النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات

بسم الله الرحمن الرحيم

الجزء الرابع
من الأيمان والنذور
فيمن حلف بحرية عبده ثم عاد إليه
وما تعود فيه اليمين من ملك ثان
من المجموعة قال ابن القاسم فيمن حلف بحرية عبده لا كلم رجلاً فباعه ثم كلمه. قال فى كتاب ابن المواز إن حلف لا أتزوج بحريته فباعه ثم تزوج، قال فى الكتابين ثم رد عليه بعيب إنه يحنث، وإن أدى إلى المبتاع قيمة العيب حنث، وإن رضى المشترى بعيبه لم يحنث.
قال أبو محمد: وقد ذكرنا فى باب الحالف ليبيعن عبده فيمن حلف ليبيعنه إلى أجل فباعه بعيب دلس به ثم رد عليه بعد الأجل قول أشهب إنه حانث وقول ابن الماجشون إنه لا يحنث لأنه كان فى ضمان المبتاع، ورده كبيع ثان، وأصل أشهب أن الرد بالعيب نقض بيع فى الاشتراء.
ومن الواضحة: ومن حلف بحرية عبده على شىء ألا يفعله، فباعه ثم رجع إليه بميراث، فلا شىء عليه إن فعله. وكذلك إذا كان بيعه أو ابتياعه لحادث يرتفع
[4/ 231]

(4/231)


فيه الثمن مثل أن يباع فى تفليس ثم يشتريه أو يوهب له فيقبله أو يبيعه طوعا ثم يفلس مبتاعه فيباع عليه فيشتريه الحالف فلا شىء عليه، كان قد باعه من هذا المفلس أو وهبه له. وكذلك لو باعه من رجل أو وهبه له ثم مات فباعه ورثته من الحالف أو وهبوه له فقبله فلا شىء عليه فى هذا كله من يمينه إن فعله، ولا تعود عليه اليمين فى هذا كله. كذلك فسر لى ابن الماجشون، وذكر له قئل مالك والمغيرة وابن دينار وابن أبى حازم ولم يكن فيه عند المصريين إلا مثل قول ابن القاسم.
يعنى ابن حبيب ومن حكى عنه هذا القول أن اليمين ارتفع عنه لمثل هذه التهمة والمضايقة حتى إذا باعه هو ثم ابتاعه فإنه تعود عليه اليمين، وابن القاسم يخالف ذلك. وقال ابن حبيب وإنما تعود عليه اليمين فيما يتكرر فعله مثل اليمين، مثل يمينه ألا يزوج فلانا ولا يدخل من داره فيبيعه ثم يزوج فلانا ويدخل من داره ثم يشتريه فلا شىء عليه، باعه أو اشتراه على أى وجه. وهو قول مالك وأصحابه.
وفى الباب الذى يلى هذا شىء من ذكر عودة إلى اليمين فى الملك الثانى.

فى الحنث هل يتكرر فى اليمين الواحدة؟
وشىء من ذكر تكرير اليمين ومن عودته
ومن حلف لا فعل كذا على شرط
ففعله على غير شرط
ومن كتاب ابن المواز قال محمد: ليس يبر أحد ولا يحنث إلا مرة واحدة، فإذا وجدت له برا بفعل فيبر به سقطت عن اليمين، إلا أن ينوى أن ذلك كلما.
[4/ 232]

(4/232)


وكذلك فى يمينه فى خروج امرأته لا يحنث إلا مرة واحدة، إلا أن ينوى كلما خرجت. وكذلك إذا حنث مرة لم يحنث فى المستقبل.
ومن العتبية من سماع ابن القاسم: ومن حلف بطلاق امرأته البتة لا خرجت إلى أهلها إلا بإذنه ليضربنها، فخرجت فضربها، فإن خرجت ثانية فلا شىء عليه إلا أن يكون نوى ذلك.
ومنه ومن المجموعة ابن القاسم قال مالك وإذا حلف إن نام حتى يوتر فعليه صدقة دينار، فنام ليلة قبل أن يوتر، هل عليه إن نام ليلة أخرى شيئا قبل يوتر؟
قال ذلك إلى نيته، وما يريد أحد فى مثل هذا مرة واحدة إلا ينوى.
قال فى كتاب ابن المواز: ومخرج يمين الناس فى هذا على التكرير والاستدامة إلا ينوى مرة واحدة، وقاله ابن القاسم وأصبغ.
وأما الحالف لا خرجت امرأته إلا إلى ميت من أهلها، فمات منهم ميت فخرجت فليس من هذا. وهذا اليمين عليه أبداً أن لا تخرج إلا إلى ميت منهم.
ومن المجموعة قال مالك: وإن قال إن بت عندك فأنت طالق واحدة، فبات عندها فلزمته طلقة، ثم بات عندها، قال لا شىء عليه إلا أن ينوى كلما بات. وقاله أشهب.
وكذلك من حلف لا كلم فلاناً عشرة أيام، فكلمه فيها ثم كلمه فيها ثانية فلا شىء عليه، ولا يحنث إلا مرة واحدة.
ومنه ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: ومن حلف لا كلمتك ما دمت بمصر فسافر المحلوف عليه إلى الحج ثم رجع إلى مصر، فإن كلمه فلا شىء عليه. وكذلك إن قال لا دخلت عليك ما دمت فى هذا المنزل فانتقلت منه
[4/ 233]

(4/233)


ثم عادت إليه فلا يحنث إن دخل إليها، لأن تلك الإدامة قد ذهبت بانتقالها وهو كأجل ضربه.
قال فى كتاب ابن المواز: وقوله إن دخلت هذا البيت ما كانت فيه هو كقوله ما دمت فيه، ولكن هذا أثقل، وكأنه وقف ولم يعزم.
وقال ابن سحنون عن أبيه فيمن حلف لا يشرب النبيذ اثنى عشر شهرا ما دام باطرابلس، فأقام بها أشهراً لا يشربه ثم خرج إلى سفر فأقام فيه أشهراً ثم عاد إلى اطرابلس قال بينى على الأشهر التى أقام باطرابلس بعد يمينه تمام سنة لا يشربه، وإلا حنث.
قال ابن المواز: ومن حلف بالطلاق ثلاثا ليقضينه حقه، أو إن صالحت امرأتى أو طلقتها ثم ارتجعتها بعد الأجل ولم أقضه فهى طالق ثلاثا، فحل الأجل فلم يقضه فلا ينكحها إلا بعد زوج. وإن كان فى يمينه قال أنا طلقتها البتة ثم تزوجتها عند الأجل ولم أقضه فهى طالق فحنث فلا تحل له إلا بعد زوجين.
قال محمد ولو صالحها قبل الأجل تزوجها بعد الأجل وحنث لحلت له بعد زوج واحد.
ومن المجموعة ابن القاسم عن مالك فيمن حلف بالبتة لأقضينك حقك إلى سنة ثمحلف لآخر بالبتة ليقضين غلى أربع سنين، فحنث فى اليمين الأول ثم نكحها بعد زوج قبل الأربع سنين، قال حنثه فيها بالبتة أزال عنه كل يمين فيها. قال مالك فى الكتابين وإن حلف بالطلاق ثلاثا ليقضين حقه أول يوم من صفر وحلف لآخر لقضينك أول يوم من صفر أو فى اليوم الثانى، فإن هو لم يقضه ثم ارتجعها بنكاح بعد زوج فإنه أيضا يحنث فيها بالبتة، ولها نصف الصداق، فإن نكحت زوجاً ثانيا حلت بعده للأول وذلك بعد زوجين.
قال مالك وهو كمن قال لأمراة طلقها يوم أراجعها فهى طالق البتة.
[4/ 234]

(4/234)


ومن حلف بالطلاق ثلاثا ليقضينه حقه إلى ستة أشهر ثم عامل آخر وحلف له بالبتة ليوفين إلى سنة، فحنث فى الحق الأول ثم تزوجها بعد زوج قبل حلول الثانى، ثم حل الجل الثانى وهى عنده فهذا لا يمين عليه قد سقطت أيمانه.
ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن قال لامراته غن أمكنتنى من حلق رأسك فأنت طالق، فأمكنته فلم يحلق فإنها تطلق عليه، ثم إن أراد أن يلحق بعد ذلك فأمكنته فلا ينفعه، وقد حنث، يريد فى السؤال فلم أحلق.
ومن سماع ابن القاسم: ومن قال لامرأته أنت طالق البتة أنت طالق البتة إذ أذنت لك إلى أهلك، ثم قال أردن إسماعها بتكرير اليمين ولم أقطع كلامى، قال مالك أظنها بانت منه وقد ألبس وإن فيه لإشكال.
قال ابن القاسم يحلف أنه أراد أن يفهمها ويسمعها ولا شىء عليه. قال فى رواية عيسى: فإن لم ينو ذلك ويحلف فهو حانث، وإنما خاف مالك أن يكون نادماً يتدارك ما خرج منه.
ومن سماع أشهب: ومن قال إن كلمت فلانا فأنت طالق ثم قال مثل ذلك بعد أيام ثم قال بعد أيام أخرى ثم كلمه فلينو، فإن نوى واحدة يكررها ليفهمهما ويهددهما فهى واحدة ويحلف.
وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن حلف بالطلاق فى سلعة لا باعها من رجل، ثم حلف على آخر لا باعها منه، فباعها منهما فعليه طلقتان، وفى اليمين بالله كفارتان، بخلاف من كرر اليمين بالله فى أمر واحد.
ولو سأله رجل بيعها فحلف بالطلاق لا باعها ثم سأله هو أو رجل آخر فحلف لا باعها، فهذا إن باعها لزمته طلقتان إلا أن يريد واحدة بخلاف الأول.
قال أبو محمد عبد الله ابن أبو زيد رحمه الله لن تلك كفعلين.
[4/ 235]

(4/235)


قال محمد بن خالد عن ابن القاسم فيمن حلف بطلاق امرأته غن بنى بها حتى يوفيها صداقها فطلقها قبل البناء واحدة وأخذت نصف الصداق، ثم تزوجها بأقل من الصداق الأول فما كان يرجع فى تزويجه على بقية طلاق الملك الأول فالحنث يرجع عليه، وإن كان بتها ثم تزوجها بعد زوج فلا شىء عليه.
ومن سماع أشهب قال مالك فيمن أبق غلامه فحلف إن عاد ليضربنه، فعاد فلم يضربه، ثم عاد فضربه، قال أراه قد وقت وقتاً واحداً ذلك قد أخرجه من يمينه إذا ضربه ضرباً لا عذاب ولا دون.
ومن الواضحة قال ابن الماجشون: وإن حلف ليكسون أمته جبة صوف فكساها إياها ثم ندم على يمينه، فإن نوى وقتاً أبقاها إليه، وإن لم ينو شيئا حمل على بساط يمينه، فإن كان عندما طلبت قميصا فلا يبر حتى يأتى وقت الكسية المؤتنفة ولا بد لها من لبس الجبة فيما تسد الجبة مسده من القميص فإن يمينه على الأدب، فإذا أسمعها بها وقامت عليها حتى يعلم ذلك فلا شىء عليه فى زوالها.
ومن كتاب ابن المواز: وإن حلف لابنته إن استقيت من يبر فلان لأضربنك، فاستقت فضربها، ثم إن استقت بعد ذلك فلا شىء عليه.
وفى باب من عليه يمين فأراد أن يحتال فيها بشىء من ذكر عودة اليمين. وكذلك فى باب من حلف بحرية عبده فباعه ثم عاد إلى ملكه.
وفى باب من حلف لا خرجت زوجته إلا بإذنه شىء من ذكر تكرير الحنث.
[4/ 236]

(4/236)


فيمن عليه يمين فيريد أن يحتال لأن
أو ينقل ملكه عن ما حلف بصدقته
أو أراد تعجيل الحنث وما دخل فيه
من يمينه بعتق عبد ابنه
من العتبية من سماع أشهب: عن امرأة قلت لابنها انكح فلانة، فقال هى طالق إن تزوجتها إلا أن تعطينى عسرين دينارا، هل للأم أن تعطيه ذلك فإذا تزوجها ردتها منه، قال لا بأس بذلك. قل ابن نافع فى المجموعة وهذا غلط، ولا أرى أن يعمل عليه.
قال عبد الله بن أبو زيد: إنما يريد مالك أنها لم تواطئه على ذلك، ثم إنه أطاع لها بالرد بعد النكاح والله أعلم.
وعمن باع جارية فسأله المبتاع وضيعة ثلاثة دنانير فحلف لا وضع منه إلا أقل من دينارين ونصف، فقال أخو الحالف أنا أغرم ما بقى، فلا شىء على الحالف إذا صالحه الأخ من مال نفسه.
وعمن اشترى ثوبا بدرهم ورهن فيه خاتمه فطلب أخذ الخاتم فحلف الصانع إن خرج من عنده حتى يأخذ الدرهم وحلف ربه لا أعطاه إياه، فإن أراد الصانع ليأخذن الدرهم لا يبالى ممن أخذه فلو أن أجنبياً أعطاه درهما فذلك لهما مخرج.
ومن سماع عيسى قال ابن القاسم: ومن حلف بالطلاق طلقة واحدة وبالمشى والصدقة ليتزوجن على امرأته، فأراد ان يطلق امرأته واحدة ويطأها ويكون فى سعة من المشى والصدقة حتى يتزوج فيزول عنه، قال ذلك له. وعمن حلف لئن رئى
[4/ 237]

(4/237)


هلال رمضان الليلة إن صام غداً فخرج فى الليل مسافراً إلى ما يقصر فيه فأفطر فهو حانث إلا أن يكون نوى ذلك فيدين، وإن كانت عليه بينة فله نيته فى هذا.
ومن حلف بطلاق امرأته البتة ليطلقنها رأس الهلال واحدة، فله أن يعجل تلك الطلقة ويزول يمينه. ولو قال أنت طالق واحدة إن لم أطلقك فى الهلال واحدة، فإن عجلها زال عنه ذلك فى الهلال، فإن لم يفعل فهى تطلق عليه الآن بواحدة ولا يؤخر إلى الهلال.
ولو أوقف فى يمينه ثالثة لقيل له طلقها الآن واحدة وإلا طلقت عليك بالبتة. وروى أبو زيد عن ابن القاسم فيمن رهن أمته عند زوجته فخافت إن افتكها أن يطأها فحلف لها لئن افتكها ليتصدقن بها على ابنه، فأيسر فترك افتكاكها. قال أخشى أن يحنث، وقد قال مالك فى الحانث لأقضينك إذا أخذت عطائى فأمكنه أخذه فتركه أنه حانث.
ومن سماع أصبغ قال ابن القاسم عن مالك: وإن حلف بطلاق كل امرأة يتزوجها ما دام خليطا لأبنه فترك مخالتطه ثم تزوج ثم أراد أن يرجع فيخالطه، فاستثقله مالك.
وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن نازع رجلاً فى أرض فحلف لا صالحه فيها فأعطاه ما أدعى، قال لا يحنث إن أعطاه كل ما يدعى، فإن أعطاه بعضه حنث، وإن نوى أن لا يسلم إليه شيئا منه حنث.
ومن كتاب ابن سحنون: وقال فى الحالف ليفعلن كذا وكذا إلى أجل، أو قال إن فعلت كذا وكذا ويمينه بواحدة، فلا ينتفع بتعجيل حنثه، لأنه فى الأجل على بر، والذى قال إن فعلت كذا فعلى بر أيضا.
وأما لو قال إن لم يفعل كذا ولم يؤجل فله أن يحنث نفسه ويزول يمينه. وهذا المعنى فى آخر باب من الجزء الأول.
[4/ 238]

(4/238)


ومن المجموعة ابن وهب عن مالك فيمن حلف بعتق رقيقه فى شىء أن لا يفعله، أيتصدق بهم على ولده وأمه صدقة صحيحة ثم يفعل؟ قال لا، بل يبيعهم فى السوق. قال عنه هو وابن القاسم إن كرهه لامرأة حلفت بذلك أن تبيعهم من ولد أو زوج. وقال فى الذى حلف بذلك لا يصالح عن أخيه هل يسأل رجلاً أن يصالح عنه؟ قال لا أحبه. قيل فيهبهم لابنه قال لا، وقال أيضا فيه وقد حلف بذلك على وطء أمة فوهب الرقيق لابنه ما أراه له مخرجا. قيل فقد فعل ووطىء. فوقف وقال ما هو بمحرم.
قال أشهب إن تصدق بهم على بنيه الكبار صدقة صحيحة فلا شىء عليه، وإن تصدق بهم على ما يلى من ولده فقد حنث. كما لو أعتق عبد ابنه الصغير عن نفسه لعتق وودى قيمته، ولا يلزم ذلك فى عبد الكبير. ولو حلف بعتق عبد الصغير عتق إن كان للأب. قال وليس ذلك فى الكبير.
قال ابن القاسم ومن حلف بعتق أمة له إن باعها فتصدق بها على ابن له فى حجره فإنه إن باعها حنث وودى القيمة لابنه.
وقال سحنون فيمن أراد أن يحلف بعتق رقيقه فتصدق بهم على بنات له أبكار صدقةً صحيحةً وقبض لهن، ثم حلف بعتق كل مملوك له، قال لا شىء عليه، إلا أن يسميهم أو ينويهم فى يمينه.
قال ابن القاسم وابن وهب عن مالك فيمن حلف بعتق رقيقه لا يكلم فلانا، أيهبهم هبة صحيحة ويكلمه؟ فكره الهبة وقال يبيعهم. قال أشهب إن باعهم أو وهبهم أو تصدق بهم بأمر صحيح بغير مدالسة فلا شىء عليه، وإن كان بمدالسة أو تاليج فقد حنث.
قال ابن نافع عن مالك فيمن حلف لا أقلع عن غريمه حتى يقضيه حقه، فذهب به إلى السلطان فأمره فدفع إليه حقه وقبضه، ثم سأله أن يسلفه فأبى فسأل أم الحالف فأسلفته، فإن كان من مالها دون مال الابن فلا شىء على الابن.
[4/ 239]

(4/239)


وقال ابن حبيب فى الحالف بعتق رقيقه أن لا يفعل شيئا فأراد أن يتصدق بهم إلى أحد أبويه أو إلى ولده الصغير أو الكبير أو امرأة على زوجها، فقد كرهه مالك.
قال ابن الماجشون ومطرف وابن القاسم: وإنما كرهه خيفة الحيلة به وأن لا يصح. وأما لو صدق وصحت الصدقة وحيزت زال عنه الحنث غلا فى ولده الصغير فقط، فإنه إن فعل حنث، وغن حازها لهم أو جعل من حازها لهم وخرجت من يده فإنه يحنث.
وفى باب من حلف ليفعلن أو إن لم يفعل فى الجزء الأول شىء من ذكر تعجيل الحنث.

