة، وقد ضرب أجلا أو لم يضرب
ومن الواضحة: ومن قال في يمين أو في غير يمين كل ما أكسبه صدقة فلا شيء عليه، كمن عم في الطلاق والعتق. ولو قال كل مال أكسبه بالمدينة أو ببلد سماه صدقة لزمه عند ابن القاسم وابن عبد الحكم، وكذلك في قوله كل ما أكتسبه إلى كذا وكذا سنة صدقة، فليخرج ثلث ما يكسبه بالبلد أو إلى أجل. وأما إن قال كل ما أملك إلى أجل كذا وكذا صدقة فتلزمه صدقة ثلث ما بيده وثلث ما يكسب إلى أجل. وقال ابن الماجشون وأصبغ لا شيء عليه فيما يكسب سمَّى بلداً أو أجلاً أو لم يسم، بخلاف الطلاق والعتق، والقول الأول أحوط.
وكذلك قوله كل ما أربحه في هذه السلعة صدقة يلزمه الاختلاف، إلا أنه يتصدق بجميع الربح في القول الأول.
وذكر العتبي عن أصبغ وابن عبد الحكم مثل ما ذكر ابن حبيب عنهما، وذكر ابن المواز عن أصبغ قال إذا قال كل ما أكسب صدقة أبداً فلا شيء عليه، وليتصدق ويعمل خيراً. ولو ضرب في ذلك أجلا يعيش إلى مثله لزمه، وهذا خلاف ما ذكر عنه ابن حبيب والعتبي قال إبراهيم النخعي في رجل جعل على نفسه مثل سواري المسجد ذهباً صدقة إنه لا يجتمع له مال إلا تصدق به ويحبس منه قوته.
باب من النذور
ومن العتبية روى ابن القاسم عن مالك في رجل قال في بعيرين له هما بعد سنة صدقة في السبيل ثم مات قبل السنة فليس هذا بشيء، وليس مثل من يعتق
[4/ 40]

(4/40)


إلى سنة وقد يدبر العبد. قال عنه أشهب فيمن قال إن جاءني الله بأبي يوم كذا وكذا فعلي أن أتصدق أو أعتق أو أصوم أو أصلي فذلك حسن. قال الله تعالى [يوفون بالنذر] قيل فمن نذر إطعام مسكين أيطعم كل مسكين خمس تمرات؟ قال ما هذا وجه إطعام المساكين إلا أن ينوي ذلك فذلك له, وإن لم ينو فليطعم كل مسكين مدّاً بمد النبي صلى الله عليه وسلم. يقول الله سبحانه [فإطعام عشرة مساكين] فكان مد لكل مسكين.
قال عيسى عن ابن القاسم في امرأة حلفت بثلاثين نذراً مشياً إلى مكة فحنثت, قال: لزوجها أن يمنعها الخروج إلى ذلك. قال ابن حبيب قال الحسن فيمن نذر أن يصلي عند كل سارية من سواري المسجد ركعتين قال يعد السواري ويصلي إلى واحدة ركعتين, وهو قول مالك.
ومن العتبية روى سحنون عن ابن القاسم فيمن قال لله عليَّ صيام ولم يسمه, أو قال صدقة, فإنه يصوم ما شاء ويتصدق بالدرهم وبالنصف درهم وربع درهم وبالكسر, قيل فالفلس والفلسين قال ما زاد فهو حسن.
[4/ 41]

(4/41)


باب في يمين المرأة
ذات الزوج وصدقتها وعتقها
ومن الواضحة قال ويمين ذات الزوج بصدقة تلزمها لأنه مصروف إلى الثلث إلا أن تسمي أكثر من الثلث فيرد الزوج ما زاد على الثلث في رواية ابن الماجشون عن مالك. قال غير ابن حبيب وقاله عبد العزيز. قال ابن حبيب وقال ابن القاسم إذا نافت عن الثلث رد الزوج الجميع فأنكره عبد الملك وقال إنما هذا في العتق أن تعتق ما يجاوز الثلث فيرد الجميع إذ لا يتبعض. وروى ابن القاسم قوله عن مالك في غير الواضحة. قال سحنون في العتبية عن ابن القاسم إذا حنثت في اليمين بصدقة مالها فلتخرج ثلثه ولا قول للزوج فيه. ولو كانت يمينها بجزء أكثر من الثلث كان للزوج رد جميعه إن شاء وقال أصبغ إذا حنثت بصدقة مالها كله فللزوج رد جميعه إن شاء.
ومن الواضحة قال: وأما العتق إذا حلفت بعتق عبيد أكثر من الثلث فحنثت فللزوج رد جميعه لئلا يخرج ذلك إلى خلاف السنة من عتق النصيب بغير تقويم, هذا قول ابن الماجشون. وقال مطرف وابن القاسم يرد كله في العتق والصدقة وغيرها حتى يقتصر على الثلث, وبالأول أقول.
وإذا حنثت بعتق عبيد لا تملك غيرهم أسهم فأعتق ثلثهم بالسهم, فإن وقع تمام الثلث في بعض عبد لم يعتق من ذلك العبد شيء على ما ذكرنا. ولو قالت أثلاثهم حر لم يعتق منهم شيء كان ذلك في يمين أو في غير يمين. وكذلك لو أعتقت ثلث عبد لا تملك غير ذلك العبد لم يعتق منه شيء, وكل ما جاوزت فيه الثلث من حنث بعتق أو صدقة أو غير يمين فهو مردود أبداً حتى يجيزه الزوج
[4/ 42]

(4/42)


في قول مطرف وابن الماجشون. وقال أصبغ هو جائز أبداً حتى يرده الزوج وبالأول أقول.
وإذا قال لها فيما جاوزت فيه الثلث في يمينها بعتق أو صدقة قد رضيت لك أن تحنثي وتنفذي ذلك ففعلت ما أحنثها لزمها إنقاذه ولا يرده الزوج. ولو قال لها افعلي ما حلفت ألا تفعليه ولا حنث لك معي ففعلت فلا شيء عليها. وإن أذن لها في الفعل ولم يبين لها ألا شيء عليها ففعلت فله رد ذلك أو إمضاؤه, حتى يبين لها الرضى بالحنث أو يريد ذلك عند الإذن. وسواء حلفت فيما نفذت في اليمين فيه أو فيما يجوز أن يحلف فيه ويمتنع منه, قاله مطرف وابن الماجشون وأصبغ. قالوا وإذا أشهد أنها متى حنثت في هذا اليمين فقد رضي بحنثها لزمها ولا رجوع له ولا لها. ولو أشهد بهذا قبل اليمين أنها متى ما حلفت بهذا فقد رضي بحنثها لم يلزمه, وله رده إن حلفت قبل الحنث وبعده. ولو قال بعد يمينها رددت حنثها متى ما حنثت أشهد بذلك أو لم يشهد, أو قاله عند سفر خاف أن تحنث في غيبته فذلك مردود أبداً, وإن سكت عن رده حتى يجيزه إلا في قول أصبغ الذي يراه ماضيا حتى يرده أو يشهد بعد يمينها أنه رد ذلك إن حنثت فيكون رد.
ومن كتاب ابن المواز: وإذا حلفت بعتق رقيقها ولا زوج لها ثم تزوجت ثم حنثت والرقيق أكثر من ثلثها فللزوج رد ذلك, وكذلك ذكر ابن حبيب عن من لقي من أصحاب مالك وهو مذكور في باب يمين البكر بزيادة فيه.
ومن كتاب ابن المواز: وعن التي حلفت بعتق رقيقها إن تزوجت بعده قال لا تتزوج إلا أن تبيعهم, وإن حلفت بحرية أمتها إن تزوجت فباعتها ثم تزوجت فردت عليها بعيب فإنها تحنث, وكذلك لو ردت إلى المبتاع قيمة العيب, ولو حبسها المبتاع ورضي بالعيب لم تحنث.
[4/ 43]

(4/43)


في يمين البكر والثيب وأفعالها
والمولى عليه والصبي والعبد
من الواضحة: وإذا حنثت البكر في ولاء الأب أو ولاية وصيه أو من جعله الإمام عليها خليفة فذلك رد, كان عتقا أو صدقة, لأن مالها محجور عنها. وإن لم تكن في ولاية أحد وهي في ولاية نفسها ومالها بيدها تنظر فيه باستيجاب [كذا] لذلك أو بغفلة السلطان عنها, فإن بلغت الثلاثين سنة لزمها الحنث بالعتق والصدقة, وجاز فعلها في مالها من بيع وغيره, وقاله ابن وهب وابن الماجشون, وابن القاسم يرى أن أول التعنيس أربعون.
وقال سحنون: معروفها وهبتها وأفعالها جائزة إذا لم تول باب أو وصي وإن لم تعنس. قال ابن حبيب وأما الأيّم التي مات عنها زوجها أو فارقها بعد أن بنى بها فأفعالها جائزة إذا كانت بالغاً وإن كانت بنت خمسة عشرة سنة.
ومن كتاب ابن المواز: وعن بكر حلفت بالصدقة لا تزوجت رجلاً فزوجها إياه أبوها بغير أمرها فالنكاح جائز ولا شيء عليها في يمينها لأنها في ولاية. قال مالك في البكر المعنسة بنت أربعين وهي صحيحة العقل محمودة الأمر جاز أمرها ولزمها الحنث في أيمانها. وعن مولى عليه حلف بالعتق أن لا يكلم رجلاً, قال مالك أحب إلي أن لا يكلمه. فإن فعل فلا شيء عليه, وإن زال عنه الولاء فلا يلزمه شيء إلا أن يتبرع, وما أراه يخرج من المأثم.
قال ابن حبيب: وإذا حلفت بكر معنسة أو ثيب جائزة الأمر أن لا تتزوج ثم تزوجت زوجا علم بيمينها أو لم يعلم, فهي كذات الزوج في حنثها فيما جاوز الثلث, وإنما النظر متى وقع الحنث لا متى كان اليمين, وكذلك قال لي من كاشفت عنه من أصحاب مالك.
[4/ 44]

(4/44)


ومن العتبية من سماع ابن القاسم, وعن المرأة المولى عليها تحلف بصدقة مالها في نذر إن تزوجت ابن عمها أن تحمله إلى بيت الله, فتزوجته فلتمش فإن لم تقدر فلتركب وتهتدي, وإن كانت صرورة دخلت بعمرة في نذرها ثم تحرم بالحج عن فريضتها إذا حلت وتصير متمتعة, وعليها هدي للمتعة وهدي لركوبها, وتتصدق بثلث مالها لحنثها. قال سحنون هذا خطأ ولا يلزمها ذلك لأنها في ولاء.
قال مالك ومن قال لغلام أبيه في حياة أبيه يوم أملكك فأنت حر, فمات الأب وورثه الابن فذلك يلزمه, إلا أن يكون يوم قال ذلك سفيها فلا يلزمه.
ومن العتبية ابن القاسم عن مالك في عبد جعل على نفسه شيئا في سبيل الله ثم ثبت أنه حر الأصل أن ذلك يلزمه، والحدود كذلك. قال وإنما كانت يمين عبد الله بن أبي حبيبة بالحر والغثا بعد أن احتلم.
قال محمد بن عبد الحكم: ولو حلف عبد بطلاق امرأة إن تزوجها فزوجه إياها سيده جبراً بغير رضاه أن لا طلاق عليه.
قال ابن حبيب قال ربيعة ومالك: من حلف في سفهه وهو في ولاء بالعتق إن فعل كذا وكذا ففعله بعد زوال الولاء عنه فلا شيء عليه. قال مالك ولا أراه إلا وقد أثم.
قال ابن حبيب لا أثم عليه, كنصراني حنث بعد إسلامه. فأما حنث العبد بعد عتقه وذات الزوج بعد زوال العصمة عنها فلازم لهما إذا كان ذلك بأيديهما بعد الحنث. قاله مطرف وابن الماجشون.
وفي كتاب التفليس أبواب في أفعال السفيه وأفعال البكر وذات الزوج موعبة بأزيد مما ها هنا.
[4/ 45]

