النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه

كتاب الذبائح
في صفة الذبح وذكر التسمية والتوجه
وفي ترك بعض ذلك وفي الغلصمة تجوز إلى البدن
وفي البجع ومن استعجل السلخ
من كتاب محمد قال: والسنة أخذ الشاة برفق وتضجع على شقها الأيسر إلى القبلة ورأسها مشرف وتأخذ بيدك اليسرى جلد حلقها من اللحي الأسفل بالصوف وغيره فيمده حتى تتبين البشرة وموضع السكين في المذبح حتى تكون الجرزة في الرأس، ثم يسمي الله ويمر السكين مرا مجهزا من غير ترديد، ثم يرفع ولا ينحى ولا يرد. وقد حددت شفرتك فبل ذلك ولا تضرب بها الأرض، ولا يجعل رجله على عنقها، ولا يجرها برجلها.
وكره ربيعة ذبحها وأخرى تنظر، وكره مالك ذبح طير وشبهه والدجاجة وهو قائم، فإن فعل أكل إذا أصاب الذبح. قال مالك: ويكره ذبحها على شقها الأيمن، فإن فعل أكلت، ولو كان أعسر كان ذلك له.
قال ابن حبيب عن أصبغ: ولو فعل ذلك متعمدا من غير عذر أكلت. قال ابن حبيب ويكره للأيسر أن يذبح، فإن فعل واستمكن أكلت، ولا يكره ذلك للأيسر لأن يمينه يذبح. قال محمد ونهى مالك الجزارين أن يدوروا بالحفرة بالذبح، ولكن ليستقبلوا القبلة، قاله محمد، فإن لم يتوجه للقبلة، ساهيا فلا شيء
[4/ 359]

(4/359)


عليه، وإن تعمد لم تؤكل، وقاله ابن عمر والشعبي. وأما الجاهل فأرجو ألا شيء عليه.
وأما تارك التسمية عامدا قال أشهب إن كان مستخفاً لم تؤكل. قال ابن حبيب في تارك التوجه في الذبح عامداً من غير جهل إنها تؤكل.
قال ويقول في التسمية: بسم الله والله أكبر، ولو قال بسم الله فقط والله أكبر فقط، أو لا إلاه إلا الله أو سبحان الله ولا حول ولا قوة إلا بالله من غير تسمية أجزأه، وكل تسمية لله تعالى، ولكن ما مضى عليه الناس أحسن ولا يذكر في ذلك النبي صلى الله عليه وسلم.
قال أصبغ قال ابن القاسم: إن في بعض الحديث موطنين لا يذكر فيهما إلا الله: الذبيحة والعطاس، فلا يقل بسم الله والله أكبر محمد رسول الله، ولا في العطاس الحمد لله محمد رسول الله، ولو قال مع ذلك وصلى الله على محمد لم تكن تسمية له مع الله سبحانه. وقال أشهب لا ينبغي أن تجعل الصلاة على النبي صلي الله عليه وسلم في هذا استنانا.
ومن نزل عن المذبح أو ارتفع فذلك جائز له إذا كان ذلك في الحلق، وأما إن جازت الجرزة إلى البدن فقال ابن القاسم لا تؤكل، وقاله أصبغ، وهو أحب إلى، لأن الحلقوم لم يقطع منه شيء وأجاز ذلك عبد الحكم وذكر العتبي عن ابن القاسم وأشهب وسحنون أنها لا تؤكل، وقال أشهب وابن القاسم وأشهب وسحنون أنها لا تؤكل وأن ابن وهب قال تؤكل.
ومن كتاب آخر مما روينا عن ابن وضاح قال قال عبد الله بن عبد الحكم: لا تؤكل، وقال أشهب وابن وهب وأبو المصعب وموسى ابن معاوية إنها تؤكل. قال ابن وضاح: ولم يحفظ لمالك فيها شيء، وذكرت لأبي زيد أنه روى عنه عن ابن القاسم عن مالك أنها لا تؤكل فأنكره، وقال أبو زيد تؤكل، وقال سحنون أنها تؤكل ثم رجع فقال لا تؤكل، وقال محمد بن عمر قال مالك وابن القاسم إنها لا تؤكل. وقال ابن وضاح لم يتكلم فيها إلا ابن عبد الحكم فنزلت به.
قال محمد بن عمر وقال محمد بن عبد الحكم تؤكل. قال: وعلى قياس قول ابن
[4/ 360]

(4/360)


القاسم إنها إذا صارت إلى البدن وبقي في الرأس منها قدر حلقة الخاتم أنها تؤكل إلا أن يبقى في الرأس منها ما لا يستدير فلا تؤكل.
قال بعض شيوخنا إن ذبح الجزار لرجل فأجاز الغلصمة إلى البدن ضمن قيمة الشاة على مذهب مالك وابن القاسم، ولا يضمن في قول غيرهما.
وإن ذبح الصياد في ظلمة الليل ثم تبين له أنه ذبح من خلف القفا فلا تؤكل، وكره له الذبح قائما، وكذلك في ذبح الدجاجة وشبهها، وأخاف أن لا يتمكن، فإن فعل وأصاب أكلت.
ولابن حبيب في الواضحة: وإذا قطع الأوداج وأكثر الحلقوم النصف فأكثر أكلت، وإن قطع يسيراً منه تؤكل، ولو لم يقطع منه شيئاً فقيل له في ذلك فرجع وأجهز على الحلقوم، فإن كان في فور الذبح قبل يذهب عنها ويدعها فذلك جائز، وإن كان بعد أن تباعد فلا يؤكل.
وقال سحنون: وإذا رفع يده قبل تمام الذكاة ثم علم فردها مكانه وأجهز فلا تؤكل. وروى ابن وضاح أن سحنون كره أكلها، وتأول بعض أصحابنا على سحنون أنه إذا رفع يده كالمختبر أو ليرجع فيتم الذكاة ثم رجع في فوره فأتم أنها تؤكل.
ومن العتبية قال أشهب عن مالك: لا يؤكل ما ذبح من القفا، وأما لو ذهب يذبح فأخطأ فانحرف فإنها تؤكل. وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في الدجاجة والعصفور والحمام إذا أجهز أوداجه ونصف حلقه أو ثلثه، قال لا بأس بذلك إذا لم يتعمد، ولم يجز ذلك سحنون حتى يجهز على جميع الحلقوم والأوداج.
وكره مالك تعمد بجع الذبيحة، فإن تعمد أكلت وقال علي بن أبي طالب تلك ذكاة واجبة، وقال ابن عباس لا تؤكل في التعمد.
[4/ 361]

(4/361)


ويكره أن تسلخ بعد الذبح حتى تموت، وكذلك القطع منها، وتؤكل إن فعل.
قال مالك وينهى الجزارون عن نفخ اللحم ويؤدبون عليه.

