النوادر
والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على
سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
كتاب الصلح والوكالات والبضائع
باب في الصلح يقع بما لا يجوز به عقد البيع، هل
يرد؟
ومن صالح من استهلك شيئا على ما لا يباع به
قال ابن حبيب: قال مطرف، وابن الماجشون، في الصلح يقع بما لا يجوز عليه
البيع؛ مثل أن يدعي على رجل حقا، فينكره، فيصالحه / منه على سكنى دار سنة،
أو خدمة عبد سنة، أو غلة دار سنة، ولا يعرف الغلة، أو من قمح على شعير
مؤجل: إن ذلك [حرام] مفسوخ، ويرد، وما فت صحح بالقيمة على قابضه، كالبع،
ويرجعان على الخصوم، إلا أن يأتنفا صلحا يجوز، لقول النبي صلى الله عليه
وسلم: «الصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحا أحل حراما، أو حرم حلالا».
قال مطرف: وأما أن وقع الصلح بالأمر الذي يكره، ليس بصريح الحرام، فالصلح
ماض، جائز، وإن كان بحدثانه وقال ابن الماجشون: إن عثر عليه بحدثان، فسخ،
[7/ 167]
(7/167)
وإن طال أمره، مضى، وأما أصبغ، فيجيزه كله؛
حرامه ومكروهه، فإن كان يحدثانه، ويقول: إنما هو شيء، كالهبة. قال: لأنه لو
صالحه بشقص، لم تكن فيه شفعة؛ لأنه كالهبة. قال: وهذا في مجارى الحكم، وأما
فيما بينه وبين الله [تعالى] فلا يحل له أن يأخذ إلا ما يجوز في التبايع،
وقد حدثين سفيان بن عيينة، أن علي بن أبي طالب أتى بصلح، فقال هذا حرام،
ولولا أنه صلح لفسخته، وبقول مطر ف، وابن الماجشون أقول. .
ومن العتبية روى يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم، فيمن ذبح لرجل شاة، فأعطاه
بالقيمة شاة، أو بقرة، أو فصيلا، فإن كان لحم شاة لم يفت، لم يجز؛ إذ له
أخذها، فصار اللحم بالحيوان، وإن فات اللحم، فجائز نقدا ـ يريد بعد المعرفة
قيمة الشاة ولو استهلك له صبرة قمح لا يعرفان كيلها، جاز أن يأخذ القيمة ما
شاء من طعام من غير جنسه، أو عرض نقدا، وأما على مكيلة من قمح أو شعير أو
سلت، فلا يصلح إلا على التحري /، وأما على كيل لا يشك أنه أدنى من كيل
الصبرة، فلا بأس به، وكأنه أخذ بعض حقه، ولا تبال أخذ قمحا أو شعيرا أو
سلتا ـ يريد ها هنا ـ وإن لم يعرف القيمة.
ومن [العتبية] روى عيسى، عن ابن القاسم، ومثله روى ابن حبيب، عن مطرف، وابن
الماجشون، في قوم تنازعوا في منزل أو أرض، ثم اصطلحوا على أن من أراد
البيع، لم يبع إلا من أصحابه، فإن كان يعني بما أعطوه مما قل أو كثر، لم
يجز ورجعوا على وأي من أمرهم، وإن كان على أنه عرضه وبلغ ثمنا، أخذوه
[7/ 168]
(7/168)
بالعطاء إن شاءوا، أو تركوا، ويبيع الآخر
من غيرهم، فذلك جائز في الصلح، ولو وقع هذا في أصل البيع، لم يجز ورد، فإن
فات ففيه القيمة. قال مطرف، وابن الماجشون: إلا أن تكون القيمة أدنى من
الثمن، فلا ينقص من الثمن، قالاهما وابن القاسم: ولو شرطوا أنه إن أراد
البيع، فلا يبيع من قلان ـ لرجل كرهوه ـ فذلك جائز في الصلح والبيع، ولو
كان شرطهم ألا يبيع إلا من فلان، كان كقولهم إلا يبيع إلا منا، ولو قالوا:
على ألا يبيع ممن يضر بهم، فأما في البيع، فلا يجوز، ويفسخ بذلك، [فإن فات
ذلك ففيه القيمة]، وأما في الصلح، فقال ابن القاسم، في رواية عيسى: أكرهه،
ولا أفسخه إن وقع. وقال مطرف، وابن الماجشون: إن عثر عليه بحدثانه، فسخ،
وإن طال أمره، أو باع أحدهم مضى. قال عيسى: قال ابن القاسم: فإن باع من
أحد، فقالوا: هذا يضر بنا لم ينظر إلى قولهم، ونظر فيه؛ فإن كان ممن يخاف
منه /، لم يجز بيعه منه، وإن كان مأمون الجانب، جاز البيع، قال ابن حبيب:
فسألت أصبغ عن المسألة من أولها، فكرهه في البيع والصلح، وقال: لا يجوز.
وقول مطرف وابن الماجشون، أحب إلي.
في الصلح على ميراث يجهله الوارث
أو يحمل بعضه والتداعى في ذلك
والزوجة تصالح الورثة وللميت حمل
أو تصالحهم، ثم يطرأ وارث
من العتبية، روى يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم، فيمن مات بالأندلس وله بها
تركة، وترك مصر أو بالقيروان حظا في دار، فصولح بعض الورثة عن جمع
[7/ 169]
(7/169)
ميراثه من كل ما ترك وبينوا ما ترك
بالأندلس، ولم يذكروا ما بغيرها ولم يعرف الوارث كم حظه من ذلك الذي بمصر؟
قال إن صولح على جمع تركته، وكان الحظ الذي بمصر مجهولا، أو كان معلوما ولم
يره المصالح، ولا وصف له، ولا رآه رسوله، فالصلح منتقض. قال: وإن قال
الوارث المصالح: لم أصالح إلا عن ما ورثت بالأندلس، ولا أعلم ما بمصر، ولا
صالحت عنه، وأنا لا أريده. قال الآخر: قد دخل ذلك في الصلح ونحن نجهله،
فأنا أرد الصلح، قيل له: أقم البينة أنه صالحك عالما بأن له بمصر مورثا،
وأنه مجهول، فيرد، وإلا حلف ما علم بمصر ولا أراد، بالصلح إلا ما بالأندلس
الذي نصصناه وبمضي الصلح، فإن نكل ورد الصلح.
