النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات

بسم الله الرحمن الرحيم عونك اللهم

كتاب الشهادات الثالث
في الشهادات على السماع
في الأحباس والولاء وغيره
من المجموعة: قال ابن القاسم: قال مالك: وشهادة السماع يقطع بها في الأنساب والولاء والصدقات التي طال زمانها، ولم يشهد في صدقة عمر وزيد إلا رجلان في صدقة كل واحد منهما.
قال ابن الماجشون: ولا يجيء ذلك بشاهد، ولا يكون السماع قاطعا حتى يكثر.
ومن كتاب ابن المواز: ومن سمع شهادة قوم ولم يشهدوه على نقلها: فلا ينقلها إلا فيها أجيز من شهادة السماع فيما طال به العهد ومات الشهود، وذلك من الدور والأرضيين، وقيل في الولاء والنسب، ولا يجوز في ذكر الحقوق والودائع، وشهادة السماع أن يقولوا: لم نزل نسمع ممن يقول أو ممن يشهد: أن هذه الدار لجد فلان، فإن قالوا: ولا نعرف من سمعنا، قال: قد قيل: لا ينفع ذلك حتى يقولوا: إن الذين سمعوا منهم عدول، قال أصبغ: شهادة السماع في الرباع والأرض أن يقولوا في الدار والأرض: لم نزل نسمع أنها ملك لأبي هذا أو جده، ويذكرون [8/ 377]

(8/377)


ورثته، فهذه تجوز. محمد: يريد: إن لم تكن بيد من يعرف/ أنها له ملك، قال أصبغ: شهادة السماع توسعة لأهل الحيازات فيما قدم من الزمان، وماتت فيه البينات لا فيما قرب، [فإذا كانت بيد رجل دار فقدم رجل لم يحضر] قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: يجوز شهادة السماع فيما قدم عهده من الأشربة والحيازات والصدقات والأحباس والولاء والنسب وشبه ذلك، فيجوز في ذلك مع يمين الآخذ بها، كلما كثر فيها الشهود كان أحب إلينا، وإن لم يكن إلا شاهدين جاز، ويقولان: إنا سمعنا سماعا فاشيا، وقاله مالك، قيل لهما: ففي كم من السنين تجوز؟ قالا: من الخمس عشرة سنة ونحوها لتقاصر أعمار الناس، وقاله أصبغ، قال: وهي جائزة في كل أمر طال زمانه إذا حملها أهل العدل عن أهل العدل، ولا تجوز عن غير أهل العدل من سامعين أو مسموع منهم، ووجه ذلك أن يقولوا: سمعنا سماعا فاشيا من أهل العدل: أن دار فلان لفلان الغائب، أو فلانا اشتراها من فلان، أو هي حبس، وليس عليهم أن يقولوا: اشهدونا إذا قالوا: سمعناهم يقولون أو يخبرون، ولا عليهم أن يسموا من سمعوا منه، وإن سموا خرجت عن ذلك إلى الشهادة على الشهادة، وقاله ابن القاسم واصبغ.
ومن المجموعة: قال ابن الماجشون: وإن ذكروا من سمعوه فقال هذا: سمعت فلانا، وهذا: سمعت فلانا فلا يكون السماع هكذا، إنما هو عن غير معروف بعينه، فالذي يقضى من شهادة السماع أن لا ينص من سمع منه، ثم ذكر نحو ما / حكي عن ابن حبيب.
قال ابن القاسم: وإذا شهد رجلان على السماع وفي القبيل مائة رجل من أسنانهم لا يعرفون شيئا من ذلك، فلا تقبل شهادتهم إلا بأمر يفشوا لم يكن عليه أكثر من اثنين، وأما إن شهد شيخان قديمان في جيلهما أنهما سمعا أنها حبس، فذلك جائز، وتكون على المساكين إن لم يسم أحدا. [8/ 378]

(8/378)


