النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات

بسم الله الرحمن الرحيم عونك اللهم

كتاب الشهادات الثاني
في شهادات الأجير والشريك والمقارض
المستعير والغريم والحميل
من المجموعة: قال ابن القاسم: ولا تجوز شهادة الأجير لمن استأجره إذا كان في عياله، [وإن لم يكن في عياله جاز إن كان مبرزاً، قال سحنون في كتاب ابنه: معنى الذي ليس في عياله هو الأجير المشترك من الصناع وغيرهم، فأما الأجير الذي يصير جميع عمله لمن استأجره وهو في عياله أو ليس في عياله، فلا يجوز أن يشهد له وإن كان معزولا عنه.
ومن المجموعة]: قال ابن كنانة: إذا شهد لشريكه فيما لا يريد به نفسه ولا شريكه ولا يدفع عنه ولا عن نفسه، فهي جائزة وإلا لم يجز.
من العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم - وهو في المجموعة - في أحد المتعارضين يبيع سلعة ويشهد على ذلك شريكه، ثم يبيعها من رجل آخر ولا يشهد للأول إلا الشريك. قال: لا تجوز شهادته، لكن إن باعه شريكه ثانية بزيادة فلا يأخذ من الزيادة شيئا، قال ابن سحنون عن أبيه في شهادة الشريك لشريكه: إن لم يجر بها إلى نفسه شيئا فهي جائزة. [8/ 315]

(8/315)


وقال أشهب في المجموعة فيمن اشترى سلعة فأشرك فيها نقرا ثم جحد واحداً فشهد عليه الباقون: أن شهادته جائزة.
قال ابن / القاسم في الشريكين في العبد شهد أحدهما أن شريكه أعتق نصيبه، فإن كان مليا لم تجز شهادته عليه، وإن كان عديما جازت، قال: وبلغني عن مالك أنه كان يقول: لا تجوز عليه شهادته في الوجهين، والأول أحب إلي.
قال عيسى عن ابن القاسم في العتبية: إذا شهد كل واحد أن شريكه أعتق نصيبه فلا يجوز، ولا يمين على كل واحد منهما في ذلك، وقد قال مالك: إذا كان الشاهد غير عدل أو متهما فلا يمين على المطلق، قال يحيى بن يحيى عن ابن القاسم: إن كان لا مال لهما غير العبد فلا يمين عليهما، وإن كانا مليين فلا ينبغي أن يسترقاه لإقرار كل واحد أنه حر بالتقويم على صاحبه، ويدعي عليه القيمة، وإن كان أحدهما مليا والآخر معدم فلا ينبغي للمعسر أن يسترق نصيبه لما ذكرناه، قال: وإن ملكه أحدهما يوما كله عتق عليه وولاه لشريكه الذي كان شهد عليه، إلا أن يملكه الموسر الذي شهد على المعسر فلا يعتق منه إلا الجزء الذي كان يملكه المعسر لأنه لو اقر لم يعتق غير ذلك. قال: لو شهد عليه أنه وطئ أمة بينهما فأحبلها فإن كان الواطئ مليا فلا سبيل للشاهد عليها، لأنه إنما جحده قيمة وجبت، وإن كان معسرا فله نصف رقبتها ولا سبيل له إلى ولدها، واتبعه بنصف قيمة الولد إن أقر يوما ما، وذكره في كتاب ابن سحنون، وقال سحنون: هذا مذهب ابن القاسم في هذا وفي العتق.
وقال غيره: تبطل شهادة الشريك بالعتق والولادة لما يتهم/ فيه من أخذ القيمة. [8/ 316]

(8/316)


وروى أصبغ عن ابن القاسم في رجل شهد عليه شريكاه أنه أعتق نصيبه من عبد بينهم، قال: إن كان مليا لم تجز شهادتهما، وإن كان عديما جازت، وقاله سحنون.
ومن العتبية: قال أصبغ في رجلين اشتريا عبدا ثم ادعى أحدهما أن البائع قد كان أعتقه، قال: لا تجوز شهادته على البائع، ولكن تعتق حصته منه، ويقوم عليه بما فيه، لأنه يتهم أن يكون أراد عتق حصته بلا تقويم.
ومن كتاب ابن سحنون وكتب شجرة إليه فيمن شهد لرجل في عين مشتركة أو شرب نهر أو فدان أرض وأصله من قسمة بينه وبين الشاهد، فشهد له أن فلانا غصبه إياه رجل فشهد لشريكه بذلك نحو أهل قصطيلية، وقال: ذلك جائز.
ومن المجموعة والعتبية رواية أصبغ، قال ابن القاسم: وإذا شهد رجل لمقارضه، أو شهد هو له، فذلك جائز فيما لا معاملة بينهما.
قال سحنون في كتاب ابنه: شهادة العامل لرب المال جائزة إن كان عدلا، قال فيه وفي العتبية: إن شهد لرب المال والمال قائم بيده لم يشتر به شيئا، أو في وقت يجوز لرب المال قبض المال منه لم تجز شهادته، لأنه متهم على أن يقر المال بيده. وإن أشغله في سلع جازت شهادته.
ومن العتبية: قال عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب: إذا شهد العامل لرب المال أو لمن يطلبه بدين، فإن كان الشاهد مليا جازت شهادته [في الوجهين [8/ 317]

(8/317)


إن كان عدلا ولم يتهم، وإن كان معدما لم تجز شهادته لأن العدم تهمة بينة، وقال أشهب: إذا كان عدلا جازت شهادته].
/ومن العتبية من سماع ابن القاسم وهو في كتاب ابن المواز وكتاب ابن سحنون والمجموعة: قال ابن القاسم: ومن له على رجل دين فشهادته له جائزة إن كان مليا بما يسأله من الدين، وقاله أشهب، وإن لم يكن معه وفاء بحق الشاهد لم يجز، قال ابن القاسم في العتبية والمجموعة: وكذلك لو كان للمشهود له على الشاهدين دين فإن كان مليا جازت شهادته وإلا لم تجز.
ومن الواضحة: قال مطرف وابن الماجشون: إن شهد المطلوب للطالب بدين فإن كان معدما لم تجز، لأنه كأسير، فيتهم في الأموال وغيرها، وإن شهد الطالب للمطلوب والمطلوب معدم، فأما بالمال أو ما يصير مالا فلا يجوز، وأما في غير ذلك فيجوز إن كان عدلا، وإن كان المطلوب مليا فشهادة كل واحد منهما للاخر جائزة في كل شيء.
ومن العتبية: قال أصبغ عن ابن القاسم فيمن قامت له بينة على ميت بألف درهم، فشهد للورثة رجلان بالبراءة منها وللميت عندهما مال قراض أو وديعة أو دين، فإن كانا عديمين لم تجز شهادتهما لما يدفعان عن أنفسهما.
وأما المودعان فتجوز شهادتهما، ولأنهما يقبل قولهما في ذهابهما ومن القراض ولا يحلفان إن لم يكونا متهمين، وسكت عن الجواب في القراض، قال: وهما سواء في الذهاب إلا أن يكون ذهابا قديما. وروى عنه أبو زيد في رجل لك عنده عشرة، فشهد عليك مع أحد أنك أقررت بها لفلان، فلا يقبل ويحلف [8/ 318]

(8/318)


الطالب/ مع الأجنبي ويستحق، قال عنه عيسى في رجل شهد لرجل بدين هو عليه وعلى المطلوب، وقد قضى هو ما عليه، وليس له عليه أن يأخذ من شاء بحقه فشهادته جائزة.
قال في كتاب ابن المواز: ومن شهد بحق وقال بأنه حميل، فروى أشهب عن مالك أن شهادته جائزة لأنه شهد على نفسه وعلى غيره. وروى عنه ابن القاسم فيه وفي العتبية أن شهادته لا تجوز، لكن يغرم ما أخبر أنه تحمل به.
وقال ابن القاسم في العتبية والمجموعة: إن كان المشهود عليه مليا جازت شهادة الحميل، وإن لم يكن مليا لم تجز وضمن المال، ولم يرجع على المطلوب بشيء، وقاله ابن المواز، وفي كتاب ابن سحنون أن ابن القاسم استحب روايته عن مالك.
ومن المجموعة: قال ابن القاسم: وإذا غرم الحميل ما تحمل به، ثم قدم المطلوب فأنكر الحمالة، فشهد الغريم على الحمالة، لم يجز، وكذلك من حلف لغريمه بالعتق: ليقضينه إلي أجل فحنث فقام رفيقه فشهد لهم الطالب بالحنث، فلا تجوز شهادته، ورواها أشهب عن مالك في العتبية. قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: وإن شهادته تجوز، قبض من حقه شيئا أو لم يقبض، إذ لا يجر بها إلي نفسه شيئا، وقاله أصبغ معهما، وقالا في مسألة ابن القاسم في الحميل، إن لم يكن أصل الحق يثبت بغير الغريم لم تجز شهادته، قالا: ولا يرجع الحميل على الطالب بما أعطاه، وإن أقر وثبت عليه بغير الغريم فإنه يؤخذ الحق؛ لأن الحميل أوقفه القابض/ منه موقف نفسه، وقاله ابن القاسم وأصبغ.
وقال أشهب عن مالك من العتبية في ثلاثة بينهم غنهم تقاوموها فقوم على أحدهما شاتين بثمانية وأربعين درهما ونصف، فأنكر النصف درهم، وحلف فيه [8/ 319]

(8/319)


بالطلاق، فشهد عليه شريكاه، قال: لا ترد شهادتهما في هذا ليساره، نصف درهم بينهم، قيل له: فعلي من يكون؟ قال: لا أدري، قال مالك: فقلت المطلوب: فإن لم يكن عليه فعلى من؟ قال: عليهما جميعا، وما أراه إلا وقد أصاب.
ومن المجموعة: قال ابن كنانة فيمن استعار أرضاً من رجل ثم شهد فيها للمعير، قال: لا تقبل شهادته.
قال سحنون عن أبيه في رجلين اكتريا داراً ثم شهدا فيها لربها، وقد نقدا الكراء أو لم ينقدا، وهي سنة بعينها أو بغير عينها، وقال: لا تجوز شهادتهما، وكذلك في الوديعة، والعارية، والرهن، والبضاعة إذا جحدا وقامت بينة عليهما، ثم شهدا: أن ذلك لغيره، فلا يجوز وتنفذ عليهما الشهادة، ولو نزع من أيديهما بذلك، ثم شهدا بعد ذلك به لغيره، فلا تجوز وتنفذ عليهما الشهادة، ولو نزع من أيديهما بذلك، ثم شهدا بعد ذلك به لغيره لم تجز شهادتهما فيه أبدا. والعاربة والبضاعة في ذلك سواء، وإن كانا مقرين به فدفعاه بالإقرار، ثم شهدا أنه لغيره، جازت شهادتهما إذا أقر من شهدا له أنه وصل إليهما من قبل الذي دفعاه إليه. فإن لم يدفعه هو إليهما فشهادتهما باطل ويضمنان إما دفعا، ولو قامت لهما بينة/ فبرئا من الضمان، لم تجز لهما شهادة، ولو أقر أنه وصل إليهما من قبل فلان وديعة أو عارية أو بضاعة، وقال: أنا أمرته بذلك، فشهادتهما جائزة قبل أن يرداه عليه أو بعد.

في المشهود له ينفق على الشهود أو يكري لهم
من كتاب ابن سحنون عن أبيه في الشهود يدعون إلى أداء الشهادة في غير البلد فيقولون: يشق علينا الهبوط إلى الحاضرة، فيعطيهم المشهود له دواب وينفق عليهم، فإن كان مثل البريد والبريدين وهم يجدون الدواب والنفقة، فلا يأخذوا ذلك منه، فإن فعلوا سقطت شهادتهم، وإن كانوا لا يجدون ذلك جاز وقبلت [8/ 320]

(8/320)


شهادتهم، ولو أخبر بذلك القاضي كان أحسن، وإن كان على مثل ما تقصر فيه الصلاة مثل جبالنا وسواحلنا كستين ميلا ونحوها، لم يشخص الشهود لمثل ذلك، وليشهدوا عند من يأمره القاضي في ذلك البلد، ثم يكتب بما شهدوا عنده إلي القاضي، وكذلك في المجموعة.
قال ابن كنانة في المجموعة في الشاهد لا يجد دابة ولا ثوبا يلبسه ولا طعاما. فيحمل ذلك المشهود عليه عنه، فإن كان الشاهد من أهل العدل والرضي فأرجو ألا يكون بذلك بأس، وأخذ ذلك من غيره أحب إلي، وإن كان ممن يتهم فلا أرى أن يفعل إلا أن يشهد على اليسير الذي لا يتهم في مثله. ابن حبيب عن مطرف في مسألة سحنون الأولى: إن كان قريبا وخفيفا جاز ذلك، وإن كثر لم يجز، قيل: فإن كان يكتب الشهود/ عند السلطان، وتعذر الوصول إليه، وشق عليهم مؤونة المقام، فأرادا لمشهود له أن يكفيهم مؤونة النفقة، قال: لا ينبغي، ولكن يشهدون على شهادتهم وينصرفون إذا كان هذا.
قيل لمطرف في قوم شهدوا لرجل على قرية بعيدة وهم لا يعرفون حدودها بالصفة، ويعرفونها بالمعاينة، فقال لهم: اخرجوا إليها لتقفوا على حدودها، قال: فلا بأس أن يركبوا دواب المشهود له ويأكلوا طعامه، قال ابن سحنون عن أبيه في سؤال حبيب في الشاهد يأتي من البادية ليشهد لرجل، فينزل عنده في ضيافة حتى لا يخرج، قال: لا يضر ذلك شهادته إذا كان عدلا، وهذا خفيف.
في شهادتك لم شهد لك
أو على من يشهد عليك
وشهادة ركاب السفينة
والمسلوبين بعضهم لبعض
من العتبية روى أبو زيد عن ابن القاسم- وهو في المجموعة – فيمن شهد لرجل بعشرة دنانير، وشهد لشاهده بدين له على رجل آخر. في مجلس واحد، [8/ 321]

(8/321)


فذلك جائز إن كانا عدلين، قال مطرف وابن الماجشون: إن كان الشهادتان على رجل واحد في مجلس واحد لم يجز، وإن كان شيئا بعد شيء جاز ذلك وإن تقارب ما بين الشهادتين، قالا: وإن كان ذلك على رجلين مفترقين جاز ذلك في مجلسين أو في شيء بعد شيء، وقاله أصبغ.
ومن كتاب ابن سحنون: وكتب إلى سحنون فيمن شهد عليك بشهادة، ثم شهدت أنت بعد شهرين أو نحوها عليه، والأول في خصومة/ بعد، قال: أرى ظنته قائمة ولا تجوز شهادته.
وفي العتبية روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في المسلوبين يشهدون أن هؤلاء سلبونا هذا المتاع وهذه الدواب، وذلك بيد اللصوص، قال: يقام عليهم حد الحرابة ولا تستحق بذلك الأموال بشهادة هؤلاء إلا بغيرهم من شهيدين أو شاهد ويحلفون معه.
ابن حبيب: قال ابن الماجشون في القوم يقطع عليهم اللصوص فيشهد عليهم بينهم عدلان، قال: قال المغيرة وابن دينار: لا يجوز في ذلك أقل من شهادة أربعة، وإنما يجوز في القطع في الرفقة وفي أموالهم غير الشهداء، ولا تجوز في ذلك شهادتهم لأنفسهم، قال ابن الماجشون وأنا أقول به، وقال مطرف: شهادة عدلين جائزة في القطع وفي أموالهم وأموال غيرهم، ولو لم يجز في ذلك لم يجز في القطع.
وقال: لا، لا تقبل بعض الشهادة فيرد بعضها، وقال أصبغ: قال ابن القاسم: يجور عدلان منهم في القطع وفي أموال الرفقة عدا أموالهما، إلا أن تكون أموالهما يسيرة فيجوز لهم ولغيرهم كقول مالك في الوصية لهما فيها اليسير.
وقال أصبغ: لا يجوز في القطع ولا في مالهما ولا مال غيرها إن كان مالهما كثيرا، وإذا اتهموا في بعض الشهادة سقطت كلها، ويقول مطرف عن مالك. [8/ 322]