ومن سماع ق: ومن ترك مالا وعروضا، وعليه دين، فأراد ورثته صلح زوجته على
ميراثها، فإن كانت عروضه معروفة، فذلك جائز، وإن لم تكن / معروفة فلا أحبه.
. .
وقال يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم: فإن صالح الولد زوجة الميت على مال ثم
قدم ولد آخر، فالصلح ماض، والوارث القادم يأخذ حقه منهم أجمعين؛ إن كان له
السدس، أخذ سدس مما بيد كل واحد، وكذلك الربع أو الخمس. . .
ومن سماع ابن القاسم: ومن ترك جارية حاملا وورثة وزوجته، فصالح الورثة
الزوجة عن حقها، فلا يجوز، لأنها لا تدري ألها الربع أو الثمن إذا وضعت
الجارية ولدا؟.
في الصلح يقع على ترك الأيمان
أو على ترك رد اليمين وإسقاط البينات
من العتبية روى أصبغ، عن ابن القاسم، في المتداعيين يصطلحان على الرضا؛ بأن
يحلف كل واحد الآخر فيما يدعي عليه على طرح بيناتهما، أو على
[7/ 170]
(7/170)
(أن) من نكل، غرم بلا رد يمين أو برد يمين،
فإن أتى بعد ذلك ببينة، فلا شهادة لها؟ قال: جايز، ولو كان على أن ما ثبت
على كل واحد، منهما، فهو مؤخر به إلى أجل مسمى، ولا خير في هذا إذا كان
بشرط، فأما إن تطوع به بغير شرط، فهو جائز.
قال أصبغ: ولا أفسخ الذي أقر على أن يؤخره وأمضيه إذا وقع، وألزمه الإقرار
وأجعل له التأخير، ولا أجد في حرامه من القوة والتهمة بما أبطله، وهو إما
أن يكون حقا عليه فوخره به، أو يكون باطلا فيتطوع به، كالبينة، ولا أعلم
إلا أن ابن القاسم اختلف قوله فيه. .
ومن سماع ابن القاسم، فيمن له على رجل دراهم، فصالحه على أن يعطيه / كل شهر
خمسة دارهم، على أنه إن ادعى المطلوب أنه دفع إليه من ذلك شيئا بلا بينة،
أنه لايمن له على الطالب ن؟ قال: لا يلزم هذا الشرط، وله عليه اليمين إذا
جحده.
وروى أشهب، عن مالك، فيمن أقام شاهدا بعشرة دنانير على رجل، وكره أن يحلف
على شاهده، فقال لصاحبه: اطرح عني اليمين وأنا نؤخرك بها سنة، قال: ما هذا
بحسن، أرأيت إن قال أعطيك عرضا؟ قال أصبغ: قال ابن القاسم نه فيمن قام بحق،
وطلب يمين المطلوب، فقال: لا تحلفني، وأخرني سنة وأنا أقر لك، قال: لا
يجوز، وهو سلف جر منفعة، قلت فإن وقع، أيبطل التأخير، ويثبت الحق، وهو يقول
لم أقر إلا على التأخير افتداء من اليمين؟ قال: بل يسقط عنه الحق والتأخير،
ويرجع على الخصوم.
[7/ 171]
(7/171)
فيمن قال لغريمه: إن عجلت إلي حقي، فذلك
وضيعة كراء
أو قال الخصم: إن لم ألقك عند القاضي فدعواك حق
أو قال: باطل. أو ترك له شفعة على أنه متى ما أتاه قام فيها
قال ابن حبيب: قال مطرف، عن مالك فيمن قال لغريمة: إن عجلت حقي اليوم أو
إلى شهر، فلك ضيعة كذا، فعجله للوقت إلا درهم أو الشيء التافه، أو بعد
الوقت بيوم أو أمد قريب، إن الوضيعة لازمة. قال مطرف كقول مالك في المستلم
إليه في ضحايا يأتي بها بعد أيام الأضحى بيوم، أنها له لازمة، وإن شاء عد
ذلك بالأيام، وما بعد فهو مخير في قبولها، أو بردها ويأخذها من ماله.
وقال أصبغ، في / الوضيعة: لا تلزمه إذا جاء بالحق بعد الوقت باليوم أو
ناقصا درهما. وقول مطرف أحب (إلي) ومن العتبية روى أشهب، عن مالك، فيمن له
قبل رجل دين حال، فقال له عجل إلي سبعين، وأؤخرك سنة.
ففعل، وكتب عليه بذلك، ثم قال له: عجل إلي منها كذا وأعطيك ما بقي.
قال: أما بعدما وجب التأخير وكتب، فلا، وأما لو كان في المراوضة قبل
الوجوب، لجاز ذلك، وله أن يأخذ منه عرضا أو حيوانا [معجلا، فأما طعاما أو
إداما فلا] يريده، لأنه باع منه طعاما.
قيل: أفيأخذ من جنس طعامه أقل منه؟ قال: لا. . .
قال عيسى، فيمن صالح غريمه منم حق حال، على أن يعجل له بعضه الساعة، أو إلى
أجل كذا، ويسقط باقيه، فيعجل له ما سمى وقتا ذكر إلا أن الدرهم أو النصف
عجز عنه، قال: ولا تلزمه الوضيعة، وله شرطه، قال سحنون،
[7/ 172]
(7/172)
فيمن له دين إلى أجل، فصالح منه على تعجيل
نصفه، وترك نصفه، فإن عثر على هذا قبل الأجل، رد ما أخذ، وكان له دينه إلى
أجله وإن لم يعثر عليه إلى محله فله أخذه بما بقي من حقه. . .