ومن العتبية قيل لسحنون: أيشهد في النكاح على السماع؟ قال: جل أصحابنا يقولون في النكاح إذا انتشر خبره في الجيران: أن فلانا تزوج فلانة، وسمع الزفاف، فله أن يشهد أن فلانة إمرأة فلان، وكذلك في الموت يسمع المناحة ويشهد الجنازة، أولا يشهد، إلا أن القول كثر بذلك من الناس: أننا شهدنا جنازة فلان، فله أن يشهد أن فلانا مات، وإن لم يحضر الموت، وكذلك النسب يسمع الناس يقولون: إن فلانا ابن فلان، ويكثر به القول فليشهد على نسبه، وكذلك القاضي يولى القضاء ولا يحضر ولايته إلا بما يسمع من الناس، وبما رآه يقضي بين الناس، فليشهد بأنه كان قاضيا.
قال محمد بن عبد الحكم: وإذا تزوج رجل امرأة نكاحا ظاهرا وأعرس بها، ودخل بها علانية، وأقام معها أياما فإنه يسمع الجيران، ومن استفاض ذلك عنده منهم: أن يشهدوا أنها امرأته، وإن لم يشهدوا النكاح، وقد يجوز أن يشهد قول على امرأة أنها زوجة فلان إذا كان يحوزها بالنكاح، ولو كان تزويجه إياها قبل أن يولدوا ظاهرا، كما يشهدون: أن هذا ولدها وإن لم يحضروا / الولادة.
قال ابن القاسم في المجموعة والعتبية من رواية أبي زيد: ويجوز في شهادة السماع أن يقولوا: لم نزل نسمع أن فلانا مولي فلان فيرثه ولا يجر ولاءه، ولا يثبت به نسب إلا أن يكون منتشرا، مثل أن يقول أشهد أن نافعا مولى ابن عمر، وهو ابن عمر بن الخطاب، فمثل هذا يجر به الولاء والنسب، قيل: أفنشهد أنك ابن القاسم ولا نعرف أباك، ولا أنك ابنه إلا بالسماع؟ قال: نعم، ويقطع بها النسب.
قال سحنون في كتاب ابنه: لا يجوز على النسب إلا شهادة على شهادة، أو من جهة تواتر الخبر: أن هذا فلان بن فلان. مثل سالم بن عبد الله، وابن المسيبن والقاسم بن محمد، وما تواتر عندنا نحن: أن هذا إبراهيم بن الأغلب مثل [8/ 379]

(8/379)


اشتهار ولد خلاد وولد أبي حسان، فإذا تواتر الخبر في النسب [جازت الشهادة] وإلا فلا إلا على أحد هذين المعنيين، وقال بعض أهل العراق: لا يشهد على النسب حتى يسمع جماعة، وقال بعضهم، حتى يسمع عدلين.
قال سحنون في المجموعة: لا يجوز أن يشهد: أنا سمعنا فلانا يقول: هذا ابني حتى يكون ثم فراش قائم إما بنكاح وإما بملك.
قال ابن المواز: اختلف قول مالك في شهادة السماع في الولاء والنسب، وذهب أصبغ إلى أنه يؤخذ بذلك المال، ولا يثبت له نسب به [ولا ولاء]، ولا يعجبنا هذا، وأكثر قول [مالك] وابن القاسم إلى أنه يقضى له بالسماع بالولاء والنسب، وكذلك في الأحباس والصدقات فيما تقادم، وروي لمالك فيمن أصله بالمدينة، وهلك بالمغرب، فشهد أهل المغرب بالسماع في ولائه، فإنه يقضى بالمال بعد يمينه، ولا يقضى له بالولاء، وبهذا / أخذ أصبغ، وقاله ابن القاسم، قال محمد: وليس هذا مثل الذي يموت ببلده في ثبات ذلك له بالسماع.
قال أشهب في المجموعة في شاهدين على السماع في الولاء أنه مولى فلان، لا يعلمون له وارثا غيره، فلا يعجل فيه، فإن لم يأت أحد بعد التأني رأيت له الولاء والمال وولاء ولده ومواليه، وإن كان إنما شهد على ذلك شاهد واحد على علم نفسه، فلا يقضى له في ذلك بمال ولا ولاء بيمينه مع شاهده، وقاله سحنون.
وقال ابن الماجشون: إذا شهد قوم أن هذه الدار صدقة، لم تدخلها المواريث مضت حبسا إن كان في شهادتهم أن فلانا حبسها: رجلا يعرف، ويكون لأولى الناس به، ويقضى فيها بالسماع، ولو لم ينصوه باسمه، فانظر لمن كانت فاجعلها لأولى الناس به إذا درس تحبيسها وخربت، ولم يعلم لها شرط، وهذا الذي لو لم يشهد بالتحبيس كان لورثته، مثل أن يقال: إنها دار فلان، ثم شهد قوم أنها [8/ 380]