(4/45)


في الاستثناء في الأيمان بمشيئة الله
والاستثناء المستخرج به من المذكور
وذكر المحاشاة ومن خص بنيته الجنس أو المدة
وما تنفع فيه النية من ذلك كله
من كتاب ابن المواز قال: وإنما الاستثناء واللغو في اليمين بالله أو نذر لا مخرج له. ومن قال إن فعلت كذا أو إن لم أفعل كذا فامرأته طالق أو عبده حر أو عليه كذا وكذا لما يذكر من البر إن شاء الله, فإن نوى باستثنائه الفعل دون اليمين فقيل ينفعه ذلك وقيل لا ينفعه لا في الفعل ولا في اليمين. قال ابن حبيب قال ابن القاسم: لا ينفعه, وقال ابن الماجشون وأصبغ ينفعه إن نوى به الفعل, وإن نوى به ما ذكر من طلاق وعتق وعمل بر لم ينفعه. وقال أصبغ ولا شك في هذا. وهذا قد تقدم في باب قبله.
قال ابن حبيب: ولا ينفع الاستثناء بالقلب دون اللسان, فإن كان الحالف غير مستحلف فحرَّك به شفتيه وإن لم يجهر به أجزأه, وإن كان مستحلفاً لم يجزه إلا الجهر به وقاله أصبغ وغيره.
قال ابن المواز: وأوجه الاستثناء التي لا تجزئ النية بها دون اللفظ ثلاثة: أن يستثني بإلا وبإلا إن وبإن. فأما قوله إن فكقوله إن شاء الله فلان إن فعل فلان ونحوه, فأما إلا فمثل يمينه إن صحبت اليوم قرشياً ونوى إلا فلاناً وما أكلت طعاما ونوى إلا لحماً. ولو حرك بإلا فلان لسانه ونوى في نفسه وفلان أجزأه. لأن الواو بخلاف ما ذكرنا من أحرف الاستثناء. وقد اختلف في إلا خاصة فقيل تجزئه بها النية كما تجزئه في محاشاة امرأته في الحرام بنيته. وقد قال ابن أبي سلمة لا تنفعه المحاشاة في الحرام بنيته.
[4/ 46]

(4/46)


قال وما كان من الاستثناء في يمين بوثيقة حق أو شرط في النكاح أو عقد بيع أو فيما يستحلفه أحد عليه فلا تجزئه حركة اللسان به حتى يظهر ليسمع منه.
ومنه ومن العتبية قال مالك فيمن استحلف رجلا ألا يخبر أحداً بما أخبره به فحلف لا أخبرت به أحداً واستثنى في نفسه إلا فلاناً فلا ينفعه حتى يحرك بذلك لسانه. قال ابن القاسم ينفعه وإن لم يسمعه المحلوف له في هذا. قال سحنون لا ينفعه حتى يسمع الذي حلفه لأن اليمين له.
وتأول سحنون أنه لم يتطوع بخبره حتى حلفه فكأنه حق. قال ابن المواز ولو استحلفه ألا يخبر به إلا فلانا فحلف ونوى في نفسه وفلان فلا يحنث أن أخبر به من نواه, إلا أن يكون على يمينه بالطلاق بينة.
ومن العتبية ابن القاسم عن مالك فيمن حلف ما فعل واستثنى في نفسه إلا كذا, فإن حرك به لسانه نفعه وإلا لم ينفعه. قال عنه أشهب وإن حلف ما أكل عند فلان ونوى في نفسه إلا التمر فلا ينفعه إلا أن يحرك به لسانه.
قال سحنون عن ابن القاسم: وإن حلف إن كلم بني فلان ونوى في نفسه إلا فلانا لم ينفعه حتى يتكلم بذلك.
ولو حلف لا دخل دار زيد ونوى في نفسه شهراً أجزأه. قال ابن حبيب ومما يجزئ فيه النية وليس باستثناء أن يحلف إن كلمت فلانا ونوى في نفسه شهراً فذلك ينفعه إلا أن يكون على يمينه بالطلاق بينة, وقاله ابن القاسم وأصبغ ورواه أشهب عن مالك. وكذلك يمينه ما لقيت اليوم قرشيا ونوى فلانا فذلك له في الفتيا, ولو نوى إلا فلانا لم ينفعه في الفتيا ولا في القضاء.
[4/ 47]

(4/47)


ومن المجموعة قال ابن القاسم: ومن حلف بالطلاق لا أكل لبنا ثم قال نويت لبن ضأن أو معز فله ذلك في الفتيا ولا يقبل منه في القضاء, وكذلك يمينه لا أكل سمنا وقال نويت سمن بقر فله نيته في الفتيا دون القضاء.
ومن العتبية قال أشهب في الحالف بالحلال عليه حرام وحاشى امرأته فلا شيء عليه, وفي رواية أصبغ أنها البتة, وذكر في المجموعة قول أشهب أن له ثنياه فيها، وقال قال أشهب ولو قال الحلال كله على حرام ونوى في نفسه إلا امرأته لم ينفعه وهو مدع حتى يستثنيه متكلما به.
ومن حلف لا كلم فلانا أبدا ونوى في نفسه إلا يوم الجمعة فلا يجزيه حتى يحرك به لسانه. ومن قال امرأته طالق ثلاثا ونوى في نفسه إلا واحدة لم ينفعه وهي طالق ثلاثا. ومن حلف لا كلم فلانا فسكت عنه ثم كلمه فذلك له لازم لأنه لم يضرب أجلا ولا قال ولا أبدا.
قال أبو محمد: يريد إنما نوى في نفسه ساعة أو يوما فذلك له.
ومن العتبية من سماع عيسى عن ابن القاسم: ومن حلف بالطلاق لا كلم فلانا أو لا دخل داره ونوى في نفسه شهرا فذلك ينفعه في الفتيا لا في القضاء. وأما الاستثناء فلا ينفعه إلا بالقول مثل قوله إن كلمت قرشيا ونوى في نفسه إلا فلانا أو لا أكلت طعاما اليوم ونوى إلا اللحم فلا ينفعه حتى يتكلم به.
ومنه ومن المجموعة, أشهب وابن نافع عن مالك في منزل بين رجلين حلف أحدهما لا بنى فيه مع شريكه لبنة على لبنة, أيبني جدارا لقسم يقطع به بينهما.
[4/ 48]

(4/48)


قال إن نوى إلا جدار القسم فذلك له, وإلا فهذا بنيان. وقال أشهب في العتبية هذا استثناء لا يجزيه إلا بالكلام به.
قال ابن حبيب قال مطرف في المستحلف يحاشي, فإن حاشى زوجته في الحرام فذلك بنفعه لاختلاف الناس في هذه اليمين وإن كان مستحلفا, وأما في غيره فلا تنفعه المحاشاة ولا النية, واليمين للذي استحلفه, ورواه مالك وقاله ابن الماجشون. ومن كتاب ابن المواز ومن العتبية من سماع عيسى عن ابن القاسم وعمن صحب رجلا في سفر فاستخانه فحلفه فحلف أنه ما خانه منذ صحبه, وهو يريد في سفره هذا ولم يحرك به لسانه, وقد صحبه قبل ذلك في سفرات خانه فيها. قال لا شيء عليه إذا كان لذلك سبب, كأنه خانه في هذه السفرة في قمح أو عين فحلفه ولم يكن هو ابتدأه باليمين متطوعا فله نيته, ولو كان على يمينه بينة وثبتت خيانته له قبل ذلك لم يكن عليه شيء وتقبل نيته في هذا, وقاله كله أصبغ.
قال ابن حبيب ومن حلف لامرأته بالطلاق لا كان مني إليك الليلة شيء ونوى الإفضاء بوطئها ولم يفض, قال له نيته, وقاله أصبغ.
ومن المجموعة قال ابن كنانة فيمن حلف بالطلاق أن ثوبي خير من ثوب فلان وزيادة درهم, فإن قال أهل المعرفة إنه ليس كذلك حنث. ولو قال نويت في رأيي حلف ودين. وقال ابن القاسم إن قامت عليه بينة لم يقبل منه. قال المغيرة فيمن حلف ألا يطأ مكانا سماه فإنه إن جاءه راكبا أو ماشيا حنث إذا لم
[4/ 49]

(4/49)


يستثن. وإن ادعى نية لم تظهر ويمينه بطلاق أو عتق لم يصدق, وله نيته في اليمين بالله أو بالمشي وما ليس لأحد فيه حق وذلك لله تعالى وهو يدين فيما نوى من ذلك.
ومن كتاب ابن المواز: ومن قال في امرأته طلقت منه إن تزوجتها, فتزوجها ثم قال نويت طلاق الولادة لم ينفعه ذلك.

في الاستثناء بقوله إلا أن يبدو لي
أو أرى غير ذلك أو أشاء أو إلا أن يقضي الله
أو يبدل ما في نفسي أو إلا أن أغلب ونحوه
من كتاب ابن المواز, قال مالك فيمن حلف بالمشي أن لا يخرج إلى بلد فلان إلا أن تصيبه حاجة شديدة أو يقضي الله أمراً فيصيبه فلم تصبه حاجة, فلا ينتفع بقوله إلا أن يقضي الله, ولو استثنى مشيئة نفسه نفعه ذلك.
وإذا حلف لا أكلت معه امرأته إلا أن أرى غير ذلك فجاءته وهو يأكل فأكلت معه فتركها فإن تركها فإن تركها وقد رأى أن يتركها فذلك ينفعه. وكذلك لو قال إلا أن أرى رأيا خيرا من رأيي, ثم قال رأيت أن آذن لها خيرا من رأيي الأول فذلك ينفعه.
وكذلك في العتبية في سماع ابن القاسم إن حلف لا أنفق عليها إلا إن رأى غير ذلك ثم تركها أكلت معه فذلك ينفعه إن رأى ذلك حين تركها.
قال في كتاب ابن المواز: وإن حلف بالحرية لا كلم فلانا إلا أن يبدو له أو إلا أن أرى غير ذلك فذلك ثنيا ينفعه. قال ابن القاسم وكذلك إلا أن يريني الله غير ذلك فهو ينفعه, وقال أصبغ ليس بشيء.
[4/ 50]

(4/50)


ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فى الحالف أن يفعل إلا أن يقدر فأنت طالق قال إن فعله فهو طالق، وقال أشهب فى المجموعة لا شىء عليه.
ومن حلف فى أمر فقال إلا أن يقضى الله غير ذلك أو يريد الله غير ذلك فليس ثنيا ينفعه. قال عيسى وهو فى اليمين بالله ثنيا ينفعه، كقوله إن شاء الله، وقوله إلا أن يرينى الله غير ذلك ثنيا.
ومن قال أنت طالق إلى سنة إلا أن يبدو لى أن لا أطلقك، أو قاله فى العتق، فالطلاق والعتق يلزمه ضرب أجلا أو لم يضرب.
قال ابن حبيب ومن قال أنت طلق لأتزوجن عليك فلانة إلا أن لا يقدر، فخطبها غير مرة فأبت فاستثناؤه باطل ما كان فلانة تحته ولا يقرب امرأته كما لو لم يستثن، فإن رافعته ضرب له أجل الإيلاء، فإن ماتت فلانة سقطت اليمين وعاود وطء امرأته وعرف أنه لم يقدرله نكاحها، وما كانت حية فهو لايدرى لعله من قدر له نكاحها، وقاله أشهب وأصبغ.
ومن المجموعة ابن نافع عن مالك فيمن قال لامرأته حرمت على إن لم تقومى عنى فلا ترجعى إلى حتى أشاء، ثم قامت ثم سألته الرجوع مرة وثانية فأبى ثم سألته فقال تعالى إن شئت وهو لا يشاء ذلك بقلبه، فقال لا تأتى ثم خرج ثم جاء وقج اشتهى أن تأتيه فأتته قبل أن يأمرها، فقال أخاف عليه هى لم تدر ما أراد بقلبه، أرأيت أولاً إن قالت له آتيك فقال لا وهو يشاء بقلبه أن تأيته فأتته بعد يمينه ايخرج من يمينه، هذا لا ينفعه، ولا يطلق الرجل بقلبه إلا أن ينوى فى يمينه حتى أشاء يعنى بقلبه فلا شىء عليه، ثم قال فى قوله: تعالى إن شأت ثم قال لا تأتى إنه ليأخذ بقلبى إنه أذن وما أدرى.
[4/ 51]