قال ابن حبيب: وقال مطرف، وابن الماجشون في الخصمين، يقول المدعى الآخر: إن
لم أوافك عند القاضي لأجل يذكره فدعواك باطل، أو يقول المدى عليه: إن لم
أوافك، فدعواك لك حق مع يمينك. فإنه شرط لا يلزم، ولا يوجب حقا ولا يسقطه،
ولو أراد المدعى عليه سفرا يتعلق به الآخر، فقال له: دعني، فإذا قدمت، فأنت
مصدق مع يمينك، قالا: فذلك له لازم.
/ وإذا قال أحد الخصمين للآخر: إن لم أوافك عند السلطان، فكراء دابتك علي.
وكان السلطان في بعد قالا، فذلك يلزمه وقاله أصبغ: وقال مطرف، فيمن له
شفعة، فصالح في تركها على أنه متى ما بلغه أذى المشتري أو أذى ولده، فهو
على شفعته، قال: لا يلزم ذلك، وله القيام فيها متى شاء ومتى طلبه المشتري
بالأخذ أو الترك، فله ذلك ما لم يطل الزمان، وطول الزمان عندنا في ذلك
الشهور الكثيرة. وقال أصبغ: الصلح جائز، والشرط فيه لازم لا يرجع الشفيع
فيه حتى يكون ما استثنى، وإن طلب المشتري أن يدع الصلح ويوفق له الشفيع على
الأخذ أو الترك، فله ذلك، وهو كمقذوف عفا عن حده، على أنه إن أذاه، أو شتمه
ثانية، رجع فيه، فذلك له لازم، وكما لو شرط الشفيع في صلحهما أنه ترك
الشفعة، إلا أن يدخل عليه ضرر بالبيع متى ما باع من غيره، فهو على شفعته،
فذلك له، ويقول أصبغ أقول.
[7/ 173]
(7/173)
في إقرار المدعى عليه بالحق عن الصلح
أو بعده، أو يجد الطالب بينة،
وكيف إن أشهد أني أصالحه لجحده
أو لغيبة بينتي، ومن صالح عن سرقة
ثم وجدت، أو أقر بها غيره
أو قال المطلوب إنما صالحت خوفا من السلطان
/ قال ابن حبيب: قال مطرف في المدعى عليه ينكر، ثم يقول للطالب: هذا الذي
يدعي علي حقا كان أو غيره، هو كما يقول، فصالحني، فيقول المدعى: هذا إقرار
منك، ولا أصالحك. وقال الآخر: ما أعلم لك قبلي حقا، وإنما قلت ذلك بوجه
الصلح. قال: هو مصدق، ولا يلزمه إقراره إلا ترى أنه إن أقر به إقرارا بينا،
ثم طلب الصلح؟ وقال مثله أصبغ، وقال مطرف، في المدعى قبله سرقة، فصولح فيها
وهو منكر، ثم أقر عنده أنه الذي سرقها، فإن تمادى على إقراره، قطع، فإن كان
مليا أخذ منه المدعى عليه الأول ما صالح به، وأخذ المسروق منه تمام قيمة
سرقته، وإن كان عديما، لم يلزمه شيء، ولزم الصلح الأول، ولو رجع عن إقراره
قبل القطع، درى عنه القطع، وأتبعه المصالح بما صالح به، والمسروق بتمام
قيمة سرقته إن كان عديما، وإن كان مليا فليعجله. وقال أصبغ. .
ومن العتبية، روى يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم، فيمن ادعى على رجل أنه سرق
له عبدا، فأنكر، فصالحه على مال، ثم وجد العبد، أنه يكون للمدعى عليه أنه
سرقه، وليس لسيده أخذه، لأنه قد صار في ضمان الذي ودى المال بالصلح، ولو
طلب مؤدي المال أن يدعه لسيده، وقد وجد صحيحا أو معطوبا، ويأخذ ماله، لم
يكن له ذلك، إذا أبى الآخر؛ لأن الصلح وقع بأمر جائز.
ومن كتاب ابن سحنون، من سؤال حبيب، وعن الرجل يدعي على رجل أنه غصبه شيئا،
/ أو سرق له دقيقا، فيدعوه إلى السلطان، ثم اصطلحا على أن
[7/ 174]
(7/174)
أعطاه مالا، وهو يقول للبينة: إني إنما
أعطيه هذا خوفا من السلطان من ضرب السياط، وما أخذت له شيئا، فهل له أن
يرجع عليه بهذا المال؟ قال: ليس له ذلك، وإلى من يتداعى الناس؟ إلا إلى
السلطان، إلا أن يكون للمدعي من السلطان ناحية ويعلم أن السلطان يطاوعه،
فينظر في ذلك الحاكم باجتهاده، ومن كتاب ابن حبيب، قال مطرف: إذا جحد
المطلوب الحق، فصولح ببعضه على الإنكار، ثم أقر بعد الصلح أن ما كان ادعى
عليه حقا، قال: يلزمه غرم باقي الحق. قال: ولا يشبه قول مالك، فيمن صالح في
غيبة بينته أو جهله بها، أنه لا شيء له إذا وجد البينة؛ لأن الأول مقر
بالظلم، وهذا مقيم على الإنكار. وقد قال مالك في الذي له ذكر حق فيه بينة،
فضاع، فصالح غريمه على الإنكار، وذكر ضياع صكه، ثم وجده بعد الصلح، أن له
القيام ببقية حقه، وفرق بينه وبين الذي يجد البينة على حقه بعد الصلح. قال
مطرف: ولو أن ضاع صكه قال له غريمه: حقك حق، فأت بالصك فامحه. وخذ حقك،
قال: قد ضاع، وأنا أصالحك. فيفعل، ثم وجد ذكر الحق، قال: لا رجوع لهذا،
بخلاف الأول. وقال أصبغ مثله كله. وقال مطرف، في الذي يدعى عليه الحق،
فينكره فيصالحه الطالب، ويشهد أني إنما أصالحه لإنكاره، وإني على حقي. قال:
لا ينفعه ذلك، ولا يجوز إشهاده عل شيء بخلاف ما وقع به الصلح. وقد أبطل /
مالك البين إذا وجدها بعد الصلح. قال مطرف: إلا أن يقر المطلوب بعد الصلح
على الإنكار، فيؤخذ بباقي الحق. وقال أصبغ ـ ومسألة مالك الذي ذكر مطرف في
الذي تلف صكه، وقال لغريمه: إنما أصالحك لتلف صكي، في العتبية من سماع ابن
القاسم، قال وقد أقر له ببعضه، أن له القيام إذا وجده. وهناك مسألة في الذي
صالح لغيبة بينته، وقد حجده، وأشهد سرا أنه يصالحه لذلك، أن له القيام وجد
البينة. وقال ابن القاسم. .
