النوادر
والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات بسم الله الرحمن الرحيم
عونك اللهم
كتاب الشهادات الأول
ما يلزم الرجل الإجابة إذا دعي إلى الشهادة في ابتدائها أو أدائها، وهل
يشهد على من يعرف أو على وثيقة لا تقرأ أو غائب عنهم أو كان المقر له
غائبا؟ أو في المرأة تشهد على نفسها بغير إذن
من المجموعة: قال مالك: قال الله تعالى: (ولا يأبى الشهداء إذا ما دعوا)
إنما هو من يدعي إلى أدائها بعد أن يشهد عليه، وكذلك ذكر ابن حبيب [عن مطرف
عن مالك، ورواه ابن حبيب] عن ربيعة وزيد بن أسلم.
قال مالك في المجموعة: وأما قبل أن يشهد فأرجو أن يكون في سعة إذا كان لم
يشهد، ولعله يكون مشغولا، وليس كل أمر يحب الرجل أن يشهد عليه، ومثله في
العتبية عن سحنون، وقاله ابن كنانة، وقال: فإن لم يجد غيره، وخاف أن يبطل
حقه إن لم يشهد، فعليه أن يجيب، وإن وجد عنه مستغنى فهو بالخيار، وكذلك
الكاتب يدعى إلى أن يكتب، ودعي مالك وقد دخل السوق إلى شهادة فلم يجب،
واعتذر لمن دعاه، وقال: أخاف أن يكون في أمرك مالا أرى أن أشهد عليه،
فيقتدي بي من حضر، فقبل منه. [8/ 247]
(8/247)
ابن حبيب: وبلغني عن عطاء أنه قال: أتت
الآية في الوجهين: ليشهدوا وليؤدوا.
ابن حبيب وهو في الابتداء أخف، قال سفيان في قوله تعالى: (ولا يضار كاتب
ولا شهيد) قال: يجيئه في حال شغله.
ومن المجموعة وكتاب ابن المواز، والعتبية: قال مالك فيمن جاء يذكر حقا عليه
في رجل غائب، فأشهدهم فيه، فلا أرى أن يكتبوا [شهادتهم إلا أن يكتبوا] أن
فلانا ذكر لنا: أن لفلان عليه كذا وكذا، ولا كن يكتبوا في ذكر حق بغير هذا
التفسير، قال ابن القاسم: وذلك خوف أن يقر له بيسير خوف أن يستوجب به الخلط
فيستحق عليه اليمين فيما عسى أن يدعيه، ولكن يكتبوا: إن هذا أقر لفلان
والآخر غائب. قال ابن عبدوس: قال أشهب عن مالك: قال ابن حبيب: وقاله مطرف
عن مالك، وهو في المختصر عن ابن عبد الحكم: لا ينبغي أن يشهد الرجل على من
لا يعرف، قال في المجموعة: والعتبية وأن الناس ليشهدوا بكون بعضهم يعرفه،
وفي ذلك بعض السعة، وكذلك في العتبية من سماع أشهب، ابن حبيب: قال مالك:
إلا أن يكون معك من يعرفه، وقاله ابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ، قال
ابن القاسم وقد أشهد على رجل وقال: لا أشهد إلا على من أعرف، قال ابن
عبدوس: ويخشى من ذلك أن يجد الرجل شهادته في كتاب على من لا يعرف، ويكون
الشاهد قليل المعرفة فيقول: أشهد بما في هذا الكتاب. قال ابن حبيب: قال
مطرف وابن الماجشون: يخشى أن يأتي من لا يعرف فيتسمى باسم رجل فيقر أنه باع
داره من هذا، ويكتب عليه شهادته، فيموت الشاهد فيقيم على خطه شاهدين، فتجوز
الشهادة، يريد: عند من يجيز ذلك من أصحابنا، وقاله أصبغ. [8/ 248]
(8/248)
قال ابن القاسم في المجموعة: فإذا دعي
ليشهد على مرأة لا يعرفها، وشهد عنده رجلان أنها فلانة، [فلا يشهد أنها
فلانة، وإنما يشهد على شهادتهما].
ومن العتبية من سماع ابن القاسم في المرأة يريد عمها أن يزوجها ولا يعرفها
أحد، كيف يشهد؟ قال: يدخل عليها من لا يحتشم منه، ثم شهد على رؤيتها، وأفتى
به في جارية تزوجت من آل أبي طالب وليها الحسن بن زيد، وقال ابن كنانة فيمن
شهد في صبي صغير بيع ثم استحق بملك أو بحرية، ثم قام مبتاعه بشهادته وكتاب
شرائه، فيشهدون أن الكتاب حق، ولا يعرفون العبد الآن حين كبر، فلا يقضي له
بالثمن حتى يقطعوا بأن هذا العبد المبيع في الكتاب.
ومن كتاب ابن سحنون والعتبية: قال سحنون: وللمرأة ذات الزوج أن يدخل عليها
في مغيب زوجها رجالا تشهدهم على نفسها بغير إذنه، ولا يدخلون عليها في
مغيبه إلا مع ذي محرم منها، ولا يمنعها إن حضر، وقال ابن الماجشون في كتاب
ابن حبيب: إذا كانت مضطرة لمرض أو غيره، ومعها أهلها، جاز أن تدخل على
نفسها العدول، وأما بحضرة زوجها فلا يدخل عليها إلا بإذنه، فإن منعها
فاستأذنت عليه فليأمره الامام بذلك أن كان لا تطلب وجهه.
ومن العتبية وكتاب ابن المواز من سماع أشهب: قال مالك: ومن أقر لرجل بمائة
أردب قمع بغير كتاب، ثم جاء الطالب من الغد بكتاب فيه ذلك، فلا أحب أن
يكتبوا فيه، وليكتبوا في إقراره عليه، قال عن أشهب في العتبية: قيل: فإن
شهدت في كتاب ثم ذهب بالكتاب لتزداد فيه بينة، ثم أوتيت به بعد يومين، هل
أشهد فيه؟ قال: إن عرفت الكتاب فاشهد فيه. [8/ 249]
(8/249)
قال ابن حبيب عن ابن الماجشون فيمن أشهد
على رجل في كتاب ذكر حق ثم ذكر أنه ضاع، وسأل الشهود أن يشهدوا له بما
حفظوا، فلا يشهدوا وان كانوا بكل ما فيه حافظين، خوفا أن يكون قد اقتضاه
ومحي الكتاب، فإن جهلوا وشهدوا فليقض بها الإمام، وقال مطرف: بل يشهدون
[بما حفظوا] وقاله مالك، وهو قول أصبغ، وبه أقول إن كان الطالب مأمونا، وإن
لم يكن مأمونا فقول [ابن القاسم] وابن الماجشون أحب إلي، وروى أشهب عن مالك
في القاضي يشهد رجلين في كتاب مطبوع بيده: أن هذا كتابي إلى قاضي بلد كذا،
ولا يقرؤه، فقد كان بأيديهم الكتاب، قال: أرى أن يشهدوا به، ويجوز ذلك من
كتب إليه، ولو كان الكتاب أحد الشاهدين، فإن كانا قد اجتمعا عليه وعرفا
الآن خواتمها فليشهدوا عليه.
وقال فيمن كتب وصيته منذ أيام، ثم أدخل عليه قوما فأشهدهم أن هذه وصيتي، هل
يقولون: تقرؤها فإنها كانت عند أهلك؟ قال: ليس ذلك عليهم، ولهم أن يشهدوا
بذلك، فإن كانت بيد بعضهم فليشهد من هي عندهم، وأما الآخرون فلا أدري، قال:
ومن أتاه بكتاب طبعه فقال: اكتب شهادتك في أسفله على أنها وصيتي، ولا يعلم
الشاهد بما فيها، فكتب الشاهد على إقراره، قال: إن لم يشك في خاتمه فليشهد،
وإن شك فلا يشهد، قال أشهب: إذا قال: اشهدوا علي بما فيها جاز ذلك، كانت
مختومة أو منشورة، قرأها أو لم يقرأها، ولو قرأها ولم يشهدهم عليها لم تجز
لهم الشهادة بذلك، وإن كان بين يديه كتاب مكتوب فقيل له: هذه وصيتك؟ [وشهد
بها عليك إنها وصيتك، فحرك رأسه بنعم] فأشار برأسه: أن نعم، فهي نافذة
وشهادة جايزة إن كان يعرف أن تحريك رأسه بذلك كالقائل: نعم. [8/ 250]
(8/250)
قال ابن حبيب: قال مطرف في الصحيفة تكتب
على رجل بأمره، يشهد بما فيها على نفسه، وهو ممن لم يقرأها ولا قرئت عليه،
فإن كان ممن لم يشك أنه علم ما فيها، فلك أن تكتب شهادتك إذا قال لك: ما
فيها حق وإن لم تقرأها عليه، وإن كان أميا، وإن كان ممن يظن أنه لم يحط بها
علما، أو يخشى أن يكون مختدعا، فلا تكتب شهادتك حتى تقرأها عليه، وإن قال
لك: ما فيها حق، أميا كان أو قارئا.
ما يلزم الرجل أن يشهد به مما علمه
أو حضره أو سمعه، وفي المنكر يراه
من المجموعة: قال مالك في قول النبي صلى الله عليه وسلم: خير الشهداء الذي
يخبر - أو قال: يأتي - بشهادته قبل أن يسألها يعني: تكون عنده شهادة لرجل
لا يعلمها، فيخبره بها ويؤديها إلى الحاكم.
ومن المجموعة والعتبية وغيرها: قال أشهب عن مالك فيمن شهد وسألني التزكية،
هل علي أن أزكيه؟ قال: لا أرى ذلك عليك، ولا كن حسن أن تعدله. قال سحنون في
المجموعة وكتاب ابنه: إن وجد غيرك يزكيه فأنت في سعة، وإن لم يجد غيرك فلا
أراك في سعة، وكذلك هي في كتاب ابن المواز.
قال ابن القاسم في المجموعة فيمن أخذ في شرب خمر، أخذه رجل ومعه جماعة، فلم
يزالوا به حتى خلى سبيله، وكان أراد رفعه إلى الحاكم فتركه، ثم وقع بينه
وبينه شر، فأراد رفعه الآن، واستشهد بالقوم، هل يشهدون؟ قال: لا يشهدون في
ذلك إلا أن يكون شهد على أحد فليجرحوه بذلك، قيل: فإن علم الإمام بذلك،
ألهم كتمان الشهادة؟ قال: نعم إلا في التجريح كما ذكرنا. [8/ 251]
(8/251)
قال في كتاب ابن المواز: ومن تاب وقد علم
قوم ما تاب منه، فإن تاب مما يلزمه للناس من قذف أو قصاص أو مال: فليؤدها
عليه، وأما في حدود الله تعالى فلا يكشفوه، وقد قال صلى الله عليه وسلم،
لهزال: هلا سترته بردائك ولو قام بها قائم عند الإمام لم يقبل منه إلى
ببينة سوى القائم عليه. قال ابن وهب: قال ابن المسيب: الستر واجب إلا على
الوالي، وأحد الشهداء الأربعة في الزنا، والموكل.
وقال ابن وهب عن مالك في الجار يظهر شرب الخمر وغيره، فليتقدم إليه وينهاه،
فإن انتهى وإلا رفع أمره إلى الامام، وعن الشرطي يأتيه رجل يدعوه إلى ناس
في بيت على شراب، فأما البيت الذي لم يكن ذلك يعلم منه فلا يتبعه، وإن كان
بيتا معلوما بالسوء قد تقدم ذلك له فيه فليتبعه، وروى عنه ابن نافع فيمن مر
على قوم فافترى عليه رجل منهم، فأخبر بذل المقذوف، فأتى إليهم فسألهم
الشهادة، قال: إن كانت فرية فليشهدوا لعظم أمرها، وقد تكون الكلام
والمشاتمة، وأما الفريه فليشهدوا، قال عنه ابن وهب: وكذلك لو استكتمهم ذلك
[وكذلك لو أقر بحق رجل واستكتمهم ذلك فليشهدوا] قال عنه ابن القاسم فيمن
بينهما خصومة، فسأل أحدهما رجلين أن يمشيا إلى صاحبه ويصلحا بينهما، فأتياه
وكلماه، فقال: أنا أخبركما على أن تشهدا، فقبلا ذلك منه، فاعترف، ثم
تجاحدا. قال: اكتب: أحب إلي أن لا يقبلا، فإن قبلا فلا يعجلا بالشهادة حتى
يتجاحدا ويكاد أن لا يعترفا، أو يكون عند آخر ذلك، فإن اصطلحا وإلا فليشهدا
عليه، قال عنه ابن نافع فيمن دخل بين اثنين فاصلح بينهما، ثم سأله أحدهما
أن يشهد له ببعض ما أقر له به فأبى أن يشهد له، قال: ما أرى بما صنع بأسا،
قال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون: وإذا ادخلا بينهما رجلين على ألا يشهد
بينهما، فذكر نحو قول مالك. [8/ 252]
(8/252)
ومن كتاب ابن عبدوس: قال مالك فيمن سمع
رجلا حنث في طلاق، ولم يشهد عليه بذلك غيره، قال: فليرفعه إلى السلطان،
وكذلك لو حنيث بذلك في حق للشاهد عليه، فليرفع ذلك حتى يكون السلطان ينظر
في أمره. يريد: لا تجوز شهاداته [في حنثه] في دينه عليه، وقد ذكرها بعد
هذا، وكذلك لو كان في شهادة بحق فأنت تعلم صحة الحق، قال ابن الماجشون: كل
ما فيه حق لمن يشهد به، فيلزمك أن تشهد، وأما ما لاحق فيه لأحد فليس عليك
أن تشهد فيه، لأنه لاحق فيه له يذكر، وأما م فيه شبهة، أو لطخ، أو بحق
تهمة، أو توجب يمنيا، فأده، وكذلك ذكر عنه ابن سحنون في كتاب الأقضية.
في الرجل يعلم بدين رجل ثم يخبره غيره بزواله عنه أو يعلم بملك العبد ولم
يسر غيره يحوزه عليه وهل يشهد بالأصل؟
من المجموعة: قال سحنون فيمن أشهده رجل بدين لرجل، ثم أخبره عدلان أو رجل
وامرأتان أنه قد قضاه إياه، قال: فإذا أخبره من تجوز شهادته، فلا يشهد،
قيل: فأخبره شاهد واحد فوقف، وقال: ما تبين لي.
قال سحنون في الرجل بشتري العبد بمحضر بينة، ثم يرون العبد بيد زوجة
المبتاع بمحضره سنين والعبد في ضيعتها قد بانت عنه، ثم يدعو إلى شهادة على
أصل الشراء؟ قال: لا يسعهم أن يشهدوا، لأن الرجل يلي الشراء لامرأته. [8/
253]
(8/253)
فيمن يعلم علما لا يجوز عنده والحاكم يجيزه
وهل يزيد في الشهدة ما تقوم به أو ينقص منها؟ والرجل هل له أن يشهد على
عدوه أو لمن يتهم فيه، ويخبر الحاكم بذلك أو وهو بين الجرحة هل يشهد عنده؟
من المجموعة: قيل لسحنون فيمن عنده شهادة، وهي لا تجوز عنده. وتجوز عند
القاضي كشاهد على صداق نصفه إلى غير أجل، قال: لا يشهد فيه، وعن شاهدين شهد
أحدهما بأربعين، والآخر بخمسة وأربعين، فهما أن أدياها لم يجزها الحاكم،
وذلك رأيه، هل يسع الشاهد أن يسقط خمسة ويشهد بأربعين لتجوز الشهادة؟ قال:
لا بأس به، قيل: فإن وجد الطالب من يشهد له على خمسة، هل يسع الشاهد الذي
أسقط خمسة أن يشهد بها مع هذا؟ قال: ذلك له.
قال ابن الماجشون: لا يسع الرجل رفع شهادته لنفسه، ولا لابنه، أو جده، أو
أمه، أو جدته، أو والده، أو أحد الزوجين مع الآخر، فأما غير هؤلاء فعليه
رفعها، ويصف حاله للحاكم من قرابته.
قال سحنون في الرجل البين الجرحة قبله شهادة، فليس عليه رفعها إلى الحاكم،
ألا ترى أن من العراقيين من يقبل الشهادة ولا يسأل عن شهاد حتى يطعن في
الخاصم.
قال أشهب في كتاب آخر فيمن رأى هلال رمضان وهو يعلم أنه لا يقبل لجرحه، فلا
ينبغي أن يشهد بذلك.
قال ابن سحنون عن أبيه: ولا يرفع الرجل شهادته إن كانت عنده حقا إذا كان
الحاكم لا يقبلها، مثل شريك الرجل فيما يشهد فيه، أو عدوه فيما يشهد به [8/
254]
(8/254)
عليه، أو خصمه أو جار لنفسه، أو دافع، أو
أب، أو ابن، أو زوج، أو من لا يجيز الحاكم شهادته في ذلك المعنى، وهو عدل،
وإن شهد فليخبر بذلك.
قال مالك في العتبية من سماع ابن القاسم، وهو في بقية هذه الدواوين، فيمن
عنده شهادة على عدوه، أيشهد بها؟ قال: يشهد ويخبر مع شهادته بعدواته ولا
يكتم ذلك.
وروى عيسى عن ابن القاسم في رجلين سمعا رجلا طلق امرأته، فكفا عن الشهادة
زمانا، ثم قاما بها فقالا: إن ذكرنا تاريخ الشهادة، بطلت شهادتنا، أيسعهما
أن يسكتا عن التاريخ؟ [قال: لا وليأتيانها على وجهها].