فيمن حلف بالطلاق ثم أراد أن يخالع
ليزيل اليمين وما الذى يجوز ذلك فيه؟
وما دخل فيه من عودة اليمين
من المجموعة قال ابن القاسم وابن وهب عن مالك فيمن حلف بطلاق البتة ليقضين حقا إلى أجل كذا وكذا، فدنا الأجل ولم يجد، فخالع امرأته ثم جاز الأجل ثم نكحها بعده فلا حنث عليه، وأكره ما صنع. قال عنه ابن نافع: وهو مكروه بينه وبين الله سبحانه.
قال ابن كنانة ليس مما يومر به الناس ولا يدلون عليه.
وقال ابن سحنون عن أبيه: وإن كانت امرأته غائبة فأراد الخلع ليلا يحنث، قال يخلعها منه أجنبى يعطيه على ذلك درهماً أو شيئاً فيخلعها بما أعطاه وتزول يمينه، ولا بأس على الحالف أن يسأل فى ذلك هذا الأجنبى.
[4/ 240]

(4/240)


ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم، ونحوه لأصبغ فى كتاب ابن حبيب، وذكرها ابن عبدوس إلا أنه قال وقال غيره فيمن له امرأة فنكح أخرى على أن الأولى طالق بدخول الثانية، فخالع الأولى ثم دخل بالثانية ثم نكح الأولى فلا شىء عليه، بخلاف يمينه لا دخل دار فلان فخالعها ثم دخل فنكحها، فهذا يعود عليه اليمين.
ولو حلف بطلاقها إن دخل دار فلان فخالعها ثم تزوجها وهو داخل الدار فلا شىء عليه ما دام داخل الدار حتى يخرج ثم يدخل فيحنث، وإن حلف بطلاقها إن لبس هذا الثوب أو ركب هذه الدابة فتزوجها وهو على تلك الدابة ولابس للثوب، فغن لم ينزع أو ينزل مكانه حنث بخلاف دخول الدار.
ومن حلف لا ركب هذه السفينة بطلاق امرأته فصالحها ثم ركبها ثم تزوجها وهو فى السفينة، فإن لم ينزل مكانه حنث. وإن كانت يمينه لا دخلت فلا شىء عليه وإن بنى بها فيها حتى يخرج من السفينة ثم يدخلها.
وقال أصبغ فى الواضحة إن الدخول فى هذا كالركوب، وكذلك فى دخول الدار إن لم يخرج ساعة دخلت عليه حنث. قال ابن حبيب وغيره وإنما يعود عليه اليمين فيما يتغير فعله من كلام فلان أو دخول الدار، وأما ما لا يتكرر فبخلاف ذلك. وهذا ذكرناه فى باب تقدم.
ومن العتبية من سماع عيسى من ابن القاسم فيمن تحته امرأتان فحلف بطلاق إحداهما ليتزوجن عليها، فصالح الأخرى ثم تزوجها، فإن كان طلقها طلاقابائناً بالثلاث أو بخلع فذلك يبره، إلا أن يكون إنما خالعها ليحلل يمينه ثم يتزوجها ليبر، فهذا لا يبر بذلك؛ وكذلك لو كانت يمينه ألا يتزوج عليها ففارق الأخرى ثم تزوجها أنه يحنث فى امرأته.
ومن حلف بطلاق كل امرأة يتزوجها على امرأته ثم قال لها إن لم أتزوج عليك إلى عشرة أشهر فأنت طالق يعنى ثلاثا، قال ابن القاسم فليصالحها، فإذا
[4/ 241]

(4/241)


جازت العشرة الأشهر تزوجها ثم لا شىء عليه. ولو لم يضرب أجلا عادت اليمين عليه.
ومن سماع أصبغ عمن حلف بالطلاق يريد ثلاثا ألا دخلت أخته على زوجها. قال يصالح زوجته ثم تدخل أخته ثم يتزوج امرأته التى صالح ولا شىء عليه. ولو طلق أخته زوجها قبل البناء ثم تزوجها ودخل بها ةامرأة الأخ تحته بحالها فهو حانث، إلا أن تكون له نية. قال أصبغ لا تنفعه النية فى هذا إلا أن يكون لها سبب بعمده من ثقل صداق أو سرط كرهه حتى يأتنف نكاحاً على ما يريد يتعمد ذلك بالنية والإرادة، وإلا لم ينفعه.
قال وقال ابن القاسم فيمن حلف لا يبتدىء رجلاً يريد حلف بالطلاق ثلاثا فصالح امرأته ثم ابتدأه ثم راجع امرأته فابتدأه، قال لا شىء عليه.
قال أبو محمد: هذه المسألة ليست على أصولنا. وقوله فابتدأه الثانية هى فى بعض الكتب من رواية العتبية وليست فى بعضها وأراه غلطاً فى النقل.
من سماع ابن القاسم: ومن سأل زوج ابنته أن يمسكها بمعروف أو يفارق فقال له فاحلف بالطلاق إن فارقتها أن لا تزوجها فلانا، فحلف له، ثم أقام معها ما شاء الله ثم تنازعها فخالعها، هل ينكح فلانا المحلوف عليه؟ قال فاليمين عليه، فإن شاءت نكاحه فليستأذن السلطان حتى يزوجها، ولا شىء على الأب.

فى الحنث بغلط أو سهو أو بما لم يعلم
ويمين الموسوس والسكران وفعل النائم
من العتبية من سماع عيسى وأبى يزيد من ابن القاسم: ومن حلف بطلاق أو غيره ليصومن غداً ثم أفطر ناسياً فلا شىء عليه.
[4/ 242]

(4/242)


قال عنه عيسى ومن حلف لا كلم فلانا إلا أن يعرفه، فكلمه وهو لا يعرفه غير ناس فقد حنث.
قال عنه يحيى بن يحيى فيمن حلف ليقضينه حقه ساعة يباغ منزله أو يدخل منزله، فأتى معه الطالب منزله عند الغروب فدخل ونسى واشتغل، فذكر يمينه بعد الليل فخرج فقضاه حينئذ فقد حنث، إلا أن ينوى بقوله ساعة أبلغ أى إذ بلغ ليقضينه ولم يرد ساعة بلوغه أو نزوله فينوى ويحلف، ثم لا يحنث إن قضاه ليلته أو من الغد، ولا يسعه ترك القضاء اليومين والثلاثة، وإنما له هذا فى يوم وليلة.
ومن حلف ليقضينه حقه يوم الفطر وهو من بعض القرى فأفطروا يوم السبت فقضاه فيه ثم جاء الثبت أن الفطر يوم الجمعة، فقال مالك يحنث. وروى أبو زيد عن ابن القاسم فيم حلف بطلاق امرأته ليخرجن به فى مرته هذه، ويريد سفرا، فخرج فلما سار ذكرته يمينه فانصرف فحملها، قال هوحانث.
قال عنه عبد الملك بن الحسن فيمن قال لرجل وهو يتوضأ قم معى فى حاجة، فقال امرأتى طالق إن قمت معك حتى أتوضأ وأفرغ من وضوئى، فتوضأ ثم ذهب معه ثم ذكر مسح رأسه أو أذنيه أو المضمضة فهو حانث، لأن مراده الوضوء الذى يتوضأ الناس لا يريد المفروض ولا المسنون.
ومن كتاب ابن المواز: ومن حلف لا وطىء امرأته فوطئها وهو نائم لا يشعر فهو حانث، وهو كالناسى.
ومن أسفى السيكران فحلف فى تلك الحال بطلاق أو عتق وهو لا يعقل فلا شىء عليه، وإنما شربه ولم يعلم. وقد قيل لمن شربه عالماً على وجه دواء ونحوه فلا شىء عليه بخلاف السكران من الخمر.
[4/ 243]

(4/243)


ومن طلق امرأته بوسوسة فى قلبه فلا شىء عليه. ومن حلف ألا يحمل لرجل دراهم فأدخلها فى مكتل فيه جبتان استحمله إياه فقد حنث، ويعاقب من فعل ذلك به.
ومن حلف لا ساكن أخاه ولا أنفق عليه حتى يتوب من شرب السكر فغاب الحالف فأسكنته أمه فى دار الحالف وأنفقت عليه من ماله، ثم أخرجوه بقرب قدومه فلا يحنث بذلك. قيل فلما قدم سأل عنه غير واحد فقيل له قد ترك الشرب فأنا له وأنال ولده وأهله شيئا، ثم تبين له أنه بتلك الحال فكف، فقال فقد حنث ولا ينفعه خبر من أخبره، وقد يترك ظاهرا ويشرب سرا، وتغرم الأم ما أنفقت عليه من مال الحالف فى غيبته، فإن تركها على علم حنث.
ومن المجموعة قال أشهب فيمن حلف بالطلاق ليصومن رمضان وشوال، قال إن صام يوم الفطر فلا شىء عليه، وإن أفطره حنث، وإن قال لم أنو صومه لم يصدق. ابن وهب عن مالك فيمن وهب شاة لامرأته ثم ردته إليه ثم ردها إليها، ثم دار بينهما شىء فحلف لا كانت له الشاة من ملك أبداً، ثم طلب شراء أضحية لأمه وأثاب زوجته منها عوضا ونسى يمينه، قال ما أراه إلا قد حنث.
ومن العتبية من سماع ابن القاسم: ومن حلف لأمه أن امرأتى ما تأمرنى فيك ولا تمنعنى أن أنفعك والمال الذى بيده لزوجته، فقال له قد كنت قلت لك عام الأول لا تعطيها شيئا من مالى، فذكر ذلك، قال قد حنث.
وعن رجل كان يضر بامرأته وكان يقول ابن بنى عمى يحملونى على ذلك، ثم حلف بطلاقها إن كانوا قالوا له شيئا، فذكرته فقال قد وهمت فى يمين ولم يشهد على قوله وهمت إلا شاهد، وإن كان بائنا قضى عليه بالحنث وإلا حلف.
[4/ 244]

(4/244)


فيمن حلف ليفعلن كذا فغاب ما حلف عليه قبل يمينه
أو بعده أو أعوزه فلم يجده أو ظهر له أمر ممتنع
من العتبية روى عيسى وأبو زيد عن ابن القاسم فيمن قال لعبده إن لم أبعك فامرأتى طالق، فمات العبد أو أبق، فإن مات ولم يفرط فى بيعه فلا شىء عليه، وإن فرط حتى لو شاء بيعه فعل فقد حنث. وأما الإباق فإن رفعته زوجته ضرب له أجل المولى من يوم رفعته، وإن ضفر بالعبد فباعه قبل تمام أجل الإيلاء بر، وإن يم الأجل قبل ذلك طلق عليه بالإيلاء، فإن وجد العبد فى العدة فله الرجعة، وإن لم يكن ذلك حتى انقضت فلا رجعة له.
قال عنه أبو زيد فيمن حلف أكل مع امرأته فحلف بطلاقها لتأكلن هذه البضعة فأكلتها الهرة فأخذت المرأة الهرة فذبحتها فأخرجت البضعة فأكلتها المرأة، قال لا يخرجه ذلك من يمينه، ولكن إن لم يكن بين أخذ الهرة إياها وبين يمينه قدر ما لا تأخذها المرأة فلا حنث عليه وإن توانت قدر ما لو أرادت أخذها فعلت فقد حنث.
ومن المجموعة روى ابن نافع عن مالك فيمن حلف فى طعام ليأكلنه فتركه حتى فسد ثم أكله فقد حنث إذا كان قد خرج عن حد الطعام. وقال سحنون فى العتبية عن ابن القاسم لا يحنث إلا أن يكون أراد أن يأكله قبل يفسد.
ومن المجموعة ابن وهب عن مالك فيمن حلف لينظرن غريمه بحقه سنة فمات غريمه قبل السنة، فإن حلف أنه أراد الرفق به فلا شىء عليه.
قال ابن دينار ومن حلف ليشترين لزوجته بهذا الدينار ثوباً فخرج به لذلك فسقط منه، فإن أراد الدينار بعينه فقد حنث، وإن أراد الشراء به أو بغيره فليشتر بغيره ولا يحنث.
[4/ 245]

(4/245)


قال أشهب: ومن حلف ليبيعن إلى امرأته بنفقتها إلى سنة، فبعث إليها قبل الأجل فأخذها اللصوص ومضى الأجل فلا شىء عليه.
ومن حلف ليصربن عبده غداً أو ليركبن دابته غداً فمات ذلك قبل غد أو سرق فلا شىء عليه. وكذلك على لباس ثوب فى غد فذهب أو سرق، وقال أشهب لأنه على بر بضرب الأجل، قال ابن القاسم إلا فى السرقة فإنه يحنث إلا أن ينوى إلا أن يسرق فلا أحنثه.
قال أشهب فإن لم يؤجل ومضى وقت يمكنه ذلك فيه فلم يفعل حتى فات ذلك فقد حنث.
قال ابن نافع عن مالك فيمن حلف لئن لم يبعث إلى ابنتى زوجها إلى الليل لا دخلت إليه سنة، فذهب إليه الرسول فلم يجده حتى الليل، قال هو كما لو وجده قد سافر فيدين، فإن قال لم أرده إن لم يوجد أو قد سافر أو مات فلا شىء عليه.
وكذلك من حلف إن لم يأت فلان الآن فوجده قد مات أو سجن فلا شىء عليه وكذلك فى العتبية من رواية أشهب.
قال عنه ابن وهب وإن حلف بالطلاق ليبيعن غلامه فوجده حراً من أصله، هل يبيعه ليبر من يمينه؟ قال لا، ولوطلق كان أبرأ له.
ومن كتاب ابن المواز: ومن حلف بالعتق ليتزوجن على امرأته إلى سنة فماتت قبل تسعة أشهر فلا حنث عليه، لأنه على بر بضرب الأجل، فرط أو لم يفرط. وكذلك ليبيعن عبده إلى شهر أو ليضربنه فمات العبد قبل الشهر، أو ليضربن امرأته إلى أجل فماتت قبل تمامه وقبل يفعل ذلك فلا شىء عليه. وإن لم يضرب أجلا فى هذا فهو على حنث، فإن أمكنه الفعل وفرط حنث، وإن لم يمكنه ولا فرط لم يحنث.
[4/ 246]

(4/246)


وإن حلف ليأكلن هذا الطعام غداً أو ليلبسن هذا الثوب غدا أو ليركبن هذه الدابة فهلك ذلك قبل غد أو سرق الطعام فلا شىء عليه. وإن لم يضرب أجلاً حنث إن أمكنه الفعل قبل الفوات.
قال ابن القاسم: ومسألة الحمامات أصل لهذا، وقد أجمع عليها المدينون، وقد ذكرنا ما روى عن ابن القاسم فى السرقة.
وإن قال ميمون حر لأضربن مباركاً أجلا فمات مبارك، فإن أمكنه ضربه ولم يفعل حتى مات ولم يضرب أجلا حنث، وإن مات والسيد مريض عتق ميمون فى ثلثه إن مات، وإن عاش فمن رأس ماله.
قال أشهب فى الحالف ليضربن امرأته فأصبح فإذا هى هربت من الليل فلا شىء عليه إذا فرت فيما لا يمكنه فيه الضرب، وكذلك فى المجموعة إلا أنه قال فى أولها وقال غيره، وقال فى السؤال ويدعها تلك الليلة.
ومن كتاب ابن المواز: ومن حلف ليخرجن إلى عذق كذا فليقطعنه، فبادر إليه فوجده قد قطع فلا شىء عليه، إلا أن يتوانى قدر ما يفوت به إمكان قطعه. ولو قطع قبل يمينه لم يحنث، فرط أو لم يفرط.
ومن حلف على ابنته ألا يضع من صداقها شيئاً فإذا هى قد وضعته قبل يمينه فإن عرف ذلك فلا شىء عليه إلا أن يريد إن كانت فعلت فيحنث. ورواها عيسى عن ابن القاسم فى العتبية وفى السؤال: وشهد أربع نسوة على الصدقة منذ سنين فلا شىء عليه إذا استيقن أنها فعلت قبل ذلك، إلا أن يريد إن كنت فعلت. وذكر ابن سحنون رواية عيسى لابنه فصوبها وقال: ولكن لا يستقين ذلك بالنساء ولا بقولها ولكن بشاهدين.
ومن كتاب ابن المواز قال مالك: وإن حلف بطلاق امرأته لا أعتقت أمتها فإذا هى قد أعتقها قبل يمينه فلا شىء عليه، وقد كانت تستأذنه فى ذلك فيأبىن إلا أن يريد إن كنت فعلت فيحنث. ومن حلف بطلاق من يتزوج إلى
[4/ 247]

(4/247)


سنة فيتزوج امرأة فى السنة وحلف لها بالعتق إن طلقها إلى أجل كذا فلا شىء عليه فى رقيقه، لأنها مطلقة بالعقد.
ومن بعث غلامه يأتى بماء فأبطأ فبعث غيره وقال له: خذ منه القلال وإن تركته يستقى فأنت حر لا يبعثك فذهب فوجده مقبلا قد استقى، فأخذ من الدابة فتابعه حتى جاء بالماء فصبه فى الدار فلا شىء عليه. كما لو قال إن تركته يطبخ القدر فألفاه قد طبخها.
وفى باب اليمين على الخروج مع الدار ما يشبه بعض معانى هذا الباب.
قال ابن القاسم فى المجموعة فيمن قال لعبده أنت حر إن تركت فلانا يطبخ هذا القدر أو يملأ هذه القلال فوجده قد طبخها وملأ القلال فلا شىء عليه.
ومن الواضحة قال ابن القاسم فيمن حلف لأقضينك حقك من هذه الصبرة فأتى سيل فأذهبها، فإن لم يتوان مثل أن يأخذ فى الكيل مكانه فيذهب فلا شىء عليه، وإن فرط حنث، وإن فرط الطالب فى القبض فلا يفرط الحالف وليأت الإمام حتى يأمره بالقبض.
ومن العتبية من سماع ابن القاسم وعمن طلب ضرب عبده بسوط سأل عنه أهله فقالوا لا نعلم مكانه فظن بهم كتمانه، فحلف بالطلاق إن لم يأتو به فطلبوه فلم يجدوه وأتوه بغيره، فقال أهله هو فلم يعرفه وأنكره، فإن لم يعرفه حنث.
قال ابن القاسم كأنى رأيت معنى قوله إنه لو ذكر نية كان ذلك له أن يقول لم أرد، وإن لم تكن له نية وحلف على ظن أنهم غيبوه حنث.
[4/ 248]

(4/248)


قال مالك: ومثل أن يقول لأمته أنت حرة إن لم أبعك فإذا هى حامل منه ولم يعلم، فإن نوى إلا أن تكون حاملا وإلا فقد عتقت.
قال ابن القاسم وكذلك السوط فيما رأيت من معنى قوله. وقال ابن المواز وذكر هذه الرواية ثم قال لا شىء عليه فى الأمة كمسألة الحمامات، وكذلك قال سحنون.
قال ابن المواز: وإن أصابها حاملاً من غيره فليبيعها بالبراء من الحمل.
قال ابن حبيب ومن حلف بحرية جاريته ليبيعنها إلا أن تكون حاملا وقد كان أصابها فلا يعود لمصابها، فإن جهل فعاد فحملت نظر، فإن وضعته لأقل من ستة أشهر من وطئه الثانى زالت يمينه لأنها كانت يومئذ حاملاً، وإن وضعته لأكثر من ستة أشهر من الوطء الثانى عتقت عليه بالشك، إذ لعله من الوطء الثانى الذى لا شرط فيه، وقاله ابن الماجشون.
ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن حلف بنى امرأته وحلف بالطلاق ليفرعنها الليلة فوطئها فلم يجدها عذراء فلا شىء عليه، لأنه إنما حلف وهو يظن أنها عذراء. قيل فلو علم بذلك يريد بعد يمينه أنها ثيب واستقر ذلك عنده فترك وطأها تلك الليلة، قال يحنث. قال اصبغ يحنث إن علم بعد يمينه وقبل الوطء.
وقال ابن سحنون عن أبيه فيمن حلف ليطأن امرأته فقطع ذكره من غير تفريط فى الوطء فلا شىء عليه.
قال ابن حبيب قال ابن القاسم: وإن حلف أن لم يطأ امرأته الليلة فقام فوجدها حائضاً، فإن فرط قدر ما يمكنه الوطء قبل تحيض حنث، وإن لم يفرط فلا شىء عليه.
[4/ 249]

(4/249)


قال أصبغ: يحنث فرط أو لم يفرط بخلاف ليأكلن هذا الطعام فذهب به كلب أو نار أو سرق لأن لم تذهب والذى حلف عليه قائم، ولكن لا تحل له. ولو وطئها وهى حائض لم يبر. وأخذ ابن حبيب بقول ابن القاسم هذا وقال لا يبر بوطئها حائضاً، ولو حلف لا وطئها حنث بوطئها حائضاً.
ومن كتاب ابن المواز قال يحنث حاضت مكانها او كانت حائضا قبل اليمين، ولا آمره بالوطء فإن تحرى فوطىء لم يحنث وقد أثم.
قال ابن سحنون عن أبيه فى الحالف ليأكلن هذا الطعام أو ليبيعن هذا الثوب وذلك فى نيته، فقام ولم يفرط فوجد ذلك قد ذهب أو سرق فلا شىء عليه.
وكذلك إن حلف ليبيعن أمته فوجدها حاملاً منه أو ليطأنها فقام مكانه فوجدها حائضا فلا حنث عليه فى هذا وفى كل ما فات قبل يمينه أو فات بعد يمينه من غير تفريط.
قال محمد ثم رجع فقال لا يحنث، وإن أمكنه الوطء قبل أن تحيض، لأنه قد ضرب
أجلاً بقوله اللية. قال محمد قوله الأول القياس على أصلنا. قال سحنون وإن وطئها حائضا بر فى يمينه وأثم.
من العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن حلف لريب له لئن جئت إلى بيتى بخبز ووجدته لأطرحنه فى الخربة، فدخل عليه الغلام بخبز فوضعه على سريره وهو يراه فسحبت له أمه فخرج بالخبز، فإن كان يقدر على أخذه فتوانى فقد حنث، وإن فاته هرباً ولو أراده ولم يقو عليه فلا شىء عليه.
وفى باب من حلف لا يفعل شيئا ففعل بعضه من معنى هذا الباب.
ومن المجموعة قال ابن القاسم فيمن حلف بالطلاق ليتزوجن هذه المرأة إن حلت له، فشهدت امرأة أنها أخته من الرضاعة فليطلق التى تحته ولا يتزوج هذه. وإن تجرأ فتزوجها لم يقض عليه بفراقها. كذلك فى العتبية وقد كتبناه فى باب آخر.
[4/ 250]

(4/250)


قال ابن حبيب عن أصبغ: ومن حلف ليصومن الاثنين أبدا فصادف يوم عيد فلا شىء عليه فى فطره، ولم يقصد أن يصومه على ما لا يجوز، وكذلك لو مرضه فأفطر فلا شىء عليه.

