النوادر
والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات بسم الله الرحمن الرحيم
رب يسر
الجزء الثاني من كتاب آداب القضاء
في استخلاف القاضي ناظرا لعذر أو مرض أو سفر ورفعه الخصمين إلى العالم، وهل
يقضي في سفره؟ وهل يسمع البينات؟ وهل يحكم بعد موت الأمير؟ وكيف إن نهاه أن
يحكم في شيء معلوم؟
من المجموعة، وكتاب ابن حبيب: قال ابن الماجشون، ومطرف، وأصبغ، في قاضي
الخليفة: ليس له استخلافه قاضيا مكانه إذا كان حاضرا يحكم، وكذلك إن عاقه
ما يعوق من الشغل.
قال في كتاب ابن حبيب: وإن عاقه ما يعوق من الشغل؛ لأنه هو القاضي المنفذ
لأحكام الناس كلها، وأما إن سافر: قال في كتاب ابن حبيب: أو مرض، فله أن
يجعل في مكانه من يقوم مقامه، وينفذ أموره، ثم لا يكون متعديا على من
استقضاه، وإذا كان ذلك بأمر الخليفة وإذنه، فلا تبالي كان القاضي غائبا أو
حاضرا أو مريضا أو صحيحا، ذلك جائز؛ وكأنه ولى قاضيين أحدهما فوق صاحبه.
[8/ 79]
(8/79)
قال في كتاب ابن حبيب: فإن استخلف القاضي
غيره لغير سفر، ولا مرض لم يجز ذلك.
قال سحنون في كتاب ابنه، والمجموعة: لا يستخلف وإن مرض، أو سافر إلا بأمر
الخليفة. قال: ولا يولي بعض أمور الخصوم حكما يحكم بينهم، فإن فعل، لم يجز
قضاء الحاكم، إلا أن ينفذه القاضي، فيكون قضاء/ منه مؤتنف. ومن المجموعة:
قيل لابن الماجشون، في قاض يستقضي على كور ثلاثة بينها في عهده، وهي مما لا
يصلح لكل واحدة قاض، هل يستقضي غيره في أحدها، أم يدور عليها؟ فإذا ولاه
خليفة واحدة من الكور قد استقضى الخليفة في مثلها قاضي، فكأنه أذن له أن
يستقضي؛ إذ لا يمكنه أن يكون بجميعها، ولا يقسم زمانه بينها.
قال عنه ابن حبيب، وابن عبدوس: فلو مات القاضي وقد استخلف مكانه رجلا، فقال
له: سد مكاني، ونفذ ما كنت أصدرت فيه القضاء، واقض إلى أن تصرف أو تثبت.
قال: لا قضاء له، ولا سلطان، وليس للقاضي أن يستخلف من يقضي بعد موته، قال:
وإذا بعث القاضي خصمين إلى فقيه، وقال: انظر بينهما. فذلك جائز نافذ. وكأنه
مشير أنفذ القاضي حكمه، وكأنما حكمه الخصمان أيضا، قبل مهما ما حكم به.
ومن كتاب ابن حبيب: قال أصبغ: إذا مات الامام الاعظم، فلا بأس أن ينظر
قضائه وحكامه حتى يعلموا رأي من بعده، وكذلك القاضي يوليه والي المصر، ثم
يعزل الوالي، فهو قاض حتى يعزله الذي ولى بعده.
قال أصبغ في القاضي يبعثه الإمام إلى بعض الأمصار، في بعض ما نابه من أمر
العامة، فيأتيه رجل في ذلك المصر، فيذكر حقا له قبل رجل بعمله، وهو [8/ 80]
(8/80)
بجانب من عمله، فيريد منه سماع البينة عليه
بهذا المصر، قال: ليسمع بينته ويكتبها، ويسأله تعديلهم، أو يسأل عنهم قاضي
ذلك المصر، فإن ذكر له عدالتهم، اجتزأ بذلك، ولو اجتمع الخصمان/ عنده بهذا
المصر، فليسمع بنيتهما، ويكتبها، فطلبا الخصوم عنده، والشيء الذي يخاصمان
فيه في بلد هذا القاضي الغائب عن عمله، فلا ينظر بينهما، وخصومتهما إلى
قاضي ذلك المصر الذي اجتمعا فيه، إلا أن يتراضيا على الأمر، كما يتراضيا
على أجنبي مسلم عدل.
قال محمد بن عبد الحكم: وإذا حج قاضي مصر أو غيرها، فيأتيه في سفره قوم من
عمله، وطلبوا أن يسمع بينة على رجل من عمله، أو كانوا أوقعوا البينة عنده
في عمله، فطلبوا الآن أن يكتب لهم بذلك إلى قاضي العراق، أو قاضي مكة،
ويشهد عليه، أو يحكم بذلك الحق، ويشهد على حكمه، فليس له شيء من ذلك؛ لأنه
ليس بوال على ذلك البلد، فليس له أن يسمع فيه بينة، ولا ينظر في بينة آخر،
ولا يشهد على كتابه إلى قاضي بلد آخر إلا ببلده، وأما كشفه في غير بلده عن
عدالة شاهد كان قد شهد عنده في عمله، فذلك له، ولا يشهد في كتاب يكتبه إلى
قاضي البلد الذي هو به، ولو كتب قاضي مكة إلى قاضي مصر، وأشهد عليه، فرفع
إلى قاضي مصر بمكة وقد قدم حاجا، فلا يسمع عليه البينة حتى يقدم مصر، وكذلك
لو ولاه الخليفة مصر، فخرج إليهم، فلا يسمع البينة في طريقه على أحد من أهل
مصر حتى يصر إليها.
قال محمد بن عبد الحكم: وإذا كان عمل القاضي واسعا، فينبغي أن يستأذن
الأمير أن يولي على ما يرى من عمله من يحكم فيما لا يعظم من الأمور، إذا
كان الموضع يشق على أهله الشخوص إلى موضع القاضي/ ممن ولاه، جاز حكمه،
ويكون القاضي مستشرف عليهم، فيعزل من رأى عزله، وإن لم يأذن له الإمام في
ذلك، لم يكن له أن يولي من يحكم، ولكن يجعل من يكاشفه في الكشف ونحوه. [8/
81]
(8/81)
قال سحنون، في العتبية: في القاضي يثبت
عنده لرجل حق، فيريد التسجيل له بذلك، ويحضر الإمام خروج في عزو، فيأمره
ألا ينظر لأحد حتى ينصرف، فيسجل له بعد نهي الإمام له. قال: أدى ذلك ماضيا.
قال ابن حبيب: قال أصبغ في الخصمين يريد توجيه الحكم على أحدهما مما يتبين
له، فيستغيث بالأمير، وهو جائر، فيأمره بترك النظر في ذلك، ويحجره فيه، هل
يطيعه؟ قال: إن كان قد تواضعا عنده الحجج، ونظر حتى تبين له الحق، فلينفذ
له الحكم، ولا ينظر إلى نهي الأمير، إلا أن يعزله رأسا، وإن كان في مبتدأ
أمرهما قبل أن يتبين له حق أحدهما، فنهاه عن النظر بينهما، فلينتبه،
ويدعهما.
في حكم الوالي أو صاحب الشرطة أو صاحب السوق وولاة المياه في الدماء
والحدود أو غيره هل يجوز؟
ومن المجموعة: قال ابن القاسم في والي الاسكندرية، إذا استقضى قاضيا، فقضى،
أو قضى هو بشيء، فذلك كله ماض، إلا في جور بين.
وكذلك والي الفسطاط أمير الصلاة: وقال: ولا يقيم العمل في/ الحدود ولاة
المياه، وليجلب إلى الأمصار، ولا يقام القتل بمصر كلها إلا بالفسطاط، أو
يكتب إليه والي الفسطاط بإقامة ذلك. وقال أشهب: أما من ولي هذا الوالي على
بعض المياه، وقد جعل ذلك إليه، فليقم الحد في القطع، والقتل، وغيره، وإن لم
يجعله إليه، فلا يقيمه.
وقال سحنون: لا أعرف أن يجعل هذه لولاة المياه، وهذه الأمور تعظم.
قيل لسحنون: في كتاب ابنه، والمجموعة: أيجوز قضاء صاحب السوق في الأموال
والأرضين، وللناس قاض، أو مات قاضيهم؟ قال: إن جعل ذلك إليه [8/ 82]
(8/82)
الأمير الذي يولي القضاة، وهو الأمير
الكبير أمير الأمصار، مثل مصر، وإفريقية، والأندلس، جاز قضاؤه إن كان عدلا
فقيها عالما، وإن لم يجعل ذلك إليه، فلا يجوز قضاؤه إلا فيما أذن له فيه،
وإذا حكم الأمير الذي فوق القاضي بحكم، فكتب به إلى القاضي، فهو جائز
أقضيتهم إلا أن يكونوا عدولا، ويقضون بصواب.
ومن كتاب ابن حبيب: قال ابن الماجشون: وإذا كان الأمير مؤمرا، لم تفوض إليه
الحكومة، فلا يجوز حكمه، وإن فعل لم ينفذ حتى يفوض إليه نصا، وإذا لم يكن
مؤمرا، فهو كالخليفة إن حكمه مضى حكمه، إلا في جور أو خطإ بين، وإذا كان
الأمير مؤمرا، قد فوض إليه/ الحكم مع الإمرة، فله أن يستقضي قاضيا، ويجوز
حكمه وحكم قاضيه، وإذا لم يفوض إليه الحكم، لم يجز حكمه ولا استقضاؤه.
وقاله مطرف، وأصبغ.
في الخصمين يرضيان بحكم رجل أو شهادته أو يحكمان بينهما امرأة أو من لا
يجوز حكمه
في المجموعة: قال مالك في الرجلين حكما بينهما رجلا، فقضى بينهما، فقضاؤه
جائز. قال ابن القاسم: وإن قضى بما يختلف فيه، ويرى القاضي خلافه، فلا
ينقض، وحكمه ماض، إلا في جور بين. وكذلك ابن سحنون، عن سحنون.
قال ابن القاسم: وإذا حكماه، وأقاما البينة عنده، ثم بدا لأحدهما قبل أن
يحكم، قال: أرى أن يقضي بينهما، ويجوز حكمه.
وقال ابن الماجشون: ليس لأحدهما أن يبدو له، كان ذلك قبل أن يقاعد صاحبه أو
بعدما ناشبه الخصوم، وحكمه لازم لهما، كحكم السلطان، ومن غاب منهما أو كره،
نظر لصاحبه كما ينظر السلطان في حق الغائب. ومنه، ومن كتاب [8/ 83]
(8/83)
ابن سحنون: وقال سحنون: إذا حكما بينهما أن
يرجع في ذلك ما لم يمض الحكم فيه، فإذا أمضاه بينهما، فليس لأحدهما أن يرجع
فيه. قال مطرف في كتاب ابن حبيب: له النزوع في ذلك في ابتداء أمرهما، وقبل
نظر الحاكم بينهما في شيء، فأما بعد نشوئهما في الخصوم عنده، ونظره في شيء
من أمرهما، فلا نزوع لواحد/ منهما، ويلزمها التمادي فيها، وقال أصبغ: كما
ليس له إذا تواضعا الخصومة عند القاضي أن يوكل وكيلا، أو يعزل وكيلا له،
وذكر عن ابن الماجشون مثل ما تقدم في المجموعة.
قال سحنون، في كتاب ابنه: وإذا حكما بينهما رجلا، فحكم بينهما، ثم رفع ذلك
إلى القاضي، فلينظر، فإن كان ما حكم به يوافق الحق عنده، أمضاه، وإن كان لا
يوافق رأيه، وكان قضاؤه مما يختلف فيه الفقهاء، وليس من رأي القاضي أن يقضي
به، فلا يعرض فيه، إلا أن يكون خطأ بينا، فيرده.
قال سحنون في المجموعة، وفي كتاب ابنه: وإذا حكما بينهما حكما، فحكم ولم
يشهد على ذلك الحكم، فإنه لا يصدق على ذلك الحكم، وإذا حكم، كتب للمقضي له
كتاب قضاء: أني قضيت لفلان بن فلان. كما يكتب القاضي.
قال أصبغ في كتابه، في رضى الخصم أن ينظر القاضي بينه وبين نفسه في حق: فلا
أحب أن يفعل، فإن فعل مضى ذلك، وليذكر في حكمه رضاه بالتحاكم إليه.
قال سحنون: ولا ينبغي للذي حكمه رجلان أن يقيم حدا، أو يلاعن، ولا يقيم
الحدود إلا الأئمة والقضاة قضاة الأمصار العظام.
قال أصبغ في كتابه: ولا يحكم بينهما في قصاص، أو قذف، أو طلاق، أو عناق، أو
نسب، أو ولاء؛ لأن هذه الأشياء لا يقطعها إلا الإمام، ولو أمكنه من [8/ 84]
(8/84)
نفسه، فقال: اضربني حدا،/ وخذ قودك. لم
يصلح إلا بالإمام، وكذلك النفس.
وأما الجراح، فإذا أقاده من نفسه، فلا بأس أن يستقيد إذا كان نائبا عن
السلطان، وإذا حكماه، فحكم فيما ذكرنا أنه لا يحكم فيه، فإنه ينفذ حكمه،
ويأخذ له السلطان بقوده، أو يقيم حده، وينهاه عن العودة لمثل هذا، وإن أقام
ذلك نفسه، فقتل، أو اقتص أو ضرب الحدود، ثم رفع إلى الإمام، أدبه السلطان،
وزجره، وأمضى ما كان صوابا من حكمه، وكان المحدود عنده بالقذف محدودا،
والتلاعن عنده ماضيا.
قال ابن حبيب: قال مطرف، وابن الماجشون: ولو أن خصمين تنازعا شيئا فحكم
أحدهما، فحكم لنفسه أو عليها، جاز ذلك، ومضى، ما لم يكن جورا، أو خطأ بينا،
وليس تحكيم الخصم كتحكيم خصم القاضي للقاضي. وقد تقدم هذا.
ومن المجموعة، وكتاب ابن سحنون: قال سحنون: وإذا حكم الخصمان رجلين، فحكم
أحدهما، ولم يحكم الآخر، فإن ذلك لا يجوز، ولو حكما مسخوطا، أو امرأة، أو
مكائبا، أو عبدا، أو كافرا، فحكم بينهما، فحكمه باطل، وكذلك قال ابن
الماجشون في المجموعة. وقال: أو مولي عليه. قال: ولمن شاء منهما رجع؛
لأنهما تخاطرا حين حكما من لا يرضى نظره لنفسه.
قال أشهب في كتاب ابن سحنون، في الرجلين يحكمان بينهما امرأة، فتحكم، قال:
حكمها ماض إذا كان مما يختلف فيه الناس.
قال أشهب: وكذلك العبد والحر والمسخوط مثل ذلك أيضا، فأما الصبي،
والنصراني، والمعتوه/، والموسوس، فلا يجوز حكمه وإن أصابوا الحكم. قال
أصبغ: وذلك كله رأيي. [8/ 85]
(8/85)
قل سحنون: لا أعرف هذا، ولا يجوز تحكيم من
ذكر من عبد، أو أمرأة ونحوها. قال سحنون: ولو حكما بينهما امرأة، أو رجلا
غير عدل، أو عبدا، أو مكاتبا، أو ذميا، فحكم بينهما، فذلك باطل لا يجوز.
ولو حكما بينهما رجلين، فحكم أحدهما دون الآخر، لم يجز ذلك حتى يحكما
جميعا.
قال ابن حبيب: قال مطرف، وابن الماجشون: وإذا رضيا بحكم صبي، أو مسخوط، أو
نصراني، فحكم بينهما بصواب، فلا يلزم ذلك واحدا منهما.
وقال مطرف في العبد والمرأة مثله.
قال ابن الماجشون: إن كانا بصيرين عارفين مأمونين، فأرى تحكيمها، وحكمها
جائز لازم، إلا في خطإ بين. وقاله أصبغ، وأشهب. وبه آخذ، وقد ولى عمر امرأة
سوق المدينة، وهي الشفاء أم سليمان من أبي حثمة، ولابد لصاحب السوق من
الحكم بين الناس ولو في صغار الأمور.
قال أصبغ، في كتابه: إذا حكم مسخوطا، فحكم فأصاب، جاز ذلك، وكذلك محدودا لم
يتب، أو يبلغ الحلم، إذا كان قد عقل وعرف وعلم، فرب غلام لم يبلغ، له علم
بالسنة والقضاء.
ومن المجموعة: قال ابن الكنانة: وإذا تنازعا في جدار، فرضيا بحكم رجل أو
أناس من البنائين، فحكموا أن الحق لأحدهما، وقضوا له بحقه، ثم ذهب المقضي
عليه إليهم، فسألهم معاودة النظر، فنظروا، والآخر غائب، فنقضوا قضاءهم
الأول، وقضوا للمقضي عليه، قال: ينفذ الإمام قضاءهم/ الأول، وينقض الآخر؛
لأن الخصمين قد حضراه، وتراضيا عليه، ويخيف البنائين، ويغلظ عليهم، ويسجنهم
حتى يعودوا لمثله، ثم ينظر؛ فإن رأى أن ينقض الأول والآخر، نقضه، وإن رأى
[8/ 86]
(8/86)
أن يبعث من البناءة أهل عدل ورضى، فينظر،
فعل، ولا يبعث ممن قضى فيه أولا أحدا.
في عزل القضاة والنظر في أحكامهم وأحكام العمال في ولايتهم أو بعد عزلهم
وفي رجوع القاضي في حكم حكم به وكيف إن عزل قاض ثم ولي ما يصنع فيما عنده
في ولايته الأولى؟
ومن المجموعة: قال أشهب: وإذا اشتكى القاضي في أحكامه وميله بغير الحق،
فينبغي للامام أن ينظر في أمره، فإن شاكوه أو كثروا، فيبعث إلى رجال من أهل
بلده ممن يوثق بهم، فيسألهم عنه سرا، فإن صدقوا قول الشكاة، عزله، ونظر في
أقضيته، فيمضي ما وافق الحق، وما كان منها غير موافق للحق باستجارته فيها
غير أهل الفضل، وبالميل عن العدل، فسخها، وإن قال من سألهم عنه: لم نعلم
إلا خيرا، وهو عدل عندنا. ثبته، وتفقد أقضيته؛ فما خالف السنة رده، وأمضى
ما وافقها، ويحمل على أنه لم يتعتمد جورا، ولكن على أنه أخطأ، ولا يمكن
الناس من خصومات قضاتهم إذا اشتكوهم؛ هذا لوجهين: أحدهما: أن يكون القاضي
من أهل العفاف والرضا فيستهان بهذا، ويؤدبانه، والآخر: أن يكون القاضي
فاسقا فاجرا/، وهو ألحن بحجته ممن شكاه، فيبطل حقه، وقد عزل عمر سعد بن أبي
وقاص عن الكوفة بالشكية، وقال: والله لا يسألني قوم عزل أميرهم ويشكونه،
إلا عزلته عنهم. قال سحنون: وعزل عمر شرحبيل بن حسنة، فقال له: أعن سخطة
عزلتني؟ قال: لا. ولكن وجدت من هو مثلك [8/ 87]
(8/87)
في الصلاح، وأقوى منك على عملنا، فلم أره
يحل إلا ذلك. قال: يا أمير المؤمنين، إن عزلك عيب، فأخبر الناس بعذري. ففعل
عمر.
