النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه

كتاب الصيد
في اللهو بالصيد
وما يحل من صيد الجوارح المعلمة
وذكر التسمية

من الواضحة ومن كتاب ابن المواز قالا: وكره مالك الصيد للهو به ونهى عنه ولرآه سفهاً، ولم يجز قصر الصلاة فيه، وأجاز ذلك لمن يصطاد لعيشه وعيش أهله. قال عنه ابن حبيب أو من قرم إلى اللحم من غني أو فقير.
قال وكره الليث الصيد للهو وقال ما رأيت حقا أشبه بباطل منه. وروى أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من بدا جفا، قال ومن لزم الصيد لها، ومن لزم السلطان فتن، وفي حديث آخر: من لزم الصيد غفل.
قال مطرف وابن الماجشون: استخفت مالك الصيد لأهل البادية وقال هم بمكانه ولا غنى عنه، وإن خروج أهل الحضر إليه خفة وسفاهة.
قال عبد الملك في قول الله سبحانه {وما علمتم من الجوارح مكلبين} فتكليبها تعليمها الاصطياد. قال غيره ودخل مدخل الكلاب غيرها من السباع المعلمة، وسباع الطير بدخولها في اسم الجوارح، والجوارح الكواسب. قال الله تعالى {ويعلم ما جرحتم بالنهار} يقول ما كسبتم.

[4/ 341]

(4/341)


قال ابن حبيب: فتعليم الكلب أن يدعوه فيجيب، ويشليه فينشلي، ويزجره فينزجر. وكذلك الفهود. وأما البزاة والصقور والعقبان فإنما تعليمها أن تجيب إذا دعيت وتنشلي إذا أرسلت، فأما أن تنزجر إذا زجرت فليس ذلك فيها ولا يمكن منها، وكذلك قال ربيعة وابن الماجشون.
وقال غير ابن حبيب من أهل اللغة: يقال للزجر أشلا كما تقول زجرت التنور إذا أوقدته.
قال ابن حبيب قال مالك: ولا يؤكل صيد النمس إذا قتل وأنفذ المقاتل لأنه ليس بمعلم ولا يفقه التعليم، ولا يؤكل من صيده إلا ما أدركت ذكاته حيا.
قال مالك في تارك التسمية في الصيد والذبائح: إن كان عامدا ً فلا يؤكل، وإن كان ناسيا أكلت. وقال أشهب في العامد إن لم يكن مستخفا فليؤكل،
قال أشهب وابن القاسم: ولا يحتاج إلى التسمية في صيد الحوت، وقاله ابن القاسم. قال أشهب ولا في صيد الجراد، إلا أنه حين يقتلها يعتملها فعليه حينئذ أن يسمي لأن ذلك ذكاتها.
وروى عن ابن المسيب إذا خرجت قانصا فذكرت اسم الله حين تخرج كفاك. وروي نحوه عن ابن القاسم. قال ابن حبيب يعني إذا نسي التسمية.

في الجوارح المعلمة وما يكون من فعلها ذكاة وما أكلت
وذكر ما فات أو توارى عنك وما أدركت ذكاته من الصيد
أو أعان عليه سبع أو تردى وغيره

قال ابن حبيب في قوله تعالى {فكلوا مما أمسكن عليكم} يقول ما صدن وأدركن ليس يريد أن يمسكنه فلا يأكل منه.
[4/ 342]

(4/342)


قال ابن المواز قال مالك: وإذا أكل الكلب المعلم مما أخذ قبل أن يقتله أو بعده فإنه يؤكل ما أخذ.
قال محمد ولا يؤكل ما أخذ غير المعلم إلا ما أدركت ذكاته. قال ورأى قوم أن الكلب إذا أكل لم يؤكل منه، ويؤكل مما أكل منه البازي إذ لا يقدر على طرده.
والعمل على حديث عمرو ابن شعيب عن أبي ثعلبة أنه يؤكل وإن أكل منه.
قال ابن حبيب وروى نحوه في حديث عدي بن حاتم. قال غيره اختلف عن عدي ابن حاتم فيه، فقال ابن حبيب: وممن قال إنه يؤكل وإن أكل علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وابن عمر وأبو هريرة وسلمان وابن المسيب وسليمان ابن يسار وابن شهاب وربيعة وعطاء ابن أبي رباح.
قال ابن المواز قال مالك وأصحابه: لا يؤكل ما مات بنطح الكلاب وصدمها أو كدمها من غير تنييب، ولا ما مات من الجري، وكل ما جرحته أو نيبته ولو في أذنه، إلا أشهب فإنه قال يؤكل ما مات بصمها وبطحها وبضرب السيف وإن لم يجرح، والأول أحب إلينا.
قال مالك: وإذا توارى عنك فصرع الصيد ثم أصبت فيه أثر كلبك أو بازك أو سهمك، قال ابن حبيب وقد عرفت الصيد، قال مالك فكله وإن لم يكن مقتلا ً. وإن لم تجده إلا آخر النهار، قال أصبغ إذا كان متماديا في طلبه، فأما إن اشتعل بغيره أو انقطع عنه فلا يؤكل، إذ لعله لو طلبه أدرك ذكاته، ويصير كالذي يحاول إخراج السكين من خرجه حتى مات بنفسه، إلا أن يكون في ذلك كله قد أنفذت الجوارح مقاتله أولا ً.
قال ابن القاسم وأما إن مات عنه ثم وجد فيه سهمه قد أنفذ مقاتله فليأكله. وأما في أثر الباز والكلب فلا يؤكل وإن كان معلما. وكذلك لو رجع إلى منزله ثم رجع فوجد أثر بازه أو كلبه فيه وهو معقل لم يؤكل، إذ لعله لو حضر أدرك ذكاته قبل إنفاذ مقاتله، وقاله أصبغ بخلاف السهم.