(4/51)


ومن كتاب ابن المواز عن مالك فى الحالفة بعشرة نذور لزوجها لا أتزوج إلا أن يغلبنى أمر، فاحتاجت فتزوجت فلتطعم مائة مسكين إن لم يكن لنذرها مخرج.
ومن المجموعة قال ابن نافع عن مالك فى امرأة حلفت بالحرية لزوجها إن لم تستأذنى عليه وأجهد نفسى حتى لو وقع سوط فى عينك لأخذته، وقالت إنى قلت إلا أن يرينى الله رأيا غير هذا. قال فاستأذنت عليه فهرب فكلمت فيه فتركته وقالت قد أرانى الله رأيا غير الأول وقد استثنيت ذلك، فإن قامت بينة أنها استثنت ذلك وسمعوها فذلك لها، وإلا فقد حنثت.
ومن حلف لا يجاور أباه ولو يستطيع فليس ذلك مخرجا. ولو استأذن عليه أبوه أو حلف عليه لم يكن له به مخرج ولا يجبر السلطان أحداً على ها.
ومن العتبية من كتاب الشهادات روى أشهب عن مالك فى امرأة حلفت بالعتق إن كلمت فلانا وكان عندها أربع نسوة فقلن لها قد استثنيت فقلت إلا أن أرى خيراً من رأى هذا، قال فلا ينظر إلى شهادتهن بذلك، يريد إلا أن تذكر هى ذلك.
ومن استثنى ما يعد من الاستثناء ندماً
بعد ممات، والاستثناء فى الطلاق
من كتاب ابن المواز قال أصبغ: من نازع امرأته فغضب فقال أنت طالق البتة أن هذا عمود إنها تطلق عليه إذا لم يتنازعا فى العمود أنه عمود
[4/ 52]

(4/52)


فيحمل هذا أنه ندم. وقال حوه سحنون فى قوله أنت طالق إن شاء هذا الحجر، وخالف ابن القاسم وذكر ابن حبيب مسألة العمود كما تقدم عن مالك. قال أشهب فى المجموعة: ومن قال والله لا كلمت فلانا حتى يشاء هذا الحجر أو هذا الميت فلا يكلمه أبدا لأنه استثنى مشيئة من لا يشاء.
ومن العتبية من سماع ابن القاسم فيمن قال لمن أودعه رددت إليك وديعتك فأنكره فحلف الراد بالطلاق ما هى فى بيته، ثم قال له رجل فى علمك، فقال فى علمى، فإن قاله نسقاً من غير صمات فله ثنياه. ومن سماع أشهب وعن الحالف يستثنى فيقول علمى قال ذلك له وما أجود ذلك إن صدق.
قال عيسى عن ابن القاسم فى القائل أنت طالق إن شاء الله أو إلا أن يشاء الله فهو سواء، وهى طالق. وقد تقدم الاستثناء بمشيئة الله عز وجل فى العتق والطلاق.

فى نية الحالف ومحاشاته وقد حلف فى حق
مستحلفاً أو متبرعاً بالطلاق أو بالحرام أو غيره
ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: وكل يمين على وثيقة حق أو شرط أو لتأخير أجل دين فما كان يقضى فيه السلطان من طلاق أو عتق فلا يقبل منه فيه نية، وما كان لا يقضى به كيمين بصدقة أو مشى ونحوه فلا يلزمه ويدين فى نيته، مثل أن يقول نويت فى المشى مسجدا ونحوه. قال أصبغ وهذا إن لم يحكم عليه به فيلزمه بينه وبين الله عز وجل ولا ينفعه النية إذا كان فى حق أو استحلف. وكذلك فى العتبية.
[4/ 53]

(4/53)


قال ابن المواز قال أشهب إذا نوى المسجد فله نيته وقد حلف ليقضينه حقه إلى أجل كذا، وروى مثله أصبغ عن ابن القاسم فى العتبية تبرع باليمين أو استحلف.
ومن كتاب ابن المواز ونحوه من رواية عيسى ويحيى عن ابن القاسم فى العتبية فيمن حلف ليقضين فلانا حقه إلى أجل كذا بالطلاق، فحنث فقال حنثت بواحدة، وقال الطالب بل بالثلاث فهى ثلاث. وفى رواية يحيى بن يحيى استحلفه غريمه فحلف ثم قال نويت واحدة أو استثنيت وحركت لسانى، قال يلزمه الطلاق بما ظهر مما استحلف عليه، وأما بينه وبين الله فلا شىء عليه. وروى عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب أنه إن قال الطالب أحلفته بالبتة وقال الغريم حلفت بواحدة، فالغريم مصدق مع يمينه. وقال عيسى عن ابن القاسم الطالب مصدق. قال يحيى بن عمر إن صدقه الطالب أنه إنما قال امرأتى طالق ولم يقل ثلاثا ولا البتة فله لانيته وله الرجعة إن ارتجع، وإن قال الطالب إنما أحلفته بطلاق البتة فالطالب مصدق، ولا تحل للغريم زوجته إلا بعد زوج وإن صدقته المرأة.
قال ابن سحنون عن أبيه: إذا سأله سلفا فقال حتى يحلف لى بالطلاق فحلف له به ليقضينه غلى أجل كذا، ثم أحلفه وقال نويت واحدة فإنها تطلق عليه البتة، ولو كانت واحدة لم تكن وثيقة من حقه. وأما من كان له عليه دين فقال وخرنى فقال حتى تحلف لى بالطلاق فحلف به ليقضينه إلى أجل كذا فلم يفعل ثم قال نويت واحدة فله نيته. والفرق أن الأول يخرج المال فيتوثق وهذا غير مخرج شيئا.
[4/ 54]

(4/54)


ومن الواضحة: وكل مستحلف فى حق فلا ينتفع بنية تخالف نية من استحلفه ولا بالاستثناء بلسانه سراً. وإذا استحلفه ليقضينه حقه غلى شهر فحلف ونوى إلا أن أغيب ولا أعدم وتكلم بذلك سرا فلا ينفعه، غلا أن يحلف له بالحرام متحاشياً امرأته فينفعه فى هذا لاختلاف الناس فى هذه اليمين.
وفى كتاب ابن المواز قال مالك: وإذا حلف له بالطلاق على قضاء الحق لم تنفعه محاشاة زوجته. قال ابن القاسم سواء استحلفه الطالب أو ضيق عليه حتى بدر باليمين فلا تنفعه النية ظهر أمره أو ترك، وكذلك إذا خاف ألا يتخلص إلا باليمين. فأما إن ابتدأه باليمين من غير أن يستحلفه أو يخرجه إلى اليمين فله نيته، وقد قيل ذلك سواء، لأنها وثيقة على كل حال فلا ينوى، إنما له النية والمحاشاة فيما حلف فيه من أمور نفسه كان على يمينه بينة أو لم تكن.
قال أشهب وقد قيل فى يمينه بالحرام ليقضينه حقه غلى أجل كذا فقال حاشيت امرأتى إن ذلك له وإن كانت على يمينه بينة، وكذلك روى ابن حبيب. قال أشهب وسمعت ابن أبى حازم لا يجيز المحاشاه فى الزوجة فى الحرام ويقول هذه نية فى القلب.
قال ابن سحنون عن أبيه: إذا حاشى امرأته وقد حلف لطالب يطلبه بحق، فإن قال له الطالب احلف لى بالطلاق وحلف بهذا لن تنفعه المحاشاه وكذلك لو قال له احلف لى ولم يقل بالطلاق فحلف له بالحرام فلا تنفعه المحاشاه أيضا لأنه غنما يريد بالطلاق واليمين للمستحلف.
وروى أصبغ فى العتبية عن ابن القاسم فى الحالف على قضاء الحق بالحرام وعليه بينة فيقول حاشيت امرأتى، قال اختلف فيه، وبلغنى أن مالكا حنثه، وقال
[4/ 55]

(4/55)


لى ابن أبى حازم وغيره إن ذلك ينفعه وهو رأيى وإن كانت على يمينه بينة. قال أصبغ وله فيه قول غير هذا. وفى سماع أشهب فيمن حلف بالحرام وقال نويت من المطعم والمشرب فذلك له ويحلف، وإن قال نوي طلقة لا ينفعه ذلك.
وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فى العتبية إذا استحلف بالطلاق ليقضينه إلى أجل كذا فحلف وقال نويت واحدة إن ذلك لا ينفعه، ولكن ينفعه بينه وبين الله عز وجل.
ولو حلف بالله أو بالمشى إلى بيت الله أو الهدى وما لا يطلبه العباد فله نيته وثنياه. وأما إن تطوع لها باليمين من غير أن يحلفه، قيل فهذا يلزمه اليمين على ما أظهر ولا ينفعه ما أسره من لغز أو استثناء لا فى نذر ولا مشى ولا غيره مما يتطوع باليمين له.
ومن حلف بالمشى إلى بيت الله ونوى مسجداً من المساجد، فإن كان فى غير مكر ولا خديعة فى حق فلا شىء عليه من إثم ولا غيره، وإن كان فى مكر أوخديعة فهو آثم ولا شىء عليه، وإن كان مستخفاً بها فى حق فعليه المشى ولا نية له. والمستحلف مظلوماً والحالف متبرعاً فى أن النية نيته. كذلك قال مالك والليث.
ومن الواضحة: وكل حالف بالطلاق فى وثيقة حق مستحلفاً أو متبرعا ليتخلص من الطالب فلا ينفعه إن نوى واحدة حتى يسمع المحلوف له ذلك فى لفظ يمينه وإلا لم ينفعه ذلك فى الحكم وينفعه فى الفتيا وقد أثم، وسواء ادعى صاحبه أنه حلفه بالبتة او لم يدع، استحلفه أو تبرع له باليمين على الوثيقة له.
وكذلك إن شرط لزوجته فى عقد النكاح إن نكح عليها طلاقها أو طلاق المنكوحة فلا ينوى فى واحدة منهم وهى البتة، أكذبته هذه أم صدقته، كانت اليوم حية
[4/ 56]

(4/56)


أو ميتة. وهذا قول مالك وأصحابه وتفسير مطرف لى وابن الماجشون وأصبغ، وذلك ابن عبدوس عن ابن القاسم نحو ذلك فى الشرط فى النكاح تنازعه فى البتة فيها أو فى غيرها فهى مصدقة، وذكره عن مالك. قال وكذلك فى كل يمين بطلاق يأخذه صاحبه فى حق فهو البتة حتى يلفظ بأقل منها.
وقال ابن الماجشون: وكذلك الشرط بطلاق المنكوحة أو بالحرام فهو البتة، وكذلك إن أنظره بدين على أن حلف له أو بايعه على ذلك، وكذلك لا ينفعه إلغاز إن حلف مع شاهده فى حق أو حلف فى قسامه أو فى رد اليمين يميناً أو فى غيرها فلا تنفعه النية بغير ما طلب منه، لكن على موقع ذلك من المحلوف له. وأما إن حلف لغريمه أو لزوجته من غير شرط فى عقد ولا أخذ عليه غريمه اليمين فالنية نية الحالف. ومن حلف لزوجته ليفعلن أو إن لم يفع فكما قلت لك إذا أخذ باليمين شيئا.
ولو حلف لزوجته بطلاقها إن تزوج عليها ففعل قبل البناء فالزمه واحدة لأنه تبين بها، ويلزمه بعد البناء ثلاثا.
ومن العتبية والمجموعة قال سحنون قال أشهب: ومن وخر غريمه بحقه على أن حلف له ليوفينه إلى رمضان فحلف ثم قال نويت رمضان قابل فهو حانث ولا تنفعه نيته. قال ابن القاسم وله نيته بينه وبين الله سبحانه.
[4/ 57]