قال أشهب: وقال مطرف في كتاب ابن حبيب: وينبغي للإمام أن لا يغفل عن التفقد
لقضاته، فإنهم سنام أمره، ورأس سلطانه، فلينظر في أقضيتهم. قال في
المجموعة: ولا ينفذها. قالا: وينظر لرعيته في أمورها وأحكامها ومظلمة بعضها
لبعض، فإن الناس قد دخلوا وسار بعضهم يشبه بعضا، ليس لبعض من الفضل على بعض
ما يسمع الإمام أن يتخلى عنهم، وأن يكلهم إلى قضاتهم، وكان عمر يقدم أمراءه
كل عام، ويقدم معهم من قبل عملهم رجالا، فإذا أرادوا بدل عاملهم عزله وأمر
غيره.
قال مطرف: وإذا كان قاضي الإمام مشهورا بالعدالة والرضا، فلا يعزله بالشكية
فقط، وإن وجد منه بدلا؛ لأن في ذلك فساد الناس على قضاتهم، وإن لم يكن
مشهورا بالعدالة والرضا، فليعزله إذا وجد منه بدلا، وتظاهرات الشكية عليه،
وإن لم يجد منه بدلا، كشف عنه؛ فإن كان على ما يجب، أمضاه، وإن كان على غير
ذلك، عزله وولى غيره. وقال أصبغ: أحب إلي أن يعزله بالشكية وإن كان مشهورا/
بالعدالة والرضا، إذا وجد منه بدلا في حاله؛ لأن في ذلك صلاحا للناس وكسرا
للولاة وللقضاة عن الناس، تفريجا لهم فيما بين ذلك، وقد عزل عمر سعدا على
الشكية فقط، وسعد أبعد صحة، وأظهر براءة من جميع من يكون بعده إلى يوم
القيامة.
قال: وإذا عمت الشكية، وتظاهرت، فليوقفه بعد العزل للناس، فيرفع من رفع،
ويحقق من حقق؛ فقد أوقف عمر سعدا، فلم يصح عليه شيء من المكروه، وبرأه الله
مما قالوا، وكان عند الله وجيها. [8/ 88]
(8/88)
قال أصبغ: وينبغي للإمام أن يعزل من قضاته
من يخشى عليه الضعف والوهن، أو بطانة السوء، وإن أمن عليه الجور في نفسه،
ولا بأس عليه إذا خبره بغير ريبة أن يخبر الناس ببراءته، كما فعل عمر
لشرحبيل بن حسنة، وإن عزله عن سخطة، فحق عليه شهرته وإذاعة سخطه.
قال أشهب في المجموعة: وإذا اشتكى من القاضي أنه أراد الحكم على رجل بغير
الحق، فينبغي أن يكشف عن ذلك، فإن كان رأيه خطأ، وتبين ذلك لأهل العلم،
نهاه عن إنفاذه، وإن خف على الإمام أن يجمعهم في ذلك فعل، وإلا فيقعد معه
رجالا من أهل العلم والفقه والصلاح، يأمرهم بالنظر في ذلك، ثم لا ينفرد هو
برأيه فيه دونهم، ولا ينفعه أن يقول: قد كنت حكمت قبل إقعادكم معي للنظر في
هذا لأنه مدع، وصار الحجر بينه وبين مشكيه، إلا أن يقيم بينة أنه/ قد كان
حكم في ذلك قبل إجلاسهم معه، فينظر فيه الإمام، فإن كان ما فعل حقا لا
اختلاف فيه، أو فيه اختلاف من العلماء، أمضاه، وإن كان خطأ لا اختلاف فيه،
فسخه، ولا يجوز أن يحكم فيه النظار بشيء معه، ولهم أن يرفعوا إلى الإمام ما
رأوا من ذلك، فيكون هو القاضي له والمنفذ له، ولمطرف في كتاب ابن حبيب
نحوه.
قال ابن حبيب: قال مطرف في القاضي يشتكي في قضية حكم بها، فإن كان عدلا
مأمونا بصيرا بالقضاء، فلا يعرض له فيه الأمير، ولا يقبل فيه شكية، ولا
يتعقبه بنظرالفقهاء، وإن كان متهما في أحكامه، أو غير عدل، وجاهلا،
فليعزله، قال: فإن جهل الأمير في العدل، فأجلس الفقهاء فتعقبوا حكمه،
وجهلوا هم أو أكرهوا، فنظروا فيه، أو فسخه ففسخه الأمير، قال: فلينظر الحكم
الأول؛ فإن كان صوابا لا اختلاف فيه، أو فيه اختلاف من العلماء: فحكمه ماض،
والفسخ باطل، وإن كان الأول خطأ بينا أمضى، فسخه، ولو كان الحكم الأول خطأ
بينا، عرف عن القاضي مالا ينبغي، فللفقهاء حينئذ النظر؛ فإن تبين خطؤه
ردوه، وإن اختلفوا عمل على الأصوب من اختلافهم، وأشبه بالحق، وأنقذوه، وإن
قل قائلوه [8/ 89]
(8/89)
منهم، كذلك يفعل القاضي عند اختلاف من
يشاور من الفقهاء، وكذلك قال محمد بن سعيد للقاضي بالمدينة محمد بن عمران
الطلحي عند اختلافهم عليه.
قال: وكذلك لو كان/ ذلك بغير بلد الأمير، فاشتكى إليه نفر بقاضي بلدهم،
وسألوه أن يكتب إلى فقهاء بلدهم أن يجلسوا مع قاضيهم في تلك الخصومة، فأما
المشهور بالعدل، فلا يقبل منهم ذلك إلا أن يشتكي منه استبداد بالرأي دون
أهل الرأي، فليأمره بالمشورة لأهل الرأي من غير أن يسمي له أحدا، ويجلسه
معه، وإن كان غير مشهور بالعدل، فإن تظاهرت عليه الشكية، كتب إلى صالحي
بلده، فأقدهم، فكشفهم عنه، فإن كان على ما يجب، وإلا عزله، فإن جهل هذا
الأمير، وكتب إلى ناس يأمرهم بالجلوس معه في بلد الحكومة، فاختلف رأيهم؛
فإن كان كتب أيضا إليهم، أن يرفعوا إليه ما اجتمعوا فيه، واختلفوا، فعلوا
ذلك، ثم كان هو المنفذ لذلك، وإن كتب إليهم يأمرهم أن ينظروا معه، ثم
يجتهدوا ويحكموا بأفضل ما يراه معهم، جاز له أن يحكم بما يراه هو وبعض من
أجلس معه منهم، ويمضي ذلك، وإن أطبقوا على خلافه في الرأي، فلا ينبغي أن
يحكم بذلك؛ لأن ذلك الذي شكي منه، فإن لم يتبين له أن الحق إلا في رأيه،
فليكاتب في ذلك الأمير، فيأمر بما يراه وقاله أصبغ، وابن القاسم.
ومن العتبية: يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم، عن القاضي يعزل لسوء حاله، أو
يموت، وهو معروف بالجور في أحكامه،/ قال: يستأنف النظر فيما حكم به، ولا
يحل لأحد من القضاة أن ينفذ له حكما إذا كان من أهل العدل.
قلت: أفتصلح سجلاته التي قضي بها، أو يقال للخصمين: ائتنفا الخصومة؟ فقال:
إن كان غير عدل وخيف أن يكون يقبل من غير العدول، أو يجور في حكمه، وما
يشبه هذا، فلتنقض أحكامه، ويأتنفوا الخصومة؛ لأنه وإن جاز، فلا يكتب كتبه
إلا وظاهرها صحيح، وإذا كان ممن لا يتهم بجور، ولا بتجوز شهادة [8/ 90]
(8/90)
غير العدل، وهو مجتهد غير أنه جاهل بالسنن
لا يستشير العلماء، يقضي باستحسانه، فهذا يتصفح أحكامه ويقرؤها، فينفذ منها
ما كان صوابا في ظاهرها، وإن خرجت على خلاف الكتاب والسنة، فسخ ذلك؛ لما
عرف من جهالته، وإن كان ما حكم به مختلفا فيه، لم يغيره، ولا ينقضه، قالا:
وإذا ولى الأمير قضايا في بعض الكور، وهو غير عدل ولا رضا، ولا يؤمن جهله
وجوره، فلا ينبغي لقاضي الجماعة أن يرفع إليه خصما، ولا يكتب إليه في تعديل
شاهد، ولا يمضي له حكما.
ومن المجموعة: قال ابن كنانة في القاضي يعرف بالجهالة والهوى لبعض ما يشبه
الباطل، والدفع لما يأمره به الأمير والوزير؛ فمن الحق أن يفتش أقضية مثل
هذا، عزل أو لم يعزل، فيمضي صوابها، ويرد باطلها، فأما قاض على غير هذا،
فإن المشتهر من قضائه إذا اشتكي، نظر فيه، فأما أن تفتش أقضيته كلها مثل ما
يفعل بالمعروف بالظلم، فلا.
ومن كتاب ابن سحنون: وكتب ابن غانم إلى مالك في رجلين أتيا إلى القاضي وبيد
أحدهما حكم قاض قبله على خصمه هذا، وفيه بينة، فطلب المقضي عليه أن يقيم
عند هذا حجته وبينته فيما كان حكم عليه، فكتب: أما القاضي الذي لا يعلم منه
إلا خيرا، فلا ينظر في قضائه، إلا أن يأتي أمر مشتهر نكب عن الحق، أخطأ أو
جهل، فينظر في ذلك، ويتواصى، وإلا فلا يعرض في غير هذا من قضائه، وأما
المعروف بالجور، فإنك ذكرت أن قاضيا كان يرد شهادة العدل، ويقضي بشهادة من
لا يرضى، فإن أتاك قضية مثل هذا، أنه قضى ببينة سماهم، فأتى أولئك، فإن
أنكروا أن يكونوا شهدوا، فليتعقب أحكام مثل هذا ولا يوثق بإنفاذه، وليجعل
لنفسه وقتا ينظر فيه في أحكامه، ولا يشغل بها نفسه عن ما سواها، فيضر بغير
هؤلاء من الناس. [8/ 91]
(8/91)
قال سحنون: وإذا رفع إليك حكم من هذا، ولم
تعرف البينة التي حكم بها، فلا تنفذ للمحكوم له حكمه حتى يظهر له أنه حكم
له بالعدل، وبأمر صحيح، وإلا فليأتنف النظر فيه، قال: وإذا حكم المستخرج
بقوم عدول، فلينظر فيه من بعده ويتعقبه، فإن ظهرت صحته، وأن العدل لم يكن
يحكم إلا بمثله، فليمضه. وهو نحو جواب مالك إلى ابن غانم، في أحكام مانع بن
عبد الرحمن.
وكتب إليه شرحبيل بن يحيى/ قاضيه، أن رجلا يقال له: هارون بن فلان، أتاه
يدعي أن عبد الله حثمال أنه كان قاضيا، وكان عزل على الجور، أمره بدفع
ثلاثة دنانير إلى يزيد بن فلان، وجاء ببينة أقر عندهم بعد عزله بذلك، وأنه
قبضها منه يزيد، قال هارون: وكان ابن حثمال قد دفع إليه قبل ذلك ثلاثة
دنانير، ذكر أنها لعصبة رجل آخر، فلما قامت هذه البينة، قال ابن حثمال: هي
تلك الدنانير التي كنت أعطيتك، فكتب إليه: أن أأمر يزيد بقبض الدنانير،
فأمره بردها إلى هارون، إلا أن يأتي بحجة يستوجبها بها، وإن لم يقر فليؤدها
ابن حثمال؛ لأنه أقر أنها لعصبة رجل آخر.
وكتب إليه: كل ما رفع إليك من حكم ابن حثمال، قد أشهد به ليس عند الشهود
إلا الشهادة على لفظه أنه حكم به، فلا تجزه؛ لأنه كان معروفا بالجور
والظلم، وأنه ليس من أهل العدل.
قال محمد بن عبد الحكم: وإذا لم يكن القاضي مأمونا على الحكم، فحكم بحكم
فأتى القاضي الذي بعده عدلان، فشهدا أن الشهود الذين قضي الأول بشهادتهم قد
شهدوا عنده بهذه الشهادة، وأنهم عدول، وكان حكم فيها ليس بجور، أجازه، وإن
كان فيه اختلاف من الناس، ولم يكن هذا الثاني يراه، فلينفذه؛ لأنه قد حكم
بغير جور.
قال أشهب في المجموعة: فإذا قضى القاضي، وليس فيه من الخصال الخمس التي
ذكرنا قبل هذا، فقضاؤه نافذ ما لم يتعمد جورا، ويقضي بما لا سلف له فيه مما
لا يشك في خطئه، وقد أساء فيما تعرض/ من هلاك نفسه. [8/ 92]
(8/92)
قال ابن القاسم في القاضي إذا عزل، فادعى
بعض من حكم عليه جوره في ذلك، فلا ينظر في ذلك، ولا خصومة بينه وبينهم، إلا
أن يرى جورا بينا، فيرده.
قال مالك: ولا يعرض الذي ولي القضاء لقضاء من قبله، وقد كتب عبد الملك إلى
أبان ينهاه عن التعرض لما قضى فيه ابن الزبير، وقال: إن نقض القضاء عنا
معن.
قال ابن الماجشون: وإذا تبين للقاضي أن قاضيا قبله قضى في شيء أخطأ، فلا
أرى أن يبين له خطأه، ولا ينظر في شيء من أحكامه، إلا أن يكون معروفا
بالجور، فليتعقب أقضيته؛ فما تبين أنه حق، أمضاه، وما لم يستبن أنه جار
فيه، أمضاه، ما كان جورا بينا، ردا إلى الحق، إلا أن يكون قضى بقول قائل،
ونحوه في العتبية، من سماع ابن القاسم.
قال ابن حبيب: قال مطرف: أما العالم العدل، فلا يتعقب أحكامه من بعده،
وليجوزها إن خوصم فيها، ولا يكشف عن شيء منها، إلا أن يظهر له خطأ بين لم
يختلف فيه، وإذا كان عدلا، وكان جاهلا، كشفت أقضيته، فأنفذ صوابها، ورد
خطؤها الذي لا يختلف فيه، وأما إن كان جائرا معروفا، بذلك أو غير عدل في
حاله وسيرته، وهو عالم أو جاهل ظهر جوره أو خفى، لم يجز من أقضيته شيء،
وعلى من بعده ردها كلها، صوابها وخطؤها؛ إذ لا يؤمن أن يظهر الصواب فيما
باطنه خطأ، إلا ما عرف من أحكامه بالعدول أن باطنه صحيح، فلينفذ. وقاله ابن
القاسم، وابن الماجشون.
قال أصبغ: تجوز أقضية/ القاضي غير عدل في حاله وسيرته، أو كان فيه من هذا
وهذا، فليجز من أقضيته ما عدل فيه ولم يسترب، وينقص ما تبين جرمه، أو
استريب، ويعمل فيها بالكشف كما يصنع بأقضية الجاهل؛ لأن السلاطين اليوم
أكثرهم بهذه الصفة، فلابد أن تنفذ أحكامهم، مثل الخلفاء، والأمراء،
والعمال، وقضاة السوء، ما لم يعرف منها قضاء جور بعينه، أو خطأ بين، أو
يتسبب من [8/ 93]
(8/93)
يطلب رد ذلك سبب جور عليه، وإن لم يتحقق
لما يعرف من أصل فساده، قال: وهذا ما لم يعرف جوره في أحكامه بعينها، فإذا
عرف الجور في أحكامه، أو في بعضها، ردت كلها ما عرف منها بالجور أو جهل.
قال ابن حبيب: وقول مطرف، وابن الماجشون، وابن القاسم، أحب إلي، وقد انفرد
بهذا أصبغ.
قال ابن سحنون، عن أبيه: وإذا عزل القاضي على جور، لم ينبغ لمن ولي بعده
نقض أقضيته كلها، ولكن يتعقبها بالنظر؛ فما رآه مستقيما أمضاه، وما رآه خطأ
أو جورا، فسخه وأبطله، ولا ينبغي للذي ولي بعده أن يمكن الناس من الابتداء
بخصوماتهم، ولكن يجعل لنفسه ساعة من النهار يتصفح فيها أحكامه.
وكتب إلى شجرة، في حكم حكم به عبد الله بن أبي الجواد، وكان قد عزل عن
الجور وسوء الحال، أنه إن لم يكن في يد المحكوم له إلا البينة على إشهاده
بالحكم، فلا تمضه حتى يثبت عندك أنه قد حكم بحق، وأنك لو وليته حكمت به
لعدالة البينة، وما يحكم بمثله القضاة.
ومن كتاب ابن حبيب: قال مطرف في أحكام الخوارج /: لا تجاز، ولا تنفذ حتى
يثبت أصل الحق ببينة، فيحكم به، وأما أحكام مجهولة، ويذكروا شهادة أهل
العدل عندهم، سموا الشهود أو لم يسموهم، فهي مردودة. وقال أصبغ، عن ابن
القاسم مثله؛ قال أصبغ: وأرى أن أقضيتهم بسبيل أقضية قضاة السوء فيما
ذكرنا.
قال ابن حبيب: وقول ابن القاسم، ومطرف أحب إلي. قال مطرف، وابن الماجشون،
في الرجل يخالف على الإمام، ويغلب على بعض الكور، ويولي قاضيا فيقضي، ثم
يظهر عليه، فأقضية قاضيه إن كان عدلا، فهي نافذة إلا خطأ، لا خلاف فيه،
قالا: وكل من قضى بالحق، فلا يحل فسخ قضائه. وقاله أصبغ. [8/ 94]
(8/94)
قال ابن الماجشون في معنى قول مالك: لا
ينقض قضاء القاضي بما اختلف فيه، فأما ما فيه سنة قائمة عن النبي عليه
السلام، فليفسخ الحكم فيه بخلافها، من ذلك أن يستسعى العبد بعتق بعضه،
فيقضي باستسعائه في عدم المعتق، فهذا ينقض، ويرد إليه ما أدى، ويبقى العبد
معتقا بعضه، إلا أن يرضى من له فيه الرق بإنقاذ عتقه والتمسك بما أخذ؛ لما
ثبت من السنة أن يعتق ما عتق.
ومن ذلك القضاء بالشفعة بالجوار أو بعد القسمة، فهذا يفسخ، ومنه الحكم
بشهادة النصراني؛ فإنه يفسخ؛ لقول الله سبحانه: "وأشهدوا ذوي عدل منكم".