في الشاهد بحق وأنت تعلم جرحته هل يسعك تجريحه؟
من المجموعة، والعتبية، وكتاب ابن سحنون: قال سحنون فيمن شهد عند قاض بحق
عنده وهو مستجرح عندك، قال: لا يسعك تجريحه إن دعيت إلى ذلك، لأنك تملك ذلك
الحق، وكذلك في كتاب ابنه عنه، قال: وقد قيل لي: يخبر بتجريحه القاضي.، كما
لو علمه عبدا أو نصرانيا، لزمه أن يخبر بذلك، قال: وكذلك لو كان شاهد معه
في تلك الشهادة، فقال مرة: لا يخبر بجرحته، وقال أيضا: بل يخبر بجرحته.
قال ابن القاسم في الكتب الثلاثة في قوم شهدوا على رجل أنهم وجدوا منه ريح
شراب، فذكر المشهود عليه أنهم أعداؤه، ورجل يعلم ذلك، فهل يسعه أن يخبر
بعداوتهم وقد أقر عنده أنه شرب؟ قال: لا يسعه ذلك، وكذلك لو شهدوا عليه بحق
وأنت تعلم أنه حق، وقال ابن سحنون عن أبيه: إنه يخبر بعداوتهم له، [8/ 255]
(8/255)
كقول مالك في الشاهد يكون عدوا للمشهود
عليه أنه يخبر بذلك الحاكم، فذلك على المسؤول أوجب، وإن علم أن الشاهد شهد
بحق.
في شهادة المفتي على المستفتي فيما ينوي فيه، هل يلزمه أداؤها عليه أم لا؟
من العتبية من رواية عيسى عن ابن القاسم –وذكره ابن عبدوس وابن المواز- في
الرجل يأتي مستفتيا يسأل عن أمر ينوي فيه، ولو أقر عند الحاكم، أو قامت
عليه بينة، فرق بينه وبين امرأته، فيفتى: أن لا شيء عليه، فطلبت المرأة
شهادة المفتي، قال: فلا يشهد عليه، قال ابن المواز: ولو شهد لم ينفعها، لأن
إقراره على غير الاشهاد. (ع) يعني: لا شيء في الفتيا، قال: وما أقر به عند
الفقيه من طلاق أو حق أو حد ثم أنكر، فليشهد عليه إن كان مما ليس له رجوع
عنه. قال يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في العتبية مثله، وكذلك من حضر الفقيه
إذا سمعوا القصة كلها حتى لا يخفى عليه منها شيء لما يخاف أن يفسد الشهادة
[إن لم يذكر].
فيمن سمع قذفا أو إقرارا أو نص شهادة شاهد هل عليه أن يشهد بذلك؟ وهل يقضي
به؟
من كتاب ابن المواز وغيره: قال مالك: ومن سمع رجلين يتنازعان فأقر أحدهما
للآخر ولم يشهده، قال: لا يشهد إلا أن يكون قذفا فليشهد إن سمعه [8/ 256]
(8/256)
معه غيره، قال أشهب: هذه رواية فيها وهم،
وليشهد بما سمع من إقرار أو غصب أو حد ولا يكتمها، فإن لم يعلم من هي له:
فعليه أن يعلمه.
قال ابن القاسم في المجموعة وكتاب محمد فيمن مر برجلين يتحاسبان، فإن سمع
كلامهما من أوله فاستقصاه فليشهد، وإن سمع جاره طلق امرأته فليشهد عليه.
قال أشهب في العتبية عن مالك في فريقين قضي لأحدهما فحدث بذلك المقضي عليه
للناس، ثم احتيج إلى تلك القضية، فلم يؤخذ عليها إلا من أقر عنده المقضي
عليه، قال: أراها ضعيفة؛ (وليأتوا بالشهادة على وجهها) ولا أراها نافعة له.
وكذلك في المجموعة، وقال أشهب: نحوه.
قال في الكتابين وكتاب ابن المواز: وإن سمع قوما يقولون لقوم: اشهدوا على
شهادتنا. أن لفلان على فلان كذا، فلا يشهدوا على شهادتهم وان احتيج إليه،
بخلاف من سمع الإقرار.
قال ابن القاسم وأشهب في الكتابين في رجلين سمعا رجلا يذكر أن عنده شهادة
في كذا، فلا ينقلا ذلك عنه، فإن فعلا لم يقبل ذلك. قال أشهب: وليس بضيق أن
رفع ذلك إلى الإمام وقد قيل: لا يرفعها خوفا أن يغلط فيقضي بها، وإن أشهده
لزمه أن يشهد وإن كان وحده. ومن سمع رجلا عند القاضي يشهد بشهادة، ثم مات
القاضي أو عزل، فلا ينقل ذلك عن الشاهد.
قال أشهب عن مالك فيه وفي العتبية: ومن قال: اكتب على هذا عشرة دنانير فلم
اكتبها، هل اشهد عليه؟ قال: نعم. [8/ 257]
(8/257)
في الشهادة على
الرجل يقرر فيقر وقد أوقفت له بينة حيث لا يراهم
ومن أشهدك على أن لا تؤديها حتى يموت
من كتاب ابن المواز: قال مالك في رجلين أقعد الرجل من وراء حجاب ليشهدا
عليهم قال: إن كان ضعيفا أو مختدعا أو خائفا لم يلزمه وحلف ما أقر إلا لما
يذكر، وإن كان على غير ذلك لزمه، ولعله أن يقر خاليا ويأبى من البينة، فهذا
يلزمه ما سمع منه. قيل له: فرجل لا يقر إلا خاليا، هل أقعد له بموضع لا
يعلم في الشهادة؟ قال: لو أعلم أنك تستوعب أمرها. ولكن أخاف أن يسمع جوابه
لسؤال، ولعله يقول له في الشيء: ما الذي لي عليك إن جئتك بكذا وكذا؟ فيقول:
لك عندي كذا، فإن قدرت أن تحيط بسرهم فجائز.
قال في المجموعة من [رواية ابن وهب عن مالك وهو في العتبية] من رواية عيسى
بن دينار عن ابن القاسم فيمن قرر رجلا وقد خبأ له بينة في بيت ليشهدا على
ما سعما منه، فأقر هل يشهدان عليه بما أقر؟ قال: أما الضعيف والمختدع أو
الخائف الذي يخاف أن يكون اختدع أو استعجل أو استضعف، فلا أرى ذلك يثبت
عليه وبحلف: ما أقر إلا بما يذكر، ولا يدري ما يقول: أقر لك خاليا، ولا أقر
لك عند البينة بأمر بعرف به وجه إقراره، فعسى أن يثبت ذلك عليه، قال عيسى:
أراه ثابتا. [8/ 258]
(8/258)
ومن المجموعة: قال ابن كنانة فيمن له قبل
رجل حق وأراد أن يأخذ عليه يمينا، وقد حجده، فخبأ له قوما فشهدوا عليه
بالحق أو باليمين، قال: شهادتهم مقبولة، وبئس ما صنعوا حين دخلوا ذلك
المدخل.
وروى أشهب عن مالك في العتبية وهو في كتاب ابن المواز في امرأة أشهدتنا على
صدقة على أن لا نؤدي الشهادة إلا بعد موتها: قال: لا تنفع الابنة هذه
الشهادة.
في الشهادة على معرفة الصوت وشهادة الأعمى على
ذلك
من العتبية من سماع ابن القاسم وهو في المجموعة من روايته ورواية أشهب،
وابن وهب [عن مالك] وشهادة الأعمى جائزة إذا عرف ما شهد به وأثبته يقينا.
وقد كان ابن أم مكتوم أعمى يؤذن لرسول) صلى الله عليه وسلم، وقد نقل
الصحابة عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، من وراء حجاب. قال مالك: وكذلك
الرجل يشهد على المرأة من وراء ستر قد عرفها [وعرف صوتها] وأثبتها قبل ذلك.
فذلك جائز.
ومن كتاب ابن سحنون [قال ربيعة] كما يعرف البصير شخص من يشهد عليه. فكذلك
هذا يعرف كلام من يشهد عليه، ولو لم يجز هذا لم يجز له وطء أمته ولا
امرأته.
قال المغيرة في كتاب ابن سحنون في الرجل يولد أعمى أو يعمى بعد ذلك: أن
شهادته مقبولة إن كان عدلا. وقال ابن نافع وسحنون في كتاب ابنه: كما يعلم
امرأته فيطؤها أو يلاعبها، فكذلك يشهد على ما يدرك. وقال ابن أبي ليلى [8/
259]
(8/259)
وأبو يوسف: ما شهد عليه قبل أن يعمى
قبلناه. قال سحنون: ولا فرق في ذلك لأنه حين قبولها أعمى.
ومن المجموعة وكتاب ابن سحنون: قال ابن القاسم وأشهب وابن الماجشون: لا
تجوز شهادة الأعمى على الزنا، قال أشهب: لأنه شيء إنما يشهد فيه على
الرؤية، ولو شهد هو وثلاثة معه على ذلك حدوا حد الفرية، وأما إن شهدوا أنه
أقيم عليه حد الزنا جازت شهادتهم، لأن الأعمى في هذا لم يشهد على رؤية، لكن
على سماع أن الوالي حده.
قال ابن سحنون: قال أشهب: وللأعمى أن يقسم في الدماء وليس بشهادة، فكيف
وشهادته جائزة عندنا [وكذلك في اللعان يحلف على ما يعرف من لمس أو غيره،
وكذلك العمياء تلاعن].
في الشهادة على معرفة الخط من خط مقر أو خط
شاهد
من كتاب ابن سحنون وغيره: قال مالك وأصحابه: الشهادة على خط المقر جائزة،
وقد اجمعوا على أن الخط رسم يدرك بحاسة النظر، وأصبنا البصير يميز بين
الشخصين والخطين مع جواز الاشتباه، فلما جوزها في الشخصين مع جواز الاشتباه
فيه جازت في الخطين.
وفي العتبية من سماع ابن القاسم عن مالك – وهو في بقية هذه الدواوين- فيمن
كتب على نفسه ذكر حق، وكتب في أسفله بخطه، فهلك الشهود ثم جحد، فشهد رجلان
أن ذلك خطه: إن ذلك يجوز عليه لإقراره، بخلاف من شهد على شهادته فأنكرها،
فلا يمين عليه مع شهادة شاهدين على خط المقر. [8/ 260]
(8/260)
ومن العتبية: قال عيسى عن ابن القاسم،
وذكره ابن المواز: ولو شهد على خطه حلف الطالب واستحق.
وقال أشهب عن مالك في امرأة كتب إليها زوجها بطلاقها، فشهد عليه خطه رجلان:
أن ذلك ينفعها. قال ابن المواز: أما الشهدة على خط المقر فلم يختلف فيه
قوله، وأما على خط الشاهد: فما علمت من حكم به، وهما لو سمعا الشاهد ينص
شهادته لم يجز لهما أن ينقلاها حتى يقول لهما: انقلا واشهدا بذلك. قال:
والذي آخذ به: أن لا تجوز الشهادة على الخط إلا خط من كتب شهادته على الخط
[إلا خط من كتب شهادته على نفسه] فهو كالإقرار. وقال ابن القاسم ورواه عن
مالك: [وأما على معرفة خط الشاهد علما أقول به، وقد روي عن مالك، قال عبد
الملك] وقال عبد الله: تجوز شهادتهما على خط عرفا أنه خط شاهدين في كتاب
ويقضي بذلك، ويجوز أن يشهدا بها على الوكالة في ذلك الخط لمن يخاصم به
[وعلى وارثه ذلك شهدا فيه] وقال مثله سحنون في العتبية.
ومن العتبية وكتاب محمد: قال ابن القاسم عن مالك فيمن أوصى أن ينظر فيما في
كتبه فيقضي ما عليه فيها، ويقتضي ماله، فوجد فيها ذكر حق له بأربعة عشر
دينارا على رجل، وفي آخره بخطه: قبضت منها ثمانية دنانير، فلا يمين فيها
على المطلوب، ولا يؤدي إلا ما بقي، ولو لم يعرف خطه إلا شاهد، حلف معه
المطلوب وثبت له ما قضاه.
قال أشهب في المجموعة في صك بخط رجل على نفسه بيد رجل على نفسه، ولم يكتب
شهادته في أسفله، فشهد على خط ذلك شاهد، فليحلف الطالب معه ويقضى له به،
وإن كان الصك بغير خطه، وفي آخره شهادة بخطه، فإن كان في الشهادة ذكر الدين
الذي في صدر الصحيفة فذلك يجوز عليه إن قام بخطه [8/ 261]
(8/261)
شاهد، وحلف مع الطالب، وإن لم يكن في
الشهادة ذكر الدين لم يلزم ذلك المطلوب من قبل أن القرطاس يقطع ويوصل،
فيخاف أن يكون قطع ووصل بشيء آخر، ولأنه قد يكتب الرجل بشهدته ولا ينظر في
الكتاب. فلهذا كله لم يجزه.
وروي ابن وهب وابن القاسم عن مالك في العتبية وكتاب محمد في ذكر حق فيه
شهادة رجل بخطه يشهد رجلان على أن ذلك خطه، فشهادته جائزة. قال عنه ابن
وهب: ويحلف الطالب ويقضى له به، قال ابن القاسم: ولا يقبل في ذلك إلا
شهيدين.
قال ابن سحنون: وقال يحيى بن سعيد وربيعة في الشهادة على [كتاب ذكر حق، فهو
شاهد فيه. محمد: ولسنا نأخذ بهذا في الشهادة على] خط الشاهد إلا أن يكون
على خط المقر بنفسه.
قال ابن وهب عن مالك في العتبية: ولو مات الطالب وقام ورثته بذلك الكتاب مع
شهادة رجلين على كتاب الكاتب، قال: يحلفون: ما علموا أن وليهم اقتضى من ذلك
شيئا، ويقضى لهم، وقال في كتاب ابن سحنون من رواية ابن وهب: يحلفون: أنهم
ما علموا أنه قبض منه شيئا، فإن نكلوا حلف المطلوب: إنه لباطل، فإن مات حلف
ورثته: إنا ما علمنا أن هذا كان على فلان ولا كتمنا علما كان عندنا، فإن
نكلوا أخذ من مال الميت.
ومن العتبية: قال سحنون: وإن شهد جلان على معرفة خط رجلين في كتاب: جازت
الشهادة، ويجوز أن يشهدا على الوكالة في ذلك الحق. [8/ 262]
(8/262)
ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: قال ابن كنانة
عن مالك في العدل يشهد على خط رجل، قال: ما أحب أن أشهد على خط أحد، ولكن
إن شهد به عدلان قبلته وحسب بذلك شهادة الشاهد.
ومن العتبية من سماع ابن القاسم في الميت يوجد ذكر حق له على رجل فيه بينة،
وفي آخره بخط الميت: أني قبضت ما في هذا الكتاب: ثمانية دنانير، قال مالك:
يؤخذ من المطلوب ما بقي، ولا يمين عليه، يريد: وقد قامت بينة أنه خط الميت،
أو اعترف بذلك ورثته.
وقال ابن الماجشون في الميت، أو المريض، أو الغائب يشهد على خطه، فأما
المريض: فإنه يسأل عنها وينقل قوله، وأما الغائب والميت: فليشهد على معرفة
كتابتهما وإن لم يشهدا بها، ويقضى به، وكذلك في المجموعة. وإذا قيل: ما حد
تلك الغيبة؟ قال: البينة في البعد، وليس لمن يغيب من يومه ثم يشهد على خطه
حينئذ، قيل: فإن كان أشهده على شهادته في كم ينقل عنه في غيبته؟ قال: أما
ما قرب كالروحاء وشبهها فلا، إلا في السفر البعيد، وما في تربصه الضرورة،
ونحو ذلك عنه في كتاب ابن حبيب.
قال في كتاب ابن حبيب: وأصل ما خف من ذلك أن يكون رجلا لا يقنع فيه الحاكم
بتعديل رجلين لما يترتب عنه عند رؤيته أن يقبح في غيبته، فلا يقنع فيه
بظاهر التزكية، فيدفع ما خف من هذا بغيبته، ويودعهما الشهادة، أو يعلم
أنهما يشهدان على ما في كتابه، فيصل بهذا إلى دفع ما كان يبقى من ذلك. [8/
263]
(8/263)
ابن حبيب: قال أصبغ: الشهادة على خط الشاهد
الغائب والميت قوية في الحكم بها، ولكن لا يعجل الشاهد بذلك وليثبت.
وقال مطرف في الميت يقام عليه بذكر حق فيه شهادة ولدي الميت فأنكر ذلك وشهد
على خطهما شاهدان وقال: كنا شهدنا بذلك في باطل، قال: يؤخذان بذلك، ويحمل
محمل الإقرار لا محمل الشهادة، وكذلك لو كان واحدا وهو وارث المال وحده إن
شهد على خطه، وقال ابن الماجشون: لا يؤخذ إلا بالإقرار منه سوى خط شهادته،
وقال ابن الماجشون: ومحمله محمل الشهادة لا محمل الإقرار، وقال أصبغ بقول
مطرف.
قال ابن الماجشون: ولو شهد بذلك على أبيه فلم يقض بذلك حتى مات أبوه فرجع
عن شهادته، قال: لا ينفعه ذلك ويؤخذ بشهادته. قال ابن حبيب: وهذا يقوي
الأول، قال مطرف وابن الماجشون: وأما كتاب قاض بخطه في حكم أو كتاب إلى
قاض، فلا يثبتها بالشهادة على أنه خط فلان في الشهادات إلا في عتق أو طلاق
أو حد أو غير ذلك، وأما على معرفة خط الشاهد: فلا يجو ذلك إلا في الأموال
خاصة، حيث يجوز اليمين مع الشاهد. وقال أصبغ: قال محمد بن عبد الحكم: ولا
أدري أن يقضي في عهدنا بالشهادة على الخط لما أحدث الناس من الفجور والضرب
على الخطوط، وقد كان الناس فيما مضى يجيزون الشهادة على خاتم القاضي، ثم
رأى مالك: ألا يجوز. [8/ 264]
(8/264)
في الرجل يعرف خطه في الوثيقة ولا يثبت
شهادته، والرجل يقول للحاكم: أشهد علي بما في هذا كتاب ولا ينصه
من العتبية: قال أشهب عن مالك فيمن رأى خطه في كتاب على شهادة لا يذكرها،
قال: يرفعها للسلطان على وجهها ويقول: إنه كتاب يشبه كتابي وأطنه إياه،
ولست أذكر شهادتي، ولا أني كتبتها، يحكي ذلك على وجهها ولا يقضى بها، قيل:
فإن لم يكن في الكتاب محو ولا شيء، وعرف خطه. قال: قد يضرب على على خطه
[ولكن ليرفعها كما ذكرنا. من المجموعة: قال عنه ابن نافع: إذا عرف خطه].
