دينار، فإن لم يبلغه، فإنما يحلفون جلوسا
إن أحبوا، ويحلف الرجل في مكانه الذي قضي عليه فيه والمرأة في بيتها.
ومن كلف فيما له بال أن يحلف في المسجد عند المنبر أو ما أشبهه من
المواضع؛ فقال: أنا أحلف في مكاني، فهو نكوله عند اليمين إن لم يحلفه
في مقاطع الحقوق، غرم إن ادعى عليه أو بطل حقه إن كان مدعيا، وكذلك قضى
مروان على زيد بن ثابت.
ومن كتاب ابن سحنون، وهو في العتبية، من رواية عيسى، عن ابن القاسم،
قال مالك في عبد حنث في يمين بطلاق، وقال: حلفت بواحدة، وسيد زوجته
يشهد عليه، ونسي السيد يمينه، فاستحلف العبد، فحلف أنه ما حلف إلا
بطلقة، أيجزئه؟ قال: لا يجزئه حتى يحلف عند المنبر.
وقال ابن وهب، عن مالك: إن المرأة تحلف في المسجد – يريد الجامع- تخرج
بالليل إليه.
قال ابن القاسم: تخرج فيما له بال؛ فمن كانت تخرج منهن بالنهار، خرجت/،
وإلا خرجت بالليل، وقال في كتاب المواز مثله.
قلت لمحمد: أفي ربع تخرج؟ قال: لا، إلا في الشيء الكثير الذي له البال.
ومنهن من هي كالرجل؛ تخرج، فهذه تحلف – بالنهار في المسجد الجامع، في
ربع دينار. وفي المدونة زيادة في هذا المعنى.
قال ابن حبيب: قال مطرف، وابن الماجشون: ومن لا تخرج من النساء نهار،
فلتخرج بالليل، في ربع دينار فأكثر.
قال سحنون في كتاب ابنه، في امرأتين؛ ادعي عليهما في أرض ودور، وهما
ممن لا يخرج، فأمر أن يخرجا إلى الليل في الجامع، فسألناه أن يحلفها في
أقرب المساجد منهما، وشق عليهما الخروج إلى الجامع، فأجابها إلى ذلك.
[8/ 157]
(8/157)
قال مالك في كتاب ابن سحنون وغيره: يستحلف
النصارى حيث يعظمون من كنائسهم وغيرها.
قال ابن القاسم: ولا أرى أن يستقبل به القبلة.
قال ابن حبيب: قال مطرف، وابن الماجشون: يحلف النصارى، واليهود،
والمجوس، حيث يعظمون من كنائسهم، فيرسل القاضي في ذلك رسولا، ولا
يحلفهم إلا بالله. وكذلك روي عن مالك.
في اليمين على أصل المعاملة، أو يحلف ما لك علي حق وفي اليمين على البت
أوعلى العلم وهل يحلف فيما وليه غيره؟ وهل يحلف من أقام البينة؟
من كتاب ابن المواز، ومن العتبية من سماع ابن القاسم، وعن من حجد ما
ادعي عليه، فأراد طالب الحق أن يحلفه: ما أسلفتك شيئا. وقال الآخر:
أحلف: ما لك على شيء. قال أرى أن يحلف: ما لك عندي/ حق، وما الذي ادعيت
علي إلا باطل. فإن نكل، حلف الطالب استحق. وقال: هذا يدرك. قال أصبغ:
وقد حضرت ابن القاسم، وقد حكم بأن يحلف: ما أسلفته شيئا. وكذلك في
المدونة، وفي كتاب ابن القاسم، من أول المسألة مثله أيضا.
قال ابن حبيب: قال مطرف فيمن ادعى أنه باع من رجل بيعا، وبقي عليه
الثمن، فأنكر المدعى عليه، فيحلف، فيقول: تحلف أنه لا حق لك قبلي.
ويريد الطالب بيمينه: أني ما بعته. قال: يحلف على ما ادعى الطالب وذكر،
وقاله مالك، وقال: يريد أن يدرك هو الإلغاز إلى أنه قضاه. [8/ 158]
(8/158)
وقال ابن الماجشون: إذا حلف: ما لك علي من
كل ما تدعيه قليل ولا كثير. فقد برئ. وبه أخذ ابن حبيب، إن كان المدعي
عليه ممن لا يتهم، والمدعي من أهل الظنة، والطلب بالسنة. قال مطرف:
ويحلف الورثة في مثل هذا: أني ما أعلم الميت ابتاع منك ما تقول، ولا
أعلم لك عليه حقا. ولا يمين على من كان منهم غائبا أو صغيرا في حياة
الهالك، وكذلك فيما أقاموا فيه بينة بحق للمالك، ويثبت، فليحلف الكبير
بالله ما علم وليه اقتضى هذا الحق حتى مات، وليس عليهم أن يحلفوا: إن
هذا الحق لحق.
وليس على من أقام بينة بحق أن يحلف أن حقه حق، إلا أن يدعي المطلوب أنه
قد قضاه، فيحلف: ما اقتضاه. ورواه ابن القاسم عن مالك، وقال مثله كله
ابن الماجشون.
ومن كتاب ابن المواز: عن مالك في البائع يجحد الثمن، فينكره المبتاع
البيع، ويريد أن يحلف: ما له عندي شيء. قال:/ يحلف: ما اشترى منه سلعة
كذا.
ومن كتاب ابن سحنون وغيره: قال: ويحلف الرجل في حق نفسه على البت،
وفيما عليه نفسه على البت، مثل أن يكون له حق، فيدعي المطلوب منه
البراءة، فيحلف الطالب: إن هذا الحق – يسميه – لثابت عليه. وإن كان
الحق لأبيه الميت: حلف على البيت في نفسه، وعلى علمه في أبيه: ما يعلم
أنه اقتضاه، فإن قام عليه شاهد، قال في اليمين، إن ما شهد به فلان بن
فلان على فلان بن فلان لحق ثابت عليه.
قال ابن المواز: يحلف مع الشاهد في حق أبيه الميت على البت، كما شهد
شاهده.
ومن كتاب ابن سحنون: وكان سحنون إذا قال الخصم: لا أقر ولا أنكر. وقال:
ماله عندي حق. والآخر يدعي دعوى، يقول: أسلفته. أو: بعته. أو: أودعته.
فكان لا يقبل قول المدعى عليه: ما له عندي شيء حتى يقر بالدعوى [8/
159]
(8/159)
نفسها، أو ينكرها، فيقول: ما باعني، ولا
أسلفني، ولا أودعني. فإن تمادى على اللدد، سجنه، فإن تمادى، أدبه،
وكذلك إذا تمادى في أن لا يقر ولا ينكر. وأما قوله: ما له عندي حق.
فكان ربما قبل ذلك منه، وأمر يكتب دعوى المدعي، وإنكار الآخر، وربما لم
يقبل منه حتى يقر بالشيء بعينه أو ينكره، ورجع إلى هذا في آخر أيامه.
قال: ويحلف من قضي له على ميت بدين: أنه ما قبض شيئا منه، ويحلف فيما
قضي له به من الاستحقاق: أنه ما باع ولا وهب. وفي كتاب الوكالة مسألة
لابن الماجشون، في العبد يموت وله دين، فتقوم فيها البينة، ويزعم
الغرماء أنهم دفعوا بعضها إلى السيد، يحلف أنه ما علم أن العبد قبض
شيئا من ذلك.
ولو وكل/ السيد من طلب ذلك فأثبته، فقالوا: لا ندفع حتى يحلف السيد.
وهو ببلد آخر، قال: يعجلوا الدين، فإذا اجتمعوا مع السيد، حلف لهم، ولا
يحلف الوكيل.
ومن كتاب ابن سحنون: قال سحنون: ويحلف الرجل في الحق الذي له والذي
عليه على البت، وما ورثه عن أبيه، حلف فيه على العلم، مثل أن يحلف أنه
ما يعلم أن أباه قبض هذا الحق ولا قيم له قابض، وإن طلب منه اليمين أنه
هو لم يقبضه، حلف على البت، وكذلك في كل ما وليه هو بنفسه، وأما اليمين
مع الشاهد، فلا يحلف إلا على البت على ما قال الشاهد، كان الحق ورثه عن
أبيه، أو كان له مما وليه بنفسه؛ لأن يمينه بدل من شاهد آخر.
قال مالك: ويمينه فيما يقضي له به من أبيه، أو عبده، أو غيره، أو شيء
يستحقه: أنه ما باع ولا وهب، ولا خرج من يديه بوجه ما يخرج به من
الملك.
قال: والبينة إنما يقولون: لا نعلمه باع ولا وهب. وشهادتهم على البت،
أنه ما باع ولا وهب، شاهدة مردودة. قال ابن كنانة: ويقولون: إنها له
على [8/ 160]
(8/160)
البت، وإنهم لا يعلمونها خرجت من ملكه بوجه
ما يخرج من السلعة من الملكئ، فيقولون هذا على العلم، والملك على البت.
قال مالك: ومن أقام شاهدين في حق، فلا يحلف معهما إلا أن يدعي أنه
قضاه، فليحلف له، فإن نكل، حلف الآخر وبرئ، وإنما يحلف من أقام البينة
فيما يستحق من الأشياء؛ لإمكان أن يدعي من يرجع علهي عهدته من البائعين
أن هذا باعه منه، أو وهبه له، ويحلف فيما يقيمه من البينة في حق على
ميت؛ لإمكان/ أن يدعي الميت أنه قضاه. وقال مالك، في عبد مأذون باع
متاعا من قوم، وعلى ذلك بينة، فادعوا أنهم دفعوا إلى سيده، فإن كان
السيد كان يقتضي، فيحلف هو والعبد فيما ادعي عليهما. وقد قالك ذلك ابن
كنانة فيما ذكرنا في هذا الباب.
من كتاب ابن حبيب: قال ابن الماجشون، في عبد هلك بالحجاز، وسيده
بالقلزم، فوجد له أذكار حقوق على الناس، فقام وكيل مولاه بها، فأثبتها،
فادعوا أنه قبض أكثرها، وقالوا: يحلف السيد على ما قبضه غلامه، ونحن
نوقف الحقوق حتى يحلف السيد، قال: للوكيل قبض الحقوق إذا لم يكتبوا بما
يراه، فإذا اجتمعوا مع السيد، أحلفوه: أنه ما علم عبده قبض شيئا من
ذلك.
في المقضي له بالسلعة، هل يحلف ما باع ولا
وهب؟ أو يقيم بينة على حاضر أو غائب هل يحلف معهما؟ وهل يحلف
أنه ما قبضه؟ أو يحلف ورثته أو وكيله؟
من المجموعة: ابن القاسم، عن مالك، في من أقام بينة في عبد أو دابة، أو
ثوب بيد رجل، أنه له، لا يعلمونه باع ولا وهب، ولا خرج من ملكه، قال:
فهذا يستوجب ما ادعى، ويحلفه الإمام مع ذلك: أنه ما باع ولا وهب، ولا
خرجت من ملكه بشيء، يحلف على البت، وكذلك لو قال: أعرته ذلك. أو: [8/
161]
(8/161)
استودعته. فهو مثل السارق إن قامت له
البينة أنه ثوبه، فليحلف: أنه ما باعه ولا وهبه، ولا خرج من ملكه، ثم
يأخذه. وقاله كله أشهب.
قال ابن القاسم/: بعيد الغيبة، أنه ينفذ القضاء لوكيله، ويؤخر يمينه
حتى يقدم، على ما قال محمد.
في النكول عن اليمين، وفي رد اليمين
من كتاب ابن سحنون عن أبيه: قال مالك وأصحابه: لا يجب الحق لنكول
المدعي عليه عن اليمين، حتى يرد اليمين على المدعي، فيحلف. ولم يختلف
في ذلك أهل المدينة، وبه حكم أئمتهم.
قال مالك: وإذا جهل ذلك الطالب، فليذكر ذلك له القاضي حتى يحلف الطالب؛
إذ لا يتم الحكم إلا بذلك.
قال أشهب: ولم يختلف أهل العلم أنه لا يقضي بالنكول حتى يرد اليمين على
الطالب، وقد رد شريح اليمين على المدعي بعد نكول المدعي عليه، وقضى به
الشعبي على ابن شبرمة، وقضى به الضحاك. وقاله محمد بن سيرين. وقاله
الليث ابن سعد، وليس حجة من احتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم:
البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه. لأن ذلك ليس بمانع أن
يحلف المدعي، وليس قول من قال: لم يسمع بهذا عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم حجة على من سمعه. وقد حدثنا ابن لهيعة، عن سالم، بن غيلان،
أن النبي عليه السلام قال ذلك، ولو لم يأت ذلك، لم يكن الحديث الأول
مانعا من ذلك، إنما هو تعريف من يبدأ باليمين، ومن هي عليه، ومن [8/
162]
(8/162)
عليه البينة، وذلك أن قول النبي صلى الله
عليه وسلم: من أعتق شركا له في عبد، قوم عليه. ولو كان الذي لم يعتق
شيئا أن يعتق، لكان له ذلك عند العلماء، وليس هذا في الحديث، لكن
فارقهم معنى الحديث أنه أريد تخليص العبد من الرق، وأن لا يضر بالتمسك
بالرق أيضا/ بما نقصه العتق الذي أحدث هذا، وقد روي فيه أيضا جبران
المتمسك وصب في تضمينه، فأعتقه، ولو لم يأت هذا لكان فيما ذكرنا دليل
أنه نهى النبي عليه السلام، أن تباع الثمار حتى يبدو صلاحها.
ولو لم يقل: فإذا بدا صلاحها ببعت. ففهم هذا بالمعنى، لا يختلفون فيه.
وقوله عز وجل (فانفقوا عليهن حتى يضعن حملهن). وقد ينفق على المطلقة
واحدة وهي غير حامل، وليس ذلك في النص، ولكنه مستدل عليه. قال سحنون:
ومن زعم أن النكول عن اليمين كالإقرار، لزمه أن من ادعى علىر رجل أنه
قتل وليه أو عبده عمدا، ولا بينة له، فاستحلف المدعي عليه فنكل، أن
يكون ذلك إقرارا، وهذا خلاف جميع العلماء، وإن قالا: يسجن أو يغرم
الدية. وقد اختلفوا فيه، فقد خصموا وفرقوا بينه وبين الإقرار، إذ لا
يقبل بالنكول أحد، ومن قولهم: أن نكول الملتعنة عن اللعان، أن يحبس ولا
يجلس، فلو كان إقرار، لزمها الحد.
قال سحنون: وإذا لم يحلف مع شاهده، حلف المدعى عليه، فإن نكل ها هنا
غرم، ولا ترد اليمين على الطالب، بخلاف الذي لم يأت بشاهد؛ لأن هذه
يمين قد ردت إذا كانت على الذي أتى بالشاهد فنكل، فردت على المطلوب،
[8/ 163]
(8/163)
وهي إذا لم يأت بشاهد على المدعى عليه، فإن
نكل، ردت على المدعي، وإن حلف، فلا شيء له. وهذا قول مالك. وقضى به عمر
بن عبد العزيز.
قال ابن المواز: قال مالك: ومن ابتاع عبدا بيع براءة ثم ظهر على عيب
قديم، فيحلف البائع: أنه ما علم به، فإن نكل/ رد عليه العبد، ولا يمين
على المبتاع في هذا.
ومن كتاب آخر: قال أصحاب مالك في المودع يدعي ضياع الوديعة، فأكذبه
ربها، وقال: أكلتها. فالمودع مصدق، إلا أن يتهم، فيحلف، قال محمد ابن
عبد الحكم: فإن نكل، ضمن، ولا ترد اليمين ها هنا على ربها.
ومن كتاب ابن المواز، قال: وإذا وجبت القسامة لأولياء المقتول على
العبد، وقد ثبتت بينة أنه جرحه، ثم برئ منه، فمات، فنكل الأولياء عن
اليمين، فلا ترد ها هنا اليمين على العبد ولا على سيده، ولكن يضرب
مائة، ويخلي وقد ثبت جرحه، فإما قبله سيده بديته أو أسلمه، وأما إن
كانت القسامة بقول الميت: دمي عند فلان، أو بشاهد على القتل الموحر
فليحلف الأولياء، فإن نكلوا، حلف السيد يمينا واحدة على علمه، فإن نكل،
لزمه أن يسلمه أو يفديه بدية المقتول، ويضرب العبد مائة، ولا يحبس.
وقيل: يحلف العبد خمسين يمينا ويضرب مائة.
ومن العتبية: روى عيسى، وأصبغ، عن ابن القاسم، في المدعي يقول للمدعى
عليه: احلف وابرأ. أو يقول له الآخر: احلف أنت وخذ ما ادعيت. فإذا هم
باليمين، بدا للمدعي عليه، وقال: لم أظنك تجترئ على اليمين. قال: يحق
له أن يرجع، وليحلف المدعي، ويأخذ حقه كان ذلك عند السلطان أو عند غير
السلطان، فقد لزمه. وقاله أصبغ. وقد ذكرنا في باب من حلف خصمه، ثم أقام
عليه بينة: ذكرا من النكول ورد اليمين، ونكول من شهد له شاهد على
اليمين./ [8/ 164]
(8/164)
قال محمد بن عبد الحكم: قال عبد الله: ومن
قول مالك وأصحابه: من أقام بينة على حاضر بدين، فلا يحلف مع بينته على
إثبات الحق، ولا على أنه ما قبضه منه حق يدعي المطلوب/ أنه دفعه إليه،
أو دفعه عنه دافع، فيحلفه حتى إذا كان الحكم بعبد أو حيوان استحق،
فلابد أن يحلف المحكوم له أنه ما باع ولا وهب؛ لإمكان أن يدعي من باع
من هذا المحكوم عليه أن هذا الطالب باع منه أو وهبه، أو يدعي ذلك غيره
من جرى له عليه ملك، أو استحقه ورثة ميت، أنه كان للميت، وأقاموا بينة
أن ذلك الشيء له لا يعلمونه باع ولا وهب، ولا خرج من ملكه بوجه من
الوجوه، ولو كان الحكم بالدين على غائب أو ميت، لم يقض للطالب حتى يحلف
أنه ما قبضه منه، ولا من أحد يشبهه؛ لإمكان أن يدعي الغائب أو الميت
ذلك، ولو كان الدين لميت قام به ورثته، فلابد أن يحلف أكابرهم: أنهم ما
يعلمون أن وليهم قبضه من المقضي عليه، ولا من أحد بسببه، ولو كان
المطلوب حيا، لم يحلفوا حتى يدعي ذلك المطلوب على الميت أو عليهم.
قال محمد بن عبد الحكم، في وكيل الغائب يطلب بدين فثبت له، فقال
المطلوب: من حقي أن يحلف لي المحكوم له: أنه ما قبضه، فإنه ينظر. فإن
كانت غيبته قريبة، انتظر حتى يقدم، وكتب إليه، وإن كان بعيد الغيبة،
فإن المطلوب يدفع الحق الساعة إلى الوكيل، ويقال للمقضي عليه: إذا
اجتمعت مع الطالب فحلفه على ذلك. ويكتب له القاضي بذلك كتابا يكون
بيده، فإن مات المقضي له، حلف أكابر ورثته على مثل ذلك، ولا يحلف
الأصاغر وإن كبروا بعد موته.
قال عبد الله: وكذلك ينبغي لو حكم لوكيل غائب بحيوان، وهو بعيد الغيبة.
وعن مالك: ولو أقام عليه البينة بحق له، فطلب المشهود عليه يمينه مع
الشاهد به، فليس له ذلك، إلا أن يدعي أنه قضاه بينه وبينه، فليحلف، فإن
نكل، حلف المطلوب وبرئ. وقاله ابن نافع.
قيل لابن كنانة: ولو أقام عليه شاهدين بالحق، فكلف الطالب تعديلهما،
فقال له المطلوب: احلف: أن حقك حق، ولا أكلفك تعديلهما، وأعطيك [8/
165]
(8/165)
حقك. قال: ليس ذلك على الطالب، إن شاء قبل
ذلك فحلف، وإن شاء عدل الشهود، وقضى بلا يمين.
قال ابن كنانة: وليس على من أقام بينة في أرض، أو حيوان، أو سلعة، يمين
إلا أن يدعي الذي ذلك في يده عليه أمرأ ظن بصاحبه أن يكون قد فعله،
فيحلف: ما فعله، ويأخذ حقه.
وقال ابن كنانة، في المصري له حق على رجل من أهل أفريقية، فوكل عليه
وكيلا يقبض منه حقه، فلما أتى بكتاب القاضي وثبتت خلافته، ادعى المطلوب
أنه قد قضى، وسأل التأخير إلى أن يحلف له الطالب، قال: ليس له ذلك،
وليحلف له الوكيل: إني ما علمت أنه ما قبض منه شيئا. ثم يقبض منه الحق،
إلا أن يكون الطالب قريبا مثل اليومين، فيكتب إليه، فيحلف، وقال ابن
القاسم: لا يحلف الخليفة ولا ينتظر حتى يجامع صاحبه، وقال غيره: لا
ينبغي للقاضي أن يكتب للطالب كتابا حتى يحلفه: ما اقتضى من الحق شيئا.
وقد تكرر هذا في كتاب آداب القاضي.
قال محمد بن عبد الحكم: وإذا قال من وجبت عليه يمين: اضرب لي أجلا حتى
أنظر في يميني وفي حسابي، وأثبت فعل ذلك به. قال: يضرب له بقدر ما
يراه.
ومن كتاب ابن المواز: قال أشهب، عن مالك، في رجلين ابتاعا طعاما، فحمله
إليهما الحمالون، فوجد أحدهما طعامه ينقص أربعة أراداب، فذهب إلى الذي
حمل إليه معه، فقال: انظر هل ذهب من قمحي إليك شيء؟ فكال قمحه، وقد كان
خلطه بقمح له آخر، فكاله فوجده يزيد غرارة، فردها عليه، فأراد الذي ذهب
قمحه أن يستحلفه، قال مالك: ذلك له، يحلفه بالله ما دخل بيته إلا هذا،
فإن أبي أن يحلف، حلف الآخر وأخذ، وهو رجل سوء إن حلف على ما لا يعلم
ولا يدري أن وصلت إلى هذا أم لا، ولعل الحمالين اختانوا ذلك، ثم قال:
ولعل أن لا يكون له في ذلك يمين، لكن أشد ذلك أن الذي فرغ في بيته
القمح [8/ 166]
(8/166)
إن نكل غرم، هذا أحب إلي. وسئل عنها ثانية،
فقال: اليمين على المدعي عليه. قال ابن المواز: يريد وحده. قال مالك:
فإن أبى أن يحلف، لزمه الحق، وأما المدعي، فلا يمين عليه؛ لأنه لا يدري
ما يحلف عليه.
جامع الأيمان
من كتاب ابن سحنون: سئل مالك عن من وكل على بيع سلعة فباعها على أن لا
يمين عليه، ثم يوجد بها عيب، أيستخلف؟ قال: لولا قطع السنة لرأيت أن
يحلف. وقال أيضا: أما الوصي يقول: لا أحب أن أحلف. والرجل/ المأمون،
بالحال فذلك له، فأما غيرهم، فلا، فليرد البيع إذا أبى أن يحلف.
قال عنه ابن وهب، في من باع على أن لا يمين عليه فيما يوجد بها من عيب،
فذلك شرط جائز قد يضع له من الثمن لذلك. وسئل عن رجل أتى ودماؤه تسيل،
وجاء معه بعبد من الحوائط يدعي أنه هو ضربه، فضرب العبد، وسجن، وسرح،
ثم جاء به آخر بعد ذلك، فضرب، وسجن، ثم جاء به آخر ودماؤه تسيل، فأنكر
ذلك العبد، قال: يحلف العبد، ويخلي سبيله. وعن من انتهب صرة والناس
ينظرون إليه، فطرحها مطرحا لم توجد، فادعى صاحبها عددا وأنكره الآخر،
والآخر يكذبه، ولا يعلم المنتهب كم هي؟ فاليمين على المنتهب.
قال مالك: ولا بأس أن يفتدي الرجل اليمين بشيء يعطيه لمن طلبها. وقاله
ابن شهاب، وذكر أن عبيد القسام الأنصاري في إمارة مروان، افتدى من
اليمين بعشرة آلاف درهم.
ومن كتاب ابن المواز: وكره مالك للرجل أن يحلف أباه، قيل: أيحلف الرجل
في حق لابنه الصغير؟ قال: إن كان هو الذي رفعه، أو لنعه وله بذلك شاهد،
فإنه يحلف، قال: ولو أشهد رجل على نفسه، فقال: إن حلف فلان بالله [8/
167]
(8/167)
أن له عندي مائة دينار، فذلك لازم لي،
وقال: إن حلف بالعتق أو بالطلاق، قال: إن حلف باليمين الذي رضيها بقرب
قوله ووقته، إلا أن يقول متى حلف فيكون ذلك للمدعي. قال: ومن لم تكن
بينهما مخالطة، وادعى عليه دعوى، وقال له: احلف: أني سلح ملي، وأنا
أعطيك كذا/. فحلف له، قال: يلزمه ما وعده به. وقد قال مالك، في من قال
لرجل: بلغني أنك شتمتني، فاحلف لي وخذ مني دينارا. فحلف له، وأبى أن
يعطيه، قال: يلزمه أن يعطيه دينارا.
قال مالك فيمن صالح على دراهم كانت له عند رجل على أن يدفع إليه خمسة
دراهم كل شهر، على أن ليس للدفاع أن يستحلف صاحب الحق، إن أنكر قبض ما
يدعيه إذا لم تكن له بينة على دفعه، قال: لا يجوز هذا الشرط، وعليه
اليمين فيما ادعى من دفعه إليه.