ومن ذلك ميراث العمة والخالة، وتوريث المولى الأسفل، وشبه هذا من الشاذ مما
تواطأ على خلافه أهل بلد الرسول، وما كان غير هذا مما هو يتفق العلماء
وارتيا رأي واجتهاد، فليمض، وإن كان خلاف رأي أهل المدينة، وهذا فيما يأخذه
الحاكم من هذا، ويعطيه لهذا، فأما ما هو ترك لما فعل الفاعل، وإمساك أن
يحكم عليه بغيره، مثل ما جاء من الاختلاف في الطلاق قبل النكاح، والعتق قبل
الملك، ونكاح المحرم، والحكم بالقسامة، وطلاق الغيرة فيما قيل إنها واحدة
بائنة، فلو خيرها فاختارت نفسها، ثم تزوجها قبل زوج، فرفع إلى حاكم يراه
ذلك، فأقره، ولم يفرق بينهما، ثم رفع إلى من بعده، فهذا يفسخ نكاحها،
ويجعلها البتة، وليس إقراره الأول حكما منه وإن شهد على ذلك وكتب.
ومثل من حلف بطلاق امرأة: إن تزوجها، ثم نكحها، أو بعتق عبد إن ملكه، ثم
ملكه، أو نكح وهو محرم، فرفع إلى حاكم، فأقر الملك والنكاح، وأقام شاهدا
على قتل رجل، فرفع إلى من لا يرى القسامة، فلم يحكم بها، ثم رفع ذلك [8/
95]
(8/95)
كله إلى من يرى الحكم به، فليحكم، ولا
يمنعه ترك الأول لذلك؛ لأن تركه ليس بحكم، قال هو وابن المواز: وكذلك إن
أقام شاهدا عند من لا يرى الشاهد واليمين، فلم يحكم به، ثم يرفع إلى من
يراه، فليحكم به.
قال ابن الماجشون: ومن حكم في العمري بظاهر الحديث فيها، لم يرد حكمه، وأما
بربا فإنما يرى الحكم فيها بحديث القاسم. وقال لي مطرف مثل قول ابن
الماجشون من أول هذا القول، وقال: إنه قول مالك، قاله أصبغ.
قال ابن عبد الحكم: قال ابن القاسم في من طلق امرأته ألبتة، فرفع إلى من
يراها واحدة، فجعلها واحدة - يريد ولم يمنعه من نكاحها- فنكحها الذي أبتها
قبل زوج، أنه يفرق بينهما، وليس من الاختلاف الذي يقر إذا حكم به.
وقال ابن عبد الحكم: لا ينقض ذلك كائن ما كان، ما لم يكن خطأ محضا، وكذلك
من حكم بالشفعة للجار، ويثبت نكاح المحرم، وتوريث العمة، والمولى من أسفل،
والذي يحلف بطلاق امرأة إن نكحها، فما حكم به من هذا حكام، أمضيته.
قال ابن حبيب: ولا يعجبني انفراد ابن عبد الحكم بذلك عن أصحابه.
من المجموعة: قال ابن القاسم: من قتل غيلة، فرفع إلى قاض يرى فيه عفو ولاة
الدم، فأسلمه إليهم فعفوا عنه، ثم ولي غيره، أترى أن يقتله؟ قال: لا،
للاختلاف الذي فيه، وقال أشهب: أرى أن يقتله؛ لأنه لا اختلاف في قتل
المحارب؛ لأنه حد من حدود الله. وقال ابن الماجشون: يقتله؛ لأنه ليس قضاؤه
بأن لا يأخذ منه حقا عليه بإبطال له، ولأن الغيلة لا اختلاف فيها أنها لا
يعفى، وإن أخذت فيه دية، ردت إلى من أخرجها.
ومن كتاب ابن سحنون: وكتب شرحبيل إلى سحنون، في من أوصى لبني ابنه بمثل
نصيب أبيهم لو كان حيا حبسا عليهم. من رفع ذكره، فكتب إليه: إن [8/ 96]
(8/96)
ذلك بين الذكر والأنثى نصفين إن حمله
الثلث، أو أجازه الورثة في ضيق الثلث، وإلا نحمل الثلث بينهما نصفين- يريد
حبسا، قال: ولو رفع ذلك إلى قاض لا يرى الحبس، فحكم لهما بالثلث بتلا،
وأبطل الحبس، ثم رفع ذلك إلى من بعده، فلينظر؛ فإن كان ما حكم به الأول من
أقاويل أهل العلم، لم يعرض له، فأحب لمن أوصى له أن لا يملك ما في يديه/
إلا بمعنى الحبس.
ومن المجموعة: قال ابن القاسم، وأشهب: إذا قضى القاضي بقضية، ثم تبين له
أنه أخطأ فيها، فلينقض فيها قضاءه. ورواه ابن القاسم عن مالك، وذكره يحيى
ابن يحيى، عن ابن القاسم، قال أشهب: ويبتدئ النظر فيها، وإن كان قضاؤه فيها
على شبهة باجتهاد من رأيه.
قال مالك وأصحابه: فإن ولي غيره، لم ينقضها، إلا ما لا اختلاف فيه، أو خطأ
أو جور.
قال سحنون: إذا كان من اختلف فيه، فكان رأيه ذلك يومئذ، ثم رأى غير ذلك،
فليقض بما رآه في المستقبل ويمضي الأول، وإن كان إنما قضى بأمر ليس من
رأيه، وإنما وهل أو نسي، ورأيه على خلافه، فهذا يرجع فيه، وإن وافق اختلاف
الناس، وهذا بخلاف ما قضى به غيره على أنه رأيه، وهو مما يقضي به القضاة،
وليس هو رأيه هو، فإنه لا يعرض فيه، وقد قال عمر بن عبد العزيز: ما من طينة
أيسر علي فتا من طينة طبعها على باطل، وكلام سحنون من أوله، وفي كتاب ابنه،
وزاد: وإن عزل ثم رد، فإنه يغيره أيضا. يريد: إذا أخطأ مذهبه.
ومن كتاب ابن حبيب: وقال مطرف، وابن الماجشون مثل ما ذكرنا من قول ابن
القاسم وأشهب؛ قال ابن حبيب: قالا: فإن عزل ذلك القاضي، ثم ولي، فأراد نقض
قضاء قضى به في ولايته الأولى، لم يجز ذلك له إلا على ما يجوز له من نقض
قضاء غيره، كالجور البين، وخطأ لم يختلف فيه، أو إختلاف شاذ. وقاله أصبغ.
(8/97)
وقال ابن عبد الحكم/: قضاؤه وقضاء غيره
سواء، لا يرجع عن ما اختلف فيه، ولا إلى ما هو أحسن منه حتى يكون الأول خطأ
بينا.
قال ابن حبيب: ولا يأخذ بما انفرد به ابن عبد الحكم، وكذلك في العتبية من
رواية يحيى بن يحيى وأصبغ عن ابن القاسم، من أول المسألة، وقال: توليته بعد
عزله كقاضي غيره ولي.
ومن كتاب ابن المواز قال: ولا يتعرض قضاء قضى به من كان قبله، إلا قضاء فيه
شرط، مثل تبقية على حجته لغيته، أو لبعد بيته، وإلا فلا ينظر فيه، إلا ما
قضى هو فيه، فإن مالكا يرى أن لغيره إذا تبين له. وأخبرني أبو زيد، عن ابن
وهب، قال: يرجع القاضي في قضاء نفسه في الأموال، ولا يرجع في قضائه في
اثبات النكاح، ولا في فسخه.
قال ابن سحنون: وكتب شجرة إلى سحنون، وكان قد ولي قضاء بلده قبل ولاية
سحنون ثم عزل، ثم ولاه سحنون، فكتب إليه: ما ترى فيما أوقع الناس عندي من
البينات في الإمرة الأولى؟ وما كنت قد علقته يومئذ؟ فكتب عليه: طال الزمان
جدا، وأخاف حوالة البينات مما لم تخف من هذا، وصح عندك ما كنت علقت ولم
تسترب فيه أمرا، فأمضه.
قال ابن المواز: ولو أن قاضيا نقض حكم قاض قبله، ثم ولي ثالث، وعزل الثاني،
فإن كان الأول مما اختلف فيه، فللثالث نقض حكم الثاني وينفذ الأول؛ لأن
نقضه خطأ صراح، وإن كان مما لا يراه الثالث، فإن الثالث ينفذه، وإن كان
الأول خطأ لا يختلف فيه، فليمض الثالث حكم الثاني إن حكم الثاني بما فيه
اختلاف. / قال: ولو حجر القاضي على سفيه، فباع واشترى وأقر وأعتق ونكح،
فذلك كله مردود لا يلزمه، فلو جاء قاض آخر فأنفذ عليه كل ما صنع؛ فإن مثل
هذا ينقض حكمه إن ولي قاض آخر، وينفذ حجر الأول، ويرد ما صنع المحجور عليه.
[8/ 98]
(8/98)
قال محمد: وخالفنا في هذا أبو حنيفة،
واتبعنا عليه أصحابه، قال: ولو حكم قاض بشاهد ويمين في مال، ثم ولي بعده
قاض، فسخ حكم الأول، ثم ولي ثالث، فلينقض حكم الثاني، ويرده إلى حكم الأول،
وهذا عظيم أن يرد ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلي بن أبي
طالب.
قال ابن حبيب: قال مطرف، في القاضي يحكم لأحد الخصمين، ثم يشهد الآخر على
فسخ الحكم الأول، ويكتب بذلك كتابا، ولا يذكر أنه رجع عن الحكم الأول إلى
ما رآه أحسن، ولا فسر أمر فسخه له، قال: لا أرى هذا فسخا ينقض به الأول إذا
كان صوابا غير مختلف فيه حتى يلخص في الفسخ ما يستوجب به فسخ الأول، ويرجع
إلى ما هو أحسن منه، إلا أن يقول: تبين لي أن الشهود شهدوا بزور. فهذا يكفي
من التلخيص. وقاله ابن نافع.
وقال ابن الماجشون: إشهاده على الفسخ فيه يكفيه إذا كان مأمورا، ولو لم
يقل: إلا أني قد رجعت عن الحكم الأول، لكان رجوعا، ثم هما بعد ذلك جميعا
على رأس أمرهما، ولكن لو كان مع الرجوع والفسخ الحكم وقد قضيت للآخر، لم
يجز قضاؤه له هكذا، وكان باطلا، ومضى الفسخ، وكانا جميعا على رأس أمرهما،
وإنما اختلف القضاء والفسخ؛ لأنه لا يقضي/ حتى يضرب للمقضي عليه الآجال
والحجج، ويكشفه عن حجة يدفع بها، ولا يجوز أن يحكم وهو غائب عن هذا. وقال
أصبغ مثله وبه أقول، وإنما الذي لا يكون الفسخ فيه شيئا حتى يلخص ما رد به
القضية إذا كان فاسخه غير الذي حكم به، فهذا لا يكون إشهاده على فسخ حكم
غيره فسخا، حتى يلخص ويبين ما رد به، ولم يختلفوا في هذا.
قال مطرف في قاض قضي في شيء واحد لرجلين؛ لكل رجل بقضية فيه، فقاما بذلك
عند قاض غيره، قال: جائز، ذلك أولى به، إلا أن يكون جائزه هو الأول، وفي
قضية الآخر ما يفسخها، فيرد قضية الأول، وإن لم يجزه واحد منهما، ولم يعلم
أولهما، فأعد لهما بينة، فإن تكافأتا، وأرختا، فأولهما تأريخا، ألا أن يكون
في الثانية ما ينسخ به الأولى، فإن أرخت واحدة دون الأخرى، فذات التاريخ
أولى، [8/ 99]
(8/99)
فإن لم يؤرخا، وتكافأتا، وأشكل الأمر، فإن
رأى قطع القضيتين، واستئناف الخصوم أفضل فعل، وذلك إن كانتا مما فيه
اختلاف، وإن كانت واحدة خطأ، والأخرى ماضية. وقال ابن وهب مثله.
وروي عن مالك، وهو أيضا في العتبية من سماع ابن القاسم في قاض بالمدينة،
أتي بأقضية مختلفة تقادم شأنها، واختلف أمرها، فقطعها، وأمر الخصمين
بالاستئناف، فاعجب ذلك مالكا. وكذلك ينبغي إذا رفعت إليه أمور مشكلة
مختلطة، ولم يجدوا لها/ مخرجا، أن يفسخ، ويأمرهم بالابتداء. وقاله ابن
نافع، وقال أصبغ في مسألة مطرف: فإن كانت القضيتان من قاض واحد، وعرفت
الأولى، فالآخرة أولى، ويعد فسخا إذا كانت الآخرة صوابا أو مما اختلف فيه،
لا يبالي ما كانت الأولى، ولا من الجائز منهما، فإن كانت الآخرة خطأ،
والأولى صوابا، نفذت الأولى، وفسخت الآخرة، وإن كانتا جميعا صوابا، ولم
يكونا مؤرخين، فالحائز أولى، فإن لم يكن حائزا، فأعدلهما بينة، فإن تكافأتا
تحالفا، فإن حالفا أو نكلا، كانا مبتدئين للخصومة، وإن نكل أحدهما كانت
للحالف، وإن كانت واحدة مؤرخة، ولم تؤرخ الأخرى، وكلتاهما صواب، فذات
التاريخ، أو كان حائزا أولا، تكافأت البيتان أو لم تتكافئا، إلا أن تكون
ذات التاريخ خطأ بينا، والأخرى صوابا، فتكون أولى، وإن كانتا جميعا خطأ
فسختا وابتدأ الخصوم، وإن كانت القضيتان لقاضيين، مضت الأولى إن كانت
صوابا، أو مما اختلف فيه، مضت الآخرة، وفسخت الأولى، وإن كانتا جميعا
صوابا، فالجواب فيها كالجواب إذا كانت من قاض واحد. وبه قال ابن حبيب. [8/
100]
(8/100)
في القاضي يقضي
بالشيء فلا يحوزه المقضي له حتى يموت القاضي أو أحد الخصمين
وإقرار الخصم أنه قضى عليه
من العتبية، روى عيسى، عن ابن القاسم، وهو في المجموعة،/ في القاضي يقضي
للرجل بالشيء، فلا يحوزه المقضي له حتى يموت القاضي أو يعزل، هل تأتنف
الخصومة فيه؟ قال: يمضي قضاءه الأول ولا يغير، إلا أن يكون جورا بينا، وهذا
ما لا اختلاف فيه. وقال عنه يحيى بن يحيى مثله، وقال: وسواء تأخرت حيازته
لعذر له أو لغير عذر، ولو مات المقضي له قبل أن يحوز، فورثته بمنزلته،
وكذلك لو مات المقضي عليه، فليس في موت أحدهما، ولا موت القاضي ولا عزله،
قطع لحق المقضي له، إلا الترك الطويل الذي مثله يستحق بالتقادم. قلت: وكم
طول ذلك؟ قال: قدر ما يخشى أن يكون من يعرف ذلك الحق قد هلك، أو نسي لطول
زمانه.
قال: ولو قضى له بنصف قرية أو بجزء من أجزائها، إلا أنه مفرز، ثم يموت أو
يعزل قبل الحيازة، وإنما قضى له بجزء مفرز كان ينسب إلى رجل فاشتراه منه،
فلما طلب الحوز، لم يجد بينة تحوز له ذلك الجزء بعينه، وأهل تلك القرية
ينكرون أن يكون له في تلك القرية حق، فتقوم له بينة أن ذلك الجزء كان لفلان
حتى باعه من هذا، فيريد أن يقسام أهل القرية كلهم إذا لم يجد من يحد جزءه
ذلك، وقد ثبت له بالقضاء أو بالشراء، فقال: نعم، له أن يقاسمهم، فيكون
شريكا في جميع القرية بجزئه.
قلت: فأهل القرية بيد كل واحد حق له معروف، فإذا أمرهم بمقاسمته، وحقه
السدس، يأخذ من كل واحد سدس/ ما في يديه، أم يخلط الأرض، فيقسم لهذا [8/
101]
(8/101)
سدسه، فليأخذه، فيكون ما وقع له حظوظ رجال
لهما، وبقي ما للآخرين؟ فلم يجب في هذا بشيء، ولم يفسر وجه ما يقسم له
وقال: إنها في رواية يحيى بن يحيى، إذا تجاهل أهل القرية ذلك، وأخفوا حوزه،
وانظر؛ فإن كان بعضهم ورثة الميت، والمقضي عليه، وذلك النصف من المنزل، وفي
أيديهم بالميراث عنه نصف المنزل فأكثر، أعطي المقضي له نصف جميع المنزل مما
في يدي ورثة المقضي عليه، وإن كانوا أجنبيين، قضي له بنصف ما بيد كل واحد
منهم، ولا يجمع له النصف في إحدى ناحيتي المنزل؛ لو جمعنا له بالنصف
لاستوعب ما في يدي بعضهم، ويعسر رجوع بعضهم على بعض، فأعدل ذلك أن يأخذ نصف
ما بيد كل واحد حتى يرفعوه على نصفه بإقرار منهم، وإظهار لحوزه.
قال: وإن لم تقم له بينة أن نضف ذلك المنزل كان في يدي المقضي عليه، ولا
معروفا له يوم حكم له عليه، فلا شيء له في المنزل؛ لأنه إنما قضي له حينئذ
على رجل بحق لا يملكه، وليس بشريك لأهل المنزل فيه، ولو جاز مثل هذا عند
القضاة، لم يشأ رجل أن يصنع لنفسه خصما، فيقضي له عليه إلا بما ليس في يديه
من أموال الناس ورباعهم، إلا فعل، فلا أرى أن يلزم أهل القرية المقاسمة حتى
يثبت أن ذلك الحق المقضي به في يدي الخصم يوم قضي عليه.
ومن العتبية، من سماع أشهب، عن مالك، في فريقين اختصموا/ فقضي على أحدهما،
فخرجوا يقولون: قد قضي علينا بكذا، ثم احتيج إلى اثبات قضاء ذلك القاضي
بذلك، فلم يجدوا من يشهد على علم ذلك إلا على إقرار المقضي عليهم بالقضاء،
فيأبى الشهود أن يشهدوا، قال: هي أمانة، قال: بل يشهدون بالأمر على وجهه؛
يقولون: سمعناهم يذكرون ذلك، فلا ندري أكان ذلك أم لا؟ وإني لأراها ضعيفة،
وربما قال الرجل: قضي علي ولم يقض عليه.