ولم يذكر الشهادة، فلا أرى أن يشهد، وقد أتيت غير مرة بخط يدي أعرفه، ولم
أثبت الشهادة عليه فلم أشهد، قال: أرأيت إن لم يشك في كتابه، وفي خطه بعض
الضعف، أيشهد؟ قال: لا، قال الله تعالى: (وما شهدنا إلا بما علمنا) وقال
عنه ابن نافع في موضع آخر: أما ما عرف أنه حضره، وشهد فيه، وعرف خطه فيه
وأنه خطه، فعسى به أن يشهد.
قال ابن نافع: أرى أن يشهد من عرف خطه إذا لم يستنكر من الصحيفة شيئا ولا
محوا، قال ابن المواز في كتابه: قال مالك: لا يجوز أن يقول: هذا خطي،
والجائز أن يقول: إن خطه حق، واختلف فيه عن مالك إذا عرف خطه بشهادته: فروى
ابن نافع: أنه يؤديها. قيل: فإن عرف أنه شهد ولم يذرك عدة المال؟ قال: يرفع
ذلك إلى الإمام، ويخبره أنه لا يعرف عدة المال. وما أرى ذلك [8/ 265]
(8/265)
نافعا، قال ابن القاسم: ولو عرف خطه وذكر
أنه حضر، فلا ينفع حتى يعرف بقلبه ما شهد عليه.
ومن كتاب ابن سحنون: قال ابن وهب: قال يحيى بن سعيد: إذا عرف خطه، فإن أيقن
به فليشهد، وإن شك فلا يشهد، وروى ابن وهب عن مالك نحوه، قال: وإن عرف خطه
ولم يذكر الشهادة ولا شيئا منها، فقال له من معه في الكتاب: نحن نعلم انك
كنت معنا. فإن أيقن هو أنه خطه فليشهد، أما بخبر غيره فلا يشهد، وليخبر
بعلمه بالغا ما بلغ، ولا يجيزه الحاكم إلا أن يشهد أنه كتابه وشهادته، وروى
عنه ابن وهب أيضا أنه إن أثبت أنه خطه، ولم يثبت عدة المال، وإن كان يخاف
أن يشبه كتابه فلا يشهد، ولا يخبره الإمام، وفي المجموعة: نحوه كله من
رواية ابن وهب، وفي العتبية: نحوه. قال عنه ابن القاسم: إذا عرف خطه ولم
يعرف عدة المال، فليؤد شهادته على نحو ما يستيقن من معرفة كتابه، وأنه لا
يثبت التسمية، ولا يقضي بها السلطان، وكذلك لو ذكر أنه كان أشهد مع معرفته
بخطه. وقال عنه ابن القاسم أيضا: إذا عرف خطه ولم يذكر الشهادة. فلا يشهد
حتى يستيقن ويعرفها. ومن العتبية: قال سحنون: إذا عرف خطه في الكتاب لا يشك
فيه، ولا يذكر كل ما فيه، فقج اختلف فيه أصحابنا. وقولي: إنه إن لم ير في
الكتاب محوا ولا إلحاقا ولا ما يستنكر، ورأى الكتاب خطا واحدا فليشهد بما
فيه، وأن يقول: أشهد بما فيه، وهذا الأمر لا يجد الناس منه بدا وإن لم يذكر
من الكتاب شيئا. قيل: ولو كان الكتاب كله بخطه، وعرف خطه، وفيه شهادته، ولم
يذكر منه شيئا: قال: أرى أن يشهد [8/ 266]
(8/266)
بها، ولو أنه أعلم بذلك القاضي، رأيت
للقاضي أن يجيز شهادته إذا عرف أن الكتاب كله خطه بيده، وجميع أصحابنا
يجيزون شهادته إذا ذكر أنه خط الكتاب ولا محو فيه.
قال أبو زيد عن ابن القاسم في الرجل يؤتى بالكتاب فيه شهادته وعرف خطه
وأثبت أن الذي جاءه بالكتاب أشهده في أمر دار، ولا يذكر أنها التي في هذا
الكتاب، قال: فإن لم يثبت شهادته كما في الكتاب حرفا بحرف، فلا يشهد، وقال
ابن نافع في المجموعة: إذا كتب جميع الكتاب بيده، وأثبت خطه، فشهادته جائزة
وإن لم يعرف الشهادة. وقال ابن كنانة: إن ذكرت بعض ما في الكتاب ولم تذكر
بعضا، وفي الكتاب شهادتك، ولا محو فيها ولا شيئا يستريبه، والكتاب مفسر،
وذكرت حين كتبت، فاشهد بكل ما فيه، ومن الواضحة: قال مطرف عن مالك: إن عرف
خطه ولم يذكر الشهادة ولا شيئا منها، فإن لم يكن في الكتاب محو ولا ريبة،
فليشهد بها. وإن كان الرق طللسا أو مغسولا أو فيه محو، فلا يشهد، ثم رجع
فقال: لا يشهد وإن عرف خطه حتى يذكر الشهادة أو بعضها، أو ما يدل منها على
أكثرها، وبالأول أقول، ولابد للناس من ذلك، وبه قال ابن الماجشون، والمغيرة
[وابن حازم، وابن دينار] وإن كان لم يحفظ مما في الكتاب عددا ولا مقصدا
فليشهد ولا يقول للسلطان: إنه لا يعرف منه إلا خطه، وليشهد: أن ما فيه حق،
وذلك لازم له أن يفعله، وإن ذكر للحاكم أنه لا يعرف من الشهادة شيئا. وقد
عرف خطه ولم يثبت في شيء، فلا يغسلها الحاكم، وقال ابن وهب وابن عبد الحكم
بقول مالك الأول، وقال ابن القاسم وأصبغ بقول مالك الثاني أنه لا يشهد. قال
ابن حبيب: هذا أحوط، والأول جائز، قال مطرف: ولم يختلف قول مالك في الشهادة
على خط الشاهد الميت والغائب [8/ 267]
(8/267)
كاختلاف قوله في الشهادة على خط نفسه. ع
قال: أبو بكر: كان القاسم ابن محمد إذا شهد بشهادة كتبها، وكان مالك يفعله.
ومن العتبية: روى أشهب عن مالك – وهو في المجموعة- قيل لمالك: أيجزئه أن
يقول: هذه شهادتي أعرفها بخط يدي؟ قال: لا يجزئه في ذلك حتى يقول: إن حقه
لحق، وأما إن شهد أن هذا كتابه فلا، قال مالك. وكان مالك يقول للشاهدين:
بشهادتكما أقضي أتشهدان أن الحق لهذا؟ فإذا قالا: نعم، أجاز شهادتهما.
وروى عيسى عن ابن القاسم في الأمي يقرأ عليه كتاب [فقال: اشهد علي بما فيه،
ولا يصف مما فيه شيئا حتى يقرأ عليه]، قال: شهادته جائزة، وليس كل الناس
يستوفون كل ما أشهدوا عليه، وإن كان ممن يكتب فحتى يقرأ الكتاب، فإذا قرأ
عرف شهادته وهو لا يستظهرها، فإن كان عدلا وثبت ما قرئ عليه جازت شهادته.
ومن العتبية: روى أشهب عن مالك فيمن قام بصك على ميت فيه كراء، وكذا صاع
عجوة، وعلى موضع العجوة محو، ولم يشهد على الصك إلا كاتبه، فعرف ما فيه إلا
العجوة فإنه ليس بكتابه وقد محي، فلا يدري أعجوة هو أم لا؟ قال مالك: أنتم
لا تختلفون في غير العجوة، فأرى أن يحلف مع شاهده: أنه عجوة وأن هذا الحق
له. ويعطاه.
ومن كتاب ابن حبيب: قال ربيعة: إذا كان رجال صالح وهو ضعيف أبله، فإن جاء
يشهد فيما يعلم أنه يطيقه عقله، ويحيط به فهمه ولا يجهله، جازت [8/ 268]
(8/268)
شهادته، وإذا جاء شهيدا على الكتاب الطويل
الكثير القصص، ومالا يحاط به إلا عن حفظ وحسن روية، فقال: أشهد أن ما في
ذلك حق، فلا يقبل منه ذلك، لأنه يخاف أن يختدع، وأن يشهد بما لا يحيط به
علما.
قال مطرف: قال مالك: العدل عدل في كل شيء ولا يميزه هذا التمييز، وبقول
ربيعة أقول. قال مطرف: ولكن أحب للحاكم أن يتزيد المشهود شهودا في لطف ولا
يرده. وروى عن سعيد بن عبد الرحمن بن عوف: نحو قول ربيعة.
ومن كتاب ابن سحنون: وقال في الشاهد يقرأ عليه القاضي الكتاب فيقول: ما في
هذا الكتاب حق؟ فيقول: نعم، فتلك شهادة تامة، وإن لم ينص ما في الكتاب من
التوثيق، فيجزيه أن يقول: جميع ما فيه حق، وأنا أشهد به.
في القوم عندهم شهادة في مال أو فرج أو غيره
فلا يرفعون شهادتهم إلى الحاكم وهم يرون ذلك الشيء يستحل
من العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم –وهو في المجموعة- في شاهد شهد على شيء
من الأموال غير الفروج والحرية من حيوان أو عقار يعلمه لرجل، ويراه بيد
غيره يبيعه ويهبه ويحوله عن حاله، فلا يقوم بعلمه، ثم شهد عند القاضي أن
هذه الدار لفلان، فيقول له: لم لم تقم حين رأيت هذه الدار تباع أو توهب؟
فيقول: لم اسأل عن علمي، ولم أر فرجا يوطأ ولا حرا يستخدم، وليس علي أن
أخاصم الناس، قال: لا أرى أن تجوز شهادته إذا لم يعلم بعلمه حين رأى الدار
والعقار يباع، وكذلك في الفروج والحيوان، إذا كانت الأشياء تحول عن حاله
بعلمه، قال غيره في المجموعة: وهذا إذا كان المشهود له غائبا، أو كان [8/
269]
(8/269)
حاضرا لا يعلم، فأما إن كان حاضرا يرى ما
لم يباع، فهو كالإقرار. قال ابن سحنون عن أبيه: لا أرى ذلك إلا فيما كان
حقا لله تعالى، وما لم يلزم الشاهد أن يقوم به وإن كذبه المدعي، كالحرية
والطلاق، وأما العروض والرباع والحيوان: فلا تبطل شهادته في ذلك، لأن رب
ذلك إن كان حاضرا فهو أضاع حقه، وإن كان غائبا فليس للشاهد شهادة، فلذلك لا
يضر الشاهد إن لم يقم بها.
قال ابن كنانة فيه وفي المجموعة في قوم شهدوا على حبس أو أرض لرجل، أو أن
رجلا طلق امرأته أو أعتق عبده، فإذا رأوا الحبس يكتب في المهور، أو يباع،
ويتداول ويطول زمنه، ولم يرفعوا ذلك، فلا تقبل شهادتهم بعد ذلك، وإن كانوا
قد تكلموا وأشهدوا، أو كان لهم عذر أو كانوا غيبا تثبت شهادتهم، ثم ذكر في
الأرض والعتق والطلاق كقول سحنون.
ومن المجموعة: قال أشهب [وإن شهدوا] بحنث في عتق رقيق، فأمسكوا عن الشهادة
حتى حال حول، أو مضى شهر أو شهران، قال: لا تجوز شهادتهم إن كانوا معه في
موضع ويرونه يسترقه.
ومن العتبية: روى ابن وهب عن ربيعة فيمن شهد في عتق أو طلاق فأخفى شهادته
حتى بيع العبد واستحل في ذلك الحرام، ثم جاء يشهد، قال: لا شهادة له وإن
كان عالما به، وإن كانت شهادته قد قطعت الطلاق والعتق، لم أجز ذلك، وإن
ادعى أنه لا يعلم كالذي يقول: لا شهادة عندي، ثم يشهد.
قال أصبغ عن ابن القاسم في رجلين شهدا على رجل أنهما رأياه سكرانا، أو
يسرق، فجرحاه بذلك في شهادة شهدا بها، فليقم عليه الحد، ولا يضرهما تأخير
ذلك، وهو ستر عليه. [8/ 270]
(8/270)
قال ابن حبيب: قال أصبغ في الشهود بالطلاق
يكتمون ذلك عن الزوجة حتى طال ذلك، ووقعت الخلوة بها، فذلك جرحة إلا أن
يقوموا بحدثان الطلاق وإذا اعتزل مسيسها وهو يدخل عليها كدخول الزوج على
زوجته، وهي في بيته، وستره، وكتموها ذلك، فشهادتهم ساقطة إلا أن يقولوا:
ظنناها قد علمت، وحسبنا هذا الاعتزال فراقا، ولم نرد الكتمان، فتجوز
شهادتهم.
قال ابن الماجشون: ومن سمع رجلا يطلق امرأته فعليه أن يأتي الإمام حتى يشهد
عليه ويحلفه إن لم يكن معه غيره، فإن نكل سجنه حتى يحلف [قال مطرف في
امرأته أعتقت جاريتها عند موتها وابنها غائب، ثم قدم فأقام شاهدين أنها له،
وقد حضرا عتقها لها وسكنا عن علمها. وشهد آخران أنهما يعرفانها في خدمة
الأم، قال: شهيدا الابن حق ولا يغرهما عتق الأم، وقاله أصبغ].
ومن كتاب ابن سحنون: وكتب شجرة إلى سحنون في عبيد ادعوا أن سيدهم حنث
بعتقهم، وجاؤا ببينة وشهدوا أن فلانا مولاهم أشهدنا قبل خروجه مع العبد ابق
أن قد حنث فيهم، وسماهم، فقيل: يتهمون في شهادتهم إذا كانت ممن يتصل من
الحنث، إنما وجه شهادتهم: أنهم أحرار فيمن حنث فيها، وكيف إن لم يرفع ذلك
إلى الحاكم؟ فكتب إليه: هذه شهادة تقبل إلا أن يكونوا من حين أشهدهم يرونه
يستخدم ويستغل، وطال ذلك به قبل خروجه إلى العسكر، فتبطل شهادتهم بذلك، فإن
كان خروجهم بعد الشهادة بأمد قريب، فلا يضرهم إلا أن يروهم بعد التوابع
يستخدمون ويستغلون إلى يوم شهادتهم عندك، فذلك يضرهم أيضا، فإن لم يعلموا
بذلك وكانوا غيبا قبل الخروج وبعده في طول المدة، فأخر شهادتهم. [8/ 271]
(8/271)
وسأله عن رجل شهد أنه طلق امرأته ثلاثا منذ
سنين، فقلت له: لم لم ترفع ذلك؟ فقال لي: لم أدر. ونحو ذلك في صالح رضي،
وشهد آخر أنه قال لها بالأمس: أنت علي حرام، فقال: شهادة الأول ساقطة،
ويحلف الزوج مع شاهد الحرام.
وسأله حبيب عن رجل يدخل من زقاق المسلمين شيئا في داره، والزقاق نافذ، فلا
يرفع الجيران ذلك إلى الحاكم إلا بعد عشرين سنة، قال: يهدم بناؤه ويرد إلى
الزقاق إذا صحت البينة، ولا تملك الأزقة ولا تحاز، وليس فيها حيازة. قال
أبو محمد: وأعرف في موضع آخر إذا كان أمراً بيناً من القطع من طريق
المسلمين، يرونه عشرين سنة لا يشهدون به فهو جرحة، إلا أن يعني أن ذلك ثبت
لغير الذي عاينوه ورفعوه.
وقد ذكرنا الاختلاف فيما يدخل الرجل في داره من الفضاء والفناء في كتاب
الأقضية، وهو الثاني من آداب القضاء.
ومن كتاب ابن حبيب عن مطرف في امرأة أعتقت جاريتها عند موتها وابنها غائب،
فقدم فأقام بينة، أن الجارية له إلا أنهم حضروا عتق الأم إياها، ولم ينكروا
عليها، وشهدت بينة أنهم يعرفونها في خدمة الأم، لا يعرفون لغيرها فيها حقا.
قال: شهادة الذين يعلمون أن الإبن يملكها أولى ولا يضرهم علمهم بعتق الأم،
ولم ينكروا، لأنه ليس بموضع حكم، وقد يظنون أنها صارت إليها من ولدها بما
لم يعلموه، وقاله أصبغ [في صفة العدل وكيف صفة التزكية، ومن يجوز له أن
يزكيه].
من كتاب ابن سحنون فيه عن عمر: قال: لا يقبل من الشهود إلا العدل ها هنا
والعدل ها هنا.
ومن المجموعة وكتاب ابن حبيب: قال ابن الماجشون: الشهود ثلاثة: عدل تتبين
لك عدالته تعرفه بذلك فأمضه، أو تتبين لك جرحته فاردده، أو [8/ 272]
(8/272)
مشكل عليك فسل عنه وأكثر حتى يتواطأ لك منه
سرا وعلانية ما يدلك عليه، وإن أشكل على من تسأل دعوته: فالتعديل والعدالة
تختلف، فيكون بالواحد والاثنين والجماعة بقدر ما يسمعك الحكم وتتأكد.