[7/ 175]
(7/175)
ومن مختصر ابن عبد الحكم، ومن جحد مالا،
فأقر له في السر، ودعاه إلى الصلح، ثم انطلق فأشهد سرا أنه إنما يصالحه
ليقر له في العلانية ثم يقوم بحقه، وصالحه في العلانية، وأشهد عليه، فلما
فرغا خاصمه، قال: الصلح لازم، إلا أن يأتي بأمره من شهادة أو علم من أصل
الحق.
وقال في موضع آخر من الكتاب: ومن كان هل بينة غائبة على حقه، وجحده غريمه،
فصالحه، وأشهد سرا أنه إنما يصالحه لغيبة بينته وجحوده، وأنه يقوم إذا
حضروا، فالصلح يلزمه، ولا قيام له.
ومن غير العتبية قال سحنون، فيمن له قبل رجل دين يجحده، ويقر له سرا، فقال
له: أخرني به سنة، وأنا أقر لك به، فيفعل، وصالحه على هذا، ثم قام عليه،
فإن كان أشهد سرا في: إنما أؤخره لأنه جحدني، ولا أجد بينة، وإن وجدت بينة،
قمت عليه. فذلك له إن أشهد بذلك قبل الصلح، وقد علمت البينة أنه كان يطلبه
/ بذلك وهو يجحده. وفي باب المتداعيين يرضيان بشهادة فلان من معنى هذا
الباب. وذكر ابن القاسم، في المدونة أن الطالب إذا صالح خصمه، ولم يعلم
ببينته، فله القيام إذا علم بها، وأما إن علم بها في الصلح، إلا أنها
غائبة، لم ينفعه ذلك. وروى أصبغ عن ابن القاسم: إذا كانت غائبة غيبة بعيدة
جدا، وأشهد أنه إنما يصالحه لذلك، فله القيام. قال يحيى بن عمر، عن سحنون:
إذا ادعى عليه في دار، فأنكر، فصالحه، ثم أقر له المطلوب، فالطالب مخير؛ إن
شاء تماسك بصلحه، وإن شاء أخذ الدار ورد ما أخذ.
في الصلح عن الغائب، وعن الصغير، وعن البكر
وصلح الوكيل والحميل، وكيف إن ضمن المصالح؟
قال ابن حبيب: قال مطرف: وابن الماجشون، في القوم يصطلحون في مواريث بينهم،
وبعضهم غائب، فيضمن الحاضر رضا الغائب إن كره الصلح أو ادعى شيئا، كان هذا
له ضامنا، فلا يجوز هذا الصلح، ويرد. وقاله أصبغ.
[7/ 176]
(7/176)
قال أصبغ، فيمن قال لرجل غائب، عليه مائة
دينار: هلم إلي خمسين، وأحط عنك خمسين، على أن أضمن لك تمام ذلك، فإن كان
الغائب بعيد الغيبة، لم رجز ذلك، وإن كان قريبا بحيث لا يصول بيت المال في
يديه، وذلك جائز.
قال مطرف، وابن الماجشون: وإذا صالح الوكيل حيث لا يجوز له الصلح، عن الذي
وكله، وشرطه المطلوب: إن لم يجزه الطالب، فما أعطيت رد إليك، فالشرط ماض،
ولا يكون الطالب أحق بما قبض وكيله من غرماء المطلوب إن قاموا، ولولا
الشرط، لم يرد / هذا المال، ولم يدخل فيه الغرماء، ويتبع ما بقي، ولو أن
الوكيل قد قطع ذكر الحق، وأماته كان ضامنا. وفي كتاب الوكالات صلح الوكيل
أجنبيا عن المطلوب. .
قال مطرف: ومن ادعى أن أباه الغائب وكله على مصالحة غريمه، فصالحه، ثم
ألفيا الأب قد مات، فرجع أحدهما عن الصلح؛ فإن كان على الوكالة بينة، لزم
ذلك جميع الورثة، وإن لم يكن بينة، لم يلزم الورثة، لغا أن يشاءوا فيتم تم
لا خيار للخصم إن رجع، وإن شاءوا ردوه، فلهم ذلك، ويلزم المصالح في حصته إن
شاء الخصم ذلك، وإن أبى، لم يلزمه ذلك، ويرجع على رأس أمره، ولو كان
المصالح هو وحده وارث أباه، لم يكن لأحدهما أن يرجع، ولو رضيا بترك الصلح،
والرجوع إلى التداعي لم يجز ذلك؛ لما فيه من الخطر، لأن رد ما أخذ كبيع له
بثمن لا يدري أيثبت له أم لا؟ وكذلك كل مصطلحين ثم صلحهما، فأرادا نقض ذلك
على أن يرجعا إلى الخصام، فلا يجوز ذلك. وقاله أصبغ. . .
وقال ابن الماجشون، في والي اليتيم يصالح عنه، فأما مطالبه، فله صلحه بأن
يضع بعضا، ويأخذ بعضا إذا كان على النظر، وأما ما يكون فيه مطلوبا هو أو
أبوه فيما ورثه عنه، فلا يجوز الصلح فيه عنه حتى تثبت الدعوى، فيجوز صلحه
على الهضيمة من ذلك.