ومن كتاب ابن حبيب: قال مطرف، وابن الماجشون: إذا قضي للرجل على الرجل
بربع، أو دار، أو غير ذلك، فلم يخرجه المقضي له من يد المقضي عليه [8/ 102]
(8/102)
حتى طال زمانه، وحازه عليه بعد أن قضي له
به، قال: فلا نرى القضية هاهنا إلا بمنزلة الذكر حق المكتوب للرجل على
الرجل يتقاضاه منه إذا أحب. قلت: فلا ينتفع بحوزه عليهم كما ينتفع الحائز
على الرجل منزله الذي اشتراه أو ورثه؟ قال: لا يكون بمنزلته؛ لأن القضاء قد
نطق بأن لا حجة له فيه ولا حق، فكان كمن أعار رجلا حقا، وكتب عليه بعاريته
كتابا، فتقادم ذلك، فلا ينتفع هذا بحيازته؛ لأنه عرف أصل حيازته له، وإنما
ينتفع بالحيازة من لا يعرف أصل مدخله فيه، فيدعيه ملكا، فيكون له، وأما ما
عرف أصل دخوله فيه أنه على غير حق، فهو على مثله أبدا حتى يأتي بأمر
يتحققه؛ من شراء، أو صدقة، أو هبة، وشبه ذلك، إلا أن يطول زمان ذلك جدا
بالخمسين سنة ونحوها، والزمان/ الذي لا تبقى الحدود معه، أو يكون المقضي
عليه قد أحدث فيه أو في بعضه بنيانا، أو غراسا، أو بيعا، أو صدقة، أو
إصداقا، والمقضي له قائم لا يغير ولا يدعي شيئا، ثم قام بعد ذلك، فلا حق له
فيما أحدث فيه مثل هذا، ويرى حقه ثابتا فيما سوى ذلك. قال: فإن مات المقضي
عليه، فأورث ذلك لورثته، ثم قام المقضي له: قال مطرف: فلا يسأل ورثته عن
شيء؛ لأنهم ليسوا الذي عليه، ألا أن يكون المقضي له غائبا حتى مات المقضي
عليه. وقال ابن الماجشون: هم والميت في ذلك سواء، والمقضي له أولا حاضرا
كان أو غائبا، إلا أن يطول زمانه بأيدي الورثة، والمقضي له حاضر، فلما قام
عليهم، ادعوه ملكا لهم بوجه حق غير الوراثة، ويحتجون بحيازتهم إياه بمحضره،
ولا يقرون أنه صار إليهم بميراث من المقضي عليه، فيكونوا أحق به بالحيازة؛
لأنهم غير الذي قضي عليه، إلا أن يقروا أنه إنما صار إليهم عن المقضي عليه،
أو تقوم عليهم بذلك بينة، فيكون على أصل القضية أبدا، ما لم يحدثوا في ذلك
أو اقتساما بمحضر المقضي له، أو بيعا، أو صدقة، أو إصداقا، ثم قام بعد ذلك،
فلا حق له فيما أحدث فيه هذا الأشياء، ويرى حقه ثابتا فيما سوى ذلك من
الشيء المقضي به. وقال أصبغ مثل قولهما فيه كله. ومثل [8/ 103]
(8/103)
قول ابن الماجشون في آخره. وبه أقول، وقد
يكرر بعض هذا الباب في كتاب الأقضية.
في القاضي يقر أنه حكم بجور أو أخطأ في حكمه/ أو حكم بمن لا تجوز شهادته
من المجموعة قال ابن القاسم: قال مالك: ما تعمده الإمام من جور في قطع
جارحة ونحوه، أقيد منه فيه.
قال ابن القاسم: وإن أمر بقتل رجل ظلما قبل الآمر والمأمور. قال أشهب: وما
لم يتعمد وكان على الخطأ، فعلى عاقلته.
قال ابن الماجشون: إن أقر وهو عامل بعد: أنه حكم بجور، فله أن يرجع فيما لم
يفت، وأما ما فات، فلا شيء عليه، ألا أن يقر بما فيه دية، فيكون ملتزما
نفسه حق امرء، فيعطيه إياه، وإن رجع بعد عزله، فهو مقر بما إن كان عمد
شيئا، لزمه. وقال سحنون: ما أقر من تعمد الجور فيه، أو قامت بينة به وفيه
القصاص، فليقتص منه. وكذلك حكى عنه ابنه، قالا عنه: وما أقر به من الخطأ
ففي ماله، ولا تحمل العاقلة إقرارا، وقد قيل: لا شيء عليه. قال عنه ابن
عبدوس: وأما الجلد، فليس فيه شيء، إلا أن يقر بالعمد، فيؤدب.
قال ابو محمد: ولو أخطأ في جلد رجل في قذف أو زنى، فلا شيء عليه. قال عنه:
وإن قضى بجور في مال، فاستهلكه من قضي له وقد أعدم، فذلك على القاضي في
ماله، وإن كان غلط، لم يلزمه شيء.
قال ابن حبيب عن أصبغ: إذا أقر عند الإمام بجور في حكم، فالحكم ماض، ويغرم
للمحكوم عليه ما استهلك، كاقرار الشاهد بعد الحكم بالزور، [8/ 104]
(8/104)
ويعاقب القاضي فيما أقر به من جور، وأثبت
ببينة، ويعزل ويشهر، ولا يولى القضاء أبدا، ولا تقبل شهادته، وإن أحدث توبة
كشاهد الزور، /وهو أقبح منه، وأما شاهد الزور يقر بذلك على التوبة؛ فإن كان
قبل الحكم، لم يعاقب، وإن كان بعده، عوقب، وإن ثبتت بالبينة قبل الحكم أو
بعده، عوقب وافضح، وليكتب الإمام هذا في كتاب فيه وفيه القاضي الجائر،
وليشهد عليه لئلا يندرس، فيقبل شهادته.
قال أصبغ: فإن تابا من ذلك، ليسترا أو ليغرما ما استهلك للمحكوم عليه
بينهما وبينه، ويتقربا بخير ما قدرا، فإن لم يقبل منهما ذلك حتى يستهلا به،
فلا توبة لهما، إلا أن يبرئا منه إليه وإن استهلا به.
وإذا أخطأ في أدب رجل، فجار فيه، أو ضرب من لا ضرب عليه، ولم يتعمد بذلك
ظلما، فحسن أن يقيد من نفسه ائتساء برسول الله صلى الله عليه وسلم،
والخلفاء؛ فقد أقادوا من أنفسهم، وليس هذا له بلازم ما لم يتعمد ظلما أو
تعديا بينا وإحنة وضغنا، واستشفاء بغضب استفرطه، فليقد منه؛ كان قتلا أو
ضربا، أو قطعا منه ومن المأمور، إذا لم يخف على المأمور ظلمه في ذلك.
قال ابن سحنون، عن أبيه: إذا أخطأ وقتل في قصاص، أو رجم في زنى، فهو على
عاقلته. قاله ابن القاسم، وكذلك في قطع اليد فيما لا يقطع فيه، فدية ذلك
على العاقلة، وكذلك خطؤه في قصاص الجراح، أو في حكم بمال بإجازة شاهد، عبد،
أو ذمي، فليأمره برد ذلك على المقضي عليه، إلا أن يبقى لأحد منهم شاهد عدل،
فيحلف معه ويتم له ما أخذ من قصاص أو مال، فإن نكل، حلف المقضي عليه، وأخذ
ماله ودية جراحه. [8/ 105]
(8/105)
ومن المجموعة: قال ابن كنانة/: وإن قضى
لرجل بزوجة، ثم تبين له أنها ليست بزوجة له، بأمر بين وشهادة قاطعة، فليفرق
بينهما، ولهما مهرها بما أصاب منها.
قال ابن القاسم: ما أخطأ به من حدود الله، حملت عاقلته الثلث فصاعدا، وما
كان دون ذلك ففي ماله. وقاله ابن الماجشون. وقال أشهب: وما لزم عاقلته من
ذلك ودى معهم كرجل منهم، وأما ما أخطأ به من إجازة شاهد من لا تجوز شهادته،
فهو هدر.
قال ابن القاسم: إن بقي له شاهد عدل، حلف معه المحكوم له، وترك، وإن نكل،
حلف الآخر ورد إليه المال. وكذلك قال أشهب، وعبد الملك: إن وجد أحدهم عبدا،
وعلى غير الإسلام، قال ابن القاسم: وإن كان قد قطع يدا، ثم ظهر أن أحد
الشاهدين عبد، أو من لا تجوز شهادته، فلا شيء على المقتص له، وهذا من خطأ
الإمام. وقال ابن الماجشون: إن كان أحدهما عبدا، أو كافرا، أو مولى عليه،
فالعقل على الإمام دون من تجوز شهادته، وقال سحنون: عقل اليد على المحكوم
له، إلا أن يحلف مع الآخر.
قال ابن القاسم: وإذا رجم الإمام، ثم ظهر أن أحد الشهود عبد، فإن علم
الباقون: فالدية عليهم، وإن لم يعلموا، فهوعلى عاقلة الإمام، ولا شيء على
العبد في الوجهين، وقال ابن الماجشون: وإن علم الشهود، فهو من خطإ الإمام،
لا شيء عليهم حتى يقروا أنهم شهدوا بزور. قال: ويحدون أجمعون، ولو وجد
المرجوم مجبوبا، فلا أدب على الشهود إلا أن يقروا بتعمد الزور، فعليهم ما
على من رجع عن/ شهادته، بالشك؛ الحد دون الغرم، وقال ابن القاسم: لا يحدوا،
وعليهم العقل في أموالهم مع وجيع الأدب والسجن الطويل. وقال أشهب: وإن
قالوا: إنما رأيناه يزني قبل جبابه. فذلك ماض، ولا شيء عليهم من حد أو
غيره، وإن قالوا: بعد جبابه. فلا حد عليهم، إذ ليس معه آلة الزنى. [8/ 106]
(8/106)
في القاضي يقول حكمت لفلان أو شهد عندي
شهود بكذا هل يقبل؟ وكيف إن قامت بينة بذلك وهو لا يعرف؟ وتسجيله للقضية
وإنفاذه لها وفيما يجده في ديوانه أو ديوان من عزل قبله من إقرار أو شهادة
وإيداع مال وفي نظره مال ميت ورثته في بلد آخر
من المجموعة: قال ابن وهب، عن مالك، في الرجل يأتي بكتابه إلى القاضي،
وعليه طابعه، وفيه شهود قد ماتوا، وعلامة القاضي على أسمائهم، فلا ينفع
طابعه، ولا علامته، وإن عرف خاتمة أو خاتم من كان قبله حتى تشهد بذلك بينة.
قال ابن القاسم، وابن وهب: ولا تجوز شهادته على قضاء كان قضى به، ولا يقبل
قول القاضي قبله أن قال: كنت قضيت على فلان بكذا. فلا يجوز في ذلك شهادة
رجل واحد مع ذلك القاضي، حتى يشهد رجلان سواه، وإن شهد رجلان أنه قضى بكذا،
وأنكر ذلك القاضي، فذلك نافذ.
وفي باب سيرة القاضي في الشهود، ذكر الكتاب في شهادة بينة أو غير ذلك. يكون
عند الخصم، وعلامة/ القاضي وطابعه.
قال ابن القاسم: ولا يجوز القاضي ما في ديوان المعزول من شهادة البينات حتى
تقوم لذلك بينة، ولا يقبل قوله، وإن طلب المشهود له يمين المشهود عليه أن
هذه الشهادة التي في ديوانه لم يشهد بها عليه الشهود، فذلك له، فإن نكل،
حلف الطالب، وثبت له أن شهوده شهدوا بذلك، ثم ينظر القاضي في ذلك.
ومن كتاب ابن سحنون: قال سحنون: وما وجد في ديوان المعزول أو الميت من
شهادة، أو فصل، أو إقرار، أو قضاء، فهو باطل، إلا أن تقوم بينة أن ذلك
القاضي قضى به في قضاء، فإن طلب الذي وجد له هذا يمين صاحبه: أن هذا لم
يثبت عندك كما هو في ديوان المعزول، أو الميت، فذلك له، وإن حلف سقط عنه
[8/ 107]
(8/107)
ذلك وإن نكل، حلف المدعي، ويثبت ذلك له،
كما هو في دويان القاضي، وإذا قال المعزول: كنت قضيت لفلان على فلان بقصاص،
أو مال، أو طلاق، أو عتاق، أو غيره. ولم يكن بعد ذلك، ولا أشهد عليه في
قضائه، فإنه لا يصدق في ذلك، وإن شهد معه رجل، حتى يشهد إثنان سواه؛ لأنه
يشهد على فعل نفسه، وكذلك قسام القاضي على قسمهم.
قال ابن القاسم في المجوعة، في القاضي يقول لرجل: قضيت عليك بكذا بشهادة
عدول: فأنكره الرجل، وقال: ما شهدوا علي. وسئل الشهود، فأنكروا فقال
القاضي: قد نزعوا. قال: يرفع ذلك إلى سلطان غيره، فإن كان القاضي ممن يعرف
بالعدل، لم ينكر قضاؤه أنكر الشهود/ أو ماتوا، وإن لم يعرف بالعدل، لم ينفذ
ذلك، وابتدأ السلطان النظر في ذلك. وقاله سحنون. وقال سحنون: لا يرجع على
الشهود بشيء.
ومن كتاب ابن سحنون، عن أبيه: ولو أن قاضيا أشهد على كتب في يديه، أنه قد
قامت بها عنده بينة زكية، ثم مات القاضي، والكتب في يديه، فإن هذا لا ينفذه
من بعده، لأن البينة لم تشهد أن الأول أنفذ القضاء بها، وهو ما لم ينفذه
القضاة وقد يحدث له أمر.
قال ابن حبيب: قال أصبغ: إذا قضى بقضية ذكر فيها بعد الاستنفاذ لحجج الخصم
وضرب الآجال له، فينكر المقضي عليه أن يكون خاصم إليه، أو سمع له حجة، قال:
القضاء نافذ، وقول القاضي فيما وضع في القضية، وما أشهد به مقبول فيما قل
أو كثر، وإنما لا يلزمه بقول القاضي أن يشهد على إشهاده أنه أودع فلانا مال
يتيم، وشبه ذلك، فلا يلزم المودع إلا بإقراره عند إشهاده القاضي به، فأما
ما كان على وجه الحكومة والخصومة، فقول القاضي مقبول إن كان مال صونا. [8/
108]
(8/108)
ومن المجموعة: قال أشهب: إذا أبرأ القاضي
رجلا من شيء، وأشهد به على آخر، لزمه ذلك، وبرئ به الآخر.
قال سحنون فيه وفي كتاب ابنه: إذا أمر بقتل، أو قطع، أو فقئ عين قصاصا لآخر
حاضر يدعي ذلك، فالقاضي مصدق، ولو أخذ مالا من رجل، فدفعه إلى آخر، أو فرق
بين زوجين، أو أعتق عبد رجل، أو أمر بحد يقام على رجل، وقضى بذلك، فذلك كله
نافذ؛ إذا كان أهلا للقضاء، وإن كان في جميع ما حكم به/ من ذلك أنه أقر
عندي، أو رأيته، فقضيت بذلك عليه، والمقضي عليه يجحد، لم يلزم المقضي عليه،
وكان شاهدا.
قال ابن المواز: يجب على القاضي أن يشهد للمقضي له أنه قد قضى له، فيلزم
ذلك المقضي عليه، وذلك بعد استنفاذ حجته.
قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون ينبغي إذا يجل بحكمه سجلا، أن يسمى
فيه الشهود، ولا يضره إن ترك تسميتهم إن كان مأمونا، وتسميتهم أحب إلينا،
ولابد من تسمية من قضى له، ومن قضى عليه فإن كان معروفين اجتزأ بالتسمية،
وإن كان مجهولين، زاد التحلية والصفة، وذكر أسماءهما ومتجرهما ومسكنهما.
ومن المجموعة: ويكتب في حكمه: وسألت فلانا البينة على ما يدعي، فأتاني بها،
فقبلت عليهم، وأجزت شهادتهم، وهم فلان وفلان. وإن لم يسمهم، لم يضر المقضي
له.
وقال ابن حبيب: قال أصبغ: يسمى الشهود، وينسبهم، فإن سجله ولم يسمهم، فأحب
إلي أن يبيده حتى يسميهم فيه، وإن لم يفعل حتى مات أو عزل، فذلك نافذ، إلا
أن يكون حكما على غائبا، فقال حين قدم، وأخبر [8/ 109]
(8/109)
بالقضية عليه: لو علمت البينة جرحتهم. فإذا
قال هذا، فليرد عنه القضية، ويؤمر بابتداء الخصوم، وإعادة البينة. وأما
الحاضر للحكم عليه، فإذا عرف من يشهد عليه، فلا حجة له بترك تسميتهم في
الحكم.
ومن المجموعة، وكتاب ابن سحنون: وإذا كتب: إني قضيت لفلان على فلان بكذا
فقط. قبل منه /، ويدل على أنه لم يترك من الاستقصاء شيئا إلا أتى عليه.
وقاله أشهب، إذا كان ممن لا يتهم، قال سحنون: ولأنه إذا سجل قضيته، لم ينظر
فيها من بعده، ويحمل على أنه قد استقضي، ولو أنه قضى وفسر كيف، فربما كان
في تفسيره ما يبين خطأه، أو ما يرى من بعده رده، ولو عزل، فأتبعه المقضي
عليه بما قال قضيت له عليه، وسجله، فالقول قوله، ولا يتكلف البينة إذا كتب
في قضائه: إني قضيت على فلان، ولم أقطع له إلا وهو حاضر قد دفع عن نفسه بما
قدر عليه، فقد أخطأ، وليسأله عن حجته ومنافعه، ويضرب له أجلا بعد اجل حتى
يستقضي له، ثم يقضي عليه بتلك البينة، ولم ينفذها ثانية.
قال سحنون: ولا ينبغي له أن يجعل رجلا يختصم الناس عنده، ويقع عنده البينة،
ثم إذا صحت رفعها إلى القاضي فيحكم بذلك، ولا يفعل هذا، ولا يحكم إلا بمن
يشهد عنده، أو يشهد عنده على شهادتهم. قال أشهب: ولا ينبغي أن يجيز بين
الناس شهادة وجدها في ديوانه لا يعرفها إلا بطوابعها، ولكن إن كانت بخطه،
أو بخط كاتبه، وكاتبه عنده مأمون، ولم يستنكر منها شيئا، فلينفذها. وكذلك
ذكر ابن حبيب، عن مطرف، وابن الماجشون بنفاذها إذا وجدها في ديوان وخاتمه
عليها، أو خطه، وإلا أضر ذلك بالناس، ونحو ذلك في كتاب ابنه. [8/ 110]
(8/110)
قال في كتاب ابن المواز: وما وجد في قمطره
من شهادة، أو قضية، ولا يذكره؛ فإن كا بخطه، أو خط كاتبه، وعرف خاتمه/،
وعرف الرجل نفسه وصنعته، لا يشك في ذلك، وهي من قبله، ليس من قاض غيره،
فلينفذها. قال محمد: وكتاب، لا يعرفه متى كان، ولا كاتبه، ولا متى كتبه،
فليحتط فيه ما لم يطل أمره بما يتشابه بمثله، إلا أن يثق بسلته وطابعه حتى
يأمن أن يدس بدله فيها، فيجزه، وما كان شأن قاض يخبره، فلا يجوزه إلا ببينة
عدل.
قال سحنون في المجموعة، وفي كتاب ابنه: وإذا قال: أودعت فلانا مال يتيم،
فجحد فلان. فهو ضامن، كالوصي يدفع مال اليتيم إلى من تيجر به بغير بعد
العزل أنه أودعه، ولا يقبل قوله على فعل نفسه، ولا يقبل قوله فيما باع، ولا
يلزم البيع من زعم أنه باعه.