في الذكاة بحال الضرورة وما يذبح من الأدوات
ونحر ما يذبح وذبح ما ينحر
من كتاب ابن المواز قال مالك: ومن ذبح بحال الضرورة بفلقة قصبة أو فلقة عصا أو حجر فأنهر الدم فإنها تؤكل، وكذلك من نخار أو حرف عظم أو قرن إذا أمر مراً والسطرة فلقة العصا وهي الصرر، والليطة حجر، والصرر فلقة الحجر، والليط القصبة، والمروة الحجر والمدية السكين.
قال الليث: ما مر مراً فكل، وما تردد فلا يؤكل. وكذلك روي عن ابن عباس. قال حبيب: الترداد أن يرفع يده ثم يعيدها فلا يجوز حتى يجهز أول مرة.
قال: ولا يؤكل ما ذبح الظفر أو السن. قال في كتاب ابن حبيب إذا كان مركباً، فأما إن كان منزوعين ولم يسفرا عن الذبح بهما وعظما حتى يمكن الذبح بهما فلا بأس بالذبح بفلقة العظم وإن لم يكن ذكيا، وإنما ينبغي الذبح بمثل هذه الأشياء بفلقة الحجر أو العصا والقصبة ونحوهما عند فوات نفسها ولم تحضر الشفرة. فأما في السعة فلا إلا بالشفار الحادة، فإن ذبح بذلك من غير ضرورة فقد أساء ولا تحرم.
ولا بأس بالذبح بشفرةلا نصاب لها والرمح والقدوم والمنجل الأملس الذي يبرد به، فأما المضرس الذي يحصد به فلا خير فيه لأنه يبرد، ولو قطع كقطع الشفرة فلا بأس ولكن ما أراه يفعل ذلك.
[4/ 362]

(4/362)


محمد قال أشهب: إن ذبح بعيرا ونحر بقرة من ضرورة فقد صار كالضرورة ويؤكل، وأبى ذلك مالك وابن القاسم وأصحابهما إلا من ضرورة من وقوع في بئر ونحوه.
قال ابن القاسم إن نحرت النعامة أو غيرها من الطير لم يؤكل.
ومن المستخرجة قال ابن أبي سلمة: ويؤكل ذلك كله إذا ذبح ما ينحر أو نحر ما يذبح من طير أو غيره من غير ضرورة.
ومن كتاب محمد ولا يؤكل ما ند من الأنعام بالصيد.

في ذكاة الجنين وما أزلمته البقرة
قال مالك: وذكاة الجنين ذكاة أمه إن تم خلقه ونبت شعره، لابد من هذا وهذا، فإن كان أحدهما لم يؤكل وإن كان حيا.
ومن المستخرجة وغيرها: أشهب عن مالك: وعن الذبيحة يخرج جنينها ميتاً قال يؤكل إذا تم خلقه ونبت شعره. قال: ويستحب مر السكين على حلقه ليخرج الدم من جوفه. قال ابن حبيب وكذلك إن خرج وبه حياة ضعيفة وهو في رمق الموت فيستحب ذبحه ويؤكل، فإن لم يذبح أكل، وإن كان به من الحياة ما يرى أنه يعيش منها لو ترك أو يشك في ذلك، فإن لم يذك حتى مات فلا يؤكل.
قال أبو زيد قال ابن القاسم في بقرة أزلمت ولدها، فإن كان مثله يحيى ويعيش فلا بأس بأكله إذا ذكي. قال ابن حبيب إذا تم خلقه ونبت شعره. قال ابن القاسم فإن كان مثله لا يعيش لم يؤكل، وكذلك إن شك في ذلك فلا يؤكل وإن ذكي.
ومن كتاب محمد قال مالك: وإذا خرج جنين الذبيحة يتحرك أحببت أن يذبح، فإن هو سبقهم بنفسه كرهت أكله.
[4/ 363]

(4/363)


وقال يحيى بن سعيد: لا يحل أكله إلا أن يموت قبل خروجه بعد ذكاة أمه، فأما إن بقر عليه بأثر ذبحها، فإن خرج يتحرك فلا يؤكل إلا بذكاة.
قال مالك ولو أبطأ موته في بطنها بعد ذكاة أمه وموتها فإنه يؤكل إذا لم يخرج وفيه روح.
قال ابن القاسم قال مالك في بهيمة طرحت ولدها حياً يرتكض قد تم خلقه فذبح، لم أحب أكله. قال أصبغ إذا كان مثله لا يعيش إن ترك لخروجه قبل وقت الولادة.

فيمن تجوز ذبيحته ومن لا تجوز
من كتاب محمد قال مالك: تكره ذبيحة الصبي والمرأة أضحيتها، ولا يذبح الصبي أضحيته. ويجوز ذبح الأغلف والجنب والحائض. قال ابن القاسم والأخرس.
مالك ولا تؤكل ذبيحة من لا يعقل من جنون أو سكر وإن أصاب لعدم القصد.
قال مالك والأعجمي لا يعرف الصلاة. قال مالك: تؤكل ذبيحة السارق لأنه إنما حرم السرقة لا عين الذبح والمحرم حرم عليه الدبح نفسه في الصيد.
ومن العتبية أشهب عن مالك لا أحب ذبيحة الخصي، فإن فعل أكلت.
[4/ 364]

(4/364)


في ذبائح أهل الكتاب وأكل طعامهم وطعام المجوس وغيرهم
ومعونتهم على أعيادهم والانتفاع بآنيتهم
من العتبية قال ابن القاسم عن مالك عن رجل من بني عبد الأشهل له فضل، قال كان الناس يبتغون لذبائحهم أهل الفضل، قال ابن حبيب وأهل الإصابة والمعرفة.
ابن المواز قال مالك: ولا أحب أن يذبح النصراني، واختلف قوله في كراهية أكل ما ذبح وليس بحرام، ولو كانت ملكاً للنصراني فهو أخف. والشاة بين مسلم ونصراني لا أحب أن يمكنه من ذبحها.
مالك: ومن ذبح من ذمي أو حربي أكلت ذبيحته إلا من عرف بأكل الميتة منهم، فلا يؤكل ما غاب عليه من ذبيحته. وكره مالك أن يذبح العبد النصراني لمواليه إلا أن يحتاجوا إليه في ذلك.
وما ذبح اليهود فلم يستحلوه لأجل الدية أو لغير ذلك فقد اختلف قول مالك في كراهيته، وثبت قوله على الكراهية من غير تحريم. وأشد من ذلك ما حرمه الله عليهم من الإبل من النعام إنها من ذوات الظفر فلا تحل لنا. قال ابن حبيب والإوز. قال محمد: والشحوم المجملة كالتروب والكلأ وأما المبعر والحياوات اللين وما اختلط بعظم ولحم فجائز.
وكره مالك ما ذبحوا للكنائس أو لعيسى أو لجبريل لأعيادهم من غير تحريم. وأما ما ذبح للأصنام فمحرم لقول الله تعالى {وما ذبح على النصب} قال محمد ابن حبيب: وإن ما ذبح للكنائس ولعيسى وللصليب ولمن مضى من أحبارهم ليضاهي ما أهل لغير الله به مما ذبح للأصنام، ولكن لم يبلغ به مالك التحريم، لأن الله أحل لنا طعامهم وهو يعلم ما يفعلون، وترك ذلك أفضل.
[4/ 365]

(4/365)


قال محمد وتؤكل ذبيحة النصراني العربي والمجوسي إذا تنصر، قال وتلا ابن عباس {ومن يتولهم منكم فإنه منهم} وتؤكل ذبيحة السامرة صنف من اليهود لا يؤمنون بالبعث، قاله عمر بن الخطاب وغيره، ولا تؤكل ذبيحة الصابئ وليس بحرام، كتحريم ذبائح المجوس.
وقد حرم الحسن وسعيد ابن جبير ذبائحهم ونكاح نسائهم وقيل أنهم بين المجوسية والنصرانية.
وإذا ولى المجوس مسلما فذبح له فاختلف في أكله، فأجازه ابن سيربن وعطاء، وكرهه الحسن، وسئل الحسن عن مجوسي قال لمسلم اذبحها لصنمنا أو لنارنا فاستقبل بها المسلم القبلة وسمى الله فكره أكلها. قال محمد إنما يكره إذا أمره بذبحها على هذا الشرط، فأما لو تضيف به مسلم فأمر بذبحها مسلما فذلك جائز وإن عدها لعيده.
قال مالك أحب إلي غسل آنية النصاري، وان تسألهم عما قربوا من الطعام أطيب هو؟ وأما القدر الذي يطبخون فيها فأحب ألي أن يغلى فيها الماء حتى يذهب ودكها لأكلهم الميتة والخنزير.
ولا يؤكل جبن المجوس لعملهم فيه أنفخة الميتة إلا ما لم ليسوا عليه. وأما اللبن والزبد فإن كانت آنيتهم نظيفة فكل، وإن شككت فدع.
قال محمد: ما ليس أهل الذمة من خفاف وعملوا من القرب فلا خير فيه إلا من بعد غسله، وما كان جديراً فلا بأس به من أهل الكتاب، ولا خير فيه من المجوس/ لأن الغالب عليهم أكل الميتة إلا ما أيقنتم حلاله. وأما غير المجوس فلا بأس به إلا ما أيقنتم حرامه.
ومن المختصر: ولا بأس بأكل طعام المجوس وكل الذي ليست له ذكاة. قال الأبهري وقد أكل الصحابة من طعامهم حين فتح الله بلادهم مما لا ذكاة فيه.
[4/ 366]