وقال فيمن ادعى على أحد ورث أباه لا وارث له غيره، أنه أودع أباه عبدا
بعينه، فقال الابن: لا أدري أصدقت أم لا؟ فله أن يحلف الابن على علمه،
ويبرأ، وهذا صواب.
ومن كتاب ابن المواز: روى أشهب، عن مالك، في شريكين في زرع، شغل
أحدهما، أو مرض، فحصده الآخر، وأنفق، ثم صح شريكه، وإنما له أيسره،
فقال له المتولي: هذا الذي خرج من الزرع: وقد أنفقت كذا وكذا. فقال له:
احلف لي أنه ما أخرج الزرع إلا هذا، وأن النفقة على ما قلت. فقال: إنما
أحلف أنه الذي دفع إلى وكلائي. قال: يحلف على ما دفع القوم، ليس عليه
غير ذلك، ويحلف على علمه إذا كان عنه غائبا، ولو كان حاصل ما حلف إلا
على علمه، لعله ذهب منه ما لا يعلمه. قال محمد: ويدخل في يمينه: وما
خنتك. [8/ 168]
(8/168)
فيمن أبرأ رجلا من
كل طلب ثم أراد أن يحلفه
قال محمد بن عبد الحكم: وإذا شهدت بينة لرجل أن فلانا أبرأه من جميع
الدعوى، وأنها آخر كل حق له، وطلب من جميع المعاملات/، ثم أراد أن
يستحلفه بعد ذلك، وادعى أنه قد غلط أو نسي، فليس ذلك له، وكذلك إن شهد
عليه بذكر حق مسمى، وفي الكتاب: أنه لم يبق له عليه ولا قبله حق ولا
عنده، أو شهدوا أنه لم يبق بينه وبينه معاملة غير ما في هذا الكتاب،
فليس له بعد ذلك أن يستحلفه على غير ذلك- يريد مما قبل تاريخ الكتاب-
وكذلك لو قال الذي أقر بالحق على ذلك، وكذلك إن أشهد له أنه قبض منه
ثمن سلعة باعها منه، ثم ادعى عليه أنه بقي له بقية من الثمن، وأنه وثق
به، وأشهد له بالقبض، ثم أراد أن يحلفه، فليس له ذلك، ولو كان له ذلك
ما نفعت المرأة ولا انقطعت المعاملة.
فيمن حلف خصمه ثم أقام عليه بينة أو لم يحلف مع شاهده وحلف خصمه ثم وجد
عليه شاهدين أو شاهدا آخر
من كتاب ابن سحنون: روى ابن وهب أن عمر بن الخطاب، اختصم إليه يهودي
يدعي على مسلم، فدعاه بالبينة، فقال: ما يحضرني اليوم بينة، فأحلف له
المطلوب، ثم جاءه المدعي بعد ذلك بالبينة، فقضى له بها. وقال: البينة
العادلة أحب إلي من اليمين الفاجرة.
وقاله شريح، ومكحول، والليث.
وقال مالك: إذا أحلفه، ثم وجد بعد ذلك بينة، قضي له بها إن لم يكن علم
بها، فإن كان به عالما، فحلفه تاركا لها، فلا حق له وإن كانت حاضرة أو
غائبة/ [8/ 169]
(8/169)
إذا حلفه عالما بها، وتاركا لها، ولو قال:
قد علمت بينتي، وهي غائبة، وأنا أحلفه، فإذا جاءت، قمت بها، قال ابن
القاسم: إن كانت بعيدة، فذلك له، وإن كانت قريبة على مثل يومين وثلاثة،
فلا يحلفه إلا على اسقاطها.
قال سحنون: قال سفيان: قال ابن أبي ليلى: إذا أحلفه، فلا شيء له.
ومن كتاب ابن سحنون: قال سحنون: لا يحلف الرجل حتى يثبت عليه لطخ، فإن
أثبته وقال: أحلفه لي. ثم آتي ببينتي. قال له القاضي: إما حلفته على
إسقاط بينتك، وإلا فأت بالبينة.
ومن العتبية: روى أشهب، عن مالك، وهو في كتاب ابن سحنون، من رواية ابن
نافع، في من قضى دينا عليه ببينته، وأشهد الله على القضاء، ثم طولب به،
فقال: قد دفعته إليك بشهادة فلان وفلان؛ بما حلف، احلف وخذه فحلف له،
وأراد أن يقيم عليه البينة أنه قضاه، قال: ذلك له ويرجع منه.
وقال في كتاب ابن سحنون: قال ابن نافع، عن مالك: إذا أحلفه، وبينته
حاضرة، وهو عالم بها، فله القيام بها بعد ذلك، وقال أشهب، في غير كتاب
ابن سحنون، وروى عنه ابن عبد الحكم مثله، في كتاب ابن المواز.
ومن كتاب ابن حبيب: قال مطرف، وابن الماجشون: إذا حلف خصمه، ثم أقام
بينة، فإن لم يكن علم بها، قضي له بها، كانت يوم أحلفه حاضرة أو غائبة،
بعد أن يحلف: أنه ما علم بها، فإن كان عالما بها، وهي في البلد، أو
قريبة منه قربا لا يخاف فيه فوت/ حقه، أو أخره إلى قدومها، فلا حق له
في البينة، ولا رجوع له على صاحبه، وإن حلف، أن ذلك لم يكن منه، رضى
بيمينه، وتركا للآخر لبينته، وإن بعدت بينته، لم يضره علمه بها دون
السلطان، وليقم بها، ولا يمين عليه: أن ذلك لم يكن رضى باليمين على ترك
البينة؛ لأن السلطان لو علم بها لأحلفه له، وكان له القيام ببينته إذا
قدمت، وكذلك روى ابن القاسم، وابن وهب، عن مالك. [8/ 170]
(8/170)
قال ابن الماجشون، عن مالك: إذا أقام
شاهدا، وأبى أن يحلف معه، وحلف المطلوب، ثم وجد الطالب شاهدا آخر، أنه
يقضي له به مع الأول، وقال ابن كنانة: هذا وهم، وقد كان يقول: لا يضم
هذا إلى الشاهد الأول، لأنه نكوله أولا أبطل شهادة ذلك الشاهد، وإنما
يكون هذا في المرأة تقيم شاهدا على طلاقها، والعبد على عتقه، وكذلك كل
ما لا يقضي فيه بشاهد، ويمين، فيحلف الزوج أو السيد أو الذي شهد عليه
الشاهد في غير الأموال، ثم يجد الطالب شاهدا آخر، فهذا يضم إليه إلى
شاهده الأول؛ لأنه لم ينكل أولا عن اليمين، فيتركها كما فعل الأول.
وقال ابن الماجشون: قال أصبغ بقول مالك الأول، أنه يضم له الشاهد
الثاني إلى الأول الذي نكل معه، إذا كان غائبا عنه غيبة بعيدة، ولم يكن
يعرفها ولا حجة عليه بإبائه اليمين، وليس كل الناس يحلف على حقه، ويبين
ذلك، أو لو كان لا شاهد له، فأحلف له المدعى عليه، فنكل، فحلف المدعي،
وأخذ، ثم وجد المطلوب بينة بالبراءة/ أنه يبرأ بها، ويسترجع ما أخذ
منه، ولو نكل المدعي عن اليمين، فلم يأخذ شيئا، ثم وجد بينة على دعواه،
فإنه يؤخذ بها، قال أصبغ: وهذا الذي لا أعرف غيره، وهو أبعد في العبرة
من الذي لم يحلف مع الشاهد.
وقد ذكرنا هذا كله في الثاني من الشهادات.
قال ابن حبيب: وقال مطرف، في المدعي عليه يحلف المدعي حين لم يجد بينة،
وقد ثبتت الخلطة، ثم أتى المدعي بشاهد، فأراد أن يحلف معه، ويأخذ حقه،
فليس له ذلك؛ لأنه لا يسقط يمينا قد دري بها حق بشاهد ويمين، ولكن إن
جاء بشاهدين، كان ذلك أولى من اليمين وأعدى بحقه.
وقاله ابن الماجشون، وابن عبد الحكم، وأصبغ.
ومن كتاب ابن المواز: قال أشهب، وابن وهب، في من حلف غريمه أن له متى
ما وجد بينة أن يحكم له بها، ولم يذكر أنه رضي بيمينه، وهو يعلم أن له
بينة حاضرة أو قريبة الغيبة غير البعيدة جدا. [8/ 171]
(8/171)
ومن المجموعة: قال مالك: وإن أقام شاهدا،
فلم يحلف معه، ورد اليمين على المطلوب، فحلف ثم أقام شاهدين بعد ذلك،
قضى له بهما إن كان لذلك وجه.
قال هو وابن كنانة: ولو وجد شاهدا مع شاهده الأول، فلا يقضى له به مع
الأول؛ وذلك قاطع لحقه، قال ابن القاسم: وليس كمن لم يجد بينة فيحلف
خصمه، ثم يجد البينة. وكذلك القسامة.
وفي الجزء الثاني من الشهادات زيادة في هذا في باب من نكل عن اليمين مع
الشاهد.
فيمن صالح ثم وجد بينة
أو اشترى من رجل/ شيئا ثم وجد بينة أن له ذلك قبل شرائه
من كتاب ابن سحنون: قال سحنون، في من ادعى دابة أو دارا بيد رجل، وهو
منكر، فصالحه على شيء أخذه منه، ثم وجد بينة، أو كانت بينة غائبة لم
يعلم بها، قال: الصلح جائز، لا يرجع فيه.
قال ابن القاسم، عن مالك، في من طلب من رجل دينا، فأنكر، فصالحه، ثم
وجد بينة؛ فإن كان لم يعلم بها، فله الرجوع عليه بها يحلفه، وإن كان
يعلم بها وهي غائبة، يخاف أن يموتو أو يفلس غريمه قبل يقدموا، فهذا
يلزمه الصلح، ولا قيام له بالبينة. قال سحنون: إنما له الرجوع إذا أشهد
أني إنما أصالحه لجود وأنا قائم بحقي بعد هذا، فهذا له الرجوع إذا وجد
بينة يريد: لم يكن علم بها.
قال ابن القاسم في المدونة: ومن ادعى قبل رجل مالا أو دارا، فأنكره،
فصالحه من ذلك، ثم وجد بينة، أو أقر له المطلوب، فإن كان الطالب
بالبينة عالما، فلا قيام له، ولو كانت بينة غائبة، فخاف موتهم أو إعدام
الغريم إلى [8/ 172]
(8/172)
قدومهم، فلا حجة له بذلك، ولو شاء تربص،
فإن لم يعلم بالبينة، فله القيام ببقية حقه.
قال يحيى بن عمر: وبلغني عن سحنون، في الذي أقر له بالدار بعد الصلح:
أن الطالب مخير، إن شاء تماسك بصلحه، وإن شاء رد ما أخذ، وأخذ الدار.
وروى أصبغ، عن ابن القاسم، إن كانت بينته غائبة بعيدة جدا، وأشهد: أني
إنما أصالحه لذلك، فله القيام.
ومن العتبية: قال أصبغ، في من ادعى سلعة بيد رجل، فخاف عليها أن تتلف،
فاشتراها منه، ثم وجد بينة أنها له؛ فإن كان لم يكن علم ببينته قبل
الشراء، فله أن يثبت/ البينة، ويرجع بماله فيأخذه به، وهو كمن صالح
عالما ببينته، إلا أن تكون بينته بعيدة جدا، وشهد حين اشتراها: أنه
إنما فعل ذلك لبعد بينته، وخوف أن يفيت السلعة، فله القيام، ولو قال:
اشترتيها، ولم أعلم ببينتي. وقال له البائع: إن علمت حينئذ ببينتك،
فربها مصدق أنه لم يعلم بها مع يمينه، إلا أن يثبت عليه أنه قد علم
بها.
فيمن ادعى حقا في دار أو عبد هل يكشف المدعي عليه من أين ملكها؟ أو قال
المطلوب لك في ذلك حق لا أدري ما هو
من المجموعة: قال عبد الملك: وإذا لم يبين المدعي دعواه ما هو؟ وكم هو؟
لم يسأل المدعى عليه عن دعواه حتى يبينه الطالب في طلبه، فيسأل حينئذ
المطلوب عن دعواه، فأما ما لم يبينه عليه بشبهة، ولم يحق عليه طلبه،
فإنه لا يسأل عما بيده، كما لو قال: أن أطلب منك هذا العبد، فاذكر من
أين هو [8/ 173]
(8/173)
لك؟ وبماذا ملكته؟ فليس عليه أن يكشف عن
هذا. ولو قال له: إن لي فيما بيدك من هذا العبد، وهذه الدار حقا، فقال
له المطلوب: نعم، ولا أعرفه. فقال الطالب: هو كذا وكذا، ولا بينة لي.
فإنه يحلف المطلوب: أنه ما يعرف ما قال المدعي كما قال، ولا يحق له حقا
يعرفه، ثم ينزع منه العبد أو الدار إلى أن يتبين ما عليه، أو يصطلحان
على أمر جائز، وهذا إذا أقام بذلك الطالب عند السلطان، وإلا لم يوقف
عليه شيئا، قال: ولو رجع، فقال/: قد عملت الذي له. فإن سمى جزءًا
معلوما، حلف على ذلك، ويمينه هذه تبرئه من ما رامت دعوى المدعي. ومن
هذا في غير هذا الباب، وفي كتاب الدعوى في من لم يكذب المدعي، ولا
صدقه، إن قال: لك علي حق لا أعلم كم هو؟
قال ابن حبيب: قال مطرف، في رجل قال لرجل: لك علي حق، ولا أدري كم هو؟
فقال المقر له: هو كذا. قال: إن حلف المقر له، وإلا لم يعط شيئا.
في المدعي عليه لا يقر ولا ينكر أو يقول يسأل المدعي من أي وجه وجب له
ذلك علي؟
من المجموعة، والعتبية من سماع أشهب: سأل ابن كنانة مالكا، عن من بيده
دور، فيدعي رجل أنها لجده، فقال المطلوب: لا أقر ولا أنكر، ولكن أقم
البينة على دعواك. وقال مالك: يجبر المدعي عليه حتى يقر أو ينكر. وذكر
ابن المواز هذه الرواية، وذكر عن ابن الماجشون مثله، وقال: إن هذا
صواب، ولكني استحسن غير هذا إذا ثبت على شكه، وذكر مسألة الذي يدعي
عليه بستين دينارا، فيقر بخمسين، ويأبى في العشرة أن يقر أو ينكر، فإنه
يجبر بالحبس حتى يقر بها أو ينكر، إذا طلب ذلك المدعي، كما قال مالك،
وعبد الملك، وأنا [8/ 174]
(8/174)
أستحسن أنه إذا تمادى على شكه، وقال: لا
أحلف على ما لا يقين لي فيه. فإني أحلفه: أنه ما وقف عن الإنكار أو
الإقرار إلا لأنه على غير يقين فيه، فإذا حلف على هذا أدى العشرة، أو
يحبس بها بالحكم، فلا يمين على المدعي؛ لأن كل مدعي عليه، لا يدفع
الدعوى، فإنه/ يحكم عليه بلا يمين. وكذلك ابن المواز في المدعى عليه في
دور في يديه، فلا يقر ولا ينكر، فإذا أجبر على أن يقر أو ينكر، حكمت
عليه للمدعي بلا يمين.
ومن المجموعة: قال أشهب: وإذا ادعى عليه بألف درهم، فسأله القاضي، فلم
يقر ولم ينكر، فليجبره على أن يقر أو ينكر، ويحبسه إن أبي ذلك، فإن
قال: يسأل الطالب: من أي وجه يدعي علي هذا المال، فقد تقدمت بيني وبينه
مخالطة، فينبغي أن يسأل الطالب عن ذلك؟ فإن أخبره، أوقف المطلوب على
ذلك حتى يقر أو ينكره، فإن جحده وأراد أن يحلف له: أنه ليس له عليه شيء
من هذا السبب، لم يجز ذلك حتى يقول: ولا أعلم له علي شيئا بوجه من
الوجوه، فإن أبى أن يخبره، فإنه إن قال المطلوب: لا أذكر وجه ذلك. قبل
منه، وإن لم يقل ذلك، فإنه لا يقضي للطالب بشيء على المدعى عليه حتى
يسمي المدعي السبب الذي كان له به الحق، أو يقول: لا أعلم وجهه، ولا
أذكره، فلا يكون عليه في ذلك يمينا أنه لا يذكره، ويسأله البينة على
ماله.
ومن كتاب ابن سحنون: وإذا ادعى رجل على رجل ألف درهم عند الحاكم،
فيسأله الحاكم عن دعواه، فإن أنكرها، كلفه البينة، وإن أبي أن يقر أو
ينكر، أجبره على ذلك، فإن أبى سجنه حتى يقر أو ينكر، وإن قال: سل
الطالب من أي وجه يدعي ذلك علي؟ فإنه كانت بيني وبينه خلطة في غير شيء
حتى أعرفه، فليسأله؛ فإن ذكر وجها، سأل المطلوب عنه، فإن أنكر، وقال:
أحلف: ما له علي شيء من هذا/ السبب. فلا يجزيه ذلك حتى يزيد في يمينه:
ولا أعلم [8/ 175]
(8/175)
له علي شيئا من وجه من الوجوه. فإن أبى
الطالب أن يخبره السبب، فإن قال: لأني لا أذكر وجه ذلك. قبل منه، وإن
لم يقل ذلك، فلا يقضي له بشيء حتى يذكر سبب دعواه، أو يقول: لا أذكر
سببه. ولا يمين عليه في ذلك: أنه لا يذكر سببه، ويسأله البينة على
دعواه.
فيمن ادعى على رجل دعوى من مال أو حيوان أو حد أو غيره
هل يأخذ منه حميلا؟ أو يسجن له حتى يأتي بالبينة؟ أو يوقف ما فيه
الدعوى؟ وفيمن ادعى عليه في شيء هل يقوم على من باع منه قبل الحكم؟ ومن
ادعى على غائب هل يجلب له؟
من المجموعة: قال أشهب: ومن ادعى على رجل مالا، فأنكره، فطلب منه
كفيلا، فإن القاضي يسأله: هل له بينة على ظنة، أو خلطة، أو معاملة؟ فإن
قال: نعم. أو: هم حضور وكل بالمطلوب حتى يأتي هذا ببينته على اللطخ
فيما قرب من يومه ونحوه.
قال سحنون: لا أرى هذا، أين يجد من يوكل بهذا وهذا؟ ولكنه يأخذ منه
كفيلا حتى يأتي بالبينة على الخلطة فيما قرب.
قال أشهب: فإن جاء ببينة الخلطة، وادعى على الحق بينة حاضرة، فليأمره
أن يأخذ منه كفيلا بنفسه، ما بينه وبين خمسة أيام إلى الجمعة.
قال سحنون: قد يكثر هذا عليه، وهو إذا تم الأجل نظر في أمرهما، فبصير
قد قدمهم على غيرهم ممن ينظر بينهم على المراتب، وإن ترك أولئك إلى أن
يدعو بهم، صارت حمالة إلى غير أجل. [8/ 176]
(8/176)
قال أشهب: وكذلك إن أقام شاهدا، وأبى أن
يحلف/، وقال: إنني تاجر، وقد أقام بينة على الخلطة، فله أخذ كفيل إلى
مقدار غيبة شاهده الآخر، أو غيبة بينته على الحق، فإن كانت غيبتهم في
البعد تضر بالمطلوب، فليستحلفه، ولا يؤخذ منه كفيل، وإن كانت بينة
الخلطة بعيدة، فليس له أن يحلف، ولا يأخذ منه كفيلا. قال سحنون، وقال
غيره: وإن ثبتت بينة الخلطة، فطلب أخذ كفيل، فليس له ذلك، وإنما يؤخذ
كفيل، ويوقف الحيوان والعروض؛ لتشهد البينة عليها، وأما ما لا يحتاج
إلى حضوره ليشهد على عينه، فلا يؤخذ منه كفيل به. قال ابن القاسم: إذا
ثبتت الخلطة، فليس له أخذ كفيل الوجه، ليأتي بالبينة، إلا أن تكون بينة
في السوق، أو بعض القبائل، فيوقف القاضي المطلوب حتى يأتي هذا بالبينة،
فإن جاء بها، وإلا أطلقه، وإن طلب منه وكيلا بالخصومة حتى يأتي
بالبينة، فليس ذلك له؛ لأنا نسمع البينة على الغائب، إلا أن يشاء أن
يوكل من يدفع عنه.
قال سحنون: قال غيره، إن ثبتت المعاملة، فله عليه كفيل بنفسه، لتقع
البينة على عينه. قال سحنون: فإن لم يجد كفيلا، حبس حتى يستقصى فيه ما
كان يؤخذ منه كفيل. قال سحنون: يؤخذ منه كفيل؛ لأن الطالب يحتاج إلى
إيقاع على خصم حاضر. ومالك يقول/: لا يحكم في الرباع على الغائب،
وآخرون يقولون: إنما يحكم عليه بعد أن يكشف عنه، ويستبرأ أمره، ثم يكون
على حجته، فكيف لا يؤخذ في هذا حميل؟
قال سحنون: وإن ادعى عليه دعوى، فيريد أن يكتب له برفعه، فلا يمكن من
ذلك حتى يأتي بلطخ على ما ذكرنا من طلبه له بشاهد، أو سماع ونحوه، فإن
لم يأت به، لم ينبغ ذلك، وقد يكون بعيد الغيبة، فيجلب ويضر به، ولعل
بينه وبينه عداوة، أو تكون الدعوى يسيرة، فيرضى أن يؤديها ولا يشخص.
وكتب إلي سحنون فيمن يأتي فيقول: فلان يدعي علي دعوى، ويحمل إلى
العمال، فاكتب لي برفع من له علي دعوى إن أراد طلبني. فكتب إليه: كتب
[8/ 177]
(8/177)
الرفع عندنا غير صواب، ولكن اكتب إن قدرت
إلى العامل ألا يعترض للخصوم لما في ذلك من ظلمهم.
ومن كتاب ابن سحنون: قال: وكان سحنون يحبس من لم يعط لخصمه حميلا إذا
وجب عليه حميل.
وكتب إليه شجرة، في رجل بعث معه بمال ليوصله إلى رجل، فيتعدى به،
فينفقه، ثم يعترف عند الحاكم، فيقول: هذا ربعي أبيعه. فيعرضه، فلا يجد
من يشتريه، فطلب منه الطالب حميلا بوجهه، هل ذلك عليه؟ فإن لم يجد
حميلا، هل يحبس؟ فكتب إليه: لا حميل على هذا ولا حبس إذا بذل من نفسه
هذا، ولم يتهم، وإنما يحبس المفلس يتهم أن يخفي مالا. قيل له: فإن
عرضها، فلم يجد من يشتري، وزعم/ الطالب أنه يقول للمشترين: لا تشتروا.
أرأيت إن قال للحاكم: بع أنت ربعي، وادفع إليه. فقال: كيف أبيع، ولا
طالب؟ أو كيف أبيع ما ثمنه خمسون دينارا بخمسة دنانير؟ فقال: فاحسبه
لي. فقال سحنون: يدعو الحاكم إلى ضعيته وينشدها ويتسقصي، ثم يبيع
بالخيار عسى أن يزيد زائد، فإن لم يجد إلا ما أعطى، باع وأعطى الطالب
حقه.
ومن المجموعة: قال ابن القاسم: ومن ادعى على رجل حدا من الحدود عند
قاض، وادعى بينة يأتي بها في غد، فليوقفه القاضي، ولا يحبسه إذا رأى
لذلك وجها، وإن أقام عليه شاهدا عدلا، سجن له، فإن ادعى عليه دينا أو
استهلاكا أو غصبا، فإن السلطان ينظر؛ فإن كان بينهما مخالطة في الدين،
أو تهمة في الوجه الآخر، أحلفه له، أو أخذ منه كافلا، وإن ادعى عليه
قذفا، لم يؤخذ بحميل، وإن ادعى بينة قريبة، أمره بملازمته، أو جعل
السلطان من عنده من يلازمه، وإن كان أمرا بعيدا لم يعرض له، وإن كان
المدعي عليه أيضا على وجه [8/ 178]
(8/178)
سفر يضر به أن يمسك ساعة واحدة عن سفره، أو
لم يكن للمدعي وجه دعوى، فلا يمكن من لزومه. وهذا كله استحسان بقدر ما
ينزل، وإن أقام عليه شاهدين، فكان في النظر في عدالتهما، فليحسبه حتى
ينظر في ذلك.
قال ابن القاسم، وأشهب: وكذلك يحبس السارق حتى يكشف عن البينة، ولا
يؤخذ منه كفيل. قال أشهب: فإن عدلا قطع،/ وإن سقطا خلي. وكذلك كل ما
كان في الجسد من عقوبة، أو قصاص، أو قتل، ولا يكفل في هذا. قالا: وإن
قام شاهد بقتل عمد، سجن القاتل، فإن ثبت الشاهد، أقسم معه العصبة. قال
ابن القاسم: وإن لم يزك، لم يكن معه قسامة، قالا: ولا يحبس في الخطإ؛
لأن الدية على غيره من عاقلته؛ إذ ليس عليه من الدية ما بحبس به، أو
يؤخذ فيه كفيل إلى تزكية الشاهد.
قال سحنون: وكيف لا يؤخذ منه حميل، وهو يحتاج أن تقع البينة على عينه
أنه فعل ذلك.
ومن كتاب ابن سحنون: وإن ادعى عبد على حر قذفا، وأراد يعزر له، وطلب
منه كفيلا ليأتي بالبينة، فليس للعبد في مثل هذا تعزيز، إلا الرجل الذي
قد نهى عن أذى هذا العبد، أو رجل فاحش معروف بالأذى، فيعزز ويؤدب على
أذى العبد وغيره، وكذلك في حرية النصراني، فلا كفالة في هذا.