[4/ 343]

(4/343)


وقال ابن القاسم وأشهب: لا يؤكل إذا بات وإن كان سهما. ومن قول ابن عباس: كل ما أصبت، يريد ما حضرت موته، أو قربت منه، ولا تأكل ما انبت، يريد ما بعد عنك وعن موته.
قال محمد: ولعل ذلك فيما لم ينفذ السهم مقاتله، وهو بين، قال أسبغ وقد قيل إلا ما بات ولم ينفذ فيه السهم المقاتل لما يخاف أنه أعان عليه في الليل من السهم والوحش.
قال أصبغ ولا معنى لرواية ابن القاسم وأراها وهما ً.
قال ابن حبيب قال ابن الماجشون: يؤكل ما مات إذا وجد قد أنفذت الجوارح والسهم مقاتله إذا لم يشك في ذلك، وقاله أشهب وابن عبد الحكم وأصبغ. وقال ابن القاسم لا يؤكل، والأول أحب إلينا، وذكر ابن أبي حبيب عن أشهب غير ما ذكر ابن الماجشون.
قال ابن المواز قال مالك: وإذا أدركه في أفواه الكلاب فتركه حتى مات وهو يقدر على تذكيته في أفواهها، أو يقدر على خلاصه، فلا يؤكل. وكذلك لو أدركه غير صاحبه وهو يقدر على ذكاته فتركه حتى جاء صاحبه وقد مات بنفسه فلا يأكله.
قال مالك: وإن رميته بسهمك فأصابه منه ما منعه الفرار، ثم رميت أنت أو غيرك فقتلته لم يؤكل، لأنه أيسر.
قال ابن القاسم للأول قيمته على الثاني. قال ابن حبيب قال ابن شهاب وربيعة ومالك: إذا رميت صيدا أو أرسلت جارحاً فلا تتربص في إدراكه، فإن توانيت حتى مات وأنت تعلم لولا توانيك لأدركته حيا ً فلا تأكله.
قال عبد الملك وإن عالجت خلاصه من الكلب أو الباز حتى مات ولو شئت ذكيته تحتهما فلا تأكله، وإن لم تقدر على تذكيته وهو تحتهما لم يضرك شغلك بخلاصه وإن مات بنفسه.
[4/ 344]

(4/344)


ومن العتبية قال يحيى عن ابن القاسم في الصيد يتوارى بالكلب فيوجد عليه قد قتله إنه إن لم ير قريبا ً منه صيدا ً يشك في أن يكون غير الذي أرسله عليه أو غيره فأكله حلال، وإن خفت ان يكون غير صيدك فلا تأكله بالشك.
قال سحنون وإن أرسله على صيد بعينه فانبعثت صيود فرادها وتوارى عنه ثم وجده قد قتل صيدا ً، قال لا يأكله حتى يعرفه.
قال أبو زيد قال ابن القاسم: إذا أنفذ سهمك مقاتل الصيد ثم وقع في بئر أو رأيت سبعا ً قد أعان عليه أو تردى من جبل فإنه يؤكل، إلا أن يشك أن يكون أنفذ مقاتله أو لم يعلم فلا يأكله إلا أن يدرك ذكاته.