قال: وإن وصلت السلعة إلى المشتري، وجحد ذلك المشتري، ولا بينة عليه، فقد
ضيع، ولا آمر أن يضمن ذلك القاضي.
قال ابن حبيب: قال أصبغ: وإذا وجد في ديوانه بعد موته أو عزله، أن عند فلان
بن فلان من الأموال التي عندنا، أو قال: من مال فلان اليتيم كذا، وأنكر
الأمين، فإنه يحلف، ويبرأ، ويضمنه القاضي، حيا كان أو ميتا، وإذا بعث قاض
إلى قاض بمال، فعلى الرسول أن يشهد بإيصاله، وإلا ضمن إن جحد القاضي
المبعوث إليه قبضها، أو مات أو عزل، فلم يعرف للمال موقع، إلا أن يوجد في
ديوانه الميت ذكرها: أنا قد قبضنا من/ فلان مما يغيب به فلان القاضي كذا
وكذا من تركة فلان. فيبرأ الرسول، وإن لم يوجد المال، ولا عرف موقعه، فلان
يضمنه القاضي، ميتا كان أو حيا، إذا قال: إن كان حيا قد ضاع: أو تجاهل
موضعه. [8/ 111]
(8/111)
قال أصبغ: قال: وإذا رفع إليه أن رجلا
غريبا مات ببلده، وترك مالا، وله ورثة ببلد ذكره، فلينظر؛ فإن كان بلدا
بعيدا جدا، بعث بذلك المال مع ثقة إلى قاضي ذلك البلد، وكتب إليه بقبضه،
وإن لم يكن نائيا جدا، حبسه عنده، وكتب إليه: أن فلانا – بنسبه ونعته ومات
وترك كذا، وذكر أن ورثته ببلدك، فيعلمهم حينئذ المكتوب إليه، وإن جهلهم،
سأل عنهم، ثم يكلفهم البينة على أنهم ورثته، فإذا ثبت ذلك، كتب بذلك القاضي
إلى القاضي الذي المال عنده، وبعثوا من يقبضه، قال: وإن جهل، فبعث بالمال
إليه، فضاع، لم يضمنه الباعث، بخلاف الوصي يبعث بالمال إلى أهله، فيضيع.
قال ابن حبيب: أخبرني أصبغ، عن ابن وهب، عن مالك، في القاضي يقضي بقضاء، ثم
ينكره، فيشهد به عليه شاهدان، فلينفذ ذلك، وإن أنكره الذي قضى به، معزولا
كان أو لم يعزل.
ومن كتاب ابن سحنون: وإذا باع القاضي، أو اشترى، فلا يصدق على خصمه، وليس
هذا على وجه الحكم، وهو على وجه التجار، فهو خصم، ويكلف البينة، ويحلف فيما
يدعي عليه.
في كتب القضاة إلى القضاة فيما يستحق/ قبل كتاب القاضي وحكم به، وهذا قياس
قول أصحابنا
قال ابن المواز: وإذا كتب قاض إلى قاض في رجل اعترف عبد له أنه ابن منه، أو
سرق وهو بيد رجل ببلدك، أو في حبسك، وأنه أقام طالبه عند شاهدين بصفته
واسمه، فذلك محكوم به، وبعد أن يحلف المستحق: ما باعه، ولا وهبه، ولا تصدق
به، ولا خرج من ملكه إلى اليوم. وكذلك قال ابن القاسم، وأشهب، في المجموعة.
[8/ 112]
(8/112)
قال أشهب: وإذا جاء رجل بكتاب قاض إلى قاض
ببينة زكية شهدت عنده: أن فلانا صاحب كتابي هذا إليك، أبق منه عبد، فحلاه
ووصفه في الكتاب، وعند المكتوب إليه عبد محبوس بهذه الصفة، فليقبل القاضي
شهادة الشهود الذين فيه على هذه الصفة، ويدفع إليه العبد، وأرى للقاضي
الأول أن يقبل منه البينة على الصفة، ويكتب بذلك إلى قاض آخر؛ لأن هذا لا
يوجد فيه من العلم إلا هذا، كما يأخذ الرجل كتابا من قاض إلى القاضي في
غريمه باسمه وحليته، فيوجد ذلك الرجل على ذلك الاسم والنسب وعشيرته، وما
حلي به، فيقضي عليه.
قال ابن حبيب: قال أصبغ، في القاضي يثبت عند الرجل حقا على رجل غائب، أو
على صفة عبد له أبق، ولا يدري أفي الإباق هو، فيسأله الكتاب إلى أي قاض
احتاج رفع ذلك إليه، فإن عليه أن يكتب له بذلك: هذا كتاب من القاضي فلان بن
فلان إلى من ورد إليه كتابي هذا من/ الحكام. فيذكر فيه ما ثبت عنده للرجل،
ويجب على من دفع إليه الكتاب من الحكام، فأثبت عنده بشاهدين، أن ينظر فيه،
وينفذ ما فيه إذا ثبت عنده أنه كتاب ذلك القاضي.
ومن العتبية قال عبد الملك بن الحسن، عن ابن وهب، في الرجل يابق له عبد،
فيقع ببلد على ثلاثة أيام، فيقيم سيده بينةعند قاضي بلده، أنهم يعرفون له
عبدا؛ اسمه فلان، من صفته كذا، وجنسه كذا، وحليته كذا، يعرفونه في حيازته
حتى ذكر إباقه، قال: يحلف مع ذلك: أنه ما خرج من يديه بوجه من وجوه الملك،
ثم يكتب له إلى قاضي ذلك البلد الذي قال: إنه بها وشهد له على الكتاب، وأنه
أنفذ له الحكم فيه، فإذا أتى الكتاب إلى قاضي البلد الآخر، نظر؛ فإن لم يكن
بذلك البلد من هو بتلك الصفة والجنس والحلية غيره، أمكنه منه، ودفعه إليه،
وإن كان العبد عند رجل يدعيه، وآخر يدعي الحرية، فلينظر له القاضي المكتوب
إليه الذي هو في بلده في حجته، ويسمع من بينته، ولا يلجئه إلى [8/ 113]
(8/113)
غيره، ولا يشخصه معه إن كانت له بينة
حاضرة، وإن صحت له بينة بحريته، أعتقه، وأبطل كتاب المستحق، وإن لم يثبت له
ذلك، دفعه إليه إن لم يكن في البلد بتلك الحال والصفة التي كتب بها أحد
غيره، فإن كان بها غيره، بتلك الصفة، لم يستحق شيئا حتى يقيم بينة على
عينه، وكذلك فيما يكتب به من حكم يحق على / رجل يحلي، ويوصف، ويسمى وينسب،
فلا يكون بذلك البلد من يوافق ذلك. قال أشهب: وأرى في العبد أن يكون
للمستحق، إلا أن يكون في ذلك البلد عبد يسمى باسمه، وصفته بمثل صفته، فلا
يكون ذلك له، ويدعي العبد أن من استحقه قد أعتقه، ويقيم على ذلك بينة،
فعتق.
قال ابن سحنون، عن أبيه: وإن ادعى رجل وامرأة ابنا وهو معروف النسب، وهو
ببلد آخر عند فلان سرقه فأما ما فيه بينة فذلك لهما، ويأخذا بذلك كتابا إلى
قاضي ذلك البلد، مثل القول في العبد إذا شهد الشهود على الحلية والاسم
والصفة، فيقبل الكتاب في ذلك، قال: ويكتب القاضي في الأحرار الصغار للأب
والأم، والجد والجدة، والأخ والأخت، وكل ذي رحم أو أجنبي احتسب في ذلك،
وهذا يقبل ممن احتسب في ذلك الحر، حاضرا أو غائبا، وقال بعض الناس: لا يكتب
في الأحرار إلا للأب أو الأم، أو الزوج يدعي المرأة، وكذلك يكتب للولد في
الوالدين. قال سحنون: وهذا خطأ.
ومن المجموعة: قال ابن القاسم، وأشهب، وعبد الملك: إذا كتب قاض إلى قاضي
بشهادة بينة عدلوا عنده على فلان بحد، أو حق، أو قصاص، أو غيره، فليقبل
المكتوب إليه تلك البينة، وينفذ عليه تلك الأشياء؛ من حد أو غيره. قال ابن
القاسم: وقاله مالك، ولم يفسر لنا حدا، ولا قصاصا وكله عندنا سواء. [8/
114]
(8/114)
قال ابن القاسم: قال مالك في الأمتعة/ التي
تسرق بمكة، فاعترفها رجل ووصفها، فإن الإمام يستأني بها، فإن جاء طالبها،
وإلا دفعها إليه.
قال ابن القاسم في المدونة: إنه يزكي الشاهد عند القاضي وهو غائب.
قال سحنون، في الرجل يعدل أو يجرح، وهو غائب: لا يكون هذا إلا في الرجل
المشهور، وأما غير المشهور، فلا أدري كيف ذلك. قال أبو محمد: يعني سحنون
–والله أعلم- في الغائب عن مجلس القاضي، وهو بالبلد، أو بموضع، قريب من
البلد، فأما إذا كان بعيد الغيبة، فلا بأس أن يزكي وهو غائب، كما يقضي عليه
وهو غائب، كما قال سحنون في أول الباب: أنه لا يعلم خلافا أنه يسمع البينة
على الغائب، ويقضي عليه إذا شهد ووصف. وقال ابن سحنون: غيبته، وإن لم يكن
مشهورا لم يقبل التزكية إلا بمحضره، ويكتب في أسفل شهادته، فهذا يدل على أن
معنى قول سحنون، إذا كان غائبا عن مجلسه في البلد، وأما البعيد الغيبة، فهو
كما يحكم عليه، وذلك ضرورة تؤدي إلى قبول ذلك في غيبته البعيدة في الحكم
عليه، والتزكية له كما قال أصحابنا، لا يسمع البينة إلا بمحضر المشهود عليه
الرجل المشهور، وإنما يعنون: لا تسمع البينة على الغائب، يعنون: الغائب عن
مجلس القاضي، وهو في البيت، وأما الغائب الذي في إحضاره ضرر، فلم يختلفوا
أنه يسمع عليه البينة/، ويقضي عليه فكما يسمع عليه في هذه الغيبة، كذلك
تزكي في هذه الغيبة.
قال سحنون في المجموعة: وكذلك الرجل يكتب فيه الحكم إلى حاكم آخر: أنه قد
استحق قبله حق، أو استحق العبد وهو غائب، فيكتب بصفته ونعته، فأجازه ابن
القاسم، وأباه غيره –يعني ابن كنانة- وإذا جاء كتاب قاض إلى قاض، بأن لفلان
على فلان كذا، لم يجز ذلك، وإن نسبه إلى أبيه وقبيله، إلا المشهور المعروف
أشهر من القبيلة، فيقبل ذلك إذا نسبه إلى تلك الشهرة. [8/ 115]
(8/115)
وقال أشهب: وذلك مثله، ابن حبيب، عن مطرف،
وابن الماجشون، إذا نكر اسمه، ونسبه مع ذلك إلى عمل يعرف به مع ذكر سكنه:
قال ابن حبيب: ومتجره ثم لم يكن في ذلك الموضع من يسمى بذلك، وينسب إلى ذلك
النسب وذلك النعت، قال في كتاب ابن حبيب: ويسكن بذلك المسكن، ويتجر بذلك
المتجر، إلا هو، فإنه يحكم عليه لصاحب الحق بما في كتابه.
قال مطرف، وابن الماجشون: وإذا كان في ذلك الموضع رجل يوافقه في ذلك كله؛
من اسم، ونسب، ومتجر، وغيره، فلا يحكم له حتى تأتي بينة تعرف المحكوم عليه
بعينه، وإن كان بالبلد رجلان بهذا النعت، وقد مات أحدهما، لم يحكم على الحي
حتى يعينه البينة، إلا أن يطول زمن الميت، ويعلم أنه ليس الذي أريد
بالشهادة عليه، فحينئذ يلزم ذلك الحي، وإن كانا حيين، وقد قصرت الصفة على
أحدهما، بأقلهما أو أكثرهما، فيقضي على ما اجتمعت فيه، / ولو لم يختلفا إلا
في المسكن فقط، إلا أن يعلم أنه يوم كتب هذا الكتاب، كان مسكنهما واحدا،
فلا يلزم واحدا منهما، فإن سأل الطالب القاضي أن يأخذ حميلا على الذي يدعي
أنه صاحبه منهما حتى يأتي بأمر بين من ذلك، فإن كان ممن تخاف غيبته، وليس
من أهل الوفاء والملأ، فحسن أن يأخذ عليه حميلا، وإن كان ممن تؤمن غيبته،
أو ممن إن غاب، فهو ظاهر الملأ، والدعوى في مال، فلا حميل عليه. وقاله
أصبغ.
قال ابن سحنون، عن أبيه، وهو في المجموعة: إذا جاء بكتاب قاض إلى قاض، أن
لفلان على فلان كذا، لم يجز ذلك حتى ينسب إلى أبيه وفخده، أو إلى تجارة
يعرف بها مشهورة، مع تحليته ومسكنه، فإن كان في البلد اثنان من تلك الصفة،
فهو باطل حتى يعرف من هو؟ أو يميز بشيء معروف، وإن كان فيها رجل قد مات
بهذه الصفة وجه القضاء عليه، مات قبل تاريخ كتاب القاضي أو بعده، إلا أنه
يحضر الورثة، ويقرأ عليهم الكتاب، ويمكنهم من حجته إن كانت [8/ 116]
(8/116)
لهم، فإن كانوا صغارا نفذ الحكم وأمكنهم من
حجتهم إذا كبروا، إلا أن يتقادم موته بما لا يمكن أن يكون الطالب أدركه،
ولا بينة إلا أن يكونفي كتاب القاضي ما يبين انه عليه، فينفذ. وقال: فإن
كان في الفخذ اثنان من تلك الصفة والنعت، فهو باطل حتى يعرف من هو منهما؟
أو ينسب أحدهما إلى شيء يعرف به. وقاله ابن كنانة. وقال أشهب نحو ما تقدم
عن مطرف، وابن الماجشون، ولم يذكر ما ذكر من الحميل.
قال سحنون: وإن جاء بكتاب قاضي إلى قاض بشهادة على دار في بني فلان، أو سوق
فلان معروف هناك، أو بموضع معروف، وليس فيها حدود، لم أجز ذلك، إلا أن يكون
في موضعها ذلك عدول يحدونها، فاجيز ذلك، وكذلك لو حدت بحدين أو ثلاثة، ولم
ينسبوها إلى اسم معروف مشهور، أجزت ذلك، ولو جاء بكتاب أن لفلان على فلان
عبدي، كذا وكذا، أجزت ذلك، وكذلك إن نسب العبد إلى صنعة أو تجارة، أجزته
أيضا.
قال ابن سحنون: قال أشهب: إذا شهد على غائب بالاسم والنسب والعشيرة، فأصيب
على كل ما ذكر إلا خصلة واحدة، لم تكن فيه، لم أقض عليه. وعاب أشهب قول ابن
كنانة المتقدم، قال: وإذا كان عبد مكتوت فيه في سجن القاضي على هذه الصفة،
فليقض له به على ما ذكرنا.
قال ابن سحنون: قرأت عليه قال ابن القاسم، في من اثبت حقا له على رجل
بأفريقية، وأخذ من القاضي كتابا إلى قاضيها، فلقي غريمه بأطرابلس، أينظر
القاضي في ذلك؟ ولهدية به قال: لا، إلا بأمر يؤتنف.
قال سحنون: تأويله: إذا لم يعرف المكتوب إليه، فإذا جهله لم ينفذ ذلك إلا
قاضي بلده، ولعل بلده غير باسمه، فلعله غيره، فإن قامت للمكتوب له البينة
أنه هو المكتوب فيه بعينه واسمه ونسبه، والمثبت عليه ما ثبت عند الذي كتب
[8/ 117]
(8/117)
حين كتب، فليقض له هذا بذلك/ الكتاب، كذا
يقضي له غير المكتوب إليه إن عزل أو مات.
قال ابن عبد الحكم: إذا كان في بلد القاضي المكتوب إليه اسماء متفقة على
ذلك الاسم والصفة، لم يقض على أحد فيهم، إلا أن يقرأ، ويأتي المحكوم له بما
يفرق به بينهم من الصفات. وقد استحسن بعض الناس، - وأنا أستحسنه- في من
قال: لفلان عندي دينار، أو لفلان ثلاثة، ولفلان ثوب، أنه ينظر إلى هذه
الاسماء في معامليه وأصحابه وجلسائه، فيعطوا ذلك، وكما لو قال: أعطوا زيدا
دينارا، وقصيا دينارا، ونافعا كذا. وله مال وعدد بهذه الاسماء، أنهم يعطوا
ذلك؛ لأن الثابت أنه أرادهم كما في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: مروا
أبا بكر فليصل للناس. قد عرف أنه أراد: الصديق، رضي الله عنه.
باب جامع في كتب القضاة إلى القضاة بالأمور والشهادات والأحكام وغير ذلك
وفي الشيء فيه الخصومة يكون ببلد آخر
من المجموعة: قال ابن القاسم: يجوز كتب القضاة إلى القضاة، في كل حد هو
لله، وفي القصاص، والعتاق، والطلاق، كما تجوز فيه الشهادة على الشهادة.
قال أشهب: يجوز في ذلك كله، وإن لم يشهد على الكتاب إلا شاهدين، وإن كان في
الكتاب زني قد شهد عليه أربعة عند القاضي، كما أنه لو حضر لجلد الزاني
أربعة لكانوا يخرجوا قا/ ذفيه بما علموا من الحد، وإن لم يشهدوا على شهادة
الأربعة المعاينين للزنى، وإنما نقلوا عن القاضي حده، فكذلك يحي حكمه في
ذلك بما يحيى به كتب القضاة. [8/ 118]
(8/118)
قال في كتاب ابن سحنون: قال سحنون: وأنا لا
أرى أن يثبت ذلك إلا بأربعة.