ومن المجموعة: قال ابن القاسم: قال مالك: ولا يجوز في التزكية أقل من
عدلين، [ويقبل القاضي ما ينقل إليه من وصيه للكشف، ولا يقبل ذلك الرجل إلا
بتزكية رجلين]، قال عنه ابن نافع: ويكشف عن الشهود سراً، ولا يسأل إلا
العدول، قال عنه ابن القاسم: وإن لم يعرف القاضي الشاهد وعرفه بعض من يعرفه
بالعدالة: رأيت أن يجيز شهادته بمعرفة ذلك العدل إياه، ولا يجوز في التعديل
إلا عدلان، ولو سأل عنه بعض من جعله يكشف له في القبائل فعرفه بعدالته،
فليقبل ذلك، فأما التعديل فلا يقبل فيه إلا عدلان.
ومن العتبية: قال سحنون عن ابن القاسم عن مالك: ولا أحب أن يسأل في السر
أقل من اثنين [ولا يقبل في التعديل أقل من اثنين].
ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: وليس تعديل الشاهد للمشهود عليه، ذلك
للحاكم، فإن كان يعرفه بالعدالة أجازه، وينبغي للحاكم أن يستكثر من
المعدلين على الشاهد. ولا يكتفي باثنين إلا في مثل التأبين في العدالة
والعلم بالتعديل، ولا يكتفي بتعديل العلانية دون تعديل السر.
وقال ابن سحنون عن أبيه: ومن عدل رجلا ولم يعرف اسمه قبل تعديله. وقال ابن
كنانة: ولا تقبل تزكية الأبله من الناس، ولا تقبل تزكية من يرى تعديل كل
مسلم يلزمه. وقال سحنون: وليس كل من تجوز شهادته يجوز تعديله، ولا يجوز في
التزكية إلا المبرز الناقد الفطن الذي لا يخدع في عقله، ولا [8/ 273]
(8/273)
يستزل في رأيه. ولا تطلب التزكية من
الشاهد. وذلك على الحاكم لا على الشاهد، وإنما عليه أن يخبر الحاكم بمن
يعرفه ومن يعدله.
ابن حبيب: قال مطرف عن مالك: وقد تجوز شهادة رجل واحد ولا يجوز تعديله، وقد
يكون عدلا ولا يعرف وجه التعديل، ولا يقبل التعديل إلا من عارف بوجهه،
وقاله أصبغ وابن الماجشون وابن عبد الحكم.
قال محمد بن عبد الحكم: ولا يقبل إلا شهادة العدل المأمون على ما يقول، وقد
يكون عدلا ولا يؤمن من أن يغفل ويضرب على خطه، ويشهد على الرجل بشهادته ولا
يعرفه، وتسمى له بغير اسمه، فمن كانت هذه حاله لم تقبل شهادته. [ومن
العتبية: قال سحنون: ومن صفة العدل الذي على الحاكم أن يقبله، مثل الرجل
المشهور بالعدالة في بلده، المتواتر عليه بها، وعند الحاكم من معرفته مثل
ما عند من يعدله، قال: وأما من لك أن تعدله: فمن تعرف باطنه كما تعرف
ظاهره، لأنك قد تعرفه بظاهر جميل من أهل المساجد والجهاد، فلا ينبغي أن
تزكيه بذلك إلا بالصحبة الطويلة والمعاملة والأخذ والإعطاء، فحينئذ تزكيه،
قال مالك: كان يقال لمن مدح الرجل: أصبحته في سفر؟ أخالطته في مال؟ وأما من
يقارف بعض الذنوب: فلن يسلم من ذلك أحد، ولكن لو كان الأمر الخفيف من الزلة
والغفلة فلا يضره ذلك، ولا يقدح في عدالته، قال مالك: من الرجال رجال لا
تذكر عيوبهم، يقول: يكون عيبا خفيفا، والأمر كله حسن، فلا يذكر اليسير الذي
ليس بمعصوم منه أحد في أهل الصلاح الكثير. وقد قال مالك في لاعب الشطرنج:
تقبل شهادته، ولو كان لا يقبل إلا من لا يقارف شيئا من العيوب ما قبلت لأحد
من شهادة. ومن قبل هذا يقال: اتقوا زلة العالم. وهذا يعني به البدعة، فهذا
يسقط شهادته، وأما من قبل جوائز العمال المضروب على أيديهم فهو ساقط
الشهادة، وأما الأكل عندهم: فمن كان ذلك منه المرة والفلتة، فغير] [8/ 274]
(8/274)
مردود الشهادة، وهذا قد قدمنا ذكره، وأما
المدمن على ذلك: فساقط الشهادة، وأما جوائز: الخلفاء فمجتمع على قبول
جوائزهم من يرضي به منهم ومن لا يرضى، وجل ما يدخل بيوت الأموال على الأمر
المستقيم، والذين يظلمون فيه فقليل في كثير، ولا نعلم من العلماء من أنكر
أخذ العطاء ومن زمن معاوية إلى اليوم، وقد قبلها ابن شهاب ومالك، وأنكر أن
يكون ابن عمر قبلها.
وقال مالك في الرجل ينازل الرجل شهراً ولا يعلم منه إلا خيراً، قال: لا
يزكيه بهذا، أنت ليس لك به علم، وهو كبعض من يجالسك، هكذا قال. ومن علمه
القاضي يجرحه فلا يقبل منه من يزكيه ولا يقبلها. وذكر مثله في كتاب ابن
المواز عن مالك في تزكيته، وأما التجريح: فبالصحبة اليسيرة واللقاء، وبأيسر
ما يكون من أمر يطلع به عليه أنه من غير أهل الورع، أو يسمع منه، أو يطلع
منه على مالا تجوز به شهادته، أو يقع له ذلك في قلبه فلا يزكيه.
ومن العتبية: روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم – وهو في كتاب ابن سحنون عن
أبيه – في الشاهد لا يعرفه القاضي بعدالة منقطعة، ولا بفساد ظاهر، ولكنه
ممن يشهد الصلوات في المساجد. لا يعرف بأمر قبيح، قال: فلا ينبغي له أن
يقبل شهادته إلا بتزكية ثانية وعند الربية، وينبغي للقاضي أن ينظر فيمن
يعرفه من الناس ومن لا يعرفه، ومن يجوز له الوقوف في أمره حتى يعدل عنده.
فإذا كان الرجل يعرف بالعدالة، ممن لو لم يكن قاضيا لزمه أن يعدله عند
غيره، فهذا الذي يسعه قبول شهادته، ومن عرفه يجرحه رد شهادته، وأما من لم
يخبر أمره حسنا ولا يداخله وهو يرى ظاهره حسنا ولا يطلع منه على قبيح:
فليسأل من يعدله، فإن لم يأته بذلك فلا يقبله. وفي المجموعة عن سحنون مثله.
ومن المجموعة: قال أشهب عن مالك في الذي شهد فيعدل، ثم يشهد ثانية: أنه
تقبل شهادته بالتعديل الأول، وليس كل الناس سواء، منهم المشهور [8/ 275]
(8/275)
بالعدالة، ومنهم من يغمض فيه بعض الناس،
قال ابن كنانة: أما الذي ليس بمعروف فيعدل ثم يشهد: فليؤتنف فيه تعديل ثان،
فأما المعروف بالعدالة في بلده يشهد فيعدل ثم يشهد في شيء آخر فالتعديل
الأول يجزئ فيه حتى يجرح بأمر بين. وقال أشهب: إذا شهد فعدل ثم شهد، فإن
كان بعد زمن نحو الخمس سنين سئل عنه المعدل الأول، فإن مات سأله معدلا
ثانيا وإلا لم يقبل. قال سحنون في العتبية: إذا عدل فقبل، ثم شهد بعد شهر
أو شهرين، أو عام أو عامين، قال: فيسأله التعديل حتى يكثر تعديله وتشتهر
تزكيته، فإذا كثر ذلك وتأكد فلا يسأله تزكيته في [المستقبل، وقال عنه ابنه:
أما الرجل المشهور عدالته] في البلد، فإن كان القاضي لا يعرفه إلا أنه صح
عنده شهرته بذلك، فلا يكلفه التعديل ثانية.
ومن العتبية: قال عيسى عن ابن القاسم في الشاهد يعدل ويقبل، ثم يشهد ثانية،
فإن كان قريبا من الشهادة الأولى مثل الشهر وشبه ذلك ولم يطل جدا، فلا يكلف
تزكيته، وإن كان طال فليكشف عنه ثانية، وليطلب ذلك المشهود عليه أو لم
يطلبه والسنة فيه كثيرة، قال أشهب: إلا المشهور المعروف بالخير الذي لا
يؤتنف في مثله السؤال.
قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: إذا عدل ثم شهد بعد شهر أو سنة أو
أكثر من ذلك فليس عليه إئتناف تعديل إلا أن يعرفه بشيء أو يستريب في أمره
أو يجرح، وإلا فلا يزيده طول ذلك إلا خيرا، وقاله ملك، وذكر عن ابن القاسم
نحو ما ذكر عنه عيسى، وعن أصبغ نحو ما ذكر عنه العتبي، وبه أخذ ابن حبيب،
قال مطرف: وإذا عدله رجل وعجز عن آخر، ثم عدله آخر [8/ 276]
(8/276)
بعد سنة، ولم ينفذ الحكم في الأمر الأول،
فلا يقبل ذلك، ولا يعتد بالأول، وليؤتنف الآن معدلين له، وإن كان منهما
الأول فليقبله، وإن مات فسواه، وقاله ابن الماجشون وأصبغ وأشهب.
قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون في الشاهد يعدله غير أهل مكانه
ومسجده أو سوقه، وفيهم من يقبل تعديله، فإن كان الشاهد غير مشهور بالعدالة:
فلا يعدل بذلك، فترك أولئك تعديلة ريبة، وينبغي للحاكم أن يكون مترقبا في
أموره، فهو أشد لتبينه، وإن كان مشهوراً بالعدالة يعرف به الحاكم ناس. فلم
يعرفوا فقد جاز أيضا أن يعدلهم [غيرهم] إذا كانوا معروفين، وليس يجوز في
ذلك من لا يعرف إلا بتعديل مشهور بالعدالة، فذلك جائز، [إن عرفه به غير أهل
مكانه، ويكون بعداوة أهل برازه في العدالة، وأهل خلطة به، فهو جائز]، وقاله
ابن عبد الحكم وأصبغ.
ومن المجموعة ومن كتاب ابن سحنون: قال ملك في الرجل ينازله الرجل [شهراً]
لا يرى منه إلا خيرا، قال: لا يزكيه بذلك، وليس هذا باختيار. وقال ابن
كنانة نحوه.
قال ابن سحنون عن أبيه: لا يزكي إلا من خالط في الأخذ والإعطاء وطالت صحبته
إياه في الحضر والسفر.
ومن المجموعة: قال ملك في الذي يزكي الرجل عند القاضي فيقول: لا أعلم إلا
خيرا، فليس هذا بتزكية حتى يقول: أعلمه رضى، وأراه عدلا، قال عنه ابن نافع:
يقول: أراه عدلا رضى، أو أراه عدلا، قال ابن حبيب: قال مطرف: قال ابن
الماجشون: يقول: هذا عندي عدل رضى فيجزيه، وليس عليه أن يقول: عدل رضى في
علم الله، ولا أن يقول: أقبله علي ولي، وقاله أشهب [8/ 277]
(8/277)
عن مالك، وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ، قال
عنه ابن نافع في المجموعة: وليس عليه أن يقول له: ترضاه لك وعليك، أو جائز
لشهادة لك وعليك، وذكر أشهب عن مالك: نحو ما ذكر ابن حبيب من روايته عن
مالك، ونحوه عن سحنون، قال ابن كنانة: التعديل أن يقول: أعرفه أو أعلمه
عدلا رضى جائز الشهاد، ولا يقبل منه أن يقول: لا أعلمه [إلا عدلا رضى، وذكر
نحوه ابن كنانة عن مالك في كتاب ابن سحنون: ولا يقبل منه في التجريح: إما
قال: لا أراه عدلا ولا أعلمه عدلا. قال سحنون: ولا يقبل منه في التزكية حتى
يقول: إما عدل ولا يقبل منه أن يقول] صالح، ويقبل في ذلك رجلان في السر سوي
تزكية العلانية، قاله ابن حبيب، ولو زكوا في العلانية، وكشف عنهم في السر،
فقيل: إنهم قوم صالحون، فلا يقبل ذلك حتى يقول في السر في كل واحد منهم:
رجلان عدلان: إنه عدل: قال العتبي عن سحنون: التعديل أن يقول: فهو عندنا
عدل رضى جائز الشهادة، قال: فإن قالوا: هل عندنا عدل ولم يزيدوا على هذا.
قال: هذه تزكية، وقال أصبغ: لا أحب أن يقول الرجل: هو عدل، ويقول: أراه
عدلا.
ومن كتاب ابن سحنون: قال مالك: ومن شهد شهادة فسألك أن تعدله وأنت تعلم أنه
عدل، فواجب عليك أن تعدله، قال: ما أدري ما واجب ولكن حسن أن تعدله. [8/
278]
(8/278)
في الشاهد الغريب من يعدله؟
وهل تقبل الشهادة في الرفقة بالتوسم؟
وهل يقبل في الوكالة غير عدل؟
والشهادة في العدالة، وتعديل الشاهد وهو غائب
والشهادة على الشهادة
من المجموعة: قال ابن القاسم وأشهب في الغرباء يشهدون لغريب أو لغير غريب،
ولا يعرفون بتلك البلدة، فلا تقبل شهادتهم إلا بمعرفة عدالتهم، أو يعدلهم
من يعرف عدالتهم.
قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون في الرفاق يمرون بأمهات المدائن،
فتقع بينهم خصومة بها، فيشهد بعضهم على بعض، ولا يعرفهم حاكم البلاد، قالا:
أجاز مالك وغيره من أصحابنا شهادة مثل هؤلاء على التوسم لهم بالحرية
والعدل، ويجيزون شهادة بعضهم على بعض لمن جمعهم ذلك السفر فيما وقع بينهم
من المعاملات في ذلك السفر خاصة من سلف وكراء وبيع وشراء وهم من بلد واحد
أو بلدان شتى، والمشهود عليه من القرية التي اختصموا فيها أو من غيرها إذا
كان ممن جمعه معهم ذلك السفر، وكذلك شهادة بعضهم لبعض على كريهم فيما
عاملوه به في سفرهم ذلك، وهذا أجيز للضرورة كشهادة النساء والصبيان في
الضرورات، قلت لابن الماجشون: فإن حكم على كريي بذلك في كراء أو سلف ونحوه
فلم يف ما معه في سفره بما عليه، وله عقار بالقربة التي بها تحاكموا، أيباع
عقاره في بقية ذلك؟ قال: لا يجوز، ولا يجوز في مثل العقار وشبهه شهادة
المجهولين، ويبقى ذلك في ذمته، فإذا بان له مال أخذه منه، ولو قام عليه
غرماؤه فبيع لهم عقاره أدخل معهم هذا ببقية حقه، لأنه لغير سبب [8/ 279]
(8/279)
بيع. قال ابن الماجشون: ولا يمكن المشهود
عليه من تجريح هؤلاء الشهود، لأنهم إنما أجيزوا على التوسم، فليس منهم شيء
إلا أن يرتاب السلطان منهم قبل حكمه بهم ريبة من قطع يد أو جلد في ظهورهم
وشبهه، فليقف وليتثبت في توسمه، فإن ظهر ما ينفي تلك الريبة وإلا أسقطهم.
قال: ولو شهد شاهدان وامرأة، أو عدد لا يتوسم فيهم أن الذين قبلوا بالتوسم
عبيدا أو مسخوطين، فإن كان قبل الحكم وقفا وتثبت، فإن لم يتبين له ما يرتاب
فيه ويقف به أمضى شهادتهم، وأما بعد الحكم فلا يرد شيئا من ذلك كله إلا أن
يشهد عدلان إنهما كانا عبدين، أو مسخوطين، أو والد الولد، أو ولد الوالد،
فيردهما الحاكم، وإن أقرا بعد [الحكم يتعمد الزور مضى الحكم وغرما ذلك، وإن
أقرا بأنهما تعمدا الشهادة عليه] أعلمهما أنهما لا يجوزان في مثل ذلك لرق
أو لغيره مما ذكرناه، فليضمنا إلا أن يدعيا الجهالة، ولا يقبل بعضهم على
بعض في سرقة ولا تلصص ولا ربا ولا غصب ولا مشاتمة، وإنما أجزناها في
الأموال في مصالحهم لضرورة ذلك في السفر.
قال ابن حبيب: قال ابن القاسم ومطرف وابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ في
الشهادة على الوكالة لا يكونون إلا عدولا، ولا يحتاط فيهم كما يحتاط في
شهداء غير الوكالة، وما سمعنا أحدا أرخص في مثل ذلك.
ومن كتاب ابن عبدوس: قال ابن القاسم عن مالك: وإذا كان المزكون للشهود لا
يعرفهم الإمام، فإن أتوا بمن يعرفهم، فإن كانوا شهود الحق غرباء، جاز ذلك،
وإن كانوا غير غرباء لم يجز ذلك، فلا تقبل عدالة على عدالة إذا كان [8/
280]
(8/280)
الشهود من أهل البلد حتى تكون العدالة على
الشهود أنفسهم عند القاضي. ورواه حبيب عن مطرف عن مالك. قال: وسواء كان
معدلو الغرباء غرباء، أو من أهل البلد، فالتعديل [على التعديل] في هذا
جائز، غير أنه إن كان المعدلون من أهل البلد والتعديل يعدلون أناسا من أهل
البلد فلم يعرفوا، ثم عدل أولئك أيضا ناس فلم يعرفوا، جاز أيضا أن يعدلهم
غيرهم إن كانوا معروفين، وليس يجوز في ذلك من لا يعرف إلا بتعديل. ومن
العتبية: قال لسحنون: فإذا كان عند شاهد علم، ولا يعلم عدالته إلا رجلان.