في السهم المسموم وما قتل المعراض والحجر والبندق
والعصا والسهم بعرضه والصيد يضرب فيقطع بعضه
من العتبية وكتال ابن المواز قال ابن القاسم: قال مالك فيمن رمى صيدا ً بسهم مسموم ثم أدرك ذكاته فلا يأكله، فلعل السهم أعان على قتله، وأخاف على من أكله. ولا يؤكل ما قتل السهم والرمح بعرضه. ومن رمى بعصا أو عود لا حديد فيه فأصاب فإنه يؤكل ما قتل. قال وكذلك المعراض إذا سحق. قال مالك: وقيل الحجر والبندق من الموقوذة، وقاله ابن عمر في الجلاهق، مالك وذلك رض. قال ابن حبيب وإن دخلت في اللحم فهو رض فلا يؤكل إلا ما أدركت ذكاته.
وأخبرني أصبغ عن ابن القاسم في رامي الصيد بالحجر أو الذي مثله يذبح به فقطع رأس الصيد وهو ينوي اصطياده فلا يعجبني أكله، إذ لعل الحجر قطع رأس الصيد بعرضه.

[4/ 345]

(4/345)


ومن كتاب ابن المواز قال ربيعة: ومن رمى صيداً فأبان وركيه مع فخذيه فلا يأكل ما أبان منه وليأكل باقيه، وقاله مالك.
قال مالك: وكذلك لو قطع يديه أو رجليه، واما لو جزله نصفين أو قطع رأسه لأكله جميعه، وكذلك ما ابانت الكلاب منه مثل ذلك. قال محمد بخلاف لو جزله نصفين أو أبان رأسه.
مالك: ولو أبان يده ثم أعجزه ثم وجده ميتا ً أو وجده أولاً قد مات بنفسه فليؤكل إلا ما أبان منه. ولو أدركه حياً ففرط في ذكاته حتى مات لم يؤكل منه شيء.
ومن العتبية قال عيسى عن ابن القاسم: كل ما ضربه من الوركين إلى الرأس فجزله جزلين فليؤكل جميعا ً، ولو أبان فخذيه ولو يبلغ ضربته إلى الجوف فلا يؤكل ما أبان منه ويؤكل منه ما بقى.
قال سحنون في الصيد يعدو في المغار فينفذ مقاتله فيقطع قبل أن يموت، قال فلا ينبغي أكله ولا أحرمه.
قال أبو زيد قال ابن القاسم فيمن رمى صيداً فأصاب مقاتله ثم والى عليه بالرمح حتى قتله ولو شاء ذكاه، فإنه يؤكل.

فيمن أرسل على جماعة أو صيد فأخذ غيره أو أخذه وغيره
أو أرسل كلياً بعد كلب أو ظنه سبعاً أو حجراً
فإذا هو صيد، أو قتله بغير نية الصيد

من كتاب ابن المواز: وإذا أرسل كلبه على جماعة ينوي ما أخذ منها فأخذ اثنين واحداً بعد واحد فلا يأكل إلا الأول، إلا أن يقتلهما في مرة واحدة، فيصير كقول مالك في السهم يؤكل كل ما قتل في رميته، إلا ان ينوي في السهم وغيره

[4/ 346]

(4/346)


واحداً بعينه فلا يأكل غيره. وهذا عندي معنى كلام مالك فيما قتل السهم من الجماعة أنه يؤكل.
ورأى ابن القاسم أن الكلب والباز إذا قتل تلك الجماعة كلها أكلت، وجعله كقول مالك في السهم، وذلك يفترق لأنها رمية واحدة في السهم، والكلب إذا قتل واحدا احتاج في قتل الثاني إلى إرسال ثان.
وروى ابن وهب عن مالك فيمن أرسل كلبه على صيد فأخذه ثم رأى صيداً آخر فذهب إليه فأشلاه صاحبه عليه فقتله. قال محمد ولا أظنه أراد أن يأخذ اثنين ولكن إذا لم ينو صيداً معيناً فما أخذ أكل، يريد أول مرة. يدل على ذلك قوله: وكذلك الرمي.
قال محمد: ولو أرسله على طيور وظباء ينوي ما أخذ منها فما أخذ من طير أو ظبي فإنه يؤكل. وكذلك لو أرسلت عليهما كلبين فأخذ هذا ظبيا وهذا أرنبا، فإنه يؤكل ما أخذا.
ومن أرسل كلبا على صيد ثم أتبعه بآخر بعد أن فارقه الأول فقتلاه أوقتله أحدهما فأكله جائز. قال أصبغ ما لم يكن إرساله الثاني بعد أن أخذ الأول فشاركه في قتله الثاني وحده فهذا لا يؤكل، يعني ما لم يقتله بعد إنفاذ الأول مقاتله فهذا يؤكل، قال أصبغ ولو أرسل الثاني قبل أن يأخذه الأول فهذا من قتله منهما فإنه يؤكل.
قال ابن القاسم وأشهب:
ومن رمى صيدا ً يظنه سبعاً أو خنزيراً أو حجراً فإذا هو ظبي فقتله فلا يؤكل. قال أصبغ ولو ظنه تلتلاً فإذا هو ظبي فلا يؤكل.
ومن كتاب آخر قال أشهب: ومن رمى طيراً يظنه غراباً فقتله فإذا هوغير غراب فإنه يؤكل لأنه نوى صيده، ولا ينوي صيد حجر.