(8/322)


قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون في المجموعة: يقام عليهم الحد بشهادتهم إن كانوا كثيرا، وأقل الكثير أربعة، والأربعة قول مالك، وقال / ابن القاسم وأشهب وعبد الله: لا يعطون الأموال بشهادة بعضهم لبعض، قال أشهب: ولا يكونون أطناء بما لأنفسهم. وإن قال اللصوص: ما قطعنا عليكم، فقد أقروا بشهادتهم، ولا شهادة لهم عليهم في غير ذلك.
ومن العتبية: سئل أصبغ عن رجلين شهدا على وصية رجل فشهد كل منهم لصاحبه: أن الميت أوصى له بكذا، فإن كان على كتاب واحد فيه ذلك لهما، فالشهادة باطلة، لأن كل واحد منهما شهد لنفسه ولغيره، والوصية لهما، قال: وأما لو شهدا على وصية واحدة بكتاب، لكن أحدهما شهد أن الميت أوصي لفلان بكذا، ثم قام المشهود له في الوصية فشهد عند القاضي أن الميت أوصي لفلان بكذا، الذي له شهد في الوصية، فهي جائزة إلا أن يشهد كل واحد منهما مع شهادة الآخر.
قال سحنون في كتاب ابنه وفي المجموعة في المتكاربين للسفينة وقد نقدوا الكراء فعطبت قبل البلاغ، وأنكر قبض الكراء، قال: شهادة بعضهم لبعض جائزة. ويرجعون عليه، قال محمد: ثم رجع فقال: لا تجوز إذا ليس بموضع ضرورة، وقد كانوا يجدون من يشهدون سواهم إذا أرادوا أن ينقدوه الكراء. [8/ 323]

(8/323)


في شهادة الرسول بما على قابضه
وشهادة من أودعته مالا أنك وهبته لرجل
وشهادة الراهن في الدين ومن قضاك دينا تسلفه من رجل
هل تجوز شهادتك للرجل؟
وشهادة/ الرجل على ما ولي وشبه ذلك؟
وشهادة من بيده أرض
أنه أعمرها لقوم غياب
وشهادة القسام
من المجموعة وكتاب محمد: قال ابن القاسم عن مالك فيمن بعث بمال مع رجل ليدفعه إلي أخر فدفعه إليه، فقال الرسول: بعثه معي صدقة عليه، وادعى ذلك القابض، وقال الباعث: بل وديعة، قال: إن لم يتهم الرسول في شيء حلف القابض مع شهادته وكانت له، قيل: أيحلف على ما لم يحضر؟ قال: كما يحلف الصبي مع شاهد أبيه الميت بدين.
قال سحنون في المجموعة: ومعنى المسألة: أن المال حاضر والمأمور والمتصدق عليه حاضران، قال ابن المواز: وخالفهما أشهب. وقول مالك أحب إلي، لأن الرسول لم يبعد في الدفع؛ لإقرار الآمر أنه أمره بالدفع إليه، لكن ليتصدق بها، أو ليكون عندك. يحلف أو يغرم ذلك الرسول ويرجع بها على من دفعها إليه.
ابن القاسم في كتاب ابن المواز والعتبية فيمن سأل رجلا أن يسلفه مالا يقضيه، فيأتيه بمال ويدفعه إلى المطلوب، ويدفعه المطلوب إلي الطالب، ثم أنكر المتسلف السلف، قال: شهادة القابض جائزة على غريمه المتسلف، وقاله أصبغ: قال أصبغ: ولو كان المتسلف هو دافعها إلى القابض لم يجز، وقال محمد بقول ابن القاسم، ووقف عن جواب أصبغ. [8/ 324]

(8/324)


ومن العتبية: روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فيمن ادعى قرية فاستحقها بالعدول فلما أمرت البينة بتحديد ما شهدوا به/ أدخلوا في الحدود قرية إلى جانب القرية المدعي فيها، فقال أهلها: نحن نشهد أن هذه القرية التي بأيدينا والقرية المستحقة ليستا لنا، ولا للمستحق، ولا للمقضي عليه، وإن ذلك لرجل غائب كان ترك ذلك كله بيد ابائنا إرفاقا بهم وهم عدول، قال: لا تقبل شهادتهم، لأن فيها جرا إلى أنفسهم، يريدون: إبقاء ذلك في أيديهم للذي أرفقوا به.
ومن كتاب ابن سحنون: ومن أودع عبداً لرجلين فشهدا أن العبد لرجل غيره، فإن كان المشهود له حاضرا جازت شهادتهما، قال: وإن لم يشهدا حتى رد العبد إلى المودع جازت شهادتهما ولا ضمان عليهما.
ومن المجموعة: قال ابن كنانة فيمن أرسل رجلا إلى رجل فشهد له على حق له عليه، فأشهده المطلوب ثم جحده، قال: شهادته جائزة.
وفي كتاب ابن المواز في رسولين لرجل يزوجانه أو يشتريان له جارية، فلا تجوز شهادتهما على ذلك وإن حضر المرسل، وضعفها أصبغ، قال محمد: وأحب إلينا إن كانا هما عقدا له النكاح لم يجز، وإن ولى عقد النكاح غيرهما جازت شهادتهما، وقال ابن القاسم فيه وفي العتبية فيمن بعث مع رجلين مالا يدفعاها إلى رجل، وقال: فلا تشهدا عليه غيركما، / ففعلا، فأنكر القابض، [8/ 325]

(8/325)


فلا تجوز شهادتهما عليه لدفعهما عن أنفسهما معرة التهمة، ولا يضمنان لأنهما بذلك مأموران، وقاله أصبغ.
قال سحنون في العتبية فيمن جعل بيده، رهن على أنه إن لم يقبض الأمين الدين باع الغريم الرهن وقضى الطالب محل الأجل، وليس على الدين والرهن شاهد إلا الأمين، فشهادته في ذلك جائزة مع يمين الطالب إن شهد بها قبل بيع الرهن، وإن شهد بها بعد ما باع لم تجز شهادته؛ لأنه يدعي طرح الضمان.
ومن كتاب ابن المواز: ومن وكل رجلا على طلب رجل في حق ثم عزله وتولى الطلب بنفسه، فشهادة الوكيل له جائزة.
ومن العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم فيمن له قبل رجلين حق وأيهما شاء أخذ بحقه، فأقر أنه قبضه من أحدهما والآخر يقول: أنا دفعته إليه، فشهادة القابض للدافع جائزة هنا، إذ ليس عليهما شيء يجر به إلى نفسه شيئا.
ومن كتاب ابن سحنون في قاسمين قسما [بين قوم] بأمر قاض أو بغير أمره، لم تجز شهادتهما لأنهما شهدا على فعل أنفسهما.
وفي كتاب ابن حبيب: أن شهادة القاسم جائزة عند القاضي الذي أمره بالقسم، وأما عند غيره فلا تجوز، لكن عند القاضي الذين أمره إن حفظ أنه أمره، وهذا كله قد ذكرناه في آخر كتاب القسم [وفي الرجل يشهد لغيره أو لمن يتهم عليه في الوصايا وغيرها، ويشهد في كل شيء كان أصل ملكه له]. [8/ 326]

(8/326)


ومن المجموعة: قال ابن وهب عن مالك في رجلين كان لهما على رجل مال، فشهد أحدهما لصاحبه بنصف المال: أن شهادته مردودة لا تجوز، إذ لا تجوز شهادة أحدهما للآخر، قال أشهب: ولو شهد شاهد أن المال على رجلين لرجلين، وأحد المشهود لهما ابن أحدهما أو أبوه أو عبده أو من لا تجوز شهادته له لظنة أو قرابة، فلا أرى شهادتهما له جائزة، لأن المشهود لهما شريكان في المال، لا يأخذ احدهما شيئا إلا دخل فيه الآخر، ولو كانا قسما المال قبل الشهادة جازت شهادتهما لمن لا يتهمان عليه، وسقطت في الآخر، إذ لا يدخل فيما اقتضى الآخر، قيل: فإن شهدا فلم يقض بشهادتهما حتى اقتسما، قال: إن كان القاضى قد قضى بشهادتهما نفذ حكمه، وإن لم يقض فشهادتهما لمن لا يتهمان فيه جائزة، إذ لا يدخل الآخر فيما يقبض.
ومن كتاب ابن المواز: ومن شهد بشهادة له فيما ولغيره لم تجز إلا أن يكون الذي له فيها [يسير جدا، وكذلك إن كان الذي فيها] إنما هو لقريب له أو لمن يتهم عليه ولأجنبي إن قل الذي له فيها، وإن شهد على وصيتين مختلفتين وله في أحدهما شيء فإن كان يسيرا، وإلا لم تجز فيها جميعاً، قال ابن القاسم: وكذلك إن شهد على وصيته في الصحة وأخري في المرض وله فيها شيء.
ومن العتبية والمجموعة: روى أشهب وابن نافع عن مالك في رجلين شهدا في وصية أوصي لأحدهما فيها بستين ديناراً /، وللآخر بثوبين، فأما الموصى له بستين دينارا فلا تجوز شهادته، وأما الموصى له بثوبين: فإن كانا يسيري الثمن [8/ 327]

(8/327)


جازت شهادته، وإن كثر لم تجز، وإن كان الموصى له بالستين شهد في وصية بعدها لم يوص له فيه بشيء لم تجز شهادته، وإذا لم تجز في الأولى لم تجز في الثانية. ونحوه في كتاب ابن المواز. محمد: إلا أن يشهد أنه أبطل الأولى فيجوز في الثانية [قال مالك]، وإن كان مع شاهد الثوبين – وهما يسيرا الثمن – غير عدل جازت شهادتهما.
قال ابن نافع في المجموعة: وإن كان الذي شهد بالثوبين لنفسه لا تجوز شهادته فيها لأنه يتهم على مثلهما. فإن أهل الوصايا يحلفون مع شهادة الآخر ويستحقون وصيتهم، ويحلف الموصي له بالثوبين مع شهادة الشاهد له ويأخذهما.
قال ابن نافع عن مالك: وإذا شهد في وصية له فيها شيء ولغيره، ومعه من ليس له فيها شيء فشهد، فإن كان ما للشاهد فيها يسيرا لا يتهم [فيه. جازت له ولغيره ولا يمين عليه مع الشاهد الآخر، وإن كان شيئا له بال] لغيره، وقد كنت أرى ألا تجوز في قليل ولا كثير، ثم رأيت هذا.
قال ابن القاسم عنه فيمن أوصى في مرضه إلى امرأته أو إلى ثلاثة نفر أحدهم غائب، وقد أوصى لهم فيها بشيء ولم يشهد عليها الحاضرين، ولا شهد عليها غيرهم، قال: إن كان ما أوصى لهما به يسيرا لا يتهمان فيه جازت شهادتهما، قيل لابن القاسم: فهلا اتهمتهما فيما يليان لليتامى، وما بأيديهما، ومن قوله فيمن شهد بمال في يديه وديعة: أن ربه تصدق به على غائب/ لا تجوز شهادته لبقائه في يديه، وقال: إنما جاز هنا لما في الوصية من العتق والدين [8/ 328]

(8/328)


والوصايا، ولقلة ما شهدا به، فإنهما في عدالتهما يصلحان لبقاء المال في أيديهما فعند الحاكم نظر منه. ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: لا تجوز شهادتهما بحال، وما أعرف هذا.
ومن كتاب ابن المواز: روى عن مالك في شهيدين أوصى لهما، وأشهدهما في ثلثه أنه للمساكن، وثلثه أنه لجيرانه، وثلثه لهما، قال: هذا يسير: وتجوز لهما ولغيرهما، ولو كان شيء له بال لم تجز لهما ولا لغيرهما. وقد قيل ك لا تجوز أصلا قل أو كثر، وبهذا قال ابن عبد الحكم، قال محمد يعني قول مالك إن كان المال كثيراً مما تسعه له بال فلا يجوز له ولا لغيره.
ومن كتاب ابن سحنون: قال يحيى بن سعيد فيمن شهد في وصية قد أوصي له فيها، فإن كان وحده لم تجز له وجازت لغيره، وإن كان معه شاهد جازت له ولغيره، قال سحنون: قوله: تجوز لغيره. يريد: مع أيمانهم إن كان ما شهد به لنفسه تافها، وأما إن كان كثيراً فلا تجوز له ولا لهم، وإن كان معه شاهد جازت شهادتهما إن كان ما شهد به لنفسه تافها، ويأخذه بغير يمين، كما لو شهد رجلان في وصية أوصي لهما فيها بتافه لأخذ التافه بغير يمين.
ومن الواضحة: قال ابن الماجشون فيمن شهد فيما أوصي له فيه، فإن كان الموصى به تافها جاز لغيره ولم تجز له، قال ابن حبيب: لا تعجبني، وروى مطرف عن مالك: تجوز في الجميع/ وبه أقول، قال مطرف وابن الماجشون في الوصية لا يشهد عليها إلا رجلان [قد وصي] لهما فيها، وفيها عتق وديون. فإن [8/ 329]

(8/329)


كان أشهدهم في كتاب كتاب فيه شهادتهما [ردت شهادتهما فيه أجمع، فإن كان ما أوصى لهما به له بال إذ لا تجوز بعض شهادة ويرد بعضها، وإن كان إنما أشهدهم في كتاب كتبوا في شهادتهم] فهذا بعد موته أنهما شهداء عليه أجمع مكتوبا مفروغا منه، فلا تجوز شهادتهما فيه أجمع، وإن كان إنما أشهدا عليه لقضاء دين وعتق ووصية لغيرهما ووصية لهما نسقا أو متفرقة، فشهدا بذلك لفظا عند الإمام، أو واضعوهم به كتابا بعد موت الموصي أو قبل موته ولم يعلم به، طرح من ذلك ما شهدا به لأنفسهما بالغا ما بلغ في كثرته، وأمضي ما شهدوا به لغيرهم، وقاله أصبغ.
ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم: وإن شهد لورثة أحدهم زوجته لم يجز لها ولا لغيرها، قال أصبغ: لأن أصلها ظنة، فأما على عتق ومال فإنها لا تجوز في العتق وتجوز في المال، لأنها ردت لا لتهمة.
ومن المجموعة والعتبية: قال ابن القاسم: ومن أوصي له في وصية ببقية الثلث فشهد عليها، والوصايا تحيط بالثلث ولم يبق منه شيء، قال: إن كان الميت يداين الناس حتى يشك أن تكون له على الناس ديون تلبث لم تجز شهادته، وإن كان لا يداين الناس جازت شهادته.
ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: وإن شهد رجل لرجل في سهم في شرب عين أو نهر/ أو حق في أرض، وكان أصل ذلك كله بينه وبينه مقاسمة، ثم شهد له الآن بملكه لذلك الذي صار له في القسم من أصل عن أو أرض، فشهادته له جائزة. [8/ 330]

(8/330)