وأنا أعرف موتهما أو سفرهما، فأشهدا على شهادتهما أنه عدل عندهما، ثم احتاج
إلى ذلك؟ قال: فليطلب القاضي منك من يعدله غيرهما، فإن لم يجد جازت الشهادة
فيه على الشهادة في ذلك إذا كان الغيب الذين زكياه حضر بين ليسا من أهل
البادية، لأن البدوي لا يعدل الحضري. قال: وكذلك يقبل في التجريح الشهادة
على الشهادة، وذكر عنه ابنه في كتابه مثل ذلك، قال: ثم رجع فقال: لا يجوز
هذا إلا في تعديل البادي. وأما حضري لا يوجد من يعدله إلا رجلان غائبان أو
ميتان، فلا تجوز شهاداته.
قال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون: لا تكون العدالة في الشاهد إلا عند
السلطان، ولا يجوز أن ينقل العدالة كما ينقل الشهادة في الحقوق، إلا أن
يشهد رجل على شهادة على غائب أو ميت، ويعدله مع ذلك، وأما أن تجوز الشهادة
على الشهادة في العدالة فلا، ولا عمل به في المدينة قط فيما علمناه، ولا
علمنا مالكا قاله، لأن تعديل الشاهد لا يكون إلا بعد أن يشهد، وحين يشهد
عند الحكم، وقالا: والشاهد إذا كان علم عدالته عند رجل مريض، فلا بأس أن
ينقل ذلك عنه بشهيدين، لأن تعديله هنا بعد الشهادة. [8/ 281]
(8/281)
قال سحنون في العتبية والمجموعة: لا يقبل
من المعدلين أو المجرحين أن يقولوا: سمعنا فلانا وفلانا يقولان: إن فلانا
عدل أو غير عدل، لأن هذه شهادة على سماع. قال في المجموعة: إلا أن يكون
المشهود على شهادته قد أشهدهم على التزكية والتجريح.
قال سحنون: إذا عدل الشاهد ثم جاء شاهدان يشهدان أن القاضي رد شهادته لأمر
تبين له منه، والقاضي لا يحفظ ذلك، فليقبل شهادتهما بذلك. قال ابن سحنون:
وكان سحنون إذا شهد عنده شاهد وهو معروف ومشهور، قبل تزكيته في غيبته، وإن
لم يكن مشهورا لم يقبل فيه التزكية إلا بمحضره، وتكتب التزكية أسفل
الشهادة، ويذكر من زكاه في ذلك كله، وقال في باب آخر: ويقبل من الخصم تجريح
الشاهد وتزكيته، والخصم غائب، وقاله ابن كنانة في المجموعة. ومن المجموعة:
قال أشهب: ويسأل القاضي عن الشاهد بمحضر الخصم أو مغيبه، ثم يخبره بمن عول
عليه، فإن كان عنده مدفع أتاه به.
وقال أشهب عن مالك في جميع هذه الدواوين في أرض اختصم فيها، فيقيم هذا بينة
من أهل قريته معروفين على أنها له، فيعدلون، ويقيم هذا بينة من أهل قرايا
ورجال مشيخة ولا يأتي لهم بتعديل فيقول: هم بموضعهم يعرفون بالعدالة، قال:
إن كانت مواضعهم من عمله كتب إليهم فيهم، وإن كان على غير ذلك تركهم ولا
يقضي بينهم بشيء. قال ابن كنانة: وقد عدل هؤلاء ولم يعدل هؤلاء، أحب إلي
ألا يقضى بينهم بشيء. وذكر ابن حبيب هذه الرواية وجواب مالك لابن كنانة،
وزاد: ولعل بينة الآخر أن يكونوا عدولا حيث يعرفون، أكتب إليه: لا يقضي
بينهم بشيء، فإنك إنما تسأل عما فعلت، ولا تسأل عما تركت. قال أصبغ: وذلك
حسن، لأن خصومتهم في ربع، ولكن لا يدعهم هكذا هملا أبدا، وليكشف ويستأني،
فإذا طال ذلك ولم يأت صاحب البينة] المجهولين [8/ 282]
(8/282)
بشيء، قضي للأخر، ولو كانت الخصومة في غير
الربع لم أبلغ به هذا الاستثناء، وليقض به لصاحب البينة] المعروفة بعد تلوم
ليس بالطويل.
ومن العتبية من رواية يحيى بن يحيى عن ابن القاسم، ومثله عن سحنون في
المجموعة وكتاب ابنه، في القاضي يشهد عنده رجل من أهل الكور التي بها قاض،
ولا يقدر الخصم أن يعدله عند قاضي الحاضرة، ولعله يعرف ببلده بالعدالة،
فليكتب القاضي إلى قاضي بلده أن يعدله عندهم، ثم يكتب بذلك إليه، قال
سحنون: فإن كان القاضي الذي يشهد عنده هذا الرجل يخاف أن يكون قضاة الكور
غير محتاطين في التعديل قال: لا يكتب إلا إلى قاض يرضى حاله واحتياطه،
ويكون على يقين من حسن نظره لنفسه، فإن لم يكن كذلك فلينظر، فإن كان
بالكورة رجال يرضى حالهم، كتب إليهم في ذلك سراً فيسألهم عن الشاهد سؤالا
حسنا، فإن كان عندهم مشهوراً بالعدالة والصلاح، كتبوا إليه بذلك، فإن كان
القاضي بذلك بهم واثقا فليجز شهادتهم وإلا تركهم حتى يعدل بمن يرضى. وقال
ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون مثله، وقالا: إن لم يكن رجال فرجل يوثق به
يكتب إليه يسأله عن الشاهد، وعما أحب من أمور، ثم يعمل على ما يأتيه من
عندهم أو من عنده إن كانوا جماعة أو واحدا، وليكتف برسوله الذي يأتي
بالكتاب إن كان مأمونا، وإن كان الخصم هاربا، فلا يقبل منه إلا بشاهدين
يشهدان بأنه كتاب القاضي أو الأمناء أو الأمين.
قال ابن سحنون عن أبيه من سؤال حبيب فيمن يريد أن يقدم شاهدا يشهد له عند
قاضي بلد ليس ببلده، فيريد أن يقدم بينه تزكيه عند قاضي بلده، لأنه هناك
يعرف، أيكتب بتعديله هذا القاضي إلي القاضي الذي يريد أن يشهد عنده؟ فأنكر
هذا وقال: لا يكلف القاضي بهذا، ولا يزكى الشاهد قبل أن يشهد. [8/ 283]
(8/283)
في تزكية رجلين لرجلين
وتزكيتك لمن يشهد معك في حق
من العتبية من رواية أشهب، ومن المجموعة من رواية ابن القاسم عن مالك في
الرجلين يزكيان رجلين: إن ذلك يجزئ، وقاله ابن كنانة، جائز أن يزكي رجلان
الإثنين والجماعة في أمر واحد أو أمور مختلفة، وكذلك التجريح.
قال بن كنانة: وإذا شهد رجلان في حق، فلا يجوز تزكية من عرفت عدالته منهما
للآخر، وقاله بن القاسم في العتبية والمجموعة، لأن العدالة شهادة، فصار
شاهداً في الوجهين، قاله عبد الملك في المجموعة، قال: ويصير الحق قد جيء به
وحده، وكذلك في كتاب ابن المواز، وكذلك قاله سحنون في كتاب ابنه، وفيه
أيضا: قال في شهيدين شهدا لرجل بحق على رجل، ثم جاء الطالب بشاهدين فشهدا
بمثل ذلك، وزكت كل طائفة الآخرين، قال: تتم الشهادة والتزكية. ويثبت الحق،
لأن شهيدين ثبتا لا محالة، ثم قال: أرأيت لو شهد كل فريق منهما بغير الحق
على الآخر؟ قال ابن سحنون لرجلين مختلفين، وزكى كل فريق الآخر، قال: لا
تجوز تزكية بعضهم بعضا، لأن بعضهم شهد لبعض، ويقال للطالب: زك بينتك
بغيرهم، وقد كان يقول: شهادتهم وتزكيتهم جائزة، ويثبت الحق، وذكر العتبي
هذه المسألة الأولى والثانية عن ابن سحنون، وقال في المسألة الثانية: وزكى
هؤلاء هؤلاء، إلا أنه قال في الأولى: وزكي الآخران الأولين، ولم يذكر تزكية
كل طائفة للأخرى، ولم يذكر: وزكت كل بينة الأخرى، وقال في جواب المسألتين:
إن التزكية جائزة.
ومن كتاب ابن سحنون: وقال في شهيدين بحق زكى أحدهما الآخر قال: لا تجوز
تزكيته إياه إلا أن يكون مع المزكي غيره من عدول الناس، فليحلف صاحب الحق
مع المزكي؛ لأنه لم يثبت له إلا واحد، وهو الذي زكاه صاحبه والأجنبي [ع:
كذا وقع في الأم، ولا يصح على هذا؛ لأن الشاهد المحكوم به مع اليمين، إنما
أثبت عدالته تزكية الذي شهد مع الأجنبي، فإذا كان المزكي من] [8/ 284]
(8/284)
الشاهدين عدلا تقبل تزكيته، فلم لا يقضى
بالحق به ويصاحبه دون يمين الطالب؟] وإن شهد الشاهدان على حقين مختلفين
وزكى أحدهما الآخر، قال: لا تجوز تزكية بعضهم بعضا. قال: ولو زكى هذا واحد
ورجل آخر معه، وزكى الشاهد الآخر ورجل آخر معه: الشاهد الذي زكاه أولا،
قال: فشهادتهم جائزة، قال: ويخلف مع شاهده ويستحق، كمن أقام شاهدا في حق
فليحلف معه.
قال ابن الماجشون في المجموعة وكتاب بن المواز: فإذا شهد رجلان في حق،
وعدلا رجلا يشهد في ذلك الحق، فتزكيتهما إياه جائزة قال: وإن شهدا على
شهادة رجل في حق وعدلاه بتعديل له، وقد قال أشهب: إن عدل أحدهما فذاك جائز،
وقاله سحنون في المجموعة، قال ابن المواز: قال أصبغ بعد أن يعرف أنه هو
بعينه ليلا يتسمى باسم من يعدل.
ومن العتبية: قال سحنون: ويجوز لمن شهدا للرجل في حق بأن يجرحا من شهد عليه
في ذلك الحق.
ومن كتاب ابن سحنون عن ابنه – وهو لعبد الملك-: وإذا نقلا عن شاهد، وعدلا
شاهدا معه في ذلك الحق، فذلك جائز، وإذا شهد على شهادة رجل هو ورجل، فلا
يعدل من ينقل معه عن الرجل.
في التجريح ووجوهه
وهل يكشف المجرحون للشاهد بماذا جرحوه؟
وهل يمكن تجريح المبرز أو يجرح من هو دونه؟
من العتبية والمجموعة: قال أشهب عن مالك في البينة تعدل عند الحاكم، أيقول
للمطلوب: دونك فجرح؟ قال: لا يفعل، وفي ذلك توهين للشهادة، [8/ 285]
(8/285)
وقال ابن نافع: أرى أن يقول له ذلك، ويمكنه
منه، وقد يكون العدل عدواً للمشهود عليه.
ومن المجموعة: قال ابن كنانة: لا بنبغي للحاكم أن يشهد عن الشاهد في
التجريح قبل التعديل، ولا يقبل من لا يعرفه بعدالة أو غيرها حتى يعدل، فإذا
عدل قال للخصم: جرح وإلا حكمت عليك.
مطرف وابن الماجشون فى كتاب ابن الحبيب: لا يحكم على الخصم جاهلا كان أو
عالماً حتى يطلبه بجرحة من شهد عليه، ويؤجله في ذلك، فإذا عجز عن ذلك حكم
عليه، وذكر ذلك في كتاب حكمه، ثم إن سأله بعد ذلك الجرحة، أو عزل ذلك
القاضي أو مات، ثم ولي غيره فطلب أن يجرح عنده من شهد عليه، وادعي الخصم أن
الأول لم يطلبه بجرحة شاهده، لم يقبل منه، وإن لم يكن ذلك ذكر في حكمه إلا
أن يكون قد عزل قبل تمام الحكم، فليمكن الثاني من ذلك، وأما لمن تبين له،
أو لمن ولي بعده: أنهما عبدان أو مسخوطان، فليرد الحكم، قال غيره: وابن
القاسم لا يرى ذلك في المسخوطين.
ومن كتاب ابن سحنون: قيل لسحنون: أيمكن الخصم من تجريح الرجل البين الفضل
المبرز إذا طعن فيه؟ قال: نعم يمكنه من ذلك، قال ابن حبيب: قال أصبغ: لا
يمكن الخصم من جرحه العدلين الفائقين في العدالة بجرحه الإسفاه إن ادعى ذلك
إلا بجرحة عدواة أو هجرة، فقد يكون ذلك في الصالح والبارز، قال مطرف: يجرح
الشاهد ممن هو مثله أو فوقه أو دونه بالإسفاه والعداوة إذا كان عدلا عارفا
بوجه التجريح، وقال ابن الماجشون: يجرح ممن هو فوقه ومثله، ولا يجرح بمن هو
دونه إلا بالعداوة والهجرة، وأما بالإسفاه فلا، وقال أصبغ كقول مطرف، وقاله
ابن حبيب.
ومن المجموعة: قال أشهب: إذا كان الشهود ممن يجرح مثلهم، وإنما يقبلون
بالتعديل لا بالبروز في العدالة، فحسن أن يقول للخصم: قد زكوا فهل [8/ 286]
(8/286)
عندك ما تدفع به شهادتهم؟ وإن كانوا مبرزين
لم يدعه لتجريحهم وقاله لي مالك، وقال ابن القاسم: إذا كان المطلوب يعرف
وجه التجريح لم يسأله الإمام ذلك، وإن أرى أنه يجهل ذلك كالمرأة والضعيف،
قال له: دونك فجرح.
قال محمد بن عبد الحكم: وإذا كان الرجل يبين بالعدالة، فجرحه قوم فقالوا:
هو عندنا عدل، فلا يقبل منهم حتى يكونوا معروفين بالعدالة وأعدل منه،
ويذكرون بما جرحوه به للقاضي، فإن رأى جرحة اسقطه، وأما من ثبتت عدالته
بالكشف عنه فلا يقبل تجريحه لأهل العدالة البينة، وإذا قال عدلان ممن يعرف
العدالة والجرحة: فلان عندنا غير عدل. اجتزأ بذلك الكشف القاضي.
ومن العتبية: قال ابن نافع عن مالك في الشاهد يعدله عدلان، ويأتي المطلوب
برجلين يجرحانه؟ قال: ينظر إلى الأعدل من الشهود فيؤخذ به، قال: ولا نرى أن
المجرحين أولى لأنهما زادا؟ قال: لا ولكن يقال لهما: بماذا تجرحانه؟ فينظر
في ذلك أمعروف أو مشهور؟ ولعله أمر قديم، وقال ابن نافع: إذا كان المجرحان
عدلين فهما أولى، ويسقط التعديل.
قال سحنون في العتبية [مثله، قال ابن أبي حازم في المجموعة. من العتبية:
قيل سحنون] فإن عدله أربعة، وجرحه رجلان وهم متكافئون في العدالة، والأربعة
أعدل، قال: آخذ بشهادة المجرجين لأنهما علما ما لم يعلم الآخرون، قال ابن
كنانة في المجموعة: إذا شهد العدل المبرز لم يسأل عن تزكيته، ولا يمكن
الخصم من تجريحه، وقال في الشاهدين يجرحان رجلا أيسألان عن ما جرحاه به؟
قال: أما المشهور بالعدالة فلا يسألا، أما غير مبرزين فليسألا، فإن ذكروا
ما يتبين به للإمام، رد شهادته، وإلا لم يفعل ذلك.
قال سحنون في العتبية وكتاب ابنه: إذا قالا: هو عندنا غير عدل ولا رضي، لم
يصفاه بغير ذلك، فإن كانا من أهل الانتباه والمعروف بما يجرح به الشاهد،
فذلك تجريح، وقال في جوابه لحبيب: إذا جرحوا الشاهد بمعنى لم [8/ 287]
(8/287)
يسموه وقالوا: وهو رجل سوء غير مقبول
الشهادة، ولا يسمى غير هذا، قال: هي جرحة، ولا يكشفون عن الخبر أكثر من
هذا.
وقال سحنون في كتاب الرجوع عن الشهادة: إذا شهد أربعة على رجل بالزنا، وأتى
المشهود عليه قبل الحكم بأربعة فقالوا: نشهد أن هؤلاء الأربعة شهدوا على
هذا [بزور] فلا يكون هذا تجريحا لهم حكم بشهادتهم أو لم يحكم، وإنما
التجريح أن ينسبوا إليهم فعلا يجرحهم بسببه من كذب وشرب خمر أو غير ذلك مما
يجرح به، أو يقولوا: إن حدا مولى عليه، فهذا الجرح قبل الحكم، وإن جرحوه
بعد الحكم لم ينقض إلا في المولى عليه، فإنه إذا ثبت بعد الحكم أنه مولى
عليه نقض الحكم. ع وقد اختلف في جواز شهادة المولى عليه، قال ابن حبيب: قال
مطرف وابن الماجشون: لا يقبل التجريح إلا ممن يعرف وجوهه، وكذلك التعديل،
فإذا قالا: إنه مستجرح وهما عارفان بوجوه التجريح، لم يكشفا عن غير ذلك،
وسواء قاموا بها على من هو ظاهره العدالة، أو على من إنما جاز بالتعديل.