(4/366)


ومن الواضحة: ولا بأس بذبائح نساء أهل الكتاب وصبيانهم إذا أصابوا الذبح، وتؤكل ذبائح أهل الحرب من أهل الكتاب.
وكره مالك الشراء من تجار اليهود، ونهى عمر أن يكونوا في أسواقنا، ولا بأس أن يكون لهم مجزرة على حدة وينهوا عن البيع من المسلمين، وينهى عنه المسلمون.
ومن اشترى منهم لم يفسخ شراؤهم وهو ورجل سواء إلا أن يكون ما اشترى منهم مثل الطريف وشبهه مما لا يأكلونه فيفسخ شراؤه، قاله مطرف وابن الماجشون.
وقالا في الشاة بين مسلم وذمي فلا يواليها للذمي يذبحها، فإن تشاحا تقاوماها أو باعاها. وكذلك محرم وحلال صادا صيدا قبل إحرام المحرم فليتقاوماه، فإن وقع للمحرم أطلقه، وإن وقع للحلال صنع به ما شاء. قالا وليس كالعتق هذا مختلف فيه، قيل له احبسه حتى يحل من إحرامه، وقال أصبغ كقولهما.
قال ابن حبيب: وكل ذي ظفر مما حرم الله على اليهود في الإبل وحمر الوحش والنعام والإوز وكل ما ليس بمشقوق الخف ولا منفرج القائمة. ألا ترى الدجاجة والعصافير انفرجت قوائمها فاليهود تأكلها، وقاله كله مجاهد. فلو ذبح يهودي من هذا المحرم عليهم شيئاً لم يحل لمسلم، والشحوم المجملة محرمة عليهم مثل الترب والكشا وهو شحم الكلا وما لصق بالعظمة وشبهها من شحم محض، واستثنى ما حملت الظهور وهو ما يغشى اللحم من الشحم على الظهر وسائر الجسد، واستثنى الحوايا وما اختلط بعظم، فالحوايا المباعر والمرابض التي تكون فيها الأمعاء وتسمى بنات اللبن، فما في ذلك من شحم فهو مستثنى، فما كان من هذه الشحوم المحرمة عليهم فلا تحل لنا من ذبائحهم لا أكله ولا ثمنه، وما لم يكن في اللفظ محرماً عليهم وإنما حرمه بعضهم مثل الطريف وشبهه فهو مكروه أكله وأكل ثمنه لأنه ليس من طعامهم، وفي ذلك تخفيف من بعض أصحاب مالك.
وقال مالك في المختصر: لا أحب أكل شحوم اليهود من غير أن أراه حراماً، وأجاز أشهب أكل ما حرموه على أنفسهم مما ليس في النص تحريمه عليهم، وقال
[4/ 367]

(4/367)


ابن القاسم لا يؤكل هذا ولا هذا. وقال ابن وهب لا بأس أن يؤكل هذا وهذا، وقاله محمد بن عبد الحكم.
قال أبو بكر بن العلاء: لأن الذكاة تذكي الشحوم وغيرها، ولا تكون التذكية لبعض دون بعض، وقد أباح ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح بعض حصون خيبر، فأخذ رجل مزوداً مملوءاً شحماً فنازعه صاحب المغانم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: خل بينه وبين جرابه يذهب إلى أصحابه، وليس كأكل ذي ظفر لأن ذلك كله محرم لا تعمل الذكاة في شيء منه.
واختلف في تأويل قول الله سبحانه {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم} فقيل ذبائحهم، وقيل ما أحل لهم، ولاحتمال الآية كره مالك ذلك من غير تحريم، يعني الشحوم المحملة.
قال ابن حبيب: وأما ذبحوه لأعيادهم ولكنائسهم ولعيسى وللصليب ونحوه فيكره من غير تحريم، وإنه ليضاهي ما أهل به لغير الله، وإن أكله لمن تعظيم شركهم.
وقد سئل مالك عن الطعام يتصدق به النصاري عن موتاهم، فكره للمسلم قبوله وقال لأنه يعمل تعظيما لشركهم.
قال ابن القاسم وكذلك من أوصى أن يباع من ماله شيء للكنيسة فلا يجوز للمسلم أن يشتريه. قال ابن القاسم وإذا باع الأسقف من الكنيسة شيئاً لمدفنها وربما حبست تلك الأرض على الكنيسة لمصلحتها فلا يشتريه، كما لا يجوز ذلك في أحباسنا، ولا ينبغي للحاكم أن يعرض في ذلك ببيع ولا تنفيذ ولا شيء.
وكره مالك الركوب معهم في المراكب التي يركبون فيها لأعيادهم لما يخاف من نزول السخط عليهم، وكره ابن القاسم أن يهدي المسلم للنصراني في عيده مكافأة له، وقال هذا عون على تعظيم عيده وكفره. ولا يباع شيء منهم من مصلحة
[4/ 368]

(4/368)


عيدهم لحم ولا إدام ولا ثوب ولا عارية دابة، قال مالك وغيره: وينبغي للإمام الزجر عن ذلك.
ولا يحل ما ذبح المجوس وعبدة الأوثان لأن الله سبحانه قد عم فقال لنبيه صلى الله عليه وسلم {والرجز فاهجر} وهو الكفر وما ضارعه وعم تحريم النساء المشركات، ثم استثنى نساء أهل الكتاب فأباح ذبائحهم ونكاح نسائهم.
قال ابن حبيب قال ابن شهاب: ولا ينبغي الذبح للعوامر من الجان، وقد نهى النبي عليه السلام عن الذبح للجان.
ذكر المنخنقة والمتردية والموقوذة والنطيحة
وما أكل السبع والمريضة
من الواضحة ابن حبيب: المنخنقة: ما يخنق بحبل أو غيره أو ينوطها برقيتها، والموقوذة المضروبة في مقاتلها أو حيث لا ترتجى لها حياة مما أصابها من ضربة حجر أو عصا أو بندق أو غير ذلك، والمتردية التي ترد من شيء منيف أو جبل أو شرف أو سقطت في هوة، والنطيحة التي ينطح بعضها بعضا أو تنطح جداراً أو صخرةً فيبلغ ذلك منها، وما أكل السبع: ما يمرط السبع بطنها أو يصيب مقتلها أو يوهنها. وقوله تعالى {إلا ما ذكيتم} يعني في الحياة القائمة لا في حال الإياس منها يقول إلا ما ذكيتم في حال الحياة فمات بتذكيتكم، ولو كان تحريمها إنما هو لموتها لكان قوله تعالى {حرمت عليكم الميتة} يغني عن سائر ما وصف، وكذلك فسر لي ابن الماجشون فيما يئس لها من الحياة أن ينقطع نخاعها أي ينتشر دماغها أو تنشق أوداجها أو ينخرق مصرانها أو ينثر حشوتها، بهذه المقاتل لا يرجى بعدها حياة. وأما إن انكسر صلبها ولم ينقطع النخاع أو ينشرخ رأسها ولم ينتثر دماغها أو ينشق جوفها ولم
[4/ 369]