ومن المجموعة: قال المغيرة فيمن افترى على جماعة من الناس هل تجوز شهادة أحدهم لمن قام به منهم، وكيف إن قال الشهود: نحن لا نطلبه؟ فقال: إن كان افتري على على جماعة عظيمة فقال مصر أو أهل مصر أو الشام أو ملكة، جازت شهادة من شهد منهم لبعد الحمية والغضب من هذا، وإن قاله ليظن أن يجد مثل زهرة أو مخزوم أو قرية غير كبيرة، فلا تجوز شهادة بعضهم فيه ممن عني بالقول للتهمة.
وأجاز سحنون شهادة من شهد على رجل أنه قطع من مسجد شيئا إلى داره، أو من طريق العامة، وإن كان من طريقه أو من مسجده الذي يصلي فيه إذا لم يلي هو الخصومة في ذلك.
قال ابن القاسم فيمن ترك امرأته وأمه وابنه، فادعى الابن ما ترك أبوه، وادعت المرأة بعضه، ثم اصطلحوا فأخذت المرأة بعض ذلك، وأخذ الابن بعضا، وتركت الأم ميراثها، ثم ماتا فادعى ورثة الزوجة بعض ما بيد الإبن، وشهد للإبن بعض ورثة الأم بصلحه للمرأة، فقال ورثتها: أنتم ورثته، فقالوا: قد تركت أمنا جميع ميراثها. قال: شهادتهم جائزة إذ لا يجرون هنا شيئا لأنفسهم.
وقال فيه وفي العتبية من رواية عيسى فيمن احتضر، ووثته أخواه وابنته، وأخوه شاهدان في حق، فقال لهما: اتركا منه مورثكما، أو يتركه أحدكما/ لتجوز شهادته فيه، ففعلا أو فعل، قال: لا تجوز شهادته.
ومن العتبية: قال أصبغ فيمن ترثه ابنته وأخواه فطلبتهما الإبنة فتركا لها ميراثهما منه قبل موته، فلما مات وجدت الإبنة ذكر حق بشهادتهما، قال: [8/ 331]

(8/331)


تجوز شهادتهما فيه، إذ لا يجران إلى أنفسهما شيئا، إذ قد سلماه قبل أن يملكاه الملك التام، ولو وهباه بعد تملكهما له ملكا تاما لم تجز شهادتهما فيه.
قال أصبغ فيمن شهد أن هذه الدار لأبي مات وأوصى بها لفلان، وهي تخرج من الثلث، وهي بيد من ينكر ذلك، قال: لا تجوز شهادته، إذ قد يلحق أباه دين فيجر بذلك إليه نفعا.
ومن كتاب ابن سحنون: وسمعت بعض أصحابنا بنقل عن من حبس عند موته على أهل الحاجة من قرايته حبسا، وشهد في ذلك أهل الغنى من قرايته، قال: إن كان الذي تصدق به يريد في حبسه الشيء اليسير لا يكون فيه لهؤلاء عظمة إن احتاجوا، جازت شهادتهم، وإن كان الشيء الكثير لم تجز شهادتهم.
في شهادة الوصي لليتامى
أو يوصي معه وارث أو رصي
أو يشهد في الوصية وقد أسندت إليه
من المجموعة: قال ابن نافع عن مالك في ولي اليتيم يشهد له وهو يخاصم له قبل الخصومة أو بعدها، قال: إن شهد له في مال يلي قبضه، لم تجز شهادتهما قبل ولا بعد، وأما غير ذلك مما في الوصية ما لا يلي قبضه فذلك جائز. [8/ 332]

(8/332)


قال ابن نافع: إن قام هو بالخصومة والشهادة لم تجز شهادته له، وروى علي عن مالك / في الوصي يشهد لورثة الميت وعصبته، قال: شهادته لهم جائزة.
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: ولا تجوز شهادة الوصي لمن يلي عليه، قال أصبغ: إلا بعد زوال الولاية عنهم، قال ابن القاسم: ولو شهد لهم بالولاية فردت لم تقبل بعد ذلك، قال مالك: وتجوز شهادتهم عليه في الولاية. وفي كتاب الوصايا باب من هذا.
ومن العتبية: قال سحنون في القاضي يأتيه رجلان بكتاب مختوم فيه شهادتهما على وصية وهما الوصيان، قال: يسألهما فإن قبلا الوصية؟ فإن قالا: نعم رد شهادتهما، وإن قالا: لا نقبلها، أمضى شهادتهما، ووكل عليها من يراه أهلا لها.

جامع ما ترد به الشهادات من التهم
من كتاب ابن المواز: ومن أوصى لرجل بعبده، ولرجلين بثلث ماله، فشهدا أن الموصى له بالعبد قتل الموصي، لم تجز شهادتهما، إذا لهما فيه منفعة، ولو لم يوص إلا بمقدار ثلثه. جازت شهادتهما لارتفاع الحصاص، محمد: شهادتهما جائزة بكل حال إذ لابد من الحصاص إما لهما وإما للورثة، ولو شهدا أنه قتله بعصى ولم يفق، سقطت وصيته، وحاصه الورثة، فلابد للورثة أن يحاصوا الموصى لهم بوصية القاتل، وكذلك من أوصى بعبد مبدا وبوصايا لقوم، فشهدوا الموصى [8/ 333]

(8/333)


لهم أن الموصى له بالعبد قتل الموصي، جازت شهادتهم إذ لا نفع لهم بها، لأن الورثة يقومون مقام الموصى له بالعبد.
ومن كتاب ابن حبيب: ومن شهد/ على رجل ينكح امرأة: أنه حلف بطلاقها البتة إن تزوجها، ثم ثبت على الشاهد بينة أنه كان خطبها قبل يتزوجها هذا، قال: تقبل شهادته ولا يحلف المشهود عليه، وقاله ابن القاسم، وقال أصبغ: تجوز شهادته، ولم يأخذ به ابن حبيب.
ومن العتبية: روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في شاهدين شهدا لرجل أن قاضيا مات أو عزل قضى له بكذا، وأنه بشهادتهما حكم، فشهادتهما جائزة ولا يتهمان، وقال عنه أصبغ: ولا تجوز، وقال عنه سحنون: إذا شهدا على حكم قاض، وقال أحدهما: بشهادتي حكم مع غيره، قال: لا تجوز شهادتهما على الحكم، لأنه يريد إمضاء شهادته، قال: ولو كان اللذين شهدا على الحكم قالا: بشهادتنا حكم وأشهدنا على حكمه، فهي جائزة، لأنه يحكم بشهادتهما، وإن لم يشهدا على أنه حكم بها: قال ابن حبيب: قال مطرف: تجوز شهادتهما إن كانا عدلين.
وقال ابن الماجشون وابن نافع وأصبغ: لا تجوز على أصل الشهادة ولا على الحكم بها للتهمة، وهي شهادة واحدة تسقط بسقوط بعضها، وقال ابن القاسم مثل قول مطرف، بقول ابن الماجشون.
قال ابن حبيب: إذا كان الأمران جميعا في شهادة واحدة ولو لم يجمعاهما، وشهدا على أحد الأمرين وسكتا عن الآخر، إما على الأصل في الحق، وإما على [8/ 334]

(8/334)


الحكم، فجائزة، وكذلك لو شهادا بحق عند قاض فكتب بذلك إلى غيره لم تجز شهادتهما على كتابه، ولا/ على أصل الحق إذا جمعا الشهادتين، إلا أن يفردا إحداهما فتجوز، وقاله أصبغ.
وذكر ابن سحنون عن أبيه في سؤال حبيب عن رجل استخلف رجل وامرأتين على تركته وولده وديونه، فأشهدتا المرأتان لرجل يقوم مقامهما مع الخليفة أنهما وكلتاه، هل تجوز في ذلك شهادة الوصي معهما مع الرجل على توكيل المرأتين؟ قال: لا تجوز؛ لأن الوصي يحاكم الغرماء فلا تجوز شهادته عليهم بوكالة في ذلك.

في شهادة الوارث في الوصية والعتق
والصدقة وفي دين على الميت
من العتبية: قال ابن القاسم: قال عبد العزيز بن أبي سلمة في شهادة الوارث في العتق والصدقة: إنها جائزة حصته فيهما، قال: وإن كان عدلا جازت شهادته على من تصدق به عليه، وأما العتق فلا يحلف عليه ولا يقوم عليه، وقال مالك: لا يعتق منه شيء إلا أن يشتريه فيعتق عليه.
ومن سماع عيسى: وعمن احتضر فقال: ما شهد به ابني من دين أو غيره فهو مصدق إلى مائة دينار، أو لم يوقت وقتاً، ثم مات فشهد ابنه لقوم بديون، وشهد لبعض الورثة، فلا يثبت ذلك إلا بيمين إن كان عدلا كالقضاء، وإن لم يكن عدلا، أو نكل المشهود له عن اليمين لزم الشاهد قدر ميراثه من هذا الدين، وإن كان سفيها لم يجز إقراره في ميراثه، قال مالك: ولم يحلف الطالب. [8/ 335]

(8/335)


قال المغيرة في التي ماتت وليس لها وارث إلا بنات، فشهد أخوها وزوجها أنها حنثت في رقيق لها./ فلا تجوز شهادتهما، ويعتق عليها حظهما من الرقيق، ولا يقوم عليهما ما بقي.
ومن كتاب ابن سحنون: قال أشهب: إذا شهد رجلان أن الميت أعتق هذا العبد، وهو يخرج من الثلث، وشهد آخر بعتقه لعبد آخر: فالعتق للأول منهما، إذ ليس له أن يدخل عليه ما ينقص من عتقه، وإن كان أعتقهما في وصية أسهم بينهما فعتق نصف قيمتهما. قال سحنون: لا يسهم في هذا، إنما السهم في قوله: عبيدي أحرار، وأما إذا سماهم بأسمائهم فإنما يعتق بالحصص. وبقيت مسائل من شهادة الورثة بالعتق على الميت قد جوت في كتاب الوصايا.
ومن كتاب ابن سحنون: ومن هلك عن ولدين وترك عبدا، فقال أحدهما: أعتق أبي جميعه، وقال الآخر: إنما أعتق نصفه لاجتماعهما عليه، ويعتق على الذي قال جميعه: ما يصير له من حصته، لأنه لا يكون ذلك ضررا على صاحبه؛ لأنه أعتق حرا فيه العتق ولم يزد هذا فسادا، ولو كان عبدين فقال أحدهما: أعتقهما أبي، وقال الآخر: أعتق أبي أحدهما بعينه، فليعتق من اجتمعا عليه، ولا يعتق عليه الآخر، ويبقى بين الورثة، فإن ملكه المقر عتق عليه، وإن بيع جعل حصته منه في عتق، ولا يعتق عليه حصته فيضر بشركائه. [8/ 336]

(8/336)


في شهادة المحدود والقاذف وولد الزنا وولد الملاعنة
من العتبية: روى سحنون عن معاوية بن أبي صالح، عن العلاء بن صالح/ عن مكحول يرفعه إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم): لا تجوز شهادة سنة: مضروب حدا، ومجرب عليه شهادة زور، والخائن والخائنة، والقانع، وذو الغمر. والغمر: الغل.
قال سحنون: قال ابن وهب: قال ابن شهاب: وقد أجاز عمر شهادة من تاب من الذين جلدهم في المغيرة، قال سحنون: وإجازته لشهادة من تاب منهم بين المهاجرين والأنصار فما أنكره أحد منهم، دليل على أنهم رضوا ذلك، ولا نعلم أحدا من الصحابة رد شهادة القاذف بعد توبته، ولا يحتج من خالفنا بأكثر من شريح، ولا يحتج بتابعي على الصحابة، ولا على صاحب واحد إذا لم يعلم من الصحابة من يخالفه، وقد روينا عن شريح خلاف قولهم.
وقال مالك في المجموعة: ومن جلد حدا من حدود الله ثم تاب توبة ظاهرة معروفة فشهادته جائزة، وقال أشهب في المحدودين في القذف أو غيره من الحدود كلها إذا حسنت حاله وتاب، جازت شهادته، قال الله تعالى: (إلا الذين تابوا). قال ابن القاسم: قال مالك في العدل يقذف رجلا فيجلد: أن الإمام لا يقول له: تب، ولو قال له: تب لم ينفعه ذلك، ولو قال: لا أتوب ويصر على ذلك، فإذا ظهرت توبته جازت شهادته. قال ابن كنانة: فإذا كان معروفا [8/ 337]

(8/337)


بالصلاح فمعرفة ظهور التوبة منه يطول، وليس كمن كان معروفا بالسوء، لأن من عرف بالخير لا يتبين تزيده فيه إلا بالترداد والتزيد فيه.
قال ابن القاسم وأشهب في القاذف: لا ترد شهادته حتى يجلد، وقاله سحنون في كتاب / ابنه، وقال ابن الماجشون في الكتابين: إذا قذف سقطت شهادته إذا رفع ذلك عليه ولم يأت بالمخرج مما قال، حتى إذا تاب وأصلح ما قذف، حتى بلغ حالا لا تجوز معه شهادته معه لو حد، لقبلت شهادته وحد، وكانت شهادته حين حد إذ قيم عليه وقبل أن يحد جائزة، لأن التوبة إنما هي من القذف لا من الحد.
ومن العتبية: قال سحنون فيمن حد في قذف أو زنا أو شرب خمر أو سرقة فلا تجوز شهادة أحد منهم فيما حد فيه وإن تاب كائنا ما كان، وهي كشهادة ولد الزنا في الزنا فإنها إنما ترد للتهمة أن يكون الناس به أسوة. وقاله أصبغ.
ومن المجموعة: روى ابن وهب عن مالك أن شهادة ولد الزنا في كل شيء جائزة وما يشبهه من الحدود، وقاله الليث.
وروى أبو زيد عن ابن القاسم في العتبية وقاله ابن القاسم أيضا في المجموعة: تجوز شهادة ابن الملاعنة في الزنا بخلاف ولد الزنا. [8/ 338]

(8/338)


وقال سحنون في العتبية فيمن جنى على رجل جناية فاقتص له منها: أن شهادته لا تجوز من مثل ذلك الجرح، وقال في كتاب ابنه: أن شهادة ولد الزنا جائزة في كل شيء إلا في الزنا والقذف.
قال ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون في القاذف إذا تاب فإن شهادته تجوز في كل شيء إلا في الزنا والقذف واللعان، وكذلك المنبوذ لا تجوز شهادته في شيء من وجوه الزنا، لا في قذف ولا غيره وإن كان عدلا، وكذلك قال مالك، قالا: وإن قطع في سرقة لم تجز شهادته في / السرقة وإن ظهرت توبته، وكذلك إن قتل عمدا فعفي عنه ثم حسنت حالته فتوبته مقبولة، وشهادته جائزة إلا في القتل، وكذلك الرجل يحد في السكر: [إن شهادته تجوز في كل شيء إلا في السكر]، وقاله أصبغ.
ومن المجموعة وكتاب ابن سحنون: قال ابن كنانة فيمن ضربه الإمام نكالا، هل تنتظر به التوبة في قبول الشهادة؟ قال: ليس الناس في هذا سواء، ولا ما ينكلون فيه من الذنوب سواء، وقد نكل ناس بالمدينة لهم حال حسن بشيء أسرعوا فيه إلى ناس، وشهادتهم في ذلك تقبل، ليس لأحد فيها مغمز، فأما من ليس بحسن الحال إلا أن شهادته تقبل، وليس بمشهور العدالة، يأتي بالأمر العظيم مما فيه النكال الشديد، فلينظر في هذا، وإنما يعرف هذا عند نزوله، وأما الشتم ونحوه وهو في غير ذلك يعرف بالصلاح، فلا ترد شهادته في ذلك، وقال في الذي يجلد في الفرية والزنا إذا ظهرت توبته: أنه تقبل شهادته في القذف والزنا وغيره.
قال مالك في كتاب ابن سحنون في من جلد من أهل الخير [في قذف فكيف تعرف إجازة شهادته بعد ذلك، وقد كان من أهل الخير؟]، قال: [8/ 339]

(8/339)


ازداد درجة إلى درجته التي كان فيها، قال سحنون: ولم ير أصحابنا إكذاب القاذف نفسه مما تجوز به شهادته.