قال أشهب في المجموعة والعتبية: إذا جرحوا المشهور بالعدالة فقالوا: نشهد
أنه غير عدل، لم يقبل منهم حتى يبينوا جرحته ما هي، فإن كان إنما قبل فيمن
عدل وليس بمشهور العدالة، فليجتزأ بقولهم في تجريحه كما لو قالوا: عدل رضى
لم يكشفوا، ولا يقبل رجل واحد في الإسفاه، ورواه ابن وهب عن مالك قال: ولا
يقبل تجريح واحد.
قال ابن سحنون عن أبيه: وإذا جرحه رجلان كل واحد معنى غير الآخر. قال: هي
جرحه لاجتماعهما على أنه رجل سوء، وقد قال أيضا: إنه لا يجرح حتى يجتمع
عدلان على معنى واحد من التجريح. إما كذب، أو شرب خمر، أو [8/ 288]
(8/288)
أكل حرام ونحوه، وقال في موضع آخر: إذا قال
أحدهما: إنه كذاب، وقال الآخر: وهو آكل الربا، قال: لا حتى يجتمعا على معنى
واحد. [قيل: فإن قال أحدهما: هو خائن، وقال الآخر: آكل أموال اليتامى، قال:
هذا معنى واحد] وهو تجريح، وقال أيضا: إذا جرحه ثلاثة بأمر لم يسموه،
وقالوا: لا نسميه غير أنه رجل سوء غير مقبول الشهادة، قال: هي جرحه ولا
يكشفوا عن أكثر من هذا، قال محمد ابن عبد الحكم: فإن جرحه شاهد بأكل الربا،
وشاهد بشرب الخمر، وشاهد بنوع آخر من التجريح، فإنه يسقط بذلك لاجتماعهم
أنه غير عدل ولا رضى.
ومن المجموعة قيل لابن القاسم: أيجرح الشاهد سراً؟ وقد يقول من جرحه: أكره
عداوة الناس، أيقبل ذلك منهم سراً؟ قال نعم إذا كانوا أهل عدالة، وقال
سحنون: إنما يكون التجريح في السر، والتزكية في العلانية، ولا آمرهم أن
يشتموا الناس في العلانية.
وقال أشهب عن مالك في العتبية: ولا يجرح بشهادة واحد. ابن حبيب: قال مطرف
وابن الماجشون: يجرح بالواحد كما يعدل به إذا كان عدلا.
ومن كتاب ابن سحنون: وإذا لم يجد المشهود عليه إلا من شهد أنه سمع فلانا
وفلانا يقولان: إن فلانا عندنا غير عدل، فلا يجرح بهذا ولا تجوز الجرحة على
السماع، قال ابن المواز: ويجب على الرجل [أن يزكي الرجل] إذا كان عنده
عدلا، لأن في ذلك إحياء الحق، فلا يسعه ترك تزكيته، وكذلك في جرح من هو
عنده غير عدل إذا شهد فخاف أن لم يرد علمه فيه أن يجيء بشهادة باطلة ويموت
بها حق، وقد قال ملك فيمن سأله رجل أن يعدل له شاهده وهو ممن يعرف بالعدالة
فحسن أن يعدله. [8/ 289]
(8/289)
في شهادة تارك الجمعة أو غيرها من الفرائض
من صلاة وزكاة وحج شبه ذلك مما يجرح به
من المجموعة ومن كتاب ابن سحنون: روى ابن وهب عن مالك في تارك الجمعة وهو
في قرية يجمع فيها من غير مرض ولا علة، فلا أرى أن تقبل شهادته، وقاله
سحنون في كتاب ابنه: وذلك إذا تركها ثلاث مرات متواليات للحديث أن من تركها
كذلك طبع إلى على قلبه. وروى ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون عن مالك مثله،
قال: إذا تركها مراراً ولم يعرف له عذر في ذلك، فشهادته مطروحة حتى يثبت له
عذر ويظهر، ولا يعذر في ذلك بالجهالة، وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ، وهو من
العتبية، قال سحنون: إذا تركها ثلاثا متواليات للحديث الذي جاء. ردت شهادته
[وقال أصبغ عن ابن القاسم في تارك الجمعة وشهادته] إلا أن يعرف له عذر
ويسأل عن ذلك ويكشف، فإن عرف له عذر من مرض أو وجع أو اختفاء في دين فلا
ترد، وأما على غير ذلك فلترد، وكذلك روى عنه ابن المواز، قال في العتبية:
إلا أن يكون ممكن يتهم على الدين ولا على الجمعة لبروزه في الصلاح وعلمه،
فهو أعلم بنفسه. قال أصبغ، والمرة الواحدة في ذلك متعمدا من غير عذر وعرف
ذلك، ترد به شهادته، ولا ينتظر به ثلاثا، لأن تركه الفريضة مرة وثلاثا
سواء، وهي فريضة كالصلاة يتركها لوقتها مرة واحدة، وما روي في الجمعة ثلاثا
طبع الله على قلبه، إنما هو في الإثم والنفاق، وينتظر به ثلاثا للتوبة، فإن
فعل وإلا طبع على قلبه، وكان عمر رضي الله عنه يعاقب من تخلف عنها.
ومن المجموعة وكتاب ابن سحنون: قال ابن كنانة: هذا لا يظهر فيه العذر
للناس، والمرء أعلم بنفسه وقد يكون بحال لا يعلمها غيرك، فلا ترد شهادته،
بذلك قال في المجموعة: إلا أن يتركها من غير عذر ولا علة، وليس [8/ 290]
(8/290)
يخفى مثل هذا على الناس. قال ابن كنانة: من
لا يقيم صلبه في الركوع والسجود فلا تقبل شهادته إذا فعله من غير سهو ولا
عذر في فرض أو نافلة، وقال أيضا: لا تقبل شهادة من لا يحكم الوضوء والصلاة،
وكذلك قال ابن حبيب عن مطرف مثله كله، وزاد: ومن عرف بتضييع الوضوء والزكاة
والصوم لم تقبل شهادته، ولا يعذر في ذلك بجهل، وقاله ابن الماجشون وابن عبد
الحكم وأصبغ.
ومن كتاب ابن سحنون عن ابن الماجشون وسحنون: ومن لا يعرف التيمم فإن كان
ممن يلزمه فرض التيمم في حضر أو سفر فلا شهادة له، وكذلك من لا يعرف فرض
الزكاة في كم تجب من المال: مائتي درهم وعشرين دينار، وإذا كان ممن تلزمه
الزكاة فلم يعرف ذلك فلا شهادة له.
من العتبية: قال سحنون في كثير المال القوي على الحج فلم يحج فهي جرحة إذا
طال زمانه، واتصل ...
متصل الوفر منذ عشرين سنة إلى أن بلغ ستين سنة، قال: لا شهادة له. قيل: وإن
كان بالأندلس؟ قال: وإن كان، فلا عذر له.
وقال ابن القاسم في هذه الدواوين إلا الواضحة في الرجل يشهد على الرجل
فيقول للقاضي: سله عن الوضوء والصلاة والتشهد، قال: لا يسأله عن ذلك، وهذا
قول أهل الأهواء. قال سحنون في المجموعة: ولا يضره جهله بالتشهد خاصة.
ومن العتبية: روى عيسى وأصبغ عن ابن القاسم في الفار من الزحف وما على
الناس إذا فر أمامهم، قال ابن القاسم: إذا تاب وعرفت توبته، قبلت شهادته
إذا فر من الضعف. كما قال تعالى: اختار بعد ذلك لزحف ثان أو [8/ 291]
(8/291)
تجيز. وإن فر من أقل من ذلك لن تقبل شهادته
ولا يحل الفرار من المثلين، فإن زادوا على ذلك وكثروا فلا بأس أن يفروا إذا
خافوا الضعف، ولا يحل الناس إذا فر إمامهم أن يفروا.
في شهادة أهل الأهواء وما يجرح به الشاهد
من كبائر الأمور أو يجرح به من صغائرها
من المجموعة: قال ابن نافع: قال مالك: لا تقبل شهادة القدرية. قال ابن
سحنون: وأجاز ابن أبي ليلى شهادتهم، فأنكره سحنون وقال: لا يقول بهذا أحد
من أهل المدينة علمناه.
قال: ولا تجوز شهادة أهل البدع بحال، قال: لا نجيز شهادة المعتزلة،
والإباضية والجهمية والمرجئة وغيرهم من أهل الأهواء.
قال ابن كنانة: ولا تقبل شهادة الكاهن.
قال أشهب فيمن عرف بالبدعة فلا شهادة له، وأما من لم يعرف بذلك فإن لطخ بما
لم يكن فيه أمر بين صريح فليقبل.
ابن حبيب: قال مطرف في القاضي يبلغه عن رجل أنه من أهل الأهواء في دينه، أو
أنه من أهل الفساد في أكله وشربه من غير شهادة عليه، قال: إن تواطأ الكلام
عليه بذلك، فلا تقبل شهادته إلا بتوبة وتورع ظاهر، وقاله ابن القاسم وأصبغ.
[8/ 292]
(8/292)
ومن كتاب ابن المواز: واللاعبون بالحمام
والترد والشطرنج، فإن كان يقامر عليها، أو مدمنا وإن لم يقامر، فلا تجوز
شهادته، ورواه ابن القاسم وأشهب عن مالك في المجموعة، وقاله سحنون في كتاب
ابنه، وزاد: ومن كان يبيح الترد والمزامير والعيدان والطنابير فلا تجوز
شهادته.
وروى أشهب عن مالك في العتبية فيمن شرب نبيذ التين، فإن كان يسكر لم تقبل
شهادته. قال أشهب في المجموعة: وكذلك عاصر الخمر وبائعها وإن لم يشربها.
وكذلك في كتاب ابن المواز، قال في الكتابين: وإن باعها عصيراً لم ترد
شهادته [إلا أن يكون تقدم إليه ووعظ فلم ينته، فترد شهادته].
قال ابن كنانة في المجموعة: لا تقبل شهادة النائحة.
قال العتبي عن ابن القاسم فيمن له حوانيت يؤاجزها من الخمارين وهي له أو
لغيره من زوجته أو غيرها، فلا تقبل شهادته.
قال سحنون في شهادة المنجم الذي يدعي القضاء لا يجوز.
وروى أصبغ عن ابن القاسم فيمن قطع الدنانير والدراهم: لا تقبل شهادته إلا
أن يعذر بجهل، وكذلك ذكر عنه ابن المواز، قال عنه العتبي: وكذلك إن كان
جاهلا، وكذلك الذي يستحلف أباه في حق وهو جاهل، فلا تجوز شهادته، قال أصبغ:
وكذلك من حد أباه لم تجز شهادته، وإن كان حده حقا لا عقوقا، ولا يعذر
بالجهالة في هذا.
قال سحنون في الذي يقطع الدنانير والدراهم: ليس هذا بجرحة، قال في كتاب
ابنه: إن كان مشهورا بذلك فهي جرحة، ومن كتاب ابن سحنون عن [8/ 293]
(8/293)
أبيه في الذي يأخذ من لبن وحجارة اشتريت
للمسجد، فاعترف بذلك وقال: تسلفتها ورددت مثلها، قال: قد يجهل مثل هذه ويظن
أن ذلك يجوز له، فلا أرى إلا ترد لذلك شهادته مع جهله.
ومن العتبية: قال سحنون في الفقيه الفاضل الصالح يخرج إلى الصيد متنزهاً،
فلا ترد بهذا شهادته. قيل: فالرجل يمطل بحق عليه؟ قال: إن كان مليا لم تجز
شهادته. لقوله (صلى الله عليه وسلم) مطل الغني ظلم.
قال سحنون: ومن ابتاع أمة فوطئها قبل أن يستبرئها فذلك جرحة، وترد به
شهادته، وعليه الأدب إن كان لا يجهل مكروه ذلك. وكذلك إن وطئ صغيرة لم تحض
قبل أن يستبرئها إذا كان مثلها يوطأ.
قال يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في الرجل يتمني أنه ابن فلان، وإنما مات
فلان هذا وله أمة حامل. فولدت هذا الشاهد فلم يورثه بنوه ولا ادعوا رقبته،
ولا رقبة أمه فكبر فانتسب إلى الميت وسكت عنهم عن الميراث وسكتوا عنه، ثم
شهد بشهادة وهو معروف بالعدالة، قال: يسأل عنه بنو الميت فإن أقروا به لم
يضره ترك الميراث، وإن لم يقروا به ولا قامت بينة بإقرار الميت بوطء أمه لم
تجز شهادته، ولا يثبت العتق إلا بعد ثبات النسب. قيل: فإن اعتقه الورثة مع
أمه وهو مقيم على الانتماء إلى هذا الميت، أترد شهادته بذلك؟ قال: إنه لذلك
أهل، وما أحب أن تقبل شهادة مثل هذا.
ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون في الاغلف: وإن ترك ذلك من غير عذر ولا
علة فلا شهادة له، وليس بعدل إذ ترك فطرة من سنة الإسلام، ولا عذر له
بإسلامه وهو كبير، وقد اختتن ابراهيم عليه السلام ابن مائة وعشرين سنة. [8/
294]
(8/294)
ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه في السكان في
حائط دار الامارة، والسكان في الصوافي، قال: أما في الصوافي فهي جرحة إن
علم أن أصلها غير جائز، وإذا جهل ولم يفصل بين صائفة وغيرها، ولم تسقط
شهادته، وأما مع حائط دار الإمارة فإن كان فضاء واسعا، فلا تسقط شهادته
بذلك.
وروى ابن وهب أن عطاء بن أبي رباح سيل عمن لا تجوز شهادته، فقال: العبد،
والصبي، والكافر، والمسخوط.
قال محمد بن عبد الحكم في اللاعب بالشطرنج: وإن كان يكثر ذلك حتى يشغله عن
الصلوات في جماعة ويكثر ذلك، طرحت شهادته وإلا جازت، وأما النرد فلا نعلم
من يلعب بها في وقتنا هذا إلا أهل السفه، ومن يترك المروءة، والمروءة من
الدين فلا تقبل شهادته، ومن سمع ضرب العيدان وحضرها وإن لم يكن معه نبيذ
[لم تجز شهادته إلا أن يحضرها في عرس أو صنيع فلا أبلغ بمطرح شهادته إذا لم
يكن معه نبيذ يسكر] وليس الصنيع كغيره، وغيره ترد شهادته في الصنيع وغيره
وإن كان مكروها على كل حال، ومن سمع رجلا يغني لم أرد بذلك شهادته إلا أن
يكون مدمنا فيكون تاركا للمروءة وفعل أهل الدين، تترك بذلك شهادته، وإن كان
معه شيء من الملاهي مثل الطبل والزمر ونحوه، وكان في غير صنيع، ردت بذلك
شهادة من حضر، يريد: مختارا للحضور، ولا تجوز شهادة النوائح ولا من يغني
بالجعل، ولا بالملاهي كلها بأجرة، وإن كان ذلك له صنعة يعرف بها ويدعى
إليها فلا يجوز شهادته، وإن كان لا يأخذ على ذلك جعلا، وأكره قراءة القرآن
بالألحان حتى يشبه الغناء. وأرد شهادة من فعل ذلك. قال ابن القرظى: وقد
أختلف في رد شهادته، وإن كان الشاعر يقول السفه لم تجر شهادته، وأما إن وصف
في شعره الخمر، أو وصف النساء بما يجوز له، لم ترد شهادته إن كان عدلا، وقد
وصف حسان بن ثابت وغيره من الصحاب بمثل هذا في أشعارهم، وإن كان هذا مع
لجاحه جهلا فلا تجوز شهادته. [8/ 295]
(8/295)
في شهادة المولى عليه والبكر والمجنون
والاخرس
ومن يحتلم وهو ابن خمس عشرة
من العتبية: روى أبو زيد عن ابن القاسم قال: لا تقبل شهادة الصبي [ابن خمس
عشرة سنة] إلا أن يحتلم أو يبلغ ثمان عشرة سنة فتجوز شهاداته، وقال ابن
وهب: تجوز شهادة ابن خمس عشرة سنة، [وإن لم يحتلم وكان عدلا، واحتج يقول
ابن عمر أن النبي (صلى الله عليه وسلم) [أجازه] وهو ابن خمس عشرة سنة]،
وقال ابن عبد الحكم وغيره في العتبية: إنما أجاز النبي (صلى الله عليه
وسلم) من رأى فيه طاقة القتال عند رؤيته إياهم، ولم يسألهم عن أسنانهم،
وليس في هذا دليل على أنه حد البلوغ.
قال أشهب عن مالك في العتبية والمجموعة: إنه سئل عن شهادة المولى عليه وهو
عدل أتقبل شهادته؟ قال: إن كان عدلا جازت شهادته. قال ابن المواز: وهذه
رواية ابن عبد الحكم، قال: أشهب: لا تجوز شهادته وإن كان مثله لو طلب ماله
أخذه. قال محمد: وهو أحب إلي.
ولا تجوز شهادة البكر في الأموال ما كانت تولي، فإن كانت عدلة حتى تعنس.
ومن المجموعة: قال ابن وهب عن مالك في الذي يجن ثم يفيق، فإن كان يفيق
إفاقة يعقلها ويعلمها جازت شهادته، وبيعه وطلاقه في إفاقته، فأما الذي لا
يكاد يفيق فلا يجوز له شيء من ذلك، وشهادة الأخرس جائزة إذا كان يعرف
إشارته، وطلاقه إن كتبه بيده جائز. [8/ 296]
(8/296)
في شهادة السائل والفقير
وشهادة غير المبرز في المال
من المجموعة: قال ابن أبي حازم في الذي يكثر مسألة الناس معروفا بذلك، فلا
تجوز شهادته؛ لأنه يتهم على شهادته لمسألة الناس، وأما من تصيبه الحاجة
فيسأل بعض إخوانه، وليس معروفا بالمسألة، فلا ترد شهادته.
قال ابن سحنون: قال ابن كنانة: إذا سأل في مصيبة أصابته أو في دية وقعت
عليه ونحوه من العذر لم يجرح ذلك شهادته.