قال: ويجوز كتب القضاة إلى القضاة في كل خصومة من حقوق الناس؛ من بيع، أو
شراء، أو وكالة، أو إجارة، أو نكاح، أو كتابة، أو دعوة، أو في الوكالة بكل
ما جازت فيه الوكالة؛ من حق، ومال، وعتق، ونكاح، وطلاق، مثل الزوج يجحد
النكاح، فتوكل المرأة من يخاصمه، ويأخذ كتابا من القاضي بالبينة على النكاح
وتوكا له وكيلها ويخاصمه الوكيل، وكذلك لو جحدت، ووكل الزوج عليها، وكذلك
المرأة تقوم بنفقتها في وديعة لزوجها غائبة عند رجل، وتأخذ بذلك كتابا إلى
قاض، وإذا دفعت النفقة إلى وكيلها، لم يؤخذ منه بها كفيل، وكذلك إن تطلب
مهرا ونفقته، أو تدعي طلاقا، ويوكل بذلك، أو في خلع، أو العبد يدعي العتق،
أو الكتابة، فيوكل بذلك من يخاصم له، ويأخذ كتابا من قاض إلى قاض، وكذلك في
دعوى دم الخطإ أو العمد، فيوكل بذلك، ويأخذ بذلك كتاب من قاض إلى قاض،
وكذلك في القيام بعيب، وإذا وكل رجل رجلا بخصومة في دار، أو ربع، أو غيره،
عند قاضي بلد، وأراد أن يأخذ كتابا من قاضي بلده/ إلى قاضي البلد الذي أراد
أن يخاصم عنده، فإن كان القاضي يعرف الموكل، وكان مشهورا، اجتزأ بذلك، وإلا
كلفه البينة أنه هو، وإذا ثبت عنده، كتب له، وإن عرفه وهو مشهور، كتب له:
أما بعد، فإنه أتاني فلان بن فلان الفلاني، وقد عرفته، وعرف عندي، ذكر لي
كذا. وإن لم يعرف كتب: أتاني رجل ذكر أنه فلان بن فلان الفلاني، فسألته
البينة عن ذلك، فأتى بشاهدين يذكر أن يشهدا بذلك، فكشفت عنهما سرا وعلانية،
فلم يبلغني عنهما إلا خير، وذكر أن له دارا بالبصرة في بني فلان، فيحدها،
وأنه وكل بالخصومة فيها وبقبضها فلان بن فلان، فرأ في ذلك رأيك. ثم يقرأ
الكتاب على الشاهدين، ويختمه، ويشهدهما [8/ 119]
(8/119)
عليه أنه كتابه وخاتمه، ويحلي الشاهدين،
فذلك أحسن، ولا يضره إن لم يفعل، وإن أشهد على كتابه وخاتمه رجلا وامرأتين،
جاز فيما تجوز فيه شهادة النساء، وإذا شهدت لرجل امرأة عند قاض فيما تجوز
فيه شهادة النساء، فله أن يكتب له بذلك كتابا إلى قاض آخر، ثم لا يحكم له
الآخر حتى يأتي برجل وامرأة أخرى، وكذلك يكتب له بشهادة رجل على شهادة رجل،
ثم لا يقضي له الآخر حتى يأتي بآخر على شهادة الرجل، ويأتي بشاهد على أصل
الحق، أو يقضي له بشاهد ويمين في الأموال، وأما إذا طلب أن يقيم عنده بينه
على دار بمصر بيد رجل،/ أو بدين عليه. وأوزكيهم لأني لا أجد بمصر، ويزكيهم،
ويكتب له بذلك إلى قاضي مصر، قال: ذلك له، ويكتب له قاضي القيروان إلى من
يجوز أمره، قال محمد بن سحنون: والحاكم يومئذ بالقيروان ابن أبي الجواد،
وكان مستجرحا في أحكامه، وقال سحنون: وإنما ذلك كشهادة وديتها عند من ينظر
في أمر الناس، كتب إلى قاض غيره بمثل ذلك، لم ير أن يجيزه؛ إذ لا يدري صدق
ذلك من كذبه.
قال ابن وهب، عن مالك: لا يجاز كتاب قاض إلى قاض إلا بشاهدين أشهدهما بما
فيه. ومن المجموعة: قال ابن القاسم: وإن لم يكن فيه خاتمه، أو كان بطابع
فانكسر، قال عبد الملك: فإذا شهد عدلان أن هذا كتاب القاضي، أمضاه. قال
أشهب: ليس شهادتهم أنه كتاب قاض بشيء حتى يشهدوا أنه أشهدهم، ولا يضره، إن
لم يختمه، وإذ لو شهدوا أن هذا خاتمه ولم يشهدوا أن الكتاب كتبه إلى هذا
القاضي، لم ينتفع بذلك؛ لأن الخاتم يستنقش، فلا يعرف، والكتاب يعرف بعينه.
[8/ 120]
(8/120)
وقال ابن نافع، عن مالك: كان من أمر الناس
تقديم إجازة الخواتم حتى إن القاضي ليكتب للرجل الكتاب فما يزيد على ختمه،
يستجاز له، حتى اتهم الناس، فصار لا يقبل إلا/ إلا بشاهدين. وقاله ابن
كنانة. وقال: والناس اليوم على أنه إن جاء من أعراص المدينة اجتزأوا بمعرفة
طابعه وخطه وجوابه، إن كان في الحقوق اليسيرة.
وقال عبد الملك: يقبل العامل في أمر أتاه من عامله الكتاب بغير شاهدين،
يقبل بالشاهد الواحد مع النفر بحمله ومعرفة الخاتم بقرب المسافة، واستدراك
ما يخشى من التعدي، وبعض الأمور في هذا أقوى من بعض.
ومن كتاب ابن سحنون: وإذا شهد الشهود على كتاب قاض قد انكسر خاتمه، وخواتم
الشهود عليه تثبت شهادتهم إذا شهدوا على ما في الكتاب، فإن لم يكن للمشهود
عليه خواتم، وشهدوا أنهم قرأوه عليه، فأشهدهم بما فيه وحفظوه، أو كانت معهم
نسخ، قبلت شهادتهم على ذلك، وكذلك لو لم يختمه القاضي، أو كان منشورا وقد
قرئ عليهم وعرفوه، وكتبوا شهادتهم فيه، أو حفظوها، وكاتبه معهم نسخ وهذا
بمنزلة الصك بالحق.
ومن كتاب ابن حبيب، قال مطرف، وابن الماجشون: ولا ينفذ قاض كتاب قاض في
الأحكام إلا بعدلين، ولا ينفذه لشهادتهما أنه خط القاضي، كما لا تجوز
الشهادة على خط القضاة في الأحكام، ولا على خط الشهود، ولا تجوزه الشهادة
على الخط في الحدود، ولا بأس إذا كاتبه في شيء يسأله عنه عن عدالة شاهد، أو
أمر يستخبره من أمر الخصوم أن يقبل كتابه بغير شهودإذا عرف خطه، ما لم تكن
فيه قضية قاطعة/ أو كتاب وابتدأه به، فلا ينفذه إلا بعدلين، وأما كتابه إلى
قاضي الجماعة، أو إلى فقيه يسأله، ويسترشده، فيخبره، فهذا يقبله إذا عرف
خطه وأتاه به رسوله، أو من يثق به، إلا أن يأتيه به الخصم الذي له المسألة،
فلا يقبله إلا بعدلين، وإذا كان له من يكاتب في نواحي عمله في أمور الناس،
وتنفيذ الأقضية وغير ذلك، فليقبل الكتاب يأتيه منهم بالثقة يحمله، وبالشاهد
الواحد لقرب المسافة، واستدراك ما يخشى فوته. [8/ 121]
(8/121)
ومن كتاب ابن سحنون: قال سحنون: ولا تجوز
شهادة أهل الذمة على كتاب قاض إلى قاض، وتجوز فيه الشهادة على الشهادة،
كالحقوق، وكذلك ذكر عنه ابن عبدوس، قالا عنه: وإذا جاءه كتاب قاض، عليه
خاتمه، ولا عنوان عليه، فشهد عدلان أنه كتاب فلان إليه، والخصم حاضر،
فليفتحه، وإذا شهدوا على الكتاب والخاتم، فليقبله، وإن لم يكن فيه اسم الذي
كتب به، ولا اسم المكتوب إليه، وكذلك إن كان فيه اسماهما بغير أسماء
الآباء، أو بأسماء الآباء، وكذلك إن كان فيه: من فلان بن فلان إلى فلان بن
فلان. وكذلك لو نسب القاضي فيه إلى جده، وإذا لم يكن فيه اسم، وكان فيه:
عافانا الله وإياك. جاز بالبينة عليه، قال عنه ابنه: ولو كتب إلى قاضي
البصرة، وسماه، فأخطأ باسمه أو باسم أبيه أو نسبه، أنفذ ذلك إذا نسبه إلى
المصر الذي جد عليه، وشهدت البينة بذلك، وليس كل من كتب/ كتابا يعنونه،
فإذا شهدت بينة؛ أنه كتبه إليه قبله، ولم ينظر في اسمه، وتجوز فيه شهادة
النساء فيما يجوز أن يشهدن فيه.
من المجموعة: قال ابن القاسم: ولا يجوز فيه شاهد ويمين؛ لأنه شهادة على
شهادة.
قال محمد بن عبد الحكم: وإذا كتب القاضي بشهادة رجلين سماهما إلى حاكم آخر،
وشهد على كتاب القاضي الشاهدان اللذان شهدا عنده، فلا تجوز شهادتهما على
كتاب قاض، وفيه أنه قد عدلهما، ولكن يشهدان بها ابتداء عند القاضي، فتجوز.
قال ابن سحنون: عن أبيه: وإذا أشهد القاضي الشهود على صحيفة منشورة، وختم
أسفلها، وقرأها عليهم حتى عرفوه، قبل ذلك القاضي الآخر، وأنفذه.
قال أشهب، عن مالك: وإذا دخل رجل إلى القاضي، وبيد القاضي كتاب مطبوع،
فيقول له: أشهد أن هذا كتابي إلى قاضي بلد كذا. ولم يقرأه، وقد كان بأيدي
الكتاب، أيشهد بذلك؟ قال: نعم، يشهد، ويقول: أعطانيه مطبوعا، [8/ 122]
(8/122)
وقال: هذا كتابي. قيل: أفيجيز ذلك الآخر؟
قال: نعم، وذكر مثله ابن حبيب، عن أشهب، عن مالك. قيل: فإن دفعه إلى جماعة،
فكان في يد أحدهم؟ قال: يشهد الذي هو بيده، وأما الآخرون؛ فإن عرفوا
وأثبتوا أنه طابعه وكتابه، فليشهدوا. وقال في كتاب ابن سحنون: وإن ختموا
عليه، ودفعوه إليه، وعرفوا خواتمهم، فليشهدوا. قال ابن حبيب: قال أصبغ: وإن
لم يعرفوا الكتاب، فلا يشهدوا، وإن كان الذي بيده/ الكتاب منهم مأمونا عدلا
حتى يعرفوا الكتاب، ولو كانوا حين أشهدهم كتبوا فيه شهادتهم وعلامتهم، كان
أحسن.
ومن المجموعة: وإذا كتب قاض إلى قاض، فإن ثبت عنده أن الذي كتب إليه مستحق
للقضاء في فهمه ومعرفته بأحكام من مضى وآثارهم، مع فضله في دينه وورعه
وانتباهه وفطنته، غير مخدوع في عقله، فليقبله.
وقال ابن سحنون: قال سحنون: قال أشهب: وإذا كتب إليه غير العدل أن بينة
فلان تثبت عندي، فلا يقبل كتابه؛ لأنه ممن لا تجوز شهادته، ولو كتب إليه
العدل أن ابني ثبتت له عندي بينة بكذا، فلا أرى أن يجيز ذلك؛ لأنه كالشاهد
له. قال: فإن أجازه، فلا يفسخه من ولي بعده، وليمضه. وقد تقدم قول سحنون
أنه يكاتب غير العدل بإنقاذ أمر، ولا يقبل إلا كتاب العدل. وقال أشهب:
وإنما يقبل كتاب العدل ممن لو شهد عنده لقضي به، فأما غير المأمون في حاله،
ولا متناهي في شأنه، وهو مغموص عليه في جميع أموره، فهذا لا يجوز شيء من
أموره، إلا ما كان من أمر لا شك في صحته، فيجوز.
قال ابن حبيب، عن أصبغ: وإن جاءه كتاب قاض لا يعرفه بعدالة ولا سخطة، فإن
كان من قضاة الأمصار الجامعة، مثل المدينة، ومكة، والعراق، والشام، ومصر،
والقيروان، والأندلس، فلينفذه، وإن لم يعرف، ويحمل مثل هؤلاء على الصحة،
وأما قضاة الكور الصغار، فلا ينفذه حتى يسأل عنه العدول وعن حاله. [8/ 123]
(8/123)
قال ابن عبدوس، وابن سحنون/: قال سحنون:
ويقبل كتاب قضائه فيما صير إليهم النظر فيه، ويقبل كتاب الأمير إذا كان من
العدول على ما ذكرناه قال: وإن كتب القاضي إلى الأمير الذي ولاه وهو معه في
المصر، وذكر له القصة والشهادات، فإن أنفذه الأمير، نفذ، قال: وينبغي له أن
ينفذه، قاله بعض كبار المدنيين. وقال غيره: لا يجوز.
وقال سحنون، في قاضي تونس أراد رجل من سكان كورتها أن يثبت عنده أن له بيد
رجل بمصر دارا وحق؛ ليكتب له إلى قاضي مصر بما ثبت عنده، فقال: لا، ليس
يكتب قضاة الكور إلى قضاة البلدان بما يثبت عندهم، ولكن يكتب قاضي تونس إلى
قاضي القيروان قاضي الجماعة بما ثبت عنده، فيكون هو الذي يكتب إلى قاضي
مصر، ولا يجوز كتاب قضاة الكور، ولا ولاة المياه إلى قاضي بلد آخر، وأنكر
ما ذكر عن مالك، أن ولاة المياه تضرب أجل المفقود، وهو لا يضرب له، إلا بعد
الكتب إلى البلدان، وولاة المياه لا يجوز كتابهم إلى البلدان.
ولهذا المعنى باب مفرد في كتاب الأقضية في الدين فيه الخصومة يكون بغير بلد
الطالب.
قال سحنون، في كتاب ابنه: وإذا كتب قاضي مصر إلى قاضي القيروان: أن فلان بن
فلان اشترى من فلان بن فلان دارا بتونس حددها، ويكتب عنده كتابه، فليكتب له
إلى قاضي تونس، فينفذه إذا كان الذي كتب الكتاب عدلا، ويوصل الدار إلى
المبتاع، إلا أن يعرض فيها أحد هي في يديه غير البائع، وأما إن كانت/ بيد
البائع، أو بيد وكيله، فليوصلها إلى المشتري، وإن عرض عارض فأثبت المشتري
ملك البائع لها، قضى له بها.
قال ابن سحنون، وابن عبدوس: قال سحنون: وإذا جاء رجل بكتاب قاض عدل كما
ذكرنا، فليسأل الجائي به إحضار خصمه إن كان حاضرا أو غائبا قريب العيبة ثم
يسأله البينة على كتاب القاضي، أشهدهم على ما فيه قرأه عليهم أو [8/ 124]
(8/124)
لم يقرأه، فإذا قبل البينة، وفتح الكتاب
بمحضر من الخصم، ويقرأه عليه، فإذا قرأه فعلم ما فيه: فينبغي أن يختمه
ويكتب عليه اسم صاحبه، فإن كان المطلوب بعيد الغيبة، فليقره وينفذ ما فيه
إن كان مما يجوز إنفاذه عنده، فإذا الغائب أعلمه وأمكنه من حجة إن كانت له
قال: فإن قبل القاضي شهادة البينة، وكتب الكتاب للطالب، فحضر الخصم المكتوب
فيه قبل أن يخرج الكتاب، وأحضره الطالب، فليعلمه بمن شهد عليه، وإن كان
عنده ما يدفع به، وإلا كتب: ثبت عنده بمحضر الخصم إلى القاضي غيره، فإن
أعاد البينة عليه لتشهد عليه بمحضره، فحسن، وإن لم يعدها، لم يضره. قال ابن
سحنون، عن أبيه: وإذا جاء بالكتاب غير من هو باسمه، وقامت بالكتاب بينة،
فإن ادعى الذي جاء به أنه وكيل لصاحب الكتاب بالقيام بما فيه، وشهد بذلك له
المشهود، قبل القاضي الكتاب بحضرة الشهود وصير هذا وكيلا، فإن كان الخصم
حاضرا، فتح الكتاب، وسمع البينة، وإن كان غائبا في البلد، أوقف الكتاب،
وأعذر في طلبه، فإذا حضر، قبل الكتاب/، وأثبت شهادة الشهود عنده على
الوكالة، وعلى كل ما يشهدون به، فإن أقر بأنه فلان بن فلان الذي في الكتاب،
حكم عليه، وإن أنكر الوكيل، ثبت عليه أن فلان بن فلان، وينسب إلى قبيلته
وصناعته، أو يكون مشهورا قد عرف بالاسم والكنية، فإذا كان كذلك والد ولم
يظهر، وأعذر القاضي في طلبه، حكم عليه، وأنفذ له وكيل ما وكل به، ولو كان
الكتاب لرجلين، فحضر أحدهما مع الخصم، فإني أقبل البينة والكتاب، وأنفذ
الحكم للحاضر، فإذا حضر الغائب، أنفذت له الحكم ولا يعيد البينة.
قال سحنون: وإذا كتب القاضي إلى قاض في حق بشهادة من شهد عنده، فينبغي له
أن يسمي الشهود في الكتاب، وينسبهم إلى آبائهم وقبائلهم وتحليتهم ومساكنهم
التي يعرفون بها، وبمن زكاهم إن ثبتوا عندهم، ويفعل في المزكين كما قلنا في
الشهود حتى يعرفهم المشهود عليه، فيدفع من ذلك ما يقدر عليه، [8/ 125]
(8/125)
حتى يصير الغائب كالحاضر. قال: فإن كان قد
عرفهم بالصلاح، كتب بذلك قال: وإن لم ينسبهم ويصفهم، فذلك جائز، وصفتهم
أفضل.
قال سحنون: وإذا أراد من جاءه الكتاب أن يكتب بما جاءه من ذلك إلى قاض آخر.
قال محمد بن عبد الحكم: وإذا أثبت الرجل عند القاضي شهودا على غائب ببلد
آخر، وسأله أن يكتب له بذلك كتابا إلى قاضي ذلك البلد، ويشهد له فيه، لزمه
ذلك، وإن قال: أخاف طول غيبة المطلوب، فاكتب لي عليه كتاب اثبات كتب له،
وسمى الشهود وكناهم/، وموضع مساكنهم وقبائلهم وصفة أبدانهم، وأنهم قد عدلوا
عنده بعد أن كشف عنهم، فأحب إلي أن يكتب، فمتى ما حضر الخصم، أمكن من
الجرحة، وأعيد الكشف عنهم إن وجد من يعرفه، فإذا وصل الكتاب إلى القاضي،
فإن عرف أولئك الشهود بجرحة، فلا يقبلهم، وإن لم يعرفهم، سأل عنهم إن وجد
من يعرفهم، فإن لم يجد، أجاز ما ثبت عند الذي كتب إليه من تعديلهم، وأمكن
المطلوب من جرحتهم إن وجد، وإلا لزمه الحق. ومن العتبية، قال عيسى، عن ابن
القاسم، في القاضي يكتب إلى القاضي في الحقوق والنسب، والمواريث، وشبه ذلك،
فيكب: أتاني فلان بشهود عدلوا عندي، وقبلت شهادتهم، ولا يسميهم، أيجوز ذلك؟
قال: نعم، يجوز، أرأيت إن سماهم، أتعرفهم أم يبتغي عدالتهم، أم يأتنف فيهم
حكما غير ما حكم به وفرغ منه؟ فقيل: فلم وصفوا تسمية من يجرح من الشهود في
كتابه؟ قال: لا أعرف عن أحد أن قاضيا كتب إلى قاض بتسمية من يجرح عنده، ولا
سمعت به. ومن المجموعة، ابن كنانة، في المصري له الحق على رجل من أهل
أفريقية، فوكل عليه وكيلا يقبض منه حقه، فلما أتى بكتاب القاضي، وثبت
خلافه، ادعى المطلوب أنه قد قضى، وسأل التأخير إلى أن يحلف له الطالب، قال:
ليس ذلك له، وليحلف الوكيل: أني ما علمت أنه قبض منه شيئا، ثم يقبض منه
الحق، إلا أن يكون [8/ 126]
(8/126)
الطالب قريبا على مثل اليومين، فيكتب إليه
فيحلفه،/ وقال ابن القاسم: لا يحلف الخليفة، وينظر حتى بجامع صاحبه. وقال
غيره: لا يحلف الخليفة، وينظر حتى يجامع صاحبه. وقال غيره: لا ينبغي للقاضي
أن يكتب للطالب بالكتاب حتى يحلفه: ما اقتضى من الحق شيئا. وفي كتاب
الأقضية شيء من كتاب قاض إلى قاض، من باب من ادعى عبدا أو طعاما، فيريد
إيقافه ليأتي بالبينة، أو يدعي الحرية، وبينته غائبة.