[4/ 347]

(4/347)


قال محمد قال ابن الواز قال مالك: وإن رمى فقطع رأسه فإن لم ينو اصطياده لم يؤكل. قال ابن حبيب وكذلك إن رماه على وجه اللعب لا يريد صيداً.
وفي أصل سماع ابن وهب فيمن رمى صيداً بسكين وقطع رأسه ولم يرد أكله ولا اصطياده ولكنه أراد قتله، قال لا أرى أن يؤكل مل لم تكن نية اصطياده، فترك أكله أحب إلي.
ومن كتاب ابن المواز: ومن رمى صيدا لينفره من مكانه لا للاصطياد فقتله فلا يؤكله.

في إرسال الجارح وكيف إن انشلى ثم أرسله
أو أرسله على ما لم يره أو في غار أو غيضة
أو شاهقة جبل أو بحله

من كتاب ابن المواز: وإذا أشلى الكلب على الصيد ثم أتبعه سيده بالإشلاء عليه، قال مالك لا يؤكل حتى يبتدئ ربه إشلاءه. وأجاز أصبغ إذا تلاه ربه بالإشلاء والتحريض والتسمية. قال محمد لا يعجبني.
محمد: ومن رأى كلباً يحد النظر وكالمتلفت فأرسله على شيء لم يره فليأكل ما أخذ، وذلك كإرساله إياه في الغياض والغيران لا يدري ما فيها، عرف بالصيد فيها أو لم يعرف، قاله مالك.
ومن العتبية قال ابن القاسم قال مالك في البازي يضطرب على يد صاحبه على شيء رآه صاحبه، فيرسله على غير شيء يراه، فأخذ صيداً فلا أحب أكله، ولعله غير الذي اضطرب عليه بعينه أو غيره إلا أن يوقن أنه الذي اضطرب عليه بعينه، مثل أن يراه غيره ولم يره هو.

[4/ 348]

(4/348)


ومن كتاب آخر قال مالك: ومن أرسل كلبه أو بازه على جماعة صيد ونوى إن كان خلفها جماعة أخرى فهو عليها مرسل فأصاب صيداً من الجماعة الثانية ولو يعلم بها فإنه يؤكل، وقال أشهب: لا يؤكل إلا ما أخذ مما يراه حين الإرسال عليه، وإلا فلا يأكل مما لم يره إلا ما أدرك ذكاته. وكذلك إذا أرسله في غيضة ولا يعلم ما فيها فلا يأكل ما صاد.
ومن العتبية قال ابن القاسم عن مالك أنه أجاز ما صاد من الغار يرسله فيه للصيد وإن لم يدر ما فيه. وقال عيسى وقاله ابن القاسم، قال ابن حبيب وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ. وإنما لم يجوز أن يرسله أول خروجه من بيته على غير شيء رآه أو رآه لكن على ما أصاد في إرساله، وليس هذا كإرساله في الغار، والغار إرساله على جماعة لم يقصد واحداً بعينه. وكذلك ما رجاه وأشرف وقاله أصبغ، وقال وكان أشهب وابن القاسم لا يجيزان ذلك في الغيضة.
قال أصبغ: والغيضة والغار وما وراء الشرف سواء، وذلك جائز إذا أرسل على ما رجا في ذلك.
ومن العتبية قال سحنون فيمن أرسل كلبه في الجحير ولا يدري أفيه صيد أم لا، ينوي أنه مرسل على ما أصاب فقتل فيه إنه لا يؤكل، وكذلك الغيضة عنده.
ومن كتاب ابن المواز: ولو أرسل بازه على وكر في شاهقة جبل أو على شجرة، قال أصبغ فإن كان لا يصل إليه ولا إلى إلقائه بالأرض بطلوع غيره إلا بأمر يخاف فيه العطب أو التعب فإنه يؤكل بالصيد، ويصير كالغيضة والغار. ولو وصل إلى إلقائه بالأرض برمح أو غيره حتى يقع فيذكيه فلا يؤكل بالصيد. وفي العتبية عن أصبغ مثل هذا كله.