فى الحالف لا فعل كذا فيكره على فعله
أو يغلب أو يقضى عليه به
أو حلف ليفعلن فيمنعه منه مرض
أو مانع أو خوف أو لم يقدر
من العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن حلف لا دخل هذه الدار، فبينا هو واقف على بابها أو بقربة على دابته فنفرت لشىء فاقتحمت به فدخلتها، فإن كان يقدر أن يمسك رأسها أو يملكها أو يثنى رجله فينزل أو يترامى من غير عيب يصيبه فلم يفعل حنث، وإن قدر على شىء من ذلك لم يحنث.
قال ابن عبدوس: وروى ابن وهب وابن القاسم عن مالك فيمن حلف لا دخل دار فلان فحمله رجل قسراً فأدخله فيها فلا شىء عليه. قال أشهب إذا جهد أن لا يدخل ولم يقم بعد أن قدر أن يخرج.
قال سحنون فإن قال لزوجته أنت طالق إن دخلت أنت هذه الدار فأكرهها هو أو غيره على الدخول فلا يحنث بإكراه غيره، وأما هو فأخاف أن إكراهه لها رضى بالحنث.
قال ابن وهب عن مالك فيمن حلف بالطلاق إن لم يضرب عبده كذا وكذا ففرمنه العبد، أو قال قبل الليل أو ضرب أجلاً بعيداً أو قريبا، فإن لم يفرط وكان أمر عليه وكانت تلك نيته فلا شىء عليه، وإن فرط فقد حنث.
[4/ 251]

(4/251)


قال عنه ابن وهب: وإن حلف لا فارق غريمه حتى يقضين حقه، فأتى أهل المطلوب فخلصوه منه قسراً وضربوه فله نيته، فإن نوى لا فارقته طائعاً ولا أرسلته وأنا قادر على إمساكه فلا شىء عليه.
قال أشهب إذا فر منه أو أفلت حنث، إلا أن تكون له نية فيدين ويحلف,
ومن كتاب ابن المواز: ومن حلف لا يأخذ حقه إلا كله، فقضى عليه القاضى بأخذ نصفه فلم يقبضه حتى عزل، فإن قضى عليه الذى بعده بأخذ نصفه حنث إلا يقبضه، ولا يكون ذلك من الوالى إلا على الاجتهاد.
ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم ونحوه فى كتاب ابن المواز فيمن قال لامرأته أنت طالق إن قبلتنى فاستغفلته فقبلته فقد حنث. ولو كان قال إن قبلتك لم يحنث باستغفالها له.
وكذلك يفترق إن فارقتنى أو فارقتك أو تركتنى أو تركتك فينزع منه بشدة أو يصرعه ويفك يده ويهرب. وكذلك قوله إن ضاجعتنى أو ضاجعتك، وكذلك إن قال إن دخلت هذه الدار فيوثق حتى أدخلها فلا شىء عليه، ولا يحنث فيما يكره فيه أو يستغفل، وقاله فى كتاب ابن المواز والمجموعة.
ابن القاسم عن مالك فى الحالف لا قبلتك فاستغفلته فقبلته ولم يكن منه استرخاء، فيحلف أن تلك نيته. قال فى رواية ولم يوانس. قال ابن المواز: وإذا أراد بقوله إن فارقتنى معنى فارقتك فله نيته، أو ينوى إلا أن أغلب فله نيته. وقوله إن افترقا مثل قوله إن فارقتنى، ويحنث إن أفلت منه، بخلاف إن فارقتك إلا أن يتراخى. وقيل إن نوى ألا يفارقه طائعاً ولم يرد أن يغلب فله نيته.
ومن كتاب ابن المواز والمجموعة والعتبية من رواية ابن القاسم قال مالك فى المطلوب بحق ألا يقضيه شهراً، فرفعه الطالب فأمر له ببيع متاعه حتى
[4/ 252]

(4/252)


يقضى عنه فإنه ينوى، فإن قال لم أرد إلا أن لا أقضيه أنا ولم أرد السلطان فذلك له وأدينه إذا حاشى الشلطان، وإن لم يحاشه حنث.
وإن حلف لا أنفق على امرأته سنة فغاب سنة ورفعت أمرها فقضى لها فدفع إليها نفقتها فهو حانث، إلا أن يكون نوى ألا أنفق عليها طائعا ولم يرد وإن قضى على بها، فلا يحنث.
قال أشهب عن مالك فى الحالف على أمر ألا يفعله ولم يتشن قضاء السلطان فقضى عليه، قال يحنث إن لم يستشن قضاء السلطان. ورب رجل يحنث مغالبةً له، فإن لم يرد ذلك حلف ودين. قال أبو زيد فى العتبية وكتاب ابن المواز قال ابن كنانة فيمن حلف فى أرض نازعه فيها رجل إنك لا حرثتها إلا أن تغلبنى عليها، فطرقها ليلاً فحرثها إنه يدين ويحلف ما أراد إلا أن يمنعه إذا أراد الحرث ولا بدعه إلا أن يغلبه، ولا شىء عليه.
وقال ابن القاسم لا ينوى ويحنث إلا أن يؤخذ فيربط ويحبس وتحرث فلا شىء عليه.
وفى باب اليمين لا دخلت أو لا دخل إلى فلان من هذا إذا دخل عليه وكسر الباب ولم يعلم.
قال سحنون عن أبيه فيمن حلف فى شقص له فى عبد أن لا يبيعه فأعتق شريكه حصته فقومه عليه الإمام، أو طلب شريكه البيع معه فخبره الإمام أن يبيع معه، فإنه يحنث، إلا أن يكون نوى إلا بقضاء السلطان فلا يحنث.
وكذلك لو حرث فى أرضه رجل متعدياً فحلف ربها ليحرثنها فمنعه من ذلك السلطان، فإن لم ينو إن أغلب حنث. وليس هذا كمسألة الحمامات لأن تلك قد فاتت العين.
[4/ 253]

(4/253)


وفى كتاب النكاح الرابع فى آخره فى باب سكنى المرأة مع أبوى الزوج.
وروى عيسى عن ابن القاسم فى العتبية فيمن حلف ليعتمرن فى شوال فأحرم ثم منعه خوف من المسير حتى خرج شوال ولم يطف، قال ابن القاسم يحنث إلا أن يكون جعل ليمينه مخرجاً.
ومن كتاب ابن المواز: ومن حلف لئن كان كذا لأخرجن إلى موضع سماه، فكان ذلك فمنعه من الخروج خوف فلا ينفعه ذلك، إلا أن يكون استشناه.
ومن المجموعة وغيرها قال ابن القاسم عن مالك فيمن حلف لا نكح عبده فنكح بغير إذنه إنه حانث.
وقال عنه فيمن عليه دين فتقاضاه عبد الطالب فحلف بالطلاق لا قضاه شيئاًن فأتاه السيد فقضاه، وقال إنما أردت العبد بعينه، قال لا ينوى ويحنث إن قضاه. وأقرب فى هذا إذا استأذى عليه السلطان فقضى عليه أن لا يحنث.
قال ابن نافع عن مالك فيمن حلف لا دخلت امرأته على أمها، فقالت له فسر معى أسلم عليها على الباب ففعل فاقتحمت على أمها فقد حنث.
ومن العتبية أشهب عن مالك فيمن دعا زوجته إلى فراشه فأبت، أيضربها؟ قال لا، فقد يكون لها العذر، قيل فإن حلف بالطلاق ليصيبنها قبل الصبح فأبت، فأمكنته فعالج حتى مل فلم يقدر، قال وقد استشينت إلا أن لا أقدر فعالجت فلم أقدر حتى الصبح، قال لا شىء عليك إن لم تنم حتى أصبح قال قد نمت، قال لا أدرى ما هذا.
[4/ 254]

(4/254)


قال عنه ابن القاسم فى حبس لم يبق من يشهد فيه إلا رجل فسأله بعض من حبس عليه أن يشهد فحلف لا شهد له فيه، فسأله غيره من أهل الحبس أن يشهد، قال لا آمره أن يشهد إلا أن يجبره السلطان. قال ابن القاسم وإن أجبره حنث إلا ان يضربه أو يعاتبه.
قال ابن سحنون قال بعض أصحابنا يعنى أصبغ فيمن حلف ليدخلن بامرأته إلى مدة سماها فدفع النقد وتهيأ أمرها، فلما شارف الأجل شهد رجلان أنه حنث فيها. قال يمنعه الإمام من البناء حتى ينظر، وإن كان فى ذلك حنث فينبغى للقاضى أن يبدأ بهذين ولا يشتغل عنهما لما رهقهما، فأجازها سحنون إلا قوله يتفرغ لهما فإنهما وغيرهما سواء، ولو جاز هذا لم يشأ خصم إلا حلف على القاضى أن يبدأ به.
ومن حلف ليطأن زوجته فى هذه الليلة فلم ينعظ ولم ينتشر تلك الليلة فقد حنث.

فى المكره على اليمين او يحلف على مخافة
ومن حلف للسلطان أن لا خرج إلا بإذنه
أو أن رأى كذا ليرفعنه إليه
من المجموعة قال ابن القاسم قال مالك: ليس يمين المكره بيمين. قيل له فالعمال يأخذون على الناس أيماناً بالطلاق فى أشياء يخرجونها عليهم إن لم يأتوا بها إلى وقت كذا، وربما جعلوا عليهم ما لا يجدون فيحلفون خوفا منهم ومن ضربهم. قال لو علم صدق ما قالوا لم أرد عليهم شيئا. قال ابن القاسم إذا كان إماماً جائرا قد علم أنه فعل ذلك بغيره من ضرب أو عذاب فليحلف ويتخلص منه. قال ابن القاسم فى أسير بيد العدو مقيد فيعرضون عليه الكفر ويقولون احلف بالطلاق أن لا تهرب ونطلقك، فيحلف ويطلقونه فيهرب، قال لا شىء عليه، لأن أصل يمينه إكراه.
[4/ 255]

(4/255)


قال عنه محمد بن خالد فى العتبية عن مالك فى اللصوص يستحلفون الرجل بالحرية ألا يخبر بهم فحلف ثم اخبر بهم، قال لا شىء عليه.
قال سحنون فى المجموعة إذا حلفوه أن لا يخبر بهم ليلا يحذر الناس طريقهم فحلف بالطلاق والعتق وهو خائف إن لم يحلف قتلوه فأخبر بهم فلا شىء عليه.
ثم رجع فقال ليس هذا من أيمان الكره.
ومن كتاب ابن المواز قال مالك: ومن حلف على خوف من العذاب واليمين على حق وقد كذب فى يمينه فهو حانث، ولا تنفعه التقية ها هنا.
قال ابن المواز كأنه غصب شيئاً أو فعل أمراً وحلف ما فعله.
قال مالك فيمن طلب ليقتل ظلماً فخبأه رجل عنده فأحلف بالطلاق ما هو عنده فحلف، قال قد اجر وطلقت عليه امرأته، وقال أشهب لا شىء عليه، والمكره على اليمين لا يلزمه، وكذلك المكره على الحنث، يريد أشهب إن خاف إن لم يحلف عذب بضرب أو سجن.
قيل فمن حلف لا حلف بالطلاق إلا لسلطان يخافه ما حد ذلك؟ قال هو أعلم بنفسه، ليس القوى كالضعيف، ولا الشجاع كالجبان، وذلك على قدر ما يحس من نفسه.
وعمن صالح امرأته وشرط عليها إن تزوجت بعده فمالها صدقة، فإن حلفت عن ضرورة فلا شىء عليها، كما لو افتدت من ضرورة وعلم ذلك. قال مالك: ليرد ما أخذ منها. قال وقيل ليس كالفدية، وليس الضرب إكراهاً عليها حاصة فى اليمين، واليمين يلزمها.
قال ابن المواز فى يمين المستكره الذى يخاف إن حلف سجناًَ أو عذابا: فإن كان ذلك عنده كاليقين لا شك فيه فذلك له مخرج وعذر، وإذا أخذ الوالى على الشرط اليمين بالطلاق أن يخرج أحد منهم إلا بإذنه فمات الوالى، قال
[4/ 256]

(4/256)


مالك فلا يخرج أحد منهم إلا بإذن الوالى بعده إذا جرى ذلك على وجه النظر لا على الظلم، وما جرى على وجه الظلم لم يلزمه فى الأول ولا فى الذى بعده.
ولو حلف لأمير متطوعاً أنه لا يرى كذا وكذا إلا رفعه إليه، فعزل، فإن كان ذلك أمر يخص الأول فى نفسه فليرفعه إلى من بعده، هكذا وقع فى الكتاب، وأراه غلطا، وإنما هو فليس عليه أن يرفعه إلى من بعده، وهى فى المجموعة بينة وهى لأشهب.
قال أشهب: إن كان ذلك من شأن المعزول فى نفسه فعليه رفعه إلى من بعده يوم يراه، وإن كان مما يخص فى نفسه فإذا رآه بعد عزله فليعلمه به وإلا حنث، فإن لم ير ذلك مات فلا شىء عليه، وليس عليه رفع ذلك إلى وارثه ولا وصيه ولا إلى الأمير بعده.
ومن كتاب ابن المواز: ومن حلف للوالى ألا يفعل كذا إلا بإذنه فنادى منادى الوالى بالإذن فى ذلك للناس كلهم، فإن كان ذلك نيته فى يمينه فلا شىء عليه، وإن شىء عليه، وإن لم يرد هذا فليسمع الإذن هو نفسه فيزول يمينه.
ومن طلب منه السلطان شراءجارية فقال له هى مدبرة أو حرة فلا شىء عليه. قال أشهب قامت عليه بينة أو لم تقم إذا كان ذلك للسلطان مخافة من شرائها.
ومن مر بأمته على عاشر فقال هى حرة ولم يرد الحرية فلا شىء عليه. ومن قول أصحابنا إن اليمين تقيه العقوبة فى البدن إكراه إذا كان يوقن بذلك، وقد اختلف فى الإكراه بمخافة المال.
وقال ابن سحنون عن أبيه فى كتاب الطلاق: سئل عن السلطان يمنع الناس أن يجوزوا فى البحر إلا من مجازه ليتوفر ما يؤدون، أو يقال لهم إذا جازوا من مجازه اركبوا فى مراكبنا على أن تؤدوا الثلث وإلا لم يكرهكم على الركوب فيها وهم يمنعون من غيرها، فيرضون بالركوب فى مراكبهم فيحلفونهم أن لا يكتموهم كل
[4/ 257]

(4/257)


ما معهم من مال، فيحلفون وهم قد كتموا بعضاً، قال لا حنث عليهم وإراه إكراها. وكذلك من كان بقرب هذا المجاز.
قال أبو محمد وقد أفردنا للإكراه والمضاغيط كتاباً.

فيمن حلف ألا يبيع ما قد باع أو فى زوجة لا يتزوجها
أو فى شريك ألا يشاركه ونحو ذلك
ومن العتبية من سماع ابن القاسم: وعن غلام ناهز الحلم وتحته أمة فشكته إلى سيدتها، فقال لها: أمسكى أمتك هى طالق إن تزوجها. قال هذا مشكل وسئل عما نوى قبل، فإن لم ينو شيئا قال يفرق بينهما، وشك فى إلزامه البتة أو واحده. قال عيسى قال ابن القاسم إن ما نوى فهى البتة.
قال أبو محمد قوله ناهز إنما يريد وقد أنبت وذكرها فى الواضحة فقال غلام تزوج أمة ولم يذكر ناهز الحلم، وفى كتاب ابن المواز قال مالك: ما أرى من أمر بين، فأحب إلى أن يفرق بينهما. قال أصبغ إذا كان ممن يجرى عليه الحدود.
ومن سماع سحنون من ابن القاسم وأشهب: وعمن باع منزلاً فقيل للمبتاع إن لزوجته فيه شركاً فأعلمه المبتاع بذلك فحلف بالطلاق لا باع منه شيئا، فخاصمه المبتاع وسلمت زوجته، قال لا يحنث لأن البيع قد تم وإنما يمضى ما ثبت، وقاله سحنون.
وقال أصبغ فيمن باع سلعةً فسأل المبتاع أن يبدل له بعض الدراهم فأبى، فحلف لا باعها منه أو حلف المبتاع لا اشتراها، فسئل المبتاع عن نيته فقال: ظننت ألا يتم بيع إلا بالافتراق أو لا يدعى نيته وأن يمينه مسجلة، قال إن تسالما حنثا إن حلفا لأن يمينهما على المنع من البائع والترك من المبتاع، وإن حلف أحدهما وسالمه الآخر بر، وإن لم يسالمه وقام على حقه حنث. وليس فى هذا شك
[4/ 258]

(4/258)


إلا فى الجاهل الذى يظن أن البيع لم يتم ففيه ضعف وهو حانث عندى، ومسألة مالك فى الأمة هو حانث. وكالذى يدعى إلى نكاح امرأة فيقول هى طالق ولا يقول إن تزوجها فليزمه إن تزوجها، وهو كالجواب، وقاله أشهب.
ومن المجموعة روى ابن وهب وابن القاسم عن مالك فيمن غيب أمة لزوجته فسألته ردها فحلف بعتق رقيقه لا رجعت إلى ملكها، ثم سألته فردها إليها، قال قد أثم وأعتق رقيقه.
قال عبد الملك فيمن باع دابة فماطله المبتاع بالثمن فحلف لا باعها منه فلا شىء عليه إذا ثبت البيع الأول، لأنها فى ملكه.
قال ابن حبيب فى الغلام الذى حلف لا تزوج امرأته أو حلف لا باع ما قد باعه إنهما حانثان ولا ينويان. وقد قال مالك فى الحالف ألا تعتق زو جته أمتها وقد كانت أعتقتها إنه لا شىء عليه، إلا أن يريد إن كنت فعلت، فهذا يدل أنه لو كان أنها فعلت أنه حانث ولا ينوى.
ومن كتاب ابن المواز وعمن باع ثوبا ثم تشاجر مع المبتاع فحلف لا أخذ فى ثمنه ديناراً ولا درهماً، فإن كان سمى له فى أخذها فأبى عليه فله أخذ العروض، وإن لم يكن كذلك فلا يأخذ منه شيئا إلا حنث، ثم قال للسائل ما سبب يمينك؟ قال سألته الإقالة، قال فإذا لا تأخذ منه شيئا، وإن رد ثوبك بعينه فخذه. وكذلك إن رده بعد أن قطعه ولا تأخذ ما نقصه القطع ولا قيمة الثوب إن قطعه، فإن أخذت منه ثوبك وبعته من آخر فباعه الآخر منه ولا يبيعه ممن يرى أنه يبيعه منه، وبعه من أبعد الناس منه.
وقال فيمن باع جلداً له غائباً ثم جاءه الجلد فبعث به مع أخيه إلى ربه، فحبسه الأخ ورماه فى الدباغ لنفسه، ثم طلب أن يبيعه منه فحلف بالطلاق لا باعه من أحد، فجاء المشترى فى طلبه فلا حنث على البائع، وهو للمشترى بالبيع الأول أن ينوى لا خرج من ملكه إلى المبتاع ولا إلى غيره.
[4/ 259]

(4/259)


ومن كان شريكا لرجل فى مقتاة أو زرع ثم حلف ألا يشاركه فإنما يلزمه ذلك فى غير ما اجلا فيه. ومن له رهن بدينار فحلف ألا يرهن شيئاأبدا ثم أخذعلى ذلك/الرهن دينارا آخرفإن كان الرهن يسوى أكثر من دينار حنث والا فلا شيء عليه.