قال أشهب، وإذا ادعى رجل على قصاصا في نفس أو جرح خطأ أو عمدا، فبلغ
الخطأ أكثر من ثلث الدية، فلا يؤخذ في هذا كفيل؛ ليأتي بالبينة، وإن
جاء بلطخ، وأما ما كان من جراح أقل من ثلث الدية، فليأخذ به كفيلا، وما
بلغ ثلث الدية، فليس عليه، وهي على غيره. وسأله شجرة في من ادعى علىرجل
بدم، فأقام شاهدا ليس بعدل، أيحبس المطلوب؟ قال: يتوثق منه حتى يكشف
اللطخ الذي ثبتوا عليه. [8/ 179]
(8/179)
ومن كتاب ابن سحنون: سأل حبيب سحنونا، في
من اعترف/ من يده شيء، فثبت عليه شاهد واحد، فيريد المشهود عليه أن
يأخذ حميلا على من باع ذلك منه كيلا يحكم عليه في وقت يغيب هذا فيه،
قال: لا حميل له عليه، ولا يعرض له حتى يحكم عليه.
فيمن ادعى عبدا أو حيوانا أو طعاما لا يبقى
هل يوقف ذلك ليأتي عليه بالبينة؟ أو كان ربعا هل يمنع من ذلك في
يديه من الإحداث فيه؟ ومتى يجب العقل فيما يدعي فيه؟
من المجموعة، وكتاب ابن سحنون: قال ابن القاسم: ومن ادعى عبدا، فطلب
إيقافه ليأتي بالبينة، فليس له ذلك، إلا في حضور بينة، أو سماع يثبت له
به الدعوى، فيوكل القاضي بالعبد، ويوقفه ليأتي بالبينة إن كان حضورا،
إلا أن تبعد البينة مما في إيقافه ضرر، فليحلف المدعى عليه ويتركه بغير
كفيل. قال غيره، وهو سحنون: وإن كانت بينة قريبة نحو الخمسة أيام إلى
الجمعة، أوقف له. قال مالك: وإذا جاء بسماع، أو شاهد، وسأل أخذ العبد
يذهب به إلى بيته، دفع إليه إذا وضع قيمته. قال غيره، وهو سحنون: إنما
يوقف مثل هذا مما يشهد على عينه من الرقيق، والحيوان، والعروض، ونحو
ذلك مما يخاف زوال عينه، وإنما يشهد على عينه من الرقيق والحيوان
والعروض. وأما إن كانت في ربع من أرض، أو دور ونخل، فإنه إذا اتجه/ أمر
الطالب، أوقفت وقفا يمنع من هي في يديه من الإحداث فيها، والغلة له حتى
يقضى عليه، قال: وإذا كانت الدعوى فيما يفسد من اللحم والفاكهة الرطبة،
وأقام لطخا، أو قام له شاهد، فإنه يوقفه إلى مجيئه بشاهده الآخر، أو
بينة إلى مثل ما لا يخشى فيه فساد الذي فيه الدعوى. فإن خاف فساده،
أحلف المدعي عليه، وترك له ما أوقف. وإن كان أقام شاهدين، [8/ 180]
(8/180)
فكان ينظر في تعديلهما، فخيف على الشيء
الفساد، فليبعه ويوقف ثمنه، فإن ركبت أخذ المـ ما بيع به، وأدى الثمن
كان أقل أو أكثر، ويقال للبائع، إن أراد ثمن المبيع إذا بيع: أنت أعلم
بنفسك في الزيادة على الثمن، وإن لم تزكوا البينة، أخذ القاضي الثمن
فدفعه إلى البائع، وإن ضاع، فهو ممن يقضي له به، تلف قبل الحكم أو
بعده.
من المجموعة: قال ابن القاسم: ومن ادعى أرضا بيد رجل، أقام فيها البينة
ولم تقطع، قال: فللمدعى عليه أن يبيعه. قال غيره: ليس له أن يبيع؛ لأن
ذلك خطر، قال سحنون: إذ لا يدري المبتاع متى يقبضه ومتى تنقضي الخصومة
فيه.
قال ابن القاسم: قيل ذلك في أرض حفر فيها صاحبها عينا، فادعاها رجل،
فتخاصما إلى صاحب المياه، فأوقفهم حتى يرتفعوا إلى المدينة. قال مالك:
أصاب في إيقافها، وليس للذي هي في يديه أن يتمادى في الحفر، ويقول: إن
صحت لك أخذتها. قال ابن القاسم: وذلك إذا تبين لدعواه وجه/، فحينئذ
يوق. قال مالك: وإن أقام في أرض بينة، فعدلت، فقال الآخر: عندي منافع.
فضرب له الإمام لذلك أجلا، وحضر كراء الأرض للحرث، وإن تركت لم ينفصلا
لطول الخصوم فيها حتى يفوت الكراء، أتعقل أم تكري ممن هي بيده؟ فإن
ثبتت للطالب ودي الكراء، قال: بل توقف حتى يستحقها أحد، إلا أن يرضيا
بكرائها من غيرهما، أو من أحدهما، أو يتقاومانها فيأخذها أكثرها كراء،
فما تراضيا عليه من ذلك فعلاه، وإلا أوقفهما القاضي، وإن أضر بهما ذلك،
وذلك إذا جاء كل واحد بما يستجاز به إيقافها. [8/ 181]
(8/181)
قال سحنون: ولو ادعى من دار سدسها،
فليستوجب العقل بلطخ، كيف يفعل؟ قال: يقال للمدعى عليه: إما أن تكريها،
ويوقف سدس الكراء، فإن استحقه هذا، كان له كراؤه، والعبد والدار كذلك،
إلا أن يقول: أريد أن أسكن في نصيبي مما لم يدع فيه ما يكفيني، ولا
أكتري. فيكري ذلك السدس من الدار، ثم يقسم صاحب الدار والمكتري
المنافع، وكذلك الأرض، والعبد يخدمه خمسة أيام، ويؤجر اليوم السادس.
ومن كتاب ابن سحنون: قال: كان سحنون إذا ثبت عنده شاهد عدل من شهود
المدعي ممن يعرفه بالعدالة، عقل على المدعي عليه ما شهد به شهود المدعي
الذي ثبت بعضهم حتى يكشف عن من بقي ويستقصي منافع المدعي عليه، وربما
يتثاقل عن العقل بعد ثبوت الشاهد الواحد، فإذا اتجه له العقل أمر
كاتبه، فكتب إلى أمينه كتابا، فذكر بعد/ الرسالة: من سحنون بن سعيد،
إلى فلان بن فلان. يذكر فيه دعوى المدعي واسمه، واسم المدعى عليه،
ويذكر الأرض أو غيرها، فيحد ذلك، ويذكر موضع ذلك وإقليمه، وأنه بيد
فلان بن فلان، وأن البينة شهدت للمدعي بمحضر الخصم أنه يملك ذلك، أو
يملكه أبو حتى ورثه عنه، ولا يعلمون له وارثا غيره، ولا يعلمون ذلك خرج
من ملك من شهدوا له، وأجر أنت عقل ذلك حتى أكشف عن ذلك فيه، فإذا جاءك
كتابي هذا، فاجمع الخصمين إلى هذه الأرض مع صالح من قبلك، فاعقل ذلك
عليه، وأشهر عقله، وأشهد على ذلك، وتقدم إلى الذي كانت في يديه ألا
يحدث فيها حدثا ولا غيره، لا هو ولا غيره ممن يحدث بسببه، وأشهر ذلك
وأرخه، فإن تغيب فلان المشهود عليه، ولد عن الحضور، فاعقل ما كتبت إليك
بعقله، وإن غاب، وإن كانت في يد المدعى عليه، أو بعضها، يعلم ذلك من
أحضرته أو أكثرهم، فأوقف العقل عن ما ليس في يديه، واعقل ما في يديه من
ذلك، واكتب بذلك إلي، وإن نازعك أو دافعك من أمرتك أن تعقل ذلك عليه،
فادفع كتابي بذلك إلي، وإن نازعك أو دافعك من أمرتك أن تعقل ذلك عليه،
فادفع كتابي إلى عاملكم؛ ليقوي لك أمرك، وينفذه لك، واكتب إلي بما يكون
من ذلك إن شاء الله، والسلام عليك. [8/ 182]
(8/182)
في الأمة أو العبد يدعي الحرية وله بينة
غائبة أو يدعي رجل في حر أنه عبده ويدعي بينة غائبة أو يدعي في امرأة
رجل أنها زوجته
/من العتبية: ابن القاسم، عن المالك، في العبد أو الأمة يذكر أنه حر،
ويذكر بينة غائبة، فلا يقبل ذلك منه، إلا أن يأتي ببينة أو أمر يشبه
وجه الحق. ويستحب له أن يتوقف عن الأمة، يريد: وعن خدمة العبد. قال:
وإن لم يكن مأمونا، جعلت بيد امرأة، ويضرب لها وللعبد أجل شهرين أو
ثلاثة، ليأتيا بما معهما. ومنه: وقال مالك: وإذا ادعت الأمة الحرية،
ونسبت نفسها، وذكرت بلدا بعيدا، فلينظر القاضي؛ فإن ادعت ماله وجه، كتب
في أمرها حتى يستبرئ ذلك، والنفقة على المشتري، ولا يرد على البائع
بقولها، ولا يلزمه شيء من النفقة في طلب ما ذكرت، فإن صح ما قالت، رجع
بالثمن على البائع، ولا تلزمه النفقة، فإن ذكرت بلدا بعيدا، ولم تثبت
شيئا يعرف، ولا سببا بينا، لم يكن ذلك على المتباع، وإن هي نزعت عن
قولها، بطل ذلك، إلا أن تنزع عن خوف.
قال أشهب: وسأل ابن كنانة مالكا لابن غانم، عن العبد يدعي الحرية، يدعي
بينة على موضع كذا وكذا، فيطلب السيد منه حميلا، والعبد لا يجد حميلا،
قال: إن جاء بلطخ وشبهه، فأمكنه من ذلك، يخرج يأتي ببينته.
قال سحنون: ولو ادعي في حر أنه عبد، وأقام شاهدا عدلا، فليتوثق له منه
بحميل، أو لا يشهد إلا على عينه، فإن لم يجد، سجن له، ولا نفقة على
المدعي حتى يقضي له. وذكر ابن حبيب مسألة ابن كنانة مالكا لابن غانم
القاضي، في العبد يدعي الحرية، وقال فيها: إن جاء بشبهة أو لطخ، فأمكن
العبد من الخروج/ يأتي ببينته بعد أن يأخذ منه حميلا لسيده، فإن لم يأت
بحميل، فاطرحه في السجن ووكل من يقوم بأمره، واكتب إلى الموضع الذي ذكر
العبد أن فيه بينته، وهذا إذا أثبت السيد ملكه إياه وحوزه له، وإن لم
يثبت ذلك، حيل بينه وبينه؛ لإنكار العبد الرق. [8/ 183]
(8/183)
قال أصبغ: فإذا جاء الكتاب من عند من كتبت
إليه من القضاة في أمره ما يستوجب به الرفع، رفعه مع سيده، وإن بعد
سيده، وإن بعد المكان، وكذلك الجارية فيه مثل العبد.
قال ابن الماجشون، في عبد بالجار، قال لسيده: إن سيدي الذي مات وباعني
ورثته منك، قد كان حنث في اليمين بعتقي، وبذلك كتاب في المدينة، فدعني
أخرج في إثباته؛ لترجع أن بثمني على الورثة. فأبى السيد، قال: ليس ذلك
له حتى يأتي بشاهد، أو لطخ، أو ما يعرف به ما قال.
ومن العتبية: روى عبد الملك بين الحسين، عن ابن القاسم، في الجارية أو
العبد يدعي الحرية، ويذكر أن بينته ببلد آخر، فطلب أن يرفع مع شاهده
إلى ذلك البلد، وذكر أنه يضعف عن جلبها، قال: لا يرفع مع العبد، ولو
كان هذا خرج العبيد من أيدي أربابهم بمثل هذا المطل عن أعمالهم، ولكن
إن ذكر أمرا قريبا مثل اليوم ونحوه، فعسى به إن جاء بما يعرف، فلعله أن
يكشف له، أو يأتي بشاهد عدل، وحميل يقيمه، فيكتب له يرفع إلى بينته.
وقال مالك؛ وإن لم يأت بحميل لم يمكن من هذا.
قال أشهب: وإن أقام العبد شاهدا بالعتق وقال: لي شاهد غائب. فإن كان
قريبا، فليؤخذ من السيد حميل به، ولا يمكن منه/، ورأيت أن يحبس، وإن
ادعى الشاهد الآخر ببلد بعيد، ترك بيد سيده، وأمكن منه، ثم إن جاء بآخر
عدلا مع الأول، عتق، وقد قال مالك: أرى أن يحبس ولا يخلى يذهب، وليوكل
من يطلب له بينته أو شاهده. قال أشهب: ويحال بينه وبين الأمة إن أقامت
شاهدا، وإن لم يعدل، ما لم تكن غيبة الآخر بعيدة.
ومن كتاب ابن سحنون: من سؤال ابن حبيب، وعن العبد يدعي على سيده أنه
حر، فيقيم بينة، فيصح منهم واحد يوقف عليه؟ قال: يوقف العبد عليه. [8/
184]
(8/184)
ومن كتاب ابن حبيب: قال مطرف في العبد يدعي
الحرية، ويقول: أنا من بلد كذا. لبلد عرف واليه بظلم أهل ذمته وبيعهم،
فيقول العبد: إنه منهم، وهو ببلد آخر، قال: إن عرف أن بلده كما قال،
نظر؛ فإن سبب دعواه بسبب، مثل الشاهد يقيمه، أو شهود غير عدول، أو لطخ
من الأمر، فليرفع إلى بلده الذي يرجو فيه اثبات دعواه، وإن لم يثبت
لدعواه سببا، فليؤخذ على سيده حميل، كي لا يبرح به، ثم يسئل العبد عن
موضعه، ومن يعرف حريته ببلده، ثم يكتب القاضي بذلك إلى قاضي ذلك البلد
أن يكشف عن ذلك، ثم يعمل على ما يأتيه من ذلك، وإن لم يجد ربه، فليحبس
الحاكم العبد حتى يأتيه جواب كتابه وقاله أصبغ.
قال ابن القاسم: وإن ادعى نكاح امرأة تحت زوج، وأقام شاهدا أنه تزوجها
قبله، فليعزل عنها إن ادعى أمرا قريبا من البينة، وكذلك الأمة والعبد
يدعيان الحرية، وأقاما شاهدا، وادعيا أمرا قريبا.
/فيمن ادعى عبدا بيد رجل وله بينة غائبة والرجل يحكم عليه الحاكم بشيء
في يديه فيريد وضع القيمة ويذهبان إلى موضع البينة وهل يرفع الخصمين
إلى موضع البينة؟
من المجموعة: قال ابن القاسم عن مالك في من اعترف عبدا أو دابة، فيريد
وضع القيمة ليذهب به إلى موضع بينته بالريف ونحوه، فإن أتى بشاهد، أو
سماع قوم يشهدون أنهم سمعوا أنه سرق له مثل ما ادعى، أو يشهد له رجل
أنه سرقت له دابة، وشبه ذلك مما ليس بقاطع، فليرفع إليه إذا وضع القيمة
حتى تشهد عليها بينة عند سلطان البلد الذي فيه البينة، فإن لم يقم
شاهدا، وادعى بينة قريبة على مثل يومين أو ثلاثة، فليس له وضع القيمة
وأخذه بالدعوى فقط، وهذا ذريعة إلى أن تعترض دواب الناس وأشغالهم. [8/
185]
(8/185)
قال مالك، في من سرقت دابته، فوجدها بموضع،
وأقام بينة أنها سرقت منه، فقال، من هي بيده: بل بعتها. وقال: إنما
أذهب بها إلى الموضع الذي اشتريتها فيه، فأقيم عليك البينة بذلك. فليس
ذلك عليه، وليحلف: أنه ما باع ولا وهب، ويأخذ دابته. قال ابن القاسم:
وإذا أقام بينة في دابة، فحكم له بها، فقال من كانت بيده: قد اشترتيها
من بلد آخر. قال: فإن شاء وضع قيمتها بيد عدل، ويخرج بها، ويطبع في
عنقها، أو يكتب إلى قاضي تلك البلد: أنه حكم بها لفلان، فاستخرج له ما
له من بائعه، إلا أن تكون له حجة. وكذلك قال أشهب./ قال ابن القاسم:
وإذا جاء بالدابة مطبوعا في عنقها، وجاء بكتاب القاضي، أيقيم بذلك بينة
أنها الداية التي حكم عليه فيها، فطبع في عنقها؟ قال: إن كانت الدابة
موافقة لما في كتاب القاضي من صفتها، وأقام شاهدين على كتاب القاضي،
جاز ذلك، وإن لم تقل البينة: إنها الدابةالتي حكم عليه بها القاضي،
وقال أشهب: لا يقبل ذلك إلا ببينة: أن هذه الدابة التي حكم عليه وطبع
في عنقها، لا مكان أن تشهد عليه بعينه؛ لأن الطابع يطبع عليه، والكتاب
يختلف؛ فكما يشهدون على الكتاب، فليشهدوا على الدابة، وإلا لم يعط
شيئا. قال ابن القاسم، عن مالك: وإن تلفت الدابة في ذهابه أو مجيئه، أو
اعورت، أو انكسرت، فهي من الذاهب بها، والقيمة الموضوعة لمعترفها،
وقاله أشهب، قال ابن القاسم: وإن انقصها في ذهابه ومجئيه، فكذلك القيمة
للمعترف إلا أن يردها بحالها. وقاله أشهب.
قال ابن القاسم: ولا شيء عليه من حوالة الأسواق، وكذلك في الإماء
والعبيد، ولكن يأخذ الأمة إن كان أمينا، وإلا أجر لها أمينا يذهب بها،
وإلا لم يدفع إليه. وقاله أشهب.
ومن العتبية، من رواية عيسى، عن ابن القاسم فيه: إذا وضع القيمة، وخرج
بالدابة، فضاعت القيمة، وهلكت الدابة، فالدابة من الخارج بها، والقيمة
[8/ 186]
(8/186)
قد ضاعت، قال: يأخذ الدابة ربها، وتكون
مصيبة قيمة الدابة من الذي خرج بها.
قال مالك: ويطبع في أعناقهم، لم يزل أمر الناس على ذلك.
قال ابن القاسم: وإن كان ذلك ثيابا أو عروضا أمكن/ منها إذا وضع
قيمتها، ولو اعترف الدابة بالفسطاط، وهو من أهل افريقية على جناح سفر،
وقال من هي في يديه: البائع مني بالشام، فله قبض الدابة، ووضع القيمة،
ويقال للآخر: وكل من يقوم بأمرك. وقاله أشهب.
قال ابن القاسم: ولا يكلف المستحق من يديه أنه ابتاعها من رجل بالشام
إن قال له المستحق: إنما قلت: إنه بالشام لمعرفتي لتعوضني عن سفري. وله
وضع القيمة. وقاله أشهب.
قال ابن كنانة: وإذا استحق ترك دابة أو عبدا أو عرضا، فأردت شراءه من
المستحق لتدرك به رأس مالك، فإن استحققت أنت ذلك بحق هو أولى مما جاء
به المستحق، كان لك، وزال عنك الثمن الذي ابتعتها به، وإن لم تستحقها،
كانت لك بذلك الثمن. قال: أكره هذا، وكأنه من بيع وسلف، وبيعتين في
بيعة، ولكن يضع القيمة بيد عدل، ويذهب بذلك ليطلب به حقه، فإن ردها وقد
أعجف الدابة أو نقصها، فالمستحق مخير في أخذ قيمتها الموضوعة، وإن شاء
أخذ سلعته، فإن ماتت، أخذ الثمن الموضوع، وإن هلكت القيمة: فضمانها ممن
أخرجها حتى يرد السلعة، فيختار الذي وضعت له قيمة؛ إما السلعة، وإما
القيمة، وإن كانت أمة رائعة، فاتهمه الإمام عليها، فليبعثها الإمام مع
عدل، ونفقتها وحملها على من عليه ضياعها، وهو الذي طلب الخروج بها،
وتقوم السلعة بأقصى قيمتها. [8/ 187]
(8/187)
قال ابن القاسم: فإن ضاع الثمن، وهلكت
الجارية، فالجارية من الخارج بها، والثمن من المستحق، وإن جاء
بالجارية، فمصيبة الثمن ممن وضعه. وقاله سحنون، كالتي توضع للاستبراء/،
وتوقيف ثمنها.
قال ابن القاسم: وان استحقت جارية فليس للذي استحقت منه أن يضع قيمتها،
ويخرج بها، وإنما يكتب له القاضي بصفتها فقط.
قال سحنون: وإن استحق من يده عبد، وليس له مال يضع قيمته، أيكتب له
الحاكم إلى حاكم آخر قد حكم عليه في العبد؟ فقال: كيف هذا، والعبد غائب
عن المكتوب إليه!؟ قيل: فإن قال: فمعي بينة تشهد أن العبد الذي حكمت
علي فيه باعه مني فلان. فأشهدهم لي، واكتب لي بذلك كتابا إلى حاكم
البلد، فيشهدون إلى أن العبد الذي حكمت علي فيه باعه مني فلان، فحكم
فيه فلان الحاكم. قال: فليكتب له، ثم قال بعد ذلك: يقال من حجة البائع:
أنا أريد أطلب حقي قبل من باعني، فهلم العبد، وأضع قيمته، وهو من حقه،
وقد يقول: أقيم البينة أنه من تلادي. ثم قال: ودعني حتى أنظر. وكأني
رأيت هذا أعجب إليه.
ومن كتاب ابن حبيب: قال أصبغ: ومن تعلق بجاريته بيد رجل بالفسطاط،
وإنما ابتاعها بالاسكندرية، فيقيم بينة بالفسطاط: أنهم سمعوه ينشد
جارية سرقت منه، ولا يعلمون أهي هذه، أم غيرها؟ فطلب أن يذهب بها إلى
الاسكندرية؛ ليقيم البينة أنها له، قال: ليس له ذلك. قيل له: ذكر عن
ابن القاسم، عن مالك، قال: يضع قيمتها، ويذهب بها، قال: هذا غلط من
روايته، وإنما يكون بعد قيام شاهد عدل أنها جاريته، وإذا سار بها
فحملانها ونقصها عليه.
قال أصبغ: وإن كانت رائعة جدا، لم يذهب بها، وكذلك بعد الاستحقاق، وإن
أتى بأمين إن كانت/ رائعة جدا، قلت: فكيف يصنع؟ قال: يطلب ما يزيد على
صفتها ونعتها كما يصنع لو كانت غير رائعة، أو كان عبدا، أو كان البلد
الذي يريد أن يخرج إليه بعيدا جدا. مسيرة الشهر ونحوه، فلا يمكن من ذلك
للضرر الذي فيه على العبد وعلى سيده، فكذلك يمنع المسير بالرائعة. [8/
188]
(8/188)
ومن العتبية، من سماع ابن القاسم: ومن
استحقت من يده سلعة، وقضي بها لمستحقها، فطلب من كانت في يده الذهاب
بها إلى موضع بيته؛ ليرجع بالثمن على بائعه، فله ذلك إذا وضع قيمتها
للمستحق، ويذهب بها، فإن دخلها تلف من موت، أو نقص بعجف أو غيره،
ضمنها، وكانت تلك القيمة لمستحقها، ولو تلفت القيمة، فهي ممن تصير
إليه، ولو كانت جارية، فلم يأمن بها إليه، فليلتمس قوما ثقاة يصحبونها
إلى البلد حتى يستخرج بها حقه، فإن لم يجد، فليستأجر عليها ثقة يخرج
بها.
قال ابن القاسم: وتلك الإجارة على الذي يطلب بها حقه.
ومن كتاب ابن سحنون: كتب إليه شرحبيل، في رجل من أهل تونس، في من اعترف
برذونا بيد رجل من أهل الأندلس، وأقام بينة عادلة، فذكر الأندلسي أن
منافعه بالقيروان، وطلب أن أرفعه إليك، وكره ذلك المستحق، فكتب إليه:
ليس على المستحق أن يرفع، ولكن الأندلسي يضع قيمة البرذون، ويذهب به
إلى بينته، فإن شاء المحكوم له أن يرفع عن نفسه فيرتفع معه، فعل وسأله
حبيب عن الحاكم يحكم للرجل بالحمار، ثم يحكم للمحكوم عليه على صاحبه،
ثم يحكم للثالث على صاحبه، وذلك كله في مجلس واحد/ لتقاررهم، فأراد
الآخر منهم وضع القيمة لصاحب الحمار المحكوم له به أولا، ويطلب بالحمار
حقه: قال: ذلك له واجب قيل: فإن تراضى المحكوم له، والمحكوم عليه الذي
يجب له، وضع القيمة على أن يشتري منه الحمار، ولا يضع القيمة. قال: لا
بأس بذلك- يريد: أن يتراضيا. قيل له: ولا تضعف بالشراء حجة المحكوم
عليه؟ قال: لا تضعف بالشراء حجته، ووضع القيمة أحب إلي. ثم رجع فقال:
شراؤه ضعف لحجته، فلا أرى أن يشتريه. [8/ 189]
(8/189)
فيمن ادعى حيوانا أو
ربعا فيوقف على من نفقته؟ ولمن غلته؟
من المجموعة، والعتبية: من سماع ابن القاسم، قال ابن القاسم، عن مالك:
ومن اعترف دابة في بلد، وأقام عليها شاهدا، وسأل أن توقف ليأتي بآخر،
فتوقف أياما، ثم تستحق، فإن النفقة في الريف على من يقضي له بها، وكذلك
الأمة. قيل لابن القاسم، في المجموعة، وهو في العتبية، من رواية عيسى،
فنفقته بين ذلك على من تكون؟ قال: بينهما. قال يحيى بن عمر: يعني أنهما
يؤمران الآن بالإنفاق بينهما، نصفين، فإذا حكم لأحدهما، رجع الآخر بما
أنفق.