من العتبية: قال يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في الرجل الحسن الحال، الظاهر
الصلاح، ويسأل الصدقة مما يتصدق بها على أهل الحاجة، ويسأل الرجل الشريف أن
يتصدق عليه، ولا يتكفف الناس وهو معروف بالمسألة، قال؛ لا تجوز شهادته إذا
كان معروفا بالمسألة وإن لم يتكفف، وقال أيضا في الرجل لا بأس بحاله، إلا
أنه يطلب الصدقة إذا خرجت من عند الإمام، أو فرقت وصية رجل، يطلب مثل هذا
جهده ولا يتكفف الناس، قال: هذا متعفف حين لا يسأل في عامة الناس، وتجوز
شهادته، وإنما لا تجوز شهادة المتكفف، وأما السائل فيما ذكرت، والمتعرض
لإخوانه: فلا ترد شهادته. قال ابن وهب في الرجل المتعرض للولاة، الطالب
لجوائزهم على ما يلتمس منهم من الصلات، قال: ليس هذا بعدل إذا عرف بذلك لما
يعرف من حال الولاة.
ومن المجموعة: قال ابن كنانة: شهادة الفقير جائزة، وربما جازت شهادة الرجل
في اليسير لقلته، ولا يقبل مثله في الكثير، مثل ما قيمته خمس مائة من
العقار أو الدقيق وغيرها، فيشهد عليه من ليس بظاهر العدالة، فلا يقبل في
الشيء العظيم الخطير، ويقبل في اليسير، وكذلك على قضاء القاضي بالأمر
الكثير، [8/ 297]
(8/297)
لا يقبل عليه مثل ماذكرت ويجوز في اليسير،
وهذا يعتبر بنزوله، ومن ذلك شهادة البدوي للقروي فيما عومل فيه أو شهد فيه
في الحاضرة فلا يجوز، وما كان من ذلك بالبادية فيجوز.
قال محمد بن عبد الحكم: إذا شهد على المال أهل الحاجة والإقلال، فليكشف
القاضي عن ذلك وعن ما شهدوا به عند من يظن به عنده علم ذلك، ولا يعجل
الحاكم، وليتأن ويحتط.
في شهادة القريب لقريبه أو عليه
ومن تجوز شهادته من القرابة ومن لا تجوز
من المجموعة: قال ابن نافع عن مالك: ويدخل في قول عمر رضي الله عنه: لا
تجوز شهادة خصم ولا ظنين ولا شهادة الأبوين والولد، وأحد الزوجين للآخر.
قال ابن الماجشون: ولا اختلاف في هؤلاء عند من لقينا من أصحابنا، وذكر معهم
الجلد.
ابن سحنون: ومن أصل قولهم أنه لا تجوز شهادة الرجل لجده وجدته من قبل
الرجال والنساء، ولا أحد الزوجين لصاحبه، كان المشهود له حرا أو عبدا أو
مكاتبا.
قال ابن سحنون عن أبيه في ولدين يشهدان أن فلانا شج أياهما، فلا تجوز
شهادتهما كان الأب حرا أو عبدا أو مكاتبا، مسلما أو نصرانيا، ولو شهدا وهما
مسلمان: أن لأبيهما النصراني الميت على فلان مالا، وقد ترك ولدا نصرانيا،
ولم تجز شهادتهما، وكذلك لو شهدا أن أباهما العبد جنى على رجل جناية، ولم
تجز شهادتهما لأنه قد يسلم فيها فيتهمان على أن يخرجاه من ملك سيده، وكذلك
لو [8/ 298]
(8/298)
شهدا أن سيده باعه، أو أعتقه، أو تصدق به،
أو وهبه، لم يجز ذلك ادعى مولاه البيع أو ادعي عليه.
قال ابن عبدوس: قال سحنون: لا تجوز شهادة ابن الملاعنة للذي نفاه.
قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: والذين لا تجوز شهادتهم من ذوي
القربي: الأبوان، والجد، والجدة، والولد، وولدا الولد، من ذكروهم وإناثهم،
وأحد الزوجين للآخر، وتجوز شهادة من وراء هؤلاء من القرابات، وقاله مالك.
ومن العتبية: روى أشهب عن مالك – وهو في كتاب ابن المواز والمجموعة – في
الابن يشهد لأحد أبويه على الآخر؟ قال: لا تجوز إلا أن يكون مبرزا، أو يكون
ما شهد فيه يسيرا، وقال والابن يهاب أباه وربما ضربه، قال ابن نافع في
المجموعة: شهادتهما على أحدهما للآخر جائزة إذا كان عدلا، إلا أن يكون
الابن في ولاية الأب، أو تزوج على أمه فأغارها، فيتهم الأبن أن يكون غضب
لأمه.
ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه في رجلين شهدا لأبيهما أنه باع ثوبا من فلان،
والمبتاع يجحد، لم تجز شهادتهما، [ولو شهد على ذلك ابنا المشتري وهو يجحد
جازت شهادتهما] ولو كان المشتري يدعي ذلك لجازت شهادة الولدين له، ولا يجوز
أن يشهد لأبيهما أن فلانا شجه، لم يجز ذلك كان الأب حرا أو عبدا أو مسلما
أو نصرانيا أو مكاتبا، وكذلك إن شهدا له على بيع أو شراء، أو على أن فلانا
غصبه مالا، وكذلك إن مات الأب الكافر، وله ابن كافر. وولدان مسلمان، فشهد
المسلمان أن لفلان على أبيهما مالا، فلا تجوز شهادتهما، لأنهما شهادة للأب،
وإن كان الأب لا يرثانه. ولو أن دينا طرأ عليه لقضي منه [8/ 299]
(8/299)
وكذلك لا تجوز شهادته لزوجته الأمة، وكذلك
لو شهدا أن فلانا الذمي قتل أباهما عمداً، لم تجز شهادتهما.
قال ابن سحنون: ولو شهد أن أباها العبد جني على فلان جناية، لم يجز ذلك،
إذا يتهمان أن يخرجا أباهما من ملكه، إذا قد يسلم في الجناية وكذلك لو شهدا
أن أباهما باعه سيده، أو وهبه لرجل، لم يجز ذلك، ودعوى المولى وجحوده ذلك
سواء لهذه التهمة، كما لو شهدا أن أمهما اختلعت من أبيهما، لم يجز ذلك، ثم
جحدت المرأة ذلك أو أقرت به إلا أن يقر الزوج فيلزمه الطلاق، ولا شيء له من
المال.
قال ابن القاسم: ولو شهد أربعة إخوة على أبيهم بالزنا، لم تجز شهادتهم ولا
يرجم، لأنهم يتهمون على الميراث، وليحدوا.
قال أشهب: إن كان الأب عديما جازت شهادتهم إن كانوا عدولا، ورجم الأب، ولا
تجوز في ملك الأب، وكذلك على أنه قتل قتيلا عمدا.
قال ابن سحنون: ولو كان الأب يكره بنيه من السراري، فشهادتهم عليه جائزة،
لأن حده الجلد، ولا يتهمون في ذلك.
قال ابن القاسم في العتبية من رواية عيسى: إن شهادة الرجل على ولده أو ولد
ولده جائزة إلا أن تكون عداوة تعلم، قال: وشهادة الأب على ابنه في الطلاق
والحقوق والعتق جائزة، وشهادة الابن على أبيه جائزة في الحقوق والعتق، وأما
الطلاق: فإن شهد على طلاق أمه فجائز، وكذلك على طلاق غير أمه إن لم تكن
الأم حبة، إلا أن تكون عداوة تعلم، وإن كانت الأم حية، أو طلقها لم تجز في
طلاق غيرها، قال ابن حبيب نحوه عن مطرف وابن الماجشون، قال أصبغ عن ابن
القاسم في العتبية: يجوز في طلاق أمه إلا أن يكون بين أبيه وأمه عداوة تعلم
فلا تجوز حينئذ، لأنه صار شاهدا عليها، قال أصبغ: إلا أن تكون الأم منكرة
لذلك فتجوز شهادته لأنه شاهد عليها وأما إن كانت طالبة فلا يجوز. [8/ 300]
(8/300)
قال ابن حبيب عن أصبغ: إذا شهد على أبيه
بطلاق غير أمه، فإن كانت الأم تحت أبيه لم يجز، وإن لم تكن تحته جازت
شهادته، حية كانت أو ميتة.
ومن المجموعة: قال ابن القاسم: وإن شهدا أن أباهما طلق امرأته قبل البناء
لم يجز، وقال أيضا: إن كانت أمهما، جازت، وإن كانت غير أمهما، لم تجز.
وقال أشهب في المجموعة وكتاب ابن المواز فيما إذا شهدا على أبيهما بطلاق
أمهما، فإن كان بين الأب والأم حسن حال، جازت شهادتهما، وقال أيضا أشهب: إن
كانت الأم تدعي الفراق، لم تجز شهادتهما، وإن كانت منكرة جازت، كانت لها
ضرة أو لم تكن، قاله سحنون في العتبية والمجموعة.
ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: وإذا شهد رجلان أن أباهما طلق أمهما، فإن كانت
هي تدعي لم تجز شهادتهما، وإن كانت هي منكرة جازت شهادتهما، لأنهما شهدا
على الأبوين جميعا.
قال سحنون في العتبية: وإن شهدا أنه طلق غير أمهما [وهي ضرة أمهما] لم يجز
إلا أن تكون المرأة (طالبة) للفراق فيجوز، قال عبد الله: ثم رجع فقال: لا
يجوز وإن طلبت الفراق لأنه شاهد لأمه بما جرى لها، قال ابن سحنون: وإن شهدا
أن أمهما اختلعت من زوجها لم تجز شهادتهما جحدت الأمر أو ادعت، وقال أصبغ
في كتاب ابن المواز مثل قول سحنون الأول.
قال أصبغ: شهادته في طلاق أمه جائزة إلا أن تكون عداوة، أو تطلب الأم ذلك
فلا يجوز.
قال سحنون في المجموعة: وشهادة الأب لأحد ولديه على الآخر جائزة، ثم رجع
فقال: لا تجوز، وحكي عنه العتبي أنها لا تجوز. [8/ 301]
(8/301)
ومن كتاب ابن سحنون: قلت لسحنون: روى عيسى
عن ابن القاسم فيمن شهد لابنه الصغير على الكبير، أو الكبير سفيه على رشيد،
فلايجوز ويتهم في ذلك، وأما إن شهد لكبير رشيد على صغير أو كبير، فذلك جائز
إلا أن يتهم في المشهود له بانقطاعه إليه، أو بإحسانه إليه، وإيثاره على
غيره من ولده، والآخر منه في جفوة وشنآن منه، فلا تجوز، وأخبرت عن سحنون
بمثل هذا القول، فسألته عنه فانكره، وقال: لا تجوز شهادته لابنه على كل
حال، وإن كان لكبير على كبير، لما جاء في السنة من منع إجازة شهادة الأب
للإبن مجملا. وقال ابن القاسم في كتاب ابن المواز والعتبية والمجموعة: تجوز
شهادته لابنه الكبير على ابنه الكبير إلا أن يعرف بالأثرة للمشهود له
والميل إليه، فلا تجوز، ولا تجوز شهادته لكبير على صغير، ولا [تجوز] لصغير
أو سفيه على كبير رشيد، وذكر ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون نحوه.
ومن هذه الكتب كلها إلا كتاب ابن حبيب: قال ابن القاسم: ولا تجوز شهادته
لزوجة ابنه، ولا لزوجته، ولا لابن زوجته، ولا لأمها أو لأبيها، وكذلك
المرأة لابن زوجها.
وقال محمد: قال أصبغ: وهذا استحسان وليس بالبين.
ومن العتبية: قال ابن القاسم: ولا تجوز لامرأة أبيه، وكأنه شهد لوالده
بخلاف الأخ، والتهمة لاحقة في هذا، وإن كانوا منقطعين عمن شهدوا له، وتجوز
شهادة الأخ لأخيه إن كان منقطعا عنه.
قال ابن سحنون في العتبية وكتاب ابنه: تجوز شهادته لأم امرأته ولأبيها
ولابنها إلا أن تكون المرأة ممن ألزم السلطان ولدها أن ينفق عليه لضعف
زوجها [8/ 302]
(8/302)
عن ذلك، وتجوز شهادته لزوج ابنته، ولابن
زوجها وغيرهم من أمه وأبيه. قال عنه ابنه: تجوز شهادته لامرأة أخيه من نسب
أو رضاع. قيل له: روى عيسى عن ابن القاسم أنه لم يجز شهادته لزوج ابنته،
ولا لامرأة أبيه، قال: لا أرى ذلك، وأصل ذلك كله: أن من كان وفره له وفرا،
وغناه له غنى لم تجز شهادته له. قال: وتجوز شهادته لامرأته التي فارقها وإن
كان له منها الولد، ولا تجوز تزكيته لها. وقال ابن عبدوس: إن كان مليا وليس
بولده حاجة إلى أمهم فذلك جائز إن كان عدلا. وإن كان عديما وولده في نفقة
الأم لم تجز.
ومن العتبية من سماع ابن القاسم: ولا تجوز شهادة الأخ لأخيه في الحدود ولا
في القربى وشبهها، وكذلك في كتاب ابن المواز وزاد: ولا يجرح من جرح أخاه،
ولا يزكي من زكاه. قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: تجوز شهادة الأخ
لأخيه، والمولى لمولاه، والعم لابن أخيه، وابن الأخ لعمه، أو لابن أخته، أو
لخاله وخالته، إلا أن يكون الشاهد في عيال المشهود له فلا تجوز، وإن كان
المشهود له في عيال الشاهد جازت شهادته إذا لا تهمة فيها، وإنما تجوز شهادة
مثل هؤلاء بعضهم لبعض في الحقوق والأموال، وأما في الحدود والقصاص وما تقع
به الحمية والتهمة فلا يجوز. قال: ومن جازت لك شهادته، جازت لك عدالته، ومن
لم تجز لك شهادته، لم تجز عدالته لك، وقاله أصبغ وابن عبد الحكم.
قال سحنون في العتبية: لا تجوز شهادة الأخ لأخيه في النكاح إذا كان لأشراف
قوم، لأن ذلك تشريف لنفسه بشرف أخيه. قال ابن وهب وابن نافع عن مالك: تجوز
شهادة الأخ المنقطع في الحقوق ولا تجوز في النسب، قال عنه ابن نافع: إن كان
عدلا. قال ابن كنانة: لا يقبل الأخ لأخيه ولا لعمه ولا لابن أخيه في الشتم
والحدود والنكال وإن كان عدلا. والخال أقرب أن تقبل شهادته لابن أخته لأنه
أبعد. وشهادة الأخ والعم وابن العم وابن الأخ وهو عدل منقطع [8/ 303]
(8/303)
عنه لا يعدله في حال بشهادة له، جائزة في
الثوب والدراهم اليسيرة. وكذلك لامرأة أبيه ولامرأة ابنه أو زوج ابنته،
فينظر إلى حال الشاهد وقلة ما يشهد فيه مما لا يتهم فيه.
وفي كتاب ابن سحنون عن ابن كنانة: لا تجوز شهادته لابن أخيه في حد أو شتم
أو عقوبة إلا أن يكون منقطعا في العدالة. وتجوز شهادة الأخ لأخيه أو لابن
أخيه أو عمه في شيء يسير من دراهم أو ثوب إذا كان منقطعا عنه لا يناله
معروفه، وكذلك الرجل المنقطع إلي الرجل، وكذلك إن شهد لزوجة ولده أو زوجة
والده أو زوج ابنته أو ابن امرأته، فإنه ينظر في مثل هؤلاء إلى قلة ما يشهد
به وكثرته، كمن أقام بينة في مال عظيم من شراء أربع إلى رقيق بخمس مائة
دينار وجاء على ذلك ببينة، وليسوا في العدالة والصلاح والإشتهار بالخير كمن
هذه صفته، فلا يقبل في مثل هؤلاء. ومثل هذا يختار له الشهود، فكأنها ظنة
لحقتهم في اليسير.
ومن كتاب ابن المواز: قالوا: لا تجوز شهادة الأخ لأخيه إلا أن يكون مبرزا،
وقيل: تجوز إن لم تنله صلته، والصديق الملاطف مثله، قال أشهب: إن شهد أن
رجلا سرق لأخيه سرقة، فإن كانت يسيرة أو كان السارق عديما وهي كثيرة، فهي
جائزة من العدل وإن لم يكن مبرزا، وإن كانت كثيرة وكان مليا لم تجر في هذا
الحال ولا في السرقة إلا أن يكون مبرزا فتجوز فيهما.
ومن العتبية: روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في العدل المشهور بالعدالة
يشهد على قتل أخيه وله بنون يرثونه، قال: لا تجوز شهادته له في [ذلك ولا في
الحدود، وكذلك إن شهد له على قذف أمه وإن لم تكن أم هذا الشاهد، قال: وتجوز
شهادته له] في الحقوق والنكاح إن كان عدلا. قال ابن سحنون: وقال أشهب:
شهادته له جائزة في الخطأ إن كان عدلا وله وارث غيره. وروى عبد الملك ابن
الحسن عن أشهب في العتبية: أن شهادته له جائزة في الخطا [8/ 304]
(8/304)
والعمد الجراحات. قال في كتاب ابن المواز:
وتجوز شهادته أن فلانا أخوه، وإن كان الوالي والوارث غيره، قال أصبغ: وفيه
اختلاف وهذا أحب إلي، قال أشهب في المجموعة: لا تجوز على حرية أخيه، قال
ابن القاسم في جميع هذه الكتب: تجوز شهادته لعمه في المال، وإن لم يكن له
وارث غيره إذا لم يكن مريضا، ولا يجوز أن يشهد له في ولاء ولا حد ولا فرية.