فيمن حلف لا يجاور أباه أو لا يخرج امرأته الا بقضية
وهل له منعها أن تخرج بغير يمين؟
من العتبية روى ابن القاسم عن مالك فيمن حلف بالطلاق لا جاوره أبوه وهو يستطيع فليس ذلك مخرجاً. ولو استأذى عليه أبوه أو حلف عليه لم يكن له به مخرج، ولا يحيى السلطان على مثل هذا أحداًٌُ.
وروى عنه أشهب فى الحالف بطلاق امرأنه إن خرجت من بيته إلا أن يقضى عليه السلطان أو تخرج بغير إذنه فضربها، وكانت تسكن مع أمه فخاصمت ألا تسكن معها فقضى لها أن تخرج فنقلها فلا شىء عليه، واليمين عليه فى المنزل الثانى.
وإذا حلف بطلاق وعتق لا يتركها تخرج أبداً أيقضى عليه بالخروج فى جنازة أبيها وأمها ويحنث؟ قال لا أرى ذلك عليهإذا حلف. وإذا حلف لا خرجت إلا أن يقضى على به السلطان فأراد أن يقضى عليه بذلك، فإن نوى إذا أخبر الإمام غيره فقضى عليه ألا أن يكون عليه شىء، وليس على السلطان بأس أن يفعل إذا علم أنه يجب ذلك.
قال ابن المواز وقيل لابن عبد الحكم فإن جهل فأخبر هو بذلك الإمام. قال ما أشبهه أن يحنث.
[4/ 260]

(4/260)


ومن سماع سماع أشهب قال وإذا لم يحلف فإنه يقضى لها عليه أن تشهد جنازة أبيها وأمها وأن تزورهما، والأمر الذى فيه الصلة والصلاح. وأما الجنائز واللعب والعبث فليس ذلك عليه.
وقال فى الحالف ألا تخرج أبدا إنه لا يقضى عليه فى أبويها ويقضى عليه أن تخرج إلى الحج إن شاءت كانت صرورةً، ولكن ما أدرى ما تعجيل الحنث فى هذا يحلف بالأمس ويقول أنا أحج اليوم ولعله يؤخر ذلك سنة بسنة.
ومن المجموعة قال ابن القاسم: ومن حلف لا خرجت زوجته إلا بقضاء الإمام، فإنه يقضى عليه فيما يلزم من جنازة أمها وما ينبغى فأرجو ألا شىء عليه. وأما إن قضى عليه بغير الحق فأذن له بحكم منه فلا شىء عليه وأما إن أخبر بذلك لرجل فمضى الرجل إلى الإمام فأخبره فحكم عليه بغير الحق فهو حانث. وذكرها فى كتاب ابن المواز إلى قوله فأرجو ألا شىء عليه، ثم قال: فإن أذن لها، يريد الإمام، فيما يلزم فلا يأذن لها، يريد الزوج وإلا حنث. وإذا أذن السلطان فى أمر لا يدريه فهى على ذلك الإذن وليس له مخرج فيما لم يأذن لها فى غير الواجب، فإن أذن لها حنث. هكذا وقعت فى الكتاب مشكلة، وروايت ابن عبدوس التى تقدمت أبين.
وقال ابن عبدوس قال ابن القاسم عن مالك فى الحالف لا أذن لها إلى بيت أمها، فمرضت الأم مرضا شديدا فقالت لزوجها اتق الله، فقال لها استأذى علي الإمام حتى يأذن لك، فقلت له قد وكلتك على ذلك، فذكر هو ذلك للقاضى، فقل قد أذنت لها، فبلغها عنى كما بلغتنى عنها، فأخبرها فخرجت، قال قد حنث.
وفى باب الحالف لا تخرج امرأته إلا بأذنه بقية القول فيما يلزم الزوج الإذن فيه لها ويقضى به عليه.
[4/ 261]

(4/261)


فيمن حلف لا يعطى خصمه شيئا
ولا يصالحه إلا بقضية أو حلف على رجل
ليستأذين عليه أو ليرافعنه
أو ليجتهدن عليه ونحو هذا
أو ليرفعن أمراً غلى السلطان
ما الذى يبرئه فى ذلك كله؟ ويحنث به؟
من المجموعة قال ابن القاسم عن مالك فيمن خاضم رجلاً فى ميراث فحلف لا دفع إليه شيئا إلا بقضية، ثم اختصما فقضى على الحالف باليمين فأراد الفداء منها، فكره، يريد مالك، أن يدفع إليه شيئا إن كان باراً. قال عنه ابن نافع فيمن حلف ليصيحن على الأمير فى فلان فصاح فلم يدع به، قال يرجع فيصيح، فإن صاح ولم يدن أو لم يستعد عليه لا ينفعه.
قال ابن نافع إذا صاح من موضع بسمعه الإمام بر فى يمينه.
وقال عنه فيمن ابتاع ثمراً فخاف أن يضيع فيه فأخبر البائع فقال له: بع ولا نقصان عليك، فخلطه بغيره ةباع فنقص فحلف البائع بالطلاق إن حطه لأنه خلطه بغيره، فخاصمه إلى صاحب الشرط فقضى على البائع باليمين فلم يحلف، فقال له مالك إن لم تحلف لزمك الغرم قال قد قال لى صاحب الشرط اصطلحا فقال حلفت لا أحطه إلا بقضية السلطان، قال قد قضيت عليك أن تصالحه، فقال مالك لا أرى ذلك مخرجاً أن تصالحه على أمر تتماسكان فيه، ولكن لو قال قضيت عليك أن تحطه النصف أو الثلث كان ذلك مخرجا لك.
قال عنه ابن القاسم فيمن حلف لمن شتمه ليرفعن فيه بينةً، أيجزئه أن يرفعها؟ قال بل حتى يخاصمه ويقاعده.
قال عنه ابن نافع: ومن ستمه رجل فحلف ليجهدن عليه وليستأذى ثم تركه، قال أخاف عليه إذا قال له إذهب وتركه، ولو أجهد عليه فلا يقضى له
[4/ 262]

(4/262)


بشىء فلا شىء عليه. قيل فإن أجتهد عليه الآن بعد أن تركه، قال أخاف أن يكون قد حنث إن تركه وقال عفوت عنك، وإن انصرف عنه ولم يقل له عفوت عنك ففى ذلك شىء. يقول لم أتركه.
وقال عنه فيمن حلف ليستأذين على إمرأته فستأذى واحداً طائعا وجاء فلم يجدها فى المنزل، وحضره سفر إلى ينبع، قال لا يعجل وأخاف عليه الحنث.
وقال عنه فيمن حلف لرجل بالعتق ائن مات أبوك لأجهدن أن لا تلى ما كان، فمات الأب وولى الأبن سنين وولى ثلاثة أمراء كل ذلك لا يتكلم فيه. قال أخاف أن يكون قد حنث، قيل فإن لم يكن حنث فإنه يبيع رقيقه قبل أن يخاصم؟ قال لا. قال ابن نافع إذا غفل عن ذلك فلا يحنث ويقال له الآن فافعل ما حلفت عليه.
ومن العتبية ابن القاسم عن مالك: ومن حلف لا فارق خصمه حتى يذهب به إلى السلطان أو إلى صالح فلقى خاطب خليفة صالح، فقال له أرسله فرآه حانثا حين لم يجلس معه حتى يلقى صالحا.
قال ومن حلف ليرفعن أمرا إلى السلطان لم يبره أن يرفعه إلى صاحب الحرس. قال ابن القاسم يريد الذى يعس، فأما صاحب الشرطة فهو سلطان، وليس صاحب المسلحة سلطانا.
قال عنه أشهب فيمن حلف بالطلاق إن لم أخاصمك إلى فلان الوالى فمات فلان أو عزل فليخاصمه إلى من ولى بعده ولا شىء عليه، لأن قصده مشافهته إلا ينوى الأول بعينه، وإن لم تكن له نية لم يحنث إذا خاصم إلى الثانى. وإن أقام بعد يمينه شهرين لا يرافعه حتى مات الوالى أو عزل فذلك له إلا أن ينوى الأول بعينه، وإن لم تكن له نية لم يحنث إلا أن يتطاول ذلك جداً.
قال سحنون فى المجموعة شهرين كثير، وأخاف أن يحنث.
[4/ 263]

(4/263)


قال ابن الماجشون إذا قصد ذلك الوالى لصداقة رجاها أو لعداوة بينه وبين خصمه أو لصلابة فيه، فإن لم يوقت وترك وهو قادر أن يستأذى حتى عزل أو مات أو فات المحلوف فيه فقد حنث، وإن لم يرد ذلك فالذى ولى بعده فيه اليمين. ولو ضرب أجلا فى ذلك كله ففات ما فات من ذلك فى وقته الذى لو استعدى فيه بر، ولو استعدى بعده فلا شىء عليه.

فيمن حلف لا تخرج زوجته إلا بإذنه أو خص موضعا
أو قال لا أعرت شيئا إلا بإذنى
وما الذى يبرئه من الإذن؟
وما الذى له منعها من الخروج فيه بغير يمين؟
من الواضحة قال ابن حبيب: وللرجل منع زوجته من الخروج إلى بيت أبويها، ولا يحكم به عليه إن امتنع وإن لم يحلف، ولكن يحكم عليه بالإذن لها فى الدخول عليهما المرة بعد المرة، وليس له منع الوجهين ويقطع ما أمر الله به أن يوصل. فإما أن يتركها تخرج إليهما أو يدخلان إليها، ويقضى عليه بأحد الأمرين إن طلبته هى أو أحد أبويها هو حق لها ولهما.
فإن حلف بالطلاق لا دخلا إليها ولا خرجت إليهما قضى بإحناثه بأحد الأمرين إن خوصم، وكذلك قال من كاشفت من أصحاب مالك ويقضى عليه أن لا يمنع أخاها وعمها وخالها وابن أخيها وابن أختها من دخولهم إليها أو خروجها إليهم، فإن حلف فى الوجهين فقد ظلم وأساء ولا يبلغ به الحنث. وكذلك سمعت.
ومن حلف لا خرجت امرأته مبهما أو سمى موضعا، فإذا خرجت بعلمه أو غير علمه حنث. ومن حلف لا أذن لها فى الخروج فخرجت بغير إذنه ولا علمه فلا يحنث، فإن علم فسكت قادراً على منعها فلم يفعل حنث، إلا أن يحلف على التاسم لها والتحرج عن الإذن لها ويتركه إياها على سخطة وغير رضى فلا يحنث، وهكذا قال ابن الماجشون ومطرف، وقاله ابن القاسم وأصبغ.
[4/ 264]

(4/264)


ومن حلف لا خرجت امراته إلا بإذنه فأراد سفراً فأذن لها أن تخرج كلما شاءت وحيث شاءت، قال ابن القاسم يقول إذن واحد يكفيه، إلا ان يقول لا خرجت إلى موضع من المواضع أو يقول إلى موضع فقط، فإن قال ذلك لم يجزه حتى يجدد الإذن فى كل موضع عن علم منه بالموضع الذى تخرج إليه، وحكاه عن مالك وقاله مطرف وأصبغ. وقال ابن الماجشون إذن واحد يحزئه فى الوجهين، وقاله أشهب. وقول ابن القاسم أحب إلي، فإن نزل ذلك لم أبلغ به الحنث وأخذت بقول أشهب وعبد الملك.
وذكر ابن المواز عن مالك وابن القاسم مثل ما ذكر ابن حبيب، وذكر عن أشهب مثل ما ذكر، وكذلك عنهم فى المجموعة.
قال ابن القاسم فى المجموعة ومعنى قول مالك فى قوله إلى موضع يعنى أن يأذن لها فى كل إذن بعد أن يعلم الموضع، فأما لو قال إن خرجت إلى دار فلان إلا بإذنى ثم قال اخرجى حيث شئت أو اخرجى إلى دار فلان هذه متى شئت وكلما شئت فلا شىء عليه.
فكذلك ذكر ابن المواز فى قوله إلى دار فلان كقوله اخرجى مطلقا فإذن واحد يكفيه بخلاف قوله إلى موضع، وكلك قال أصبغ.
وذكر ابن الماجشون فى الحالف لو خرجت إلا بإذنى أنه لابد من إحداث الإذن فى كل مخرج، إلا أن يقول نويت هذا الأمر جملة بعينه، أى نويت إذنا واحداً فيحلف وينوى. ولو أراد سفراً وجها أو وقت وقتاً له سبب فأذن لها إليه لما لا يقدر أن يستأذنه لغيبة فيجيز من هذا ما كان له وقت وللإذن فيه جملة سبب.
ومن المجموعة قال ابن نافع عن مالك فيمن حلف بالطلاق لا ذهبت مكانا إلا بإذنك، يعنى امرأته، فأذنت له فى شهود جنازة ابن عمه فاستأخر إلى المساء ففزع أن يرجع من الحرس فبات عندهم، قال لا شىء عليه. أرأيت لو أخذه الحرس أعليه شىء؟
[4/ 265]

(4/265)


ومن كتاب ابن المواز: ومن حلف لا خرجت إلا بإذنى، فأذن لها فخرجت ثم رجعت إلى الدار ثم خرجت بغير إذن حنث، إلا أن يقول لها اخرجى إلى أى موضع شئت.
قال ابن المواز عن ابن وهب وقال العتبى عن أبو زيد عن ابن القاسم: وإذا أذن لها إلى موضع فخرجت ثم رجعت من الطريق لحاجة ذكرتها مثل ثوب ذكرته تتجمل به ثم خرجت فلا شىء عليه، إلا أن ترجع إلى الدار تركاً لمخرجها الذى أذن فيه ثم تذكر فتخرج على الإذن الأول، فهذا حانث.
وقال ابن المواز عن ابن القاسم إنه حانث بكل حال، وكذلك ذكر عنه ابن حبيب عن أصبغ، وذكر عن ابن نافع ومطرف وابن الماجشون أنها إن رجعت لما ذكرت قبل بلوغ الموضع الذى خرجت إليه فلا شىء عليه، فأما لو بلغت ثم رجعت فلابد من تجديد الإذن وإلا حنث، وبه قال ابن حبيب.
ومن كتاب ابن المواز: وإن حلف لا أعارت امرأته من بيته شيئاً إلا بإذنه، ثم يقول لها قد أذنت لك أن تعيرى كل ما شئت فلا ينفعه فلا ينفعه ذلك حتى يعرف كل ما تغير، كمن قال إن خرجت إلى موضع إلا بإذنى. وقيل ليس هذا مثله، وليس بشىء حتى يقول إن أعرف شيئا من الأشياء فيكون مثل قوله إن خرجت إلى موضع من المواضع. وأما يمينه إن أعرت فمثل قوله إن خرجت.
قال ابن المواز وقال أشهب فيمن حلف ألا تخرج إلى عيادة مريض إلا بإذنه، فأذن لها فى العيادة فذهبت منها إلى غيرها فقد حنث. وإن حلف ألا تخرج إلى بيت أمها إلا بإذنه فأذن لها إليها فخرجت إليها ثم مضت منها إلى الحمام فلا شىء عليه. قال أحمد بن ميسر لأنها لا تحتاج فيه إلى إذن.
قال ابن حبيب وإن حلف لا أذنت لك إلا إلى بيت أهلك أو إلى موضع كذا فأذن لها إليه فخرجت إلى غيره أو خرجت إليه، فابن القاسم لا يحنثه، فقال أصبغ يحنث كان مبتدأ خروجها إلى موضع استثناء أو إلى غيره، وبه أقول.
[4/ 266]

(4/266)


ومن كتاب ابن المواز وغيره قال أصبغ: إن حلف لها لا خرجت إلا بإذنى فمر بأمها فسألته أن يأذن لها إليها، فقال نعم أنا آذن لها وأبعثها إليك، فبعثت الأم إليها قد أذن لك زوجك فجاءتها قبل مجىء الزوج وإذنه، فإن أراد بما قال للأم إذناً إنى قد أذنت لها وتلك نيته فلا شىء عليه، وإن لم يرد ذلك فقد حنث. وكذلك ذكر العتبى عن ابن القاسم عن مالك. وفى المجموعة عنه وعن أشهب وابن وهب عن مالك.
ومن المجموعة قال أهشب عن مالك فى الذى حلف لا خرجت امراته إلا بإذنه فأراد سفراً فأذن لها بإشهاد قوم أن تخرج حيث شاءت، وأشهد بذلك فلم يبلغها حتى خرجت بعد ذلك الإذن فقد حنث، لأنها خرجت بغير إذنه، وقالها ابن القاسم.
قال ابن القاسم وأشهب: وإن أذن لها فخرجت ثم رجعت فاليمين باقية عليه. قال أشهب كما لو حلف لا كلم فلاناً إلا ناسيا فكلمه ناسياً إن اليمين عليه، أو حلف لا يتزوج إلا بإذن امرأته فأذنت له فى امرأة ثم نكحها ثم فارقها وبانت منه، فلا يتزوجها إلا بإذنها.
ومن العتبية قال أصبغ: وإن حلف لا خرجت إلا بإذنى، فأذن لها إلى موضع فذهبت منه إلى غيره فقد حنث. وكذلك إن قال فى موضع من المواضع. وقال أشهب عن مالك فيمن حلف فى سفر ومعه زوجته فقال: إن قدمنا ودخلت الدار فأنت طالق إن خرجت إلى سنة، فقدمت فدخلت داراً أو دارين قبل تدخل دار زوجها ثم دخلتها، فلا شىء عليه حتى تخرج بعد أن دخلتها قبل السنة. قيل قدمت نهاراً؟ قال تأتنف السنة من الليلة التى تأتى، وأحب إلى ألا تنزل فى منزل أحد حتى تنزل فى منزله ثم لا تخرج إلى سنة.
[4/ 267]

(4/267)


وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن حلف لا خرجت امرأته إلا انتقال، فأراد إخراجها إلى قريته ثم ترجع فلا يفعل إلا على أن يدع سكنى موضعه. وكذا قال عنه أبو زيد، وزاد فقال: وإن كان خروجه يقيم الشهر ونحوه فلا شىء عليه.
قال عنه أبو زيد وإن حلف لا أذن لها إلى أهلها فأذن لها إليهم فلم تذهب فقد حنث سارت أو لم تسر.
وفى باب من حلف على شىء فيفعل بعضه من معنى هذا الباب. وقد تقدم فى باب من حلف لا يجاور أباه ولا تخرج امرأته زيادة فى ذكر ما يؤذن فيه للزوجة من الخروج.
فيمن حلف ألا تخرج امراته فأكرهت على الخروج
أو خرجت لأمر غالب أو خوف هدم
أو انتقل الزوج أو حلف
ليخرجن فخاف أمرا
ومن كتاب ابن المواز قال مالك فيمن حلف لا مرأته لا خرجت أبدا، فأخرجها رب الدار فليرفق به، فإن أبى فلا شىء عليه ولكن اليمين باقية عليها فى الدار التى ينتقل إليها. وكذلك إن خرجت لحريق أو هدم وشبهه.
قال مالك وكذلك لو كان الزوج غائبا فكاتبته فأذن لها أو لم تكتب إليه ولا أذن فهو سواء إذا أخرجها رب المنزل، فاليمين باقية فى المنزل الآخر.
قال ولو انتقل الزوج ولم يخرجه رب الدار فلا شىء عليه إذا كان على سبيل النقلة، واليمين باقية حيثما انتقل. وكذلك إذا خرج بخوف سقوط البيت أو أراد النقلة أو خرج إلى بادية وما كان مما يخشاه من أمر السماء فيغلبه فلا شىء عليه.
[4/ 268]

(4/268)


ومن العتبية قال ابن القاسم عن مالك فيم حلف بالطلاق لا خرجت امرأته من الدار، فأتاها سيل أو هدم أو أمر لا قرار معه أو أخرجها أهل الدار وهى بكراء قد انقضى، فلا شىء عليه فى خروجها هذا واليمين عليه فى الدار التى انتقلت إليها. وكذلك إن رجعت إلى الدار التى انتقلت منها.
قال ابن القاسم فإن ضرب أجلاً فحتى تبلغ إليه. قال ابن سحنون عن أبيه: وكذلك لو أخرجها السلطان فى يمين يحلفها عند المنبر لم يحنث.
ومن المجموعة قال ابن نافع عن مالك فيمن حلف بطلاق امرأته إن خرجت من باب بيتها حتى الصدر، فغاب وكان من شأن المبيضة ما كان، فخافت المرأة فخرجت من خوفها من دبر البيت إلى أمها ولم تخرج من بابه. قال أراه قد حنث.
ومن حلف لئن كان كذا لأخرجن إلى موضع كذا، فكان ذلك فمنعه من الخروج الخوف، قال لا ينفعه ذلك إلا أن يكون ذلك فى أصل بيناه.