قال ابن القاسم، في العتبية: وإن كانت غنما، فأوقفت، فرعيتها على من
تصير له؟ قال: وغلتها في الإيقاف للذي هي في يديه؛ لأن ضمانها منه. قال
عيسى: الرعي على من له الغلة. وروى عنه عيسى فيمن ادعى زيتونا بيد رجل،
أن له أصله وثمرته، وأقام بذلك شاهدا، فطلب أن يجعل وكيلا على الثمرة
في الحمى والقصر حتى يستحق، وطلب الذي هي في يديه ليقوم عليها ليبيعها،
وجل الناس/ عندهم يعصرون، لا يبيعون، قال: إن كان الشاهد عدلا، حلفه
ودفع إليه الثمن، وإن كان ممن لا يقضي باليمين مع الشاهد، فإنه ينبغي
للإمام أن ينظر ما فيه النماء، فيوكل به ثقة من عنده، ويوقفه، فإن جاء
بشاهد آخر، دفعه إليه، وإلا حلف المطلوب بالله: أنه ما يعلم أن ما ادعى
صاحبه حق، فإن نكل، حلف الطالب ودفع إليه.
قال ابن حبيب، عن مطرف، في من ادعى شجرا، وهي يومئذ مثمرة، فإن ادعى
ذلك في يد غاصب يزيد فيما يدعي، أوقفت الثمرة حتى يقيم البينة، وإن
كانت دعواه قبل من هي بيده بشبهة، فإن كان ما يستحقها به أمرا قريبا لا
ضرر في إيقافها على من هي بيده، فأرى أن توقف له، وإن كان في ذلك ضرر،
ولم [8/ 190]
(8/190)
توقف، فإن تم استحقاقه لها والثمرة في
الشجرة، أخذها، وعليه للذي كانت فيه يديه قيمه ما سفر وعالج، وإن
استحقهما بعد الجذاذ، فلا شيء له فيها.
وقال أصبغ في الغاصب مثله، وقال في الذي ملك بشبهة، إن جاء المدعي
بشبهة بينة، وأمر ظاهر، فليعمل له.
ومن المجموعة: قال ابن نافع، عن مالك، في من قاطع مكاتبه على جارية
حامل، فزعمت أن الحمل منه، فاختصما، فعلى من نفقتها إلى أن يقضي بينهم؟
قال: النفقة على الذي الجارية في يديه، حتى ترجع إلى المكاتب.
قال سحنون: أكثر أقاويله، أن النفقة على من يحكم له بها، فكيف وقد حكم؛
فإنها أم ولد. ومنه ومن العتبية، / قال ابن القاسم، عن مالك، في من
ادعى جارية بيد رجل أنها سرقت منه، وأقام عدلين أنها جاريته، ثم هلكت
بيد من كانت بيده قبل القضاء للآخر، فضمانها من الذي أقام فيها البينة،
ولا شيء له من ثمنها.
قال في المجموعة: ابن وهب، قال ابن شهاب، قال في طالب الدابة: فخاصم
فيها حتى نفقت عند من هي بيده، فيريد المستحق أن يطلب بثمنها الذي ماتت
في يديه قبل الحكم، قال: لا يطلب بالثمن إلا الذي باعها من هذا وقبض
الثمن. وأخذ بهذا سحنون، ولم ير رواية ابن القاسم، عن مالك، أن مصيبتها
ممن قامت له بينة، ولا شيء له، قال: فالضمان أبدا فيها من المبتاع حتى
يحكم بها للمستحق، فيختار أخذها، وطلب الثمن من بائعها، فإن اختار
أخذها، فمضى معه المشتري ليدفعها إليه، فهلكت، فمصيبتها من المستحق،
ويرجع على المشتري بالثمن على البائع؛ لأن المستحق قد اختار أخذ سلعته،
وانفسخ البيع بينهما، وما لم يختر أحدهما، فالبيع قائم بعد، والمصيبة
من المبتاع، والثمن للمستحق؛ لأن البيع لم يفسخ، فله أخذ ثمن سلعته،
ولو كانت السلعة بيد [8/ 191]
(8/191)
الغاصب فاستحقها المستحق، وأمر الغاصب
بدفعها إليه، فتلفت بعد ذلك قبل يدفعها إليه، فالغاصب ضامن، لها حتى
يوصلها إلى صاحبها، وهو خلاف المشتري، وإن كانت دورا، أو/ أرضين ونخلا،
فغلة ذلك للذي كانت في يديه، حتى يقضي بها للطالب؛ لأنها لو هلكت، كان
ضمانها من المطلوب.
قال سحنون: هذا إن كان المطلوب مشتريا أو صارت إليه من المشتري. وكذلك
ذكر حبيب، عن سحنون، إذا أقام شاهدين؛ فعدل أحدهما، ثم مات العبد قبل
عدالة الشاهد الآخر، قال: ضمانه ممن هو في يديه، وليعدل الطالب الشاهد
الآخر، فيرجع بالثمن على البائع من الذي مات العبد في يديه؛ لأنه كان
له أن يجيز البيع، ويأخذ الثمن لو لم يمت العبد، ولا رجوع لمن مات
العبد بيده على بائعه بشيء.
ومن العتبية: روى حسين بن عاصم، عن ابن القاسم، في من أقام بينة في
دابة بيد مبتاع، فأوقفت الدابة، فعلفها على من يقضي له بها، قيل: فإن
ماتت قبل أن يقضي له بها، قال: قال مالك: إذا أقام فيها شاهدين، وعدلا،
فلا يقضي له بها حتى ماتت، قال: هي ممن أقام فيها البينة، ويرجع
المبتاع على بائعها بالثمن.
قال ابن القاسم: وكذلك لو أقام شاهدا، فلم يحلف معه حتى ماتت، فإنه
يحلف، وتكون المصيبة منه، وإن حلف بعد موتها، قال: وأما إن أقام البينة
بعد موتها، فاستحقها، فهي ممن ماتت في يديه، ويرجع مستحقها على بائعها
بالأكثر من الثمن أو القيمة إن كان غاصبا.
قال ابن القاسم: وإنما الوقف فيما يزول، فأما الرباع، والدور، والحوائط
التي لاتزول، فلا توقف، قال غيره: إنما يوقف الرباع وقفا يمنع/ من
الإحداث فيها، وذلك إذا اتجه أمر الطالب، وكذلك في كتاب ابن سحنون؛ قال
سحنون؛ [8/ 192]
(8/192)
والغلة فيها للذي هي في يديه، حتى يقضي
عليه فيها؛ لأن ضمانها منه، وهذا إذا كان مشتريا، أو دارت اليه من مشتر
– أو من غاصب- وهو لا يعلم.
قال سحنون: وإذا خاصم في العبد، وأقام فيه البينة، فعدلت أو لم تعدل،
ثم مات العبد بيد من كان بيده قبل القضاء، فليتمادى على الطلب، فإذا
قضي له به، رجع الغاصب – إن شاء- بالثمن الذي باع به من هذا، وإن شاء
بالقيمة يوم الغصب، وسواء كان الغاصب منكرا لذلك أو مقر قبل موت العبد،
وليس طلبه للعبد ابراء للغاصب حتى يقبضه.
وكتب سليمان بن عمران إلى سحنون، في من أقام بينة في نوبته من أصل ماء
عين مشترك، وذلك كذا وكذا سهما من كذا وكذا من أصل العين بغير أرض،
قال: فسأل عقل الشقص قبل أن تصح البينة، وقد زكيت في العلانية، فكتب
إليه سحنون: إن أرى أن يكري ذلك النصيب، فإن استحقه المدعي، كان له
الكراء، وإن كان إنما يدعي ميراثا، والمدعي عليهم غر مشترين، فلا توقف
الغلة، والغلة لمن هي يديه بضمانه حتى يقضي عليه.
فيمن ادعى عبدا أو غيره فيريد إيقاع البينة بغير محضر العبد أو بغير
محضر الخصم،/ وكيف إن كانت دابة، فأتى المطلوب بغيرها أو يشهد الشهود
سرا على ما يتقون ظلمه من أهل السلطان؟
من المجموعة: قال ابن كنانة، في القاضي يختصم إليه الرجلان، وأحد
الخصمين غائب، ويسمع عليه البينة وهو غائب، ولا تسمع بحضوره، وتقرأ
عليه الشهادة إذا جاء، قال: إلا أن تكون الشهود لا يعرفونه إلا بشخصه،
قال: من [8/ 193]
(8/193)
حضوره ليشهدوا عليه بعينه، وإلا لم تجز،
فأما إن شهدوا في حدود الأرض، ونحوه، أو يشهد على رجل يعرفه مما لا
ينتفع المشهود عليه بنظر منهم إليه، فليس على القاضي أن يجمع بينهم،
وكذلك قال ابن القاسم: يقبل القاضي بينة الطالب على المطلوب الغائب.
وقاله أشهب. قال: فإذا حضر الخصم، أخبره من شهد عليه، فيرجع بما عنده
من الدفع.
وقال سحنون فيه، وفي كتاب ابنه: لا يكتب شهادة البينة بغير محضر من
الخصم أو وكيله، وإن كان حاضرا أو قريب الغيبة حتى يحضر، ولا يمكن
المشهود له من فرصته، لعل المشهود عليه يذكر الشهود عليه يذكرهم أمرا
يسره ينتفع به، وإن سمعها في غيبته ثم قدم، فطلب إعادتها، فليعدها عليه
إن قدر، فإن لم يمكن لموتهم، أو لغيبتهم، فقد لزمه كما لزم الغائب،
وليدفع شهادتهم بما يمكنه.
قال في كتاب ابنه: وإن بعدت غيبته، وثبت ذلك عند القاضي، سمع البينة في
غيبته، ثم إن قدم قبل/ الحكم، أعلمه بمن شهد عليه، وإن كان قد حكم
أمكنه من حجته.
قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون: يسمع البينة بغير محضر الخصم، وهو
العمل عندنا، فإذا جاء، قرأ عليه الشهادة، وذكر له الشهود، فإن طلب
إعادتهم، فلا يمكنه من ذلك، إلا أن يخشى عليه دلسة، أو يستريب أمرا
فليجبه إلى ذلك، فإن أجابه إلى ذلك من غير أمر خافه، ثم أراد أن يسمع
منهم في غيبته، فلا يفعل، وليحضره، وأهل العراق يرون ألا يسمع البينة
إلا بمحضر الخصم، والعمل عندنا على ما قلت لك، وقاله مطرف، وأصبغ.
ومن كتاب ابن المواز: قال: إن كان الخصم قريبا، فليحضر حتى يشهدوا
عليه، فإن بعدت غيبته، سمع شهادتهم فكتبها، فإذا حضر عرفوه بمن شهد؛
وبماذا شهدوا، وإن كان الشهود عدولا عارفين بما شهدوا عليه، وأحب أن
يشهد بحضرة المشهود عليه أو وكيله، وقد يذكرهم أمرا ينفعه، فإن لم
يفعل، جاز، ثم إذا حضر أخبره بشهادتهم، وليس له أن يقول: يحضروا حتى
يشهدوا بمحضري، وإن [8/ 194]
(8/194)
شاء أن ينسخ له شهادتهم بذلك، فهو قادر على
أن يسلمهم أو يذكرهم، فإن ذكروا ما ذكرهم، فعليهم أن يرجعوا، ولا يضر
ذلك شهادتهم الأولى، إلا أن يرجعوا عن شيء فيها، فيقبل منهم رجوعهم ما
لم يحكم بها، ولا ينبغي أن يؤدي البينة ولا يتعرضهم، فإن فعل أدبه
الإمام بما يراه من السجن أو غيره، وقد يكون هذا على قدر حاله، وليس من
لا يعرف منه أذى إلا مثل الزلة مثل غيره/ ممن يعرف بالأذى، ويكتفي في
هذا الذي لا يعرف بذلك التواعد فيه.
قال محمد بن عبد الحكم: ولا يسمع بينة على غير غائب إلا بمحضره، فإن
سمعها ولم يحضره، ثم قرأها عليه إذا حضر، فلا بأس بذلك إن شاء الله،
وإذا أمره القاضي أن يحضر يوم كذا وكذا لتقع البينة عليه، وأشهد عليه
خصمه بذلك، فلم يحضر، فليسمعها في غيبته، ويقرأها عليه إذا حضر ولا
يعيد له الشهود.
ومن المجموعة، ومن العتبية رواية أصبغ: قال ابن قاسم: وإذا سمع البينة
على غائب، ثم قدم، فلا يعيدها، وليعرف الخصم بما شهدوا عليه، إن لم
يحضر خصمه.
من المجموعة: قال أشهب: وإن اختصما في دابة، أو عبد، أو عرض، وهو قائم،
بعينه، أيقضي له قبل إحضاره؟ قال: يسمع خصومتهما وحجتهما، فإن كان فيه
شيء مما يجيء لأحد منهما شيء مما ادعى، نظر في الإمام، وإلا لم ينظر
فيه حتى اختصما فيه بعينه، فإن كانت شهادة، فليشهدوا فيه بعد رؤيته،
إلا أن يستهلكه أحدهما، والآخر يدعيه، أو استهلكه غيرهما، وكل واحد
يدعي فيه، فإنه يسمع منهما البينة فيه؛ لأن الشهود فيه مستهلك، لا تقدر
البينة أن تعينه، وهو [8/ 195]
(8/195)
لو كان قائما، لم يفت بقضائه الحاكم ولم
يعاينه، ولا عاينه الشهود، أنه قد قضى بمالا يعرفه هو ولا الشهود.
قال ابن القاسم: لو ادعى عبدا بيد رجل، والعبد غائب، فيقيم في ذلك
البينة على ذلك، قال: فإنه يقبلها إذا وصفوا ... ذلك وعرفوه وحلوه،
ويقضي له به.
قال ابن القاسم: ولو شهدت بينة على غائب أنه سرق، فقدم، وغاب الشهود،
أو كانوا حضورا، فليس عليه إعادتها، إنما استأصل تمام الشهادة.
قال سحنون، في بينة تشهد على رجل بشهادة، وهو يخافوا إن رفعوها إلى
القاضي علانية أن يقتلهم المشهود عليه لجرأته على الله سبحانه، فهل
يقبلها القاضي منهم سرا، ولا يخبر المشهود عليه بأسمائهم؟ قال: لا؛ لأن
له حجته في تجريح من شه عليه بمثل العدواة، والقرابة، وأنا أخاف أن لا
يسمع الشاهد كتمان شهادته، ثم وقف، وقال: دعني حتى أنظر.
قال سحنون: ومن ادعى دابة واحد في المسجد، والدابة على باب المسجد،
أيشهدون عليها وهي في خارج المسجد؟ قال: يشهدون عليها حيث يراها
الحاكم، كما يشهدون على النصراني وهو لا يدخل المسجد.
وسأل حبيب سحنون، عن من اعترف دابة بيد رجل، فأحضره إلى الحاكم، فأمره
الحاكم، بإحضارها، فأتى بدابة، فقال المدعي: ليست هذه التي اعترفت.
فكلفته البنية، فأتاني بشاهد عدل، ذكر أن الدابة التي اعترفت في يديه
غير هذه، قال: فليغلظ عليه الحاكم بالحبس وغيره، حتى يظهر الدابة، قيل:
فإن كان الشاهد لم يرك، فليغلط عليه دون ذلك، وإغلاظا دون إغلاظ. [8/
196]
(8/196)
في الأمة بين الرجلين يجحد أحدهما نصيب
الآخر/ ويدفعه الآخر حتى هلكت الأمة أو ولدت وفي الأمة تذكر بينة أنها
مسروقة فلم يقم فيها حتى هلكت
ومن العتبية: روى ابن القاسم، عن مالك، في أمة بين رجلين؛ جحد أحدهما
نصيب الآخر فيها، فلم يجد بينة حتى ولدت أولادا، فأعتق منهم، ووهب،
وباع، ومات بعضهم، ثم أصاب صاحبه البينة، وحكم له. قال: أما عن باع،
فله – إن شاء- نصف الثمن، أو ونصف الرأس إن وجده، وما أعتق: فلشريكه
أخذه ودفع القيمة يوم الحكم عليه بالقيمة في ملئه، وإلا بقي نصفه له،
ونصفه للآخر، ولأنه لو مات هذا المعتق، لم يضمن معتقه، فلذلك عليه
قيمته يوم الحكم، وما وهب: فله نصف الرأس إن وجده، ومن مات منهم. لم
يضمنه- يريد: ولو ماتت لضمنها؛ لأنه غاصب لنصيب صاحبه لجحده، ولا يضمن
الولد إلا أن يقتلهم. وروى أشهب، وابن نافع، عن مالك، في من عرض جاريته
بالمدينة – يريد: وهو مصري- فأتى قوم فشهدوا أنها مسروقة، ثم ذهبوا إلى
بلادهم، أيدعها بالمدينة، أم يرجع بها إلى مصر؟ قال: يرجع بها إلى مصر
أحب إلي، ولو تركها بالمدينة ثم ماتت، لم يضمنها إن استحقت، وأحب إلي
أن يشهد قوما أن هذه الجارية اعترفت في يدي، ثم ذهب من اعترفها، فلم
يأتوا، ويذهب بها. قيل: أيبيعها؟ قال: ما آمره بذلك.
في القضاء على الغائب
/ من المجموعة: قال عبد الملك: لابد لي ولمن خالفني في القضاء على
الغائب، وقد قضى جميع الأئمة على الغائب في الوكالة، أنه وكل بهذا
الطالب، فيصير كالحاضر بحضور وكيله، ويمضي به الوكيل في البيع وغيره،
فيصير ذلك كقضاء [8/ 197]
(8/197)
على الغائب في إنفاذ ذلك، وتصير حجته تجريح
من شهد عليه، وكذلك المقضي عليه بحق غير الوكالة. ومن ذلك أن ينعي
الرجل بشاهدين، فيحلا زوجته للأزواج، ويعتق مدبره، أو أم ولده، ويقسم
ماله، وليس ذلك عليه، فقضي عليه بالموت وبما يتفرع من الموت، وقد قضى
عمر على المفقود في غيبته. قال سحنون: وقد يحكم على الغائب بالبينة
بأنه قتل فلانا خطأ فيقضى على العاقلة بالدية لأوليائه، والعاقلة غائبة
لم يدعوا لمنفعته، وإنما المشهود عليه كأحدهم وكشريك لهم، فقد أقر من
خالفنا أنه لا حجة للعاقلة. وقد وجب الحكم.
قال سحنون، في العتبية: ومن قولهم: أنه يقضي للزوجة بالنفقة في مال
الغائب، وفي الوكالة على البيع.
ومن المجموعة: قال ابن القاسم: ومالك يرى الحكم على الغائب بالدين،
وأما كل ماله فيه حجج، فلا يقضي عليه، مثل الرباع والعقار عند مالك،
وكذلك إن أقام بينة أنه وارث هذه الدار مع الغائب. وأخذ به ابن القاسم.
قال ابن القاسم: إلا في غيبة تطول، فينظر فيه السلطان، مثل أن يغيب إلى
الاندلس أو طنجة، فيقيم الزمان الطويل، فهذا يقضي عليه.
قال سحنون: في قول مالك: وأما كل ما له فيه حجج، فلا يقضي عليه.
يعني: /الرباع.
قال سحنون، في العتبية: والذي يكون فيه الحجج. قال عبد الملك: إذا أثبت
المدعي أنه وارث لهذه الدار مع الغائب، وما يرى الحاكم أنه يستلحق ذلك
بمثله، ضرب له أجل الغائب، ثم قضى عليه، فإذا كان بمصر من الأمصار، ضرب
له أجلا بقدر ذلك المصر، قرب أو بعد، وإن كان في الموضع غير الواصل في
أخباره، ولا السلوك سبيله، إلا في إبان الطول جدا، ضرب له أجل متراخ،
وإن لم [8/ 198]
(8/198)
يحقق ذلك، ثم قضى، ثم الغائب على حجته إذا
جاء كان قد قضي عليه بأرض أو مال.
قال ابن القاسم: وإن أقام ورثته بينة أن هذه الدار لأبيهم، وأن الغائب
الذي هي في يديه لا حق له فيها، إلا على جهة الخطأ ممن قبلها، ولا ينال
منها الشمهود له شيأ؛ لأن السبب الذي رفع أن لا حق له فيها من إقراره
أنه لا حق له فيها، أو أنه باعها من فلان.
قال ابن القاسم: ويسمع البينة على القاتل في غيبته، ويقضي عليه، فإذا
قدم كان على حجته، ولا تعاد البينة. قال أشهب: لولاة الدم قيام البينة
بذلك، ويقبل منهم في غيبته، ويقضي على الغائب كما يقضي على الميت،
والشهود يشهدون على اسمائهم وأنسابهم، وكذلك غائب ببلد، فيريد طالبه
طلبه، فيأخذ عليه كتابا من قاض إلى قاضي البلد الذي هو به بما ثبت
عليه، وبينته ببلد القاضي الذي يكتب له. قال عبد الملك: إن كان الغائب
صغيرا، لم يضرب له أجلا؛ لأنه لو حضر، لم يكن يدافع عن نفسه ولا آخذ
لها، ولكن إن كان في ولاته أحد غائب، ضرب لوليه أجلا، وإن حضر خاصم
بحجج/ الصبي، فإن لم يكن عليه وليا، فليول عليه الحكم وليا، يكون وليا
له في هذه الخصومة وغيرها، ثم حكم عليه وله، ولا يخصمه بالولاية في هذه
الخصومة فقط، فيصير قد نصب له وكيلا فخاصم عنه في هذه خاصة، فهذا لا
يكون حتى تكون ولاية مختصة، فيكون ذلك مثل نفسه.
قال ابن القاسم: ومن بيده سلعة وديعة، أو عارية، أو بإجارة، فأقام فيها
رجل البينة، وربها غائب، فإنه يقضي عليه فيها، إلا أن يقرب موضعه،
فيأمر القاضي من يكتب إليه. [8/ 199]
(8/199)
قال ابن الماجشون: ويقضى على الغائب في كل
شيء بعد أن يستأذن في ذلك القاضي، ويضرب له الأجل بقدر بعد موضعه، وحال
طريقه، بعد أن يعرف الغيبة وحيث هو، ويكلف ذلك طالب الحق، وقد يأتي
كتابه من موضع، أو يأتي الواحد والاثنين بخبره، فإذا استعلى ذلك، ضرب
له الأجل بقدر ذلك. يريد: بقدر ما يرجى إيابه فيه، قال: وإذا أعياه ذلك
بعد طول واستياء، ضرب له الأجل أيضا على ما يرجو من أطراف البلاد
وإقامتها، وحيث يرجى ذلك، وينبغي للقاضي أن يحضر وكيله، فإن لم يكن له
وكيل، فيكشف عن أمره من هو يعني بأمره من قرابة له، أو صديق، فإذا
استقصى ذلك، حكم عليه.
قال أشهب: وكتب مالك إلى ابن غانم: وسألت عن من أوقع عندك البينة على
رجل حاضر في أرض يدعيه ادعاها، ثم هرب من وقعت البينة عليه، فأرى إن
كان خاصم/ خصمه عندك، ووقعت عليه البينة عندك بما يحق به الأرض، ثم
هرب، أن يقضي لمدعيها بذلك.
ومن كتاب ابن سحنون: ومن أقام على غائب بينة بألف، وأن فلانا الحاضر
كفيل بها، والكفيل يجحد، فليقض على هذا بالكفالة، وعلى الغائب بالمال،
فإن قدم، لزمه القضاء، ومكنه من حجة إن كانت له، فإن ادعى الكفيل
المال، رجع به عليه إن أقر، وإن جحد وأتى بحجة: سمعت منه، وإن لم يكن
الكفيل أدى شيئا، فلا طلب عليه للطالب، وليطلب الغريم إلا أن يغيب أو
يقدم الكفيل، واختلف قول مالك في أيهما يطلب: الكفيل أو الغريم. ومن
أقام بينة أنه ابتاع هذه الجارية من فلان بكذا، ونقده الثمن، وفلان
يملكها يوم البيع، فقضى له بها، فهو قضاء على البائع الغائب بالعهدة،
إلا أن يأتي بحجة إذا قدم، فيمكن من ذلك، ويقضى على من هي بيده، فإن
قدم الذي باع، فأنكر [8/ 200]
(8/200)
البيع، قضي عليه بالبينة الأولى، ثم هو على
حجته، وكذلك لو أقام بينة أنه ابنه الميت كان مملوكا لفلان حتى أعتقه
قبل موت الابن، وأنه لا وارث له غير أبيه هذا، وأقام آخر البينة أنه
مولي الإبن، وأنه اعتقه وهو بملكه، وأنها لا وارث له غيره، فليقض
القاضي؛ يقضي للأب بالميراث، ويكون ذلك قضاء بالعتق على مولاه الغائب،
فإذا قدم كان على حجته إن ذكر ذلك، وكذلك كل حق وجب لهذا الأب؛ من حد،
أو قصاص، وغيره، فأقر أنه عبد، وأقام بينة بالعتق، يقضى له بالعتق،
وأقام له أحكام الحر،/ وينفذ ذلك على مولاه وإن كان غائبا يوم الحكم،
ثم إن جاء، لم يعد عليه البينة، ولم يمكن من حجته، ويخبر بمن شهد عليه.