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: ولا تجوز شهادة ابن العم على ولاء الموالي
وتجوز شهادته بذلك لمن أعتقه، قال ابن المواز، وابن عبدوس عن ابن القاسم:
وتجوز شهادة القرابة والموالي في الرباع إلا أن يتهموا فيها بالجر إليهم أو
إلى بينهم اليوم.
ومن العتبية من رواية أصبغ عن ابن القاسم- وهو في كتاب ابن المواز-: وإن
أوصى رجل لفقراء أقاربه بغلة حائط فشهد فيه أغنياء بني عمه، فلا يجوز:
ولعلهم تحتاجون إلا أن يكون تافها، ولعلهم في كثرة مالهم تبعد عنهم التهمة
فيه في الجر إلى أنفسهم، أو من يقرب منهم من ولد أو غيره، فتجوز شهادتهم.
وفي سماع ابن القاسم: وإن شهد لمولى له هو أعتقه، وعنده أخوات له، فإن كان
غير متهم وهو عدل جازت شهادته، وكذلك في المجموعة.
وقال ابن كنانة: شهادة الموالي لمواليهم جائزة إن كانوا عدولا منقطعين عنهم
في النفقة والمنافع.
قال ابن سحنون: سئل أشهب عن أربعة شهدوا على أبيهم بالزنا وهو عديم، قال:
يرجم إن كان عديما، وإن كان مليا لم تجز شهادتهم. قال أشهب: [8/ 305]
(8/305)
إلا أن يكون بكرا فتجوز شهادتهم مليا كان
أو معدماً ويحد، وقال أشهب: وكذلك لو شهدوا أن أباهم قتل فلانا عمدا.
قال سحنون: قال ابن القاسم: إذا شهدوا على أبيهم بالزنا فلن تجوز شهادتهم،
ولا يرجم لتهمه الميراث، ويحدون. محمد: وإن كان بكراً جازت مثل أن يكون
ولده من سراري فيكون بكرا، وقاله ابن القاسم في المجموعة. قال: وكذلك لو
شهدا عليه بحرابة وشبهها مما يجب فيه قتله، لم تجز إن كان موسرا.
قال سحنون: إن شهدوا عليه وهو محصن فإن اتهموا في ميراثه ليساره، أو في قطع
نفقته عنهم لعدمه، أو لوجه يتهمون فيه، لم تجز شهادتهم عليه.
قال محمد بن عبد الحكم: وقال أصحابنا: شهادة الأب لابنه أنه وكل فلانا
جائزة، وكذلك الابن لأبيه والجد والجدة وأحد الزوجين لصاحبه، فأما على أن
أجنبيا وكل أحد هؤلاء فلا يجوز، لأن الشهادة في هذا له، ويستوجب بها قبض
المال، والشهادة له أنه وكل غيره، شهادة عليه.
قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: إذا شهد أخو رجل قد مات، وهما
وارثاه: أن هذا ولده، لم تجز شهادتهما له إن كان قد نال سلطانا وشبه ذلك ما
يتهمان في عزة ومكانته، وهما مقران له فيما يرثان إن شاء أخذه.
ومن كتاب ابن المواز: لا تجوز شهادة السيد على نكاح عبده، ولا طلاقه، ولا
رجعته، وإن كان مع آخر عدل، قال ابن القاسم: وإن شهد هو وآخر عليه في قرية
رفع إلي الإمام يحده، وإن شهد هو وثلاثة عدول أنه زنى لم يحده السيد بذلك،
وكذلك روى عنه أبو زيد، وروى عنه أصبغ في الأمة أنه يرفع ذلك إلى الإمام
ويقبل شهادته. محمد ابن المواز، وكذلك في العتبية في شهادة القرابة من
تعديل، أو تجريح، أو نقل شهادة عن قريبه، أو يشهد على قضائه. [8/ 306]
(8/306)
من العتبية: قال عيسى بن دينار عن ابن
القاسم عن مالك: لا يعدل الرجل امرأته ولا المرأة زوجها، ولا يجوز أن يعدل
الأخ أخاه، وأخته، كما تجوز شهادته لهما، وقال عبد الملك بن الحسن عن أشهب:
لا يعدل الأخ أخاه.
ومن المجموعة وكتاب ابن حبيب: سئل ابن الماجشون عن تعديل الأب لابنه، أو من
لا تجوز شهادته له؟ قال: إن كان إنما نقل الشهادة على شهادته [هي التي
ترغبه، ولها قصد، أو لم يقصد رغبته بتعديله، فسأله القاضي عنه بعد أن ينقل
عنه فعدله، فعتديله على هذا جائز، لأنه خرج عن موضع التهمة، قال عنه سحنون]
وإن شهد بعض هؤلاء شهادة، فعجز عن من يعدله إلا ابنه لم يجز تعديله له، قال
سحنون: لا يجوز تعديله بحال، [قال أصبغ في العتبية: لا يجوز لا نقل الأب عن
الابن، ولا الابن عن الأب، وإن كان مشهورا بالعدالة، وكذلك كل من لا يجوز
لك أن تعدله، فلا يجوز أن تنقل عنه، قال ابن حبيب: قال مطرف: ويجوز نقله
عنه ولا يجوز تعديله، وليعدله غيره، وبه أخذ ابن حبيب، وقال ابن سحنون عن
أبيه كقول مطرف، قال: وذلك في النقبل عن الأب والإبن والزوجة.
قال مطرف وابن الماجشون: شهادة الإبن مع أبيه جائزة، ولا يتهم أحدها أن
يريد اتهام شهادة الآخر.
قال ابن الماجشون في المجموعة: ومن جازت شهادته من القرابة لقريبه، جازت في
تعديله.
ومن العتبية: قال سحنون في الولد يشهد أن أباه لما كان قاضيا قضى لفلان
بكذا، أن شهادته جائزة. قال ابن سحنون: اختلف قول سحنون في ذلك، فقال: لا
تجوز شهادته أن أباه أو ابنه إذا كان قاضيا قضى لهذا بكذا، ثم رجع فقال: هي
جائزة، وليس في ذلك من التهمة ما أبطلها به، وقال ابن حبيب [8/ 307]
(8/307)
عن مطرف مثله، وقال ابن الماجشون: لا تجوز،
وقاله أصبغ، ولم يأخذ به ابن حبيب.
ومن كتاب ابن المواز ونحوه في المجموعة لابن الماجشون وفي العتبية لسحنون:
قال: لا يجرح الرجل من جرح أخاه أو عمه الأدنى. قال في العتبية: إذا كان ذا
رأي وشرف، ولأنه من إقامة جاهه، وما بعد منه مثل ابن الأخ وابن العم فيجوز
أن يجرح من جرحه. قال: ولو كان إنما جرح أخاه بعداوة فجائز أن يجرح من جرحه
إذ لا يدفع بذاك عن نفسه معرة بينة وعن أخيه، ألا ترى أنه يشهد له بالمال
العظيم، ويجرح من شهد عليه بالمال، ولم يختلف في هذا.
في شهادة العدو والخصم على عدوه وتعديله
من المجموعة: قال ابن كنانة في تفسير قول عمر: لا تقبل شهادة خصم ولا ظنين،
قال: أما الخصم فالرجل يخاصم الرجل في الأمر الجسيم، مثلما يورث العداوة
والحقد، فمثل هذا لا تقبل شهادته على خصمه في ذلك الأمر ولا غيره، وإن
خاصمه فيما لا خطب له، كثوب قليل الثمن ونحوه، وما لا يوجب عداوة، فإن
شهادته على خصمه في غير ما خاصمه فيه جائزة، وأما الظنين: فهو الذي يظن به
في شهادته تلك الزور وظن السهو، فلا يقبل في ذلك الأمر [ويقبل في غيره إلا
الطنين في كل شيء، فلا تقبل شهادته في شيء].
ومنه ومن العتبية والمجموعة: قال أشهب عن مالك في رجلين وقعت بينهما خصومة،
ثم يقيمان سنين، ثم يشهد أحدهما على الآخر، فإن كان أمرهما قد صار إلى
سلامة وصلح: فذلك جائز. [8/ 308]
(8/308)
ومن كتاب ابن المواز: وكل من كان بينهما
عداوة أو هجرة أو مصارمة، ثم اصطلحا، فشهادة أحدهما على الآخر جائزة، وإن
شهد عليه قبل أن يصطلحا، فلا يجوز ذلك.
ومن كتاب ابن سحنون: قال ابن كنانة فيمن شهد على رجل وهو لا يكلمه، ولا
عداوة بينهما ولا نائرة، ولا يعلم بينهما إلا خيراً، فإن كانت هجرة معروفة
فلا تجوز شهادته عليه.
ومن المجموعة: قال ابن كنانة في المتهاجرين: إن كانت هجرة خفيفة، وقعت في
أمر خفيف، فشهادة أحدهما تقبل على الآخر، وأما المهاجرة الطويلة، والعداوة
البينة، فلا تقبل عليه، وإن كان من أهل العدالة.
ومن كتاب ابن حبيب: قال ابن الماجشون: والهجران تجرح به شهادة المهاجر على
المهجور، قيل: فإن سلم عليه فقط ولم يكلمه في غير ذلك: قال: إن كان به خاصا
فلا يخرجه من الهجرة، ولا في الإثم ولا في جواز الشهادة، وإن لم يكن خاصا
به فذلك يخرجه من الهجرة.
ومن المجموعة وكتاب ابن سحنون: قال ابن كنانة: كتب ابن غانم إلى مالك في
الشاهد يقيم المشهود عليه بينة أنه عدو له، وفي كتاب ابن سحنون: أنه مضارر
له، وهو عدل في جميع الأمور. فيقول الشاهد: وما يدريكم وأنا مقيم معه،
وأنتم تغيبون وتأتون؟ قال: أكتب إليه: طرحها أحب إلي.
قال سحنون في المجموعة والعتبية وكتاب ابنه: ينظر إلى عداوتهما، فإن كانت
بسبب الدنيا من مال وتجارة وميراث، فلا تقبل شهادتهما، وإن كان غضبا لله
تعالى لجزمه وفسقه أو بدعته، فشهادته عليه ثابتة. [8/ 309]
(8/309)
قال عبد الله: وذلك أنا نشهد على أهل البدع
وأهل الملل.
قال سحنون في العتبية وكتاب ابنه: قال ابن القاسم فيمن شهد على رجل، فلم
يحكم بشهادته [حتى وقع بينه وبين المحكوم عليه خصومة، فلا يرد بذلك] إلا
بخصومة كانت قبل الشهادة، قال: وبلغني عن يحيى بن سعيد في الرجلين بينهما
خصومة لم تبلغ أن تكون بينهما مشاتمة، قال: شهادة أحدهما على الآخر جائزة،
وإن كانت بينهما عداوة معلومة لم تجز شهادته عليه، [وإن كانت بينهما عداوة
ثم اصطلحا، جازت شهادته عليه].
ومن كتاب ابن سحنون: قال ابن كنانة: وإذا خاصم رجلا، فلم تجر الخصومة
بينهما عداوة ظاهرة، فإن شهادته عليه تقبل في غير تلك الخصومة.
ومن العتبية: قال يحيى عن ابن القاسم في الرجل المعتزل لكلام الرجل وهو غير
مؤذ له، أتجوز شهادته عليه؟: قال: لا، قال: فهل يبرأ من الشخناء بسلامه
عليه؟ قال: قال مالك: إن كان مؤذياً له فقد برئ منها، وإن لم يكن مؤذياً له
يبرأ منها بذلك.
وقال ابن حبيب: قال ابن الماجشون في رجلين شهدا على رجلين بذكر حق، وهما
لأحدهما عدوان، أو على براءة لرجل من رجلين، فشهادتهما ساقطة عنهما جميعا،
أو كانا شهدا في ذكر حق واحد، وإن كانا شهدا عليهما بلفظهما فترد شهادتهما
على العدو، وتجوز على الآخر.
ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه فيمن شهد على رجل، ثم شهد المشهود عليه على
الشاهد بعد ذلك بشهرين وهو في خصومته تلك، قال: ترد شهادته، قال ابن حبيب:
قال ابن الماجشون: وإن كانت بينهما عداوة، ثم اصطلحا، ثم شهد أحدهما على
الآخر، فإن كان بحدثان الصلح لم يجز لما يتهم أن يكون [8/ 310]
(8/310)
صالحه ليشهد عليه، وإما بعد طول، فتجوز
شهادته، وكذلك الخصم يشهد على خصمه بحدثان خصومتها أو بعد منها، وإن كانت
عنده عليه شهادة وهو سلم، وقد كان يذكرها، ثم عاداه، فلا يحتاج إلى القيام
بها، فلا تجوز شهادته عليه.
ومن العتبية في سماع ابن القاسم في قوم شهدوا على رجل فردت شهادتهم لأنهم
أعداء له، فلا يمين على المشهود عليه، وقاله سحنون.
قال عيسى عن ابن القاسم عن مالك: وكل ما سقطت شهادته لجرحة أو تهمة فلا
يمين على المشهود عليه.
قال أصبغ فيمن شهد على رجل بشهادة عند قاض، والمشهود عليه يسمع، فلما أتم
الشهادة، قال المشهود عليه والقاضي يسمع: أنك تشتمني وتشبهني بالمجانين
وتتهددني وشبه ذلك، وقال: لا يطرح هذا شهادته إلا أن تثبت العداوة قبل ذلك.
ابن حبيب: سئل مطرف عن أرض لقوم غيب، وهي بيد غيرهم، فقام من شهد بذلك،
فقال لقوم: إني أخاف أن تذهب هذه الأرض لأهلها، ولكني أخاصم فيها، [فإن
أثبتها لأهلها وإلا فأنا على شهادتي لهم، فخاصم فيها] فلم يدرك، ثم قدم
أصحابها، وأتجوز شهادته لهم؟ قال: لا تجوز لأنه خصم، وقاله أصبغ.
ومن العتبية: روى أبو زيد عن ابن القاسم فيمن شهد لرجل عدو له وعليه، أتجوز
شهادته عليه وله؟ قال: إن كانت شهادة واحدة، لم تجز له ولا عليه، وإن كانت
شهادات مفترقة، جازت له، ولم تجز عليه، وكذلك ذكر عنه ابن المواز. قاله
محمد: وأحب إلي إن كان العدو هو الذي حابي الشاهد، فإن كان على صلح وذهاب
العداوة، جازت شهادته، إلا لم تجز عليه. [8/ 311]
(8/311)
قال مالك فيمن قال: أرضى بشهادة فلان فشهد
عليه فنزع: إن ذلك له، ولا يلزمه.
ومن كتاب ابن المواز: وتجوز شهادة من بينه وبين آل المشهود عليه عداوة
بخلاف ما بينه وبين المشهود عليه، وإن كان المشهود عليه في ولاية أبيه، ما
لم يكن عليه فيها حد أو عيب أو قتل، لأن فيه معرة للأب، وكذلك الأم والجد،
وأما الأخ وسائر القرابات فبخلاف ذلك.
قال ابن القاسم في أربعة شهدوا على رجل بالزنا، إلا أنهم تعلقوا به حتى
وصلوا به إلى القاضي؟ قال: تبطل شهادتهم لأنهم خصماؤه، وكذلك عنه في
العتبية. وروى ابن حبيب عن مطرف أن شهادتهم جائزة.
ومن العتبية وكتاب ابن المواز وكتاب ابن سحنون عن أبيه: قال ولا ترد إذا لم
يكن في ولاية أبيه، ولم يشهد بما عليه فيه عيب، ثم ذكر نجو ما ذكر محمد.
وقال ابن القاسم في العدو يشهد على ابن عدوه الصغير والكبير أنه جرح رجلا:
إن شهادته لا تجوز.
ومن العتبية من رواية عيسى عن ابن القاسم: وإذا كان الشاهدان أعداء لوصي
الصبي: فشهادتهما جائزة، وكذلك بدين على الميت. وإن كانا أعداء لأبي الصبي
لم يجز، وإن كانا مثل أبي شريح وسليمان بن القاسم.
وقال سحنون: شهادة عدوك على ابنك وأبيك وأخيك جائزة بالمال، ولا تجوز بقصاص
أو قتل، أو جلد ولا تجريح. [8/ 312]
(8/312)
قال ابن سحنون عن أبيه في عدول شهدوا على
أبيك بجرح فيه قصاص: قال سحنون: لا تجوز، بخلاف المال، قال محمد بن رشيد:
هي جائزة في الجراح والأموال، [كما يحكم في الجراح بشاهد ويمين]، واجتمعا
على أنها لا تجوز في القصاص والحدود.
ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: لا تجوز شهادة عدوك على ابنك الصغير أو
الكبير في مال ولا غيره ما كنت حيا، فإذا مت أنت ثم شهدوا جازت شهادتهم
لهما عليه، وإن شهدوا على الأب في ماله بعد موته بحق في ماله. لم تجز
شهادتهم، وإن كان ماله قد صار لولده، وإن شهدوا على صبي بجروح وهما عدوان
لأبيهما لم تجز شهادتهما من أجل أن ذلك يصير من ماله، وكأنها على الوصي،
وكذلك لو شهدا على الميت بمال وهما عدوان لوصيه لم يجز؛ لأنهما يخرجان ما
في يديه بذلك، وإن كان ذلك فيما ليس بيد الوصي منه شيء، ولا تقع فيه تهمة
بمضرة الوصي للعداوة التي بينهما، فشهادتهما جائزة.
قال محمد بن عبد الحكم: ومن كان عدوا لرجل عداوة معروفة تجرحه، فلا يجوز
تجريحه إياه، ويجوز تعديله له إن عدله.
تم كتاب الشهادات الأول بحمد الله وعونه،
وبتمامه تم الجزء العاشر
ويتلوه في الذي بعده
الجزء الثاني من كتاب الشهادات
والحمد لله وحده [8/ 313]
(8/313)
صفحة بيضاء
[8/ 314]
(8/314)
|