في شهادة البدوي على القروي
من الواضحة: روى ابن حبيب، عن عطاء ابن يسار، عن أبي هريرة أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: لا تجوز شهادة البدوي على القروي، ورواه ابن وهب، عن يحيى بن أيوب، ونافع بن يزيد، عن ابن الوهاد، عن محمد بن عمرو بن علقمة، عن عطاء ابن يسار، عن أبي هريرة / عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: لا تجوز شهادة بدوي على صاحب قرية.
قال محمد بن عبد الحكم ومالك: يتأول ذلك في الحقوق إذا شهدوا في الحاضرة، لأنها تهمة أن يشهد أهل البادية ويدع من معه من أهل الحضر، وأجازها في الدماء والجراح وحيث تطلب الخلوات والبعد من العدول.
قال مالك في العتبية والمجموعة من سماع ابن القاسم، ورواه عنه ابن وهب: لا أرى شهادة البدوي تقبل في أهل القرى، لأنه يجد الثقات من الحاضرة، والذي يشهد البدوي ويترك جيرته من أهل الحاضرة مريب، وأما الجراح فتجوز فيها شهادة البدوي إن كان عدلا على القروي؛ لأنه يلتمس فيها حين الغفلة، ولا يقدر على احضار الشهداء.
قال في المجموعة: فأما إن كانت الشهادة في البادية: فشهادة أهل البدو على القروي في ذلك جائزة، مثل أن يحضره بها الوفاة فيوصي أو بيبع بها أو يبتاع [8/ 340]

(8/340)


قال ابن القاسم في الكتابين: وتجوز شهادتهم على رؤية الهلال إن كانوا عدولاً مثل ما تقدم من ذلك.
في كتاب ابن المواز عن مالك قال عنه ابن القاسم في هذه الكتب: ومن خرج إلى بادية فسكن فيهم وانقطع إليهم، فشهادتهم له جائزة، قيل: إنه كان في معدن وقد انتقل أهله وسكنه الأعراب، قال: فشهادتهم له جائزة.
ومن العتبية وكتاب ابن المواز: قال مالك: إذا هلك الرجل بالبادية وقد كان يتجر بها فادعى غلام معه أنه عتق: قال في العتبية: إنه دبره، وكذلك في كتاب ابن سحنون، فشهد له با دون عدول / فشهادتهم له جائزة.
ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: لا تجوز شهادة البدوي على القروي في الحقوق والأشرية وشبهها، وتجوز في مثل القتل، والجراح، والضرب، والزنا، والسرقة وأشباه ذلك، وذلك إذا عرف أن البدوي كان حاضرا يوم كان ذلك، وقاله مالك وابن عبد الحكم وأصبغ.
ومن كتاب ابن سحنون: قال مالك: ولا تجوز شهادة البدوي للقروي على بيع ابتاعه أو قضاء قاض، أو صدقة تصدق بها في الحاضرة، وأما الحضري يموت بالبدو، أو سلعة بيعت فيهم، أو صدقة كانت بين أظهرهم، ولم يجد الذي احتاج إلى الإشهاد بدا من إشهاد من حضر منهم من أهل العدل، ولو لم يفعل ذلك بطل حقه، وبطلت وصية الميت، فهذا تجوز شهادتهم في مثله. [8/ 341]

(8/341)


في الشاهد يشهد عند الحاكم فلا يحكم به
حتى يموت أو يعمى أو يصيب ذنبا يجرح به
أو يقاتل من شهد عليه
من المجموعة: قال أشهب: إذا شهد الشهود عند الحاكم، ثم جنوا جنونا لا إفاقة معه أو معه إفاقة، أو جنوا جناية خطأ، فلا ترد شهادتهم بذلك إلا أن تكون جناية عمدا [قبل التعديل أو بعده قبل القضاء بها، فلترد شهادتهم، وكذلك ما أحدثوا من الزنا]، أو قذف، أو شرب خمر، أو غير ذلك مما يجرحهم، إلا أن ينفذ القضاء بهم قبل أن يصيروا إلى ذلك [فقد بعد] ويقام عليهم ما لزمهم من حد.
ومن كتاب ابن سحنون ومثله في المجموعة: قال: وإذا كتب القاضي شهادته ولم يحكم بها حتى قتل قتيلا/ على نايرة، أو قذف رجلا، أو قاتل المشهود عليه، فلا يسقط هذا شهادته التي توقف عند الحاكم إلا أن يحدث ما يستره الناس من الزنا والسرقة، وشرب الخمر مما يخفيه الناس، فتسقط شهادته تلك بذلك، وقال محمد: لأنه يظن أن ذلك مما فعله قديما وليس مما يعلنه. قال: ولو حكم بهذه البينة في حد وأقر به فلم يقم حتى ظهر منهم على ما ذكرت من شرب خمر أو فسق أو ردة فالحكم نافذ لا يرد، وإذا لم يحكم بها بطلت شهادتهم، وقاله أشهب، وهو كالرجوع قبل الحكم أو بعده، كانوا شهدوا في سرقة أو زنا أو قذف أو قصاص أو حقوق الناس. [8/ 342]

(8/342)


قال أشهب في الكتابين: ولو قاتل المشهود عليه البينة قبل الحكم وبعد الشهادة، لم يبطل ذلك شهادتهم.
ومن العتبية والمجموعة: قال سحنون عن ابن القاسم: وإذا شهد فلم يحكم بشهادته حتى وقع بينه وبين المشهود عليه خصومة فإن شهادته لا ترد.
قال أشهب في العتبية فيمن شهد لامرأة بشهادة فلم يحكم بشهادته حتى تزوجها: أن شهادته ماضية، بخلاف من أوصى لرجل وليس بوارثه، ثم يكون وارثه بعد ذلك، فلا تجوز تلك الوصية، وفرق بينهما: أن الشهادة للزوجة إنما ترد بالظنه، والظنة إنما حدثت بعد الشهادة، كما لو شهد عليه فلم يحكم بها حتى صار بينه وبينه خصومة فشهادته ماضية.
قال ابن حبيب عن أصبغ: سألته عن قول ابن القاسم وأشهب في البينة تشهد على حق/ لله أو حق لعباده، فيحكم بشهادتهم فلا يقام الحد ولا يؤخذ الحق حتى أحدثوا فسادا في حالتهم: إن ذلك ماض نافذ، وقال أصبغ: أما في حق العباد فكذلك نقول، وأما الحد الذي لله تعالي لا لغيره فلا ينفذ، وفارق عندي الحقوق، وقاله مطرف، وهو قول ابن حبيب. وقال في الشاهد يشهد فلا يقضى به حتى يزني، أو يسرق، أو يقتل، أو يجرح، أو يسوء حاله بوجه وهو يوم شهد عدل، قال مطرف: لا يقطع بها، وإنما ينظر إلى حاله يوم يقطع بشهادته، وذكر عن ابن الماجشون نحو ما قدمنا ذكره مما يسر أو يعلن.
وقال مطرف فيمن شهد على رجل سلم له فلم يحكم عليه حتى عاداه: أن شهادته ماضية، لأن المطلوب قد يتعرض لعداوته ليسقط بها شهادئه، وهو بخلاف ما يحدثه الشاهد مما يصيره إلى الجرحة، وقال ابن الماجشون: ولو كان أشهد قوماً [8/ 343]

(8/343)


على شهادته أو سمعوها منه قبل ذلك ثم عاداه فشهد عليه بعد العداوة، فشهادته جائزة كما لو قام بها عند سلطان فرفع بها في ديوانه قبل العدواة، وكذلك كل ما أحدث مما لا يستتر به مما يجرحه مثل القتل والقذف وشبهه، فإن شهادته جائزة إذا كانت قد فسدت قبل ذلك، وقول مطرف أحب إلي، وإن حكم حاكم بقول ابن الماجشون: ما أخطأ.
ومن المجموعة: قال ابن القاسم: ومن شهد على رجل بطلاق البتة عند الإمام وقبله، فأحلف المشهود عليه، ثم نكث الشاهد وأخذ في نعته/ ثم شهد آخر بمثل شهادته، قال: لا يقبل الأول عليه، لأنه يوم تضم شهادته إلى الآخر غير عدل.
في الشاهدين يشهدان على ما يؤدي
إلى ما لا تجوز معه شهادتهما
من رقهما أو حد يلزمهما أو نحو ذلك
ومن المجموعة وكتاب ابن المواز: قال ابن الماجشون: وإذا شهد رجلان أن فلانا طلق امرأته وأعتق جاريته، ثم رأيناه يزني بهما، فلا تقبل شهادتهما في الطلاق والعتق، لأن ذلك يوجب عليهما حد القذف، ولا حد عليهما إذا لم يثبت الطلاق والعتق، وقال أصبغ في العتبية: يحدان، ولا تجوز شهادتهما، لأنهما يقولان: هذا زان. وذكر ابن حبيب عن أصبغ مثل قول ابن الماجشون، قال ابن الماجشون وأصبغ في العتبية والواضحة: ولو شهدا عليه بطلاقها، وشهدا أنهما رأياه على بطنها أو في لحاف عريانين جميعاً: فالطلاق لازم، ويؤدبان فيما فعلا من ذلك، [8/ 344]

(8/344)


وقال سحنون في العتبية مثله. محمد، وفيهما اختلاف يعني في المسألة الأولى، لأن ابن القاسم يقول: شهادة القاذف أبدا لا ترد حتى يقام عليه الحد، فإقامه الحد تبطل شهادته، وأرى على جواب عبد الملك أن لو صدقها الزوج في طلاقها البتة، والسيد في العتق، وكذبهما في الوطء كان عليهما حد القذف، وقاله أشهب.
ومن كتاب ابن سحنون وأراه لعبد الملك: وإذا شهد رجلان على رجل أنه طلق امرأته بائنا والزوج يجحد، فأقر بأنه وطئها من بعد وقت الطلاق الذي/ أرخاه، فلا حد على الزوج، ويلزمه الطلاق.
قال ابن سحنون: ولو شهدا بالطلاق، وأنهما رأياه يطؤها بعد الطلاق، بطلت شهادتهما في الطلاق والحد.
قال سحنون: وإن شهد أربعة أنه طلقها، وأقر الزوج بالوطء بعد وقت الطلاق وجحد الطلاق، حددته، وإن قالوا: نشهد أنه طلقها ووطئها، حددته أيضاً، وروى على عن مالك فيمن شهد عليه أربعة عدول أنه طلق امرأته البتة وأنهم راوه يطؤها بعد ذلك وهو مقر بالمسيس أنه يفرق بينهما ولا حد عليه.
قال سحنون: وأصحابنا يأبون هذه الرواية ويرون عليه الحد.
ومن العتبية: قال أصبغ وسحنون، وهو في كتاب ابن المواز، وذكره ابن عبدوس عن ابن الماجشون فيمن هلك ولم يدع وارثا إلا ابن عم له، وقال بعضهم: إلا أخ له فيما يظهر فأعتق غلامين ممن يورث عن الهالك، ثم شهدا بعد عتقهما أن سيدهما في حياته أن جاريته فلانة حامل منه، ثم ولدت، فلا تجوز شهادتهما لأن إجازتها يرقها. [8/ 345]

(8/345)


قال أصبغ في العتبية: ولو أعتق رجل عبدين ثم شهدا أنه غصبهما مع مائة دينار، فشهادتهما تجوز في المائة ولا تجوز في غصبه إياهما، وقيل: فكيف يجوز بعضهما ويرد بعض؟ قال: كما لو شهد امرأتان في عتق ومال لقبلت في المال دون العتق. وقال سحنون في كتاب ابنه: لا تجوز في المال ولا في أنفسهما، قال: ولو بتل عتقهما في مرضه وله مال مأمون، أو عتقها بعد موته بذلك أو من وصية ثم شهدا بحمل أمة أنه منه/ بعد تنفيذ الوصية لهما أو قبل، قال: تجوز شهادتهما إن حملهما الثلث إذ لا يرقان بشهادتهما، وأما إن كان الثلث لا يحملهما، فاستتمه الوارث على نفسه لهما، لم تجز شهادتهما، ويصبرا كأول المسألة لأن ذلك يرق منهما ما فضل عن الثلث. قال ابن القاسم في المجموعة: وإن لم يكن للموصى إلا الغلامان والجارية، وكان الغلامان ثلث ذلك، فعتقا ثم شهدا أن الجارية ولدت من سيدهما لم تجز شهادتهما لأن ذلك يرقهما.
وذكر ابن حبيب عن ابن الماجشون فيمن مات وورثه أخواه فأعتقا عبدا من التركة، ثم شهدا أنه ابن أخيهما، جازت شهادتهما إن كانا عدلين، ونزع ما بأيديهما، والحقت النسب، ورددت عتق من أعتقاه، وإن لم يكونا عدلين لم يلحق نسب، ولم يرد عتق ولينزع للولد بما ورثاه، ولا يغرما قيمة ما أعتقاه، وقال أصبغ: لا يرد عتق من أعتقاه وإن كانا عدلين، ويغرمان القيمة، كانا عدلين أم لا. [8/ 346]

(8/346)


فيمن شهد بشهادة عند حاكم فردها لوجه
ثم شهد بها بعد ذلك، هل تقبل؟
من كتاب ابن سحنون عن أبيه: أجمع أصحابنا أن من شهد بشهادة عند قاض فردها لجرحة، أو لجر إلى نفسه، أو لظنة أو تهمة لا لجرحة، كشهادته لابنه أو أبيه أو زوجته، ثم شهد بها بعد ذلك عند ذلك القاضي أو غيره بعد أن زالت جرحة المستجرح، وحسن حاله، وبعد زوال ما كان به ظنيناً من طلاق زوجته التى كان شهدا لها وشبه ذلك، فإن تلك الشهادة لا تقبل منه، لأن قاضيا حكم بردها/ قال محمد: فقلت له: قال أهل العراق بمثل هذا معك، ولكن قالوا: إن شهد صبي أو عبد أو نصراني فردت شهادتهم. ثم شهد بها الصبي بعد الحلم، أو النصراني بعد الإسلم، أو العبد بعد العتق، أنها تقبل، لأن العلة التى ردت لها قد زالت، وإلا فلا فرق بين ذلك وبين ما جامعونا فيه من شهادته لزوجته أو لعبده، ثم ردت، ثم طلق الزوجة، أو أعتق العبد، أنها لا تقبل، لأن قاضيا ردها، وإن كانت العلة التي لو ردت قد زالت، قلت: فقد روي عن الشعبي والحسن والنخعي في الصبي إذا شهد قبل أن يبلغ. والعبد قبل أن يعتق، والكافر قبل أن يسلم، أن شهادتهم بعد البلوغ والعتق والإسلام جائزة، قال: هذا غير مختلف فيه، وإنما منعناه إذا شهدوا في الحالة الأولى فردت شهادتهم، وإنما اختلف الناس إذا شهدوا في الحال الأولى فردت ثم قاموا بها بعد زوال تلك الحال.
قلت: فقد روي عن الحكم مفسرا قال: لا حجة بالحكم مع عثمان بن عفان، وقال مثله: وإبراهيم النخعي والشعبي والحسن ومكحول، قال: إنها تجوز ما لم ترد قبل ذلك، وقاله شريح وأبو الزناد وابن شهاب، واحتج أشهب بمثل ما [8/ 347]

(8/347)


تقدم من رد القاضي شهادة غير العدل والمتهم، ثم تزول الجرحة وما به اتهم، ثم يشهد بها فإنما لا تقبل. قال محمد: قلت لسحنون: وهؤلاء أهل العراق وقد قامت حجتك عليهم بالمناقضة، وأهل البصرة ساووا بين الجميع وقالوا: تقبل من العبد بعد عتقه، والصبي بعد / احتلامه، والكافر بعد إسلامه، وإن ردت في الحال الأولى، قال: لا يناظر هؤلاء، إذ لا سلف لقولهم من صدر الأمة من صاحب ولا تابع ولا تابع تابع، قال سحنون: ولولا الحكم بين عيينة ما كان للكوفيين سلف فيما خالفونا فيه، وما علمت لهم سلفا غير الحكم، وأما قول البصريين: لا يجوز قول القائل: ردت شهادتهم، إذ لا يجوز أن تسمع منهم، فهذا غلط منهم، لأن من رد عليه خبره قبل أن يسمع منه، إذ ليس بأهل أن يقبل منه كان هذا أقبح في الرد من رده بعد أن يسمع منه. ومسائل هذا الباب ومعناه فيه باب مفرد في كتاب القضاء باليمين مع الشاهد، وفيه: إذا أودعوا شهادتهم في الحال الأولى، ثم نقلت عنهم في الحال الثانية.
قال سحنون: ولو شهد عن الحاكم نصراني أو عبد أو مستجرح والحاكم لا يعرفهم، فكتب شهادتهم ثم لم يعلم بهم حتى عتق العبد وأسلم النصراني وحسن حال المستجرح فهي نافذة ويقضى بها، لأن الحاكم لم يردها.