(4/57)


فيمن حلف بالطلاق أو العتاق مستحلفاً
أو متبرعاً فى حق او شرط نكاح، أو حلف
لزوجته فنوى فى ذلك كله إحدى نسائه
أو من سمى من ليس فيهن أو نوى أجنبية
توافق اسم من عنده من وجة أو أمة
أو قال امرأتى ونوى الميتة أو المطلقة
من كتاب ابن المواز: ومن حلف فى حق وثيقة بطلاق فلانة أو بعتق فلان ولم يقل امرأتى ولا غلامى وسمى الاسم فلا ينفعه ذلك وهو حانث. قال ابن القاسم وهو كما لو قال امرأتى فلانة وعبدى فلان واحتج بمسألة مالك فى الذى وجد امرأة مع امرأته فضربها وحلف لأهلها بطلاق امرأته ونوى امرأة كان طلقها وتبرع باليمين فلم ير ذلك ينفعه. ولو كان فى غير حق انتفع بما نوى ما لم يقل امرأتى فلا ينفعه وذكر مسألة حكمه طالق وقال نويت جارية له تسمى حكمه، قال فإن حلف فى حق أو دفع عن نفسه أو كان على يمينه بينة لم ينفعه. ومن المجموعة قال ابن الماجشون: وغن حلف بالطلاق فى مال ليدفعه وقت كذاوعنده نساء فقال نويت فلانة فذلك له وهى البتة فيها ويحلف ما أراد إلا هذه. ولو حلف بتحريم ما أحل الله له وقد علم من حلفه من عنده من الزوجات فهن أجمع طوالق البتة لأنه لم يخص بعضا دون بعض. وإذا لم يعلم الذى حلفه بعدد من عنده وقال لم أنو أن أعم وإنما أردت واحدة غير معينة حلف أنه لم يرد أن يعم ولا نوى واحدة بعينها وقيل له طلق من شئت منهن البتة، ولو قال نويت واحدة بعينها طلقت عليه بالبتة بعد يمينه ما نوى غيرها ولا عم.
[4/ 58]

(4/58)


ولو قال حلفت له فى حقه بطلاق زينب ونويت واحدة وليس له زينب فإنه تطلق عليه واحدة يختارها بعد أن يحلف ما نوى واحدة بعينها إلا ما نوى من التى ليست عنده ولو قال حرم على ما حل لى وصاحبه لا يعلم أن له أكثر من واحدة وقال أردت زينب وسميتها له ولم أرد واحدةً ممن عندى فإنه تطلق عليه نساؤه أجمع بالبتة. ولو علم مستحلفه أن له امرأة تسمى زينب فحلفه بطلاقها وقال امرأتى طالق وله عمرة بنية الحالف، وإن نوى فى عمرة خاصة طلقة واحدة فذلك له. قال أبو محمد لأنه لم يستحلف بها.
وقال المغيرة فيمن طلق امرأته واحدة وخطب غيرها فقيل له إن لك امرأة فحلف بالعتق ما له امرأة، فغن زوجوه حنث فى الرقيق لأنها يمين أخذ بها حقاً ولنهما يتوارثان، فإن لم يزوجوه فغنه ينوى فإن نوى ليس لى زوجة لموضع الطلاق حلف على ذلك ولم يحنث.
قال ابن نافع عن مالك فيمن خطب امرأة فقيل له طلق زوجتك وهى أم ولده فأبى وأبوا فتركها حتى نكح غيرها، ثم خطب المرأة فلم ترض حتى يطلق زوجته يعنى الأولى ففعل وأشهد من حضر أن امرأته طالق البتة إذا ملك نكاح هذه وهو ينوى الآخرة ولا يظنون أن عنده غير الأولى، قال له نيته ويحلف، وهو كخاطب شرط طلاق امرأته وعنده امرأتان وهم لا يعلمون إلا أولهما، فهو ما نوى.
ومن كتاب ابن المواز وابن حبيب: ومن عوتب فيما صنع بامرأته فحلف بالطلاق والعتق ما صنع بها شيئاً، ينوى بامرأة أخرى، لم ينفعه ذلك فى القضاء ولا فى الفتيا. ولو قال امراتى وسمى اسمها وقال أردت سميةً لها فى عصمته فذلك له
[4/ 59]

(4/59)


فى الفتيا لا فى القضاء. ولو قال امراتى ونوى التى طلقها أو ماتت لم ينفعه فى الفتيا ولا فى القضاء. قال ابن حبيب وقاله مطرف وابن الماجشون وأصبغ. ومن المجموعة قال ابن القاسم عن مالك ومن حلف للسلطان طائعاً بطلاق امرأته فى أمر كذب فيه وجاء مستفتياً وقال نويت امراة كانت لى لم ينفعه ذلك وتطلق عليه امرأته. وكذلك فى كتاب ابن المواز.
قال ابن عبدوس قال أشهب وإن حلف لغريمه فقال غزيل طالق إلا وفيتك حقك فحنث وامرأته غزيل وجاريته غزيل وقال نويت الجارية فلا ينفعه وقد حنث. وكذلك رواها سحنون فى العتبية من ابن القاسم وأشهب، وكذلك فى كتاب ابن المواز فيمن ابتاع سلعة على أن يحلف بالطلاق ليوفينها ثمنها وسمى جاريته وهو يوافق اسم زوجته.
ومن المجموعة وغيرها روى ابن القاسم وابن وهب عن مالك فيمن ضرب امرأة اتهمها مع امرأته فطالبه قومها وحلف بالطلاق والمشى ما ضرب فلانة ينوى امرأة غيرها فلا ينفعه ما نوى، وقد حنث بالطلاق والمشى.
فيما ينفع فى النية فى أيمان الطلاق والعتاق
فى الفتيا ولا ينفع فى القضاء، وما ينفع فى الطلاق والفتيا
وذكر الشك فى الحنث
من كتاب ابن المواز ومن ادعى نية فى يمينه فى غير ما تقدم ذكره من اليمين لوثيقة حق أو شرط أو تأجيل دين وشبهه فله نيته إلا أن منه ما إن قامت عليه بينة لم ينو كمن حلف بالطلاق إن فعلت كذا ثم قال نويت شهرا أو حتى يقدم أبى فيصدق فى الفتيا مع يمينه ولا يصدق فى القضاء إن قامت على يمينه بينة. ومن
[4/ 60]

(4/60)


ذلك ما يقبل قوله فى القضاء، يريد وإن قامت عليه بينة، مثل أن يحلف لزوجته بطلاق من يتزوج فى حياتها أو يكون ذلك شرطاً فى أصل نكاحها فتبين منه ثم يتزوج ويقول نويت ما كانت تحتى فيصدق. ومثل أن تحلف هى بالحرية لا دخل على من أهله أحد فلما مات قال نويت ما دام حيا فذلك لها. وأما لو حلف بعد أن طلقها فمذكور فى باب ثالث من هذا.
ومن كتاب ابن المواز قال مالك فيمن طلق امرأته واحدة ثم حلف بالبتة إن راجعها فأراد نكاحها بعد العدة وقال نويت أن لا أرتجعها فى العدة، قال ذلك له ويحلف إلا أن تكون عليه بينة، وقيل إنما ينفعه ذلك فى الفتيا، فأما إذا دفع لم ينفعه كانت على يمينه بينة أو لم تكن إذا أقر بيمينه لا ينفعه ما نوى. قال ابن القاسم وإن لم تكن له نية فهو حانث. وقوله إن ارتجعتها أو إن أرجعتها سواء. قال أصبغ فى العتبية عن ابن القاسم وإن راجعها وقال نويت أن لا أراجعها بنكاح جديد، قال لا يصدق إلا أن يتكلم بذلك بيانا. قال أصبغ: وكذلك إن حلف إن تزوجها فمخرجه الارتجاع من طلاقه حتى يظهر طلاقه ببيان أو بسبب أو بساط له مخرح.
ومن كتاب ابن المواز قال مالك فيمن حلف ألا يطأ جاريته فإن الفرج خاصة فله أن يطأ ما بين الفخذين وعلى الفرج ولا يقرب الدبر إلا أن يحاشيه، فإن لم تكن له نية فلا يقرب ما تحت الإزار منها.
[4/ 61]

(4/61)


وعمن حلف لعبده بعتقه إن أدخلت بيتى قصباً فأدخل العبد بيته حصير قصب اشتراها، فإن حلف السيد ما أراد إلا القصب الذى يوقد به وما أراد الحصر فلا شىء عليه.
ومن العتبية قال عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب فيمن قال لأمرأته إنى كنت حلفت لا فعلت كذا ثم فعلته، ورجلان يسمعان إقراره، إنه يلزمه ولا ينفعه ما نوى.
قال أبو زيد عن ابن القاسم فيمن رمى امرأته بعصا فعوتب فحلف بالطلاق ما ضربها بيده فهو حانث إلا أن ينوى ما ضربها بيده بلطمة ونحو ذلك من ضرب الناس فله ما نوى، ولو كانت عليه بينة ما دينته قال بيده أو لم يقل. ومن سماع ابن القاسم فيمن حلف فى ولدته بالطلاق أنها فظة غليظة عليه قال يدين ويحلف.
ومن كتاب ابن المواز والمجموعة والعتبية قال مالك فيمن أعطى بسلعته عشرة فحلف بالطلاق ما قامت بعشرة وقد قامت بأقل فقد حنث إلا أن ينوى الكرى والمؤنة فذلك له مخرج وإن لم يسمه.
ومن كتاب ابن المواز عن مالك: ومن عوتب فى إدخال يده فى كوة فحلف ما أدخل يده فيها يعنى بسوء وريبة فله نيته وليس هذا بسوء، وكذلك دخول البيت.
وعن عبد يعمل فى الحائط فحلف بالطلاق ما جنى ثمرة واحدة فشهدت بينة أنه وصاحبه جنيا يوما رطباً فذهبا به إلى منزلهما وبقى فى المريد قدر صاع نوى فاشتريا به لحما، فقال لم أنو ما وسع لنا فيه، إنما نويت الخيانة، وقد قال
[4/ 62]

(4/62)


وكلاء سيده قد وسعنا فيه للقومة، قال يحلف ما أراد إلا ما خان وسرق ولا شىء عليه.
وعن أجير زرع حلف لا خان فيه قدراً يدريه ثم عمد إلى التبن فأعاده فخرج له منه شىء فأخذه فإن كان ذلك التبن تركه ربه لا يريد معاودته فلا شىء عليه وهو مثل اليسريت يريد السنبل يلقط خلف الحصادين. محمد: وذلك إن علم بذلك رب الزرع.
ومنه ومن المجموعة عن مالك وهو فى العتبية من رواية عيسى عن ابن القاسم عن مالك قال فيمن سأل رجلا حاجة لعبد الله بن عمر وله أخ اسمه سعيد بن عمر فعوتب فى طلبه لابن عمر حاجة فحلف بالطلاق ما طلبت لابن عمر حاجة يعنى سعيد ولا مشيت معه وأقر عند قوم بالمشى مع ابن عمر قبل يمينه، فقال إنما مشيتمع عبد الله وإنما يمينى على سعيد أخيه فذلك له ويدين ويحلف، كان على يمينه بينة أو لم تكن، وهما كأجنبيين اتفق اسمهما واسم أبيهما. قال ابن القاسم فى المجموعة وكتاب ابن المواز وما يعجبنى، وقد سمعت من مالك فيما يشبهه أنه حانث وإن كان قاله فلعله رجع عنه. قال أحمد بن ميسر والأول أجود.
ومن المجموعة وكتاب ابن المواز والعتبية روى اشهب وابن نافع عن مالك فيمن حلف لامرأته فى جارية له تغار عليه فيها، يريد بعتقها، أنه لا وطئها ونوى برجله أولا يطأها ينوى على بطنها، قال أكره هذا وهذا ينوى، قال غيره قال فى كتاب ابن المواز أرجو أن ينفعه إلا أن تقوم عليه بينة فيعتق.
[4/ 63]