(4/369)


ينشق قصيرها ولا انتثرت حشوتها فلا تحرم بهذا إذا ذكيت، وكذلك ما أصابها من كسر غير هذا إذا ذكيت والروح فيها، إلا أن تكون قد انتهت مما أصابها، وإن لم يكن من المقاتل المذكورة إلى حد الموت وشبهه مما فيه الإياس أو يشكل ذلك من أمرها ثم ذبحت فلا تؤكل، وإن طرفت بعينها أو استفاض نفسها أو حركت ذنبها أو ركضت برجلها، وهذا قول ابن الماجشون وابن عبد الحكم، وأجاز أكل هذه ابن القاسم وأصبغ، والأول أحب إلينا.
وكان ابن القاسم وأصبغ لا يريان دق العنق مقتلا حتى ينقطع النخاع، قالا وهو المخ الأبيض الذي داخل العنق والظهر، وليس النخع عندنا إلا دق العنق وإن لم ينقطع المخ كذلك قال ابن الماجشون ومطرف عن مالك.
قال ابن حبيب فأما في انكسار الصلب ففيه يحتاج إلى انقطاع المخ الذي في الفقار، فإن انقطع فهو مقتل، وإن لم ينقطع فليس بمقتل وقد يبرأ على حدوثه.
قال ابن المواز: وتؤكل النطيحة والمتردية وإن كانت لو تركت ماتت إذا سلمت المقاتل، فمن ذلك انقطاع مخ العنق أو الظهر، أو ينقطع بعض الأوداج أو ينشق الجوف، وقد قيل لا يضر شقها حتى يخرج شيء من الحشوة أو ينقطع بعض المصارين.
قال مالك: والمريضة التي تضطرب للموت وإن تركت ماتت إذا ذكيت أكلت. قال محمد إذا ذبحها قبل خروج نفسها، وذلك إذا سال دمها وتحركت بعد الذبح فإن لم يكن ذلك لم تؤكل إلا أن يكون بها الحياة بينة بالنفس البين أو العين تطرف.
قال ابن القاسم وابن كنانة إذا اضطربت أكلت وإن لم يسل دمها. قال مالك فيمن ذبح شاة وجري دمها ولم تتحرك لها رجل ولا ذنب ولا طرفت بعين، فأما النطيحة فتؤكل، وأما المريضة فإن كانت نفسها يجري وحركتها تعرف فإنها تؤكل. قال محمد ويعرف ذلك بحركة الرجل والذنب، قاله زيد بن ثابت وابن
[4/ 370]

(4/370)


المسيب قال والعين تطرف قال ابن حبيب أو يستفيض نفسها في جوفها ومنخرها فأي هذه الحركات الأربع كان منها عند مر الشفرة في حلقها فإنها تؤكل.
ومن المستخرجة قال أشهب قال مالك في قول الله سبحانه {إلا ما ذكيتم} إلا ما فيه موضع للذكاة وينبغي أن يذبح المنخنقة في خناقها إذا كان فيها لذلك موضع مثل أن يتنفس في عينها بطرف.
قال مالك إذا شق الذئب بطنها وإن لم يشق الأمعاء فلا تؤكل. قال عنه ابن القاسم: ولا أرى أن تذكى التي ينثر أمعائها ولا يضر في المتردية اندفاق عنقها إلا أن ينقطع مخه.
قال سحنون في شاة أو بقرة غرقت في ماء فذكاها داخل الماء وهو يعلم أنها مجتمعة الحياة حين الذبح إنها تؤكل.

ما يجوز أكله من الحيوان وذكر لحوم الجلالة
وذكر غير المسفوح من الدم وما يعاف أكله من الشاة
وذكر لبن المرأة والأتن
من الواضحة قال مالك وغيره: ومن احتاج إلى شيء من خشاش الأرض لدواء أو غيره فكان مما لا لحم له ولا دم فذكاته كذكاة الجراد كالعقرب والخنفساء وبنات وردان والعقربان والجندب والحيتان والضبعة والزنبور واليعسوب والزر والنمل والسوس والحلم والدود والبعوض والذباب وشبهه، قال وهذا ما مات منه في طعام أو شراب لم يفسده، وما كان منها من هوام الأرض ودوابها مما له لحم ودم سائل مثل الحية والفأرة وشبه ذلك لأنه يفسد ما مات فيه مما يؤكل ويشرب، ويكره أكله لغير ضرورة إذا ذكي ولا يكره ذلك لمداواة وشبه ذلك، وهذا يذكى بالذبح في الحلق أو بالصيد بنية الذكاة.
[4/ 371]

(4/371)


قال وأمر عمر بن عبد العزيز أهل أريحا بذكاة حياة الترياق، وقال ربيعة وأبو الزناد في الترياق اشربه ولا تسل وعليك بعمل أريحا وإن عملته فذلك للحيات.
قال مالك لم أدرك أحداً ينهي عن شيء من الطير سباعه وغير سباعه ولا ما يؤكل الجيف منه إلا أن يتقذره متقذر. وأجاز مالك لحم الجلالة من غير تحريم، وروي النهي عنها عن ابن عمر أنه كره لحومها وألبانها وركوبها، قال ابن حبيب وروثها وبولها وعرقها نجس.
والجلالة من الطير أخف، ولم يأتي فيها كراهية علمت إلا عن ابن عمر، كان يربطها ثلاثة أيام تأكل الحب ثم يذبحها. وأما ذرقها فنجس.
قال ابن حبيب: وكره عروة أكل الغراب والحدأة لما سماهما النبي علي السلام فاسقين. قال محمد بن الجهم ليس هذا بحرام أكلهما وإنما سماهما لأذاهما المحرم. والفاسق المتعدي في اللغة. قال ابن حبيب: ولم يختلف المدنيون في تحريم لحوم السباع العادية والنمور والذئاب واللبؤ والكلاب، وأما غير العادية مثل الدب والثعلب والضبع والهر الوحشي والإنسي فيكره أكلها ولا يبلغ بها التحريم لاختلاف فيها، قاله مالك وابن الماجشون.
قال ابن الماجشون كل ما عض إذا ما أخذ فلا يؤكل، ولا يؤكل لحوم الدواب، وقد نهى النبي عليه السلام عن لحوم الحمر الأهلية، والبغال مثل ذلك، ولا يؤكل الفرس ولا يبلغ ذلك في التحريم للاختلاف فيه.
قال محمد بن الجهم وأبو بكر الأبهري: إنما نهى مالك عن لحوم السباع والدواب على الكراهة والاحتياط لا على صريح التحريم، وهو المعنى في نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن لحوم السباع والحمر بدليل اختلاف الصحابة في ذلك، وما روى مالك في حديث عبيدة بن سفيان أكل كل ذي ناب من السباع حرام فشيء انفرد به عبيدة بن سفيان فلا يدري محله من الحفظ لقلة روايته وقد رواه الزهري فلم يذكر فيه هذه اللفظة، وأما المخلب فلم يصح فيه حديث.
[4/ 372]

(4/372)