(8/380)


حبس تعرف بذلك ممتنعة من المواريث، فيكون لولا الذي لم يشهد بالحبس كانت لورثته.
ومن العتبية: قال أصبغ عن ابن القاسم في التي تفتدي من زوجها، ثم يشهد لها قوم بالسماع أن زوجها كان يضربها: أن ذلك كان جائزا بالسماع من أهله ومن الجيران وشبه ذلك الأمر الفاشي، قيل: أفيجزئ في ذلك شاهد على السماع باليين والأمر المعروف؟ قال: عسى به أن يجوز، وأرى أن يجوز، قيل: أيحلف مع ذلك؟ قال: لا، قيل: فيشهد لها شاهد الثبات على الضرر، ايحلف معه؟ قال: كيف / يعرف ذلك؟ قال: يقول: سمعته واستبان لي، قال: إن كان [هذا يكون فعسي به وأنظر فيه، قال أصبغ: وهو جائز إن لم يكن معه غيره وكان سماعا قاطعا، ولا أحلف معه إن كان] معه سماع منتشر وإن كان غير قاطع، ويرد ما أخذ فيها، لأنه مال [فيحلف مع شاهده ويمضي الفراق، وقاله ابن القاسم بعد ذلك كالحقوق، وقاله أصبغ].
ومن كتاب ابن المواز: وإذا قدم الغائب فأقام بينة على ملك أبيه أو جده لدار، وأثبت المواريث. قال أصبغ: فإذا تمت الشهادة فأقام من هي بيده بينة على السماع: أنهم لم يزالوا يسمعون هم أو من نقلوا عنه من العدول أنها لأبي هذا الحائز أو لجده، فاشترى من أبي القادم أو جده، أو بصدقة لا يعلمونها خرجت من ملكه حتى مات، ويذكرون عدد ورثة كل ميت، فهذه شهادة السماع التي يقضى بها، ويكون من هي بيده أحق بها، فأما إن قالوا: لم نزل نعلم أنها بيد هذا [8/ 381]

(8/381)


أو جده يحوزها، لا يدرون بماذا حازها، فلا تتم بذلك، وقاله مالك وابن القاسم وأشهب، قال ابن القاسم: وهذا فيما تقادم، لا يقبل في مثل الخمسة عشر على السماع إلا على القطع، ورواه عن مالك.
قال ابن القاسم عن مالك في المجموعة فيمن غاب عن دار أو أرض فدخلها رجل في غيبته فسكنها زمانا ثم مات فورثت عنه، ثم أتى الغائب فاستحقها فهو أولى بها، ولا يلتفت إلى ما كان يسمع من الميت فيها مما يذكر أنه اشترى، يريد: لأنه قد عرف أصل حيازته لها، فأما إذا لم يعلم أصل حيازته لها فالحيازة تنفعه، وكذلك لو قال: اشتريت من أب هذا المدعي إذا طالت حيازته بمحضر الشهود له، [وهي في موضع آخر بينة].