(4/63)


وقال سحنون فى المجموعة إن له نيته. وكذلك أن نوى غيرها فى يميمنه لا وطئتها.
ومنه ومن كتاب ابن المواز ومن العتبية روى أبو زيد عن ابن القاسم فيمن عاتته امرأته فى جوار له يطؤهن فوضع يده على ثياب لهن فقال أثمانهن صدقة إن وطئت منهن واحدة يريد أثمان الثياب يلغز بذلك فلا شىء عليه فيهن، ولكن إن فعل تصدق بتلك الثياب فقط إلا أن ينوى كل ثوب لهن.
ومن كتاب ابن المواز وابن عبدوس روى ابن القاسم وابن وهب عن مالك فيمن حلف لامرأته بعتق كل امرأة يشتريها يتخذها عليها، ونيته ألا يمسكها إلا اليسير، فهل يشترى الجارية يمسكها الشهر قال لا إن لا يطأها.
قال ابن القاسم فيمن ابتاع جارية فسأله رجل أن يوليها له فحلف بحريتها إن كان اشتراها بدينار أو بدرهم ونيته أكثر قال هى حرة.
ومن كتاب ابن المواز قال: ومن قال فى امرأة طلقت منه إن تزوجتها فتزوجها، وقال نويت طلاق الولادة فلا ينفعه ذلك.
ومن العتبية روى أشهب عن مالك فى عبد أراد قيم سيده أن يقيده فحلف بالطلاق أنه لا أبق إلى أهله، فقيده فكسر القيد ثم أبق إلى أهله فأقام عندهم سنين ثم أبق من عندهم إباقا بيناً وقال نويت أن لا أبق يومئذ من موضع كنت به إلا إليكم، قال مالك يحلف وله نيته فى ذلك.
ومن كتاب ابن المواز: ومن حلف لامرأته إن دخلت بينك وبين أمك فأمرك بيدك، وكانتا فى بيت فخرجت الأم عنها فمنع البنت من الخروج إليها وقال
[4/ 64]

(4/64)


إنما نويت ما كنتما فى بيت، فأما إذ خرجت فلم أحلف عليه فله نيته ويحلف، وإن نكل فلها الخيار، فإن قضت بالبتة فله أن ينكرها، وإن كان فى عقد النكاح فلا نكرة له، وإن تبرع بها بعد البناء فله نيته ويحلف فإن نكل فالقضاء ما قضت. ومن العتبية من سماع ابن القاسم: ومن حلف بالطلاق لمن استأجره أنك ما واجرتنى على أن أعمل لك بمعول كما تدعى، فإن كلن على يقين من ذلك فلا شىء عليه. ومن قالت له امرأته فى حمام اشتراه لمن نهيتك عنهم، فحلف بالطلاق ما اشتريتهم لمن تظنين، فقال يحلف لها ما اشتراه لمن ظنت إن طاوعها فى اليمين.
ومن سماع أشهب: ومن استعار زوج حمام ففرخ عنده فرد الذكر والأنثى الذى استعاره ثم وجد عنده فرخاً ادعى المعير أنه فرخه وحلف فيه بالطلاق فأنكره المستعير فليحلف المعير بالله إنه لفرخه بعينه، يريد ويدين فى اليمين، ولا يأخذ الفرخ إذا حلف المستعير بالله إنه له.
قال ابن المواز: ومن حلف بيمين ثم شك فى بره أو حنثه فهو حانث ما لم تكن يمينه بالله تبارك وتعالى.
وفى الجزء الثانى باب فى الشك والبر والحنث.
[4/ 65]

(4/65)


ذكر ما يرد فيه الحالف إلى
معنى يمينه وبساطه وإن خالف لفظه
وما لا يلزمه من اللفظ الذى ليس هو معصية
أو ما يجرى له من اللفظ على الغلط
من الواضحة ابن الماجشون: ينبغى إصراف اللفظ إلى معنى مخارجه وإلا بطلت الأمور، قال الله سبحانه [فاعبدوا ما شئتم من دونه] وقال [فاسجدوا لله واعبدوا] وهذا أمر والأول نهى واللفظ سواء، وهذا فى القرىن كثير.
ومن كتاب ابن المواز قال: وإذا لم يكن ليمين الحالف سبب يدل على مقصده ولا ادعى نية فيما ينوى فيه حكم عليه بلفظه بعينه وبذلك الاسم، يريد وإذا كانت نية أو بساط أو مقصد عرف منه صرف إليه وإلى معناه.
ومن كتاب ابن حبيب والعتبية قال مالك فيمن باع حماماً فسئل عن هديره فحلف بالطلاق إن كان يسكت وقال نويت أنه يكثر الهدير ولم أشك أنه يسكت، وفى رواية أخرى أنه احتج بقول النبى صلى الله عليه وسلم فى أبى الجهم أنه لا يضع عصاه عن أهله.
قال ابن حبيب وكذلك قال مالك فى الذى ذكر له وطؤه لأهله فحلف بالطلاق أنه ما ينزل عن بطنها وقال أردت كثرة الوطء فلم يرد عليه شيئا. قال ابن الماجشون وكذلك قال المغيرة وجميع كبرائنا فى هذا الأصل، وقاله مطرف وأصبغ، وقاله أصبغ عن ابن القاسم.
[4/ 66]

(4/66)


ومن كتاب ابن سحنون روى عيسى عن ابن القاسم فيمن شجر بينه وبين أختانه شر فسألوه طلاق أختهم فقال إن قلت فى اليوم هى طالق فأتوها فقالوا لها طلقك زوجك ونقلوا متاعهم إليهم ونقلوها وهى لا تعلم ما كان، ثم قالت والله ما علمت ولا انتقلت من هواى وإنما قالوا لى طلقك زوجك. قال إن عرف ذلك وشهد على ما قالت فلا طلاق عليها، وقال سحنون هى طالق ولو علم ذلك وشهد عليه لم ينفعه.
قال ابن حبيب فى رجل دفن مالاً ولم يجده وغلط بموضعه فحلف لامرأته بالطلاق ما أخرجه غيرك فأنكرت، ثم وجده فى موضع آخر، فأفتى مالك والمغيرة وغيرهما أن لا حنث عليه لأن مقصده إن كان ذهب فلم يأخذهغيرك فهو لم يذهب.
ومن العتبية روى ابن القاسم عن مالك فيمن وضع دراهم فى بيته فلم يجدها فى فرشه فأتهم بها زوجته فأنكرت فحلف بالطلاق ما أخذها غيرك ثم وجدها تحت مصلاة وضعها تحتها ونسى، فقال يحنث. فقيل له فى ذلك فتعجب ممن يقول لا يحنث، وكان ابن دينار لا يحنثه، فدخلنا على مالك فقال يحنث. ومن المجموعة والعتبية وغيرهما روى ابن القاسم وابن وهب عن مالك فيمن رفع قرطا عند امرأته فصرته فى خرقه ثم سألها خرقة ليصر فيها دواء فأعتطه تلك الخرقة ونسيت القرط فرماها فى البيت ثم صر فيها الدواء بعد يومين روفعها فى زنفليجته ولم يدر بالقرط، ثم طلب القرط من زوجته فطلبته فلم تجده فحلف بالحرية إن لم يكن ضاع منك أو سرق، قال لا شىء عليه. وكذلك لو لم يلق الخرقة إلا على وضع التناول ووضعها فى الزنفليجة فأرجو ألا شىء عليه.
[4/ 67]

(4/67)


قالا عن مالك فيمن يسأل رجلا دينارا فدار له على الطالب دراهم، فقال قاصصنى بها وإلا فخذها وهات الدينار، فصمت ثم غاب ثم قدم فعوتب طالب الدينار فى الرفق بغريمه، قال لى عليه دينار قد تركته له فقيل له أنه قال غير هذا فحلف طالب الدينار بالحرية ما أخذه منه ثم ذكر القصة فذكر، وقال لم أحبس ماله عندى على القصاص، قال يحلف على ذلك ولا شىء عليه.
ومن الواضحة: وقالوا يعنى مالكا والمغيرة وغيرهما فى رسول بدنانير إلى رجل فنقصت دينارين فحلف بالطلاق ما بعث معى غير هذا ففتشوا فى لف الثوب فإذا بالدينارين فلم يروا عليه شيئا لأن قصده أنى ما احتجت منها شيئا.
ومنه ومن العتبية وكتاب ابن المواز ورواها ابن القاسم وقال مالك فيمن سأل عبده فى خرج فقال بعته من أخيك فلم يصدقه فحلف العبد بالطلاق لقد أرسل إلى فيه أخوك فبعته منه، ثم تذكر أنه لقيه فباعه منه ولم يرسل إليه فلم ير عليه شيئا لأن معناه أنه لم يخبئه عنه ولقد باعه.
ومن هذه الكتب قال مالك فيمن تسلف من رجل ديناراً فوجده ناقصا فسأله بدله فحلف ما معه ألا أنقص منه، ثم فتش فإذا معه مثل وزنه فلا شىء عليه، لأن معناه ما هو أوزن منه.
ومنها أيضا قال مالك فيمن سال سلف عشرين ديناراً فحلف ما معه فى كمه أو تابوته إلا عشرة دنانير ثم نظر فيه فلم يجد إلا تسعة فلا شىء عليه. قال ابن القاسم ولو وجد أحد عشر لحنث.
[4/ 68]

(4/68)


ومن كتاب ابن المواز: وكذلك من سئل سلف خمسة دنانير فحلف ما معه غلا خمسة دنانير، فنظر فى كمه فلم يجد إلا أربعة دنانير فلا شىء عليه.
ومن الواضحة عن مالك وذكرها العتبى من سماع ابن القاسم فيمن جاء بزيت فسمطته امرأته فحلف بالطلاق لألقينه فى البلاعة فالقاه دونها فلا شىء عليه لأن قصده إتلافه. وقال ابن حبيب قال ابن الماجشون وسواء تعمد طرحها دون البلاعة أو سقط من يده دونها فلا شىء عليه.
ومن سماع ابن القاسم عن مالك فيمن قال لجلاب أدخلت غنمك السوق يوم الأحد فحلف بالطلاق لقد ادخلتها يوم الجمعة يريد قبل الجمعة فإذا هو أدخلها يوم السبت فلا شىء عليه.
ومن موضع آخر من كتاب ابن المواز قال مالك أخاف عليه. قال ابن القاسم لو كان إلى لم أر عليه شيئا. قيل لمالك فلو حلفه الوالى قال هو أخف، ومسألة جلاب الغنم هذه فى العتبية رواية أبى زيد عن ابن القاسم مثل رواية ابن المواز.
ومن الواضحة عن مالك وهى من سماع ابن القاسم فى العتبية ذكرها ابن كنانة عن مالك فيمن سال رجلا سلفا فتوقف فحلف بالطلاق مالك منى بد، فرجع فأسلفه، قال لا شىء عليه، إذا أعطاه حنث وإذا منعه حنث، ليس هذا الذى أراد.
وذكر ابن حبيب عن ابن القاسم فى صيرفى سأل فى سلف دينار فحلف بالطلاق ما فى تابوته درهم، وتابوته مملوء دراهم وإنما أراد دينارا، قال
[4/ 69]