من كتاب ابن المواز قال: وأجاز ابن المسيب أكل الفرس. قال ابن شهاب ما رأيت أحدا يأخذ به، وقد كرهه ابن عباس. قال مالك وقد وصف الله لما خلقت له فقال لتركبوها وزينة قال ابن القاسم: وكرهه عباس. وإذا تأنس حمار وحشي وحمل عليه فلا بأس بأكله كما لا يحل الأهلي بالتوحش. قال ابن كنانة وكذلك لو ربي صغيرا. وقد روى ابن القاسم عن مالك كراهية أكل الوحشي يتأنس. محمد ولم أجد لهذا أصلا وأراه وهما، والمعروف من قوله انه جائز ولا يذبح في الأعياد، وإذا دجن صيد مالك ثم توحش فليؤكل بالاصطياد، وإذا ند شيء من الأنعام لم يؤمل بذلك، وهذا في كتاب الصيد مستوعب.
قال والسبع والنمر والفهد محرمة بالسنة. قال مالك والذئب والثعلب والهر الوحشي والإنسي هذه مكروهة، وأكره الضبع وإن كان أكله غير واحد من الصحابة، منهم سعد بن أبي وقاص وجابر بن عبد الله، وذكر عن علي بن أبي طالب قال ابن القاسم والضبع أيسرها، وهو ذو ناب.
ومن كتاب ابن حبيب: وأجاز مالك أكل الوبر والورد والخلد واليربوع. والوبر والضرب والقنفذ. وذكاة ذلك كله كذكاة الصيد، فالوبر واليربوع من دواب الحجاز، والوبر أكبر من واليربوع أصغر منها، والحرباء الحرطون وهو الورد ويكون بأرض البربر والخلف، فإذا عمر يكون بالصحراء أو بالأجنة. والضرب يسمى بالأندلس الصلوة، والقنفذ المشوك.
وكره مالك أكل الحية والعقرب والفأرة من غير تحريم، ومن أكل ذلك فليذكيه.
فأما العقرب فيقطع رأسها وهي كالخنفساء والجراد. ولا بأس بأكل الضب المضرب ولم يحرم النبي عليه السلام الضب وعافه. وكذلك روي عنه في الأرنب.
[4/ 373]

(4/373)


ومن المستخرجة: ولا يؤكل الخطاطيف، وقاله ابن القاسم وروي عن علي بن زياد عن مالك انه كره أكلها.
قال ابن حبيب والدم المسفوح ما سال عند الذبح ولم يحرم ما بقي في اللحم مما خالطه أو كان في العروق، واستخف ابن الماجشون سقوط الحلمة في اللبن، وإن سال منها فيه ما لم يغلب الدم اللبن.
قال ابن حبيب: ومما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان يستثقل أكله من الشاة من غير تحريم الطحال والعروق والغدة والمرارة، والأنثيان والكليتان والحما والمثانة وأذنا القلب فذلك عشرة.
وسأل عبد الله بن إبراهيم ابن الأيتاني في خصيتي الشاة الخصي ترد إلى داخل ويربطان فيبطل فعلهما أو يتغير خلقهما هل يؤكل ذلك؟ وإذا طبخ ذلك في قدر هل يؤكل؟ فقال لا بأس بذلك. والذي قال الأيتاني من هذا صواب وهو بمنزلة الغدة والغرا يصل إليها ويجدها في لبن الأتن.
قال محمد بن المواز: ولم أسمع من أصحابنا شيئا في لبن الأتن إلا عن ابن شهاب أنه كرهه، وكره مرارة السبع، وقاس لبنها بلحمها ودمها، وليس يعجبني ذلك. ولين بنات آدم محرم وقد جعل لبنهن غذاء للأبناء وأباح النبي صلى الله عليه وسلم لبعض الرجال أن يرضعه، فمن شربه لم أقل شرب حراماً.
ولا بأس بأكل الجلالة من الطير والأنعام. قال ابن القاسم في جدي رضع خنزيرة لا بأس بأكله بحدثان رضاعه أو بغير حدثانه' ورواها عيسى عن ابن القاسم في العتبية وقال: أحب إلي أن لو صبر حتى يذهب ما في جوفه من غذاء، ولو ذبح مكانه لم أر بأكله بأساً.
قال مالك عن ابن عمر: أن ناقة سقيت خمرا أو شحم خنزيرة فكره ركوبها. قال ابن حبيب قد روي إباحة التداوي بلين الأتن للنبي صلى الله عليه وسلم، وأجازه ابن المسيب والقاسم وعطاء بن أبي رباح ومالك حدثنيه الحواى عن الواقدي.
[4/ 374]

(4/374)


من العتبية أشهب عن مالك لا بأس بالتداوي بشرب أبوال الإبل، ولا بأس بشرب أبوال الأنعام كلها، وأما أبوال الأتن وأبوال الناس فلا خير في ذلك كله.
وقال في الشاة تحلب فتبول في اللبن لا بأس به.
وحدثنا أبو بكر بن محمد عن فرات بن محمد عن سحنون عن ابن القاسم قال: لا بأس أن يتداوى بلبن المرأة ويشربه الناس. وقد قال مالك لا بأس أن يستعط بلبنها فهذا مثله إذا كان على وجه التداوي.
باب ما ينتفع به من جلود السباع
وذكر جلود الميتة وعظامها
وما ينتفع به منها وربط الأسنان إذا وقعت
من كتاب ابن المواز قال مالك: لا يباع شيء من الميتة لا جلد ولا غيره إلا الشعر والصوف والوبر إذا جزرته فلا بأس به، والقرن والعظم فهو ميتة، وما قطف من طرف القرن والظلف مما لا يؤلم الحي ومما لك أخذه وبيعه في حياته فلك أخذه بعد مماته، قال مالك الحي في ذلك مثل الميت، وما قطع من ذنب الشاة الحية فميتة لا يؤكل ولا يستصح به.
وإذا دبغ جلد الميتة طهر للانتفاع به لا للبيع. قال ابن حبيب ولا للباس.
قال غيره كما لا يطهر للأكل. قال أبو بكر الأبهري في الشعر والصوف ليس مما فيه الروح، ولو كان ذلك لما أجاز أخذه منها في حال الحياة.
محمد ابن المواز قال مالك: ويجوز بيع الريش ينتف من الإوز وله سبح يعني موضعاً يكون فيه الدم. قال ابن حبيب لا خير في ريش الميتة لأنه له سبح إلا ما لا سبح له مثل الزغب وشبهه فلا بأس به إذا غسل.
محمد ونهى مالك عن الانتفاع بعظام الميتة والفيل والادهان به، ولم يطلق تحريمها لأن ربيعة وابن شهاب وعروة أجازوا الامتشاط بها.
[4/ 375]

(4/375)


قال ابن حبيب وأجاز الليث وابن الماجشون ومطرف وابن وهب وأصبغ الادهان والامتشاط بها، ثم قال ربيعة: كل عظم لا لحم عليه فلا بأس به، يريد ناب الفيل قال ابن حبيب وهذا في الانتفاع بأنياب الفيل، فأما في بيعه فمجمع على أنه لا يحل، إلا أن ابن وهب قال في عظام الفيل إذا غليت جاز بيعها وجعله كالدباغ، كما قال في جلد الميتة يذبغ إنه يباع.
قال أصبغ فإن وقع البيع في الجلود والعظام بعد الدباغ وغليان العظم وفاتت العين مضى ذلك بالثمن، وإن لم يدبغ ولا غليت فسخ، فاتت أو لم تفت.
وقال محمد قال ابن القاسم: لا بأس أن يخلط بعظام الميتة الغصة. مالك ولا يطبخ بها طعام أو شراب أو يسخن الماء للوضوء. قال ابن حبيب كرهه مالك، يريد فإذا فعل لم ينجس الماء وحل أكل الطعام.
قال محمد: إذا ذكيت جلود السباع جاز بيعها والصلاة بها وإن لم تدبغ إذا غسلت، ولا يصلى بجلد الميتة وإن دبغ، ولا بجلد حمار وإن ذبح ودبغ، وكذلك الفرس والبغل.
قال مالك وأكره ذكاتها للذريعة إلى أكل لحموها، وأجاز الليث الصلاة في جلود الميتة يعني إذا دبغت أشهب قيل لمالك أتباع ويتصدق بثمنها؟ قال أيعصي الله ويتصدق بثمنها؟
قال يحيى بن سعيد: ما دبغ به جلد الميتة من دقيق أو ملح أو قرظ فهو له طهور.
ومن العتبية قال يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في قدح من بيض نعامة ميتة لا أرى أن يشرب فيه ولا يتداوى بقشر تلك البيضة لأن الميتة قد سقته. قال مالك في المرتك يصنع من عظام الميتة إن جعل في قدحه أو جرح فلا يصلي به حتى يغسل. قال ابن حبيب وإن صلى به لم يكن كمن صلى بنجاسة للنار التي أحرقته. وقد خفف ابن الماجشون أن يصلي به.
[4/ 376]