في القاضي يكتب إلى القاضي فيموت أو يموت
أحدهما أو يعزل
ومن العتبية من سماع ابن القاسم، وهو في المجموعة، وكتاب ابن سحنون، وعن من
جاء بكتاب من والي مكة إلى والي المدينة من أمير أو قاض، فلا يصل حتى يموت
الذي كتب به. قال مالك: فلصاحب المدينة أن ينفذ ذلك الكتاب، ويقضي بما فيه،
كإنفاذه لقضية من قبله.
قال أشهب في المجموعة: ومثله عن ابن القاسم، في كتاب ابن سحنون، وسواء ماتا
أو أحدهما، أو عزلا أو أحدهما إذا كان الذي كتب به وهو والي بعد.
قال سحنون: وبه أقول، ولا أعلم فيه اختلافا بين أهل العلم، ومثله كله في
كتاب ابن حبيب، عن ابن الماجشون، ومطرف، وابن عبد الحكم، وأصبغ، قال: وجميع
أصحابنا، ومثله في كتاب ابن المواز، أنه إذا لم يصل الكتاب حتى مات المكتوب
إليه، أو عزل، أو مات الذي كتب إليه، أو عزل، أو ماتا جميعا أو عزلا، فإن
على من ولي بموضع/ المكتوب إليه، أن ينفذ الكتاب، ولا يأتنف فيه النظر إن
[8/ 127]
(8/127)
كان فيه: أني قضيت لفلان على فلان، قال:
وإن لم يكن في الكتاب الفراغ من الحكم، فعلى المكتوب إليه أن يتم عنده
الحكم، ولا يستأنفه يكون ما كتب به الأول، كأنه كان عند الثاني، وإن تكلم
المحكوم عليه من كتاب الأول، وسأل الثاني أن يأتنف النظر فيه، أو في بعضه،
فليس له ذلك إلا بأمر بين، وكذلك لو ولي قاضيا آخر مكان القاضي، لكان مثل
ما قلت لك في المكتوب إليه.
ومن كتاب ابن حبيب: قال عن ابن الماجشون: ومن مات منهما قبل وصول الكتاب،
أو وصول المكتوب له، فذلك سواء، ولا يضره موت من مات، وليبقه. وقال ابن
الماجشون، في المجموعة، نحوه، وقال: لأنه لم يقصد به غير المكتوب إليه،
وإنما قصد به السلطان المنفذ هو أو غيره. وقال ذلك كله إذا مات المكتوب
إليه بعد وصول المكتوب له، وأما إن مات قبل بشخص الرجل ويحضره الأمر، فإن
كان قد تفرق شهوده، أو كان في ذلك أمر يشق عليه، فليقض به، وينفذ إن كان
الشهود حضورا، أو لم يبتاعه أمر ولا تفاوت، فليشهدهم السلطان على الذي كتب
إلى من ينفذه إليه، ولو كان الميت أو المعزول هو الكاتب من بعد ما كتب،
وأشهد، خرج أو لم يخرج، فحق على من جاءه من السلاطين قبوله وإنفاذ الذي كتب
إليه، أو من بعده للحق/ والضرر به ومشقة ما يأتنف من ذلك، قال: وإذا عزل
الرأس الذي لا يبتدأ الكتاب إليه حتى يستدعيه، وقد كتب كتابا إلى من كتبه،
فمات الرئيس قبل أن يمضي الكتاب في قريبه، أو قد وصل إلى العامل ولم يحكم
به، قال: لا يمضي من هذا إلا ما تم القضاء إليه ممن جاءه الكتاب قبل عزل
الرأس؛ لأن قضاءه الآن كقضاء الرأس بعد عزله، ولو عزل الرأس من بعد كتابه
إليه، وولي آخر، فعلى الآخر إنفاذ كتابه، قال: وأما إذا وجد كتاب الخليفة
عند حكم مفتوحا، وشهد أنه مثله، ثم انكشف أن الخليفة مات قبل القبول، فلا
يمضي منه شيء، كما قلنا في العامل تحت الرئيس، فكتب إلى [8/ 128]
(8/128)
من تحت يديه من ولاته، وإذا قبل عاما
كتابا، فلم يحكم به حتى عزل، فليمض من بعده بشهيدين عليه. قال: وإذا وجد
كتاب الخليفة مفتوحا عند عامل، والخليفة قائم، فإن وجد الكتاب حيث يكون ما
قبل من الكتب، وفي مواضع النظر والخصومات، وما يعتد به، فلينفذه الطارئ وإن
كان على غير ذلك، فلا يكون كالأول؛ إذا لعله لم يقبله.
ومن كتاب ابن سحنون، وغيره: قال ابن القاسم، في من اثبت حقا على غائب لرجل،
فهل يعطيه بذلك كتابا إلى أي قضاة الأفاق، بأن لا يسمى قضايا بعينه؟ قال:
نعم، ثم إن ذلك ينفذه من وصل إليه إذا ثبتت البينة به عنده، مثل رجل له
غريم لا يدري بأي أفق هو، أو عبد وشبه ذلك. وقاله أصبغ، وعيسى، عن ابن
القاسم في العتبية.
/ في القاضي يكتب إلى القاضي بما فيه اختلاف
بين العلماء أو السلطان يأمر رجلا بإقامة حد وليس بعدل
ومن المجموعة: قال أشهب: وإذا كتب قاض إلى قاض بكتاب في اأمره فيه اختلاف
بين الفقهاء، والمكتوب إليه لا يرى ذلك الرأي، فإن كتب إليه إنه قد حكم بما
في كتابه وأنفذه، جاز ذلك وأنفذه هذا، وإن لم يكن قطع فيه بحكم، وإنما كتب
بما ثبت عنده للخصم، فلا ينبغي لهذا أن يعمل فيه برأي الذي كتبه، وليعمل
فيه برأيه. وقال سحنون: إذا كتب إليه بأمر، فرأى هو خلافه، فلا ينفذه؛ لأن
ذلك لم ينفذ شيئا، فلا ينفذ هذا ما ليس بصواب عنده.
وفي كتاب ابن حبيب، عن مطرف، وعبد الملك مثله كله
ومن المجموعة، قال ابن القاسم، وأشهب في الإمام البين العدالة، بأمر رجلا
بإقامة حد في رجم، أو حرابة، أو قتل، أو قطع في سرقة، ولا يعلم ذلك إلا
بقول [8/ 129]
(8/129)
الامام، فعليه طاعته. قال أشهب: وإذا لم
يعرف بالعدالة، فلا يطيعه في ذلك، إلا أن يرى أنه قضى في ذلك بحق، فعليه
طاعته فيه. وقاله ابن القاسم، إذا اتضح لك أنه حكم بحق، وعلم أنه كشف عن
البينة وعدلوا، وعلم أنه لم يجر. قال أشهب: وإذا لم يدر بما قضى به أبحق أم
يهوى، فلا يجيبه. قال ابن الماجشون: ولا تطع الجائر، ولا تخدمه، ولا تصدقه.
باب جامع في سيرة القاضي في غير شيء من أموره/ وشيء من ذكر العقل فيما يدعي
فيه ومن أقام حجة بعد الحكم
من كتاب ابن سحنون: قال: وكان سحنون لا يقبل كتاب قاض من قضاته إلا بشاهدين
عدلين، ولا يفكه إلا بمحضرهما، وكان يعرف خط بعض قضاته، ثم لا يقبله إلا
بشاهدين، وكان القضاة إذا كتبوا إليه في مسائل الخصوم والأحكام، فيجيبهم
ويطبع كتابه إليهم، ولا يشهد عليه، فكان من يرد ذلك عليه منهم ينفذ ما فيه،
وكان يقبل كتب أمنائه، وينفذ ما فيها بلا بينة عليها، فإن كتبوا أن أحد
الخصمين تعدي في عقل، أو لد، أو كسر موفاه، أدب الملد، وأنفذ عليه ما في
كتاب أمينه، وكان إذا أتاه كتب الأمناء، أمر بإحرازه، ويرفعها عنه بعض
أعوانه، وكان قد ولى قضاة في مواضع بعيدة منه، فكان يرى لذلك أنها لا
تستغني عن القضاة، وأن من استعدى عليه منهم بالشيء يسهل عليه أن يؤدبه، ولا
يرتفع لبعد مكانه، فلم يزل بالأمير حتى ولى قضاة على جميع الثغور، وكان في
من ولى من قضاته رجل سمع منه، وسمع بعض كلام أهل العراق، فقال له مرة: فلا
تحكم إلا بمذاهب أهل المدينة وكان لا يقبل من المطلوب وكيلا، إلا من مريض
أو امرأة لا تخرج مثلها، أو رجل على سفر،/ أو معذور بين العذر، ويقبل
الوكيل من الطالب، وقال: تحدث للناس أقضية على نحو ما يحدثوا، وكان أصل ما
منع [8/ 130]
(8/130)
المطلوب من الوكالة لمعنى السلاطين
والجبابرة، وما أراد من استخراج أموال الناس، وكان يقبل الوكالة من كل
مطلوب شغله الأمير في خدمته إذا كانت خدمة لا يقدر أن يفارقها، مثل الحاجب،
وصاحب الحرس، والذين لا يستطيعون مفارقة ما وكلوا به من الخدمة، ويرى أن
هذا باب اضطرار.
وقال محمد بن عبد الحكم: وإذا كان أحد الخصمين عييا عن حجته، أو أعجمي، أو
ألكن، أو فأفاء، فسأل القاضي أن يدخل معه رجل من قرابته أو غيرهم، يتكلم
عنه بحجته، فلا بأس أن يأذن له في ذلك إذا كان المتكلم عنه لا بأس به، ولا
بأس أن يقبل الوكالة من الرجال والنساء، ممن حضر أو غاب، إن احتاج أن يسأل
المطلوب عن شيء، أو يحلفه، أم بإحضاره، وإذا كان عنده من يتوكل للناس في
الخصومة، أمكنهم من ذلك، إلا من كان قد عرف بتوليد العيب، أو مغالطة
البينات، أو العمل بما لا يجوز، فليخرجه، ولا يزداد الوكلاء على ما يعطي
الناس، فإذا نادى باسم الرجل، دخل وكيله إذا ثبتت وكالته عنده، وينبغي أن
يكتب عنده من قد وكل، لئلا يخاصم من ليس بوكيل للرجل، فإذا شك فيه نظر فيما
في كتابه.
ومن كتاب ابن سحنون: وكان يقول: لا يجوز للقاضي أن يأتي إلى أحد من الناس
إلا إلى الأمير الذي استقضاه/، لا وزير، ولا ابن عم، ولا صاحب، ولا غيرهم،
لأن هؤلاء من رعية القاضي؛ لأن قضاءه عليهم ولهم جائز، فإذا جاء القاضي إلى
رجل من رعيته، لم يقدر أحد أن يستعدي عليه مع م في هذا من فساد السلطان في
أمانته، وكان يقول: القاضي ينظر فيما ينظر فيه الخليفة من جميع الأشياء،
ينظر في كل ما تحت يدي الخليفة، وإنما كان الخلفاء يلون النظر لأنفسهم، فلم
يكن لأحد منهم قاض علمناه، فلما انشغلت الخلفاء فيما انشغلت فيه؛ منهم من
اشتغل بالحرب، ومنهم من اشتغل بالدنيا. ولوا القضاة، [8/ 131]
(8/131)
فصار إلى القضاة ما كان إلى الخلفاء، ممن
هاهنا عظم عظم موقف القاضي، ولم يول حتى تجتمع فيه الخصال الصالحة.
قال سحنون: وعلم القضاء غير غيره من العلم، قال مالك: كان الرجل يقدم من
البلد إلى البلد، يسأل عن علم القضاء، وكان ابن عمر يرسل إلى ابن المسيب
يسأله عن أقضية عمر بن الخطاب، وأتاه قوم؛ فذكروا له أن لهم في يد رجل
حوانيت، وأنه غلبهم عليها، فأعطاهم طابعا، فلم يأت معهم، وقال: أنا مريض،
فأمر أن يعودوا إليه ببينة تشهد على عصيانه. إن عصى، فذهبوا إليه فاختفى في
داره، وقيل لهم: إنه مريض، فصاحوا على من في داره من حيث يسمع: هذا طابع
القاضي، أخرج إلينا، فلم يجبهم بشيء، ولم يخرج، فتأنى فيه أياما؛ ليختبر
مرضه، ثم بعث إليه رسولا، فدخل عليه، فقال له: القاضي يقول لك: إن كنت
مريضا، فابعث بشاهدين يشهدان أنك مريض/، وإلا فاخرج تخاصم، فقال: نبعث من
يشهد بمرضي، ومطل بذلك أياما، ثم بعث إليه القاضي في ذلك يعذر إليه، أنه لا
يؤخره أكثر من هذا، فأما بعثت بالبينة في يومك هذا، وإلا بعثت من يخرجك،
فلما رأى ذلك هرب ليلا، فذكر ذلك للقاضي، فتبين له لدده، فأمر بعقل جميع
ضياعه من دور وحوانيت، وأمر من يسكن الحوانيت بإخراج ما لهم فيها، ووخرهم
ثلاثة أيام، فلما تفرغت، عقلها، وسد عقلها، فبقيت مغلولة حتى صح عنده
هروبه، وأنه خرج من عمل الأمير محمد بن الأغلب، فلما صح ذلك عنده، أمر فحل
العقل، وأمر خصماءه باحضار بينتهم على ما ادعوا، فسمعها، وكان في النظر في
ذلك إلى أن مات رحمه الله، وكان إذا أتاه رجل يدعي عنده أرضا، ودارا، قال
له: سم الموضع الذي ذلك فيه، فإن سماه، قال له: حد ما تدعي. فإن حده، سمع
بينته، وإن لم يحده، لم يسمع منه، ولا من بينته وأقامه، ثم إن رجع إليه
فقال له: اسمع دعواي سمع منه، ثم سأله عن الحدود، فإن حد ذلك، قبل منه،
وأقاله رجوعه، وسمع بينته. [8/ 132]
(8/132)
قال: وكان أكثر أيامه وعمله أن يسأل المدعي
عن الموضع في أي قبيل، والدار والأرض في أي منزل، ثم يسأل البينة بعد ذلك
على ما ادعى، وعن حدود ذلك، فتكون البينة هي التي تحد ما تشهد به.
قال: وكان إذا تنازع إليه/ الزوجان؛ فقالت المرأة: حنث في وكذبها الزوج،
كلف المرأة البينة، وأمر بالنفقة عليها، فإذا قال: هي تنكر أني لها زوج،
قال له: فأنت مقر لها بالزوجية، وأنها كذبت، وربما ترك هذا، ولم يفرض رزقا،
ويقول: هو كمن اقر لرجل بدين، والآخر يقول: لا شيء لي عليه.
وأتاه رجل فادعى أرضا في يد رجل، أنه ورثها عن أبيه، وجاء ببينة على ذلك،
وزادت البينة في شهادتها أرضا لم يدعها، فسأله هل يدعي هذه الزيادة؟ فقال:
نعم. فسأل المدعى عليه فأنكر، فكتب جميع شهادتهم، وكان إذا تشاغب الخصمان
ولدا أغلظ عليهما، وربما أمر بزجرهما بالدرة، وربما تشاغبا حتى لا يفهم
عنهما، فيأمرهما بالقيام حتى يعودا، وذلك عند قيامه من مجلسه، وإذا تبين له
إلداد من أحدهما، وتشنيع الكذب على خصمه، ولم يأت بمخرج، ضربه، وربما سجنه،
وكان ربما يعقل في مجلسه، ويقول للرجل الذي يعقل عليه؛ قد عقلت عليك موضع
كذا وكذا، فاحذر الحدث فيه. فإن أحدث فيه، أدبه، وكان ربما رد الخصمين إلى
رجل يعرفه بالصحة، فيقول: اذهبا إليه يصلح بينكما، فإن أنفقتما، وإلا
فارجعا إلي.
وكان لا يسمع البينة إلا بمحضر المطلوب. وقال ابن كنانة، وابن الماجشون:
أنه يسمع القاضي البينة بغير محضر المطلوب. وكذلك العمل عندنا، فإذا خافوا
عليه الشهادة. وهذا/ مذكور مستوعب في باب في كتاب الأقضية والأحكام، وفيه
ذكر الاعذار إلى المحكوم عليه، وهل تقبل منه حجة بعد الحكم؟ في باب مفرد.
[8/ 133]
(8/133)
في كتاب العرفاء كيف يكتب وغير شيء من ذكر
المحاضر والأحكام والتوكيل على مال الغائب
من كتاب ابن سحنون: قال: وكان سحنون يكتب كتب العرفاء إلى أمنائه: بسم الله
الرحمن الرحيم، من سحنون بن سعيد إلى فلان بن فلان، سلام عليك، فإني أحمد
إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد، ألبسنا الله وإياك عافيته، وأبقاها
لنا ولك في الدنيا والآخرة برحمته، فإنه أتاني فلان بن فلان، وذكر أن له
قبل فلان بن فلان الفلاني الساكن بقرية كذا، دعوى، وأتى بلطخ بينة استوجب
بذلك جلبه، فاجمع بينهما، وارفعهما إلي لأجل قريب تضربه يتوافيان فيه عندي،
واكتب إلي بذلك، فإن امتنع فلان من الارتفاع، ولد، فارفع كتابي إلى عاملكم،
ليقوي أمرك، وينفذ كتابي، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
قال ابو محمد: قد احتقرت بعض لفظ هذا الكتاب، وإذا كتب إليه أمينه: أن
المرفوع له عصى، كتب إليه أن يعقل عليه ضياعه ومنافعه، وأن يشهد عليه بأنه
لد حتى يضطر بذلك إلى الارتفاع، فإن دافعك عن العقل عليه، فادفع كتابي إلى
العامل ليقويك، وإذا كتب في/ رفع رجل ادعى عليه دم، ذكر في كتابه: اجمع بين
فلان وفلان صاحب كتابي، وارفعه إلي في وثاق يحمله ثقات تأخذهم عليه، فإنها
الدماء ليست كغيرها حتى يوافي مع صاحبه، ولا يكتب أن يضرب له رجلا، ولكن
يبعث به ساعة يظفر به.