فيمن حلف ألا فعل كذا إلا بإذن فلان أو حتى يقدم
وكيف إن مات فلان أو لم يمت
أو قال أنت طالق إلا أن يمنعنى فلان
من كتاب ابن المواز: ومن حلف أن لا يقضى فلاناً حقه إلا بإذن زيد فمات ن فلا ينفعه إذن ورثته ولا قضاء السلطان إلا أن يكون على يمينه بينة ونوى إكراه الوالى.
ولو حلف لا دخل الدار إلا بإذنى فلان فمات فلان لم ينفعه إذن ورثته، وكذلك قال ابن القاسم وأشهب فى المجموعة.
وإن أذن له فلان فدخل ثانية إلا بإذنه، إلا أن يقول له قد أذنت لك أن تدخل كلما شئت فذلك له. ولو أذن له أن يدخل فلم يدخل حتى نهاه،
[4/ 269]

(4/269)


قال أشهب قد قيل لا يدخل، فإن فعل حنث، وكذلك يمينه لا يخرج إلى بلد كذا إلا بإذن فلان فلا يخرج إلا بإذنه إلا أن يحلف بذلك لدين عليه أو يدفعه ويقضيه أو يدفعه بعد موته إلى السلطان فليخرج.
وإذا حلفت امرأة لا زوجت أمتها عبد فلان إلا بإذنه فمات فلا تزوجها إياه إلا بإذن من ورثته. وكذلك فى المجموعة عن ابن القاسم عن مالك.
ومن المجموعة قال أشهب ومن حلف لا دخل دار زيد إلا بإذن محمد، فأذن له أن يدخل كلما شاء فذلك إذن كاف، إلا أن يكون إنما قال له أناه أذهب أدخل دار فلان فأذن له فدخل، فهذا لا يدخل إلا بإذن آخر. ولو أذن له ثم نهاه قبل أن يدخل فلا يدخل، فإن فعل حنث.
ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن حلف لامرأته أنت طالق البتة إن دخلت دار أبيك حتى يقدم أخوك من سفره، فمات أخوها قبل يقدم، فهذا ينوى، فإن أراد مثل قدوم الحاج ونحوه ولم يرد الموت وإنما أراد الجل وأقامت لمثل ذلك ثم دخلت فلا يحنث، وإن لم تكن له نية فهو حانث إن دخلت.
وقال أصبغ: ومن قال أنت طالق ثلاثاً إلا أن يمنعنى أبى، فمنعه أبوه فلا شىء عليه إذا كره الأب ذلك ومنعه بصحة وإدارة، وكأإنه قال أنت طالق إن شاء أبى فلم يشأ.
وإن قال امرأته طالق إن خرج من المسجد إلى الليل إلا بإذن فلان، فقال فلان لا آذن لك إلى الليل وأشهد بذلك، ثم أذن له بعد ذلك فلا ينغعه ذلك، لأنه نهاه أولاً وعزم على ذلك وأشهد، وهو كالتوقيف لو وقف فأبى ثم أذن بعد ذلك بل هو أشد منه.
[4/ 270]

(4/270)


فيمن حلف ليخرجن إلى فلان فقدم
أو لا فعلت حتى يقدم فلان فمات
أو حتى يقدم من سفرى أو ليخرجن معى فكسر
أو قال لا أخرن غلانا أو لا صحبته أو لأنفقن عليه فمات فلان
من المجموعة قال ابن القاسم فيمن حلفت لا تخرج إلى موضع كذا حتى يقدم زوجها من الحج فمات فى عيبته، فإن أرادت لمقدار قدومه كالحاج ونحوه، فإذا مضى ذلك المقدار فلا شىء عليها، وإن لم تكن له نية فاليمين عليها أبدا. قال ابن المواز إذا أرادت مغيب زوجها.
وقال ابن القاسم عن مالك فيمن حلف لا دخلت امرأته موضعا حتى يرجع من سفره فى حج أو عمرة فكسر فلا تدخله إلى مثل مقدار سفره ورجعته إذا لم يكن له نية ولا ما يدل على أكثر من لفظه.
ومن المجموعة والعتبية قال ابن نافع وأشهب عن مالك فيمن استأذنته زوجته فى الخروج عند سفره فحلف لا أذن لها حتى يرجع فكسر، فإن نوى أن لا يأذن لها فى غيبته إذ لا واعظ لها ولا معاتب وخاف من ضرر خروجها فهو أخف.
قال أشهب فى المجموعة: ومن قال لعبده إذا قدمت أنا من المدينة فأتت حر أو امرأته طالق، فكسر عنه الخروج فلا شىء عليه.
قال أبو محمد وأعرف فى موضع آخر أنه إذا أراد أن يجعله أجلا طلقت المرأة الآن. وعتق العبد إلى مثل مقدار خروجه ورجوعه.
من العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن أراد النقلة بزوجته فأبت، فقال أنت طالق إن لم تنتقلى معي، ثم بدا له عن الانتقال فلا شيء عليه.
[4/ 271]

(4/271)


وإن قال إن ولدت غلاما إن لم احج بك فانت طالق، فاتت بغلام وابت الحج، فأراد أن يفي لها بما كان يسأله، فإذا عرض عليها ذلك فأبت فلا شيء عليه، وإن أغلق على نفسه ليفعلن ذلك ليس على وجه العطيه لها فقد لزمه ذلك، وله أن يكرهها على الحج وذكرها في كتاب ابن المواز فقال: إن كانت هي سألته ذلك فلا شيء عليه إذا أبت الخروج، وإن كان منه على وجه العطية لله لاعلى العطية لها وليسرها لزمه أن يخرج بها ويكرهها. ومن كتاب ابن المواز والعتبية من سماع أصبغ من ابن القاسم: ومن حلف بالطلاق ليخرجن إلى أخيه إلى العراق فقدم أخوه ولقيه فى الطريق وقد خرج إليه أو بلغها موته فإن كان إنما أراد لقيه فلا شىء عليه وليقم، وإن كان إنما أراد إتيان العراق فليأتها. وقال سحنون فى كتاب ابنه: إن فرط حنث وإن لم يفرط لم يحنث.
وقال عبد الملك بن الحسن قال ابن القاسم: ومن حلف لا أنفق هذا الدينار إلا فى حلى ابنته، فماتت قبل أن يعمله لها، فليحبسه ولا ينفقه. وقال فيه كتاب ابن المواز لا شىء عليه.
وقال سحنون قال مالك فى الحالف لينظرن غريمه شهراً فمات الغريم قبل الشهر، فليحلف الطالب ما أراد إلا نفع الميت والرفق به ويأخذ حقه ولا حنث عليه.
قال ابن المواز قال أشهب: وإن حلف لينتقلن عن فلان إلى شهر، فمات فلان قبل الشهر، فلا يحنث، فإن لم يضرب أجلاً، وإن فرط فى النقلة حتى مات حنث الحالف.
ومن كتاب ابن المواز: ومن حلف لأمه ليخرجن بها فى هذا الموسم إلى مكة إذا قدمت من سفر لى فقدم، فهل يسافر سفراً آخر قبل الموسم؟ قال
[4/ 272]

(4/272)


مالك ما أحب ذلك، وليخرج بها، فإن أبت لا شىء عليه، وإن قالت له حتى يرجع من هذا السفر الثانى فخرج فلا شىء عليه فى سفره هذا. قيل إنه أفتى إذا أبت الخروج حنث. قال يقال لمن قال ذلك فإن وجدها قد ماتت أو مرضت أو انكسرت أعليه شىء؟ قال لا شىء عليه.
فيمن حلف بطلاق أو عتق ليفعلن كذا
أو ليعطين حقا ثم قال قد فعلت ذلك
من العتبية من سماع ابن القاسم: ومن حلف بطلاق امرأته أو عتق عبده ليضربن أمته أو عبده كذا وكذا، ثم يقول قد فعلت ذلك، فأكذب العبد أو المرأة فالحالف مصدق.
قال مالك: ولو حلف على قضاء فلان حقه إلى أجل فحل فقال قد قضيته، فإن لم تقم بينة بأنه قضاه طلق عليه بالبينة على أصل الحق. قال عيسى عن ابن القاسم: وإن قال الطالب بعد الأجل قد قضانى، فإن كان من اهل الصدق حلف مع شهادة صاحب الحق ولا شىء عليه، وإن كان من أهل التهم لم يقبل منه حتى يأتى بشاهدين أنه قضاه.
وذكرها ابن سحنون لأبيه من رواية عيسى عن ابن القاسم مثل ما ها هنا فقال سحنون: لا أعرف هذا، كان عدلاً أو غير عدل. وقولنا إذا قال قبضت برىء الحالف من يمينه.
ومن العتبية روى ابن وهب عن مالك قال: إنما هذا إذا لم يكن على أصل يمينه بينة إلا إقراره إنه حلف فالقول قوله أنه قضاه بلا بينة. وكذلك قوله حلفت بالطلاق لأضربن فلاناً وقد ضربته أو لأعطينه كذا وقد أعطيته فهو مصدق بلا بينة حين لم يكن على أصل يمينه بينة ويكون عليه المخرج بالبينة، وقاله أصبغ.
[4/ 273]

(4/273)


قال ابن كنانة إذا قال رب الدين قد قضانى عند الأجل لم تقبل شهادته فى ذلك ولا فى كل ما بينهما فى مخالطة على يمين فى ذلك بالبراء وبالحنث حتى يكون ذلك لغيره.
ومن الواضحة: وإذا قال الحالف بالطلاق على قضاء الحق إلى أجل قد قضيته قبل الأجل وصدقه القابض فإنه يبرأ من الحق ولا يبرأ من الحنث إلا بشاهدين على ما قال، ولا يقبل فيه شاهد ويمين ولا شهادة النساء ولا تصديق الطالب. وروى ذلك عن مالك وأصحابه، وأفتوا به إلا ابن عبد الحكم وأشهب فقالا إن كان المقر بالقبض مأموناً فلا يحنث، والأول أحب إليه.
وأخبرنى مطرف وابن الماجشون أن مالكاً أجاز فى ذلك شهادة قابض الحق مع غيره إن كان عدلاً ولا يقبل وحده قال ولو قال قبل الأجل قد قضيته وصدقه رب الحق أو أنكره فأقام شاهدا وامرأتين أو شاهداً وحلف فسقط الحق قبل الأجل فذلك يسقط الحنث، وإن لم يقم عليه بالحنث إلا بعد الأجل إذا حكم بزوال الحق قبل أجل بما قلنا من شاهد ويمين أو غيره. وإذا لم يحكم بزوال الحق إلا بعد الأجل لم يسقط الحنث وسقط الدين، وقاله مطرف وعبد الملك.
وقالا لو أتى بعد الأجل بشاهد وناقلين عن امرأتين أنه قضاه قبل الأجل برىء من الحنث، وإن كانت المرأتان حاضرتين إذا قال الناقلان عنهما أشهد أنا على شهادتهما قبل الأجل. وأما لو شهدت المرأتان بعد الأجل بأنفسهما مع الرجل أنه قضاه قبل الأجل لم يبر من الحنث، ونقل الشاهدين عنهما ذلك بعد الأجل كما لو شهدتا بأن القابض أقر عندهما قبل الأجل بالقبض وكانت شهادتهما بذلك بعد الأجل لسقط بذلك الحنث.
ومن كتاب ابن المواز: ومن له قبل رجل حق فأتاه فقضاه بعضه فأبى فحلف إن فارقه وبينهما عمل فأعطاه ما طلب، ثم طلبه بباقى حقه فادعى إنه قضاه الجميع وجاء بشاهدين أنهما سمعا الطالب يحلف بهذه اليمين ولا يعلمون سوى ذلك فلا يبر بذلك فى بقية الحق ويحنث الحالف، إلا أن يحلف أنه إنما أراد
[4/ 274]

(4/274)


قبل ما تقاضاه فقط، وهو الذى قبض فلا يحنث فى الفتيا، ويحنث فى القضاء على ظاهر يمينه.
فيمن حلف بالطلاق ما فعلت كذا أو ما كان كذا
أو ما علي كذا ثم قامت بينة بخلاف ما قال
قبل أن يحلف أو بعدما حلف
من العتبية من سماع ابن القاسم: ومن حلف فى بيت فيه ابنة عم له ما لها فيه حق، فأتت بينة أنه لجدها، وجاء هو بينة أن أباه حازه دون أخوته وبشاهد أن أباه استخلصه من إخوته، فليحلف بالله إن حقه لحق وما لها فيه حق ولا شىء عليه.
من سماع أشهب وعن ثلاثة نفر اشتروا غنماً وتقاوموها فاشترى أحدهم شاتين منها فأتى بالثمن إلى أحد صاحبيه، فقال له بقى عليك من الثمن نصف درهم وصدقه الثالث فحلف الذى أخذ الشاتين بالطلاق ما أخذتهما إلا بما بان، فقال مالك له قد حنثت، وبماذا ترد شهادتهما عليك؟ قال بأنهما شريكان لى، قال لا يتهمان فى نصف درهم فى الجر إلى أنفسهما هو بين ثلاثة. قيل له فالنصف درهم أيطرح عنه أو يقع عليه؟ قال لا أدرى، وقد قلت إذا لم يكن عليك فعلى من يكون؟ قال علينا أجمعين، وما أراه إلا وقد صدق.
وروى عيسى عن ابن القاسم: وعمن حلف بالطلاق لرجل إن كان بغاه عند فلان فشهد عليه شاهد أنه بغاه عنده وشهد بذلك فلان أيضا، قال يلزمه الطلاق. وكذلك لو قال ما بغيتك عند فلان وفلان فشهدا عليه بعد يمينه أنه
[4/ 275]

(4/275)


وروى عنه يحيى بن يحيى فيمن أقر عند قوم أنه حلف بالطلاق لا كلم فلانا ثم شهد آخرون أنه كلمه بعدما أقر باليمين، فقال امرأتى طالق إن كنت حلفت وما كان ذلك إلا كذبة كذبتها. ولقد كلمته وما على يمين بطلاق ولا غيره، قال يحنث، لأنه ثبت عليه أنه فعل ذلك بعد إقراره باليمين ألا يفعله.
قال: ومن قال قد كلمت فلاناً اليوم أو أتيته أو أكلت كذا ثم حلف بالطلاق إن كان فعل شيئا من ذلك، فهذا يدين ويحلف ولا شىء عليه، إلا أن تقوم عليه بينة بعد يمين أنه لم يفعل ذلك فتشهد عليه البينة أنه فعله قبل أن يحنث أو يقر بعد يمينه أنه كان فعله لزمه الحنث.
ومن شهد عليه قوم بحق أو أنه فعل شيئا ينكره فحلف بالطلاق لقد شهدوا عليه بزور، فهذا يدين ويحلف ولا شىء عليه، ثم إن أقر بعد ذلك بتصديق الشهود أو شهد آخرون بتصديق شهادة الأولين فقد حنث. وكذلك لو حلف بالطلاق ما كلم فلانا أو ما له عليه شىء، ثم شهدت عليه بينة بالحق أو بكلامه إياه فإنه يحنث.
وروى سحنون عن ابن القاسم فيمن قال لقوم فعلت كذا أو فعل بى فلان كذا، ثم سأله رجل عن ذلك فحلف بالطلاق إن كنت فعلت ذلك ولا فعل بى فلان، فقامت البينة على إقراره الذى كان أقر، فها يحلف ماكان إلا كاذبا ولا شىء عليه، إلا أن تقوم بينة أنهم عاينوه فعل أو فعل به فيطلق عليه.
قالوا ولو أنه أقر بعد شهد عليه الشهود بيمينه فلم يلزمه حنث، فأقر بعد ذلك أنه قد كان فعل وشهد على إقراره لطلقت عليه. وكذلك هذه المسألة فى المجموعة عن ابن القاسم عن مالك. وقال غيره وكذلك لو قامت بينة بعد يمينه أنه لم يفعله شهدوا أنه فعله قبل يمينه فإنه يلزم الحنث.
ومن سماع أصبغ قال ابن القاسم: ومن عليه بينة بدين لرجل فأنكره فأخبراه أنهما يشهدان عليه به، فحلف بالطلاق إن كان لفلان على شىء فشهد عليه فقضى عليه بالدين فلا يلزمه الطلاق إذا كانت يمينه بعد إخبارهما إياه
[4/ 276]

(4/276)


بشهادتهما عليه، وهو كيمنيه بعد شهادتهما عليه به عند الحاكم، قال أصبغ لأنه يمكن أن يكون كاذباً فى الإقرار الأول، وكذلك فى كتاب ابن المواز وفى المجموعة عن ابن القاسم وابن نافع عن مالك نحو ما تقدم.
ومن المجموعة قال ابن وهب عن مالك فيمن له على رجل دين فأتاه بذكر الحق يتقضاه، فحلف بالطلاق ما له عليه ما ذكر، فأقام البينة قال يطلق عليه. قال أشهب إن كانت يمينه إن كان لك على شىء من الأشياء فثبت بالبينة فإنه يسأل إن كان عليه شىء فإنه قد كان له على وقضيته، وهذا الذى أردت، لم يلزمه الطلاق ولزمه الحق. وإن قال لا مكان له على شىء قط لزمه المال والطلاق.
وإن قال المطلوب: كل من شهد على فى هذا المال فامرأتى طالق إن شهد إلا بباطل، أو قال له الطالب يشهد عليك فلان وفلان فقال ذلك، وذلك قبل أن يشهدا عليه فلا شىء عليه فى امرأته إذا شهدا وثبت الحق. وهذا كمن قال لرجلين امرأتى طالق إن كتنما دخلتما الدار، فقالا قد دخلناها، فلا يقبل منهما. قال ابن القاسم فيمن حلف بالطلاق إن لم يكن فلان يشهد عليه بكذا، أو إن لم تكن أخذت هى بشعادة فلان فأنكر فلان الشهادة فلا حنث عليه. وقالا عن مالك فيمن آجر رجلاً واجعى أنه آجره بمعول وعتلة وشهد بذلك رجل، فأنكر الآخر وحلف ما آجره على معول ولقد شهد بزور من شهد على، قال لا شىء عليه إن كان على يقين من يمنه.
وقال عن مالك فيمن شهد عليه أنه به ريح خمرفحلف بالطلاق ما شربت خمراً فليحد ويدين فى امرأته.
[4/ 277]

(4/277)