(4/69)


لا شىء عليه. وذكرها عيسى عنه فى العتبية فيمن سال سلف درهم فحلف ما فى تابوته دينار ولا معى دينار وفى تابوته دينار ومعه دينار، وإنما أراد يقول درهم فغلط فلا شىء عليه وكذلك لو حلف لقد لقى أمس عبد الرحمن بن عبد الله وإنما أراد عبد الله بن عبد الرحمن فغلط.
ومن كتاب ابن المواز: ومن أراد أيحلف أن لا يبيع سلعته إلا بعشرة فأخطأها فحلف لا باعها إلا بأثنى عشر فلا يبيعها إ بأثنى عشر، وإن قال إلا بثمانية وغنما أراد أن يقول إلا بعشرة فليبيعها بثمانية ولا شىء عليه.
قال عيسى عن ابن القاسم وذكرها ابن حبيب فى رجل خرج يطلب خلاص رماك ختنه من المعسكر فقال لمن هى بيدههى لختن بكير النفزى فقالوا له هى للجند وليست للبربر وإلا فاحلف، فحلف بالطلاق ما هى إلا لختنة بكير النفزى، ثم سأل عن بكير فإذا هى من مصمودة وكان يظنه من نفزة، قال لا شىء عليه إذا كان استحلافهم له أنها ليست للجند لا على أنها لنفزة.
قال ابن حبيب قال ابن الماجشون فيمن أعار لأبن أخيه مضمداً ثم امتنع عن رده وقال هو لأبى، فحلف عمه ما هو إلا مضمدى عملته بيدى ثم ذكر أنه لم يعمله وأنه أخذه معاوضة من مضمد عمله بيده، قال هو حانث لأنه أراد بذكر عمل يده ليكون شاهداً لتصديقه، وقال اشهب لا شىء عليه.
ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه سئل عن رجل ألا ينام زيداً ولا يواكله ولا يشاربه، فكان الحالف يشرؤب وزيد لا يشرب قاعد لا يشرب معه، وغذا أكل لا يأك معه على مائدة، ويعطى زيد طعاما فى صفحة فيتنحى فى ناحية البيت يأكل فغذا اراد أن يشرب خرج بالشراب فشرب خارجا ثم يعود فيقعد مع الحالف، قال لا أراه إلا وقد حنث، والحالف فى مثل هذا إنما قصده ترك ما كان عليه مع صاحبه وما هذا بترك.
[4/ 70]

(4/70)


ومن كتاب ابن المواز قال مالك: من حلف لا يأكل فى المسجد شيئا من ماله، فكان ياكل فيه من طعام أصحابه، فخرج على باب المسجد فأعطاه رجل قرصة فدخل المسجد فأكلها فيه فلا يحنث، قيل قد صارت من ماله قبل أكله. وقال وهو إذا رفع اللقمة فى أكله مع صاحبه صارت من ماله، وذكرها العتبى عن أصبغ عن أشهب، وأنها نازلة سئل عنها أشهب.

باب آخر
من رد الحالف إلى المقاصد والمعانى
وما يدخل فى ذلك من الغلط والنسيان
من كتاب ابن حبيب قال مطرف فى رجل قال لرجل بلغنى أنك رفعت على للساعى أن عندى صدقة، امرأتى طالق لأرفعن عليك، فحلف له ما فعل، فترك أن يرفع عليه حتى عزل الساعى، قال لا شىء عليه لأن مراده إن كان فعل، فلما خبر علم أن ذلك لم يكن فلا شىء عليه. وقال ابن الماجشون قد حنث لأنه حلف على تصديق من أخبره ولا ينفعه غن رفع عليه عند ساع آخر.
قال ابن حبيب غن تحقق عنده أنه لم يرفع فأستحب قول مطرف، وغن شك فقول عبد الملك أحب إلى.
قال ابن الماجشون: ومن ابتاع ثوبا فدفع الثمن إلى أخى البائع منه يظن أنه مبايعة فطلبه البائع فقال له دفعت إليك فأنكر فحلف بالطلاق لقد دفعت إليك، فقال لعل إلى أخى فاعترف، فقال الحالف ما ظننت أنى دفعت إلا ألى الآخر، قال لا شىء عليه لأن مقصده لقد برىء منه وما حاسبه.
ومن المجموعة قال ابن القاسم فيمن اشترى ثوبا بدينار ودرهم فاراد بيعه مرابحة فاستحلفه مبايعة بكم أخذته، فحلف بالطلاق لقد أخذته بدينار ونسى الدرهم فلا شىء عليه لأن مقصده لم يشتره بأقل من دينار ولم يقصد إلى أكثر.
[4/ 71]

(4/71)


وقال ابن نافع عن مالك فيمن ضاع له كتاب بذكر حق فساله البينة تجديده فتوقفوا فحلف بالطلاق ما يعلم أينه وما هو فى بيتى، ثم وجده فى بيته، قال لا شىء عليه إذا كان مراده أنه لا يدرى مكانه ولا أنه عنده، يريد فى علمه، وأنه لم يكن يكتمه. فيرجو أن لا شىء عليه.
ومن كتاب ابن المواز: ومن واجر عبداً سنة فحلف له العبد بالطلاق ما خرجت من عندك فأراد مستاجره أن يخرجه ويعطيه الإجارة كلها فذلك له ولا حنث على الأجير إن لم يقبل ذلك منه، ولكن لا يعمل عند غيره لأجل يمينه. قال مالك فى امرأة كانت تبيت مع عمها فى سطح ثم نزل ليلا يضيق عليها فحلفت بالحرية ليبيتن معها فى السطح ففعل، ثم مرض فنزل إلى الكن، قال فلتنزل هى فتبيت معه. قال ابن القاسم لا شىء عليها إن لم تنزل، وإنما أرادت وجه الضيق لا وجه المن.
قال مالك فى المطلوب يطلب منه اليمين فحلف بالطلاق لأحلفن لك فى الجامع، فمضى معه فكلم فيه فحلف معه فى بعض المساجد فلا شىء عليه.
ومن العتبية روى أشهب عن مالك فيمن سأل النقيب امراتك حاضرة فحلف بالطلاق إن لم تكن فى البيت وقد كان تركها فى الحجرة فلا شىء عليه، الحجرة يكون فيها الإذن ويقطع من سرق منها. أرأيت لو كانت فى الخزانة أو فى المغتسل.
[4/ 72]

(4/72)


ومن كتاب ابن المواز وقال ابن عبدوس فيها عن سحنون: وهذه المسألة على البساط. قال عيسى عن ابن القاسم فيمن دعا صباغاً يصبغ له شيئا فى بيته فقال لا آخذ منه شيئا فحلف ليعطينه فذهب به إلى داره فوجد صباغا آخر يصبغ ذلك وأدخله حين جامعه فانصرف المحلوف عليه فغن كان هو الذى رجع وأنى العمل من غير ان يرده رب الدار لم يحنث، وإن رده ولم يتركه يعمل فليعطه وإلا حنث. قال وإن نوى لأعطينك إن لم يكن عمل فله نيته، وإن لم تكن له نية حنث غن لم يعطه.
ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه قال فيمن حلف ليقيدن غلامه سنة ثم مات الغلام فلا شىء عليه، لن مقصده فى يمينه إن عاش. وقد قال مالك فى الحالف لا وطئها حتى يفطم ولدها فمات الولد قبل ذلك فلا شىء عليه لأن معناه إن عاش، وإن كان نيته حولين كاملين دخل عليه الإيلاء.
وقال فيمن له صك بدين فتلف فسأل البينة الشهادة فأبوا فحلف بالطلا قلا يعلم موضعه وما هو فى بيته ثم وجده فى بيته فلا شىء عليه لأنه إنما أراد فى علمه وإن لم يكن ذلك لحنث.
قال عيسى عن ابن القاسم: ومن حلف لأقضينك حقك غداً يوم الجمعة وكذلك يظنه وهو يوم الخميس فغن لم يقضه فيه حنث. وكذلك لو قال يوم الجمعة غدا لأن عجل يمينه على غد يعنى التعجيل. وفرق أهل العراق بين قوله غداً الجمعة والجمعة غدا، وهذا باطل. قال أصبغ إلا أن يستثنى يقول إن كان غدا الجمعة استثناءً يتكلم به يسمع نفسه وإلا لم ينفعه. وقاله كله سحنون فى كتاب ابنه.
[4/ 73]

(4/73)


ومن المجموعة: ابن نافع عن مالك فيمن باع لرجل بعيراً وحلف له بالطلاق إن ذهب من دراهمك شىء إلا درهماً ونصفا ثم ذكر أنه بقى عند الصراف قيراط حين وازنه أبى أن يعطيه إياه، فغن أراد أنه لم يخنه ولا ذهب له شىء فلا شىء عليه.
وروى ابن القاسم وابن وهب عن مالك فيمن حلف لا يشهد لرجل من أهل حبس فى ذلك الحبس فساله غيره من أهل ذلك الحبس أن يشهد له، قال لا يفعل إلا أن يجيره السلطان على ذلك.
ومن كتاب ابن المواز: ومن حلف بالطلاق لا أسلف رجلا إلا نصف دينار فتسلف الحالف لنفسه ديناراً فأسلفه للرجل قال قد حنث.
وفى كتاب العتق مما جرى فى الأيمان به كثير من معنى هذا الباب ومعنى الذى قبله، وفى غيره شىء من أبواب مختلفة فى وجود الأيمان.

وهذا باب أيضا فيما يرد فيه الحالف إلى نيته
من المجموعة ابن القاسم عن مالك فيمن حلف ألا ينكح عبده، فنكح بغير إذنه، فغن لم تكن له نية حنث، وإن نوى بإذنه لم يحنث. ومن حلف لا يختلى بامرأنه فاختلاها فى بيته وقال نويت فى بيتها فذلك إلى نيته. ومن حلف لامرأته أن لا يتهمها بأحد من ولد أبيه ثم ذكر أن رجلا ولدته امرأة من ولد أبيه وإنما نيته على فخد من ولد أبيه فذلك إلى نيته ولا شىء عليه.
ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن ابتاع لامرأته ثوبا بدينار فسخطته فحلف بالطلاق لئن رددته إن كسوتك ثوباً بدينار، ينوى بأكثر أو
[4/ 74]

(4/74)


بأقل، فذهب ليرده فلم يقبل بائعه أو بدا لهذا فى رده فلا شىء عليه حتى يقبله بائعه. ولو حلف ليردنه فلم يقبله بائعه لكان قد حنث. وإن كان البائع حلفه ألا يرده عليه فرده عليه فلم يقبله لحنث، لأنه إنما كره رده وشغبه، فهذه وجوه تختلف فتحل على سببها ومساقها.
قال ابن سحنون عن أبيه إذا رده ولم يقبله البائع فقد لزمته اليمين. وروى موسى عن ابن القاسم فى رجل تأتيه نفقته ونفقة امرأته من أبيه فحلف بالطلاق لإن أنفقت عليك اليوم فأتى من عند أبيه فى اليوم طعام فتأكله، فغن كان مما لو شاء منعه فقد حنث، وإن كان لا يقدر على منعه دين. فإن نوى من عندى لا ما يجرى أبى فلا شىء عليه، وغن أراد تلك النفقة التى يبعث الأب فقد حنث وهو لا يقدر على منعه، وإن لم تكن له نية وهو لو علم به لم يقدر على منعه فى شىء عليه.
وروى أبو زيد فيمن قال لأمته إن لم ألتمس الولد منك فأنت حرة، أو لأمرأته فأنت طالق، فقال أشهب لا شىء عليه إن لم يعزل، وله أن يبيع بعد الوطء. قال أصبغ فيمن أنكح ابنته بمائة دينار مهراً فحلف بالطلاق إن نقصه منها شيئا ثم ناداه على أن لا يتبعه بنقد ولا كالىء وادعى أنه إنما أراد أن لا يبتنى بها إلا بتمام المائة، قال يدين إذا خرجت يمينه على ذلك وعلى نيته فيه ولا يحلف، ولو استحسن قائل اليمين لم أر به بأسا. قال لو نكحها ثانية بأقل من مهر مائة حنث، كمن باع سلعة ثم سأل أن يحط فحلف لا باعها منه يريد ليفاسخنه ففاسخه فلا ينبغى له أن يبيعها منه بشىء، فإن فعل حنث.
[4/ 75]

(4/75)


ومن المجموعة قال ابن القاسم عن مالك فيمن قال لامرأته بعد أن بانت منه إن مسست امرأة ما عشت فهى طالق، فتزوجت ثم طلقها أيتزوجها؟ قال نعم إن شاء، وأما غيرها فلا ما عاشت، لأنه حلف بعد أن فارقها. وإن كانت يمينه وهى عنده لنوى إن أرادت ما عاشت عندى ولم أرد أن أفارقها وأقيم بلا شىء. قيل لابن القاسم فيمن حلفلا يتزوج ثبيا فتزوج بكرا قد طلقت قبل البناء، قال أن نوى أن لا ينكح من نكحت قبله فلا يتزوجها، وإن نوى تزويج الأبكار لنهن أنتق أرحاماً وأعز خلقاً فله أن يتزوجها.