في الرجل يشك في شهادته
وقوم يشهدون على شهادته
أو يجحد شهادته ثم يشهد بها
أي بما بقى منها، أو بنكوله بعد الشهادة
من المجموعة: روى ابن وهب عن ابن شهاب في الرجل يشك في شهادته، قال: لا تجوز شهادته وإن شهد عليه، وقاله مالك والليث، قال مالك: لا يجوز نقلها عنه ونسيها. [8/ 348]

(8/348)


ومن العتبية والمجموعة وكتاب ابن المواز: قال ابن القاسم عن / مالك: في مريض سئل عن شهادة فأنكرها وقال: كل شهادة أشهد بها بينكما فهي باطل، ثم شهد بعد ذلك، فإنه يسأل عن عذره، فإن قال: كنت مريضا فخفت ألا أثبت بما أشهد به، أو جاء بعذر يعرف وجهه فهي جائزة، قال في كتاب ابن المواز: ومن سئل عن شهادة فأنكرها ثم يشهد، فإن جاء بعذر قبل منه إن كان عدلا. ومن المجموعة: قال ابن وهب: إن أبا بكر بن حزم سأل القاسم بن محمد عن شهادة عنده فلم يذكرها ثم ذكرها بعد ذلك، قال في رواية أخرى: فلما كان بالطريق ذكرها فقبلها أو بكر، وقال: لو كان غيرك ما أجزنا شهادته.
قال سحنون: وكان القاسم اسمه فيها ولو لم يعلم أن شهادته فيها جائزة ما شهد، قال: والشاهد في شهادته كالحاكم إن رأى أنها تجوز يرفعها وإلا لم يرفعها، وقد رفع بعضهم شهادته وأخبر أن بينهم عداوة، فقال فيه وفي كتاب محمد ومن دعي إلى شهادة فلم يذكرها ثم ذكرها فإنها تقبل منه إن كان مبرزا لا يتهم ولو مر من طول الزمن ما يستنكر، قال ابن وهب عن الليث في المجموعة: إنما يقبل هذا من البين الفضل ممن لا يتهم، وقاله ابن القاسم إذا قال عند القاضي: ما أذكر، وماله عندي علم، ثم عاد بعد أيام فشهد، فإنه يقبل إذا كان لا يشك في عدله ولا يتهم، وقال سحنون: إذا كان مبرزا جازت شهادته إذا قال: أخروني لأنظهر وأفكر، وإن قال: ما عندي علم، ثم رجع فأخبر بعلمه، فقد اختلف فيها/ عن مالك، وأجازها ابن نافع إن جاء بها في قرب وهو مبرز، قال ابن المواز: قال أشهب: إن قال: كل شهادة أشهد بها فهي زور، قال: لا يضره ذلك وليشهد، وقاله أصبغ في الواضحة. [8/ 349]

(8/349)


ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه في الشاهدين شهدا في صداق بكر بسبب، فأقام الزوج بينة أن لم يبق عليه منه إلا خمسون، فجاء الأب بشاهدين أن تلك البينة قالا: لا نشهد بينهما بشيء، فإن قالا: قلنا ذلك لعلهما بصطلحان، فليقبلا، قال ابن القاسم: ومن شهد بثلاثين ديناراً ثم ذكر أنها كانت خمسين؛ فإنه تقبل شهادته في ذلك كله، وقاله في المجموعة والعتبية. ومن الواضحة: قال ابن حبيب عن مطرف، وإذا قال: هي خمسون وكنت نسيت، وقت ادعى ذلك رب الحق أو لم يدعه، فإن كان بين العدالة قبلت شهادته، وإن كان على غير ذلك لم تجز شهادته، وقاله أصبغ، وقال ابن القاسم: إذا عاد فزاد أو نقص في شهادته، فإن ذلك يقبل من المنقطع في العدالة ممن لا يتهم في عقله، فإذا كان فيما زاد أو نقص ما ينقض الشهادة الأولى، وذلك بعد الحكم، فلا يقبل ولا يفسخ الحكم، وإذا زاد مالا ينقض الأولى قبل من المبرز، وكذلك روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في العتبية من أولها.
قال سحنون: وأنا أقول إن استقال الشاهد قبل القضاء أو بعده وادعى الغلط فإنه يقبل قوله، ويقبل فيما يستقبل إذا كان عدلا رضى.
قال ابن حبيب عن مالك فيمن سأل رجلا عن شهادته فأنكرها، أو سئل/ عنها المريض فلم يذكرها، ثم شهد بعد ذلك وذكر عذرا، قال ابن حبيب: وهذا إن سئل عنها عند الحاكم، أو سئل المريض عنها فيما ينقل عنه، وأما في غير هذين الموضعين فلا يضره إنكار شهادته كقوله للخصم: ما أشهد عليك بشيء، ثم يأتي ويشهد، فلتقبل منه ولا يضره القول الأول، وإن كان عليه بينة.
قال ابن المواز: قال أشهب وقاله ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون وأصبغ فيمن شهد عند الحاكم فيوافيه المشهود عليه فقال: بلغني أنك شهدت علي بكذا، فقال: ما شهدت عليك به فأنا مبطل فيه، فليس هذا برجوع، وإن [8/ 350]

(8/350)


شهد به عليه، إلا أن يرجع عند شهادته، قال سحنون في العتبية: هذا رجوع على الشهادة إن كان على قوله بينه، وتبطل شهادته إن كان ذلك قبل القضاء، وإن كان بعد القضاء ضمن ما أتلف من المال.
قال أشهب في كتاب ابن المواز: ولو قال: زكيت فلانا وقد شهد على؟ فقال: لو علمت أنه شهد عليك ما زكيته، فلا يضره ذلك وإن ثبت أنه قاله.
فيمن قال رضيت بشهادة فلان ثم بداله
أو قال إن أقام على فلان بينة بدعواه فذلك في مالي
فأقام شاهدا فقال هذا أردت شاهدين
أو قال رجل لآخر افتضضت ابنتي
فقال إن قال النساء إن ابنتك مفتضة فأنا أفتضضتها
ثم نكل أو قال ما شهد لي به فلان فهو باطل
ثم شهد له، أو شهد ثم قال الشاهد:
إن كنت شهدت بهذا فأنا مبطل
من العتبية والمجموعة / وكتاب ابن المواز: قال ابن القاسم: قال مالك في الرجلين يتداعيان الشيء، فيقول أحدهما: رضيت بما شهد به على فلان، ثم بدا له قبل أن يشهد أو بعد أن يشهد وقال: ظننت أنه يقول الحق، فذلك له، ولا يلزمه قوله ذلك، قال ابن المواز: قال ابن القاسم: ولكن إن كان الشاهد عدلان قيل عليه. ونحوه في المجموعة عن ابن القاسم، ولكن إن كان ذلك في الأموال، وقال مالك: لا يلزمه ولا يقبل، عليه وإن كان عدلا، قال ابن القاسم: محمله عندي في غير الحقوق، يريد: الأموال، قال ابن دينار في العتبية: إذا تنازعا في شيء يظنه كل واحد منهما لنفسه ولا يستيقنانه، فسألا الرجل فشهد لأحدهما، فذلك جائز، وليس كمسألة مالك. [8/ 351]

(8/351)


وقال ابن كنانة في المجموعة: إذا تنازعا أرضا أو دينا فادعي أحدهما شهادة فلان، فرضي الآخر به ثم نزع، فإن كان نازع خصمه فيما لا علم عنده منه مثل حدود أرض، أو دين على أبيه، أو أرض، أو دابة، أو رأس، أو ثوب، أو نحوه مما لا يعلمه الراضي، فذلك يلزمه شهادة من رضي به، كان عند إمام أو غيره، وليس له نزوع عنه، وإن قال: رضيت بشهادته في فعل فعله أو قول قاله يذكر أنه علم ذلك، أو سلف أسلفه أو نحوه، يقول: انه ممن يقول الحق ثقة بعدله فأنا فلان بخلاف ما يقول هذا أنه كان منه، فلا يلزمه ذلك، وقال سحنون نحوه في العتبية والمجموعة.
ومن العتبية / روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فيمن ادعى على رجل أنه فتض ابنته، والرجل ينكر، ثم قال: ينظرها النساء، فإن لم تكن بكرا فأنا بها، فنظرها النساء فإذا هي مفتضة، فأنكر أن يكون هو بها، قال: لا يلزمه قوله الأول، لأنه يقول: رجوت أن أبرئها بنظر النساء، وأن تكون سالمة مما ظن بها أبوها، فلا صداق عليه ولا حد حتى يقيم على الإقرار، والأب فاذف إن كان هذا ممن لا يشار إليه بالفواحش، مشهورا بالعدالة، فيحد، وإن كان من أهل التهم فلا حد عليه.
وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن قال عند موته، أو في صحته: ما شهد به على فلان فهو مصدق فيما قبلي من دين، وفلان عبد له أو لغيره، أو محدود أو نصراني، أو امرأة فقال مالك في رجلين تنازعا في أمر فادعى أحدهما شهادة فلان، فقال الآخر: اشهدوا أن ما قال فلان حق، ورضي به، [فشهد عليه] فلم يرض بقوله، قال: فلا يلزمه ما قال، قال ابن القاسم: فيرد إلى حد ما يحكم به. [8/ 352]

(8/352)


ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: وإذا قال الطالب عند القاضي: يشهد لي فلان وفلان، فقال المطلوب: إن جئت بفلان يشهد لك فقد لزمني دعواك والرضي به وحده، فأتي به، [فشهد عليه] فرجع المطلوب وقال: لا أرضى به لأنه شهد بالباطل، ولم أظن ذلك، فإنه ينظر، فإن كان هذا الحق مما يعرفه المدعي عليه، [فله أن يرجع عند ذلك، وإن كان هذا الحق مما لا يعرف المدعى عليه] وقال لا علم لي به، ولا أرجع إلى علم هذا / الشاهد الذي رضي به، وإنما كان هذا الحق يطلبه به يسبب جده أو أبيه، والمشهود عليه لم يدرك ذلك، فليس له أن يرجع عند ذلك، وليقض عليه القاضي بما الزم نفسه، كذلك قال ابن دينار وفسره.
قال سحنون: وكذلك لو قال: رضيت بشهادته عند غير قاض، وألزم ذلك نفسه، فالجواب سواء، قال: ولو أن هذا الخصم بداله أن يرجع عن ما جعل على نفسه قبل أن يأتي ذلك الشاهد، كان ذلك له، ولم يلزمه.
ومن العتبية: قال أصبغ في امرأة قامت بصداقها والزوج مريض، فأشهد أنها إن أقامت بينة فذلك في مالي، فأقامت شاهدا عدلا، فقالت: إنما أردت شاهدين، قال: تحلف، ولا يلزمه حتى تقيم شاهدين، يريد: إن لم نشأ هي أن تحلف مع شاهدها.
ابن القاسم في المجموعة والعتبية من رواية عيسي في نصرانيين أو مسلمين يختصمان إلى الحاكم في مال، فيرضيان بشهادة نصرانيين، أو مسخوطين، فلا يقضى بينهما بمن ذكرت، وليرضيا بمن أحبا، قال: فإن رضيا بشهادتهما ثم أتى [8/ 353]

(8/353)


أحدهما بعد أن شهدا؟ قال ابن القاسم: إذا علما بشهادتهما ورضيا فليس لهما أن ينكصا ويلزمهما تراضيهما بغير شهادتهما.
ومن كتاب ابن حبيب عن مطرف فيمن ادعى قبل رجل حقا فقال الطالب: احلف لي، فقال المطلوب: إني أخاف أن يكون لك بينة، أو أن أهل قرية يشهدون لك، فقال الطالب: كل من يشهد لي منهم فشهادته ساقطة عنك، أو قال: كل / شاهد يشهد لي فهو مبطل، قال: أما قوله: كل شهاهد، فلا يضره حتى يسموا له، أو ينصوا، أو يكون عالما ببينة فرضي بيمينه فلا قيام له بها بعد ذلك، وأما قوله: كل شاهد يشهد لي عليك من قوم كذا فهو باطل، فهذا يلزمه، وقاله ابن القاسم ومطرف.
ومن المجموعة: قال ابن كنانة فيمن شهد له على رجل يعدله رجل، ثم إن الشاهد شهد على المعدل، قال: فشهادته مقبولة، ولا يكلف التعديل، لأنه قد رضي بشهادته إذا عدله.
وقال ابن الماجشون في الخصمين عند الحاكم أو عند من حكماه، فسألاه أن يقضي بينهما بشهادة من لا يقبله الحاكم، فلا ينبغي له ذلك، وقد يقضي به، وقد يعدل الشاهد به، وليقل لهما، ما عليهما من شهادتهما، [فقبلا منكما، وإن قالا: ما شهد به علينا فلان وفلان فهو علينا جائز] فشهدا بينهما فأبى أحد الخصمين قبل ظهور الشهادة أو بعد انكشافها، فذلك له، فإن كانوا غير عدول لم يلزمه شيء، وإن كانوا عدولا حكم بهم عليه، إلا أن يقول: رضيت بشهادتهم بعد أن فسراها وكشفاها فيكون كالإقرار.
ومن كتاب ابن سحنون: قال فيمن شهد بشهادة فقال له المشهود عليه: [8/ 354]

(8/354)