وسأله حبيب، عن من ادعى دينا على رجل، وذكر أنه خرج إلى صقلية، فمات
بها، وطلب أن يعديه على خاله بالقيروان، ولم يشهد على موته إلا شاهد،
وقد لقي الرجل، قال: لا يعديه بدينه حتى يثبت موته، ولا يقضى على غائب
بصقلية حتى يكتب إليه، ويعذر إليه، وإنما يقضى على الغائب البعيد
المنقطع.
ومن كتاب ابن حبيب: قال: روى ابن القاسم، عن مالك: قال: لا يقضى على
الغائب في ربع، ولا عقار، ولا أرض، ويحكم عليه في غير ذلك من الديون،
والحيوان، والطلاق، والعتاق.
قال أصبغ: يقضى عليه في ذلك في كل غيبة، بعدت أو قربت، إلا أن يقرب
جدا؛ بحيث يبلغه الكتاب بغير مضرة على الغرماء، فيكتب إليه يعلمه بما
ثبت عليه، ويأمره أن يقدم، فيقضي عن نفسه، فإن لم يقدم، باع عليه، وقضى
غرماءه، فإن قدم بعد ذلك فجاء ببراءة، أو بما يزل عنه الحق، مضى البيع
لمبتاعه، واتبع بالثمن من أخذه، وأما الأصول والرباع، فلا يحكم على
غائب إلا في غيبة بعيدة، مثل العدوة من الأندلس، ومكة من أفريقية، وشبه
ذلك، فليقض عليه في مثل هذا إن كانت غيبة انقطاع، فإن كان إنما خرج
حاجا، أو تاجرا، وهو ينتظر أوبته، فلا يحكم عليه في الربع، ويحكم عليه
في الدين والحيوان. قال: [8/ 201]
(8/201)
ولو عجز خصم الغائب عن مطلبه، واستقصى
الغائب حجته،/ فلم يأت بوجه حق، فلا يقضى للغائب عليه؛ إذ لعله لو حضر،
أقر له، ولكن إذا قدم الغائب، خاصمه، فإن عجز، حكم عليه حينئذ، وإن
خاصم عند قاض غيره، أو جاء بحجة غير الأولى، ابتدأ الخصومة في ذلك. وإن
قال الطالب: غيبة خصمي بعيدة، يستحق أن يقضى عليه فيها: كلف البينة على
ذلك.
وقال ابن الماجشون: إن علماءنا بالمدينة وحكامنا أنه يقضي على الغائب
في الرباع وغيرها، وأنكر رواية ابن القاسم في الرباع، ولكن يحكم عليه
بقدر ضرب الأجل بقدر مسافة البلد الذي هو به، والآجال في الدين أطول
منها في الربع، ولو حضر فضربت الآجال في الدين لما يطلب من البراءة
والمخرج، وأرى أن يحضر ذلك وكيله، فإن لم يكن وكيل، فالرجل المعني به
من أهله، أو الصديق، أو الصاحب ممن يستنيم إليه، وهذا من الإعذار في
أمره، فإذا استقصى ذلك، قضى له عليه، ويضرب الأجل بقدر بعد موضعه،
ويكلف الطالب البينة على ذلك، ولو جاء في ذلك بالأمر غير القاطع، أو أن
كتابه جاء من موضع كذا، واستغلا ذلك وكثر، ضرب له الأجل بقدر ذلك، وإن
أعياه علم أمره بعد الاستياء وضرب الآجال على أطراف البلد وأقاصيه حيث
يتوجه السفر، لا يضرب فيه إلى جهة الصين، وما لا وجه له.
قال محمد بن عبد الحكم: يقضى على الغائب في جميع الأرض، والنخل،
والدور، وغيرها، والذي يقضى له بغيبته، فإن أبى ما ينقصه، كان منع أمرا
قد غيب وتلف، والربع قائم لا يزول، وقد قال/ مالك: يقضى على الغائب.
ولم يستثن. وقال: لا يقضى عليه في الربع. وقد قال أشهب في دار بيد
غائب، فادعى رجل أنه وارثها مع الغائب، فإن كان حوزه إياها قريبا بموت
أبيه منذ سنة [8/ 202]
(8/202)
أو سنتين، أو يعلم أنها صارت إليه بميراث،
ثم أقام البينة أنه ابن المتوفى، فإنه يلحق به ويقضي عليه بنصيبه من
الدار.
وقد قال ابن القاسم، في رجلين لهما نقض في دار ربها غائب، ومضى ذلك إلى
الإمام، فأرى أن يأخذ النقض لغائب بقيمته فعل. وقال: يقضى للشفيع في
غيبة المشترى للدار. وهذا كله قضاء على الغائب في الرباع.
وقال مالك: تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور، وقد كثر من
يكتري من الرجل منزله، ثم يغيب ويدع فيه عياله، أو مكتر منه، أو يكري
المكتري الدار، ويغيب الأول، والبينة على ذلك كله، فلا ينفعه ذلك، وفي
هذا كله ضرر بأرباب الدور. قال في موضع آخر من كتابه: ويحكم على الغائب
في الربع إذا بعدت غيبته. وقال ذلك عبد الرحمن بن القاسم.
قال ابن الماجشون: وإذا قدم الغائب المقضي عليه، فطلب الحجة في من شهد
عليه يجرحه أنه عدو له، أو عبد، أو محدود، أو غير مسلم، فأما ما سوى
الرق، وخلاف الإسلام، والمولى عليه، فلا نظر له فيه، ولا ائتناف حكم من
ذكر أنه من شرب خمر أو نحو ذلك من أمر قديم أو حديث، فأما ما انكشف أنه
عبد، أو مولى عليه، أو على غير الإسلام، فهذا ينقض يه قضيته. قلت له:
قد قلت/: إذا قضي على الغائب بالوكالة، ثم قدم، أن له أن يجرح من شهد
عليه، ولم تقل ذلك في هذا. فقال: لأن هذا قد ضرب له الآجال، واستقصي في
ذلك، بمثل ما لو كان حاضرا، وأما الوكالة؛ فلم يضرب في الآجال، ولكن هي
قضاء عليه، لكنها تجر إلى الفصل عليه وله. وقال: وإذا أثبت أن الشاهد
عليه عبد أو نحوه، فإنه يأخذ ما له، وما بيع منه مضى، وإنما له ثمنه
ممن باعه؛ لأنه بيع شبهة. قال: والزوجة المنع فإنه يفرق بينها وبين من
تزوجت، وترد إليه، ويرجع من عتق له من مدبر وأم ولد، فيرجعون إليه كما
كانوا. [8/ 203]
(8/203)
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك وأصحابه:
يقضى على الغائب وذلك في الدين وغيره، ويباع فيه ربعه ورقيقه، فإن قدم
فأقام بينة بالبراءة من ذلك الحق، فإنما يرجع على المقضي له بما أخذ من
الثمن، ولا ينقض البيع. وقد قال: يقضى على الغائب إلا في الربع وحده.
ومن ابتاع عبدا بيع الإسلام وعهدته، فوجد المتباع عيبا كان عند البائع،
والبائع غائب، فلا يعجل فيه بالقضاء حتى تثبت فيه البينة، فإن ثبتت
يقضى له برد ذلك، ثم ينتظر صاحبه، لا أحب أن يعجل فيه بالبيع حتى ينتظر
صاحبه شيئا يسيرا، إلا أن يخاف على العبد هلاكا وضيعة، فيباع ويقضى
المبتاع من ثمنه.
وروى أصبغ، عن ابن القاسم، في الغائب يكون له وكيل، وبيده عبد أو أب،
فيستحق ذلك، فإن يقضى به للمستحق، وأما الرباع يستأنى بها، ويكتب إلى
الغالي، إلا أن يطول زمانه، وتكون/ غيبته انقطاعا.
وكتب شجرة إلى سحنون، في عبد بين رجلين؛ غاب أحدهما، فقام شريكه يطلب
بيع نصيبه، فقال: إن كانت غيبته (قريبة) استأنى به حتى يحضر، فيقاومه،
أو يجتمعا على البيع، وإن بعدت غيبته، فليبع للحاضر العبد، وتوقف حصة
الغائب من الثمن. ويسأله حبيب عمن اعترف دابة بيد عبد مولاه بباجة،
وليس بمأذون في التجارة، فيقدمه إلى الحاكم، قال: يكتب الحاكم إلى قاضي
باجة فإن لم يكن به قاض، كتب إلى صالحي ذلك البلد، فيوقفوا سيد العبد،
فإما أن يوكل على الخصوم، وإما أن يقدم، فإن أبى من ذلك، أشهدوا عليه،
وكتبوا بذلك إلى الحاكم، فيسمع حينئذ البينة على عين الدابة، ويحكم بها
للمعترف في غيبة سيد العبد، لأنه مالك، أراه يريد: ولا يوقف على حجته؛
لقرب مكانه.
قال عيسى، وأصبغ: عن ابن القاسم: وعن من أثبت حقا له على رجل غائب،
فأراد أن يخرج في ذلك أو يوكل، قال: فليحلفه القاضي، خرج أو وكل [8/
204]
(8/204)
أنه ما قبض الحق، ولا أحال به، ولا قبضه
بوجه من الوجوه، ثم يكتب له بوكالة إن وكل وثبت عنده.
قال ابن القاسم: ومن باع خادما ففقد، فاستحقت، وللمفقود عرض فليعد على
عروضه في رد الثمن، قال: ولا أعرف أنه يقيم للمفقود وكيلا في قول مالك
في ذلك.
قال محمد بن عبد الحكيم: ولا يجوز للحاكم أن يحكم على رجل غائب عن
البلد الذي ولي الحكم بين أهله، وليس له به مال، وإنما يحكم إما على
رجل حاضر البلد، أو على مال له بذلك/ البلد، أو حميل، أو وكيل له، فأما
غير ذلك، فليس له أن يحكم عليه؛ لأنه لم يول الحكم بين جميع الناس،
إنما ولي على أهل بلد خاص، ولكن ينقل الشهادات إلى غيره من القضاة، وإن
كان حميلا بالحق على الغائب حاضر البلد، حكم عليه، وأخذ منه الحق، ورده
على الغائب بالمال، وكذلك الرهن.
في الحكم على الصغير وهل يوكل له أو للغائب وكيل؟
قال ابن حبيب: قلت لأصبغ في صبي لا وصي له يدعى قبله أو في يديه شيء،
أيوكل له وكيل يدافع عنه؟ قال: قال ابن القاسم: لا يوكل له وكيل. وأنا
أرى أن يوكل له القاضي وكيلا يتولى منه ما يتولى الوصي من النظر له في
ماله ونفسه، وفي الدب عنه في من يخاصمه، وإنما يكره أن يوكل عليه وكيلا
لمدة الخصومة وحدها، ثم يعزله، ولكن يكون وكيلا مفوضا إليه جميع أمره.
قال أصبغ: وأما الغائب البعيد الغيبة: فقال ابن القاسم: لا يوكل له
وكيل، ولكن يباع عليه، ويبقيه على حجته. [8/ 205]
(8/205)
قال أصبغ في العتبية في الغيبة البعيدة
والمنقطعة: فإنه يسمع بينة الطالب، ويقضي له على الغائب في الرباع،
ويجعل للغائب وكيلا إذا لم يكن له وكيل يدفع عنه.
ومن المجموعة: قال ابن القاسم: ولا يقيم القاضي للغائب وكيلا، ولكن
يقضي عليه ويبقيه على حجته. قال: ولو كان المشهود عليه صبيا صغيرا، ولم
يقم له وكيلا، فيما علمت فيه/ من أقاويل مالك، وليقض عليه. قال عبد
الملك: إن كان الغائب صغيرا لم يضرب له أجلا؛ إذ لو حضر، لم يدافع عن
نفسه، ولا أجر لها، ولكن إن كان في ولاية أحد غائب، ضرب لوليه أجلا،
وإن حضر خاصم عليه بحجته، فإن لم يكن عليه ولي، فليول عليه الحاكم من
يكون عليه وليا في هذه الخصوم وغيرها، ولا ينبغي له أن يقيم له وكيلا
في هذه الخصوم خاصة، ولكن ولاية جامعة، فيقوم مقام نفسه، ثم يحكم له أو
عليه. وهذه المسألة قد تقدمت في الباب الذي قبل هذا.
في الحكم على المسجون
وفي من خاصم في قناة أو قنى أو شيء مشترك وفيمن خصامه الحاضر والغائب
والصغير أو قوم مجهولون
قال ابن كنانة في سجنه الإمام وللناس عليه حقوق، هل يسمع الإمام بينة
خصمه؟ ومن تزكيتهم، ويقضي عليه؟ قال: يأمره الإمام أن يوكل من يخاصم
إليه ويعذر إليه، وإن أبى أن يوكل، قضى عليه إذا شهدت البينة عليه [8/
206]
(8/206)
وزكوا بعد أن يعذر إليه، فإن حضر خروج خصمه
إلى سفر، أو كانوا مرضى، أو خشي فواتهم، أشهد على شهادتهم.
وسأله حبيب عن رجل تخرج له قناة من داره إلى قاعة زعم أنها كانت حنار
ثم يخرج منها إلى دار رجل، ثم يخرج إلى الزقاق. فأنكر رب الدار هذا
المجرى، وزعم خصمه أنه قطع المجرى، وبقي الماء في القاعة، والقاعة
لورثة جماعة غيب لا يعرف أكثرهم، هل يخاصم في ذلك رب/؟ قال: لا تجب له
خصومة حتى يحضر أهل هذه القاعة أو أحد منهم، ولا يحكم عليه بمجرى
الماء، إلا أن يكونوا في غيبة بعيدة منقطعة، أو يكونوا لا يعرفون،
فيمكن هذا من الخصوم، ويحكم إن صحت بينته.
وسأله حبيب عن من ادعى في قاعة بين دور أنها له، وجاء على ذلك ببينة
فعرض أهل دور حولها، فزعموا أنها له ولغيره من ورثة؛ منهم من يعرف،
ومنهم مجهولون، وإن قالوا: إن موضع كذا إلى كذا لفلان ولفلان ولفلان.
فدخلت هذه القاعة في هذه الحدود، ولقوم مجهولين لا نعرفهم، بينهم ذلك
مشاع. قال: لا يوجب هذا للقائم له ولا للجماعة فيها حقا، ولم يقطعوا له
فيها بشيء معلوم، فالحق حق الأول، ويحكم له، ولا يكون هذا خصما للأول،
ولا يمكن من تجريح بينته؛ لأنه لم يجب له في ذلك حق.
من كتاب ابن سحنون: وكتب شجرة في قوم ادعوا أرضا في مرسى بتونس،
وأقاموا عندي بينة بملكهم إياها، هل يدعو من كان بذلك المرسى بمنافعهم،
ثم ينفذ الحكم؟ فكتب إليه: أن للحاكم أن يسأل أهل المرسى المرابطين
الذابين عنه عن منافعهم؟ فإن جاءوا بشيء، وإلا وصل الأرض إلى مستحقها.
[8/ 207]
(8/207)
في الطالب يكون من بلد والمطلوب من بلد آخر
والشيء الذي فيه الخصومة في غير البلدين أو في أحدهما أين تكون
الخصومة؟
ومن له سورى ببلد ولا يعرفها أحد فثبت حقه عند قاض آخر ويأتي إلى هذا
بكتابه
قال سحنون: ومن ادعى دارا بالقيروان، والذي هي بيده غائب بتونس/، قال:
يكتب قاضي القيروان إلى قاضي تونس: إما أن يقدم فلان فيخاصم، أو يوكل
من يخاصم له، فإن أبى سمع من حجة المدعي وبينته، فإذا أثبت الدعوى،
وأوقع البينة، أوقف الغلة إن كان لذلك غلة، ثم يكشفه عن البينة، فإذا
زكيت حكم له. قال ابن كنانة في مثل هذا: إن دعى كل واحد منهما إلى قاضي
بلده، فإنه يخاصمه حيث الدار إن كان القاضيان عدلين، وإن كان أحدهما
جائرا، خاصمه إلى أعدلهما.
قال سحنون: وإذا طلب الرجل أن يقيم عند القاضي بينة على دار بمصر بيد
رجل، أو بدين عليه، وقال: لأني لا أجد بمصر من يزكيهم، وطلب أن يكتب له
بذلك إلى قاضي مصر، فذلك له، ويكتب له قاضي القيروان إلى من يجوز أمره
بمصر، وكذلك قاضي تونس يكتب له إلى قاضي القيروان.
ومن كتاب ابن حبيب: قال مطرف في رجل من أهل المدينة، له دار بمكة،
فادعاها رجل مكي، أين تكو خصومتهما؟ قال: حيث المدعى عليه، وليس حيث
المدعي، والدار المدعاة، ولو كانت الدار بغير مكة، ومدعيها بمكة،
وصاحبها بالمدينة، فلتكن الخصومة أيضا حيث المدعى عليه. قلت: فكيف يطلب
هذا حقه؟ قال: إن شاء بدأ بقاضي مكة، فأثبت عنده دعواه، ثم يكتب [8/
208]
(8/208)
بذلك إلى قاضي المدينة، وإن شاء أثبت وكالة
وكيل عند قاضي مكة، وكتب له بذلك كتابا ليلي وكيله الخصومة بالمدينة
عند قاضيها، وإذا كتب إليه بما ثبت عنده من ملك الدار للمدعي، قرأ
كتابه على المدعى عليه/، وقال له: إن جئت بمنفعة وإلا حكمت عليك. قال:
ولو قدم المدينة بغير كتاب القاضي، فطلب عند قاضي المدينة، كتب له إلى
قاضي مكة حيث يثبته، أن يسمع بينته ثم يكتب إليه بما صح عنده في ذلك،
ويؤجل له أجلا بقدر المسافة، ووجه مطالب الأمر.
قال ابن الماجشون: إنما تكون الخصومة عند قاضي مكة حيث المدعى عليه،
والشيء الذي ادعى فيه، ويضرب لصاحب الدار أجلا، بحال ما يصنع بالغائب،
فإن كانت الدار بغير مكة فحيث تكون الدار تكون الخصومة، فإذا جاء صاحب
الدار والأجل، خرج أو وكل. وقال أصبع بقول مطرف، وبه أقول.
قال أصبغ: ولو أن المدعي دخل مكة فتعلق به المكي- يريد مخاصمته في
الدار- فذلك له، ولم يكن للمدني أن يأبى ذلك. وانظر كل من تعلق برجل في
حق، فإنما يخاصمه حيث تعلق به إن كان ثم قاض أو أمير، كان الحق بذلك
البلد أو غائبا عنه، كان إقرارهما به في ذلك البلد، أو لم يكن،
فالخصومة حيث ترافعا. وقال ابن حبيب: إن ترافعا في دين، أو مال، وكل ما
في الذمم، فأما في الرباع؛ فإن كان الربع حيث تعلق به، ففيه تكون
الخصومة، وإن كان الربع في بلد المدعي عليه، أو في غيره، فليس للمدعي
أن يحسبه لمخاصمته إياه.
ومن العتبية: قال ابن وهب، في من له حق من مورث أو غيره ببلد آخر، وليس
يجد هنا من يعرفه، وله من يعرفه على يومين أو ثلاثة، فذهب إليهم،
فشهدوا عند قاضي/ ذلك البلد: أنهم يعرفون فلانا بعينه واسمه ونسبه،
وعلى أنه وارث [8/ 209]
(8/209)
فلان، فعدلوا عنده، وكتب له بذلك كتابا إلى
قاضي ذلك البلد الذي يطلب فيه حقه، قال: فليقبل ذلك المكتوب إليه،
ويحكم به، ولا حجة لخصمه إن قال: لم أحضر شهادة هذه البينة. وإن احتاج
أن يكتب أيضا هذا القاضي إلى قاض آخر بما حكم له وثبت عنده، فليفعل،
وهذا شأن القضاة، لا يختلف في ذلك أهل العلم، ولا يجوز للقاضي المكتوب
إليه أن يدفع ذلك بأن يقول: لا أعرف البينة، ولينفذ ما ثبت عند الذي
كتب إليه، إلا أن يكون عند الخصم حجة أو تجريح إلى بلد الشهود، فيدفع
ذلك عن نفسه، وإلا فلا حجة له. وقاله أشهب، وقال: لا تبالي كان اثبات
معرفته عند قاضي الاسكندرية، أو عند قاضي افريقية، فإذا كاتب بذلك قاضي
مصر، وثبت كتابه عنده، فعليه إنفاذ ما فيه. وهذه مذكورة في كتاب سيرة
القضاة.
في الورثة يغيب بعضهم أو أحد الشركاء، فيخاصم من حضر هل الحكم لمن حضر؟
أو عليه حكم لمن غاب أو عليه
من المجموعة: ونحوه في كتاب ابن سحنون، قال أشهب: سأل ابن كنانة مالكا
لابن غانم، عن من هلك عن بنين، فحضر أحدهم، فخاصمه رجل في دار من
التركة، فقضى له بها، ثم جاء أخ له، فطلب أن يقوم بحجته، قال: يسمع منه
ما كان عنده من بينة أو حجة في نصيبه غير ما رفع أخوه، وإن ادعى بينة
غائبة، فإن كان/ أمرا قريبا، أمكن من ذلك، وأما إن كان يأتي بالعلل، أو
بما جاء به أخوه، لم ينظر في ذلك.
ولو أن أحد الولد خاصم في دار للميت بيد رجل حتى استحقها، وإخوته [8/
210]
(8/210)
غيب عنه، قال: لا يدفع جميع الدار إلى
الحاضر منهم إلا بوكالة الباقين، ولكن تنزع من يد الذي قضي عليه، فتوضع
على يد عدل يريد نصيب من غاب.
قال أشهب: ويمكن الحاضر من الطلب في ذلك، فإن كان شركاؤه غيبا، لم
يوكلوه، فإن قضي له بذلك، فنصيب شركائه يوقف بيد عدل حتى يحضروا
فيأخذوا نصيبهم، وإن قضي عليه، كان من غاب غير إذا حضروا. وقاله مالك.
وقال عبد الملك: يخاصم في حقه، ويكون القضاء له وعليه، ولا يكون
للآخرين قضاء ولا عليهم، وقال ابن القاسم: لا يقضى له إلا بحقه. وقال
في كتاب ابن سحنون: ويبقى ما فيها بيد المطلوب.
قال سحنون: وقد كان يقول غير هذا، قال في الكتابين: ولا يقضى للغيب
بشيء؛ إذ لعلهم يقرون للمحكوم عليه بأمر جهله أخوهم، وقد يهلكوا قبل
علمهم بالحكم. ونحوه لعبد الملك، ذكره عنه ابن حبيب: أنه يقضى للقائم
بحصته فقط، وتبقى حصة من غاب بيد المطلوب، يحكم فيه بما شاء ولا تعقل
عليه، ثم إذا قدم الغائب فطلب الأخذ بالحكم، كان له بلا ائتناف خصومة،
ولا بينة، وإن قالوا: لا حق لنا في ذلك. ترك بيد المطلوب، إلا أن يكون
أحدهم مفلسا، قام عليه غرماؤه،/ فلا ينظر إلى قوله، بخلاف ما يوجب
للمفلس؛ أو شفعة تكون له فلا يرى أخذها.
قال ابن الماجشون: ولو كان قبل قدومه مفلسا، ثم قام الغرماء في هذا
الحق، قال: لا يعدى الغرماء قبل قدوم الغائب، وقد يقدم مليا أو عديما.
وقاله كله مطرف. وقاله أصبغ. وقال في نصيب الغائب من الورثة. لا يورث
عنهم إن ماتوا، ولا تقضى منه ديونهم، وإن كانوا عدماء حتى يعلم دعواهم
له، وطلبهم إياه، وقال ابن الماجشون: لورثتهم ذلك إذا طلبوه، وإن لم
يعلم لآبائهم فيه دعوى. [8/ 211]
(8/211)
قال ابن حبيب: وقوله أحب إلي.
قال عبد الملك، وغيره: إن قضي على من حضر، فالغائبون على حجتهم، وليس
يلزمهم ذلك القضاء إن كانت لهم حجة.
ومن العتبية: قال عيسى، عن ابن القاسم، في من ادعى وكالة، ولم يثبتها
بعد وشهود الحق الذي وكل فيه حضور، أيقبل القاضي شهادتهم؟ قال: إن خاف
أن يخرجوا إلى موضع، وكان له وجه، قبل القاضي شهادتهم، ثم يثبت الوكالة
بعد، وإلا فلا حتى تثبت الوكالة.
ومن المجموعة: قال عبد الملك: ثم إن جاء الغيب، فإن طلبوا، كان قضاء
القاضي قضاء لهم، وإن قضى عليهم، أمكنهم من حجة لهم غير ما أتى به
شريكهم، وإلا قضى عليهم. وقد قال أيضا ابن القاسم: إنه يترك ما سوى حق
الحاضر بيد المدعى عليه حتى يأتي من يستحقه.
وقال ابن القاسم في الوصيين وبين الميت وبين رجل خصومة،/ فلا يجوز أن
يخاصمه أحدهما دون الآخر. ومن ادعى على الميت وأحد الوصيين غائب، قضي
له، ثم إن جاء الوصي الغائب، كان على حجة الميت مما كان قد جهله
الحاضر، فإن جاء بشيء، وإلا مضى الحكم.
وقال أشهب: للوصي الحاضر القيام بحق الميت، وكذلك وارث وأحد ذلك، لأنه
لا يدفع إليه إلا حصته. قال ابن نافع، وعبد الملك، مثل قول ابن القاسم:
ليس ذلك لمن قام منهم إلا بمحضر أصحابه، إذ بوكالتهم أتاه، بخلاف
الوارث؛ لأن الوارث له بقدر حقه، والوصي لا يقدر أن ينقص ذلك إلا له
إلا بأمر شركائه في الوصية.