فيمن حلف على فعل شىء أو تركه
هل يبرأ ويحنث بفعل بعضه أو تركه؟
قال أبو محمد: من قول مالك وأصحابه ان يحنث الحالف أن لا يفعل بأقل الفعل، وأن الحالف لا يفعل كذا لا يبر إلا بفعل جميعه، لأن من حلف أن لا أكل هذا الرغيف فأكل جزءاً منه محلوفاً عليه الا يأكله فما أكل منه حنث به. وإذا حلف ليأكلنه فلا يبر إلا بأكل جميعه، لأن كل جزء منه محلوف عليه ليأكلنه، فباقيه لم يبر فيه، إلا أن ينصرف اللفظ عن ظاهره بمعنى يقصد إليه وينويه. قال سحنون فى العتبية قال أبو يوسف للمغيرة لم قلتم فيما حلف بالطلاق ألا ياكل هذه البيضة فاكل بعضها إنه يحنث وإن حلف ليأكلنها لم يبر إلا بأكل جميعها؟ فقال: ذلك يجرى على بساط الكلام ومعانى الإدارة. فلو أن رجلا يكره أختا له ويباعدها فحلف بالطلاق لا أكل لها بيضةً فبعثت إليه بيضة
[4/ 76]

(4/76)


لحنث بأكل بعضها إلا أن يعلم أنه كره أمرها إلا أن يدل بساط على مقصده. ولو كان به ضعف فداووه من يكرمه من أهله على أكل بيضة تقويه من ضعفه وقالوا لنا تصبر لنا على أكلها ولا بد منها فأكل بعضها فلا يحنث لأنه قصد كراهيته إيعابها لمشقة الأكل عليه لا لكراهية أكل شىء منها.
قال مالك فى كتاب ابن المواز من حلف لا أكل هذا القرص كله فأكل بعضه فقد حنث ولا ينفعه قوله كله.
قال سحنون فى كتاب ابنه فى الطلاق فيمن حلف ألا يهدم هذا البئر بالطلاق فهدم بعضها إنه حانث قال إلا أن يشترط فيقول إن هدمتها كلها فهذا لا يحنث إلا بهدم جميعها.
ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن قال إن صلى ركعتين فامرأته طالق فصلى ركعة ثم قطع أو أحرم ثم قطع فقد حنث، وكذلك يمينه لا صام غداً فبيت الصوم حتى طلع الفجر فقد حنث وإن أفطر. قال مالك في الحالف بالطلاق ليتزوجن على امرأته فلا يبر بالعقد دون البناء، فإن قال إلى شهر فتزوج في الشهر ودخل بعده فقد حنث، ولو قال إن تزوجت لحنث بالعقد.
قال المغيرة في المجموعة في الحالف ليتزوجن فلا يبر بالعقد إلا أن يكون له بساط. وفي سماع أصبغ قال أصبغ حلف لا لبس لامرأتة ثوبا، فلما أدخل طوقه في عنقه عرفه فنزعه، أو حلف لاركب دابة فلان فأدخل رجله في الركاب
[4/ 77]

(4/77)


واستقل عن الارض وهم أن يقعد على السرج ثم ذكر فنزل، فروى ابن وهب عن مالك أنه حانث، قال ولو ذكر حين استقل من الارض ولم يستوعليها فلا شيء عليه إلا أن يكون استوى عليها. ومن سماع ابن القاسم وعمن حلف في رجل شتمه ليكتبن بينة عليه ويرفعها فهل يبر برفعها دون خصومته قال لاحتى يخاصمه ويقاعده. ومن دعته امرأته إلى الفرقة فقال إذا أخرجت إلي التاع الذي لي عندك فأنت طالق، فرضيت فأخرجت بعضه ثم ندمت فقد لزمه الطلاق ولتخرج باقيه.
وروى عيسى عن ابن القاسم قال مالك فيمن حلف بالطلاق ليتزوجن على امرأته امرأة يمسكها سنة، فتزوج امرأة أمسكها أحد عشر شهرا ثم ماتت، قال يتزوج أخرى يمسكها سنة مبتدأة. وقال سحنون يجزيه أن يحسبها بقية السنة الأولى.
قال ابن القاسم: ومن حلف ليتزوجن عليها إلى سنة فتزوج قبل السنة فماتتقبل السنة ولم يبن بها فليتزوج أخرى قبل السنة ويدخل بها قبل السنة وإلا فقد حنث، كانت التى تزوج حية أو ميتة، وإن دخل بها قبل السنة بر.
وعمن باع من رجل سلعة ثم سأله رجل أبعتها؟ فقال لا، فقال إن كنت لم تبعها فامرأته طالق، فإذا هو باع أكثرها وبقى اليسير، قال هو حانث. ومن سماع أبى زيد عن ابن القاسم: ومن حلف بطلاق زوجته إن أعطيتنى الوديعة التى عندك فأعطته مائة فقال بل هو مائتان، قال يحنث، وهو فيما بقى مدع: ولو قال أنت طالق إن أعطيتنى المائة التى أودعتك فوعدته ثم أعطته خمسين ثم امتنعت، قال تغرم الخمسين الأخرى بإقرارها وقد حنث، وإن جحدت فلا شىء عليها وتطلق عليه.
[4/ 78]

(4/78)


ومن حلف بالطلاق ليتسرى عليها فاشترى جارية فوطئها، قال فقد برىء قال يريد بالوطء مراراً كمن يريد حبس جارية. قال ابن القاسم مرة أو مرارا سواء أراد حبسها أو لم يرد.
ومن كتاب ابن المواز والعتبية من سماع ابن القاسم وعمن أرادت زوجته أن تخرج إلى أهلها فحلف لتبيتن معه هذه الليلة فى هذا البيت فباتت فيه فخرجت إلى دكان بباب البيت فباتت عليه وإنما نيته لا تذهب إلى بيت أهلها، قال يحلف بالله ما أراد إلا ذلك ولا أراد أن لا تخرج من البيت ولا شىء عليه.
ومن كتاب ابن المواز وعمن خطف كتاباً من رجل فحلف ربه لا يقرأه وحلف الخاطب لامرأته فتجاذباه فبقى فى بعضه فقرأه فقد حنث جميعا. وكذلك رواها أبو زيد عن ابن القاسم فى العتبية وقال ولو قرأه الخاطف كله لم يحنث.
قال ابن القاسم: ومن حلف لا باع دابته حتى تأكل الربيع فأكلته يوما أو يومين فلا شىء عليه إلا أن تكون له نية. قال أصبغ ليس هذا المقصود ولا يبر حتى تقيم ماله بال ونجع ونفع إلا أن ينوى اليوم واليومين. وكذلك الحالف ليهدمن بئرا فلا يبر بهدم حجرين وثلاثة إلا أن تكون له نية وإلا لم يبر إلا بهدم جميعها أو بهدم ما هدمه إبطال وفساد، وهو قول مالك فى البئر، وكذلك رواها العتبى
[4/ 79]

(4/79)


وذكر أيضا قول ابن القاسم من رواية عيسى. قال عيسى قلت فإن أراد ناحية السمن فلم تسمن أفيه حد؟ قال إلى ما تسمن فى مثله.
ابن المواز: ومن حلف بالطلاق ليقرأن القرآن اليوم أو سورة كذا فقرأ ذلك ثم ذكر أنه أسقط حرفا، فإن حلف وهو يعلم أنه يسقط مثل ذلك حلف وله ما نوى، فإن جاء ما لا يعرف من الخطإ الكثير أو ترك سورة فهو حانث.
ومن المجموعة ابن القاسم: ومن حلف إن كان فى كمه دنانير أو قال إن كان الذى فى تابوته فسطاطى ومروى وغيره فهو حانث، وسواء قال إن كان الذى أو قال إن كان فى كمى، وكذلك إن كان إن قال فى بطنك جارية فولدت غلاما وجارية وكذلك روى عنه عيسى فى العتبية قال وقاله أشهب.
قال العتبى: ورواه أبو زيد عن ابن القاسم فيمن حلف لا وطىء فرجاً حراماً أبداً فأخذ جارية امرأته فضمها إلى صدره وجعل يده على محاسنها أو قبلها حتى أنزل فقد حنث ولا ينوى أنه أراد الوطء نفسه.
ومن كتاب ابن المواز ومن حلف لا تسرر على امرأته فجرد جارية له ووضع يده على ملاذها فليس ذلك بيمين، وإن حلف لا خرجت إلى بيت أهلها فخرجت فردها قبل أن تصل فقد حنث، وإن ردها قبل أن تحرم لم يحنث. قال ابن المواز يحنث بخروجها إلى الحج وإن لم تحرم بخلاف قوله إن حجت.
ومن كتاب ابن حبيب: ومن حلف أن لا يحج أو حلف على غيره وهو من أهل الأمصار فإنه إذا توجه إلى الحج حنث ولا ينتظر به أن يحرم، وإن كان منزله قريباً من المواقيت فحتى يحرم.
[4/ 80]

(4/80)


قال ابن سحنون عن أبيه فيمن حلف بالطلاق ليخرجن اليوم إلى القيروان فخرج، فلما كان ببعض الطريق رجع فى حاجة ثم قعد فى بيته فلم يخرج حتى غربت الشمس من يومه. قال إن كان إنما أراد تهديد من يهمه خروجه يريد ليخرجن غلى الطريق لا يريد مضياً فله نيته إن لم تكن عليه نية، فإن كان عليه بينة أحنث، وكذلك إن لم تكن له نية حنث.
وسئل سحنون عن رجل حلف لا خرج مع أمه إلى موضع كذا حتى يخرج معها ختنها، فخرجت إليه مع ابنها وختنها ثم رجع الختن بعد أن سار يومين معها. قال إن خرج ابنها معها من ذلك الموضع فقد حنث.