[7/ 177]
(7/177)
وقال أصبغ، في التي ماتت عن زوج وأبوين
وابن صغير، فصالح الأبوان الزوج على أن أخذا منه ما ساقت ابنتهما من
عندهما، ويأخذ الزوج كل ما ساق إليها، ولم يذكر الابن بشيء، فأدى ميراث
الصبي فيما أخذ الأب من ذلك / إن كان ذلك يشبه ويقارب، فإن تفاحش ذلك انتقض
الصلح، ويأخذ الابن ميراثه من الجميع، ثم يرجع الصلح في باقي ذلك على ما
اعتدل وربا. قال: وإن كان الأمر غير متفاحش، فلا يدخل على الابن في ميراثه
نقصان، ويأخذ ميراثه كله، ويدخل نقض الصلح على الأب.
ومن كتاب ابن سحنون: وكتب شجرة إلى سحنون، فيمن صالح على نفسه، وعلى أطفال
في حق يدعيه، أو يدعى عن قبله، وليس بخليفة ولا وصي، فكتب إليه: يلزم الصلح
في نفسه، وينظر الحاكم للأطفال؛ فإن كان ذلك نظرا لهم أمضاه، وإن لم يره
نظرا، أبطله عنهم، ولزمه هو في حصته.
ومن كتاب ابن سحنون، قال مطرف وابن الماجشون، في الأب يصالح عن البكر ببعض
حقها: إما من ميراث زوجها أو من غيره، أو من مصدق، فإن كان حقها في عروض
وأصول، فلا بأس أن يصالح عنها بعين، وإن قصر عنه حقها، وإن كان حقها لا
شبهة فيه، ولا دعوى، فذلك ماض إذا كان في ذلك نظر ناو إن أراد أن يضع من
حقها على غير هذا، وحقها ظاهر لا دعوى فيه ولا لبسة، وذلك لا يجوز عليها،
وليرجع بحقها على، هو عليه، لا على الأب، ثم ليس لمن هو عليه أن يرجع على
الأب بشيء إلا أن يكون يحمل ذلك لابنته في ماله، فترجع به الابنة على أبيها
إن كان مليا، وإن كان عديما، رجعت على من كان عليه، ورجع به ذلك على الأب،
فاتبعه به. قالا، وإن لم يتحمل ذلك [الأب] لها في ماله، والذي كان ذلك عليه
عديما، رجع به على الأب، لأنه أتلف حقها / قال كله أصبغ. وقد ذكرنا في كتاب
الخلع صلح الأب عن الابنة، وخلع الوصي والأجنبي.
[7/ 178]
(7/178)
قال مطرف، في الحميل ينكر الحمالة، فيصالحه
الطالب في غيبة الغريم ببعض الحق، إلى يريد أن يرجع ببقية حقه على الغريم،
قال: إن حلف ما صالح الحميل رضا عن جميع حقه، فله أن يرجع ببقية حقه، ولو
أنه أشهد أنه إنما يصالح [الحميل، لإنكاره وأنه على حقه] فلا يمين عليه.
ومن كتاب ابن سحنون: كتب شجرة إلى سحنون: فيمن صالح عن نفسه، وكلته على
الصالح، وأشهدن له وأشهد هو على الصلح، ثم جحد الصلح، فقامت عليه به
البينة، [وبوكالة النساء إياه] على الصلح، أيلزم النساء الشهادة على الصلح،
أم حتى يقوم لهن وكيل، على الخصومة في الصلح، والمدافعة فيه؟ فكتب إليه: إن
كان النساء حضورا أحضرن، وإن غبن في قرب وثبت الصلح بالوكالة جلبن، وإن
بعدت غيبتهن، أوقعت البينة على الجاحد، فإن قدمن وكان لهن حجة، قبلت منهن.
فيمن صالح على دار، فاستحقت
أو صالح عن حق قضى له به ثم رجع القاضي عن قضيته
أو صالح من دعواه على شيء
فاستحق ذلك، أو استحق ما فيه
من العتبية روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم، فيمن ادعى عليه في دار بيده،
فصالح منها على مائة دينار، ثم استحقت الدار، قال: يرجع في المائة فيأخذها،
وإن استحق نصفها، رجع بخمسين، وكذا فيما قل أو كثر. قال ابن حبيب: قال ابن
الماجشون /، فيمن قضى له بحق على رجل، ثم يصالحه من ذلك على شيء، ثم يرجع
القاضي عن قضيته، أن للمقضي عليه أن يرجع عليه
[7/ 179]
(7/179)
فيما أعطاه صلحا، كما يرجع لو أعطاه جميع
الحق، وقال مطرف: يمضي الصلح، ولا يرجع بشيء مما دفع في الصلح، بخلاف أن لو
دفع إليه الحق من غير صلح، هذا يرجع بما أعطى إذا رجع القاضي. وقال أصبغ
مثل قول ابن الماجشون وبه أقول.
قال ابن القاسم، في المدونة ومن ادعى شيئا بيد رجل، ثم اصطلحا على الإقرار
على عرض، فاستحق ما أخذ المدعى، فإنه يرجع بما أقر له به صاحبه فيأخذه
بعينه إن وجده، فإن فات بتغيير أسواق، أو بدن أخذ قيمته، وإن استحق ما بيد
المدعى عليه، والصلح على الإنكار. قال غير ابن القاسم، في غير المدونة: أو
على الإقرار، فالأول يرجع بما أعطى ورأيت في كتاب يحيى بن عمر بخط يده مما
قرأه علي البرقي، عن أبي زيد، عن أبي القاسم، وهو عنه في المجموعة، أنه
قال: إن كان الصلح على الإنكار، ثم استحقت السلعة بحضرة الصلح، رجع الذي
استحقت من يديه على الذي كان صالحه، فأخذ منه مما دفع إليه، وإن كان قد
تطاول في مثل ما تهلك فيه البينات، وينقطع فيه العلم، فإن الذي استحقت من
يديه، لا يرجع على الذي صالح بشيء؛ لأن الذي صالح يقول كانت إلي بينة
عادلة، فمنعتني أن أثبت حقي، دفعتني بما أعطيتني، فلما ذهبت بينتي، وأخذت
من يديك بالجور، تريد أن ترجع علي. فلا أرى له عليه شيئا.