قال ابن القاسم: وإذا حضر الورث وادعوا منزلا من التركة بيد رجل،
فينبغي أن يرضوا جميعا بأحدهم، فيخاصم له ولهم، ويأتي بحجتهم، ويحضرون
معه، [8/ 212]
(8/212)
ويأتون بما عندهم، فأما أن يتعاوروا هذا
يوم وهذا يوم، فليس ذلك لهم. وكذلك في كتاب ابن سحنون.
ومن كتاب ابن سحنون: قال: وإن أقام رجل بينة أن له ولفلان الغائب على
فلان الذي حضر: كذا وكذا، لأن الدين بكتاب واحد، ولا قول لمن قال: يعيد
البينة. لأن الشريك غير وكيل، لأنه يرجع الشريك الغائب على الحاضر فيما
قبض؛ لأن الأصل واحد، ولم يختلف العلماء في أحد الورثة بينة في كار من
التركة، ثم يقدم باقي الورثة: أنه يقضي لهم بأنصبائهم، ولا تعاد
البينة.
وقال عن ابن القاسم، في الشريكين يدعيان قبل رجل بشيء، فيأمرهما القاضي
أن/ يستحلفا، أو يخاصمه أحدهما؛ فيقول: من حضر منا فهو خليفة الغائب في
الحضر. قال: لا يمكنا من ذلك. فأجاز ذلك سحنون.
وسأل شجرة سحنونا، في من أقام بينة في منزل أن أباه تركه ميراثا،
وذكروا الورثة، وبعضهم غيب، ولم يطلب من الحضور غيره، فلما ثبت ذلك.
طلب الحضور حقهم، فكتب إليه: تنازع أصحابنا في هذا، فقال ابن القاسم
يحكم لمن قام ولمن لم يقم؛ إذا ادعى ذلك، ولا تعاد البينة؛ لأن الحكم
للأب ويقر حظ الغائب بيد المدعى عليه. وقال غيره عن مالك: هو حكم للأب
فصار لورثته، فينزع من يد المدعى عليه، ويأخذ من قام حقه، ويوقف نصيب
الغائب، ويكتب الحاكم: إن فلانا ادعى كذا وكذا لأبيه، وثبت ذلك، ولأبيه
من الورثة كذا- ويسميهم وحقوقهم - فحكمت لفلان بما ثبت عندي لأبيه.
ويكتب لورثة أبيه بأنصبائهم، وهو كذا. [8/ 213]
(8/213)
في الحكم على عبد الغائب بعينه أو أن فلانا
سرقه
من كتاب ابن سحنون: وإن شهدت بينة أن فلانا قال: إن دخلت هذه الدار،
فكل مملوك لي حر وأنه قد دخل، ولم يحضر مملوك يخاصمه، فإن القاضي يسمع
البينة؛ لأن فيه حقا لله سبحانه بالحرية، حتى لو أبطلها العبيد لم ينظر
إلى قولهم، فإن كانت البينة يعرفون العبد، فليحضرهم الإمام إن كانوا في
البلد، وإن غابوا، كتب بما يتهم حتى تقع البينة على إعتاق العبيد،
فيحكم بحريتهم، وإن كرهوا، وإن حضر الحالف ومعه عبد قالت البينة: إنه
كان له قبل اليمين إلي أن حنث فقضى/ بعتقه، وإن جاء عبد آخر فأقر
المولى أنه كان يملكه يوم دخل الدار قبل الحالف، وجحد الحالف، فإنه
يعتقه، ولا يعيد البينة. وإذا شهدوا على غائب أنه سرق، ثم قدم، فللإمام
قطعه، ولا يعيد البينة، إذا كان قد استأصل الإمام الشهادة.
في الرجل يغيب فيريد ولده أو غيره من أقاربه أن يطلب به حقا بغير وكالة
وقد خيف فوت ذلك أو لم يخف
من المجموعة وهي في العتبية، من سماع أشهب، من مالك: قال أشهب: كتب
مالك إلى ابن غانم، على عشيرة الرجل يذكرون للقاضي أن رجلا منهم
بالأندلس، وأن في يد رجل منهم منزلا للغائب، وساكنه يدعيه لنفسه؛ لطول
غيبة صاحبهم، وينكر أن يكون لهم، وللغائب في حق، ولم يوكلهم الغائب،
فيمكن لهم طلب ذلك الغائب بلا وكالة.
(8/214)
وقال ابن القاسم: ولا يقيم للغائب وكيلا في
إقامة حجة الغائب في الطلب له، أو الدفع عنه؛ لأنه لو حكم على من
أقامه، لم يلزم الغائب. وللغائب أن يأتي بحجة فلا يعارض من ذلك في
يديه؛ إذ لعل الغائب يقر له، وهو لو قضى للحاضر ثم جاء الغائب، لأثبتوا
الخصومة في ذلك. قال: وإذا كان من رفع ذلك إلى الإمام خاف هلاك الحق
بموت الشهداء، فلا يأمن أن يأذن له الإمام في القيام، ويأتيه بالبينة
فيسمعها ويقبلها إن كانوا عدولا، ويكتب ذلك، وأنه قبلهم، ويطبع على
الكتاب ويشهد بينة على ذلك وعلى قبوله منهم لعدالتهم عنده. فإن جاء
الغائب أو وكيله بعد موت البينة، قام بذلك إن شاء، واكتفى/ بما تقدم من
شهادتهم، وحكم بذلك، وإن كان القاضي قد عزل أو مات، فعلى القاضي بعده
أن يقبل في ذلك الكتاب البينة أنه كتاب القاضي الأول، وأنه قبل البينة
فيه، وينفذ ذلك الثاني، ولم يسأل الطالب أو وكيله تعديلهم، واكتفى بما
تقدم.
قال ابن حبيب عن مطرف، فيمن قام على غريم لأبيه، وأبوه غائب، قال: قال
مالك: يمكن الابن من إيقاع البينة عليه. قال مطرف: فإذا سمع البينة
وقبلها، أمر الغريم بإحضار المال، فإن كان الإبن وكيلا قد ثبتت وكالته،
أو كان مفوضا في أمور أبيه والقائم له، دفع إليه المال، فإن لم يكن
كذلك، أوقفه الإمام للغائب، وضرب له أجلا، فإن جاء وطلبه، أخذه، وإن لم
يطلبه، وقال: قد كنت تقاضيته، رد على الغريم، وإن لم يأت للأجل، رد
المال للغريم أيضا، وهذا إن كان موضع الأب قريبا، فأما إن كان بعيدا،
لم يوقف له شيء، ولم يعرض للغريم إلا بتوكيل يثبت للولد، أو بتفويض
إليه من امور أبيه. ولو أن الغريم مقرا بذلك، ترك ولم يفوض له، قربت
غيبة الأب أو بعدت، إلا بوكالة.
قال: وإن جحد فأقام الابن عليها شاهدا، وعجز عن آخر، قال: يحلف الغريم
أنه برئ من هذا الدين، فإن حلف ترك التعرض له، فإن قدم الغائب فحلف مع
شاهده، اتبعه بهذا الحق، وإن نكل، فعن حقه نكل، وإن نكل الغريم [8/
215]
(8/215)
أولا عن اليمين، أخذ منه الحق، وأوقف كما
وصفنا، فإن جاء الغائب، أخذه بغير يمين، كالصبي يقوم له شاهد بحق لأبيه
الميت، فينكل الغريم عن/ اليمين، فيؤخذ منه، فإذا كبر الصبي، فلا يحلف.
كذلك قال مالك. وكذلك قال مالك في وكيل الغائب يقيم شاهدا، أو السفيه
لنفسه، قال: والوالد فيما يدعيه لولده مثلما ذكرنا من دعوى الولد
لأبيه، بل الولدين. قال: وأما دعوى الأخ والجار فلا؛ إلا أن يكون ذلك
في العبد، أو الدابة، أو الثوب يدعيه الرجل لأبيه، أو لابنه، أو لأخيه
أو لجاره على وجه الحسبة، فليمكنوا في مثل هذا من إيقاع البينة للغائب؛
لأن هذه الأشياء تفوت وتحول وتغيب، فإن أقام بينة قاطعة، أو شاهدا،
دعاه الإمام بحميل، فيتحمل بذلك الشيء موصوفا مفوضا، ويضر فيه للغائب
أجلا، فإن جاء إليه ببينة قاطعة، حلف: ما باع ولا وهب، ولا وجب بحق،
وحلف أيضا: أنه ما باع ولا وهب، ولا يخرج من يديه بحق. وخالفه ابن
الماجشون، وقال: لا أمكن أحدا من إيقاع البينة على أحد بدعواه عليه
لغير نفسه؛ لا لأب، ولا لولده، ولا لغيره، لا في دين، ولا في حيوان،
ولا في عرض، كانت الغيبة بعيدة أو قريبة، ولا يعرض للمدعى عليه إلا
بتوكيل يثبت للقائم عليه. قال أصبغ يقول مطرف، إلا أنه قال: دعوى
الوالد بالدين إن بعدت غيبة الأب، وقد ثبتت بالبينة، فطول غيبته كموته،
يقبضه السلطان ويوقفه مع ماله. وبقول مطرف أخذ ابن حبيب.
في الرجل يهلك وبعض ورثته غيب أو كلهم معه،
فيرجع ذلك إلى الإمام هل ينظر فيه؟
من المجموعة، وهو رواية أشهب في العتبية: وكتب مالك إلى/ ابن غانم، عن
رجل هلك بالقيروان، ولا وارث له إلا أخ بالأندلس، وزوجته الحاضرة،
فتدعي الزوجة أن لها كل ما ترك من ربع وغيره، وتريد بيعه، فقام ابن
أخيه الغائب يريد [8/ 216]
(8/216)
القيام في حق أبيه بالبينة، ويقول: فأجعل
ما ثبت من ذلك لأبي في يد عدل حتى يأتي أبي. قال: فليمكنه من البينة
على أن أباه حتى يوم مات أخوه، وأنه وارثه، وبما يذكر من تركته، فإذا
ثبت عنده ذلك، جعل ما ثبت للغائب بيد عدل
وقال ابن الماجشون: وإذا بلغ السلطان أن رجلا مات، وترك ضياعا، ومن
ورثته أطفال وعيال. قال: ينظر في ذلك؛ فإن وجد فيها كافيا كلفه حتى
يضمه لأهله.
في مال الغائب أو المفقود يدفع إلى الإمام هل يحوطه أو ينظر فيه؟ أو
يوكل من يطلب له حقوقه؟ ومن قام عليه أحد بوصية أو غيرها
من المجموعة: قال ابن كنانة، في من بيده قرية لناس غيب، من غير وكالة،
أيخرجه الإمام من يده بقيام أجنبي للغائب بغير توكيل؟ قال: ذلك له على
ما يرى من الاجتهاد، وليجعلها بيد أمين يحفها عليه حتى يأتي من ذلك له،
أو وكيله.
قال سحنون: ومن غاب في بلد الإسلام، وترك ربعا وعليه، فرفع ذلك إلى
الحاكم، قال: إن كان أقر صنعته بيد أهله وولده، وخرج فلا يعرض فيها،
إلا أن يكون لم يخلف ذلك في يد أحد، فتعدى أحد على ماله، فلا يمكنه
القاضي من ذلك.
وسئل سحنون عن قوم أتوا إلى الحاكم، فقالوا: إن أرضا لقوم منا غيب،/
ونخاف أن يموت ذكرها والبينة عليها، ونحن نريد نحييها، ونجعل بيد من
ينظر فيها للغيب. قال: قد فعل مثل هذا عبد الرحمن بن زياد قاضي
إفريقية، فسئل مالك [8/ 217]
(8/217)
عن ذلك، فقال: لا أرى لمن قام في ذلك
خصومة، وهذه أمور قد تطاولت وطال أمرها، فلم ير ذلك.
قيل لابن القاسم: أيحاط مال المفقود من يدي ورثته؟ قال: قال مالك: يحاط
مال المفقود، والسلطان ينظر فيه، ولا يدع أحدا يفسده ولا يبذره.
ومن العتبية، قال يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم، في من رفع إلى الإمام
أن حقا لقوم غيب من قرابته أو غيرهم في دار، أو أرض، أو غيرها، بأيدي
قوم يخاف هلاك ذلك الحق؛ لتقادمه، وخوف فوت البينة، أو نسيانهم، هل
يقيم الإمام لغيب يخاصم عنهم واحد عنهم؟ قال: أما الخصومة عنهم ووضع
الحجج: فلا أرى أن يوكل على ذلك وكيلا يقوم له على غائب، وذلك أنه قضى
للذي ادعى الحق قبله على هذا الوكيل على هذا الغائب، لم يلزم الغائب
فيما له وعليه، فلا ينبغي للقاضي أن يشخص الذي له الحق في يديه، فيطول
عناؤه، فإن قضى عليه، فلعل الغيب أن يقروا بخلاف ما طلب هذا لهم، وإن
قضى له، ثم جاء الغائب لم ينتفع هذا بالقضاء له، وابتدأ الخصومة، قال:
ولكن إن كان الذي رفع مثل هذا إلى السلطان، خلاف هلاك الحق بموت
البينة، وطول الزمان، فلا بأس أن يأذن له السلطان، أو يأمره أن يأتيه/
بأولئك الشهود، فيوقع شهادتهم، فإن عدلوا، أشهد رجالا بأنه أجاز
شهادتهم، ويطبع على الكتاب، فإن جاء الغائب يوما أو وكيله يخاصم عنده،
وقد مات الشهود، اكتفى بما كانوا شهدوا به، فقطع به الحق، ولو مات
القاضي أو عزل، ومات الشهداء، فعلى من ولي بعده إن ثبت عنده ذلك الكتاب
أن ينفذ ما فيه، واكتفى بما ثبت من عدالتهم عند الأول.
قال أصبغ: وإن رأى القاضي الأول – إن صحت عنده هذه الأشياء- شهادة
قاطعة، ولم يكن للحاضر فيها حجة ولا مدفع، أن يوقفها عنه، أوقفها. [8/
218]
(8/218)
ومن كتاب ابن سحنون: كتب شجرة إلى سحنون:
فيمن غاب في بلد الإسلام، وترك رباعا وعسه، فرفع ذلك إلى الحاكم، أيحوط
ذلك؟ فكتب إليه: إن كان أمرها بيد أهله وولده، وخرج كما يخرج الناس،
فلا يعرض فيها، وإن لم يكن خلفها بيد أحد، فتعدى أحد على ماله، فليمنع
الحكم من ذلك في مال الغائب.
وفي كتاب سيرة القاضي، في باب، كتب العدمان، أن سحنونا وكل رجلا على
مال قوم غيب، وفوض إليه النظر في ضياعهم وكرائها وحياطة أموالهم. وكتب
إليه شجرة، في من سافرن ووكل عند سفره على ضيعته وولده نصرانيا، أو من
لا يرضى حاله، فيطول مغيبه، ويرفع قرابته إلى القاضي سوء نظره، فكتب
إليه: ما أرى أن يعرض له، وقد استخلفه الغائب.
وكتب إليه شجرة، في من رفع إلى الحاكم أن قريبا له طالت غيبته في
البحر، ولا وارث له غير إن مات، وله/ دار وربع بيد رجل يدعيه لنفسه،
وقد طالت غيبته، فأمكني من إحياء حقه، فإن مات ورثته، وإلا حطته له،
فكتب إليه: لا تعرض لمن في يديه شيء يدعيه لنفسه لغير مدعي نفسه أو
بوكالة عليه.
وكتب إليه شجرة، في من طالت غيبته في هذا البحر، فترك أهله وولده في
داره، وتطول غيبته حتى يموت له ولد، ويترك ولدا، ويتزوج أبوه، ويموت عن
ولد، ويخلف وولده ولد في ربعه، فيريد كل قوم أن يكون في أيديهم ما كان
في يد الأب، فكتب إليه: ليس يترك في دار الغائب الذي يجهل موته إلا
امرأته وصغار ولده الذين تلزمه نفقتهم، ولينفق عليهم من ماله إن كان
بنوه لا مال لهم، فإن كان للأطفال مال، أنفق عليهم منها، وأما الزوجة:
فينفق عليه على كل حال، ومن بلغ من ذكور ولده، سقطت النفقة عنه، وأما
ولد ولده، فلا ينفق عليهم من ماله، ولا يتركوا في السكنى في داره،
وينظر في ذلك القاضي. [8/ 219]
(8/219)
قال ابن حبيب: قال مطرف، في أرض لغائب بيد
رجل بخلافة أو غير خلافة، فيرفع ذلك إلى الإمام، قال: لا ينظر فيها
السلطان بشيء، ولا يمكن منها أحدا من الخصومة فيها إلا بوكالة تثبت من
صاحبها، ولا يقبلها ممن هي في يديه، وإن تبرأ منها إليه، ولا يتكلف
الإشهاد على من هي بيده: أنها ليست له؛ إذ لعلها ليست لمن يقر بها،
فإشهاد الحاكم في هذا فيه ومن يحل رها، ولا يعرض لورثة من كانت بيده،
إلا أن تكون أرضا ليست بيد أحد، ولا يدعيها/ أحد، فيرفع إليه، أن ربها
فلانا خرج عنها، وتركنا، وقد طالت أمره، وخيف أن يذهب حقه، فينغبي له
حينئذ أن يوكل عليه وكيلا للغائب، وشهد له بها، ولو كان إنما رفع ذلك
إليه من لا تجوز شهادته، لم ينبغ أن يعرض فيها بتوكيل ولا بإشهاد؛ إذ
لعلها لغير من سميت له، وأما إن كانت لصغير، فليول عليها من ينظر له.
وقال مثل ذلك أصبغ. قال أصبغ: ولو كان الرافع أمر الأرض إلى السلطان
المقر على نفسه أنها لغيره عاجزا عن ولايتها، ضعيفا عن النظر فيها،
رأيت أن يأمره الإمام بالإشهاد على نفسه بما أقر به، ثم يوليها القاضي
لغيره من غير علم للغائب بها.
قال ابن حبيب: قال مطرف، وابن الماجشون: ومن أقام بينة أن المفقود أوصى
له بوصية، وأوصى إليه، فلا ينبغي للقاضي أن يسمع بينة، ولا يشهد على ما
ثبت عنده من ذلك؛ لأن ذلك لا يوجب له ما طلب إلا بعد موت المفقود، فلا
ينبغي أن يسمع القاضي بينة رجل على أمر، فيحكم له به اليوم، ولم يقع
بعد.
وقال ابن القاسم: يسمع منه البينة، ويحكم له بذلك اليوم. وبالأول أقول.
وفي كتاب أدب القاضي، في باب القاضي يقول: حكمت لفلان. أو: شهدت عندي
بينة في مسألة الميت يموت عن مال، وورثته في بلد آخر، وحياطة ماله، وهل
يبعث به القاضي، أو يوقف له؟ [8/ 220]
(8/220)
في المدعي عليه يتجه عليه الحكم فيسأله
القاضي عن منافعه، فيدعي بينة بعيدة، أو يضرب له الآجال في منافعه حتى
طال ذلك/ حتى يذكر حجة كان يدعي خلافها أو يقيم بينة أن الدار المدعى
فيها لغيره أو يأتي بعد الحكم بحجة
من المجموعة: قال ابن القاسم، عن مالك من وجه الحكم في القضاء: إذا
أدلى الخصمان بحججهما، وفهم القاضي عنهما، ثم أراد الحكم، أن يقول:
أبقيت لكما حجة؟ فإن قالا: لا. أنفذ الحكم. وقال في المدونة: ثم لا
يقبل منه حجة بعد إنفاذ حكمه، إلا أن يأتي بما له وجه. وقال في كتاب
آخر مثل هذا لم يعلم بها. وقال في الأقضية في المدونة: مثل أن يأتي
بشاهد عند من لا يقضي بشاهد ويمين، فيحكم عليه، ثم يجد شاهدا آخر بعد
الحكم، وقال: لم أعلم به.
قال سحنون: لا يقبل منه، وإن أتى بما له وجه.
قال محمد بن عبد الحكم: يعني عن مالك، مثل أن يأتي بحجة لم تكن عنده،
من براءة، أو بينة تقدم، لم يكن علم بها، فينظر فيه بقدر ما ينزل.
قال في كتاب ابن المواز، عن مالك: إذا قال: وجدت بينة لم أكن أعلم بها.
ونحو هذا، أنه يسمع منه.
قال ابن المواز: وإنما ذلك عندنا مادام القاضي نفسه، فأما لو ولي غيره،
لم يكن له أن ينظر فيه ولا ينقضه. قال: ولو قال قبل الحكم: أبقيت لك
حجة؟ قال: نعم. وقد تبين للقاضي أن حججه نفذت، وأنه ملد، قال: فليضرب
له أجلا غير بعيد، فإذا تبين لدده، أنفذ عليه الحكم، ولو ادعى بينة
بعيدة، فلا يقبل منه، ولا من غيره في كل من ادعى بينة بعيدة، مثل أن
يقول: [8/ 221]
(8/221)
بينتي بالعراق وهو بمصر، أو بالأندلس لموضع
بعد؛ ليطول به/ القضاء، ولكن يقضي عليه، ومتى حضرت بينته، كان على
حجته. قال: ويقوم بذلك عند هذا القاضي وعند غيره. وينبغي أن يذكر في
كتاب حكمه ذكر ذلك، أن يقول فيه: وذلك لما ذكر فلان أن له بينة غيب على
بعد من البلاد، فمتى حضر شهوده، كان على حجته في ذلك مع ما يبين ما صح
للمقضي له مع بينة أو حجة. ومنه، ومن العتبية: وكتب مالك إلى ابن غانم،
في المدعى للدار يقيم فيها البينة عند القاضي، يسئل خصمه عن حجته،
فيذكر أن له بينة غائبة له فيها شهادة وحجة، فيؤجل له الأجل الواسع:
الشهرين والثلاثة، ويذهب الأجل، ولا يأتي بشيء، ويقول: تفرقت بينتي.
قال: أما الرجل الصادق المأمون لا يتهم أن يدعي باطلا، فأرى أن يزيده
في ذلك الأجل، ويستأني به، وأما الرجل الملد الذي يريد الإضرار بخصمه،
فلا يمكنه من ذلك، إلا أن يذكر أمرا قد تقارب ثباته، فيستبري ذلك
بالامر القريب، ثم يمضي عليه ما أرى. وهذه الرواية في كتاب ابن المواز.
ومن الكتابين: قال أشهب: وسأله ابن كنانة عن نحو ذلك في العبد يدعي
الحرية، أو الحر يخاصم، فيدعي البينة الرساس، فيؤجلا لذلك أجلا بعد
أجل، فلا يأتيا بشيء، قال: اكتب إليه: إذا ضربت لهما أجلا ثم أجلا،
وأعذرت في الأجل، فلم يأتيا بشيء، فاقض عليهما، ولا يضرب أجل آخر، ورد
العبد على سيده، وذلك يختلف بين الناس. أما الرجل الصالح لا يعرف
باللدد والباطل، فيضرب له أجل بعد أجل، فأما الظلوم الملد، فذلك يقضى
عليه، ولا يضرب له أجل. يريد: بعدما يقوم./
قال سحنون، في المدعى عليه الدم يحبس للطخ من البينة، ثم يغيب المدعي
ويدعه في الحبس، أنه لا يمكن المدعي من الإلداد والتطويل في إثبات حقه،
ولا حد في ذلك إلا اجتهاد الحاكم في بعد متاع المدعي وقربها، وما كان
المدعي على دعواه في غير إلداد بالمحبوس، ولا إضرار به. [8/ 222]
(8/222)
قال ابن القاسم: وإذا ادعى القاتل بينة
غائبة على العفو، تلوم له الإمام.
قال أشهب: إن كانت بينة قريبة، حبس في العبد، ويضرب له أجلا في بينته،
فإن كانت بينته بعيدة، لم ينتظر، ويقتل إن شاء الولي، أرأيت إن قتله
بالصين، وادعى بينة بالأندلس، أيؤخر؟ لا أرى أن يؤخر وتطل هذه الدماء
والحدود والحقوق، فلا يؤخر إلا في القريب.
قال ابن القاسم: وإذا تواضع الخصمان حججهما، فيقول لهما القاضي:
اجتهدا، فلا أقبلكما. ويكتب حججهما، ثم يريد أحدهما أن يتحول عن حجته
إلى آخر، فإنه يقبل منهما ما لم يستوعب كشفهما عن منافعهما، فإذا قالا:
ليس عندنا إلا ما وضعنا عندك من بينة وحجة فإذا بلغت إلى هذا، لم
لأحدهما عن حجته ملدا وأراد غيرها، وجاء ببينة وقد كان عجز نفسه، فإذا
رأى أنها كانت غائبة، لم يعرف موضعها، فليقبل منه، وأما على غير ذلك،
فلا يقبل منه، وحكم عليه.