/ في الشهادة على السماع من قاض
أنه ثبت عنده كذا
قال ابن حبيب: سألت مطرفا عمن سمع القاضي يقول: ثبت عندي أن لفلان كذا بكتاب قد عرفه السامع، وحفظنا ما تكلم به، قال: لا يجوز له أن يشهد بذلك، ولا تكون شهادة حتى يكون ذلك إشهادا من القاضي وايقافا منه للشهود على ذلك، لأنه قد يكون ذلك من القاضي على وجه من الاستفهام أو التثبت لقول أحد الخصمين، أو التزيد على الخصم، وقاله أصبغ، وروي بعضه عن ابن القاسم. [8/ 382]

(8/382)


[جامع القول]
في الشهادة على الشهادة، وكيف النقل فيها؟
ومن يجوز أن ينقل عنه؟
من المجموعة: قال ابن النافع عن مالك فيمن دعي إلى أن يشهد على شهادة رجل حاضر ليس بمريض، قال: ما أرى أن يشهد على ذلك ولا أحبه.
ومن كتاب ابن المواز: وتجوز الشهادة على الشهادة في كل شيء، وإنما ينقل عن مريض أو غائب، وأما في الحدود فلا ينقل عن البينة إلا في غيبة بعيدة، وأما في اليومين والثلاثة فلا، وأما في غير الحدود فجائز إن لم يكونوا حضروا، ولا يجوز إلا أن يكونوا مرضى لا يقدرون على الحضور، وينبغي في النقل عن الغائب علم الناقلين بغيبة بعيدة وبغير حداثة غيبتهم، قال: ولا ينقل [عن غير العدول إلى قاض ليلا يغلط فيقضي بها، ولا ينقل عنه ابتداء] إلا أن تكون آلت إلى أن صارت إقرارا على نفسه مثل الزوج والولد والوارث، وإلا فلا يشهد بها.
ومن العتبية: قال أصبغ عن أشهب: وإن شهد قوم على / شهادة رجل لا يعرفونه بالعدالة، والقاضي يعرف عدالته، أو عدله غيرهم، فجائز.
قال أصبغ: وذلك إذا عرف أنه الذي نقل عنه آخرون بعينه، لئلا يجعل اسمه لغيره، فيكون غير الذي عرفه القاضي أو المعدلون بالعدالة.
قال في كتاب ابن المواز: وليس النقل عن الشاهد بتعديل حتى يعدله الناقلون أو غيرهم، أو يعرفه القاضي بالعدالة، قال أشهب: وإلا طلب منه تزكية.
قال ابن حبيب: قال مطرف في نقل الناقلين لشهادة قوم في حق أو نكاح، وقالوا: أشهدنا قوم على كذا كانوا عندنا يومئذ عدولا، ولا ندري اليوم من [8/ 383]

(8/383)


هم، فلا تجوز شهادتهم حتى يسموهم فيعرفون غيبا أو أمواتا، فتجوز شهادتهم تلك عليهم وإلا لم تجز، إذ لعلهم حضور قد نزعوا عن الشهادة أو نسوها أو حالت حالتهم إلى جرحة، وقاله أصبغ.
ومن كتاب ابن المواز: ومن سمع رجلا يشهد على شهادته قوما ولم يشهده هو ولا خاطبه، فلا يشهد على شهادته وإن احتاج إليه، بخلاف الإقرار.
قال ابن القاسم وأشهب في رجلين سمعا رحلا يذكر أن عنده شهادة في كذا، فلا ينقلا ذلك ولا يقبل إن نقلاه، قال أشهب: وليس بضيق إن رفع ذلك إلى الإمام، وقد قيل: لا يرفعها خوفا أن يغلط فيقضي بها، ولو أشهده لزمه أن يشهد وإن كان وحده، قال: ومن سمع رجلا يشهد عند القاضي بشهادة، ثم مات/ القاضي أو عزل فلا ينقل ذلك، وقال مطرف في كتاب ابن حبيب: ينقل ذلك، فيجوز إذا سمعه يسوقها عند القاضي وتكون شهادة على شهادة.
وقال أصبغ: لا يجوز حتى يشهده على ذلك، أو يشهد على قبول القاضي ذلك.
وقال ابن حبيب بقول مطرف.
ومن المجموعة: قال ابن القاسم في المشهور أنه ابن فلان، [لا باس بان يشهد بأنه ابن فلان] وإن كان إنما أخبره بذلك رجلان وليس بمشهور، فليقل: أخبرني فلان وفلان على أنه ابن فلان، ولا يقل هؤلاء إنه ابن فلان، لأنها- وإن كانا عدلين – فليس له هو أن يخبر بشهادتهما، ولعلهما لا يجوزان عند الحاكم، قال عنه عيسى في العتبية: إذا قال رجلان: سمعنا فلانا يذكر أنه شاهد لفلان في كذا وقد مات: فلا أحب أن يشهدا بهذا، ولو شهدا لم يقبلا، قال أشهب: فإذا شهد رجلان على شهادة امرأة أو امرأتين جازت الشهادة، وكأنهما قد حضرتا، ولم ينقل عنهما. [8/ 384]