ورأيت / في كتاب الشرح عن ابن سحنون، عن أبيه، إذا استحق ما بيد المدعي،
وكان الصلح على الإنكار، رجع بمثل ما أخذ في الصلح أو قيمته إن لم يكن مما
له مثل، وإن استحق ما بيد المدعي عليه، لم يرجع على المدعى بشيء؛ لأنه إنما
دفع عن نفسه خصومته بما أعطاه، لا بشيء ثبت له عليه. قال: وقد قيل: يرجع
علي بما أعطاه أو بمثله إن فات، أو قيمته إن كان مما يقوم. قال محمد:
والأول أبين.
[7/ 180]
(7/180)
قال محمد: وبلغني أن أبا بكر محمد بن
اللباد قال: بعقب هذا الجواب: المعروف من قول أصحابنا، أنه إن صالحه على
الإنكار، فاستحق ما بيد المدعي، فإنهما يرجعان على الخصومة.
في المتداعيين يصطلحان على الرضا بشهادة فلان
وكيف إن أن أحدهما معه وارث صغير، فكبر، فقام؟
وكيف إن وجدوا بينة كلهم؟
قال ابن حبيب: قال مطرف، فيمن هلك، فقام كبار بنيه على رجل كان شريكا له،
فقالوا: بقيت له عليك مائة من الشركة، فأنكر، وقال فارقته، ولم يبق له عندي
شيء، وفلان يعلم ذلك. فاصطلحا على الرضا بشهادة فلان، فشهد أنهما تحاسبا،
وأبرأ كل واحد منهما صاحبه، ثم قام الأصاغر عليه، فقالوا: لا نرضى بصلحك
على شهادة فلان. وطلبوا يمينه على المائة، فنكل، ورد اليمين عليهم، فحلفوا
أيأخذونها كلها ويدخل فيها الأكابر؟ فقال: يسقط عنه حظ الأكابر، / ويغرم
حصة الأصاغر منها، ليس نكوله كالإقرار، ولو كان إقرارا دخلوا كلهم فيها.
قال: ولو وجدا الأكابر والأصاغر بينة أن المائة عليه باقية، فلا يغرم إلا
حق الأصاغر، ولا شيء للأكابر؛ لأنهم قد صدقوا الشاهد الأول. وقال أصبغ مثله
[قال] ولو كان الأكابر أوصياء الأصاغر، لزمهم صلح الأكابر، ولا طلب
لجميعهم.
في العبد يوجد به عيب، فيصالح منه
قال يحيى بن عمر: قال أصبغ، في رجل اشترى عبدا بمائة دينار، فوجد به عيبا،
فأراد رده، فصالحه البائع على مال دفعه إليه دنانير أو دراهم أو عرضا أو
[7/ 181]
(7/181)
طعاما نقدا أو إلى أجل، وقد قبض المشتري
العبد أو لم يقبضه، فات عنده أو لم يفت، عرفت قيمة العبد أو لم تعرف، نقد
الثمن أو ينقده. قال: إن كان العبد لم يفت، جاز أن يصالحه على دنانير نقدا؛
مثل قيمة العيب أو أقل، عرفا قيمة العيب أو لم يعرفا؛ لأنه إنما فيه الرد،
فليس فيه من المخاطرة بقيمة العيب شيء، وكأنه اشتراه ببعض المائة ورد ما
بقي، قبض الدنانير في ذلك أو لم يقبضها، إلا أنه إن كان قبضها، لم يصلح إلا
ردها نقدا أو بغير شرط في غير أجل، فإن دخله الأجل [كان] بيعا وسلفا، وإن
رد دراهم في قيمة العيب قبل أن يتفرقا، فجائز إن قبض الدنانير، وإن لم
يقبضها مكانه قبل أن يتفرقا، وتكون الدراهم أقل من صرف دينار، فإن كثرت
صارت صرفا / وبيعا عند من يكره الصرف والبيع، وأما عند من لا يكرهه، فلا
بأس به، وإن كثرت، ولا تكون الدراهم، ولا شيء منها مؤجلة، وكذلك الطعام وإن
كان نقدا، كائنا ما كان، فلا بأس به، والعروض كلها كانت الدنانير قد قبضت
أو لم تقبض، فإن كان إلى أجل، فإن كانت الدنانير قد قبضت، فلا خير فيه،
لأنه دين بدين وإن لم تقبض، فلا بأس بالعروض والطعام إلى أجل، إذا كان
يصفه؛ لأنه بيع مؤتنف، بيع عرض معجل وعرض، أو طعام مؤجل بدنانير نقدا، فهو
جائز. وهذا كله إذا كان العيب الرد فيه ثابت ولا شك فيه ولا موضع خصومة
بمتري في رده، أيلزم أو لا يلزم؟ فإذا كان ذلك، فلا خير فيه، ويجري مجرى
العيب غير اللازم فيما يحل ويحرم.
قال أصبغ: وإن فات العبد ونقد الثمن، جاز أن يرد إليه دنانير نقدا، أو
دراهم نقدا، أو عرضا نقدا بغير معرفتهما بقيمة العيب. وقد أجازه بعض أهل
العلم، وإن لم يعرفا قيمة العيب، وكذلك الطعام كالعرض، وإن كانت الدنانير
أو العروض أو الطعام إلى أجل، لم يجز شيء من ذلك، إلا أن تكون الدنانير مثل
قيمة العيب، فأقل، فذلك جائز؛ لأنه معروف في التأخير، وإن كانت أكثر لم
يجز. قال: وإن كان الثمن لم يقبض حتى فات العبد، ووجد العيب عيبا لمثله.