وفلس رجل، فكتب له حكما بتفليسه، هذا ما شهد عليه من يسمى في أسفل هذا
الكتاب، يشهدون أن القاضي سحنون بن سعيد، أشهدهم، وهو حينئذ قاضي أهل
افريقية، وذلك في مجلس قضائه، أنه أنقذ القضاء لفلان بن فلان الفلاني على
غرمائة بمحضرهم، وهم فلان بن فلان الفلاني، وفلان، يشهدهم [8/ 134]
(8/134)
كلهم بتفلسه وعدمه بشهادة فلان، وفلان،
شهدا عنده أنهما يخبران ويبطنان أمر فلان هذا، وأنه عديم لا مال له، ولا
جدة عنده، فقبل شهادتهما؛ لما صح عنده من عدالتهما، وأنفذ لفلان بن فلان
القضاء على غرمائه هؤلاء المسمين بمحضرهم شهادة هذين الشاهدين بعد أن
استقصى جميع غرمائه هؤلاء، واستنفذ منافعهم، فلما لم تكن عنده حجة ولا
مدفع، أنفذ القضاء له على غرمائه بمحضرهم بتفليسه وعدمه، ومنعهم من مطالبته
حتى يحدث الله له، من شهد على إشهاد القاضي فلان بن فلان بجميع ما نص في
هذا الكتاب بعد أن قرئ عليه جميعه في مجلس قضائه، فأنفذه لفلان بمحضره،
ومحضر غرمائه المسلمين في صدر هذا الكتاب ما نص فيه، وختم عليه بمحضرهم/
جميعا، وذلك في شهر كذا من سنة كذا، ووكل لقوم غيب وكيلا، فكتب له: هذا
كتاب من القاضي سحنون بن سعيد، لفلان بن فلان الفلاني، كتبه وثيقة وحجة،
وأشهد له جميع ما فيه، وهو حينئذ قاضي أهل أفريقية، وذلك في مجلس قضائه:
أني جعلتك يا فلان وكيلا لبني فلان؛ وهم فلان وفلان بتو فلان بن فلان
الفلاني؛ لما ثبتت عندي غيبتهم، ولم يكن لهم ناظر من أموالهم، ولا حائط لهم
عليها. فرضيتك في دينك وأمانتك، وجعلتك وكيلا فيها مفوضا إليك النظر فيها،
وأمرتك بإجارة أموالهم وإحرازها، والقيام بمصلحتها، وحسن تدبيرها بما يحق
عليك، وتقتني غلاتهم، وأن تنفق على رقيقهم وضياعهم بالمعروف، ويرم ما احتاج
إلى مرمة من دورهم وضياعهم، ويصلح ذلك، وتبيع لهم وتشتري باجتهادك ونظرك
مفوضا اليك القيام لهم في جميع ذلك على ما يقوم له الوالي المفوض إليه،
ولله عليك أداء الأمانة والنصيحة فيما كلفتك. شهد على إشهاد القاضي، وذكر
أنه ختمه بمحضر الشهود فيه عليه وقال: ويشهد على قبول فلان لما فوض إليه من
ذلك كله في صحة عقله، وجواز أمره، وذلك في شهر كذا في سنة كذا، وهذا الذي
ذكر ابن سحنون، عن أبيه، من النظر في مال الغائب، مختلف فيه، فمن أصحابنا
من يراه، ومنهم من لا يرى عليه أن ينظر فيه، لا بسبب وكالة/ أو أمر يطلب به
من دين أو غيره، وذكر أنه [8/ 135]
(8/135)
فوض إليه في أموالهم في البيع والشراء
وغيره، وهذا لا أدري ما هو في إطلاقه له البيع والشراء، والمعروف من القول
أنه لا يطلق ذلك إلا على مولى عليهم، قال: وكيف وكالة لأيتام لا وصي لهم.
وذكر نحو ما تقدم من الصدر، وذكر أنه ثبت عنده أن أباهم مات، ولم يوص إلى
أحد، وترك تركة وأطفالا؛ وهو فلان وفلان، وأنه وصى فلانا في دينه وأمانته،
فجعله وصيا لهم. وناظرا في أموالهم، وحائطا عليهم، والانفاق عليه منها
بالمعروف، وإن يشهد على ذلك، وأن يقوم لهم، وينظر كما ينظر لليتامى، شهد
على إشهاد القاضي، ثم ذكر ما في الكتاب، وأنه أشهد على خاتمه، وعلى قبول
فلان بذلك.
وحكم بدار لرجل، فذكر في كتاب حكمه، أنه حلفه أن هذه الدار لباقية في ملكك
إلى وقت هذه الشهادة، لم تخرج من ملكك، وأنه حلف على ذلك. وكتب في حكمه على
غائب: إني حكمت لكم على فلان بن فلان بكذا، بعد أن صحت عندي غيبته ببلد
كذا، وأنك لا تصل إلى جلبه، ولا تقدر على رفعه، فحكمت لك عليه بذلك بغير
محضره، وأبقيته على حجته ومنافعه، وبعت له في ذلك داره المعرفة له، فذكر
أنه قضاه الدين من شهد بعد أن أحلفه أنه ما قبض منه شيئا، ولا من أحد
يسميه، ولا أحالك به على غريم له، ولا أحلت به عليه، ولا وكلت بطلبها، فحلف
على ذلك كله، ويذكر أنه ختم الحكم، ويشهد على خاتمه.
وكتب في حمالة بنفس رجل، فذكر بعد صدر الكتاب: أنه يحمل للقاضي بنفس فلان
بن فلان وفلان ينسب كل واحد منهم، ويذكر قبيلته، بأمر فلان ورضاه، على أن
يأتوا به متى ما دعاهم به القاضي فلان بن فلان، وإن جعلهم حملاء ووكلاء على
الخصومة، ذكر ذلك أنهم وكلاء فلان على رفع فلان، وعلى طلب حقه قبل فلان،
والقائم له بحجته وإحضار منافعه، ورفع من طالبه بشيء، وعلى طلب حقه عند
فلان، أو يقول: عند من كان. وعلى إحضار منافعه، قال محمد بن عبد الحكم:
وإذا أشهد القاضي على تنفيذ حكمه، فليأمر بقراءة كتاب الحكم عليه؛ لئلا
يتعقبه من لا يجيز ذلك، فإذا قرئ قال: اشهدوا أني حكمت بما في [8/ 136]
(8/136)
هذا الكتاب، ولا يقول: اشهدوا على ما
سمعتم؛ إذ قد يخطئ القارئ، ويزول عنه الحرف، ولو قال ذلك، كانت الشهادة
ضعيفة، ولا أبلغ بها الرد، قال غيره: ليقل: اشهدوا على إشهادي بما نسب إلى
في هذا الكتاب. ثم ذكر سحنون ما في الكتاب على ما فيه من عقد الشهادة، وذكر
الإشهاد على قبول الوكلاء للوكالة، كان من وكلهم ظالما أو مظلوما، وإن كانت
حمالة لغير القاضي، كتب نحو ما تقدم، ويذكر في الصدر أنهم تحملوا لفلان،
وإن كانت مؤجلة، ذكرت ذلك، وإن كانت مبهمة، كتبت نحو ما ذكرنا، وتقول: وكان
ذلك بمحضر فلان بن فلان القاضي، قاضي ببلد كذا.
وكتب إليه شجرة في بكر زوجها أخوها بأمرها فيما ادعى الزوج/ فنشرت وأنكرت
تزويجه، وهي بناحية، فسأل رفعها، وجاء بأمر دل على منازعتها إياه وإلطاخ
الدعوى، فكتب إليه: إن ألطخ الدعوى في امرأة بيعنها ونسبها، فارفعها إلا أن
توكل، أو تكون البينة تحتاج إلى معرفة عينها، فلترفع بعد ثبوت اللطخ.
الوكالة تكتب في ديوان القاضي وفي البينة على
الوكالة
من كتاب ابن سحنون: قال القاضي فلان بن فلان: حضرني فلان بن فلان الفلاني
بخصمه فلان بن فلان الفلاني، فادعى أن له قبله كذا، فسألت فلانا عن دعواه،
فأنكرها، فأمرت فلانا بإحضار منافعه، فذكر أنه لا يقوى على الخصوم
والمدافعة؛ لسفر حضره، أو لعلة، أو من مرض أو غيره، وسألني أن أقبل منه
وكيلا بالخصومة، فأجيبه إلى ذلك؛ لما تبين لي من عذره، هذا إذا كان القاضي
لا يقبل من المطلوب وكيلا، فإن كان ممن يقبل توكيله، فلا يذكر أنه أجابه
إلى ذلك لعذر ظهر، ولكن ليكتب للذي له من الحق في ذلك، فوكل عندي فلان ابن
فلان، على طلب حقه قبل فلان، أو قبل من كان، أو عنده، أو عليه، وفوض إليه
في القيام بحجته، واحضار خصمه منافعه، وأقامه في ذلك مقام نفسه، وأن [8/
137]
(8/137)
يوكل في ذلك كله وكيلا بعد وكيل ممن يرضاه،
وأقام وكيل وكيله مقام نفسه فيما يحكم له به وعليه، وقبل فلان منه ما وكله
عليه من ذلك، ثم إذا أحضر وكيله بينة، كتبها على ما تقدم من كتاب البينات،
وإن وكلت امرأة عنده/ رجل على الخصومة، وهي طالبة، والقاضي لا يعرفها، فأمر
من يطالبه، وهو أخوها أنها أخته أو أمه، أو كان زوجا، فأقر أنها زوجته، أو
أجنبي، فأقر بها فلانة بنت فلان الميت، وهي تدعي عليه دينا لأبيها، وهو
منكر للدين، فليمكنها من التوكيل بعد أن يعرفها بعينها، أو يعرفه بها
شهودها؛ لئلا ينكرها خصمها بعد أن يعرفها، وإن كانت مطلوبة، وأقرت وأقر من
يطالبها أنها فلانة بنت فلان، لم يمكنها من الوكالة، ولا يسمع البينة على
الإسم الذي تسمت به، والنسب الذي انتسبت إليه، خوفا أن تواطئه على اسم
امرأة غائبة فيوقع البينة، وربما ماتت، فلا يقدر أن يحكم على امرأة لا
يعرفها، ولكن إذا كانت طالبة أو مطلوبة، ولا يخرج مثلها، أو مطلوبة يخرج
مثلها، والقاضي لا يعرفها، فشهدت البينة على معرفة عينها ونسبها، فليكتب
شهادتها، وأنها أشهدتهما في تاريخ كذا، أنها وكلت فلانا على طلب حقها
ومورثها من أبيها فلان. قبل من كان، ويكتب مثل ما تقدم من وكالة الرجل،
وعلى قبول الوكيل ذلك منها، فإنه الذي أحضر البينة على ذلك، وإن كان
المطلوب معروفا، كتب على ما كان لها قبل فلان، على ما تقدم.
ومن كتاب ابن المواز: ولا يقبل القاضي من أحد أنه وكيل حتى يصح عنده بذوي
عدل، قال: ولا يكون في ذلك إلا عدلي، الوكالة كغيرها. وروي عن مالك،/ أنه
يجوز في الوكالة شاهد ويمين، ولم يجزه عبد الملك. [8/ 138]
(8/138)
في حياطة أموال اليتامى، وهل تودع أو تسلف؟
ونحو هذا، وفي بيع ربعهم، وفي الحجر عليهم
من كتاب ابن سحنون: وكتب إليه شجرة فيما دفع من كان ولي القضاء قبله إلى
الناس من أموال الأطفال، بضمان أو بإيداع، أيكشفهم عن ذلك ويجيبه، أو يخرجه
من يدي من رأى؟ فكتب إليه: أن أودع غير صليون فانتزع ذلك وأودعه من تثق به،
وإن كان مأمونا فدعه. قال: وأودع ما كان من مال طفل أو غائب، ولا يدفع ذلك
بضمان، فإنه سلف يجر منفعة. وعن من أتى الحكم، فزعم أن فلان توفي، واستخلفه
على ماله وولده، وأنفقت عليهم كذا، وبقي لهم كذا، فأمر بقبضه، وأبرأ منه
ومما أنفقت، فكتب إليه: لا تعرضه إلا أن يكون غير عدل، فيأمره بإثبات ما
قال، وتنزع منه ما بقي، ويجعل لليتامى وال غيره، وكانت أموال اليتامى
بإفريقية، أنها تكون عند القاضي مرفوعة، فسحنون أول من أودعها للناس،
وفرقها، وكان لا يرى أن تسلف كما يفعل أهل العراق، وذلك أنه سلف جر منفعة،
وهذا وشبهه عن إيداع القاضي، بغير بينة، وغير ذلك مستوعب في باب القاضي
يقول: حكمت لفلان. أو: شهد عندي بذلك بينة.
في القاضي يقضي بقضية ولا يسمى المقضي عليه
من كتاب ابن حبيب، عن مطرف: وإذا قضى القاضي لعبد بحرية، أو لرجل بحق، ولم
يسم في/ الحكم اسم المقضي عليه، ولا شهادة البينة على رجل بعينه، ثم عزل أو
مات، فادعى رجل أن العبد عبده، وأحق ذلك، وقام المقضي له بالحق، وهو من يدي
غيره، فأراد أجره، قال: إن كان سيد العبد حاضرا المقضي بحريته، عالما بذلك،
فذلك يقطع دعواه فيها، وإن لم في الحكم، وإن [8/ 139]
(8/139)
كان على غير من غيبته، وغير ذلك مما يعذر
به، فإن على العبد البينة أن القاضي قضى بحريته على هذا الرجل؛ إما بأنه
أعتقه، أو حنث فيه، إلا أن يكون القاضي إنما أشهد أنه ثبت عنده أن هذا حر
في أصله، فهذا يجزئه وإن لم يسم سيده المقضي عليه.
قال: وأما الحقوق، فلا يجوز القضاء بها حتى يسمي المقضي عليه، أو يكون قد
قبضه المقضي له بحضرة هذا القائم لا يدعيها، أو أخرجت من يده بالقضاء، وقد
علم أنه خاصمه فيها، فلم يدفع ولم ينكر، فيجوز ذلك.
وقال مثله أصبغ.
قال ابن حبيب: قال أصبغ: وينبغي للقاضي إذا ولي أن يأمر من ينادي: أن كل
يتيم لم يبلغ لا وصي له ولا وكيل، وكل سفيه يولى على مثله، فقد حجرت عليه،
ومنعت من معاملته، ومن علم أحدا من هؤلاء، فليرفعه إلينا لنولي عليه ويحجر،
ومنع من معاملته، فمن باعه أو ابتاع منه، أو داينه بعد هذا النداء، فمردود،
وكل من هو متصل الولاية منه من يوم بلوغه فأمر مردود قبل نداء الإمام.
ومن كتاب ابن حبيب، ورواه عيسى، عن ابن القاسم، في العتبية، قال: وقال ابن
القاسم: وما يفعل بعض القضاة/ من تضمينه الرجال أموال اليتامى خطأ وحرام لا
يحل، ولكن يودعه عند من يثق به، إن لم يكن لهم أوصياء، ومن له وصي فذلك في
يديه إلا من لا يوثق به، فلينزع منه، وليودع لأمين، وإن رأي القاضي أو
الوصي دفعها إلى من يتجر فيها، أو يقارض لهم على أهل الثقة على النظر، فذلك
حسن.
قال في كتاب ابن حبيب: ولو تجر فيها الوصي لنفسه، أو من استودعها، فلا بأس
به إن كان مليا، وليس بحرام، والتنزه عنه أفضل.
قال أصبغ: ولا أرى على القاضي أن يجري لوصي الأيتام رزقا من أموالهم، إن
كانت في أموالهم ضياع يستغل بها أو غلات للقاضي، ويجري عليه بقدر [8/ 140]
(8/140)
اشتغاله بذلك، على قدر المال، وكذلك الرجل
يوكله القاضي على أيتام لا وصي لهم، ولهم وصي غير مرضي، فعزله ووكل غيره،
وكذلك وكيل القاضي على أموال الغياب؛ للنظر لهم فيها.
وقال مالك: لا بأس لوصي اليتيم أن يناول المسكين من مال اليتامى الكسرة،
وخلق الثوب، والأفلس، أو يمر به سائل وهو في حائطه أو جرينه، فيناوله
التمرات، وقبضة الطعام، أو الشربة من اللبن، لا بأس بهذا وشبهه للوصي يرجي
بركته لليتيم وماله.
وقال أصبغ، في اليتيم تثبت عند القاضي حاجته وفاقته، فإن (كان) له ببلد آخر
أموار، فليكتب إلى قاضي ذلك البلد: أن قبلنا يتيما يقال له: فلان بن فلان،
وله أموال بعملك، وثبت عندنا أنه بحال مضيعة وفاقة لا مسد لها إلا ببيع بعض
أمواله التي عندك، فإذا ورد عليك كتابي هذا، فأمر ببيع بعض أمواله قبلك/،
وابعث إلينا بالثمن مع ثقة، فإذا قرأ الكتاب ذلك القاضي، فلينظر إلى أقل
أمواله ردا عليه، وأحقها بالبيع، فليبعه بعد المزايدة والاستقصاء، فإذا بلغ
في رأيه ورأي أهل النظر مبلغ الاستقصاء باعه وبعث بثمنه. قال: ويكتب
المشتري وثيقة على لسان القاضي؛ فيكتب: أشهد القاضي فلان بن فلان، أن فلان
بن فلان، قاضي بلد كذا، كتب إليه أن فلان بن فلان الفلاني، وهو يتيم قبله،
ثبت عنده أنه احتاج ووصلت إليه فاقة لا مسد لها إلا ببيع بعض أمواله عندنا،
وثبت كتابه عندنا، وأمرنا ببيع ما رأينا بيعه من ذلك، فأمرت بعرضه
والمزايدة فيه، فلما بلغ ثمن رضيته، وهو كذا، أمضيته لفلان بن فلان، وقبضت
الثمن منه. [8/ 141]
(8/141)
ومن العتبية روى أشهب، عن مالك، في استئمار
القضاة فيما يأمرون ببيعه من الحيوان في المواريث، فقال: الصواب أن يقول:
اجمعوا الناس، ثم يبيعوا؛ لأني أخشى أن تمرض الحيوان، أو يحدث فيه حدثا إلى
أن يستأمروه.
تم الجزء الثاني من آداب القضاة
بحمد الله وحسن عونه [8/ 142]
(8/142)
|