[4/ 349]

(4/349)


في الكلاب تضطر الصيد إلى مجلس أو غار لا نجاة له منه
أو جزيرة أو انكسر ثم يقتله بعد ذلك

من كتاب ابن المواز: وإذا طردت الكلاب الصيد حتى وقع في حفرة لا مخرج له منها أو انكسرت رجله فتمادت الكلاب فقتلته فلا يؤكل، لأنه أسير.
محمد: وهذا إذا كان لو تركته الكلاب قدر ربها على أخذه بيده. ولو لجأ إلى غار لا منفذ له أو غيضة فدخلت الكلاب إليه فقتلته لأكل ولو لجأ إلى جزيرة أحاط بها البحر فوعر طريقه إليها وأطلق إليه كلابه وتمادت فقتلته، فأما الجزيرة الصغيرة التي لو أجتهد طالبه لأخذه بيده ولا يكون له في الماء نجاة فلا يؤكل، وإن كان له في الماء نجاة أو كانت جزية كبيرة يجد الروغان فيها الأمن كذا لاتساعها حتى يعجز طالبه على رجليه أو على فرس أن يصل إليه بيده إلا بسهم أو كلب فإنه يؤكل بالصيد. ومثل ما ذكرنا في هذا الباب في العتبية من كلام أصبغ.

في المنصب يقع فيه صيد ألجاه إليه أحد، من أحق به؟
ومن صاد بكلب رجل أو فرسه أو سهمه

من العتبية قال عيسى قال ابن القاسم فيمن نصب حباله أو فخاً أو حفر للصيد فطرد غيره صيداً ليقع فيه فأراه شريكاً لصاحب المنصب في الصيد بقدر ما يرى له. قال أصبغ هو للذي طرده إلى المنصب وعليه لرب الحبالة أو الفخ أو الحفرة قيمة ما أنتفع به من ذلك، كمن رمى بسهم بسهم رجل فصاد به كلابه أو بازه فعليه كراء ذلك لربه، والصيد للصائد.
قال عيسى عن ابن القاسم طرد قوم الصيد ولم يقصدوا وقوعه في الحبالة والمنصب ولم يضطروه إليها، أو انقطع عنهم ثم وقع فيه، فهو لرب المنصب

[4/ 350]

(4/350)


خاصة. وإن فأشرفوا على أخذه كالمقتدرين عليه فضغطوه حتى وقع في المنصب فهو للذين طردوه دون رب المنصب، وقاله أصبغ.
قال ابن حبيب: وكذلك إن اقتحم دارا. وأما إن قصدوا تعمد إيقاعه في الحبالة أو الفخ أو المنصب فوقع فليه وهم بقرب منه، فها هنا يكونون ورب المنصب شركاء فيه بقدر ما لهم وله.
ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون وابن القاسم فيمن صاد بكلب رجل أو بازه، فالصيد لرب الكلب أو البازي، وعليه أجر الصائد إن شاء، وإن شاء أسلمه إليه وأخذ منه أجرة كلبه أو بازه.
قال ابن حبيب وهذا بخلاف الحبالة والحفرة، وأحب إلي من قول أصبغ الذي جعل ذلك سواء، وجعله للصائد. وكذلك ذكر ابن المواز عن ابن القاسم أن الصيد لرب الكلب والبازي كالعبد.
قال ابن حبيب كمن تعدى على عبد رجل فجعله ليصيد له الحيتان، فما صاد فلسيده، وضمان ما حدث بالكلب والعبد والبازي من المتعدي عليهم، وقاله ابن المواز.
ولو صاد على فرس رجل تعدياً فالصيد له، وعليه أجر الفرس لربه.
وذكر أصبغ عن ابن القاسم في العتبية مثل ما ذكر ابن حبيب عنه سواء، وخالفه أصبغ في الكلب وقال ليس كالكلب وقال ليس كالعبد هو الفاعل، والكلب لا يصيد إلا بما يفعل به من الإشلاء والإرسال، وهو كالدابة يحمل عليها. وقال سحنون مثله إن الكلب كالفرس، وعلى الصائد أجرهما والصيد له.
وفي كتاب ابن المواز في نفي الضرر شيء من هذا.

[4/ 351]

(4/351)