(4/376)


ومن الواضحة قال مطرف وابن الماجشون وأصبغ: لا يلبس الفرو فيه شيء من جلود الميتة وإن نزع عند الصلوات، وإنما ينتفع بها في غير اللبس وغير الصلاة والبيع.
قال عبد الملك: ولا بأس أن يطحن عليها ويجعل منها السقاء وقربة اللبن وزق الزيت، وإنما كرهه مالك في خاصته وما فيه ما يكره.
قال ابن حبيب في جلود السباع العادية وإن ذكيت فلا تباع ولا يصلى بها، ولا تلبس ولينتفع بها في غير ذلك. وأما السباع التي لا تعدو فإذا ذكيت جاز بيعها ولباسها والصلاة بها. وكذلك إذا ذكي الفرس فجلده مثل ذلك للاختلاف فيه. فأما سائر الدواب فلا تعمل الذكاة فيها لجلد أو غيره.
قال عبد الله: وقول ابن حبيب وتفريقه بين جلود السباع العادية وغير العادية ليس بقول مالك، ولم يفرق مالك بينها في إباحة ذلك بالذكاة.
ومن المختصر قال مالك: ولا ينتفع بريش الميتة لأن الميتة تسقى أصوله ولا تستقى الشعر والصوف. ولا بأس أن يخرز بشعر الخنزير. قال الأبهري ولا ينتفع بجلده وإن دبغ، ولا يدخل فيما أبيح من الانتفاع بإهاب الميتة إذا دبغ إذ لا يحل هذا بذكاة ولا غيرها.
قال مالك في كتاب ابن الواز: ولا ينتفع بشحم الميتة ولا يستصبح به. وقال محمد بن الجهم وأبو بكر الأبهري: ولا بأس أن يوقد به إذا تحفظ منه. قال الأبهري وينتفع بلحمها بأن يطعمه كلابه، وكذلك الخمر يصبها على نار يطفئها به. والمعروف من قول مالك وأصحابه أنه لا ينتفع بالخمر في شيء. وأما لحم الميتة فإذا شاء ذهب بكلابه إليه ولا يأتي بالميتة إليها.
وقد نهى ابن عمر أن يداوي ناقته بالخمر. وذكر الأبهري أنه روي للنبي صلى الله عليه وسلم أنه أذن لقوم ماتت لهم ناقة أن يأخذوا شحمها فيدهنون به سفينة لهم.
ومن الواضحة: والدجاجة الميتة يخرج منها البيضة فلا يحل أكلها، وإن سلقت في قدر لحم لم يحل أكله، أو مع بيض صحيح حرم، لأنه يرشح ويسقي
[4/ 377]

(4/377)


بعضه بعضا. وكذلك إن سلق بيض ثم وجد في واحدة فرخ قد انعقد ولو حضنت البيضة التي خرجت من الميتة فأفرخت أكل فرخها.
ومن السير لأبن سحنون، قال سحنون: ولا بأس أن يداوي جرحه بعظام الأنعام الذكية ولا يداوي بعظم ميتة أو عظم إنسان أو خنزير أو بروث، ولا بعظم ما لا يحل أكل لحمه من الدواب، وإن أصاب عظما باليا لا يدري عظم ما هو فلا بأس أن يداويه به إلا أن يكون بموضع القتلى مما الغالب فيه أن يكون من عظام الناس، أو بموضع يعرف بكثرة عظام الخنازير، ولا ينبغي التداوي بها حتى يعلم عظم ما هو.
ولا بأس أن تضبب الأسنان بالذهب إذا اضطربت أو طرحت.

في زيت الفأرة
وما تموت فيه الدابة وودك الميتة
ومن كتاب محمد قال مالك: يوقد بزيت الفأرة والوزغة في غير المساجد، وإذا خرجت حينئذ لم يضر ذلك. وخفف مالك أن يدهن البغال بزيت الفأرة، قال ابن القاسم ويغسل بعد ذلك.
قال مالك إذا خرجت الفأرة من الزيت حين ماتت أو علم أنها لم يخرج منها شيء فيه، ولكني أخاف فلا أحب أكله. وأما ما ماتت فيه من العسل فلا بأس أن يعلف للنحل بغير بيع ولا عوض ولا عوض ولا منفعة فيمن يأخذه. وليمنع عبده النصراني بما فيه من أكل الميتة وشرب الخمر، ولا يدله على ذلك، وله أن يطعم الميتة كلابه، ولكن لا يأخذه فيحمله إليها ولا يأمر من يأتيه بها، وليذهب بالكلاب إليها ويسلطها عليها.
وكره مالك أن يعمل بزيت الفأرة صابوناً. قال ابن القاسم: ولو أن الغاسل به يبلغ إلى أن يغسل نفسه وثيابه التي يغسل فيها لم أر بذلك بأسا. قال ولا يستصبح بشحم الميتة ولا ينتفع به.
[4/ 378]

(4/378)


وسئل مالك عن زيت وقعت فيه فأرة قال: أكرهه، قيل يطرح؟ قال لا أرى، قيل فالجرة؟ قال يطرحه أو يستصبح به.
قال سحنون في الفأرة تموت في عسل جامد أنها تطرح وما حولها إلا أن تقيم فيه إقامة تسقيه صديدها فليطرح، وكذلك السمن الجامد.
وقال في المختصر: إذا وقعت في زيت أو سمن أو عسل جامد طرحت وما حولها. قال ابن حبيب والفأرة تقع في السمن أو العسل الجامد تطرح وما حولها إنما ذلك إذا كان شديد الجمود، وخالف ابن الماجشون مالكاَ في زيت الفأرة فقال: لا يستصبح به إلا في البيوت، وإن تحفظ منه، ولو صيد في الكرباس للانتفاع به لكرهت ذلك ولا يعجبني قوله. وقد أذن النبي عليه السلام بالانتفاع بإهاب الميتة وهذا منه. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يستصبح به وعن كثير من الصحابة والتابعين.
وروى أصبغ عن ابن القاسم عن مالك في الواضحة والعتبية عن باز طبخ ثم ظهرت فيه فأرة قد تفسخت وهيمن ماء النهر التي طبخ بها، فأمر مالك أن يلقى ويتم طبخه ثم يعاد طبخه بماء طاهر مرتين أو ثلاثا، ثم أجاز له بيعه والادهان به، واستحسنه أصبغ في الكثير، ورأى في اليسير لا ضرر فيه أن يطرح أو يوقد به.
قال عبد الملك: ولا يجوز مثل هذا في زيت تموت فيه فأرة، لم تمت في الباز وإنما ماتت في ماء البئر.
وقال أصبغ عن ابن القاسم فيمن فرغ عشر جرار سمن في ستين زقاَ ثم وجد في جرة منها فأرة يابسة ولا يدري في أي الزقاق فرغها أنه يحرم عليه جميع الزقاق في أكله وبيعه. قال ابن حبيب كشاة ميتة مختلطة في شياه كثيرة ذكية كلها مساليح
[4/ 379]