شهدت علي بكذا، فقال: إن شهدت به فأنا مبطل فيه، وقد شهد به، قال: فشهادته ساقطة، وهذا رجوع إن كان على قوله بينة.
وكتب إليه شجرة في رجل أقام بينة لابنته البكر، أن صداقها مائتان وخمسون دينارا، [وثبت، فأقام الزوج بينة: أنه لم يبق عليه منه إلا خمسون دينارا]، فلما ثبت ذلك أتى الأب بشاهدين أن هذين الشاهدين أقرا عندهما / قبل شهادتهما بشاهدين: أنا لا نشهد بين الأب والزوج بشيء، أو قالا: إنما نشهد أن الأب حط عن الزوج مائة، وقبض مائة، فكتب إليه، أما قولهما: لا نشهد بينهما، فإن قالا: قلنا ذلك رجاء أن يصطلحا لم يضرهما ذلك، وأما قولهما: أنه قبض مائة وحط مائة فهو غير صريح بشهادتهما، يريد: وليس للأب حطاط في غير طلاق قبل البناء، وقولهما أولا: لم يبق على الزوج إلا خمسون لم يكشفاه: كيف ذلك، وقولهما الآخر، لا يوجب براءة الزوج من الحطيطة، ويظهر لي أن المائة وخمسين تلزمه [ولم يتكلم فيه سحنون، وإنما قال: لا يجرحهما ذلك وهو كذلك] كما قال، لأنه أمر فيه تأويل.
في الشهود في الزنا وغيره هل يكشفهم الحاكم عن
الوقت والموضع ويفرق بينهم، أو يدخل ذلك الشيء
فيما يشبهه؟ وفي الشهادة على أعيان الدنانير، أو
شهدوا على امرأة هل يخرجونها بين النساء؟
أو شهدوا على الرجل: أن عليه لفلان كذا
ولم يبينوا مم ذلك
ومن المجموعة: قال ابن القاسم: كل الشهود لا يسألون ولا يفرقون إذا كانوا عدولا، إلا الشهود على الزنا فإنهم يفرقون ويسألون، قال مالك: وينبغي أن يسألهم كيف كانت شهاتهم. [8/ 355]

(8/355)


ومن كتاب ابن سحنون: وعن الخصم يسأل تفريق البينة ليسألوا واحدا واحدا رجاء أن يختلفوا، قال سحنون: لا نعرف تفريق البينة في مثل هذا، وإن من البينة من لا يعرف معنى ما شهد عليه.
ومن المجموعة: قال أشهب: ولا يقطع السارق حق تسأل البينة عن تفسير السرقة، فإن غابوا قبل كشفهم عن صفة الزنا والسرقة، فإن بعدت/ غيبتهم أقيمت الحدود ولم ينتظروا إلا في غيبة قريبة ليسألوا، وذلك إذا لم يكن الشهود على الزنا إلا أربعة، ولا على السرقة إلا اثنان، فأما إن كانوا أكثر وقد ماتو إلا واحد حاضرا أو غائبا غيبة قريبة لم ينتظر بالشهود عليه، قال في كتاب ابن المواز: وإذا غاب أربعة لم يسأل الباقون إذ لو رجع الباقون لأقيم الحد بشهادة الغائبين.
ومن المجموعة: قال ابن القاسم وأشهب وعبد الملك: وإذا سألهم عن صفة الزنا فأبوا ولم يزيدوا على أن شهدوا عليه بالزنا، ردت شهادتهم وحدوا.
قال ابن القاسم: لا يحدون إلا بعد كشف الشهادة، قال ابن الماجشون: حتى يدل تفسيرهم أنه الزنا [نفس الزنا].
قال أشهب: ويقولون: كالمرود في المكحلة، وقال أشهب: لا يفرق بين الشهود في حد ولا غيره غلا أن يسرتاب في شهادتهم فله أن يستدل على صحة ذلك في التفرقة بينهم، فإن اتفق إثنان على صفة السرقة أقيم الحد، وإن اختلفت شهادة من بقي، ولا حد على من اختلفت شهادته، ولا عقوبة في زنا ولا غيره، قيل لابن القاسم: أيسألون: هل زنى بالمرأة؟ قال: إنما قال مالك: إنما يكشفهم عن الشهادة، ولم يذكر امرأة، قال أشهب: لا يسألون عن هذا، إذ لا يجهل أحد أن الزنا بامرأة، ولكن عن حد زناه كيف هو، وقال عبد الملك: نحوه، قال: وإنما يسألهم: هل رأيتموه يدخل الفرج في الفرج كالمرود في المكحلة؟ [8/ 356]

(8/356)


قال ابن الماجشون في الواضحة: ولا يضرهم اختلافهم فيما سوى ذلك من اختلاف الأوقات/ ولا في المواطن، ولا في الحال، فهذا خلاف قول ابن القاسم، قال ابن القاسم وغيره في المجموعة: لا يسألون في صدقة ولا غيرها عن اليوم الذي شهدوا فيه، ولا شهر ولا غيره، ولا في ليل أو نهار، ولا ما أكلوا في ذلك المجلس، ولا هل أكلوا، ولا عن لباسه، لايسأل عن هذا عدل ولا غيره، فإن استراب من غير العدل سأله عن غير هذا مما يرجو فيه بيانا من اختلاف شهادتهم، فأما إن لن تختلف شهادتهم فلا يسألهم عما تقدم، قال: وإن كثروا فاتفق اثنان منهم على عتق أو صدقة لم ينظر إلى من خالفهم في اسم الرأس ولا معرفته ولا في المجلس، إلا أن يتبين للإمام حين ينزل هذا أمر هو أبين مما ذكرت فيعمل به.
قال محمد بن عبد الحكم: وإذا شهد شاهدان أن لفلان على فلان مائة دينار، ولم يقولا: أقر بذلك ولا غيره، وإنما أطلقها الشهادة هكذا، لم أرد أن يحق ذلك شيئا لأنهما كالخصمين في هذا الموضع حتى يبينا ذلك ويقولا: أسلفه أو أقر عندنا، أو مايبينان ما شهدا به، وقد تجد من الناس من يحل بيع النبيذ المسكر ويوجب له ثمنا وغير ذلك.
وقال ابن حبيب عن ابن الماجشون: إن شهدوا أن فلانا افترى على فلان أو شتمه أو أذاه أو سفه عليه، فلا يجوز ذلك حتى يكشفوا عن حقيقته، إذ قد يظنون ما قالوا وهو على خلاف ما ظنوا، وقاله مطرف وأصبغ، قال أصبغ: إلا أن تقوت البينة فلا يقدم على إعادتهم، فليعاقب المشهود عليه على / أخف من ذلك.
ومن كتاب ابن المواز: قيل: أيدفع كتاب الشهادة إلى الشاهد حتى يقرأه أو يقال له: اذكر ما فيه ويمسك عليه؟ قال: يمكن من قراءة شهادته، فإذا عرفها [8/ 357]

(8/357)


شهد، وليس كل الناس يسوق شهادته على ما كتب حتى يقرأها، ولو كلف ذلك بعد أن يقرأ ما يقدر، ولكن إذا ثبت العدل ما قرأ جازت شهادته، وقاله أصبغ، وفعله العمري القاضي بمحضر ابن وهب وغيره، ومثله في العتبية لابن القاسم، قال ابن القاسم في العتبية] وكتاب محمد والمجموعة فيمن اعترف دابة أوررأسا هل تجمع له داوب أو رفيق ويدخلوا فيها، ويكلف إخراجها؟ قال: ليس ذلك على أحد في شيء من ذلك، وذلك خطأ ممن فعله، ولكن إذا كانوا عدولا قبل شهادتهم، قال محمد: قال أصبغ: وكذلك النساء إذا شهد عليهن.
قال سحنون في كتاب ابنه: ولو شهدوا على امرأة بإقرار أو نكاح أو براءة، ويسأل الخصم إدخالها في نساء ليخروجوها، وقالوا شهدنا عليها علىمعرفتنا بعينها ونسبها، ولا ندري هل نعرفها اليوم، وقد تغيرت حالها، [وقالوا: لا نتكلف ذلك، قال سحنون: لابد من أن يخرجوا عينها، وإن قالوا: نخاف أن تكون تغيرت عن حالها] قيل لهم من: إن تشككتم وقد أيقنتم أنها بنت فلان وليس لفلان إلا بنت واحدة من حين شهد عليها إلى اليوم، جازت الشهادة إذا قالت البينة: أشهدتنا وهي متنقبة، وكذلك نعرفها، ولا نعرفها بغير النقاب، فهم أعلم بما تقلدوا، وإن كانوا عدولا وعينوها كما ذكرت، قطع بشهادتهم.
ومن المجموعة: / قال ابن القاسم: وإذا شهدوا أن فلانا مولى فلان، ولم يقولوا: أعتقه، فلا يجوز ذلك حتى يقولوا: أعتقه أو اعتق أباه أو جده، ولا يعلمون له وارثا غيره، أو على إقرار الميت، أو على شهادة أحد.
قال سحنون: إن شهدا على شهادة أحد أنه مولاه، فقد نقلا شهادة غائبين، ولو حضرا لم يقبلا شهادة غائبين، ولو حضرا لم يقبلا حتى يشهدا أنه أعتقه، فكيف يجوز عنهم في النقل مالا يقبل منهم في حضورهم، وقد غلب [8/ 358]

(8/358)


ببلدنا وغيرها: أن يتولى قوم قوما ليسوا بمواليهم، لأنهم أسلموا على أيديهم، أو لغير ذلك، وأجاز مالك شهادة السماع في الولاء، وإنما يقولون: سمعنا أنه مولى فلان لا غير ذلك، وابن القاسم لا يقبل منهم غير علمهم حتى يقولوا: اعتقه، فما أدري ما هذا؟ وكذلك قال عبد الملك: لا تقبل شهادتهم حتى يقولوا: اعتقه، قال أشهب: إن لم يموتوا أو يغيبوا ببلد بعيد، فليعادوا ليوقفوا على ذلك، فإن فاتوا بذلك نقلت شهادتهم، وكذلك إقرار الميت أنه مولاه ولم يقل عتاقه إنه يرثه بالولاء.
ومن كتاب ابن المواز والمجموعة: وإذا شهدوا على أعيان الدنانير في تركة ميت، قبلت شهادتهم.
ومن كتاب ابن سحنون: سأله حبيب عن امرأة ادعى قبلها دعوى، فأنكرت فقامت عليها بينة فقالوا: أشهدتنا على نفسها وهي متنقبة بكذا، ولا نعرفها إلا متنقبة، فإن كشفت وجهها لم نعرفها، قال: هم على ما تقلدوا، فإن كانوا عدولا وقالوا: عرفناها وشهدوا عليها / فهم أعلم ويقطع بشهادتهم.
في القوم يشهدون أن لفلان أرضا
وآخرون يشهدون على حدودها
أو يشهدون على بيع امرأة
وآخرون على عينها
من العتبية من رواية ابن القاسم، وزاد في المجموعة: ابن وهب عن مالك فيمن يقيم بينة أن هذه أرضهم ولم يحدوها، وآخرون يشهدون بالحدود ولم يشهدوا بالملك، فذلك جائز، ويقضى لهم بها، وتتم الشهادة. [8/ 359]

(8/359)


ابن حبيب: قال ابن الماجشون فيمن غصب أرضا فشهد له بذلك شهود لم يعرفوا الحدود، فإن حدها غيرهم تمت الشهادة، وإلا قيل للغاصب: ادفع إليه ما غصبت وحده واحلف عليه.
ومن المجموعة: قال ابن كنانة فيمن شهدوا على امرأة بإقرار أو بيع، فقاموا بما شهدوا إلا أنهم لم يعرفوها بعينها، وعرفوا الاسم والنسب الآن، وقالوا: إن كانت فلانة بنت فلان فقد أشهدتنا، قال: إن شهد غيرهم أنها فلانة بنت فلان مع شهادة هؤلاء الذين يشهدون على الحق في الاسم والنسب، فليحلف رب الحق ويثبت حقه. قال سحنون في كتاب ابنه: ويعرف أنه ليس لفلان بنت غيرها.
ومن المجموعة: قال أشهب: وإن شهدوا أن هذه الدار كانت لجد فلان هذا، مات وتركها ميراثا، فلا يقضى بذلك حتى يشهدوا هم أو غيرهم أنه وارث جده، لا يعلمون له وارثا غيره، أو على بقية الورثة.
وفي كتاب الغصب ذكر من شهد له قوم على أرض غصبت ولم يضبطوا الحدود/، وشهد بالحدود غيرهم ممن ليس بعدل.
ومن كتاب ابن سحنون: كتب شجرة إلى سحنون فيمن أقام شاهدين أن لابنته، ولم يسمياها - قبل زوجها فلان: كذا وكذا دينارا بقية صداقها، وقد ثبتت وكالتها إياه، والزوج منكر للنكاح، فكتب إليه إذا: لم يسميا ابنته فلا يصح هذا إلا على إقرار الزوج بأن بنت هذا زوجتي، وأن لها من صداقها كذا قبلي، فينظر فإن ثبت أنه ليس له ابنة غيرها: حكم لها إذا ادعت هي الأب النكاح. يريد: وقد ثبت النكاح بغيرهما، أو لم يكن بنى بها إذا كانا طارئين. وقال ابن كنانة: يكشف الشهود واكتب إلي، أراه يريد: هل شهدوا على علمهم أو على إقرار الزوج بالحق؟ [8/ 360]

(8/360)


في القوم يشهدون على رجل أنه طلق امرأة من نسائه
نسوا اسمها، أو أعتق عبدا له نسوا اسمه
أو قالوا أحدهما أو شكوا فيه
أو شهدوا على شك الحالف
أو شهدوا بحق نسوا عدده،
أو بحق من منزل لا يعرفون موضعه،
أو بمال ولم يذكروا صفته
أو على رجل أنه شج فلانا موضحة
ولا سموها، وشبه ذلك
ومن كتاب ابن سحنون من الأقضية: قال عبد الله: وإذا شهد شاهدان على رجل أنه قال: أنا شاك في أن أكون قد طلقت إحدى نسائي، أو أعتقت أحد عبيدي، فليكشفه السلطان عن ذلك، ويحكم عليه فيما شك فيه منه، وعلى البينة أن يشهدوا به، ولو قالت: قد طلق إحدى نسائه نسيناها، أو أعتق أحد عبديه نسيناه، فشهادتهم/ باطلة، وليس عليهما أن يؤدياها.
ومن المجموعة: قال ابن القاسم: إذا شهد رجلان أنه طلق إحدى نسائه هذه بعينها وقد نسيناها: فالشهادة باطلة، ويحلف: ما طلق واحدة منهن، قال محمد بن المواز: لا يمين عليه، قال: وإذا نسيها هو طلقن عليه كلهن، وعتق جميع عبيده.
ومن كتاب ابن المواز: روي عن ابن القاسم في شك الشهود ونسيانهم لمن سمي في العتق: إنما يجوز بعد الموت، قال أصبغ؛ هذا غلط، ولا يجوز في الحياة ولا بعد الموت، وقد رجع عنه، ولو شهدا أنه قال: طلقت إحدى امرأتي، أو أعتقت أحد عبدي وأنا شاك لا أدري أيهما هو، فهذا تطلق عليه المرأتان، ويعتق العبدان، وإن قال: لم تكن لي نية فليعتق أيهما شاء، وكذلك يختار ورثته، وكذلك [8/ 361]

(8/361)