قال ابن القاسم وهو لمالك: وسأل حبيب سحنونا عن رجلين في دار تجمعهما
سقيفة واحدة، عليها باب، ولكل واحد باب فيه إلى مسكنه، فادعى أحدهما أن
صاحبه قدم بابه إلى موضع لم يكن فيه، فأنكر ذلك الآخر، / وأثبت ذلك عله
بالبينة بعد خصومة طويلة، فلما لاح الحكم عليه، برد الباب إلى موضع
كان، كما شهدت له البينة أن الدار التي هو بها ليست له، وأنه باعها من
فلان الغائب من قبل الخصومة، قال: لا يقبل قوله، وليحكم عليه حتى يأتي
من يدعي ذلك، ويقيم البينة، فيخاصم حينئذ المدعي، وإن كان باعها بعد أن
شرع في هذه الخصومة، فهو بيع فاسد؛ لأنه خطأ. [8/ 223]
(8/223)
في المحكوم عليه يجد
بعد الحكم بينة أو منفعة من تجريح أو غيره، أو
يظهر أن البينة أعداء للمشهود عليه
من المجموعة: قال مالك في من خاصم رجلا في عقار، فيأخذ كل واحد حميلا
على صاحبه في ذلك، راضيا بما يحكم عليه وله إن غاب، فيغيب، فيثبت الحق
على الحميل، فلا يجوز ما يدفع به، فيحكم عليه بعد التلوم والآجال، ثم
يأتي المتحمل عنه بتجريح أو حجة يذكرها، أيسمع ذلك منه، أو ينفذ القضاء
عليه؟ قال: ينفذ عليه القضاء، إلا أن يتبين للقاضي أن شهادة ظهرت، أو
أمرا حدث له في ذلك الأمر غير الأول، فيقبل منه ما جاء به من ذلك من
أمر ظاهر بين، وكذلك لو جاء بمثل ذلك الحميل لمثله منه، فإما أن يمكنه
أو يحمل عنه من رد الحجج – يريد المتقدمة- واستئناف الخصومة، فلا يفعل.
قال ابن القاسم، عن مالك: وإذا حكم القاضي بحكم، ثم جاء المحكوم عليه
يطلب بعض ذلك، لم يقبل منه، إلا أن يأتي بأمر له وجه يستدل به على
قوله، مثل أن يكون لم يعلم ببينته، أو يأتي بشاهد عند من لا يرى الشاهد
واليمين وعجز عن/ الآخر، فحكم عليه، ثم قدر على شاهد آخر، أنه يسمع منه
ويقضي له، وكذلك ما يشبه هذا مما يظهر فيه بحجته، وإلا لم يقبل منه،
وقال سحنون، في موضع آخر: لا يقبل منه، وإن أتى بما له وجه.
ومن المجموعة: وقال أشهب في من خاصم رجلا في عشرين دينارا له قبله،
فيقول: دفعتها إليك. فيكلفه بينة، ويضرب له الآجال، فلم يجد بينة،
فيحكم عليه، ثم يأتي بعد ذلك بالبينة أنه قد قضاه الدين، فإنها تسمع
منه، ويرجع في الدنانير، وكذلك لو خاصمه في عبد، فقال له من هو في
يديه: اشتريت منك. فكلفه البينة، فعجز عنها، فحكم عليه، ثم وجد خصمه
البينة، فله [8/ 224]
(8/224)
استرجاع العبد، ولا رجوع له على الآخر بغلة
العبد، وكذلك الدار يكون فيها مثل هذا. وقال: وكذلك لو خاصم قوم في دار
أنها حبس، فعجزوا عن البينة بالحيازة، فيقضي بها أنها موروثة، يم يجدوا
بينة على الحيازة، أنها ترد، قيل: فالقاضي يقضي للرجل بشيء، ثم يجد
خصمه البينة أنه له، وقد عزل ذلك القاضي، أينبغي للقاضي أن يقضي به؟
قال: نعم؛ لأنه قد وجد بينة.
قال ابن القاسم: ولو شهد رجلان على رجل بمال لرجل إلى أجل، فحكم
القاضي، ثم ظهر له أنهما عبدان، أو ممن لا تجوز شهادتهما، قال: يرد
قضاؤه ويفسخه.
قال سحنون، في موضع آخر: لا يرد الحكم في المسخوطين.
وقال أشهب: إذا حكم برجلين، ثم ظهر أن أحدهما مسخوط، فالحكم ماض، ولا
يمين عليه. قال ابن القاسم: يحلف مع الآخر، وينفذ الحكم، فإن نكل،
حلفالمطلوب، ورد المال.
/ومن المجموعة: قال ابن القاسم: وإذا قضى القاضي على رجل، ثم جاء
المحكوم عليه يذكر أنه وجد عدولا يجرحون البينة التي حكم بها عليه؛ فإن
رأى القاضي لذلك وجها مثل أن يقول: لم أعلم بجرحهم حتى أتاني هؤلاء بعد
الحكم. وتبين للقاضي أنه ليس منه ذلك إلدادا، نظر في ذلك، وكذلك لو عزل
ذلك القاضي، وولي غيره، ينظر له أيضا فيما قال؛ إذا كان قد ادعى ذلك
عند الأول، ولو لم يدعوه الأول بالتجريح، لم يجز لمن ولي بعده أن يمكنه
من ذلك، ولا ينفعه النظر في قضاء قاض قبله.
قال أشهب: أما إذا اشهد حكم بشاهدين، ثم وجدهما عبدين أو نصرانيين،
فلينقض قضاءه. وأما المسخوطان، فلا ينقضه؛ لأنه جوزهما باجتهاد في
عدالتهما، والعبد والنصراني لا يقبلان بحال، وأما المسلم فممن تقبل
شهادته، وترد بسخطة حاله. وقد قال مالك في بعض قوله: إن المسخوط يوجب
القسامة، وإن العبد والذمي ليسا بلطخ. [8/ 225]
(8/225)
قال ابن القاسم: ولو شهد أربعة بالزنى؛
أحدهم عبد أو مسخوط، ولم يعلم به الإمام، فحد أو رجم، ثم علم بذلك، أن
على الشهود كلهم حد القذف إن وجد أحدهم عبدا، وقال أشهب: أو نصرانيا؛
قالا: وإن وجد أحدهم مسخوطا: قال أشهب: أو مسخوطين كلهم، فلا حد عليهم،
وقد نفذت وجازت.
قال ابن القاسم: ولا يحد الباقون إن وجد أحدهم مسخوطا، كما لو رجع
أحدهم منهم.
قال عبد الملك: ومن قذف رجلا، فحده الإمام بعد الإعذار إليه والتأني به
في طلب المجرح،/ ثم جاء أربعة عدول يشهدون على المقذوف: أنهم رأوه يزني
قبل القذف، فإنه يحد، ويكون ذلك مسقطا لحد القذف عن القاذف، يعني
جرحته. قال: ولو كان حقا غير الزنى، وقام به المقضي عليه، لم يقبل منه
ذلك بعد الحكم، وأما مشهود الزنى، فهو حق لله، لابد أن يقبل منهم، ويحد
الزاني، فإذا أحد، سالط عن الذي حد في قذفه ما كان لزمه، ولو قام
القاذف بعد أن حد لهؤلاء الشهود، فشهدوا له إن كان حاكما جلده في
الزنى، فلا تسمع شهادتهم؛ لأنها لا توجب إلا رد ما حكم فيه من القذف
فقط، كما لو أعذر إلى مشهود عليه في تجريح من شهد عليه، فلم يأت بشيء،
فحكم عليه، ثم وجد من يجرحهم، فلا يسمع منه ذلك، ولو كان هذا لم ينقض
الإعذار، ولا تم حكم، ولا يقبل الجرح بعد الحكم، وإن تبين أن أحد
الشاهدين عبد أو كافر أو مولى عليه، فهذا ينقض به الحكم.
قوله: المولى عليه في حاله. فقد اختلف في قبول شهادة السفيه في ماله،
الحسن الحال في غير ذلك.
قال عبد الملك في الغائب يقضى عليه، ثم يأتي يطلب المجرح يجرحه شاهد
بأنه عبد أو كافر أو مولى عليه، فمثل هذا يقضي به الحكم، وأما إن ظهر
أنه [8/ 226]
(8/226)
حد في سرقة أو شرب خمر قديما أو حديثا، فلا
ينقض فيه الحكم؛ لأنه حكم مضى بالاجتهاد والآجال، وما نقض مما ظهر على
الشاهد أنه عبد أو ما يشبهه مما ذكرنا، أو قضى بموت ميت، فجاء حيا،
فيوجد قد بيع ماله، فإنه لا يرد البيع، وإنما له الثمن؛ لأنه بيع بشبهة
الحكم.
ومن قول أصحابنا فيما/ يستحق من عبد، أو دابة، أو حيوان، فتراجع فيه كل
من باعه، فلو أن حدهم أتى بمنفعة، إما بأنه يحتج عنده، أو تاريخ ملكه
أقدم من تاريخ مستحقه، لنقض فيه كل حكم تقدم؛ لأنه من معنى القضاء على
الغائب الموقوف على حجته، لأن كل من بايعته لعل عنده حجة. وقد جرت
مسألة من هذا في عهدة الاستحقاق، هي مكتوبة في كتاب الدعوى والبينات،
في باب من أقام بينة بشيء أنه له، وأقام آخر بينة فورختا، أو قالت
واحدة: ولد في ملكه.
وكتب شرحبيل إلى سحنون في من خاصم خادما وصبيانا، زعم أنهم بنوها، وأنه
يملكهم أجمع، فادعت الخادمة الحرية، وقال البالغ من الصبيان: أنا حر.
ولم يقروا أن هذه أمهم، فأتى الرجل ببينة على ملكه للخادم؛ قال شاهد
منهم: والصبيان ولدها، وهم ملك له. ولم يأت بشاهد آخر على هذا، فطلبت
منه منفعة، ومن الرجل في رق الصبيان، وتربصت لهما، فلم يأتيا بشيء،
وتأنيت في ذلك، فحكمت حينئذ بالخادم للرجل، وأطلقت الصبيان، ثم إن
الخادم وجدت بينة بحريتها، وجاء الرجل ببينة أن الأولاد له، وأنهم
أولادها، هل أسمع ذلك؟ فكتب إليه: أن أمكن الرجل بإثبات دعواه، وأمكن
الخادم بثبات ما ادعت إن كان ذلك عندها، ولم ترد به الإلداد والضرر.
قال محمد بن عبد الحكم: وإذا حكم القاضي بمائة دينار لرجل على رجل، ثم
ثبت أنهما عدوان للمشهود عليه عداوة لا تجوز شهادتهما عليه معها، فرد
[8/ 227]
(8/227)
القاضي حكمه، وقد أخذ المحكوم له المائة./
فأتلفها ولا مال له، فلا يرجع على الشاهدين بشيء؛ لأنهما لم يرجعا، ولو
رجعا لغرما، ولم تنفعهما العداوة إذا قالوا: شهدنا بباطل.
قال: وإذا عدل الشهود عنده، ثم أتى من يجرحهم فإنه يسمع الجرحة فيهم
أبدا ما لم يحكم، فإذا حكم، لم ينظر في حالهم بجرحة ولا بعدالة في ذلك
الحكم.
في من ادعى دارا بيد رجل وأقام بينة فلم تثبت هل يحكم به لمن هو بيده
إذا عجز الطالب عن حجته؟ وهل يسمع منه بعد ذلك حجته؟ وما وقف القاضي عن
الحكم لعلة هو حكم منه
من المجموعة: قال عبد الملك: ومن ادعى عبدا، أو أرضا، بيد رجل، فيخاصمه
عند حاكم، ويقيم بينة، فأمره الحاكم بتزكيتهم، ويضرب له الآجال، فلم
يأت بشيء ينتفع به، فطلب المدعى عليه من الإمام أن يحكم له بتعجيز
خصمه، كي لا يقوم عليه ثانية، قال: ليس ذلك على القاضي، إنم هو رجل طلب
حقه، لعجز في وقته عن منافعه، وبقي الشيء بيد المدعى عليه، كما كان،
فليس في هذا قضاء. قال: وليمتنع من ذلك في يديه من البيع في ذلك الفور
وحين الخصومة، فإذا ضعف المدعى حجته، ولم يأت بشيء، مكن من ذلك في يديه
أن يبيع ويفعل ما شاء، ثم إن جاء المدعى ببينة تطوله فيها. وكذلك ذكر
أن حبيب، عن ابن الماجشون؛ وقال: قال مطرف: كل من ادعى قبل رجل دعوى،
من مال، أو عرض، أو/جار، أو عبد، وأقام بينة، ثم عجز عن تعديلها وقد
خاصم صاحبه، ولم ير الإمام له حقا في دعواه، فإن على القاضي أن يكتب
للمدعى عليه كتابا بقطع حجة المدعي وتعجيزه عن اثبات دعواه، ويشهد [8/
228]
(8/228)
له بذلك؛ ليكون ذلك براءة للمدعى عليه من
المدعى ومن تردده بالخصومة عند هذا الحاكم أو غيره، ومتى ما جاء بعد
ذلك بعدلين، أو بإثبات ما عجز عنه، لم ينظر له فيه بعد، لا هذا الحاكم
ولا من كان بعده إلا ثلاثا أشياء: العتق، والطلاق، والنسب، فإن عجزه عن
تحقيق ذلك ليس بعجز يمنعه من القيام به متى أحقه عند هذا الحاكم أو
غيره. وخالفه ابن الماجشون، وقال مثله في العتق، والطلاق، والنسب.
وقاله: وأما غير ذلك من الدعوى، فيخلف. أما الدعوى في مال، أو ربع، أو
عبد، وشبهه، فلا يكلف في ذلك مدة تحقيقها لن ولا بينة، ولا عملا من
الأعمال بشبهة تدخل على الحكم في أمرهما، إنما يكلف ذلك المدعي، فإن
عجز عن إثبات دعواه، وتعديل بينته، دفعه عن المدعي قبله، ولا يكتب بذلك
للمدعى عليه كتابا ولا إشهادا، ومتى ما جاء الطالب بأحق مما كان جاءه
به، سمعهما منه، وقبله هذا الحاكم، وكل من بعده، وأما كل ما فيه شبهة،
وتكلف المدعى عليه فيه عملا، ثم إن اثبت المدعي أن هذه الدار لأبيه أو
لجده، فكلف من هي بيده البينة، فاحتج بطول الحيازرة مما يقوي به
الحيازة بمحضر المدعي، وأقام بينة، فهذا أحق بما في يديه، ويسأل المدعي
بماذا تركته يحوزها؟ / فإن قال: بإسكان، أو بإكراء. كلف البينة، فإن لم
يأت بشيء، وضربت له الآجال، فلم يأت بشيء، فهذا من حق المدعى عليه، أن
يكتب له كتابا بحكمه له بهذه الحيازة، وتقطع عنه حجة المدعي، ولا يسمع
بعد ذلك حجج المدعى وبيناته بعد الحكم.
قال ابن حبيب: وقول مطرق أحب إلي. وقال ابن القاسم، وأشهب، وابن وهب في
ذلك مثل قول مطرف. وقول ابن الماجشون حسن، ومن أخذ به لم يخطئ إن شاء
الله، فاستحسنه أصبغ.
ومن العتبية: ابن القاسم عن مالك، وعن رجلين اختصما في دار، وبحضرتهما
رجال: فيقول القاضي لأحدهما: قد نظرت في أمرك، فلا أرى لك [8/ 229]
(8/229)
حقا. فانصرفا، فأقاما حتى ماتا، ثم تخاصم
ورثتاهما، وأقام ولد المطلوب البينة، يقول القاضي للآخر: هل ذلك قضاء؟
قال مالك: يبين ذلك عندي أن يكون ذلك في يد الميت حتى مات. قلت: فإنه
بيده حتى مات. قال: فذلك قضاء على الآخر، لا شيء له.
قال عبد الملك في المجموعة: ولو كتب قاض إلى قاض في أمر فقبله، ثم عزل
المكتوب إليه، وولي غيره، فنظر في ذلك الكتاب، فرأى أن لا يحكم به ثم
ولي الذي كان قد قبله، فاحتج الخصم بأن قاضيا قد ردها، وأن ذلك حكم،
قال: له أن ينظر فيه وينفذه، وليس يوقف الآخر عن إنفاذه حكم.
مانع لهذا أن ينفذه.
قيل لابن كنانة في من أقام شاهدا على حقه، وطلب منه الإمام شاهدا آخر؛
لأنه لا يقضي باليمين مع الشاهد، فعجز عن ذلك، فأقام زمانا، ثم وجد
شاهدا آخر، قال: يقضي له بحقه، / وقد أخطأ قاضيكم؛ إذ لا يقضي باليمين
مع الشاهد.
قال محمد بن عبد الحكم: وإذا قامت بينة في طلاق، أو عتق، أو شراء دار،
فأوقف ذلك القاضي حتى ينظر في البينة، فكشف عنهم، فلم يعرفوا إما لأنهم
غرباء، أو لغير ذلك، فلما طال ذلك، رد المرأة إلى زوجها، والأمة إلى
سيدها، والدار إلى ربها، ثم قدم من زكى تلك البينة، وعدلوا، فليقض
بينهم؛ لأن تركه لذلك أولا لم يكن عن جرحة تثبت عنده في البينة، ولا
قضى فيهم بإسقاط ولا قبول. قال: وإن سأله المشهود له أن يكتب له كتابا،
أنه لم يحل العقل بجرحة تثبت عنده في البينة، وقال: فقدم من يزكيهم،
فأمكنت له كتابا بذلك، ولو عزل وولي غيره، فزكوا، فليحكم بهم، وإن
جرحوا أسقطها وكتب بذلك كتابا إن طلب ذلك منه من له فيه حق، ولا ينبغي
أن يكتب في مثل هذا: إني حكمت بإرقاق الأمة. ولكن يكتب، أنه ردها إلى
سيدها، إذ لم يجد من يعرف البينة التي [8/ 230]
(8/230)
شهدت لها، ولم يقض فيهم بإسقاط ولا قبول -
يريد-: وكذلك يكتب إن كتب في الزوجة، والدار، وغيره، لا يرى أن يكتب في
هذا شيئا، وليس تركه القضاء بما لم يصح عنده قصه للمشهود عليه.
فيمن بيده حكم قاض أو وثيقة شراء قد مات أكثر شهوده وأراد أن يحييه عند
قاض، هل يحكم فيه؟
من كتاب ابن حبيب: قال ابن الماجشون في من بيده حكم قاض، أو شراء،
لمنزل أو عبد، فيقوم بذلك إلى سلطان موضعه ليسمع/ من بينته عليه ليحييه
له بالحكم له به، فلا ينبغي ذلك للإمام حتى يعارضه منه أحد بخصومة، أو
دعوى، وليحييه صاحبه بأن يشهد على شهادة بينة كتابه إن شاء، إلا أن
يكون طرأت له بينة على ذلك الحق من بلد آخر، وقل من يعرفهم ها هنا ومن
يعدلهم، فيسأل القاضي أن يسمع من أولئك قبل يعرفهم عنه، ويحيي له بهم
حقه قبل موته بفوات من يشهد له عليه وموته، وأنه يجد من يعدل به شهادة
الطارئين ممن يعرهم الخصمان، ولا يمكنه أن يحييه بالإشهاد على شهادتهم،
أو لا يعرفونهم، ولا يجو أن يعدلهم عند الغافلين عنهم بمثل هذا، فينبغي
للإمام أن ينظر له فيه، ويحيي له حقه، ويشهد له على ذلك، ويضعه في كتاب
الإشهاد أنه لم يخاصمه فيه أحد، ولا قطع به حجة أحد يقوم عليه، ونحو
هذا من بيان الأمر، أو يكون حقا أو حكما قد خربت وثيقته واستقامتها على
ذهاب، ولا يجد أن يحييه إلا بالسلطان، فلينظر له الإمام في إحيائه بما
يراه، ويبين في كتابه أنه لم يقطع بذلك حجة أحد. وقال مطرف وأصبغ.
ومن المجموعة: قال: سئل ابن القاسم في من خاصم رجلا في نصف منزل حتى
قضي له به، فلم يحزه حتى هلك القاضي أو المقضي عليه، فلما طلب المقضي
له قبضه، منعه من ذلك في يديه، وقال: لم يكن للمقضي عليه في هذا [8/
231]
(8/231)
المنزل حق معنا، قال مطرف: فإن كان قضي
لهذا به، وهو بيد المقضي عليه بعد القضاء لهذا فيما كان بيد خصمه، كان
الآن بيد وارثه/ أو بيد من ابتاعه منه، وإن لم تقم بينة أنه كان في يد
المقضي عليه، ولا معروف له يوم الحكم، فلا شيء لهذا؛ لأنه إنما قضي له
على رجل لا يملكه، ولو جاز هذا لم يشأ رجل يجعل لنفسه خصما، فيقضى له
عليه بما ليس في يديه مثل أموال الناس ورباعهم إلا فعل.
وسئل ابن القاسم، وهو في العتبية، من رواية عيسى، فقيل: إذا أتى إلى
الحاكم خصمان في أرض بالصحراء، يدعيها كل واحد منهما، ثم يقر بها
أحدهما للآخر من غير بينة، كيف يوجه الحكم عليه؟ ولا يدري هل الأرض في
يديه أم لا؟ قال: بل يشهد له أن فلانا أقر عندي لفلان بهذه الأرض، ولا
يشهد له أنه قضى له بها، ولكن على إقراره، ولا يحكم فيها حتى تقوم عنده
فيها بينة.
وكتب إلى سحنون فيمن ادعى عند الرجل دابة، أو عبدا، فأنكر الآخر أن
يكون ذلك عنده، فأتى الطالب بالبينة أن المطلوب أقر أن بيده دابة أو
عبدا بصفة كذا، للصفة التي ادعى المدعي. قال: إن شهدوا أن دابة فلان أو
عبده عند فلان، فقد تمت الشهادة، وإن قال: إن في يديه الصفة التي يدعي
هذا.
فليس هذا بشيء. ومن أقام بينة في عبد قد مات في يدي رجل أنه عبده، فليس
له على الذي مات في يديه ضمان شيء، إلا أن تقول البينة: غصبه إياه. ولو
قال من هو بيده: قد هلك عندي، فهو مصدق إن كان ذلك حيوانا، وإن كان مما
يغاب عليه لم يصدق، ويحلف أنه هلك، ويغرم قيمته، إلا أن تقوم بينة
بهلاكه بغير سببه؛ من لصوص، أو غرق، أو نار، ونحوه، فلا شيء عليه،/ وإن
باعه، فلا يضمنه إلا الثمن، وهو مصدق في ثمنه. وقد تغير الشيء في يديه،
أو يحدث به عيب. [8/ 232]
(8/232)
وروى عيسى عن ابن القاسم في من أقام بينة
في دار بيد رجل، أن القاضي فلان بن فلان، قد حكم لي بها على فلان، غير
هذا الذي هي في يديه الآن، فقالوا: لا علم لنا بهذا، وهي بأيدينا قبل
هذا الحكم. قال: فليخرجها من أيديهم، ويدفعها إلى المحكوم له إن كانت
البينة عادلة. يريد: إلا أن يقيم من هي في يديه الآن بينة أنها لهم،
فليسمع لهم؛ لأن الحكم كان على غيرهم، وينظر عدل البينتين.
فيما لا يحل بحكم الحاكم وما يحل بحكمه
من كتاب ابن سحنون عن أبيه، ذكر قول النبي عليه السلام: إنما أنا بشر،
وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض؛ فأقضي له
على نحو ما أسمع منه، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه، فلا يأخذه، فإنما
أقطع له قطعة من النار. قال سحنون: فأخبر عليه السلام أن الحاكم لا يحل
للمحكوم له ما يعلم خلاف ظاهره، كما لو علم الحاكم من ذلك ما علم هذا
ما حكم بها.
وأجمع العلماء أن رجلا لو أقام شاهدي زور بدين على رجل، فحكم له به
الحاكم، أنه لا يحل له أخذه، ولو كان حكم الحاكم يحل حراما لأحله حكم
النبي – عليه السلام- وقد جعله عليه السلام قطعة من النار، وقد أمر
النبي – عليه السلام- الذين حكم بينهما في ميراث تقادمت، فلما ذكر لهما
أنه من قضى له بحق أخيه أنه قطعة من النار، ترك كل واحد منهما ذلك/
للآخر، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: اذهبا فاقتسما وتوخيا
الحق، ثم يحلل كل واحد صاحبه، وفي حديث آخر: اذهبا فاجتهدا في قسمة
الأرض بينكما، ثم استهما، فإذا أخذ كل واحد نصيبه، فليحلل أخاه. [8/
233]
(8/233)
وقال أهل العراق ما لا يشبه قول العلماء أن
امرأة شهد لها شاهدا زور، وأخبرتهما أن زوجها طلقها ثلاثا، فحكم
بالعراق أنها تحرم على الزوج، ويحل لها نكاح غيره، ويحل للشاهدين أن
يتزوجها أحدهما، ويلزم قائل هذا لو ادعى أن ابنته أمته، وأقام بينة
زور، فحكم له بهما، أن له ملكها ووطئها، فكما لا يحل الحكم حراما،
فكذلك لا يحرم حلالا.
قال سحنون: وأجمعوا لو ادعت أنه طلقها ثلاثا وهي تسمع، فجحدها، فأمر
الحاكم معه بعد يمينه إن أقامت عليه شاهدا أن فرضا عليها الامتناع منه،
إلا أن يغلبها.
قال ابن سحنون: وقال بعضهم: لها أن تمنعه نفسها وإن أتى المنع على
نفسه.
قال عبد الله: والغالب من أقاويلنا، أن لا يبلغ بمنعه القتل؛ لأنها
تغرر بنفسها فتعمل به، وهي لو رأت هلال شوال وحدها، لم نأمرها بالفطر
للتغرير.
قال سحنون: ولو أقام بين زور أن هذا باع منه أمته، لم يحل له وطؤها
بالحكم، أو حكم لأمة بعتق سيدها بشاهدي زور، لم يحل للأمة أن تبيح
نفسها لغير سيدها بنكاح أو غيره، إذا علمت هي بكذب الشهود، وكذلك في
القيام بشاهدي زور على رجل آخر بمال، أو دم، لم يحله له الحكم الظاهر،
فيلزم مخالفينا أن يبيحه ذلك، ولا قائل بهذا من/ المسلمين.