(4/379)


كذا. وكان مالك لا يجيز بيع زيت الفأرة وإن بين لا من مسلم ولا نصراني، وكذلك أصحابه إلا ابن وهب فإنه أجازه إذا بين، وذكره عن ابن القاسم وسالم.
قال ابن حبيب وبلغني ذلك عن أبي موسى الأشعري وابن المسيب والنخعي وقتادة، إلا أن أبا موسى قال من غير مسلم، ولسنا نقول ذلك لأن ما حرم بيعه ولو وقع البيع لرد الثمن بكل حال، قاله مطرف وابن الماجشون وأصبغ. ولا بأس إن عمل به صابونا لنفسه أو يدبغ به جلودا يغسل بعد ذلك.
ومن المستخرجة أشهب عن مالك: ولا يباع زيت الفأرة لمن يدهن به الجلود، ويرد إن فعل.
وقال في اللبن يموت فيه الخنفس أو العقرب لا بأس بأكله، وإذا باعه فليبين ذلك.
ومن كتاب السير لأبن سحنون قال ابن نافع في الجباب التي في الشام للزيت تموت فيه الفأرة إن ذلك لا يضر الزيت، وليس الزيت كالماء في هذا. وكذلك سمعت، وقال المغيرة ينجس بذلك ماء الجب الذي يكون في الدور إذا كان فيه الماء، فأما الجباب الخارجة التي تصب فيها الأدوية فإن تلك لا يضيرها ما وقع فيها.
وسئل مالك عن جباب الزيت يكثر فيها الزيت فتقع فيها الفأرة فكان يكره ذلك وإن كان كثيراً.
قال يحيى بن يحيى قال ابن القاسم في البيض يسلق فيوجد في إحداهن فرخ فلا يؤكل شيء منها، لأن بعضه يسقي بعضا، وقاله ابن وهب.
ومن المختصر: ولا بأس أن يسقى العسل الذي وقعت فيه الميتة الخيل والنحل، ويعلف القمح المبلول الذي تقع فيه ميتة للدجاج.
وسئل سحنون في قملة وقعت في ثريد أو برغوث، قال لا بأس بذلك أن يؤكل.
[4/ 380]

(4/380)


في الماء تموت فيه الدابة
من كتاب محمد والواضحة قال مالك: وإذا ماتت الدابة في بئر من آبار الدور، قال في الواضحة من فأرة أو وزغة أو دجاجة أو شاة فلم تغيره، فإن كان ماؤها قليلاً نزف، وإن كان كثيراً نزع منه حتى يقل ويطيب، فإن كان كآبار السواني لم ينزع منه شيء، قال مالك وهو كالبرك العظام.
قال في الواضحة: ولو ماتت فيها جزورة لو رحبت هذه البئر لم يضرها حتى يتغير اللون أو الطعم فيجتنب، وكذلك فسر لي ابن الماجشون وقاله أصبغ وإذا لم يتغير البئر الصغيرة فيعاد منه الصلاة في الوقت ويطعم ما عجن به للدواجن والكافر.
وروى ابن الماجشون عن مالك أنه إن أصاب ثوباً يفسده الغسل أنه أرخص في الصلاة به وبيعه ولا يغسل، ولم يكن ابن شهاب وربيعة يريانه نجساً حتى يتغير لونه وطعمه وريحه، وإذا تغير فلم يختلف في نجاسته، ويرى مالك أن تعاد منه الصلاة أبداً ولا يطعم ما عجن به بهيمة ولا غيرها، ويغسل منه الثوب الرفيع وغيره، وما ماتت فيه من جب أو ما جل فإنه ينجس.
وإذا ماتت دجاجة في قدر فيطرح ما فيها من اللحم لأنه قد يشرب. قال مالك: ما سمعت أنه يغسل الإناء من ولوغ الكلب، إلا في الماء، وأما في الطعام فلا، ويؤكل الطعام. وقال ابن وهب ويغسل في الطعام، وقول مالك أحب إلي. وهذا الباب مكرر وقد تقدم في كتاب الوضوء.
في أكل الميتة للمضطرب، وهل يشرب الخمر؟
وهل يأكل من ثمار أو من مال أحد بغير إذنه؟
من كتاب محمد: ويحل للمضطر الميتة والخنزير حيه وميته، والدم، ولو أن يمتلئ شبعاً ويتزود، وإذا استغنى عنه ألقاه. وقال ابن حبيب: وذلك لمن اشتد به.
[4/ 381]

(4/381)


الجوع وخاف الموت ولم يقدر على النهوض فليأكل ما يقيم به رمقه ولا يشبع ولكن بقدر ما يقيم صلبه وينهضه وذلك إذا كان في قفز فحسب، لا قرية ولا بأس أن يسألهم. وإذا تغذى منها فلا يتعشى أو تعشى فلا يتغذى، فإذا كان الغداء وبه رمق صبر حتى يصير من الضرورة إلى حاله الأول، وكذلك قال عبد العزيز وابن أبي سلمة وابنه عبد الملك. قال ابن حبيب كالصائم يضطر إلى الماء فيشرب ما يرد به نفسه ثم لا يفطر بعد ذلك.
وقال سحنون: إذا أفطر لما ذكرنا من العذر فله أن يتمادى على الفطر. وقال في كتاب ابن المواز: والمضطر إلى الميتة إذا منعهم قوم فضل طعامهم بهبة أو بيع وبذلول ثمناً معهم فلم يجدوه منهم فلهم قتالهم بمنزلة الماء.
قال مالك لا يتضيف قوم على قوم إلا برضاهم، فيأكل الميتة ويدع أموالهم إلا ما لا قطع فيه من التمر المعلق وإن خفي له ذلك. وإن وجد له زرعا أو تمراً أو غنما لقوم فظن أن يصدقوه ولا يعد سارقاً فيأكل من ذلك أحب إلي من الميتة، ولا يحمل منه مع أني أخاف أن يعدو عاد ممن لم يضطر، فيستبيح أموال المسلمين.
قال مالك والميتة للمحرم أحب إلي من أكل الصيد. وقال محمد بن عبد الحكم ولو نابني هذا لأكلت الصيد.
قال مالك وإباحته للمضطر ممن لم يخرج بغيا ً ولا عدوانا ً، ومن خرج كذلك فلا رخصة له قاله سعيد ابن جبير ومجاهد. قال ابن حبيب ولا لعبد آبق أو من خرج في قطيعة رحم إلا أن يعقدوا التوبة مما هم فيه فيباح لهم.
قال ولا يباح الخمر للمضطر من جوع أو عطش، قاله مكحول.
من المستخرجة قال ابن القاسم قال مالك: ومن اضطر إلى الخمر فلا يشربها ولن تزيده إلا عطشاً، ولأن الله سبحانه لم يستثن في الخمر المضطر من جوع أو عطش/ كما استثنى في الميتة.
[4/ 382]

(4/382)


قال أصبغ عن ابن القاسم: يشرب المضطر الدم ولا يشرب الخمر، ويأكل الميتة ولا يقرب ضوال الإبل. وقال ابن وهب قال مالك في المختصر: لا يشرب المضطر الخمر قال الأبهري لأنها لا تغني من جوع ولا تروي من عطش فيما يقال. وأما إن كانت تشبع أو تروي فلا بأس أن يشربه لذلك كالميتة عند الضرورة. وذكر عن ابن حبيب أنه أجاز ذلك غص بطعام وخاف على نفسه أن له أن يجوزه بالخمر.