تطلق عليه المرأتان في قول المصريين من أصحاب مالك، وإن مات قبل ذلك ورثتاه، وإذا قال القائل: أحد عبدي حر، عتق أحدهما، فإن أنكر ذلك وأبى أن يعتق قضي عليه بذلك، وإن أبى عتق عليه أدناهما إن لم تكن له نية، وكذلك ورثته.
ومن المجموعة: قال على عن مالك فيمن أعتق أحد عبيده في وصيته فنسيته البينة، فلا شهادة لهم حتى يعرفوه.
ومن كتاب ابن سحنون عن أشهب فيمن أعتق عبدا سماه بعينه في وصيته، فنسي الشهود اسمه، فالشهادة باطل، وإن قالوا، إنما قال: احدهم ولم يسمه، فإن كانوا اثنين عتق من كل واحد نصفه، والثلاثه من كل واحد ثلثه اختلفت أثمانهم أو اتفقت، وفيها قول آخر هو أحب إلي: إن كانا اثنين عتق نصف قيمتها بالسهم، خرج لذلك بعض عبد أو عبد وبعض الآخر إذا كان ذلك يخرج من الثلث، فإذا لم يخرج نصف قيمتها من الثلث / فما خرج منه، قال: ولو كانوا ثلاثة، عتق ثلث قيمتهم بالسهم، خرج لذلك عبد وبعض الآخر، أو بعض عبد، فإن خرج أولا من لا تفي بثلث القيمة أعيد السهم هاهنا حتى يتم ثلث قيمتهم.
ولو شهدا أنه قال: هذا حر وهذا حر وهما عبدان، اعتق نصف قيمتها بالسهم إن خرج ذلك من الثلث، [ومن قال: يعتق من كل واحد منهما نصف إن خرج من الثلث لم أعبه] والقول الأول أحب إلي، وإن لم يملك غيرهم عتق ثلث قيمتهم بالسهم. ولفق سحنون بين القولين وقال، لاسهم في هذا أن يعتق هذا ثم هذا، إنما السهم في أن يعتق عبيده أو قال: أحدهما.
ومن المجموعة: قال ابن كنانة: وإذا شهدا أن لفلان على فلان مالا ولم يعلما كم هو، فيقال لهما: أكان مائة؟ فإن قالا: لا، قيل: فخمسون، حتى يقفا على [8/ 362]

(8/362)


مالا يشكان فيه فيقضى به، وإن لم يسميا شيئا ولا وقفا على أمر يقضى به فلا شيء للمشهود له.
ومن كتاب ابن المواز: وإذا شهدا: أن له على فلان حقا لا يدريان كم هو وما هو، حلف المطلوب وبرئ، وإن سميا دنانير لا يدريان كم هي، قضي عليه بثلاثة، ويحلف المدعي: ما هي أقل، ويحلف المطلوب: ما هي أكثر، ومن المجموعة: قال أشهب عن مالك: إذا لم يدروا كم هو، قال: ليست هذه شهادة ويحلف المدعي عليه، وقال: فما يقول المطلوب؟ قال: ينكر أن له عليه شيئا قال: هذا كاذب، وقد ألزموه شيئا، فإن أقر بشيء حلف عليه وبرئ، قال: فإن قالوا: نشهد عليه بحق لا ندري ما هو، حلف المطلوب وبرئ.
ومن المجموعة: قال ابن نافع عن مالك فيمن أتى/ على امرأته ماتت بذكر حق فيه كذا وكذا صاع تمر عجوة، محى الموضع الذي فيه العجوة ومطلت العجوة في السطر وليس فيه شاهد إلا كاتب الصحيفة، فشهد أنه عرف ذلك كله إلا تسمية العجوة فإنه ليس كتابة، وقد امحى، ولا يدري أعجوة هو أم لا، قال مالك: لا يحلف الورثة أنه غير عجوة، وليحلف الطالب مع شاهده: أنه عجوة، وأن هذا الحق لم يعطه، وذكر ابن المواز عن مالك وقال: فليحلف ورثة الميت أنه ليس بعجوة، ويؤدوا ما أقروا به، فإن نكلوا حلف الطالب أنها عجوة وتصح له.
ومن المجموعة: روى ابن نافع عن مالك فيمن أقام شاهدا أن فلانا أخذ منه ثوبا وهو جاحد، قال مالك: لا أرى [بأسا] أن يجعل من وسط الثياب، ثم يحلف المدعى عليه، وقال سحنون فيمن غصب صبرة قمح أو زرعا لم يبد صلاحه ثم حصده بعد يبسه، أو زرعا قد طاب ولا يدري كيل ذلك، وقد فات [8/ 363]

(8/363)


الطعام، فأما الصبرة: فتقدر وتوصف ثم تقول في ذلك الوقت فتكون له قيمتها، وكذلك الزرع المستحصد تكون له قيمته في ذلك الموضع، توصف صفته قائما ونحوه وخفته وصفاته ونحو ستبله، وأما الأخضر فعلى الغاصب أكثر القيمتين: قيمته يوم غصبه على الرجاء والخوف، أو قيمته يوم حصده وهو بالغ تام.
ومن كتاب ابن حبيب: قال مطرف في شهيدين شهدا بدين، وقال أحدهما: أشهدني الطالب أنه قبض من هذا الدين شيئا ولم يسمه وهو منكر/ أو ميت، قال: تلزمه شهادتهما لجميع المال لا يوضع منه شيء، ويحلف الطالب الحي: إنه ما قبض من الدين شيئا [قال: وإن قال: أشهدني أنه قبض منه شيئاً] سماه لى ونسيته قال: يترك حتى يقف على ما لا يشك فيه، ثم يحلف المشهود عليه الذي وقف عليه الشاهد الواحد ويبرأ، قال: وإن أفر المطلوب بالحق وجاء بشاهدين على إقرار الطالب: أنه اقتضى منه شيئا لم يسمياه، قال: يسأل: ما تقاضيت؟ ويحلف على ما يقول، وإن بقي ذلك كله: قيل للمطلوب: إن عرفت ما هو وحلفت برئت، فإن نكل أو جهله لزمه غرم جميع الحق، وبه أخذ ابن حبيب، وقال ابن الماجشون: الشهادة ساقطة في المسألتين حتى يسمي ذلك الشيء، وقال أصبغ مثله.
ومن المجموعة: قال ابن القاسم فيمن أقام بينة أن فلانا غصبه أرضا في قرية كذا، ولا يعرفون موضع الأرض، وفلان منكر، فالشهادة ساقطة، قال: وإذا استحقت الأرض بالشهود العدول ولا يثبتون حوزها، فيشهد على حوزها من الجيران غير عدول، فلا غير عدل، قيل: فقد يخلط الغاصب دورا حتى لا تثبتها البينة، قال: يحد المدعي عليه ما أقربه ويحلف عليه، ثم لا شيء عليه غير ذلك، قيل: فإن قال: ذلك حدي، قال: أما إن لم يقر إلا بموضع الباب وما يرى أنه ليس بشيء، فلا يقبل منه، وإن أقر بالبيت ونحوه فليس عليه إلا ذلك، إلا أن يشهد العدول بخلاف قوله، قيل: فإن لم يقر إلا بما قل كما ذكرت، قال: إن [8/ 364]

(8/364)


استدل أنه غير الحدود وكتمها، حاز المدعي واستحق ما حاز/ بيمينه مع ما يثبت له عن أصل الغصب، قال ابن كنانة: وإن شهدوا أنه غصبه داراً أو أرضا لا يعرفون حدودها لأنها عورت واختلطت حدودها، قال: ينزلون قليلا قليلا، فإن وقفوا من ذلك على أمر لا يشكون فيه، أحلف الغاصب: ما يعلم أكثر مما شهدوا به ثم سلم ذلك إلى المشهود عليه، وقال ابن حبيب عن مطرف نحوه، وزاد: فإن لم يقفوا على معلوم: قيل للغاصب: احلف على ما تحد وادفعه، فإن أنكر أصلا قيل للمستحق: حد ما تعرف واحلف عليه وخذه، فإن قال: لا أعرفها حيل بين الغاصب وبين جميع الأرض حتى يقر له بشيء منها ويحلف، قال: إلا أن يكون الغاصب ليس من أهل هذه القرية التي فيها الأرض، وإنما أصل دخوله فيها لسبب هذا الغصب الذي ثبت عليه، فإذا ثبت هذا عليه استغنى الطالب بشهادة الشهود، وإن لم يحددها وأخرج الغاصب من جميعها، وإنما الجواب الأول إذا كان الغاصب له حول تلك الأرض حق فيضمها إليه.
ومن الواضحة: قال مطرف: قال مالك في بينة شهدت لرجل أن له في هذه الدار حقا لا نعرف كم هو لتقادمها وتناسخ المواريث فيها، والمطلوب منكر: وقال: يقال له: قد ثبت له في دارك حق بقربه، فإن أقر بشيء قل أو كثر حلف عليه ولا شيء عليه غيره، وإن نفى ذلك كله قيل للمشهود له: إن عرفت حقك ما هو فاحلف عليه وخذه، وإن تجاهل وقال ما سمع أبي يقول: إن لي فيها حقا ولا أعرفه حيل بين المشهود عليه وبين الدار حتى/ يقر منها بقول الطالب، ويقبل قوله فيما سمى، ويحلف عليه، قال مالك: ويقبل قوله فيما سمى، قال: وتوقف كلها ولا حجة للمشهود عليه أن يقول: لم يشهد له بجميعها. وإن قال: حق الطالب منها الربع، فأبى أن يحلف عليه [أخذ منه الربع الذي أقر له، ووقف ما بقي من الدار حتى يحلف: أنه لا شيء له غيره، قال: وإن أقر بعد [8/ 365]

(8/365)


ذلك بشيء ولم يحلف فهو كما ذكرنا حتى يحلف، وإن قال المشهود له: أنا أعرف حقي منها وأبى أن يحلف عليه] فلا يبطل بذلك حقه، لأن البينة أثبت له حقا، قال مطرف وقد كنا نقول نحن وغيرنا: إن الشهادة تبطل إذا لم يسموا الحق حتى قال مالك هذا وقضى به.
وقال أيضا مالك في بينة تشهد بحق لرجل وتقول: لا نعرف عدده إلا أنه بقي له عليه حق، فيقال للمطلوب: [قر بحقه، فما أقر له به حلف عليه ولا شيء له غيره، وإن جحد قيل للطالب] إن عرفته فاحلف عليه وخذه، فإن قال: لا أعرفه وضاعت كتب محاسبتي، أو أعرفه ولا أحلف، سجن المطلوب أبدا حتى يقر بشيء ما ويحلف عليه، فإن أقر بشيء ولم يحلف أخذ منه وحبس حتى يحلف كما ذكرنا، وإنما لم أحبسه في الدار لأن الحق في شيء بعينه وهو الدار، فحلت بينه وبينها.
قال مطرف: وإن أقر في وصية أن لفلان عليه حقا ولم يسمه، فإنه يقال للورثة: كم هو؟ فإن تجاهلوه قيل للطالب: سمه واحلف عليه وخذه، فإن تجاهله منع الورثة من التركة كلها حتى يدفعوا إلى هذا شيئا يقرون أنه حقه ويحلفون عليه.
قال/ محمد بن عبد الحكم: وإن شهدت بينة أن لفلان على فلان مائة درهم، ولم يقولوا قطعا ولا صحاحا، ونقد البلد مختلف، لا يقولان من بيع ولا غيره، فإن المشهود عليه يقول ما شاء من أصناف الدراهم، ويحلف على الصنف الذي يدعيه المدعي أرفع من ذلك، فإن قال: ماله علي شيء أصلا، قيل له: أغرم ما شئت من أصناف الدراهم ويحلف على الصنف الذي يدعيه، واحلف أن ماله عليك شيء، فإن شاء قال في يمينه: ماله على شيء من أصناف الدراهم. [8/ 366]

(8/366)


ومن كتاب ابن سحنون: وإذا شهدت لرجل بينة بنصف منزل، وهم يحدون المنزل كله، ولا يعرفون النصف المشهود به، فإن شهدوا على أمر مقسوم فشهادتهم ضعيفة.
قال سحنون في المجموعة في نفر ادعوا في يد أخيهم حظا من منزل، وأتوا ببينة يعرفون أن ثلاثة أرباع منزل لأبيهم تركه ميراثا، وحدوا المنزل ولم يحدوا الثلاثة أرباع مقدرة مقسومة من الربع، وبيد الآخر ما يشبه أن يكون الربع فشهادتهم ساقطة، وإن كانت القرية مشاعة فهي شهادة، وإن لم يأت من طول حيازة الأخ لها ما يقطع دعوى إخوته، فالشهادة تامة إن كانت مشاعة، وإن كانت مقسومة ففيها تنازع، وهي شهادة، إلا أن تطول الحيازة، والبينة عادلة، ولا يحدون الثلاثة أرباع، قيل للمقر بحق عليه وبما يشبه أن يكون ثلاثة أرباع واحلف عليه، وإن لم يحلف حلف المدعون/ وأخذوا فيما يشبه، فإن أقر المدعي عليه بما لا يشبه أن يكون ثلاثة أرباع، وحلف وقال: لي فيه شيء اشتريته لم يصدق وإن ادعى المدعي ما يشبه ثلاثة أرباع حلف، وإن ادعى مالا يشبه على الربع أو في الربع المقرر نصفا على الثلاثة أرباع فلينحط الضرر ممن كان قيل؛ وإن زعم الشهود أنه مقسوم، وقالوا: الثلاثة أرباع بيد الأخ المدعى عليه قبله ولا يحدها، قال: فالأيمان بينهم بمنزلة ذلك.
ومن المجموعة والعتبية من رواية يحيى بن يحيى عن ابن القاسم: ومن قضي له بنصف قرية فلم يحزه حتى مات المحكوم له ومات المقضي عليه، فلما أرادوا ورثة ذلك منعهم رجل من أهل المنزل وقال: لم يكن للمقضي عليه عندنا [8/ 367]

(8/367)


في هذا المنزل شيء، وقال المقضي له: ثبت لنا القضاء عندنا في هذا المنزل بنصفه. فأنتم غيرتم حوزنا ولا نجد من يثبته، فنحن شركاؤكم في الجميع بالنصف، قال: إن قضي له بنصف المنزل وهو معروف في يد المقضي عليه فقد ثبت له، ويؤخذ ممن هو بيده، وإن تجاهل أهل المنزل فأخفوا حوزهم، فإن كان بعضهم ورثة المقضي عليه، وبيدهم نصف جميع المنزل فأكثر، أعطي الطالب نصف جميع المنزل مما بيد الورثة، وإن كانوا كلهم أجنبيين وقد ثبت نصف المنزل كان معروفا بيد المقضي عليه حتى استحقه هذا، فإنه شريك في جميع نواحي المنزل، ويؤخذ من كل رجل من أهل المنزل نصف ما بيده، ولا يجمع له/ حقه مما بيد أحدهم، قال في المجموعة: إلا أن يوقفوا على إقرارهم وإظهاره حوزه، ومذهب سحنون ما ذكرنا عنه أنه لا شيء للمقضي له فيما بيد الأجنبيين إلا من كان بيده منهم زيادة على نصف المنزل فيأخذ المقضي له تلك الزيادة، فأما إن كان لرجلين بيد كل واحد نصفها لم يقض لهذا بشيء، ومن العتبية روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم: وإن لم تقم بينة أن نصف المنزل كان بيد المقضي عليه ولا معروفا به فلا شيء له في المنزل؛ لأنه قضي له بحق لا يملكه المقضي عليه.
قال ابن القاسم في الرجل يقضى له بحق معروف مفروز من منزل ينسب إلى رجل باعه منه، وقالت البينة: إن ذلك الجزء يعرف للمقضي عليه باعه من المقضي له، فأراد المقضي له مقاسمة أهل المنزل، فدفعوه وبقوا أن يكون المقضي عليه معهم، قال: يكون شريكا لجميع أهل المنزل بحساب ذلك الجزء.
قال سحنون فيمن أودع صبية ثم غاب دهرا ثم قدم بعد موت المودع، وقامت بينة للقادم أن الميت أشهدهم أن واحدة من هؤلاء الثلاث جاريتك، والاثنتان إماء، ولا يعلم أيتهن جاريتك منهن، لم تجز شهادتهم ولا شيء للمدعي، ولا تكون الشهادة إلا على شيء بعينه. [8/ 368]