وهذا باب من نحو ذلك
فيمن حلف لا دخل فلان إليه فأدخل رجله أو رأسه
أو لا خرجت امرأته فأخرجت مثل ذلك
من العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن حلف بالطلاق لا دخل فلان على امرأته فأدخل رجل ثم ذكر ورجع. قال مالك فقد حنث كمن حلف لا أكل رغيفين فأكل أحدهما.
ومن حلف لا خرجت زوجته من عتبة الباب فأخرجت إحدى رجليها ثم ردتها قال قد حنث.
وروى ابن وهب ذلك عن ابن عمر وسعد بن أبى وقاص. قال يحيى بن عمر: وقد قيل تعيد رجلها موضع كانت، فإن منعته من غلق الباب حنث وإلا لم يحنث، وهو أحب إلى.
[4/ 81]

(4/81)


ومن الواضحة قال ابن الماجشون فى الحالف لا يدخل هذه الدار أو هذا البيت فأدخل رجلا واحدة، فإن كان وقوفه عليهما جميعا لم يحنث، وإن كان وقوفه على الداخلة وقد أقل الخارجة ليدخل ثم ذكر فخرج فقد حنث، ولو كانت رجلاه خارجاً وأدخل يده أو رأسه أو صدره فلا شىء عليه وليس ذلك بدخول. وإن كان مضطجعاً فأدخل رجله او رجليه أو رأسه فلا شىء عليه وليس بدخول لأن اعتماده فى الاضطجاع على يديه فإن أدخل رأسه وصدره حنث لأن هذا جل البدن الذى عليه اعتماده، وكذلك لو أدخل أسلفه إلى وسطه مما هو جل بدنهحنث. واستحسن ذلك كله أصبغ وأخبرنى عن ابن القاسم وابن وهب أنهما قالا إن وضع رجله من وراء الباب إذا غلق أو فى موضع من العتبة يمنع الباب الذى ينغلق فقد حنث. قال أصبغ وقال ابن الماجشون أحب إلى.
وذكر حديث ما ذكرنا من قول ابن عمر وسعد بن أبى وقاص، وذكر عن الحسن قال: إن أدخل رأسه لم يحنث حتى يدخل الرجلين جميعا.
ومن المجموعة ذكر مسألة عن ابن القاسم من حلف لا دخل هذه الدار فهدمت وصارت طريقا فدخلها أنه لا شىء عليه. قال وقال مالك إلا أن يكون ليمينه سبب يعمل عليه. وكذلك الحالف لا اكل القمح فلا يحنث بأكل الخبز منه إلا على هذا المعنى. قال ابن حبيب عن ابن الماجشون فيمن حلف لا دخل على زوجته إلى الهلال فوقف على الباب فكلمها فلا يحنث بذلك.
[4/ 82]

(4/82)


فيمن حلف على فعلين على نفسه أو على غيره
ففعل أحدهما
أو قال لأمتيه أو زوجتيه إن دخلتما فدخلت واحدة
أو لأمته إن دخلت الدارين فدخلت إحداهما
من المجموعة وكتاب ابن المواز قال مالك: من حلف ألا يأكل شيئين فأكل أحدهما أو لا يفعل فعلين ففعل أحدهما فهو حانث. قال ابن القاسم وإن حلف لا أكل خبزا بزيت أو بجبن فأكل أحدهما حنث إلا أن تكون له نية، وإن كره جمعها لم يحنث إلا بجمعها. وقال أشهب لا شىء عليه إن أكل أحدهما.
ومن المجموعة ابن القاسم عن مالك فى الحالف على امرأته إن دخلت الدارين فإنه يحنث بدخولها فى إحداهما ثم لا شىء عليه إن دخلت الثانية. قال عنه ابن وهب ولو قال لا دخلت المسجد ولا كلمت فلانا ولا فعلت كذا ففعل شيئا واحداً من ذلك فقد حنث ثم لا شىء عليه إن فعل ما بقى. وقال أشهب يحنث بدخول لزوجة أو الأمة إحدى الدارين، وكذلك فى أكل الرغيفين يحنث بأكلها أحدهما أو بعضهما. وإن حلف إن لم تدخلى لم يبر إلا بدخولها الدارين وأكلها الرغيفين، إلا أن ينوى فى يمينه أن لا تستوعبها أكلا ولا تدخلهما جميعا لكن أحدهما فله نيته ويحلف، كذلك لا كسوتك هذين الثوبين وكساها أحدهما يحنث إلا أن تكون له نية أن لا يجمعهما لحاجته إلى أحدهما. وفى رواية ابن القاسم أنه وإن أراد أن لا يكسوها جميعا فهو حانث.
[4/ 83]

(4/83)


ومن العتبية قال عيسى عن ابن القاسم فين قال لامرأتيه إن دخلتما هذه الدار فأنتما طالقتان فدخلتها واحدة فإنهما تطلقان، كقول مالك إن لو قال لا دخلتما دارين فدخلتهما واحدة أنهما تطلقان. وكذلك من اكل القرصين. وعاب قول من قال تطلق الداخلة فقط وقال لم يقله مدنى ولا أهل المشرق. ومن كتاب ابن المواز: ومن حلف بطلاق زجاته أو لأيمائه بعتقهن لا دخلن داراً فدخلتها واحدة فإنه يحنث فى الداخلة، وقاله أشهب فى المجموعة. وروى عيسى فى العتبية عن ابن القاسم قال تطلق نساؤه أجمع وتعتق إماؤه بدخول إحداهن.
وقال فى المدونة لا شىء عليه حتى يدخلن كلهن.
ومن المجموعة قال أشهب فيمن قال لعبديه إن دخلتما هذه الدار فأنتما حران إن لم أضربكما عشرين عشرين، فدخلها أحدهما فيلزمه فيه اليمين، ثم إن لم يضربه عشرين عتقا جميعا، ولا يلزمه ضربهما بدخول أحدهما. ثم إذا دخل الثانى لزمه بدخوله مثل ذلك. وقال أشهب فيم قال لعبديه أنتم حران إن كلمتما أباكما وكلمه أحدهما فلا يعتق إلا هو. وعاب قول من قال يعتقان بذلك وقول من قال لا يعتقان حتى يكلماه، وقال أرأيت إن قال إن أهديتما إلى كل واحد منكما فرق أرز فأنتما حران فأهداه أحدهما فلا يعتق إلا هو. وإن قال إن شئتما العتق فأنتما حران فشاء العتق أحدهما فهو وحده يعتق، وكذلك فى الطلاق والتمليك فى مشتبه الزوجتين. قال ابن القاسم عن مالك فيمن عليه حق لرجلين فحلف لأقضينكما رأس الشهر إلا أن تؤخرانى فأتى فى الأجل بنصف الحق فقضاه أحدهما ووخره الآخر، قال لا شىء عليه.
[4/ 84]

(4/84)


ومن كتاب ابن المواز: ومن حلف بالطلاق على رجلين إن لم يأكلا طعامى إن أكلت طعامها أبداً، فأكل أحدهما فله أن يأكل طعام الآكل لطعامه ولا يحنث وإن لم تكن له نية.
ومن العتبية من سماع ابن القاسم وعن من كسا امرأته ثوبين وأقرهما عند الخياط فطرح إليها أحدهما فكرهته فقال إن رددتهما إلى فأنت طالق إن رجعا إليك إلا بقضية من السلطان، فردته إليه فرده إليها ثم ردته إليه، فقال قد حنث. قال إنما نويتهما كليهما قال لا ينفعك، أرايت لو كانت عشرة فردت تسعة ألم تحنث؟

فيمن حلف لا أكل شيئا فذاقه أو أكله مخلوطا بغيره
أو قال لا أكلته حتى يأكله فلان فأكلا جميعا
أو حلف إن هذا لفلان فإذا هو له ولغيره
من كتاب ابن المواز قال: والحالف على الشىء أن لا يأكله لا يحنثبذوقه ويحنث بما جاوزه.
ومن حلف لا أكل سمنا فأكل سويقا بسمن فقد حنث، وجد فيه طعمه ورائحته أو لم يجد، إلا أن ينوى السمن خالصا. وقيل إن كان سبب يمينه مضرة السمن له حنث، وإن كان لأنه قيل له إنك تشتهيه لم يحنث، وذكر ابن عبدوس هذا عن أشهب والأول عن ابن القاسم.
قال أحمد بن ميسر: إذا لم يجد طعم السمن لم يحنث بحال.
[4/ 85]

(4/85)


وقال ابن القاسم فى الحالف لا أكل خلا وأكل مرقا فيه خل إنه لا يحنث إلا أن ينوى أكل طعام دخله الخل.
قال ابن المواز وأحب إلى أن يحنث إلا أن تكون له نية، وقاله ابن حبيب.
ومن كتاب ابن المواز وفى العتبية من رواية أبى زيد عن ابن القاسم: فإن حلف لا يأكل هذا الطعام حتى يأكله فلان فأكلاه جميعا فهو حانث، إلا أن يريد حتى يأكل معى. وكذلك إن حلف لا يشترى ميمونا حتى يشترى مباركاً فاشتراه فهو حانث، إلا أن تكون له نية. وكذلك لا نكحت فلانة حتى أنكح فلانة فتزوجهما معا.
ومن المجموعة قال ابن القاسم فى رجلين بأيديهما كتاب فحلف هذا أنه لفلان وحلف الآخر أنه لفلان فإذا هو كتابهما جميعا فالحالفان حانثان.

فيمن حلف لا شرب خمرا فشرب نبيذا مسكرا
من كتاب ابن المواز، يعنى مالكاً، ومن حلف لا يشرب خمرا بعينها فما شرب مما يسكره كثيره حنث به ما أسكر كثيره وغيره أو مطبوخ وغيره. وكان ابن القاسم ينويه فى الفتيا.
قال غيره فى المجموعة ولا ينوى فى قيام البينة.
قال ابن المواز وليس ذلك بشىء ولو نفعته البينة لنفعه قوله الخمر بعينها مع رفع النية لأن القول قوله، وكذلك قال ابن حبيب وذكره عن مالك.
[4/ 86]

(4/86)


محمد وقال مالك فيمن حلف لا شرب وقال نويت عصير العنب إنه ينوى، وقاله ابن القاسم ونحن نرى أنه يحنث حتى يقول عصير العنب إفصاحاً. قال فى المجموعة عن ابن القاسم مثل ما ذكرنا عنه أولاً، قال أشهب هو حانث.
ومن المجموعة روى عيسى عن ابن القاسم فيمن أخذ وبه رائحة شراب فحلف بالطلاق أنه ما شرب خمراً فشهدت بينة أنه رائحة مسكر، فقال أردت الخمر بعينها، قال ينوى والقول قوله. ولو حلف لا شرب مسكراً حنث بكل مسكر.
قال عنه عيسى: إذا حلف لا شرب الخمر بعينها فشرب الطلا، فإن كان لم يبلغ أن يسكر، يريد من الطبخ، وكان يسكر كثيره حنث، إذ لا يخرجه من السكر غير طبخ يعود به لا يسكر فأما إن شرب غيره من ما يسكر فينوى فى الفتيا لا فى القضاء.
وقال فى الواضحة عن مالك مثل ما ذكر ابن المواز عن مالك وما نقله ابن المواز.
قال ابن حبيب: والخمر اسم جامع، فالتخصيص منه من ناحية الاستثناء الذى لا يجوز بالنية دون اللفظ. قال ومن حلف على شىء ولم يعينه فى يمينه وله مذهب يذهب إليه بنيته غير الذى حلف عليه فله نيته فى الفتيا لا فى القضاء. ومن حلف أن لا يشرب خمراً فشرب نبيذاً حلواً خلط بشىء من دردى المسكر أو الخمر أو درديه فهو حانث، وقاله كله أصبغ وذكر ابن سحنون عن
[4/ 87]

(4/87)


أبيه مما روى عن ابن القاسم فى الحالف لا شرب فشرب طلا أو نبيذ عسل فسكر وقال نويت الخمر بعينها أنه حانث.
وقال سحنون لا أرى عليه حنثا. قلت فإن لم تكن له نية؟ قال لا حنث عليه، لأن مقاصد الناس فى الأيمان فى هذا إنما هى على الخمر بعينها.

تم الجزء الأول من الأيمان
والنذور من كتاب النوادر
بحمد الله تعالى وحسن عونه
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم

[4/ 88]

(4/88)