[7/ 182]
(7/182)
أرش، فجائز أن يطرح عنه من الدنانير ما شاء
بعد معرفته بقيمة العيب، أو قبل معرفته إذا اصطلحا عليه، / وإن تشاجرا فبعد
المعرفة، وإن اصطلحا، فلا بأس به ما كان، ويأخذ البائع ما بقي، وإن رد إليه
البائع ودقا على أن يعطيه الثمن وافيا فذلك، جائز بعد المعرفة بقيمة العيب،
قلت الدراهم أو كثرت، ولا يدخله ها هنا صرف وبيع، لأنه دين ثابت، ومصارفة
مبتدأة، ويقبضها مكانه مع ماله قبله، وإن لم يعرفا قيمة العيب، لم يجز؛
لأنه خطر، وذهب وغير شيء، ولا خير فيه إلى أجل على حال، وأما على طعام أو
عرض، فإن عرفا قيمة العيب، جاز، كان الطعام والعرض نقدا أو إلى أجل؛ لأنها
مبايعة مؤتنفة إذا كان على صفة معلومة، وإن لم يعرفا قيمة العيب، لم يجز.
في الابن يصالح غرماء الأب على النصف، على أن يحللوا أباه
أو يقول: وخروني بدينكم، وأنا له ضامن
من العتبية من سماع ابن القاسم، قال مالك، فيمن هلك وعليه دين، فقال ابنه
لغرمائه: من يشاء منكم أن يصالحه على النصف، ويكون أبي في حل، فعلت،
ففعلوا، قال: أراه قد برئ، وأنه في حل من ذلك. قال: ومن ترك عليه ثلاثة
آلاف دينار دينا، ولم يدع غير ألف، وترك وارثا واحدا، فقال للغرماء: هرمز،
وأما إن كان معه وارث غيره، فإن كان ما رحب في هذه الألف بعد وفاء الدين
بين الورثة على فرائضهم، فذلك جائز، وإن كان ينفرد به الضامن، لم يجز،
وكذلك أن ترك عرضا، فيقول بعض ورثته: لا تكسروا عرضه، ونحن نضمن لكم / فإن
كان ما أصيب في العرض من فضل الدين، كان بين الورثة، فذلك جائز [وإن كان
ينفرد به الضامن، لم يجز].
[7/ 183]
(7/183)
وروى ابن وهب، عن مالك فيمن ترك مائتي
دينار، وعليه مائتان وستون، فدفعت المائتان في دينه، فقال ابنه لغرمائه:
أنا أتحمل لكم بنصف ما بقي، وتحللون أبي فيما بقي. ما أحب هذا، وأنما يجوز
أن يقروا بيده مال أبيه، ويتحمل بدينه كله، ويكبر الصغير وينمو بيده، ولا
يكون ما فضل له ولكن للورثة معه، فهذا جائز، وإن سلم إليه مال أبيه وتحمل،
ثم طرأ عليه دين آخر، فطلب طالبه أن يغرمه أيضا، وقال الابن: إنما تحملت
بما علمت، وقال: أرى ذلك له لازما أن يغرم لهم. وهذا الباب أكثره في كتاب
الحمالة.
في رجل قتل رجلين عمدا فصالح أولياء أحدهما على الدية
وقام أولياء الآخر بالقود
من العتبية روى يحيى بن يحى، عن ابن القاسم، فيمن قتل رجلين عمدا، وثبت ذلك
عليه، فصالح أولياء أحدهما على الدية وعفوا عن دمه، وقال أولياء الآخر
بالقود، فلهم القود، فإن استفادوا بطل الصلح، ويرجع المال إلى ورثته.
في الصلح في الدماء، ومن صالح من موضحة خطأ
ومن موضحة عمدا على شقص
وكيف إن زاد أحدهما الآخر عرضا؟
قال ابن القاسم: / ومن جرح رجلا موضحة خطأ، وموضحة عمدا، فصالحه منهما على
شقص في دار، فإن الشقص يقسم على الموضحتين، فيأخذه الشفيع بخمسين دينارا
وهي موضحة الخطإ وبنصف قيمة الشقص عن موحضة
[7/ 184]
(7/184)
العمد، وقال ابن نافع في غير المدونة يأخذه
بقيمة الشقص، إلا أن تكون القيمة أقل من خمسين قدر موضحة الخطأ، فلا ينقص
منها. وقال المغيرة: يقوم الشقص، فإن كانت قيمته مائة، حمل عليها خمسون
لموضحة الخطأ، فأصبنا قيمة الشقص الثلثين من ذلك، فيستشفع بخمسين دينارا،
بثلثي قيمة الشقص، ثم على هذا الحساب إن كانت القيمة أقل أو أكثر يعمل.
وقال سحنون بقول ابن نافع، وقال: ليس غير هذا بشيء؛ لأنه قد يضمن الشقص
بشيء معلوم وهو دية موضحة الخطإ، وشيء مجهول. وهو موضحة العمد، فالمعقول
خمسون دينارا، فإن كانت قيمة الشقص أزيد من ذلك، علمنا أن الزائد المجهول
من العمد، وإن كانت القيمة أقل لم ينقص من المعقول وبه قال ابن المواز،
وابن حبيب، ويحيى بن عمر قال يحيى: ولو صالحه منهما بهذا الشقص، وبعشرة
دنانير ـ يريد على أصل ابن القاسم ـ فالعشرة مأخوذة من موضحة الخطإ، فبقي
منها أربعين، وبقيت موضحة العمد، فيقسم الشقص على ذلك، فيأخذه بأربعين،
وبخمسة أتساع قيمة الشقص، وإن صالح منهما على شقص وعرض، قيل: ما قيمة
العرض؟ فإن قيل: عشرون. كان منه لكل موضحة نصف عشرة، فيأخذ الشقص بأربعين،
وبنصف قيمة الشقص [ما بلغ].