في صيد السكران والكافر والمجنون
من كتاب ابن المواز قال مالك: ولا يؤكل صيد مرتد ولا مجوسي ولا كتابي. قال محمد ولا صيد الصابئ ولا ذبيحته. وقد كره الحسن مع ذلك نكاح نسائهم. قال مجاهد هم قوم بين اليهود والمجوس لا دين لهم.
وأجاز أشهب صيد الكتابي ولا يعجبنا، وقد كرهه مالك في الكتابي. قال ابن حبيب وقال ابن وهب إنه جائز كقول أشهب فيه، ونحن نكرهه من غير تحريم. والقياس أنه كذبائحهم، وإنما ذكر الله تعالى {تناله أيديكم ورماحكم} في ذكر ما نهى المحرمين عنه من الصيد.
محمد قال مالك: ولا يؤكل صيد السكران ولا المجنون الذي لا يعقل ولا ذبيحة الأعجمي لا يعقل الصلاة.
ومن العتبية قال أشهب عن مالك: لا خير فيما صاد المجوسي من الجراد إذا جاء به مقتولاً، فأما إن باعه حياً فلا بأس به على مبتاعه. قال أشهب في كتابه اعتملها المجوسي أو ماتت في يديه فلا يؤكل. وكذلك إن اشتراها من مسلم ثم اعتملها. ولو اشتراها نصراني من المجوسي حية فعملها لأكلت.
ومن سماع يحيى بن يحيى قال في نصراني خرج مع المسلمين في طلب صيد فبدر إليه فذكاه، فإن كان خوفا من فوته وبحال الضرورة فأكله جائز، وأما إن تمكن المسلمون من ذبحه ثم قدموه لذلك كره أكله.
ومن الواضحة: وما أدرك من صيد المجوسي والكتابي حياً فذكاه مسلم جاز أكله، ويؤكل ما صاده مسلم بكلب مجوسي أو بازه أو سهمه، ولا يؤكل ما صاده مجوسي بكلب مسلم أو بازه وسهمه.
[4/ 352]

(4/352)


قال ابن حبيب: وإني لأكره صيد من لا يتحفظ من المسلمين من جاهل بحدود الصيد غير متحر لصوابه.
وإذا اجتمع على الصيد كلب أرسله مجوسي وكلب أرسله مسلم فقتلاه لم يأكله المسلم ولا يقسم، وكذلك سهماهما، إلا أن يوقن أن سهم المسلم قتله دون سهم المجوسي، مثل أن يوجد سهم المسلم في مقتله، والآخر في عضو سواه فيحل ويقسم بينهما. ولو أخذاه حياً حكم للمسلم بذبحه وأخذ نصفه.
وقال بعض أصحابنا: فإن قال المجوسي أنا لا آكل ذبيحة مسلم فإنهما يؤمران ببيعه وقسم ثمنه، إلا أن يكون بموضع لا ثمن له فيه فيمكن المسلم من ذبحه إن شاء.

في صيد ما ند من أهلي أو وحشي
وفي الحمام والنحل وما دخل في الأجباح والأبرجة
وبجحر مواضع الحرب

قال ابن القاسم من صاد بازياً في رجليه شيء قال أو ظبياً في عنقه قلادة أو في أذنيه قرطان فإنه يعرف به، ثم إن كان ليس بهروب انقطاع وتوحش فهو لمعرفته، وإن كان هروب انقطاع وتوحش فهو لمن وجده، فإن قال معترفه منذ يومين ذهب لي، وقال واجده، لا أدري فعلى الأول البينة. قال سحنون البينة على الذي صاده وهو المدعي، يريد والقلادة وشبهها للأول بكل حال أنه جعلها.
قال أشهب إذا علم الذي صاده أنه قد طال زمانه ويراه من الوحش فليس عليه أن يعرف به، ولا يأخذه ربه إن عرفه. وإن جهل أمره عرف به، ثم سئل عن قرب ذلك وبعده.
قال محمد بن عبد الحكم: هو لصائده الأول وإن طال زمانه في ندوده عنه منذ عشر سنين فلا يزول ملكه عنه.

[353/ 4]

(4/353)


قال ابن القاسم: من صاد ظبياً فانفلت منه فصاده غيره، فإن كان بحدثان ما ذهب منه بمثل يوم أو يومان فهو للأول، وإن طال أمره واستوحش فهو لمن صاده آخراً.
ومن الواضحة: إذا توحشت الإنسية من الأنعام لم تحل إلا بذكاة، وروي فيها بعض الرخصة وليس بقول مالك. وأما ما أصله التوحش من الظباء والأرانب والأيائل وحمر الوحش يتأنس ثم يستوحش فإنها تحل بالصيد، وقاله مالك في اليمام واليعاقيب وجميع الطير يتأنس ثم يستوحش، فإنه يحل بالصيد، وقاله مالك.
وحمام البيوت وكذلك البرك ولإوز الإنسية تستوحش، ولا أرى هذا في الإبل والغنم والدجاج إذ لا أصل لها في الوحشية ترجع إليه، ولا بأس أن تعقر عقرا يبلغ مقتلا أو تعرقب ثم تذكي. وأما البقر فهي عندي لها أصل ترجع إليه من بقر الوحش، فإذا، ستوحشت حلت عندي بالصيد.
قال مالك في سماع ابن وهب في البقر في أرض العدو تستوحش فيريد رجل ظان يدركه برمبه فيعرقبه ثم يذكيه، فكره ذلك.
قال ابن حبيب لا يجوز صيد الطائر ولا النصب له برجي أوغيره، وإن دخل من برج غيره إلى برجه فليرده إن عرفه، فإن لم يقدر وعرف عشه رد فراخه، وإن لم يعرف عشه فلا شيء عليه، وإن عرفه ولم يعرف ربه فلا شيء عليه ولا في فراخه.
وكذلك النحل لأن النحل وحمام الأبرجة أصلها التوحش والناد، فأمام حمام البيوت فكاللنطة إن يعرف ربها في إنشادها تصدق بها.
قال ابن الماجشون وهذا قول مالك وأصحابنا.
ومن ذلك الحمام الأهلي، وكذلك البازي والصقر والواشق إذا لم يعلم وصاد ثم أفلت وند فهو كاللقطة، لا يسرع لأخذه، وإن لم يكن بهذه الصفة من دجانته