ولو حلف ما شربت خمراً فشهد عليه أن به رائحة مسكر، فابن القاسم ينويه إن قال نويت عصير العنب. وقد تقدم في الأول باب فيه فى هذا. وإن حلف ما شربت مسكراً ثم شهد عليه طلقت عليه. وإن حلف بعدما شهدوا فلا شىء عليه.
وفى كتاب ابن المواز: ومن شهد عليه رجلان أن عليه حقاً لرجل أو أنه شرب خمراً فحلف بالطلاق ما شربته وما ذلك الحق على فلا شىء عليه، لأنه حلف على تكذيب الشهود. ثم إن جاء شاهدان آخران بعد ذلك فشهدا أنه شربها وأن عليه الحق فأعاد اليمين بالطلاق على تكذيبهما فإنه تطلق عليه بيمينه الأول بشهادة الشاهدين الأخيرين بعد يمينه الأولى، وكذلك لو تقدمت يمينه بذلك عند أول الدعوى، فقامت عليه البينة بعد ذلك لطلقت عليه.
ولو قال له الخصم إن فلاناً وفلاناً يشهدان عليك فحلف هو كيمينه بعد شهادتهما ولا شىء عليه.
قال ابن القاسم فى المجموعة عن مالك فيمن له امرأتان فحلف بطلاق إحداهما إن دخلت دار فلان، فقامت عليه بينة إنه دخلها إن كان دخل تلك الدار، وما شهدوا عليه ... فلا طلاق عليه فى الثانية، ويطلق فى الأولى.
قال ابن سحنون عن أبيه فيمن حلف بالطلاق ما لك على حق أنه تطلق امراة الحالف. ولو كان قال له أنت زانى إن كان لك على شىء يحد إذا قضى بالحق بشاهد ويمين.
قال سحنون: ومن حلف بالطلاق ما لفلان عليه حق ثم شهد به عليه رجل وامرأتان فذلك يوجب عليه الحق ويلزمه الحنث.
[4/ 278]

(4/278)


فيمن قالحلفت بالطلاق أو بغيره الح كذا
أو قال طلقت امرأتى أو أقر بما يحنث به
ثم قال إنما كنت كاذبا أو معتذرا
أو أقرت الزوجة بالحنث ثم قالت كذبت
من المجموعة قال ابن القاسم عن مالك فيمن سئل عن شىء فقال عليه فيه يمين وهو كاذب وإنما اعتذر فلا شىء عليه، إلا فى الطلاق والعتاق إن قامت عليه بينة.
قال عنه ابن وهب وإذا جاء مستفيتاً ولا بينة عليه دين ولا شىء عليه فى الفتيا.
قال ابن حبيب عن مطرف عن مالك: ولا يصدق فى القضاء إلا أن يكون قد أشهد قبل أن يقول ما قال إنى إنما أقول ذلك معتذراً.
قال ابن حبيب: ومن وجد امرأته قد خرجت فقال: لم خرجت وقد كنت حلفت بطلاقك لا خرجت؟ ثم قال ما حلفت وما قلت ذلك إلا تعبطا عليها، قال لا شىء عليه فى الفتيا، وأما فى الحكم فيلزمه الطلاق.
وفى كتاب ابن المواز: ومن سئل فى أمر فقال على فيه يمينه بصدقة أو مشى وهو لم يحلف وإنما أراد أن يعتذر فلا شىء عليه، قامت عليه بينة أو لم تقم إلا أن يقول حلفت بالطلاق يردي والعتق فلا يلزمه فى الفتيا ويلزمه فى القضاء. وكذلك روى عن ابن القاسم عن مالك فى العتبية.
ومن المجموعة قال ابن وهب عن مالك فيمن قيل له بلغنا أنك طلقت امرأتك قال قد كنت ذلك، ثم قال والله ما طلقت، قال يلزمه ما أقر به يريد فى القضاء. قال عنه ابن نافع فيمن قيل له اشتريت فلانة، فقال حلف بالطلاق
[4/ 279]

(4/279)


لا أشتريها وهو لم يحلف، إنما خاف أن يحمل عليه فيها ثم اشتراها، قال إن لم يكن عليه بينة وكان صادقاً فلا شىء عليه. ولو قال هذا بمحضر رجلين ولم يكن حلف لزمه الطلاق، يريد فى القضاء.
قال ابن القاسم وإن حلف بالطلاق إن دخل دار فلان ثم أقر عند بينة أنه قد دخلها، ثم قال كذبت فيما قلت، قال هو فى سعة بينه وبين الله عز وجل، ويطلق عليه الإمام، وكذلك قال مالك فى الواضحة.
قال ابن القاسم فى المجموعة وإن لم يسمع منه هذا القول إلا امرأته وقال لها كنت كاذباً فلا يسعها المقام معه إلا أن لا تجد بينة.
قال ابن القاسم فيمن قال أنت طالق إن دخلت أنت الدار، فقالت قد دخلتها فصدقها الزوج ثم قالت كذبت، فإان صدقها لزمه ذلك، وإن كذبها لم يقض عليه رجعت أو تمادت. ويستحب له ألا يقيم عليها من الوجهين لما غاب عنه من صدقها أو كذبها، وكذلك فى العتق يؤمر ولا يقضى عليه.
فيمن حلف إن فعل كذا إلا برضى زوجته ففعله
وادعى رضاها أو فعله وهى ساكتة
من العتبية روى سحنون عن ابن القاسم فيمن حلف لا فعلت كذا إلا برضاك ففعل وقال قد أذنت لى وقامت عليه البينة وأنكرت الإذن، قال يطلق عليه، وهى مثل مسألة الدين.
وكذلك ما كان مثل هذا، وقاله المخزومى، وإن صدقته فلابد أن أحلفه لقد أذنت له.
قال أصبغ فيمن حلف لزوجته لا وطئت فلانة إلا برضاك وإلا فهى حرة، أو قال فأنت طالق، فوطئها وهى ساكتة تراه فزعمت أنها لم ترض، فهو حانث.
[4/ 280]

(4/280)


وإن ادعى رضاها قبل أن يطأ فعليه البينة إلا أن يكون المحلوف لها زوجته أو أم ولده ممن لا يشهد فى مثل هذا عليها، فأرجو ألا شىء عليه إذا وطىء وعلم الإذن بالرضا والصحة وجاء مستفتيا فيدين فى ذلك، فإن كان مخاصماً أو مشهوداً عليه كلف البينة على الإذن، وإلا لزمه الأمر.
قال عيسى قال ابن القاسم: ومن حلف لا يخرج زوجته إلا برضاها ورضى أخيها وأختها، فرضيت هى أن تخرج أبى الأخ والأخت فلا يبر إلا باجتماعهم.

فيمن شك فى البر أو الحنث
أو حلف على شك أو مايشبه الشك
من العتبية من سماع ابن القاسم قال مالك فيمن حلف بالطلاق على موت ناقة له لقد ماتت بين الظهر والعصر ثم شك فقد حنث. فإن كانت يمينه لواحدة فليرتجع إن لم تنقض العدة.
وعن بائع لحم حلف لا زاد على رطل وربع بدرهم. فباع صدراً وزناً ثم باع مابقى بالأجزام فلم يدر أقل مما سمى أو أكثرفقد حنث، إلا أن يوقن أن كل جزء أقل من رطل وربع.
وعمن قالت له امرأته يابن الخبيثة ثم قالت له لم أقل إلا يابن الخبث فحلف بالطلاق لقد قلت لى يابن الخبيثة ثم سكت قليلاً ثم قال لها قلتها ثلاث مرات ثم شك أن تكون قالتها ثلاثاً وهو موقن أنها قاتلها، فإن لم يذكر بعد سكوته كلاماً فيه طلاق أو أراد به طلاقا فلا شىء عليه.
[4/ 281]

(4/281)


قال ابن القاسم فى كتاب ابن المواز: إذا كان بعد صمات فلا شىء عليه، إلا أن يريد إدخال كلامه الآخر فى يمينه.
قال ابن المواز ومن حلف بيمين ثم شك فى بره أو حنثه فهو حانث مالم تكن يمينه بالله.
ومن كتاب ابن المواز: ومن حلف له قبض منى فلان خمسة وعشرين درهماً ثم شك وعنده براءة بأحد وعشرين، فإن لم يوقن بالخمسة وعشرين فقد حنث.
ومن حلف أن لا يأكل هذه الثمرة ثم اختلطت بثمر فأكل منه ثمرة لا يدرى أهى أم غيرها فهو حانث حتى يوقن أنها غيرها.
ومن الواضحة: ومن حلف فى حمام وقع أنه حمام ثم طار قبل يعلم ما هو، فإن كان قريباً بحيث يتبينه الناظر حلف ودين، وإن كان بموضع لا يتبنه الناظر حنث.
وكذلك لو حلف هذا إنه حمام وحلف الآخر إنه غراب، فيدينان فى القريب، ويحنثان فى البعيد، وقاله مطرف وابن الماجشون وأشهب وأصبغ.
وذكر ابن سحنون أن عسيى روى عن ابن القاسم فيمن حلف فى غراب أنه ذكر ثم طار الغراب، قال إن زعم أنه عرف أنه ذكر دين فى ذلك، وإن قال إنما قلته هكذا ولا أدرى فقد حنث. وقال سحنون لا موضع للنية ها هنا، إنما هو رجل حلف على ما أيقن فهو مصدق.
ومن المجموعة قال ابن القاسم فيمن حلف فى طائر أنه ذكر وحلف الآخر أنه أنثى ثم طار، فإن كان عند الناس تعرف أنثاه من ذكره من موضع رأياه دينا وحلفا أن ذلك يقينهما ولا شىء عليهما. وإن نكلا أو قالا ذلك ظناً طلق عليهما. وإن حلف واحد وأيقن وشك الآخر طلقت على الشاك.
[4/ 282]

(4/282)


وكذلك العبد بينهما يحلف أحدهما بحريته لقد دخل المسجد، ويحلف الآخر ما دخله. فإن قالا على الظن حلفنا فليعتقاه بغير قضاء، وقال أشهب بل بالقضاء. وكذلك كل ما يحلف فيه ثم يرجع إلى يقينه فيعلم أنه على شك، وهو قول ابن عمر وغيره. وكمن قال أنت طالق واحدة أو اثنين أو ثلاثا.
وإن قال أحدهما فى العبد حلفت على يقين، وقال الآخر حلفت على شك قوم نصيب الشاك على الموقن. قال أشهب وإذا حلفا أنهما على يقين بقى بينهما رقاً، وإن نكلا عتق عليهما، وأن نكل أحدهما قوم نصيب الحالف عليه.
وكذلك من قال لعبده إن كنت دخلت الدار فأنت حر ولا يدرى أدخلها أم لا هو من باب الشك. فأما قوله إذا دخلت ثم يدعى العبد دخولها فبخلاف ذلك، ولا شىء على السيد بقوله إلا بالبينة. وكذلك فى الطلاق.
قال ابن نافع عن مالك فى سكران قال لرجل امرأتى طالق إن لم أحبك وأكرمك، قال هو يقدر أن يكرمه يهب له ويعطيه فكيف له بالمحبة؟ أرى أن لو ألزم نفسه طلق وارتجع.
قال أشهب عن مالك فى رجل قال فى جاريته هى حرة إن كنت أحب أن أطأها ولى كذا وكذا، قال يمينه منكر وما يدريه، وإن الناس يحلفون مثل هذا إن كنت أحب لباس هذا الثوب ولى مائة دينار وهو كاذب، ويمسك عن وطئها ويرجع إلى.
وكذلك الذى سأل أخته شيئا كانت أعطته إياه فأبت، فحلف بالطلاق إن موتك ودفنك أحبه إلى من أن أسألك من مالك، وهذا من أيمان الناس، يحلف أحده إن كنت أحب أن أفعل كذا فامرأته طالق. وهو لا يدرى كيف يكون إذا حل ذلك قال إنما حلفت على يقين، قال أمرك شديد وأنت أعلم بنفسك، وما بان لى أمرك.
قال ابن القاسم فيمن حلف فى أترنج وفى كتاب ابن المواز فى رابح لا باعه إلا مائة بدينار فباع من رجل بدينار فاعتد لنفسه وذهب، ثم قال أصبت نقص.
[4/ 283]

(4/283)


اثنين وغلطت وحلف له فزاده اثنتين. قال يحنث البائع لأنه لا يلزمه فى الحكم أن يعطيه شيئا ولعلها ذهبت فى الطريق.
وقال مالك فيمن حلف لا أكل من بيض هذه الدجاجة واشترى دجاجاً فبضن وباضت فاختلط البيض فأكل من جملته فهو حانث.
قال عنه ابن نافع فى عبد حلف لا خرج من بيته حتى يؤتى بمفتاحه، فأتى به فخرج، ثم شك أهو مفتاحه أم لا، فقد حنث.
وعن امرأة قالت لزوجها إنك حلفت ألا تكسو أمك حتى تخرج إلى ينبع فحنثت وقد حرمت عليك، فقال ما علمت، ولكن ذلك إليك إن علمته، قالت أنت أخبرتنى بذلك، قال ما أدرى. قال أحب إلى أن يطلقها هى قد قالت قد حرمت عليك ثم قالت مرأة لا أدرى، هى متهمة.
ةعمن وجد شيئاً مكسورا فقال لزوجته لأنت كسرته فأنكرت، فقال أنت أمى ما كسوه غيرك، فإن حلف على علم فلا شىء عليه، وإن لم يعلم لزمه الظهار.
وقال مالك فيمن بيده قدح زجاج فيه شق فرمته زوجته بشىء فأصابته فقال أنت أمى لقد كسرته، فنظر فإذا فيه شق، فقالت زدت فى شقه، وقال هو ما أراك زدت فيه، قال مالك إن كانت كسرته فلا شىء عليه، وإن تكسره لزمه الظهار وإن لم ينوه.
وقال فيمن حلف فى قرص رآه بيد زوجته إنه لمن الدقيق الذى حبتهم به، فقال له وما يدريك أنه منه، وما أراك تعرف ذلك، فإن لم يأتوا ببينة فعليك اليمين.
ومن العتبية أشهب عن مالك فيمن حلف لا كلم فلاناً بالحرية حتى يمنع امرأته النفقة ما طخلت إليها فلانة، فكان يسلم عليه فلا يرد ويجعل من
[4/ 284]

(4/284)


يكشف له ما عنده، ثم رد عليه السلام قبل يخبره الرسول بشىء، ثم أخبره الرسول أنه سأله عن ذلك قبل رد السلام فأخبره أنه كان أسلفها النفقة قبل يمينه وأنه لا ينفق عليها. وما يدريه هل صدقه، وأحب إلى عتق رقبة.
فى الحالف على الغيب أو شك أو ظن أو كذب
فصادفه أو على يقين فظهر خلافه، أو رجع فشك
من العتبية روى عيسى عن ابن القاسم: سئل عمن حلف على ما لا يدرى فقال وهو بمصر: امرأته طالق لقد أمطر الليلة بالإسكندرية، قال قال مالك فى الحالف بالطلاق إن لم تمطر غدا أوإلى الهلال إن الطلاق يلزمه، فكذلك هذا. ونحوه، قرب استخباره أو بعد. فإن رفع إلى الإمام طلق عليه مكانه ولم يرتقب استخباره، وإن لم تطلق عليه حتى وجد ذلك الشىء حقاً لم يطلق عليه. هذا وجه قول مالك.
قال ابن القاسم ومن حلف فى غراب طائر أنه ذكر، فإن زعم أنه عرف ذلك دين، وإن قال قلته ولا أدرى حنث.
قال مالك: ومن قال أنت طالق أنى من أهل الجنة إنها تطلق عليه مكانه.
قال ابن القاسم وكذلك إن لم أدخل الجنة.
قال عبد الملك بن الحسن أخبرنى واحد من المصريين عن ابن القاسم فى الحالف فى الصديق أو الفاروق أنه من أهل الجنة أنه لا حنث عليه. قال عنه الصلت فى عمر بن عبد العزيز مثله.
ومن سماع أشهب: وإن حلف بآخر تطليقة بقيت له فيها إن كان يدخل بطون العباد أخبث من الشراب المسكر، قال فليفارقها، وذكر الميتة والدم ولحم
[4/ 285]

(4/285)


الخنزير ثم قال وشارب الخمر يجلد ويترك، وآكل الميتة يعذب عذاباً أليما وقد قال الله سبحانه فى الربا (فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله) وليس هذا فى الخمر.
ومن كتاب ابن حبيب: وإن حلف بالطلاق إن حج فلان فرمى به ناحية الغيب فقد حنث مكانه. وقاله أصبغ.
وقال أشهب فيمن حلف فى جدى يذبح إن كان يقبض روحه إلا ملك الموت قال فلا شىء عليه، وإنما سماه الله ملك الموت لأنه يقض روح كل ميت من إنس وجان وبهيمة وغير ذلك.
وقال أصبغ عن ابن القاسم فيمن حلف أن فلاناً فى هذا البيت أو أن فى كم فلان ديناراً وهو لا علم له بذلك فجاء الأمر كما قال، قال ابن القاسم لا شىء عليه إذا صادف ما قال، كمن حلف لتمطرن غداً فلا يبريه لذلك حتى يكون كما قال فلا شىء عليه. وكذلك قال فى الحالف إن فى هذا القند كذا وكذا رطلاً ولا يدرى ما فيه، فوزن فوجد كذلك أو أكثر فلا شىء عليه، وقد غرر فسلم.
ومن كتاب ابن المواز: ومن حلف بالطلاق ما أخذ فلان ثوبك أو لقد أخذه وهو لا يدرى إلا متعمداً للكذب أو لما لا يعلم به فوجد ذلك كما قال، فلا شىء عليه. وقد غرر فسلم. محمد وقيل لا يعجبنى هذا وأراه حانثاً لأنه حلف على الغيب.
ومن كتاب غيره أنه كان مما خاطب به المغيرة أبا يوسف عند المنصور بمحضر مالك، فقال إن أبا عبد الله يقول فيمن حلف أن فى هذه اللوزة تؤما ثم كسرت فوجد فيها تؤما إنه حانث لأنه حلف على الغيب.
[4/ 286]

(4/286)


ومن المجموعة روى عن المغيرة فيمن حلف بالطلاق لتمطرن غداً أو ليكونن كذا فى شىء من الغيب، فإن ادعى علم الغيب عجل عليه بالطلاق، وغن لم يدع علم الغيب إلا أنه قال قولا ً لا يدعى علمه، فإن كان ما حلف عليه قبل يرفع غلى الإمام فلا شىء عليه.
وقال ابن حبيب فيمن حلف فى أمته أنها عذراء، فإن قال حلفت عن خبره وعلم دين فى ذلك، وإن قال حلفت لعمى فعفاها حنث لأنه حلف على شك، ولا ينفعه إن نظرها النساء وقلن هى عذراء، لأن شهادتهن لا تجوز فى الحرية ولا فى إسقاطها، وقله أصبغ.
ومن كتاب ابن المواز: ومن اتهم رجلاً بسرقة متاعه فحلف رجل بالطلاق أنه ما سرقه، فليقف عن امرأة حتى يستبين ولا يقضى عليه.
ومن حلف لزوجته إن كتمتنى ولتصدقنى، فتخبره الخبر ولا يدرى أصدقته أم كذبته فهو فى شبهة، والشأن أن يفارقها. وقله الليث، قال ابن القاسم وأصبغ بغير قضاء. وقد قال أصبغ فى هذا وفى الحالف إن كنت تبغضينى فتقول أحبك ونحو هذا إنها تطلق عليه بالقضاء على ما روى عن ابن عمر أنه يفرق بالشك. قال مالك وهذا فتيا ابن عمر ستين سنة.
وروى أبو زيد عن ابن القاسم فيمن حلف لرجل بالطلاق أنى أتقى لله منك وأشد حبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قال هو حانث، قال ولو قال إن لم يكن فلان أتقى لله منك وأشد حباً لرسوله، فإن كان قال ذلك فى أحد من أصحاب النبى لله مثل أبى بكر وعمر فلا شىء عليه، وإن قالها فى أهل هذا الزمن حنث، إلا أن يعلم من المحلوف عليه فسقاً بيناً فأرجو ألا شىء عليه.
وقال ابن المواز إن قال ذلك فيمن له الصلاح والفضل مع من لا يرعوى عن الحرام وقتل النفس فهو بار، وإن أشكل ذلك فهو حانث.
[4/ 287]