/ قال أصبغ: وإن كان على شقص وعبد، وقيمة العبد كقيمة الشقص، فقد أخذ العبد
بنصف الموضحتين، وبقي للشقص نصفها، فيأخذه بنصف موضحة الخطإ، وبنصف قيمة
الشقص ما بلغ، وإن كان العبد هو الثلث من ذلك، أو الربع، أو الثلثين، فيما
بقي للشقص فهو للموضحتين، وإن كان العبد الثلث، فهو بثلث الموضحتين، وكذلك
إن كان ربعا فهو ربعهما، وفي الثلث يأخذ بثلثي دية موضحة الخطإ، وبنصف قيمة
الشقص، وفي الربع بثلاثة أرباع دية [الموضحة الخطإ وبنصف قيمة الشقص] قال
أصبغ: ولو كان
[7/ 185]
(7/185)
المجروح هو معطى العبد مع الجرحين حتى أخذ
الشقص، فإن كانتا جميعا خطأ، أخذ الشقص بديتهما وبقيمة العبد، وإن كانتا
عمدا جميعا، نظر إلى الاجتهاد في عقلها كم ذلك؟ وكم قيمة العبد من قيمتها
بالاجتهاد؛ فإن كان العبد ثلث ذلك، أخذ الشقص بقيمة العبد. وبثلثي قيمة
الشقص، وعلى هذا إن كان أقل أو أكثر، وإن كانت واحدة خطأ، والأخرى عمدا،
نظر إلى عقل الخطإ، وإلى مبلغ عقل العمد بالاجتهاد، موضحة كانت أو غيرها،
وإلى قيمة العبد، فعرف ذلك كله، وأخذ الشفيع به. قال أبو محمد: أدى أصبغ
يريد إن كانت قيمة العبد بالاجتهاد، وقدر الثلث من الجميع، أخذ الشقص
بخمسين للخطإ، وبقيمة العبد، وبثلث قيمة الشقص، ثم على هذا، الحساب وجرى
كلام أصبغ على أن موضحة العمد مقومة بالاجتهاد ها هنا، وجعلها في الصلح /
منهما على شقص من غير عطية من المجروح على معنى [قول] ابن القاسم، أن
المأخوذ مقسوم على الموضحتين بالسواء، ولم يجعل، للعمد قيمة مبتدأة
بالاجتهاد. وكلام يحيى في الذي صالح منهما على شقص وعرض جعله مثل ما لو أخذ
شقصا ودنانير، وليس يستوي ذلك، وكلام أصبغ أصح في العرض المأخوذ مع الشقص؛
لأن العرض [ليس] هو الواجب في الموضحتين، ولا في أحدهما ولا بعضهما، وهو
مأخوذ مع الشقص في ثمن معلوم ودم لا قيمة له معلومة، فالمأخوذ كله مقسوم
على الموضحتين، وأما إذا أخذ دنانير، فقد أصبنا الخطأ من الموضحتين الواجب
فيها. قال: فأصرفنا ما أخذ من المال فجعلناه عنها، ونظرنا ما بقي من المال،
فصار الشقص به مأخوذا وبموضحة العمد، فقسم ذلك على ما بقي من الخطإ، وعلى
جميع العمد، وأصل ابن القاسم أنه ساوى بين موضحة العمد والخطإ في القيمة،
وأصل أصبغ يجتهد في قيمة العمد، ولو قيل: إن مجرى كلام ابن القاسم أن يقسم
ما أخذ من عين أو عرض مع الشقص على الموضحتين، ثم بتمثيل ذلك لكان
[7/ 186]
(7/186)
صوابا إن شاء الله، وذلك أن يأخذ بهما شقصا
وعشرة دنانير، فكأنه أخذ للموضحتين شقصا عشرة، وذلك مقسوم بين الموضحتين،
سواء، على أصل ابن القاسم، فأصبناه، أخذ في الموضحة الخطإ خمسة دنانير ونصف
شقص، فكان ثمن ذلك النصف شقص خمسة وأربعين دينارا بقية موضحة الخطأ، وأخذ
من موضحة العمد خمسة دنانير ونصف شقص، وقيمتها مجهولة، فقلنا: فأخذ النصف
الآخر بنصف قيمة / الشقص، ولو أن رجلا [في] موضحة عمدا، وأخذ فيها عشرة
دنانير وشقصا، ما وجب أن يأخذ الشفيع الشقص إلا بقيمته ما بلغت، إذ لا قيمة
لموضحة العمد معلومة حتى يحط منها العشرة المأخوذة، وهذا يقوى كلام ابن
نافع الذي اختاره سحنون، وهو أقوى الأقاويل، إن شاء الله.
باب جامع مسائل الصلح وغير ذلك
قال ابن حبيب: بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «نعم الصلح الشطر».
وقال مطرف، فيمن حكم له بحق، ثم صالح منه على شيء، فطلب المقضي [عليه] قطع
القضية، فمنعه المقضي له، فللمقضي له منعه من ذلك؛ لأن القضية وثيقة له
فيما أخذ بالصلح، وليتوثق المقضي عليه بكتاب بالصلح بتاريخ بعد تاريخ
القضاء، ويذكر القضاء في صلحه. وقاله أصبغ.
ومن العتبية من سماع عيسى، قال ابن القاسم، فيمن مات مولى لجده، فطلب
ميراثه أو مالا طرأ للجد، فأقام شاهدين أنه أقعد الناس بفلان اليوم، وقد
مات المولى منذ سنين، فلا ينتفع بذلك حتى يشهدوا أنه أقعد الناس به يوم مات
[7/ 187]
(7/187)
المولى، فإن لم يقم أحد غيره، استوفى بذلك،
ولا يعجل، ويكتب في ذلك إلى ذلك الموضع، فإذا أيس من ذلك ولم يأت غيره، قضى
له بذلك، وأخذ منه حميل ثم ضعف أمر الحميل إن أبى إن يعطى حميلا.
ومن كتاب ابن سحنون، وكتب شجرة إلى سحنون، فيمن أدعى على رجل حصة في منزل
في يديه، فصالحه على الإنكار / بشيء دفعه إليه، ثم أنكر الصلح، فشهدت عليه
البينة أنه صالحه على قطع دعواه من جميع ما ادعى قبله في هذا المنزل، وقد
وجدوا المنزل ولم يجدوا الحصة التي فيها الدعوى والصلح، فكتب إليه: إذا كان
في الصلح أن المدعى والمدعى عليه عرفا ما تصالحا فيه، فذلك جائز، مع أنه
رجل في يديه منزل ادعى فيه أحد بحق، فصالحه، فيه على قطع دعواه من جميعه،
فلا أرى له في جميع المنزل شيئا.
تم كتاب الصلح
والحمد لله
[7/ 188]
(7/188)
|