[4/ 354]

(4/354)


وخرابه وإجابته وهو وحش كما أخذ، لم يقتته الناس، فهو لمن أخذه وإن كان ربه يراه على بعد منه ويئئس من إدراكه، لأنه عاد إلى وحشته كذلك قال مالك، إلا أن يأخذه محتبلاً بخيطه أو متشبثاً بشجرة أو نحو هذا فهو للأول. وكذلك كل ما كان من وحش الطير من العماري والدمام وغيرها، وكذلك الظباء والإوز وحمر الوحش والأرانب وشبه ذلك، فما ند من ذلك بعد إنسه ودجانته فهو للأول، وما ند بحدثان وحشته فلمن أخذه، إلا أن يأخذه محتبلاً وسعى في ربطه.
هذا قول مالك وابن الماجشون ومطرف وابن عبد الحكم وأصبغ.
ومن العتبية قال ابن القاسم قال مالك في الجبح يضعه الرجل في الجبل فما دخل فيه من النحل وأطعم فهو له دون غيره، كالحبالة ينصبها فما وقع فيها فهو له.
قال عيسى عن ابن القاسم وليس لأحد أن يسد سداً في خليج بحر ولا يمنع الناس به من الصيد، وهو وهم فيه سواء.
ورأيت في تأليف ابن الحجام قال غيره في النحل لرجل يخرج منها فينزل بموضع ثم يأتي فرخ لغيره فيبول عليه فتختلط النحل، أن ذلك كله بينهما، وهو خلاف ما قال سحنون ها هنا، ولا أدري حكى عنه ابن الحجام.
قال سحنون في النحل يفرخ فيخرج الفرخ فيهرب في الشجرة ثم يخرج فرخ آخر لرجل آخر فيضرب عليه، قال ذلك للأول. ولو ضرب فرخ في بيت نحل لرجل فذلك لصاحب العائل.

[4/ 355]

(4/355)


ومن كتاب آخر ومن آوت إليه جماعة من حمام البيوت عرفها، فإن لم يعرف ربها تصدق بها عن ربها. قال سحنون فإن ازدوجت بذكر له فليردها مع نصف الفراخ إلى ربها، فإن لم يعرفه تصدق بذلك معها، لأن الذكر والأنثى في الحمام خاصة متعاونان في زق الفرخ وتربيته.
قال ابن القاسم وأشهب لا يعيد من حمام الأبرجة شيئاً، فإن فعل فليرده، وإن لم يعرف ربه أو أي برج هو تصدق بقيمته.

في نصب جبح النحل وبرج الحمام
قال ابن القاسم عن مالك من نصب جبحاً في الجبل فما دخله فهو له.
قال أشهب: هذا إن كانت جبلية، وإن كانت لقوم فهو فيه أسوة، ولا يجب أن ينصب هناك جبح. وإن كان هناك نحل كثير غير مربين ونحل مربون، فلينصب وما دخل فيه فهو له، إلا أن يعرف شيء لقوم فيرد إليهم. وكره ابن كنانة أن ينصب جبحاً بمكان قريب من أجباح الناس، ولينصبها في بعيد من العمران.
قال ابن حبيب قال مطرف: ولا ينصب للنحل جباح في القرية إذا كان ذلك يضر بهم في نوار ثمارهم وزرعهم، ويجوز في الحمام، وذلك بخلاف المواشي، وهذه لا يقدر أهل الحوائط والزروع على الاحتراس منها.
وقد مالك في الدابة الضاربة لفساد الزرع إنها تغرب وتباع على ربها، وكذلك الإوز والدجاج الطائرة التي لا يقدر على الاحتراس منها. وقال أصبغ ذلك كله مثل الماشية لا يتخذها إن ضرب على أهل القرية حفظا لزرعهم وشجرهم، وقاله ابن القاسم.
قال ابن كنانة: لا يمنع من اتخاذ البرج وإن تأذى به جيرانه في زرعهم وثمارهم، وأكره له أن يؤذي أحداً.
[4/ 356]

(4/356)