(4/287)


وقال أشهب فى المجموعة فيمن قال لنصرانى إن لم تكن من أهل النار فامرأتى طالق، فأسلم النصرانى، قال فإن أراد حاله التى كان فيها فلا شىء عليه، وإن أراد القطع أنه من أهل النار فهو حانث، وإن لم تكن له نية فهو حانث.
قال أبو زيد عن ابن القاسم فيمن حلف بالطلاق ليربحن غداً درهمين، فإن كان لشىء عنده رجاه من ثوب أو قال أقبض من غلامى درهمين أو يهب لى فلان درهمين، فإن أصاب فى غده درهمين بشىء من هذه الوجوه فلا شىء عليه قال ابن المواز إذا كان ليمينه معنى أو سبب يظنه.
قال ومن حلف لقد قبض منى فلان خمسة عشر ديناراً ثم شك وعنده براءة بأحد وعشرين، فإن لم يوقن بالخمسة وعشرين فقد حنث.
ومن العتبية من سماع ابن القاسم قال مالك فيمن حاسب شريكه ثم لقيه فقال قد بقى لى كذا وكذا، فحلف الآخر بصدقة دنانير بيده ما بقى لك عندى شىء، ثم ذكر أنه بقى عنده له ما قال، فقد لزمه أن يتصدق بالدنانير، ولا ينفعه هذا إلا فى اليمين بالله، لا ينفع اللغو فى غيره.
وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن حلف أن فلان يتعرض لجارية فلان، فإن أيقن أنه يتعرض لها وسمع ذلك منه حتى لا يشك فلا شىء عليه، وإن كان إنما رأه يكلمها لا يدرى تعرض أم لا فقد حنث.
وعمن حلف بالطلاق لرجل أن أبى ميتاً خير م أبيك حياً، أو أنى ميت خير منك حى، فقد طلقت امرأته.
وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فيمن أمر غريمه أن يدفع حقه إلى وكيله، فكتب إليه الوكيل أنه لم يفعل، فكلمه فحلف بالطلاق لقد دفع إليه، وحلف الطالب ما فعلت، فالطالب حانث من عاجل أمره، ولا ينبغى للإمام أن يقرها تحته لأنه حلف على غيب. وأما المطلوب فيدين ولا يبرأ من الحق إلا ببينة.
[4/ 288]

(4/288)


ومن المجموعة قال ابن القاسم: ومن بعث بشىء مع رجل يدفعه إلى آخر فقال قد دفعته، فحلف الباعث بالطلاق أنك ما دفعته، إنه حانث، كقول كالك فى الذى جاءته امرأته بمرق وفيه ذباب فحلف بالطلاق لقد كان فيه قبل أن تأتى به، وهذا من اليمين على الغيب.
وقال سحنون عن ابن القاسم وأشهب عن رجل مع قوم فى سفر فأخذهم الليل فحلف لقد أخطأتم الطريق الذى تريدون، فلما أصبح تبين لهم أنهم على غير الطريق التى خرجوا فيها إلا أنها طريق إلى البلدة التى قصدوا، قال لا حنث عليه.
قال سحنون وقال أشهب فيمن وفى لرجل حقه عند صيرفى، فقال الصيرفى ليس فيها وفاء، وقال الغريم بل فيها وفاء، فحلف الطالب بالطلاق ما فيها وفاء، فوزناها عند غيره فوجداها وفاء من حقه. قال له قد حنثت، قال إنما حلفت على غير الصيرفى، قال قد غرك.
ومن معانى هذا الباب فى باب الحالف على الشىء هل يبرأ ويحنث بفعل بعضه، وفى باب ما يرد فيه الحالف إلى معنى يمينه، وفى باب الحنث بالغلط.
وروى عيسى عن ابن القاسم عن مالك فيمن مرت به امرأة فى ظلمة الليل فظن أنها امرأته فحلف لا وطئها الليلة ثم وطئها، ثم علم أنها غير امرأته فلا شىء عليه.
قال سحنون قال ابن القاسم عن مالك فيمن قال لرجل سرقت منى ديناراً، فحلف بالطلاق مالك عندى دينار، ثم نظر فغذا جاريته سرقت الدينار وجعلته عنده فقد حنث، إلا أن ينوى فى علمى.
وعمن حمل جلود الرجل فلما بلغها غايته وجعلت بيد رجل حتى يوفين كراءه فلما وفاه حلفه الكرى ما لغيرك فيها شىء، فنظر إلى غلامه فلم ينكر شيئاً فحلف له، ثم نظر فإذا الذى رفعت عنده أبدل منها شيئا، قال قد حنث.
[4/ 289]

(4/289)


قال ابن المواز: ومن حلف لقد اشترى فلان الثمر بثمانية ونصف، وإنما أخبر بذلك، فهو حانث حتى يوقن بذلك.
فيمن لم يدر بماذا حلف من الأيمان
ومن شك فى اليمين أو فى الحنث
من كتاب ابن المواز قال أصبغ فيمن قال على ثلاثون يمينا فحنث فلم يدر شيئاً بعينه إنما كانت يمينه على غضب وحمية فكان يرى عليه الأيمان كلها كمن حلف وحنث ثم لم يدر بأى يمين حلف، فهذا يلزمه كل يمين الطلاق والعتاق والمشى إلى مكة وصدقة ثلث ماله وكفارة يمين إلا ما أيقن أنه لم يحلف به. وبمنزلة من حلف أن عليه أشد ما أخذ أحد على أحد من الأيمان ولم ينو شيئا بعينه.
وقال ابن حبيب فى الذى لم يدر بماذا حلف، قال إن كانت له يمين قد اعتادها ألزم ذلك نفسه قال ابن المواز إنما جواب أصنغ فيمن حلف يمينا لم يدر أى يمين، فأما من لم يرد يمينا بعينها فنسيها فإنما عليه كفارة يمين، وعلى صاحب الثلاثين يمينا ثلاثون كفارة.
وفى كتاب الطلاق لابن حبيب: وقال فيمن قال لا أدرى حلفت فحنث أو لم أحلف أو لم أحنث فلا شىء عليه. فإن أيقن باليمين وشك فى الحنث فليلزم نفسه الحنث.
ومذهب ابن حبيب لإن يقضى عليه فى الشك فى الطلاق والعتاق. وقد ذكرنا ما قاله فى موضع آخر.
قال ابن حبيب: وأما من حلف إن فعلت زوجته كذا فهى طالق، ثم تقول له نفسه لعلها فعلت وأنا لا أدرى فلا شىء عليه فى هذا حتى يخنره مخبر بذلك.
[4/ 290]

(4/290)


فى الرجلين يحلف كل واحد منهما على تكذيب صاحبه
أو على أن يفعل خلاف ما حلف الآخر أن يفعله
أو حلف ليفعلن شيئا وحلف ألا يفعله
من المجموعة قال ابن وهب عن مالك فى امرأة حلفت بالحرية لقد حلف زوجها بالطلاق لا يتسرر عليها فأنكر ذلك، قال لا شىء عليها ولا على زوجها.
قال ابن القاسم فى رجلين بينهما أمر فحلف أحدهما بالطلاق لقد أعطيتك فى موضع كذا تسعة دنانير وحلف الآخر بالطلاق ما أعطيتنى فى ذلك الموضع إلا ستة دنانير، فذهبا إلى الموضع فوجد ثلاثة ملقاه، فقال كل منهم للآخر منك سقطت قال: يدينان إذ لم يعرف الثلاثة ممن سقطت وكذلك ذكر ابن المواز.
قال ابن نافع عن مالك فيمن وجد عند رجل فرخ حمام فحلف بالطلاق أنه فرخه، وحلف الآخر بالله ما هو فرخك، قال يحلف بالله أنه فرخه يعرفه بعينه، يريد يحلف بالله الحالف بالطلاق الذى ليس بيده هو ولا يلزمه طلاق ولا يقضى له بالفرخ.
ومن العتبية روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فيمن حلف بالطلاق غن كان فلان يعرف هذا الحق لحق الذى يدعيه، وحلف فلان بالطلاق إن كان يعلم أنه له فيه حق، قال يدينان ولا يحنث واحد منهما.
قال ابن حبيب: ومن حلف بالطلاق ما شرب خمراً وحلفت امرأته بالعتق لقد شربه، قال يدينان، قاله مالك وربيعة.
ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن ابتاع عبداً بعرة دنانير وله على البائع دينار فأعطاه تسعة ليقاضيه بالدينار، فحلف البائع بالمشى إلى مكة إن
[4/ 291]

(4/291)


قاصصتك به، وحلف المبتاع بعتق العبد إن أخذته إلا مقاصة، قال إن تخاصما حنث البائع، وإن تتاركا البيع جمبعا بتراض ولم يتخاصما فلا شىء عليهما.
وفى باب الشك فى البر والحنث مسائل من الحالفين عل أمرين متدافعين
ومن العتبية ابن القاسم عن مالك: ومن حلف بالحرام إن أنفق على امرأته حتى تستأذى عليه وحلفت هى بالصدقة لا استأذيت عليك، فاليمين عليهما، فغن شاءت أن تبقى بلا نفقة، وإن استأذت عليه فلتتصدق بثلث مالها، وإن لم تكن عليه نية فلا شىء عليه إن فعل.
ومن المجموعة قال ابن القاسم: ومن حلف بحرية عبده إن باعه من فلان وحلف فلان بالطلاق ليشترينه فباعه منه فليعتق العبد على بائعه ويطلق على الآخر امرأته، وقال سحنون فى كتاب ابنه. قال ابن عبدوس قال أشهب: ومن حلف بعتق أمته إن باعها، ثم حلف بالطلاق ليبيعنها، فإن باعها عتقت عليه ولا طلاق عليه. من هذا المعنى فى كتاب الطلاق قيل: ولم لا يحنث والبيع الذى حلف فيه لم بعتم؟ قال لأنه إنما حلف ليبعنها بعد أن حلف بالعتق لا يبيعنها، وإنما حلف على هذا البيع نفسه فهو بره.
ولو حلف بالطلاق أولاً ليبيعنها ثم حلف بعتقها أن لا يبيعها ثم باعها فحنث فى الأمة وفى الزوجة. ومن هذا المعنى فى كتاب الطلاق.

فيمن حلف ما له مال ثم ظهر له مال لم يعلم به
من العتبية والمجموعة روى سحنون عن ابن القاسم عن مالك فيمن سءل سلفلً فحلف بالطلاق إن كان له شىء يملكه، ثم طلع له ميراث لم يكن علم به
[4/ 292]

(4/292)


فإنه يحنث، إلا أن ينوى علمه. وكذلك فى كتاب ابن المواز فى ميراث لم يعلم به أو له عمرى مرجعها إليه فغن نوى مالاً أعلمه غائباً أحاضراً لم يحنث. وقال أيضا إن استثنى علمه وإلا حنث، وقيل لا ينفعه أن يستثنى علمه حتى يجرى به لسانه.
قال ابن المواز قال ابن القاسم أما العمرى فإنه حانث وإن لم ترجع إليه يومئذ لأنها ماله. ولو تصدق عليه قبل يمينه بصدقة فإن قبلها الآن حنث، وإلا لم يحنث. وقيل لا يحنث وإن قبلها الآن إذ بالقبول صارت له.
ومن حلف بالطلاق ماله ثوب غير ما عليه، وله ثوبان رهن ف أكثر من قيمتها، فإن نوى ما له ثوبان يقدر عليهما حنث ولا شىء عليه، يريد والنية تنفعه وإن لم يلفظ بها. قال يحيى بن عمر إن لم تكن له نية حنث، كان فيهما أفضل أو لم يكن.
قال ابن عبدوس قال ابن القاسم وأشهب فى الحالف بالطلاق ما له مال وله ديون وعروض وشوار وخادم فهو حانث، قال أشهب إلا أن تكون له نية ولا بينة عليه.
قال أشهب ولو حلف لغريمه أنه ما يملك ديناراً ولا درهماً ولا يقدر عليه وله مثل هذا فإنه حانث.

فيمن قال لرجل احلف ويمينى فى يمينك
من العتبية من سماع ابن القاسم قال مالك فيمن قال لرجل احلف ويمينى على ما حلفت عليه فيحلف بالعتق أو بالطلاق فأنكر ذلك فقال إن أنكر ذلك مكانه فذلك له، وإن صمت لزمته اليمين.
وقال عيسى عن ابن القاسم غن قال يمينى فى يمينك ولم ينو شيئا فحلف بالطلاق أو العتاق وأنكر الآخر وقال لم أظن أنك تحلف بهذا، فإن ظن أنه يحلف
[4/ 293]

(4/293)


بالله ولم يرد هذا فلا يلزمه، ولو أنه حين قال يمينى فى يمينى رضى بما حلف مسلماً لم يحول شيئا عن شىء ولم يرده لزمته ولم ينفعه إنكاره.
قال عنه أبو زيد فيمن قال يمينك فى يمينى على أن لا تفعل كذا وكذا، فقال له الآخر يمينى فى يمينك فحلف بالطلاق، وليس للحالف امرأة فلا شىء على الآخر، علم أن هذا لا زوجة له أو لم يعلم.
قال ابن حبيب إلا أن يحلف بها الثانى محاكاه له ويفصح بها فيلزمه، أو يقول فعلى مثل ما فعلت به. فأما إن قال فعلى مثل ما عليك لم يلزمه شىء، وقاله أصبغ.
ومن المجموعة قال ابن القاسم وإن حلف هذا الحالف بالمشى إلى بيت الله وقال نويت مسجداً فأحب إلى للآخر أن يحتاط بالمشى.
قال ابن حبيب فى القائل يمينى فى يمينك فحلف الحالف بالطلاق فقال الآخر لم أنو إلا اليمين بالله أو لم أرد الطلاق حلف وكان ذلك له. ولو قال لم يرد بالله ولا بطلاق ولا وقعت نيتى على شىء بعينه إذ إنى لا أحب أن أحلف بطلاق فلا ينفعه ذلك. زكذلك لو قال ذلك ولم يعلم يمينه، فلما علمها أنكرها فمثل الأول. وهذا قول مالك وأصحابه.
ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم فى رجلين بينهما كتاب فقال أحدهما هذا كتاب فلان، وقال الآخر بل كتاب فلان، فقال أحدهما للآخر اجعل يمينى فى يمينك، قال نعم، فحلف بالطلاق أنه كتاب فلان، فنظر فإذا هو كتاب فلان وفلان جميعاً فقد حنث جميعا.
[4/ 294]

(4/294)


فيمن حلف على أمر قد مضى من رجل أن لو أدركه لفقأ عينه
أو فعل به كذا أو يقول لئن كان كذا لأفعلن كذا
مثل ضرب أو هوان أو فعل لا يمكن وما يشبه هذا
من الواضحة قال أصبغ: من حلف عل أمر قد سلف أن لو أدركه لفعل كذا فهو حانث، كان مما يمكنه فعله أو لا يمكن، مثل أن يحلف لو جئتنى أمس لقضيتك فهو حانث، لأنه غيب لا يدرى ما كان فاعلاً، وإنما يفترق ما يمكن وما لا يمكن فى المستقبل، فما كان يمكن فعله من شق ثوب وضرب أو قصاص أو عطية مال وشبهه فلا شىء عليه حتى يفعل أو لا يفعل، وما كا نلا يمكن من شق جوف وكبد أو فقاع عين أو قطع أو قتل فشبهه فهو حانث مكانه ولا ينتظر. وقاله ابن القاسم عن مالك.
ومن الواضحة أيضا وهو ف غيرها قال مالك: ومن حلف بالطلاق لو كنت حاضراً فى شرك أمس مع أخى لفقأت عينك أو لشققت جوفك، قال تطلق عليه.
وقال مالك فيمن حلف فى أمر كان بينه وبين إنسان أن لو أدركه لفلق كذا وكذا من أمه، وأمه قد ماتت، فقال له مالك لو أدركته ما كنت فاعلا به؟ قال لا أزيد على أن أشجه، فرأى ألا حنث عليه.
قال مالك فيمن ذم رجل ثوبه فقال أرسله فامرأته طالق لو شققته لشققت بطنك، قال يحلف لو فعل لفعل. قال ابن القاسم لا يعجبنى وهو حانث، وهى مثل ما تقدم وهى فى العتيبة وهى من سماع ابن القاسم، وقال لو شققته لشققت جوفك ثم حلف ثانيةً لو شققتك لشققت كبدك إلا ألا أقدر، فقال له مالك لا شىء عليك واستغفر له. قيل له كأنك لم تر عليه شيئاً إلا أن يشقه، قال نعم.
قال سحنون جيدة، فرد إليها كل رواية عن مالك تشبهها فقد اختلف فى هذا.
[4/ 295]

(4/295)


وقال ابن الماجشون فى الواضحة سواء حلف فى أمر قد سلف أو مستقبل، فإن كان يمكن فعله فلا شىء عليه، وإن كان غير ممكن فهو حانث فى الوجهين، إلا أن تكون له نية فى فعل غير ما سمى، وقاله مالك فيهما.
وقاله مالك فى الذى قال لو أدركت فلانا فى شره البارحة مع فلان لقطعت رأس أمه، وأمه ميتة، فقال له ما أردت؟ قال أردت أنى كنت أشجه إذا فعل به كذا فعلا ما وقد علمت وفاة أمه، فدينه مالك ولم يحنثه، فهذا فيما قد سلف. ولم تكن له نية أحنثه كما أحنث القائل لو حضرت شرك مع أختى افقأت عينك حين لم تكن له نية فيما يفعله به. ولو كانت له نية فيما يفعله به مما يمكن لم يحنثه. وكذلك القائل ليسلخن إن نوى ضربا أو استعداءً نفعته نيته. وكذلك القائل لشققت جوفك لو نوى شيئا يفعله دين. وقول ابن الماشون أحب إلى.
ومن المجموعة قال ابن القاسم: ومن حلف بالطلاق لو اقيتك أمس لقتلتك أو لفقأت عينك، قال هو حانث، ولو قال لوهبتك أو لو جئتنى لأسلفتك فلا شىء عليه.
وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن قال لامرأته أنت طالق إن لم أضربك حتى أشتفى عليك، فضربها حتى أشتفى فى نفسه فلما رفع عنها ضحكت وقالت ما أشتفيت، قال إذا أشتفى فى نفسه لم ينظر إلى قولها ولا شىء عليه.
وعن امرأة قالت لزوجها والله لأسيلن أبحرا على ساقيك، فقل لها أنت طالق لتعلمين من يفعل ذلك به، قال أخاف أن يكون حنث كأنه قال لتعلمين من ذا الذى يفعل ذلك بى.
ومن المجموعة والواضحة فيمن آذته أمه لقوم فحلف بالطلاق لأستنهين أهلك فإن لم تنتهى لأسلخنك، قال قد حنث وما يدريه أنها تسلخ وقد أيس.
[4/ 296]

(4/296)


وعن التى حلفت لزوجها لئن فعلت كذا ليكونن بينى وبينك كل شر ففعل فما لها راحة إلا أن تحنث نفسها.
ومن الواضحة: ومن تقاضاه عبد ديناً فحلف بالطلاق لا قضاه اليوم حتى يأتى يمشى على رأس مولاه، قال لا يقضيه شيئاً حتى يأتى معه مولاه، وعلى هذا يحمل يمينه.
وعمن حلف فى طعام بينه وبين رجل بالطلاق أن لو كان لك وحدك لظننت إنى أرميه فى البحر فلا شىء عليه وهو أعلم بنيته. قال أصبغ فيمن قال لأمرأته ومعها نسوة أنت طالق لولا من معك لحلقت شعرك، قال هو حانث. قال ابن الماجشون لا شىء عليه، وبه أخذ ابن حبيب.
فيمن حلف لزوجته لأجيعنك أو لأغيظنك
أو لأشتفين منك أو لأتركنك آية أو قال لرجل لأكافئنك
ما الذى يبر به فى ذلك؟
من كتاب ابن حبيب قال ابن الماجشون فيمن حلف بطلاق امرأته ليجيعنها جوعاً شديداً، فإن نوى شيئا ووقتاً فهو ما نوى، وإلا حمل على بساط يمينه ومحمل أمره، وليس محمل هذا عندنا جوعة واحدة، ولكن إذا نقص من قوتها حتى يعلم أنه قصر عنه. قال أصبغ وغن حلف ليغيظنها فإن نوى شيئا يغيظنها به من نكاح أو تسرر فه بره وإن لم ينو أمراً يقصده فهو حانث، إذ لا يحاط بسبيل ذلك.
وكذلك إن قال إن لم أتركك آية فإن نوى شيئا من حلق رأس أو تسخيم وجه أو غيره فهو ما نوى، وإلا فهو حانث.
ومن كتاب ابن المواز قال أشهب فيمن منعه رجل عارية ثوب فحلف لأكافينك، فليكافئه فى ثوب مثله أو حاجة مثلها ومن حلف لامرأته وهى فى
[4/ 297]

(4/297)


سفر لأشتفين منك ما بينى وبين إفريقية، فضربها فى الطريق ثم قالت أين يمينك؟ قال قد فعلت، قالت ما كان ذلك إلا لعبا، قال إن صدقت فأنت على حرام. قال له ابن القاسم أليس قد اشتفيت وبالغت؟ قال نعم، قال فلا شىء عليك.
وإذا حلفت لزوجها لئن فعلت كذا ليكونن بينى وبينك كل شىء ففعل، فليس لها مصرف إلا أن تحنث نفسها لأنها جمعت كل شىء وهذا لا يحاط به.
وذكر عن أشهب فى الحالف بالطلاق ليغيظن زوجته قال إن نوى التزويج ونحوه فذلك يبرئه ويدخل عليه الإيلاء حتى يفعل، وإن لم ينو أمراً يقصده، فهو حانث، قال سحنون لا يلزمه حنث والذى يغيظها به أكثر من ذلك وهو قد عرف ما يغيظها به مما جرى مثله يبنهما فيغيظها فإذا فعله بر.
قال ابن سحنون عن أبيه فيمن قال لامرأته أنت طالق لأغيظنك أو لأسودن وجهك فليس معناه أن يسود وجهها بالسواد، ولكن يفعل بها من الأمور التى يعلم أنه يغيظها به ويبلغ ذلك منها.