(8/384)


ومن العتبية قال عيسى عن ابن القاسم في امرأتين شهدتا على شهادة امرأتين ومعهما رجل يشهد أو امرأتان بأصل الحق، قال: لا يجوز إلا أن يكون مع المرأتين رجل، قال: وإن شهد امرأتان على أصل الحق، قال مالك: تسقط شهادة الناقلين، ويحلف مع المرأتين اللتين على أصل الحق ويستحق، ولا يجوز نقل النساء وإن كثرن عن رجل أو عن رجل معهن.

في ناقلي الشهادة ينقل بعضهم عن / بعض البينة
وبعضهم عن بعضها، وهل ينقل فيما شهد فيه؟
وفي المنقول عنه ينكر الشهادة أو يشك فيها
من كتاب ابن المواز وكتاب ابن سحنون والمجموعة: قال ابن الماجشون: وإذا شهد رجلان على شهادة رجل، أو شهد أحدهما وثالث على شهادة آخر في ذلك الكتاب، فلا يجوز أن يرجع إلى أن واحد أحيى شهادتهما، قال ابن المواز: بل ذلك جائز، لأن الواحد جمع رجلين، ولو كان معه آخر ينقل عنهما لجاز عنده، فكيف هو مع رجلين كل واحد ينقل عن رجل، وهذا أقوى. قال ابن القاسم في المجموعة: ولا يجوز أن يشهد على حق يعلمه ويشهد مع آخر ينقلا ذلك عن آخر، لأن واحدا أحيى الشهادة.
قال في العتبية: وتجوز شهادته على علم نفسه، ولا يجوز نقله عن الآخر.
ومن كتاب ابن المواز: وإذا شهد رجلان على شهادة رجل، ثم أنكر شهادته أو شك فيها عن قرب ذلك أو بعده، فلا يجوز أن ينقل عنه إلا أن يكون صار ذلك إقرارا على نفسه، أو آل أمره إلى أن صار جحوده منفعة له فينفذ ذلك عليه. ومن العتبية: روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في شاهدين نقلا شهادة رجل، ثم قدم فأنكر أن يكون أشهدهما، أو أن يكون عنده في ذلك علم، [8/ 385]

(8/385)


وقد حكم بها، قال مالك: يفسخ ذلك، قال في سماع عيسى: وإذا نقلا عن شاهد فحكم بها [مع اليمين، أو عن اثنين فحكم بها] ثم قدم من نقلوا عنه فأنكر، فالحكم ماض ولا غرم عليهما، ولا يقبل / تكذيبه لهما، وروى نحوه أبو زيد. قال عنه عيسى: ولو قدم قبل الحكم فقال هذا القول: سقطت الشهادة، ويستحلف صاحب الحق مع شهادة إن بقي له شاهده، ونحو هذا عن مطرف في كتاب ابن حبيب.