في صيد الجراد وأكلها وأكل الحلزون
ودواب البحر وطافي الحوت وصيد طير الماء
من كتاب محمد وغيره: لم يجز مالك أكل الجراد بأخذها حتى يفعل بها ما تموت به من قطع رؤوسها أو أرجلها وأجنحتها أو إلقائها في ماء حار أو في نار، وإن ماتت بيده لغير ذلك لم تؤكل، وقاله ابن شهاب وربيعة.
قال ابن المسيب وعطاء إذا ماتت بعد أن أخذها أكلت وكرها ما وجد منها ميتاً. قال ابن حبيب وأجازه مطرف وقال ابن عبد الحكم: وعلى آخذها التسمية عند قطع رؤوسها أو أجنحتها أو غير ذلك مما يقتل به. قال ابن حبيب أو تنغز بالإبرة أو بالشوك حتى تموت، أو تقلى حية أو تموت شواء.
ومن كتاب آخر قال أشهب: إذا قطع أجنحتها أو أرجلها ثم تركها ثم ماتت من غير ذلك فلا تؤكل، بخلاف الرأس. ولو طرحها في ماء حار قبل موتها أكلت ولم يؤكل ما زايلها من أفخاذها. وأما الأجنحة فهي عندي كصوف الميتة وتؤكل، ولو سلقت الأفخاذ معها لم تؤكل هي ولا أفخاذها، وهذا غلط بين.
قال سحنون: ولو سلقت جراداً موتا لأكلت التي سلقت أحياء، بمنزلة خشاش الأرض تموت في القدر. وأجاز مالك أن تلقى في النار وهي حية. قال عنه أشهب وقطع رؤوسها أحب ألي، وكره سحنون قتلها بالإلقاء في ماء بارد ولم يجز ذلك إلا في ماء حار.
ومن العتبية قال أشهب عن مالك: ولا يجوز صيد المجوسي لها إن قتلها بفعله إلا أن تؤخذ منه حية فتعمل فذلك جائز. وقال ابن حبيب: وأجاز مالك أكل الحلزون وقال يذكى بما يذكى به الجراد من فعل تموت به، ولا يؤكل ما مات منه بغير فعل، وتسمي الله عند فعلك ذلك به من سلق أوبنغز بالإبر أو الشوك أو غير ذلك.
ومن الواضحة قال ابن حبيب: ولا بأس بأكل الضفادع بغير ذكاة لأنها من دواب الماء ولا تفسد ما ماتت فيه وقال بالكراهية في خنزير الماء.
[4/ 357]

(4/357)


قال: وكره علي ابن أبي طالب رضي الله عنه شقائق له من الحوت من غير تحريم. قال ابن حبيب فقال كل ما لا شقائق له فهو دابة من دواب البحر والماء وليس بحوت وإن كان على خلقته
وقال ابن عباس لا بأس بأكل خنزير الماء، وإنما حرمته اليهود. قال ابن حبيب وأنا أكرهه، لأنه يقال أنه من الممسوخ.
ومن العتبية ابن القاسم عن مالك في حيتان برك بقي ماؤها يطرح فيها السيكران فسكر فتؤخذ، فكره أكلها. قيل إنه لا يخاف على أكلها ولا يعجبني هذا من فعل العجم. وأجاز في رواية أشهب أكلها ولم ير به بأساً إذا لم تؤذ من يأكلها.
قال ولا بأس بقطع الحوت قبل أن يموت وأن يلقى في النار حياً، ويؤكل ما وجد منه ميتاً. وكره في رواية أشهب غمس رؤوسها في الطين ولم يره شديداً. قال وفرس البحر الذي يقيم فيه أياماً حياً حتى يذبح قال هو من صيد البحر لا بأس بأكل ميته.
ويصيد المحرم إياه، وإنما يذبح استعجالا لموته، وما كره ذبحه إلا أن يدخل به على الناس شك إن دار عليهم فيه. ومن طير الماء ما يعيش في الماء وهو من البر لا يؤكل إلا بما يؤكل به صيد البر قال وما أكره طرح الحوت في النار حيا كل الكراهية، ولو تركه قليلا مات.
ومن كتاب ابن المواز قال مالك، والليث: طعام البحر ما ألقى. قال ابن المسيب ويؤكل التمساح وإن كان دويب وجميع دواب الماء، واختلف في خنزير الماء، فأجاز أكله ربيعة، وكرهه يحيي ابن سعيد. وظاهر القرآن والسنة في صيد البحر يبيحه، وقد سمى من رواية على غيره فلا يحرم. ويؤكل السرطان والسلحفاة والحوت الحري الذي لا قشر له. قال مالك: ولا يحتاج في صيد البحر تسمية.
[4/ 358]

(4/358)