فى الحالف لختن لئن سألتنى حاجة لأقضينها فسأله الطلاق
أو حلف بذلك لعبده فسأله أن يعتقه
من العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن قال لزوج ابنته احلف بطلاقها لتقضينى حاجة أسألك فيها، فحلف له فقال له طلق ابنتى فطلقها واحدة، فقال الأب أردت البتة فذلك للأب إن كان كلامه واحداً على المراجعة والنسق فأما إن لم يقل ذلك حتى افترقا ثم تداعيا، فقال الزوج سألتنى فى طلقة، وقال الأب فى ثلاث، فالزوج مصدق، وعلى الأب البينة.
وقال سحنون فى كتاب ابنه لا يلزم الزوج الطلاق إن قال لم أظن أن تسألنى فى مثل هذا، قال سحنون لأن ليس من الحوائج التى تعارف الناس سؤالها أو جرى من الكلام ما يدل أنه أراد لحاجته الطلاق.
[4/ 298]

(4/298)


ومن العتية وكتاب ابن سحنون قال سحنون فى العبد يقول لسيده أسألك حاجة فاحلف لى فيها بالطلاق فيفعل، فيقول له أعتقنى، قال لا يلزمه لأن هذا ليس من الحوائج المتعارفة، ولو قال لسيده يقول ما أقول، فحلف السيد له بالطلاق ليفعلن، فقال له بل أنت حر، قال هذا يحنث ويلزمه أن يقول كما قال العبد إلا أن يستشنيه السيد فيقول إلا أن تقول أنت حر فذلك له. ثم رجع سحنون فى كتاب ابنه وقال هى مثل الأولى ولا شىء عليه.

فيمن حلف إن رجع من سفره حتى يستغنى
من العتبية روى سحنون عن ابن القاسم فيمن حلف عند خروجه إلى سفره إن رجع حتى يستغنى، فإن أفاد قدر مائتى درهم وفيها غنى لمثله ولا دين عليه ويلزم مثله زكاتها فليرجع، ولا شىء عليه.
ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه قال لا يعجل عليه الحنث وينظر، فإن كان خرج فقيراً فإنه إذا كسب أقل ما فيه الزكاة من ذهب أو ورق فلا حنث عليه، لأنه صار ممن عليه الزكاة وممن ليس له أخذ الصدقة، وإن كثر عياله. قال وإن قدم بعرض يسوى عشرين ديناراً فليس ينجيه من الحنث إلا أن يكون عرضاً كثيرا، وقد يأخذ الصدقة من له من خادم ودار إلا أن يكون عرضاً كثيراً ويبيعه بعشرين ديناراً وبمائتى درهم.

مسألة
ومن كتاب ابن سحنون قال ابن القاسم فيمن سأل امرأته فى ثوبين لها ليرهنهما فقالت أخاف أن تبيعهما، فحلف بالطلاق إن دفعتها إلى أن بعتهما، فخالفها إليهما فباعهما، قال لا شىء عليه، لأنه قال إن دفعتهما إلى وهى لم يفعل. قال سحنون صواب.
[4/ 299]

(4/299)


فيمن حلف بعتق مكاتبه إن وضع عنه فقاطعه
أو بطلاق امرأته إن خالعها ففعل
من كتاب ابن المواز وغيره ابن القاسم: ومن حلف يعتق مكاتبه لا وضع عنه فأخذ صدراً من نجومه ثم قاطعه على شىء فقد عتق باليمين وليرد كل ما قاطعه عليه فقط، وكمن حلف بحرية عبده إن باعه أو كاتبه أو كلم فلاناً ثم اقتضى من غلته وانتزع من ماله ثم حنث فليس عليه مما أخذ قبل ذلك شىء.
ومن حلف بطلاق امرأته إن صالحها ففعل بمال أخذه فليرد ما أخذ منها وقد حنث فيها.
فيمن حلف لا أمرت أمتى بشتمك
فقال لها إن انتقلت فاشتميها
من كتاب ابن المواز وكتاب ابن عبدوس قال ابن القاسم: ومن حلف بحرية جاريته إن أمرها أن تشتم امرأته، ثم قال لها إذا انتقلت أنا نت هذه الدار فاشتميها، وإن شتمتك فاشتميها، قال لا يحنث حتى ينتقل هو، قال فى كتاب ابن المواز وحتى تشتمها الحرة وإن لم ترد عليها.
وفى كتاب ابن عبدوس حتى يرتحل هو وتؤذيها الحرة. وليس هذا بإذن وعسى أن لا يرتحل.
قال فى الكتابين ولو قال إذا أهل الهلال فاشتميها حنث. قال فى كتاب ابن المواز وكذلك إذا جاء غداً قال فى الكتابين ولو قال قائل لا يعتق حتى يهل الهلال كان قولاً. قال ابن المواز وقف عنه.
وفى كتاب ابن عبدوس فى موضع ذكر الشتم كله إلا إذا وقوله أو تشتمها الحرة أجود من إسقاط الألف على ظاهر السؤال إلا أن يريد وإن شتمتك أو آذتك يريد بعد انتقالى وشتمها فيصح ما روى ابن عبدوس.
[4/ 300]

(4/300)


يمين المرأة بأكثر من الثلث
وإن حلفت امرأة بعتق لا يطأها مرة، فله أن يحنثها ويطأها ولا رد له فى مقدار الثلث فأقل، فإن كان أكثر منه رد الجميع.
ومن حلف إن لم يكن لى عندك دينار بشهادة فلان أو قال إن لم يكن يشهد لى به فقال فلان لا أشهد بشىء فلا حنث عليه. قال ابن أبى مطر: وليس يعنى أنه يشهد لا محالة هذا يحنث.
من حلف على التأخير
من كتاب ابن المواز من حلف لا وخرغريمه إلا أن يؤخره السلطان، فعلم السلطان عسره فوخره إلى أجل، فحل فأخذ منه بعض الحق وأخره بالبعض، قال يحنث إذا أخره بغير أمر السلطان، لأنه لم يستشن مرة ولا مرتين.

ومن حلف لا ارتجاعها من طلاق فطلقها فى الحيض
ومنه إن قال لامرأته إن طلقتك ثم ارتجعتك فعلى المشى إلى مكة، ثم قال لها وهى حائض أو نفساء اعتدى فليجبر على رجعتها وعليه المشى. فإن جهل فلم يرتجع حتى انقضت العدة فقد بانت منه ولا شىء عليه، وإن ارتجعها بنكاح فعليه المشى.

مسألة
ومنه قال مالك: ومن حلف بالطلاق فى منزل أكراه لا دخل ما دامت زوجته تلى كراءه، فولى كراءه غيرها من صاحبه، فلا أرى أن يدخل عليها. وقال ابن القاسم أنويه، فإن نوى توليها للكراء لا كراهية دخوله عليها فلا شىء عليه، وإن كان لكراهية الدخول عليها فذلك يلزمه.
[4/ 301]

(4/301)


مسألة
من المجموعة قال ابن القاسم عن مالك فيمن حلف بطلاق كل امرأة يتزوجها ما دام خليطاً لابنه، فما نكح قبل يفارقه حنث فى، وإن فارقه ثم نكح فلا أحب له مخالطته ولا أن يشاركه بماله ويعمل معه.

مسألة
ومنه قال ابن كنانة فيمن حلف لامرأته لأنكحن عليك غداً أبعض خلق الله إليك، نوى أم ولد له كانت اسمها عائشة، فقال له امرأته: فانكح فلانة، فقال وهى أبغض إليك من عائشة فقالت ما أبغض عائشة وهى التى نوح الزواج بها. قال فليجتهد فى نكاح عائشة، وإن أبت حلف لقد اجتهد وما قصر ولا شىء عليه. وقال ابن القاسم لا يمين عليه وليجتهد.

مسائل
ومنه سئل ابن القاسم عن رجل قال لرجل هذا الخاتم لأختك فحلف بالطلاق ما هو لأختى ولا يصلح على أصبعها، فإذا الخاتم ليس لأخته ولكنه يصلح على أصبعها لأن عليه خيطا لف عليه قد ضيق به، فلما نزع الخيط سلس وصار يصلح لها. قال لا حنث عليه. قال ولو كان عليه خيط ورق وهو يصلح به لحنث لأن خيط الورق منه بخلاف الكتان ونحوه. وكذلك فى كتاب ابن المواز.
ابن القاسم: ومن حلف أن لا يشهد لى ولا على فبعث منه سلعة وكتبت بالثمن إلى اجل عليه كتاباً وشهد على نفسه فى الكتاب، كتب شهادته فيه على نفسه قال يحنث.
قال ابن كنانة فيمن حلف كان بينه وبين رجل متاع فيه ثم نازعه فى أمر فحلف بالطلاق لقد سرقتنى كذا وكذا، يريد تلك الخيانة، فإن نواها فى يمينه
[4/ 302]

(4/302)


وإياها أراد لم يحنث، وإن لم يذكرها وأراد سرقة يقطع فيها حنث. وكذلك فى يمين السيد على سرقة عبده إياه من بيت السيد.
وقال أشهب فيمن سئل هل رأى أحداً من بنى فلان بالطلاق ما يعلم أنه منهم أحداً وقد كان رأى رجلا منهم وأنسيه، قال لا شىء عليه لأنه إنما يعنى فى علمه ساعة حلف. ولو قال إن كنت علمت وهو ناس يحنث.
قال أشهب فيمن حلف بالطلاق لزوجته ليذهبن على وجهه ولا نية له، قال هو حانث إلا أن يذهب على وجهه لا تراه أبداً.
مسألة
ومن الواضحة قال: ومن قال لعبده أنت حر إن قدم أبى، قال مالك فله أن يبيعه قبل أن يقدم. قال ولو قال إذا قدم فهو أشد، يريد ويمنع من البيع. قال وإن مات قبل أن يقدم فإن أراد شكراً لقدومه فلا عتق عليه، وإن أراد به ناحية الأجل فإنه يعتق حين يقدم أبوه لو لم يمت مثل قدوم الحاج وقفل الغزاة إن كان غازياً، أو يكون فى سفر آخر، فإذا قدم أهل ذلك السفر من أهل بلده عتق عليه، قاله ابن الماجشون.

مسألة
من كتاب ابن سحنون قال عيسى عن ابن القاسم فيمن حلف ليتزوجن على امرأته قبل أربعة أشهر، فتزوج ولم يدخل إلا بعد الأربعة الأشهر، قال فهو حانث، وقاله سحنون.
مسألة
من الواضحة: ومن حلف لامرأته قبل البناء بالطلاق إن دخلت عليك إلا بهواك، فقالت لا أهوى أن تدخل على سنةً، ثم قالت بعد ذلك أنا أهوى فادخل
[4/ 303]

(4/303)


على فليدخل ولا شىء عليه ولا يضره قولها الأول، وإذن واحد يجزئه حتى تمنعه، وقاله أصبغ.
ومن حلف لا ضرب جارية لامرأته فرمى بحجر فأصابها خطأ فشجها فقد حنث، قاله ربيعة ويحيى بن سعيد.
ومن العتبية من كتاب الطلاق، ومن مسائل أصبغ وعمن حلف بالطلاق ثلاثاً ليدخلن بزوجته إلى أجل سماه فدفع حقها إلى وليها، فلما أشرف على البناء وقرب الأجل أتىالولى ببينة ان الزوج حنث فيها هل يمنعه الحاكم من البناء حتى يعدل البينة، وفى ذلك تعجيل الحنث عليه؟ قال يمنعه إن كان ذلك يحنثه، وينبغى للإمام أن يتفرغ له ولا يتوانى ولا يشتغل بغيره، فلمثل هذا وضعوا لما هو من نوازل المسلمين.
وعن رجلين بينهما أرض ولكل واحد منهما بقرة فحلف أحدهما بالطلاق لا حرث بالبقرتين إلا فى الأرض التى بينهما، ثم ولى الحالف نصيبه من تلك الأرض رجلا ثم حرثها له يتلك البقرتين، قال يحنث إلا أن تكون له نية. وكذلك ذكرها ابن المواز عن ابن القاسم ولم يقل إلا أن تكون له نية.
وعن رجل لزوجته عليه دين فلزمه فيه، فقال إن مات ولا بياعة لك فأنت طالق. قال عيسى قال ابن القاسم فلا يقضيها دينها، فإن صحت وأخذت حقها منه طلقت يومئذ، وإن قضاها بعضه وبقى البعض فلا شىء عليه.
ومن الواضحة قال ابن القاسم عن مالك فيمن حلف بطلاق زو جته لئن رآها ليطلقنها، فإذ رآها لزمها الطلاق ولا يقبل منه أنه لم ينو أن يطلقها أول ما يراها. وإن حلفت هى بالعتق لئن رأت زوجها ليسألنه الطلاق فرأته تسأله فقد حنث.
وذكر ابن المواز عن ابن وهب فى المرأة مثله.
[4/ 304]

(4/304)


مسألة
ابن القاسم وابن وهب عن مالك فيمن شرط لزوجته ألا يخرجها إلا برضاها، فخرج بها إلى بلد برضاها ثم رجعت ثم استأذنها فأبت حتى حلفته بالطلاق أن لا يحبسها أكثر من عشرة أيام، قال مالك قد قرى على البارحة سؤال لأردنها إلا أن يغلبنى أمر لا أملكه، فإن كان نوى أن يحبسها فلا شىء عليه إذا لم يحبسها وسرحها فلم تذهب. قال عنه ابن القاسم فإن كان على ما قرى على البارحة فلا ينفعه ذلك إلا أن يردها وإلا حنث، كأنه لم ير قوله إلا أن يغلبه أمر شيئا.
قالعنه ابن وهب وإن حلف أن يردها إليك فليردها ثم تخاصم هى زوجها ولا ألزمه الحنث. قيل فإن ردها فأبت أن ترجع، أينفعه شىء؟ قال لا، هذه المسألة مختلطة ها هنا، والذى فى كتاب ابن المواز أبين، والذى فيه مختصر.
ومن حلف لزوج ابنته وقد تركها تخرج معه إلى باديته بالطلاق لا حبسها عن هأكثر من عشرة أيام قتأخرت، فإن لم يكن هو حبسها فلا شىء عليه. ولو كانت يمينه أردها عليك إلا أن يغلبنى أمر لا أملكه كان حانثا.
ومن سماع يحيى من يحيى عن ابن القاسم: ومن حلف من ذوى السلطان لا أمن فلاناً فقدم فلان يقدر فيه الحالف على عقوبته فتركه غير مؤمن له فهو حانث أيضا، ثم لا تنفعه عقوبته بعد ذلك ويصير سكوته عنه بعد علمه بمكانه تأميناً له، إلا أن يكون تركه الأمر اليسير اليوم ونحوه، وهو يتروى فى أخذه وعقوبته.
ومن سماع أبى زيد من ابن القاسم: وعن رجل طلق امرأته واتخذ عليها يميناً غن تزوجت بعد فمالها فى المكساكين صدقة، قال قد ظلم، فإن تزوجت لزمها صدقة ثلثه. قال ابن القاسم إلا أن تحلف على ضرر فلا يلزمها شىء كالتى تعطيه مالها على الضرر فليرده.
[4/ 305]

(4/305)


مسألة الافتداء من اليمين
من العتبية روى ابن القاسم عن مالك فى ابنى عم تشاجرا فحلف أدحهما إن دفع إلى الآخر شيئاً إلا بقضاء السلطان، فاختصما فقضى باليمين على الحالف، فأراد أن يفتدى منها، فكره ذلك وقال لا تدفع إليه شيئاً، ويحلف إن كان باراً.
قيل فرجل قضى عليه باليمين فأراد أن يفتدى منها، قال لا بأس بذلك، أراه إنما خاف أنيحنث فيما يعطيه من فدية اليمين، فذلك كره أن يعطيه شيئاً لئلا يحنث، ولأن القاضى لم يقض عليه بدفع ثمن فيبر، وقد توقف ابن عمر عن اليمين وابن عمر يرى أن ذلك جائز لا حرج فيه ولا نقص. ومن وقف تنزها وتعظيما فقد أخذ بنصيبه من الخير.

فيمن جحده رجل مالاً فظفر له بمال
هل يأخذ حقه ويحلف؟
قال أصبغ عن ابن القاسم فيمن جحد لرجل مالاً ثم ظفر له بمال هل يحبسن منه قدر حقه ويحلف إن حلفوه؟ قال لا يحلف كاذباً إلا أن يقبلوا منه يمينه: ما له عندى شىء، فإن من الناس من يقبل مثل هذا فى اليمين فإن قبلوا ذلك فليحلف ما لك عندى شىء.
وروى فى موضع آخر عن مالك وابن القاسم كراهية حبس ذلك من تحت يديه، وأجازه ابن كنانة إذا علم أنه لا دين على صاحبه أو عليه دين يصيب فى الحصاص مثل حبس له، وإذا أمن أيضا أن يحلف على أصل الشىء. فأما ما لك عندى شىء فليس عليه من ذلك شىء، وقاله ابن القاسم وغيره.
[4/ 306]

(4/306)


وروى عن محمد بن عبد الحكم أنه إن حلف على أنه ما أودعه أو ما أسلفه أو ما وصل إلى يدك من مالى شىء كذا، أن له أن يحلف وينوى يجب لك على الرجوع به، وأرى ذلك له مخرجا لأنه محق. وقول محمد هذا مستبعد. لأن النية فى الحلف على المحلوف له، وقد ينسى ويتأول أمراً. وما تقدم من القول أصح إن شاء الله.
وفى كتاب العز شىء يسير من الأيمان وكذلك فى كتاب الطلاق.

تم كتاب الأيمان والنذور
بحمد الله وعونه وتأييده وتسديده

[4/ 307]

(4/307)


صفحة بيضاء

(4/308)