ومن قول أصحابنا في من باع أمة من رجل، ثم جحده المبتاع الشراء، وحلف
أن الأمة لا يحل للبائع وطؤها، ليقينه أنها للمبتاع دونه، وإنما له
عليه مال جحده، فإن ماتت عن مال، أو قتلت، فأخذ فيمتها، فللبائع أن
يقبض من ذلك الثمن، ويوقف ما بقي، فإن ادعاه الآخر أخذه. ولو ابتاع
أمة، فطعن فيها بعيب وهو في ذلك ظالم، فأقام بذلك بينة زور، فردت
بالحكم على البائع، فلا تدخل بذلك في ملك البائع، ولا ينفسخ البيع، إلا
أن يرضى البائع بردها، فتكون منه إقالة أو فسخ؛ لأن المبتاع راض بردها
إلى البائع، ولو طلق رجل امرأته ألبتة، فخاصمته إلى [8/ 234]
(8/234)
من يراها واحدة، والزوجة مذهبها أنها ثلاث،
والزوج أيضا ممن يرى ألبتة ثلاثا، فلا يحل للزوج أن يقربها حتى تنكح
زوجا غيره، ولا يبيح له الحكم بأن تمكنه من نفسها حتى تنكح زوجا غيره
من قبل؛ لأن الحكم لا يحل لهما ما هو عليهما حرام. وكذلك لو قال لعبده:
اسقني الماء – يريد بذلك عتقه- والسيد يرى أن لا يلزمه في مثل هذا عتق
وإن نواه، والعبد يراه عتقا، فللعبد في مثل هذا أن يذهب حيث شاء بما
حكم له. ولو قال لزوجته: اختاري. فقالت: قد اخترت نفسي. وهي تذهب إلى
أن الخيار ثلاثا، والزوج يراه واحدة، فإن الحكم لا يبيح للمرأة أن تمكن
الزوج منها، ولتمنعه جهدها، ولو رفعها إلى قاض يرى الخيار واحدة،
فارتجعها الزوج، فلا يبيح له الحكم ما هو عندها حرام، ولا يحل لها أن
يأتيها الزوج إلا وهي كارهة. قال: وأما من جحدك مالا، ثم تظفر له بمال،
فلا يشبه هذا؛ لأني إن ظفرت/ له بمثل ذلك المال بعينه، جاز لي أخذه بلا
حكم، فإذا صرت إنما آخذ القيمة والبدل. صرت آخذ ماله الذي هو ملكه بغير
قضاء السلطان، فلو جوز هذا الناس، لم يكن للحاكم معنى، ويلزم قائل هذا
أن يقول: من قتل له ولي فظفر بقاتله، أن له أن يقتله بغير قضية. وهذا
من الفساد.
قال عبد الله: وأجاز ابن كنانة مثل ماله إذا أمن من اليمين، أو من أن
يكون عليه لغيره دين.
قال ابن القاسم: ينهى عنه على كل حال. وابن عبد الحكم يبيح له أن يأخذ
إذا كان مثل ماله، ويحلف إن حلفه: ما أودعتك ينوي شيئا يلزمني رده.
وقال غيره: لا يحلف إلا أن يحلفه الحاكم أن ما له عليك شيء. وفي كتاب
الرجوع عن الشهادات باب في مثل معنى هذا الباب.
في الوكالة على الخصوم
قال ابن القاسم: قال مالك: يجوز للرجل أن يخاصم عنه وهو حاضر. وكان
سحنون إذ كان قاضيا، لا يقبل من المطلوب وكيلا، ويقبله من [8/ 235]
(8/235)
الطالب، فقيل له في ذلك، فقال: قد جاء
الحديث تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور.
وقال مالك: وإذا خاصمه، ثم تحاجا، ثم طلب أحدهما أن يوكل، فليس له ذلك،
إلا لعذر بأنه أذاه أو غير ذلك.
قال ابن القاسم: وكذلك إن أراد سفرا، فله ذلك إذا لم يكن ذلك منه
إلدادا، ويسمع من حجج وكيله، ويقع الحكم له أو عليه، وله عند مالك أن
يوكل بمحضر خصمه وإن كره، إلا أن يوكل عدوا له.
وروى عيسى في العتبية، عن ابن القاسم، في الشريكين يدعيان قبل رجل
شيئا، فيأمرهما/ القاضي أن يستخلفا، وأن يلي أحدهما خصومته، فيقولان:
من حضر منا، فهو خليفة الغائب. قال: لا يمكنهما من ذلك، كقول مالك في
الذي خاصم رجلا، وواعده أنه ليس له أن يوكل، وكذلك في ورثة ادعوا
منزلا، أيخاصمه كل رجل لنفسه؟ قال: بل يرضون جميعا برجل يلي خصومته،
ويدلوا إليه بحججهم. فأما أن يتعاوروه هذا يوم وهذا يوم. فليس ذلك لهم.
ومن المجموعة: قال ابن القاسم وأشهب: ولا يلزمك إقرار وكيلك عليك. قال
غيره: ولا إبراء غريمك مما لم يقبض منه، ولا أن يعدل شاهدا شهد عليك.
وقال أشهب: ثم إن أراد الوكيل التمادي على خصومته، لم أحب له أن يطلب
شيئا يقر أنه باطل، وأن خصمه فيه بحق، وإن أقام على طلبه، فللسلطان أن
يقبل منه؛ لأنه أعلم بنفسه.
قال ابن القاسم في الرجل والمرأة يوكلان رجلا يخاصم لهما، فإذا توجه
القضاء عليه، زعما أنه لم يخاصم بحجتهما، وأن حجتهما غير ما كان يخاصم
به، ولا يعلم أنهما بما كان يخاصم عالمان أو جاهلان. قال: لا يقبل ذلك
منهما إلا [8/ 236]
(8/236)
أن يذكرا حجة مما يرى له وجه، كما لو خاصما
بأنفسهما، فلما أراد أن يوجه الحكم عليهما، أتيا بحجة بقيت لهما، فإن
أتيا بما له وجه، قبل منهما فنظر فيه.
وسئل سحنون عن من طلب رجلا بدين، فأعطاه حميلا، وقال: أرضى بما يحكم به
له وعليه، فيستحق الطالب الدين، والمطلوب غائب، فقال: إن كان الحميل
حميلا بما يطلب به الطالب، فإن كان للغائب مال بيع عليه، وإن لم يكن له
مال، أو عجز ماله عما عليه، أتبع الحميل بذلك، إلا أن تكون غيبته مثل
البريد/ ونحوه، وإن كان إنما هو وكيل على الخصومة فيم فلا يؤخذ منه
شيء.
قال أشهب: وإذا وكل الرجل على الخصومة، ثم مات الوكيل، فقد انقضت
وكالته، وليس ورثته فيها بمنزلته، وإن مات الذي وكله، انقضت وكالة
الوكيل، وصارت الخصومة بين الطالب وبين ورثة المطلوب.
ومن كتاب ابن سحنون وفيما كتب شجرة إلى سحنون: أنك رأيت ألا نقبل من
المطلوب وكيلا، أرأيت إن حضره سفر، أن كان امرأة، أو كان عاملا للوالي،
خرج إلى عمله، أو كان له عذر؟ فكتب إليه: إنما أحدثت ذلك لهؤلاء
الجبابرة ليلا يمكنوا من التغيب على الناس، وتحدث للناس (أقضية) بقدر
ما أحدثوا من الفجور، وأن للمرأة والمريض وذي القدر أن يوكل.
وقد ذكرنا من هذا في الجزء الأول كثيرا، وما لسحنون في ذلك من اختلاف
القول.
وسأله حبيب عمن وكل رجلا على الخصومة فيما له قبل فلان، فترك القيام
حتى مضت سنون، فقام يثبت الخصومة، ويقيم البينة، هل يمكن من الطلب
بالوكالة القديمة؟ فقال: يبعث الحكم إلى من وكله، هل هو على وكالته أو
خلعه عنها؟ قال: فإن كان الرجل غائبا فالوكيل على وكالته القديمة، وله
الطلب. [8/ 237]
(8/237)
ومن سؤال شجرة، في من وكل وكيلا في خصومة،
وأقامه مقام نفسه في حجة، قال: فليس للوكيل أن يوكل غيره بذلك، وإن ترك
الوكالة وذهب، لم يبطل حق الطالب.
في الحكم بين أهل الذمة
وهل يعرض لهم في قضائهم ومواريثهم؟
من العتبية/ وروى عيسى عن ابن القاسم: قال: لا يمنع حاكم المسلمين من
شاء من النصارى من الوصايا في أموالهم، وإن أحاطت بأموالهم، ويتركوا
على شرائعهم، وإن تحاكموا إلينا، ورضي الخصمان وأساقفتهم، حكم بينهم
بحكم الإسلام، فلا يكون ذلك إلا برضى من أساقفتهم، فإن كره ذلك
الأساقفة، فلا يحكم بينهم، وإن رضي الأساقفة بحكمنا، وأبى ذلك الخصمان
أو أحدهما، لم يحكم بينهم المسلمون.
وقيل لسحنون: أيوصي النصراني بجميع ماله؟ قال: أما إن كان من أهل
العنوة، فليس له ذلك؛ لأن ورثته المسلمون. وأما الصلح: يؤدي عن خاصة
نفسه الجزية، ولا يؤخذ غنيهم عن، فليس لهذا أن يوصي بجميع ماله، ولا
يوصي إلا بثلثه إذا كان لا وارث له من أهل دينه؛ لأن ورثته المسلمون،
وأما إن كان صلح ممن صالح على أن عليهم وظيفة معلومة من الخراج، ولا
ينقصون منها لموت من مات منهم، أو لعدم من أعدم، وبعضهم مأخوذ ببعض،
فلا يعرض لهم في وصايا لهم إذا مات منهم أحد لا وارث له، فليس لنا
أموالهم، وماله لأهل خراجه يتقوون به، وبعضهم قوة لبعض.
ومن كتاب محمد بن عبد الحكم وهو في غير كتاب من قول مالك: أنه إذا وقعت
خصومة بين مسلم وذمي، فليحكم القاضي بينهما بحكم الإسلام وإن كره [8/
238]
(8/238)
الذمي. وإن كانت بين نصرانيين، فرضيا أن
يحكم بينهما، فهو مخير؛ إن شاء حكم بينهما بحكم الإسلام، أو تركهما،
وإن رضي أحدهما ولم يرض الآخر طالبا أو مطلوبا، فلا يحكم بينهما، إلا
ما كان من حدود الرب/ سبحانه، مثل أن يقطعوا الطريق، وما أشبه ذلك،
فإنه يحكم بينهم بحكم الإسلام، شاءوا أو أبوا.
قال يحيى بن عمر: فإن كانت بين يهودي ونصراني، فليحكم بينهما وإن كره
ذلك أحدهما؛ لاختلاف ملتهما.
قال محمد بن عبد الحكم: وإذا طلب الذمي حقا من مسلم، أو طولب به، فلا
بأس أن يترك يدخل مكة أو المدينة لخصومته؛ فإذا فرغت، لم يترك يقيم
بها.
فيما أفسدت المواشي وجناية العجماء وفيمن أفسد زرعا أخضر ومن حفر خندقا
فهلكت فيه دابة وقتل الكلاب
من العتبية: روى أشهب وابن نافع، عن مالك: سئل عما أفسدت المواشي
بالليل والنهار من الحوائط التي يحرسها أهلها بالليل، أو قد غلطوا ألا
يحرس، فذلك سواء؟ قال: نعم، كلما أفسدت من زرع أو حائط، والزرع محظور
عليه أو غير محظور ولا يحرس، فعلى أهل المواشي ما أفسدت بالليل، وما
أفسدت بالنهار، فليس عليهم فيه شيء. وما أفسدت المواشي والدواب بالليل،
فهو ضامن على أهلها وإن كان أكثر من قيمة المواشي، وإن لم يبد صلاحه،
فعليه قيمتها يوم أفسدت – يريد: على غررها.
قال في الدابة تنفلت فوطئت على رجل نائم بليل: قال: لا ضمان على ربها،
إنما هذا في الحوائط والزرع. [8/ 239]
(8/239)
وروى عيسى بن دينار: قيل لابن القاسم: كيف
يغرم قيمة الزرع الأخضر؟ قال: قيمته لو حل بيعه على الرجاء والخوف. قال
أصبغ عنه في الزرع يعث فيه الدواب فتفسده، فيحفر رب الزرع حول الزرع
حفيرا لمكان الدواب، وقد أنذر أصحابهم، فيقع/ بعضهم في حفيره ذلك
فيموت. قال: لا شيء عليه، ولو لم ينذرهم. وقاله أصبغ، وهو قول مالك إن
شاء الله.
وفي كتاب نفي الضرر: باب فيما أفسدت المواشي فيه زيادة على ما في هذا
الباب من كتاب ابن حبيب، فمن شاء رده إلى هذا الباب.
ومن العتبية قال ابن القاسم: قال مالك: يؤمر بقتل الكلاب ما يؤذي منها
في المواضع التي لا ينبغي أن تكون فيها. قلت: في قيروان، أو الفسطاط؟
قال: نعم، وأما كلاب الماشية، فلا.
في من وجد في زرعه دابة فأدخلها في داره فانفلتت فأكلها السبع
من العتبية، من سماع عبد الملك بن الحسن: قال ابن وهب في من وجد في
زرعه مهرين، فساقهما إلى داره، فأدخلهما داره، فلما كان في جوف الليل
خرقا زرب الدار فخرجا منها، فعقرهما السبع، أو عقرهما في داره. قال:
فهو ضامن إذا غفل وأصيبا في الأمر الذي يسببه وأصله منه، ولم يكن له
سوقهما، ولا حبسهما في داره، إنما له إن يأتي السلطان، وإلا سيبهما،
فأراه متعديا حتى يردهما إلى ربها. وقال أشهب: هو ضامن لهما حتى يرجعا
إلى صاحبهما، ماتا في داره أو عقرا خارجا من داره. [8/ 240]
(8/240)
فيمن استحق من يده عبد فأراد أن يرده بعيب
على بائعه قبل أن يقضى به لمستحقه
من كتاب ابن سحنون في من أقام بينة في دابة أو عبد بيد رجل: أن ذلك له،
ما علموه خرج في ملكه، فلما أقام بذلك البينة، قال الذي هو في يديه:
أنا اشتريت من فلان، وبالعبد عيب/، أو بالدابة، أفأرده به على بائعي؟
قال: ذلك له، ويكلف البينة على العيب، فتكون منازعته مع بائعه، ويكون
هو منازعا لمدعي الدابة، فإذا حكمت برد العبد على البائع، لم أالبينة
بالاستحقاق عليه، ويقال للمردود عليه: هلم منافعك، وريب الدار بالعيب.
باب مسائل مختلفة من الأقضية
قال ابن سحنون: كتب شجرة إلى سحنون في امرأة ادعت عند الحاكم أنها
اشترت من زوجها منزلا عرفته وقبضته، وبيده صرة تقول: هو هذا الثمن قبضه
منها، وقد فقد الزوج الآن، هل لها طلب ما أقرت بقبضه؟ فكتب إليه: هذا
على ما يرى الحاكم؛ إن كان لم تطل إقامة المنزل بيدها حتى فقد، فذلك
لها، إلا أن يستريب الحاكم أمرا، وإن طال إقامة مقامه بيد الزوج يحوزه،
وهي حاضرة حتى فقد، فأمرها ضعيف، وإن كان أمرها قويا، فلا يعجل الحاكم،
ولينتظر الغائب، والشأن في الحكم في الرباع على الغائب أن لا يعجل فيه.
وكتب شجرة إلى سحنون في من أقام بينة على رجل أنه غضبه أرضا كذا،
وحدها، وهي في يديه، ثم أقر المطلوب عند قوم أن هذه الأرض ورثتها عن
أبي، وكانت بيدي حتى وثب هذا المدعي للغصب فأخذها مني في دخول أبي فهر
[8/ 241]
(8/241)
تونس فغلبه عليها، فكانت في يديه حتى دخل
أبو خفاجة تونس، فقمت فأخذتها منهم كما أخذوها مني، والشهود على إقرار
لا يعرفون الأرض. فكتب إليه: قد أقر أن الأرض/ التي حدها أن فلانا
أخذها، وأنه قد أخذها منهم كما أخذت منه، فليردها على من أقر أنه أخذها
منه، ثم يقال له: اطلب ما غصبت.
وكتب إليه شجرة في قوم يهود تنازعوا في كنيستهم، وهم فريقان: فريق،
زعموا أنهم هم أهل القانون، وأول من اتخذ الكنيسة، وفريق طرأوا عليهم
من الآفاق، والآن أمر الفريقين واحد في دخولها وعمارتها، لم يختلفوا
حتى تنازعوا، فقال أهل القانون: نحن ننفق معكم، فكتب إليه: إن كان لهم
وال يجمعهم، رد ذلك إليه إن كان في موضعهم، وإن كان لكل فريق وال على
حدة، فأتياك جميعا، فلمن أراد العمارة أن يعمر، كمن شاء عمارة مسجد،
وإن كان مرادهم البغي والحسد، فليعمر الفريقان، ولا يخص بذلك أحدهما.
وكتب إليه شجرة في من توفي عن زوجة ابنتين، لا وارث له غيرهم، رفع إلى
أمرهم، وليس له عصبة تعرف، هل أترك النظر في ذلك؟ فكتب إليه: إذا رفع
إليك، فاجعل الباقي في فقراء المسلمين. وكتب إليه في من تحامل على
مقبرة فحرثها، ومنع من الدفن فيها، وقامت بذلك بينة أنهم يعرفونها
مقبرة للمسلمين مباحة، حتى فعل فيها هذا الرجل هذا، وكان الرجل حين
البينة غائبا، فهل أعيد عليه البينة؟ فقال: أعد البينة عليه، وأقرها
كما كانت.
وكتب إليه شجرة: وعن المفقود يكون له عند رجل جارية، فسأله عنها
الحاكم، فأنكرها، ثم أتاه فأقر بها، وقال: بعتها، وقد فاتت، وقضيت /
ثمنها في دين عليه، وفيما افتككتها به؛ لأنها رهنه فيما قال في ربعه
المريع، فكتب إليه: إن اتهمته أن يكون غيبها، فأطل حبسه، واكشف عن
صفتها وقيمتها، فإن لم يظهر، فألزمه [8/ 242]
(8/242)
الأكثر من الثمن أو القيمة، وإن لم يعلم
صفتها، صدق مع يمينه، وقومت تلك الصفة، وغرم الأكثر، فإن ثبت أنه قضى
عنه دينا، ثبت ذلك أيضا على المفقود، وقبضه الطالب من هذا بالبينة
العادلة، قوصص بمثله، وإن لم يثبت ذلك، لم يحط شيئا، ولا يحسب له ما
فداها به.
وكتب إليه شرحبيل قاضي أطرابلس: أن رجلا زوج ابنته من رجل، وقبض نقدها،
فلما حضر البناء بها، قال: هربت مني. وهو عندنا رجل صالح، فكتب إليه:
ليس بصالح، وأرى أن يسجنه حتى يظهر ابنته، ثم بلغه موانسة الناس له في
السجن، فكتب إليه: امنعه من ذلك. ثم كتب إليه أن يخرجه إلى وسط
المدينة، فيجلده مائة سوط، ثم يعيده إلى السجن، ويردد عليه كما ترى حتى
يخرجها أو يموت، ثم مات أبوها، فبلغ القاضي أنها عند قوم، فسأل الأمير
أن يتولى طلبها، فكتب الأمير إلى عامل أطرابلس برفع الرجلين اللذين
قيل: إنها عندهما، فأظهرا الجارية، وأخذها زوجها.
فيما ينظر فيه من ينظر في الأسواق من تغيير
المنكر والأمر بالمعروف
قد جرى في الأول من أقضية البيوع من معنى هذا الباب من النظر في أهل
السوق، في موازينهم، ومكايلهم، وما يجري من الفتن/ في صناعهم وصناعتهم.
ومن العتبية من سماع ابن القاسم: قال مالك: أرى للإمام أن يتقدم إلى
الصناع في قعود النساء إليهم، ولا تجلس الشابة إلى الصناع، وأما
المتجالة الخادم الدون التي لا تتهم، ولا يتهم من تقعد عنده، فلا بأس
بذلك. قال عنه أشهب: قيل له: أمور عندنا ظاهرة، من حمل المسلم الخمر،
ومشيه مع المرأة الشابة يحادثها، فإذا كلم فيها، قال: هي مولاتي. قال:
وددت أن يقام في ذلك ويمنع منه. قيل: فإن من يقوم في ذلك لا يقوى عليه
إلا بالسلطان. فأتى [8/ 243]
(8/243)
السلطان فأعلمه، فكلفه ذلك، فقبل ذلك على
ألا يجلس في موضع معروف، ولا ينظر في حد ولا يقيمه، ولكن يأمر وينهى،
هل يدخل في هذا؟ قال: إن قوي على ذلك وأصاب العمل، فما أحسن ذلك.
ومن العتبية: روى أبو زيد عن ابن القاسم، في فاسد يأوي إليه أهل الخمر
والفسق، قال: يخرج من منزله، ويكرى عليه. قلت: أيباع عليه؟ قال: لا،
لعله يتوب فيرجع إليه.
قال ابن القاسم: يتقدم إليه المرة بعد المرة، أو ينهى، فإن لم ينته،
أخرج، أكري عليه.
وروى عيسى عن ابن القاسم، في أجر المعازف واللهو، أيقضى به؟ قال: أما
الذي يرخص فيه- وهو الدف- فليقض به، وأما المزمار والعود، فلا يقضى
بالإجارة فيه.
فيمن يفعل ما فيه تغرير بنفسه وبغيره من ركوب بحر أو غيره، ومنعه من
ذلك
من كتاب ابن سحنون: وكتب شجرة إلى بعض أمنائه: من/ سحنون بن سعيد، إلى
فلان بن فلان، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. أما
بعد: أعانن الله وإياك على بلوغ رضاه، واستحقاق ثواب أهل طاعته، فإنه
بلغني، وتحقق عندي، أن قوما قبلك اتخذوا قوارب على شاطئ البحر، يصيدون
فيها، ويكرونها للصيد، يغررون بأنفسهم وبالمسلمين إلى جزائر في البحر،
يطلبون بذلك عرضا من الدنيا قليلا، فتذهب في ذلك أنفسهم، ويدخلون الوهن
على المسلمين، فانظر – وفقنا الله وإياك- إذ جاء كتابي، فاجمع من بقربك
[8/ 244]
(8/244)
من أهل القوارب وغيرهم ممن يصيد بالجزائر،
فامنعهم أشد المنع، وتقدم فيه أشد التقدمة، وأظهر العزم الغلظة، واقرأ
عليهم كتابي؛ لتكون عليهم حجة، وقد جعلت إليك أمر البحر من موضع كذا
إلى موضع كذا، لتنظر في مثل هذا، غير أن أهل الجوابي إن لم يغروا وإنما
يركبوا منها إلى زراريهم وقفافهم، فلا تمنعهم، ومن عاد بعد كتابي هذا
إلي ما نيته عنه، فارفعه إلي بحملاء ثقات، واكتب إلي بذلك إن شاء الله
لأرى من أدبه ما يكون زاجرا لغيره، وإن امتنع من الارتفاع، فارفع كتابي
إلى العامل حتى يقوي أمرك، والسلام. وذكر في الكتاب غير هذا من موعظة،
وتأكيد تزكية.
في الرفق بالمملوك والقضاء في سوء الملك
من العتبية: روى أشهب عن مالك قال: قال النبي عليه السلام، للملوك
طعامه وكسوته بالمعروف، ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق. قال مالك:
ويقضى علي سيده ألا يكلفه إلا ما يطبق من العمل؛ قال/ عن ابن القاسم في
العبد يشكو الغربة ويسأل سيده البيع ويقول: وجدت موضعا، قال: ليس ذلك
على سيده، ولو جاز هذا لقال ذلك الخديم.
وسئل مالك عن عجوز أكلت لحم خادمها نيل كليته، قال: لا ولكن مضغته
وأثرت بجلدها أثرا شديدا، فأمر مالك أن تباع عليها ولم ير أن تعتق.
وسئل (عن) الأمة تطلب البيع، قال: ينظر، فإن كان على من ملكها، وإن لم
تكن في ضرر لم تبع، وقال أصبغ عن أشهب: إن كان ضرر قد عرف [8/ 245]
(8/245)
وكثر بيع عليه، وإن كان إنما هو الزلة
والفلتة، فإنما ينهي عنه المرة بعد المرة، قال: فإن عاد بيع عليه، وقال
في مدبر أضر به سيده ويؤذيه، قال: يخرج من يديه، ويؤاجر عليه، قال
أصبغ: لأنه لا يباع.
في النصراني هل يستكتب أو يستعمل؟ وهل
يتركون في الأسواق؟ وهل يعلمون كتاب العرب؟ أو يتعلم المسلم كتاب العجم؟
من العتبية من سماع ابن القاسم: قيل لمالك: يكتتب النصراني؟ قال: لا
أرى ذلك، والكاتب يستشار في أمور المسلمين، فلا يعجبني ذلك. ونهى عمر
أن يستعلموا، قال سحنون: ويمنعوا من السوق، وكذلك من لا يبصر البيع من
المسلمين، يريد: لا يعلم ولا يتوقف عن الأمور البينة من فساد البيوع.
قال ابن القاسم عن مالك: إنه كره للرجل المسلم أن يحضر ولده في كتاب
العجم يتعلم كتاب العجم، وأكره للمسلم أن يعلم النصراني الخط أو غيره.
تم الكتاب بحمد الله
يليه:
كتاب الشهادات الأول [8/ 246]
(8/246)