في نقل الشهادة في الزنا والحدود والدماء
وكم يجوز في ذلك؟
من كتاب ابن حبيب عن مطرف عن مالك: ولا يجوز في الشهادة على الشهادة في الزنا إلا أربعة على كل واحد من الذين شهدوا على الرؤية، [وخالف بينه وبين الحقوق وقال: لا يجوز نقل الشهادة في الزنا إلا ستة عشر شاهدا، ولو شهد ثلاثة على الرؤية] وغاب شاهد فلا تتم شهادة إلا أن ينقل أربعة، ولا يعدل كل واحد إلا بأربعة.
قال ابن الماجشون: إذا شهد أربعة على كل واحد من الأربعة جازت، فإن تفرقوا جاز اثنان على كل واحد حتى يصيروا ثمانية، ويجوز في تعديلهم مثل غيرهم إثنان على كل واحد، وأربعة على جميعهم.
وقال ابن المواز: وإن شهد رجلان على شهادة أربعة في الزنا: حد الرجلان، وإن حدا ثم جاء الأربعة فشهدوا على الرؤية: حد الزاني، وزال الحد عن الرجلين. [8/ 386]

(8/386)


قال محمد: وإنما يضرب الناقلان إذا قذفا، وأما إذا قالا: أشهدنا فلان على شهادتهما: فإنما يضرب الغياب، وإن شهد اثنان على شهادة واحد، واثنان على شهادة ثلاثة، تمت الشهادة /، وإن شهد اثنان على رؤيتهما، ونقل اثنان عن اثنين على رؤيتهما، ونقل اثنان عن اثنين جازت الشهادة، ومن العتبية: روى أبو زيد عن ابن القاسم: وكذلك شهادة ثلاثة على شهادة ثلاثة في الزنا واثنان على واحد فيجوز.
قال ابن المواز: وإن نقل اثنان عن أربعة في الزنا فلم يحدا حتى قدم الأربعة فأنكروا، حد الأربعة وسلم الشاهدان، محمد: وكذلك ما لم يكن لزم الشهادين الحد مثل أن يقولا ابتداء: هو زان أشهدنا بذلك فلان فسموا أربعة [فأما إن قالا ابتداء: أشهدنا فلان وفلان] لم يحد هذان، وإن شهد واحد على علم نفسه، واثنان نقلا عن ثلاثة فإن يحد الشاهد، وأما الناقلان فإن لم يقولا: إنه زان، وإنما قالا: أشهدونا على شهادتهم أنهم رأوه هم وفلان يزني، فلا يحدا، وإن قدم الثلاثة فأنكروا، حدوا، وإن شهدوا: حد الرجل إن كان مجيئهم قبل حد هذا الذي شهد على رؤية نفسه، وكذلك لو لم يقدم منهم فشهد إلا واحدا واثنان لتمت الشهادة وحد الزاني.
ومن المجموعة: قال مالك: الشهادة على الشهادة جائزة في كل شيء في الحدود والزنا وغيرها، قال أشهب: وما علمت من خالف ذلك إلا بعض العراقيين فلم يجز النقل في الزنا والحدود، ولا حجة لهم في ذلك [8/ 387]

(8/387)


في نقل الشهادة على قضاء قاض
[في الحدود والدماء والحقوق]
من كتاب ابن سحنون: قال: وإذا شهد/ رجلان عند قاض آخر أنه أشهدهما أنه قامت عنده بينة، وعدلوا على قطع رجل ليد رجل عمداً، فحكم بالقصاص عليه فلم يقطع حتى هلك القاضي، فعلى الذي ولي بعده إنفاذ القصاص، وكذلك في القتل والجراح، وكذلك لو شهد شهود على شهادة هؤلاء بهذه القضية فذلك جائز، ولينفذه، ألا ترى لو اقتص منه لنفسه من غير قضية، ثم أقام بينة بما يوجب له ذلك القصاص، فلا شيء عليه إلا الأدب بما افتات على الإمام في أخذه حقه بيده، وكذلك لو أتى بشهادة على شهادة فيما ذكرنا لقبلت ذلك منه، وكذلك في حد السرقة، وكذلك في حد الزنا إن شهد أربعة فأكثر على قضية القاضي بذلك، فعلى من بعده أن ينفذ ذلك، وكذلك في كتاب القاضي إلى قاض في القصاص والحدود والحقوق.
ولو شهد رجل وامرأتان على قضاء قاض في الحدود والدماء، وما لا تجوز فيه شهادتهن، لم يجز ذلك، ولا يجوز في ذلك إلا الرجال.
وفي كتاب الحدود بقية هذا المعنى من نقل شهادة شاهدين بحكم القاضي في حد الزنا وغير ذلك.