في عقر الدابة المريضة والتي تقف في السفر
من المستخرجة قال أصبغ قال ابن القاسم في الدابة لا يؤكل لحمها يطول بها المرض وتعيا بأرض لا علف فيها، فليدعها ولا يذبحها. ولو كانت لرجل دابة مريضة زمنة أيس من النفع بها ولا يريد علفها فلا بأس أن يذبحها، وذلك أحب إلي.
ومن الواضحة: ومن وقف له بعير في سفر لا يحتاج إلى لحمه أو لما به من العجف والمرض فليدعه ولا يعقره إلا أن يبلغ مرضه أن لا يبقى فيه نهضة، أو كسر أو اسقطه الجوع فلينحره إلا أن يكون مما يعاف ويستقذر ويخاف على آكله فلا يذبحه وليقتله، كان في سفر أو حضر، ولا يعد ذبحه أحداً كذا وكذلك الشاة والبقرة إلا أنه لا يدعها وإن استغنى عن لحمها بخلاف البعير، لأن معه حذاءه وسقاءه إلا أن يبلغ من الخوف بالمرض ما لا تحامل معها ويعاف لحمها ويخاف على من أكله، فليجهز عليهما بالقتل.
والدابة التي لا يؤكل لحمها إذا بلغت مبلغاً لا يرجى فليقتلها بغير ذبح ببلد الإسلام أو الكفر، وأما التي ترجى فليدعها ببلد الإسلام وإن كان موضعا لا رعي فيه، وإن كانت ببلد الكفار فليقتلها.
[4/ 383]

(4/383)


في ثمن الكلب واتخاذه وثمن الهر والقرد وكسب الحجام
من الواضحة: ونى النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن والحلوان الرشوة. يقال حلوت الرجل حلواناً إذا رشوته. والبغي هي الزانية، ومهرها ما تأخذ على الزنا. وثمن الكلب يعني المنهي على اتخاذه لا المتخذ في الدور فأما كلب الحرث والصيد والماشية فلا بأس يبيعه. ويجوز بيع الهرة واقتناؤها، ولا يحل ثمن القرد ولا لحمه ولا اتخاذه وجبة.
ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: ولا بأس بثمن الهرة، وكره مالك ثمن الكلب صائداً أو غير صائد ويجوز كسبه للصيد والزرع والأجنة والماشية، وأجاز ثمنه لهذه الثلاثة الأشياء ربيعة وعطاء ويحيى بن سعيد، ولم يختلف في تحريم ثمنه في غير هذه الثلاثة الأشياء.
وكره مالك لأهل الريف اتخاذه في دورهم لدوابهم، ولا بأس به للذين يرعون الدواب، وكرهه للمسافرين ولدور البادية، ولا غرم على من قتل هذا ومن قتل كلب صيد أو زرع أو ماشية ودى قيمته.
محمد: ولا يجوز كسب القرد ولا ثمنه ولا سمعت فيه من طريق مالك وأصحابه شيئا. وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمنه، وأن عمر أمر الذي جاء به من اليمن أن يرده.
ولا يكره مالك وأصحابه كسب الحجام وإنما يعافه من تنزه عنه من ناحية التكرم، وقد اعطى النبي صلى الله عليه وسلم أبا طيبة على ذلك أجراً، وكانت قريش تتنزه عنه.
[4/ 384]

(4/384)


في أكل النهبة. والقوم يجدون شيئا فيسبق إليه أحدهم
من كتاب ابن حبيب: ولا يحل أكل النهبة. قال مالك وأصحابه: وإن طابت نفس صاحبها كالقوم يصيدون الصيد في المغازي ثم ينتبهونه بعد عقره، أو فيما نالوا من بقر العدو بعد تذكيته، ونهب الفاكهة عند نكاح أو حداق الصبي.
ومن المستخرجة قال سحنون في المسافرين وجد أحدهم عشاء فقال أنا رأيته قبلكم فهو لي وبدر غيره فأخذه فهو لآخذه، وليس قوله هو قبضا ولا حيازة. وكذلك لو وجدوه كلهم فبدر أحدهم فأخذه فهو له، ولو تدافعوه فلم يدع بعضهم بعضاً يصل إليه فهو بينهم، وقاله مالك.

في الذي يدخل رجله في جوف الشاة
والصبي يلعب بالطير
من المستخرجة من سماع أشهب قال مالك في المنهوش يوصف له شق بطن شاة حية فيدخل رجله في كرشها فما يعجبني وما هو بالبين، قيل فيذبحها ويشق بطنها وهي تركض فقال يقول إنه على وجه الدواء، كأنه كرهه. قال ابن المواز وكره النخعي أن يعطى الصبي الطير يلعب به.
قال عبد الله: حرم الله الدم المسفوح في كتابه ودل بذكره المسفوح وهو الجاري أن ما بقى في اللحم من الدم معفو عنه، وروي ذلك عن غير واحد من الصحابة وعائشة تكون في برمتها اللحم تعلوه الصفرة من بقايا الدم. فإذا ذبحت الشاة أو غيرها فسال دمها وبقى في المذبح ما بقى، فلولا أنا نخاف أن يكون قد تكاثف مما بقي في منحرها من بقايا الدم الجاري ما لا يشبه من بقاياه في اللحم لاخترنا أن يطبخ ذلك من غير غسل، ولكن ليشبه مما أبقينا من هذا فأمر بغسل المذبح. وإن طبخ ذلك ولم يغسل فالذي به من نزل ذلك به يغسل اللحم ويأكله.
[4/ 385]

(4/385)


وأما في سائر اللحم من بقايا الدم يرشح من اللحم فلا جناح أن يطبخ ولا يغسل. ولو أن دجاجة لم يغسل مذبحها فسمطت في ماء حار ثم غسلت بعد ذلك جاز ذلك، طبخت بعد ذلك أو شربت، وإذا كان الدم في الدجاجة لم يتعد المنحر كان خفيفا إن لم يبق منه أمر يتكاثف، ونحن نكرهه حتى يغسل. واستحب إن لم يغسل وطبخت من غير غسل أن يغسل اللحم ويؤكل، وليس بحرام، لأن الدم المسفوح في اللغة الجاري، ولم يختلفوا فيما في اللحم من الدم عندما يقطع ويرشح منه أنه معفو عنه. وكذلك قال بعض أصحابنا في الحوت يقطع ويملح. ولابد من الدم يرشح منه فلم يروا بذلك بأسا.
ولو شوط الرأس ولم يغسل المذبح ثم غسل بعد التشويط فلا بأس بذلك، ولو لم يغسل بعد التشويط وقد تناهى فيه النار بالتشويط حتى أذهب الدم الذي كان في المذبح فلا بأس بأكل جميع الرأس، وإن شك في ذهاب جميعه بالتشويط فليجتنب أكل ما في المذبح من اللحم ويأكل باقيه.
وقيل عن سحنون إنه قال في دجاجة طبخت ولم يغسل مذبحها إنها لا تؤكل، ولا أدري وجه ذلك، ولا يصح هذا عن سحنون، وقد قال عن ابن عباس في قدر طبخت وفيها بيضة فاسدة فيها دم إن اللحم يغسل ويؤكل، فعلى هذا لن يكون أكثر ما في ذلك أن يغسل الدجاجة ويؤكل.
تم كتاب الصيد والضحايا والذبائح والعقيقة والختان
من النوادر بحمد الله وعونه
يتلوه الجزء الأول من كتاب النكاح
والحمد لله وحده
[4/ 386]

(4/386)