(8/368)


ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه فيمن أقر أنه غصب فلانا ثلثا ولم يبينه، فالقول قول الغاصب في مقدار الشيء وصفته مع يمينه، فإن نكل فقول المدعي مع يمينه، فإن لم يسم الغاصب شيئا حبس حتى يسمي شيئا ويحلف/ عليه، وكذلك من تصدق على رجل بنصيب من داره ولم يسمه جبر حتى يسميه، وقاله ابن القاسم.
وكتب شجرة إلى سحنون فيمن أقام بينة أنه ابتاع من فلان هذا الرجل أرضا له عرفاها، ولم يذكر الثمن، وباع منه باستثناء ثم غاب المبتاع إلى صقلية وأمر عبيده بغرس الأرض، فكتب إليه: إن عدلت البينة فأوقف الأرض لا تحدث فيها حدثا حتى يقدم فلينظره من أمر الثمن، أو يطول أمره فيرى الحاكم في ذلك رأيه، وعن بينة شهدت لرجل بنصف منزل، ويحدون جميع المنزل، ولا يعرفون النصف الذي شهدوا به من الآخر، فقال: إن شهدوا على نصف بعينه مقسوم معروف، ولا يعرفونه، فالشهادة ضعيفة، وفي كتاب أمهات الأولاد: مسألة الذين شهدوا أن فلانا أودع عند ميت صبية من ثلاث صبايا لا يعرفونها، أشهدهم الميت أنهما ابنتاه.
قال محمد بن عبد الحكم: وإذا شهد لرجل اثنان على إقرار فلان أنه شجه موضحة، وجاء المجروح وبه موضحتان صغيرة وكبيرة، فإن أقر الشاج بإحداهما اقتص منه، وإن ادعى المشجوج أنه إنما شجه الأخرى، قيل للمدعي: إن صدقته فلك القصاص فيها، لأنه مقيم على إقراره، وإن لم يصدقه حلف الشاج بالله أنه ما شجك إلا التي أقر بها، فإن حلف لم يكن للمدعي إلا ما أقر به الشاج إن رجع إلى تصديقه، وإن قال: إنما شجني الأخرى وأنا اقتص منه بالتي أقر فليس ذلك له، وهو يزعم أنه لا قصاص إلا من هذه، فإن نكل الشاج عن اليمين/ حلف المجروح أنها التي ادعى واقتص أن أحب، فإن نكل لم يكن له [8/ 369]

(8/369)


شيء، وإن حلف المدعى عليه: أنه ما شجه أصلا، فلا سبيل إلى العود، وأرى عليه حينئذ دية موضحة، لأن المشجوج لم يمكنه القصاص بيمين ولا غيرها [فإن أقر المشجوج أنه قد شجه واحدة من هاتين، وكان ليلا ولم يدريا ايما هي، رأيت أن تؤخذ منه دية الموضحة؛ لأنه لم يمكنه القصاص بيمين ولا غيره فتركه]، ولو شهد رجلان أن فلانا ضرب فلانا ضربة فقطع أصبعا من يده اليمين، وشهد آخران على آخر أنه ضربه أخرى فقطع أصبعا أخرى منها، وقال الأربعة، لا ندري أي أصبع انقطع كل واحد منهما، وله إصبعان مقطوعان، ففيها قولان احدهما: أنه لا تقبل شهادتهما كمن شهد عليه عدلان أنه أعتق عبده، وقالا: لا ندري أي عبد هو وقد نسياه، فشهادتهما باطلة، وذلك عندي مخالف لهذا؛ لأن هذين نسيا ما قال لهما، فلم تنفع شهادتهما، وشاهدا الموضحة لم ينسيا شيئا، وبالقول الثاني أقول: أنه يقال للجارحين: أقرا بما شئتما، فإن قالا: هذه لهذا، وصدقهما، قيل له: اقتص إن احببت، فإن ادعى المقطوعة أصبعه على كل واحد أصبعا بعينه، وأنكر ذلك القاطعان، ونسب كل واحد إلى غير ما نسبها إليه القاطعان، حلف القاطعان على ما قالا، ولم يكن له أن يقتص من كل واحد منهما إلا أن يرجع إلى تصديقهما، فيجب له القصاص أو العفو أو الصلح إن أحب، وإن لم يصدقهما فأرى عليهما دية الأصبعين.
قال ابن المواز: وإن شهد رجلان على رجل أنه سرق أو قذف وهو ممن يذهب عقله الأحيان، ويجيئه عقله الأحيان، وقالا: لا ندري أذلك في ذهاب عقله أو في صحته؟ قال: لا يؤخذ بذلك، وقد روى / أشهب أنه يحلف: ما فعله وهو يعقل، قال: ولو أقر بذلك من غير بينة قبل قوله. [8/ 370]

(8/370)


في وجه الشهادة بالورثة
وما تتم به الشهادة في ذلك
وكيف إن قالوا لا وارث له إلا فلان
أو نعلم له ولدا ببلد كذا إلا فلانا
أو شهدوا أن فلانا أخ لفلان
ولم يقولوا الأب ولا لأم
من المجموعة والعتبية وكتاب ابن المواز فيما سأل عنه ابن غانم، وروى أشهب عن مالك في كتاب القضاء في شهادة بينة: أنهم لا يعلمون لفلان بأرض مصر وارثا له إلا فلانا وقد مات بافريقية. قال: لا يجوز ذلك حتى يقولوا: لا نعلم له وارثا في شيء من الأرض إلا فلانا، فيدفع ذلك له ويستحلف، وقال في العتبية والمجموعة: وتدفع التركة إلى وكيله بالمعروف، قال أشهب عنه في هذه الكتب: لا يقبل أن تقول البينة: ليس للميت وارث غيره حتى يقولوا: لا نعلم له وأرثا غيره، وكذلك في العروض تستحق، ولا يقولوا: ما باع ولا وهب، وليقولوا: ما علمنا، وإن شهدوا على البت فما أراهم شهدوا إلا بباطل، [ولا شيء على المطلوب، قال ابن كنانة في المجموعة: وليشهدوا على البت أنها له، ويقولون: ما علمناه باع ولا وهب، قال مالك: وإن شهدوا على البت فما أراهم شهدوا إلا بباطل] قال أشهب: إلا أن يفسروا من شهادتهم ما يعلم أنهم لم يشهدوا بالغموس بأن يقولوا: كان معنا حتى لقي اللصوص فغصبوه إياها، ثم لم نفترق حتى اعترفها ربها، وما يشبه / ذلك من الشهادة التي لم يخرجوا بها عن أن يكونوا شهدوا بما لم يحيطوا به علما. [8/ 371]

(8/371)


قال أشهب: وإن شهدوا أن هذا عبده ولم يقولوا: لا نعلمه باع ولا وهب، فإن قدر على مساءلتهم سئلوا، وإن أبوا ذلك فلا شهادة لهم، وإن لم يقدر على سؤالهم حلف المدعي وقضي له.
قال: وإن شهدوا لرجل أن هذه الدار التي بيد فلان دار جده لم يقض له حتى يقولوا: إن أباه ورثها من جده، لانعلم له وارثا غيره، أو معه من الورثة كذا، ثم يقضى له بذلك إلا أن تحاز عليه حوزا يقطع دعواه.
وإن شهدوا أن هذا مولى جده ولم يحددوا المواريث، فلا يحتاج هنا أن الجد مات وورثه أبوه، وأن الأب مات وورثه هذا، ولكن لابد أن يشهدوا أنهم لا يعلمون للجد ولدا ذكرا غيره.
ومن كتاب ابن المواز: قال أصبغ عن ابن القاسم: وإن أقام بينة أنه أقعد الناس بجده اليوم، وقد طرأ له مال، أو مات له مولى وترك مالا، فلا ينفعه حتى يقولوا: إنه أقعد الناس به يوم مات المولى. قال ابن القاسم: فإن لم يجد إلا من يقول ما ذكرناه أولا استؤني به وكشف، فإن لم يجد وبئس من طالب غيره، دفع إليه بحميل ثم ضعف الحميل كأنه لم يره.
قال أصبغ: كالشهادة على السماع في الولاء، يدفع إليه بلا حميل، قال: وأما فيما ظهر للجد فبخلاف ذلك، ولا يعطى إلا على قطع المواريث، وذكر ورثة الأول وورثة من بعده، ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: أدركنا الحكام ببلدنا وما علمنا/ فيه اختلافا: أن وجه الشهادة على عدة الورثة أن يقولوا: لانعلم له وارثا إلا فلانا، ولا يقولون على البت حتى كان منذ قريب أدخل أهل العراق على القضاء أن لا يستحق الميراث حتى يشهدوا: لا وارث لفلان إلا فلان، ولا يجيزونها على العلم، فأدخلوا الناس في شهادة الزور.
قال سحنون عن أبيه فيمن قضي بتركته لولده، ثم ظهرت امرأة أتت ببينة [8/ 372]

(8/372)


أنها امرأته هل يقبل ذلك؟ أو حتى يقولوا: لا نعلم له امرأة غيرها، وأنها كانت مسلمة من حين موته، قال: لا يحتاجون إلى هذا.
وإذا شهدوا أنها امرأته: اكتفى بذلك وقضي لها بميراثها، قيل له: فإن أتت وحدها ولم يأت الميت وارثا غيرها؟ قال: لا تعطي شيئا حتى يثبت ورثة الميت كم هم، من زوجات وغيرهم، وقد قيل: إنها تعطى ربع الثمن بعد أقصى ما يكون من القول في المواريث التي فيها زوجة، وإنما لم نكلفها هذا في المسألة الأولى؛ لأنها فيها مدعى عليها، وهي هنا مدعية للأخذ.
ومن العتبية وكتاب ابن المواز: روى أشهب عن مالك فيمن أقام بينة أنه وارث ابنه لا يعلمون له وارثا غيره، قال أحدهما: وزوجة له، قال: هذا يجوز، ويوقف المال حتى يتبين هل له زوجة مع الابن أم لا، قيل له: إنما كان بمصر، وقال: يكتب إلى مصر حتى يثبت ذلك، ويوقف المال كله، ولا يوقف حظ الزوجة فقط، قال ابن القاسم: فإن طال ذلك دفع جميع التركة إلى الورثة الذين اجتمعا عليهم.
قال ابن سحنون عن أبيه عن ابن القاسم: / إذا شهدا أن فلانا وارث فلانا لا نعلم له وارثا غيره، وقال أحدهما أو كلاهما: وزوجة ببلد كذا، قال: إن شهدا على الزوجة تمت الشهادة، ولا يقسم المال حتى تحضر الزوجة، أو لا توكل، أو يقسم لها القاضي، وإن كان أحدهما قال ذلك فقط، لم يعجل في قسم شيء من المال حتى يتبين ما قال الشاهد، وإن طال ذلك أعطي الورثة جميع المال.
قال سحنون: إن لم يشهد بالزوجة إلا واحد فلم يشهدا جميعا للوارث أنه لا وارث له غيره، فلا تجوز شهادتهما حتى يشهدا أنه لا نعلم له وارثا غير من حضر، وإلا يوقف المال ابدا. [8/ 373]

(8/373)


وقال أشهب في العتبية: الوارث المجتمع عليه بالخيار إن شاء حلف مع شاهده وأخذ المال كله، وإن أبى عزل من المال منابة الزوجة إذا ثبت: ويعطى له ما بقي بلا يمين.
وقال أشهب في كتاب ابن المواز: وإن شهد له رجلان أنه واث فلان لا يعلمان له وارثا غيره، ويشهد رجل أن لهذا الميت وارثا بافريقية، قال: يحلف الذي شهد له الشاهدان، ويدفع المال إليه.
ومن كتاب ابن سحنون: وكتب شجرة إلى سحنون فيمن أقام بينة أن فلانا أقر لي أن تركة أبي عنده، وأني وارثه لا وارث له غيري، ولم تقم له بينة أن مات ولا وارث له غيره، فكتب إليه سحنون: إذا شهدت له بينة على إقراره بما قال، فادفع إليه المال.
قال محمد بن عبد الحكم: وإذا شهدت بينة أن هذا أخو فلن الميت لم يدع وارثا غيره في علمهم، ثم ماتا قبل أن يسألا: هل هو شقيق أو لأب / أو لأم؟ فإنه يعطى السدس إذ هو اليقين، ويوقف ما بقي [ثم إن جاء آخران فشهدا لآخر انه أخوه شقيقه لا يعلمان له وارثا غيره، فإنه يعطى نصف المال ويوقف النصف] للآخر لاحتمال أن يكون الأول لأب، ولا يكون له شيء، ويحتمل أن يكون شقيقا فيكون المال بينهما، ولو شهدت بينة أن الثاني أخ لأب، فإن الأول يأخذ السدس، ويوقف باقي المال لاحتمال أن يكون الأول شقيقا فلا يكون للثاني شيء، وإن شهد للثاني أنه أخ لأم، أعطي السدس وقد أخذ الأول السدس، ويوقف ما بقي، وإن شهدت بينة أنهم لا يعلمون له وارثا غير إخوته هؤلاء، ولم يسألوا حتى ماتوا، وقالوا: نعلم أنهم لأب ولا نعلم الأمهات ونحن من أهل الخبرة، فلا يعطون شيئا لهذه الشهادة، أو قد يجب لواحد منهم أو لاثنين، فلا يعطوا بالشك، وإن اصطلحوا فيما بنيهم، سلم إليهم الحاكم جميع المال، ولو شهدوا أنهم يعلمون [8/ 374]

(8/374)


[أنهم إخوة لأم ولا يعلمون أنهم إخوة لأب أم لا، فلهم الثلث، فإن قالوا: إنهم اخوته] ولا نعلم أنهم أشقاء أو لأب أو لأم، فإن اصطلحوا على الثلث دفع ذلك إليهم، لأنه لاشك أن لهم الثلث إن كانوا لأم أو افترقوا في الأمهات، أو كانوا شقائق، وإن قالوا: هذا شقيق ولا نعلم هل الباقي أشقاء أو لأب أو لأم، فإن اصطلحوا على جميع المال سلمناه إليهم، لأن فيهم من يستحق جميعه، إما بعضهم أو كلهم، فإن لم يصطلحوا أعطينا الشقيق الثلث، وأوقفنا ما بقي.
وإن شهدت بينة أن هذا جد الميت ثم ماتوا قبل أن يسألوا: الأم أم الأب؟ فلا يقضى له بشيء، إذ لعله لأم، وكذلك إن قالوا: ولا نعلم له وارثا غيره، لم يأخذ شيئا ولا يورث عند مالك أحد بالشك.
وإن شهدت بينة أن هذا مولى فلان وارثه لا يعلمون له وارثا غيره، / لم يأخذ شيئا، ولا يورث عند مالك أحد بالشك، وأن شهدت بينة أن هذا مولى فلان وارثه لا يعلمون له وارثا غيره، لم يتم ذلك حتى يقولوا: اعتقه، وفي ذلك اختلاف، وهذا أحب إلينا.
تم كتاب الشهادات الثاني
بحمد الله وعونه [8/ 375]

(8/375)


صفحة بيضاء

(8/376)