كم يجوز من شهادة القافة؟
وما يجوز في ترشيد السفيه من الشهادة
من العتبية: قال سحنون: لا يقضى بقايف واحد، ولا يلحق به النسب، وليكتب إلى البلدان وينظر أبداً حتى ينضم إليه آخر/، وقال ابن القاسم [8/ 388]

(8/388)


وابن نافع عن مالك: لا يجوز من القافة إلا إثنان، قال عنه ابن نافع: ولا يكونا إلا عدلين، وقال محمد بن خالد عن ابن القاسم: إن شهادة الواحد العدل مقبولة.
ومن كتاب ابن المواز: ولا تجوز شهادة رجلين فقط على ترشيد السفيه حتى يكون ذلك فاشيا، وقاله أصبغ. ويجوز في إفشاء ذلك شهادة النساء، وقد اختلف في شهادتهن في ذلك.

في شاهد الزور وعقوبته
وهل تقبل شهادته بعد توبته؟
من المجموعة: روى ابن وهب عن مالك في شاهد الزور: قال: يجلد ويطاف به ويشهر، قال عنه ابن نافع: ويوقف ولا أريد النداء، قيل: هل يطاف به؟ قال: ما أريد أن أتكلم به، قال عنه: يضرب ويحبس، ثم يضرب ويفضح ويشار به، قال عنه ابن كنانة: يجلد نكالا، ويكشف عن ظهره ويشهر به إذا شهد بصريح الزور، فأما إن نسي أو شبه ذلك ولم يتعمد، فلا شيء عليه.
قال ابن المواز عن مالك: يفضح ويوجع أدبا ويشار به، ويسجن.
ابن حبيب: روى عن عمر أنه ضرب شاهد الزور أربعين سوطا، وسخم وجهه، وطاف به في الأسواق.
وروي عن شريح أنه نزع عمامته وخفقه خفقات وعرفه أهل المسجد وأهل سوقه، قال ابن الماجشون: يضرب بالسيوط، ويطاف به بالأسواق والجماعات والإشهار، ولا أرى الحلق والتسخيم، كره ذلك مالك وأصحابه، رواه مطرف عن مالك/ [8/ 389]

(8/389)


قال محمد بن عبد الحكم، إذا ثبت عليه أنه يشهد بالزور، ويأخذ على الشهادات الجعل، رأيت أن يطاف به ويشهر في المسجد في الحلق وحيثما يعرف به جماعة الناس، ويضرب ضربا موجعا، ولا يحلق لحيته ورأسه، وليكتب القاضي بشأنه وما ثبت عنده كتابا وينسخه نسخا يرفعها عند الثقات، ولا يقبل شهادته أبدا، وإذا كان ظاهر العدالة، إذ لا تعرف توبة مثل هذا أبدا. قال ابن نافع في المجموعة عن مالك: ولا تقبل شهادته أبدا إذا ظهر عليه، قال ابن نافع: وإن تاب، وفي كتاب ابن المواز عن القاسم بأنه تقبل شهادته، وأظنه لمالك، وتعرف توبته بالصلاح والتزيد في الخير، وروي عن ابن القاسم قول آخر أنه إذا اطلع عليه بذلك فلا تقبل له شهادة أبداً، قاله سحنون في المجموعة: وهو كالزنديق، قال في موضع آخر: ولا تقبل توبته إلا أن يأتي تائباً قبل الظهور عليه، ابن حبيب عن ابن الماجشون: إن كان عند الناس ظاهر الفضل والعدل حتى اطلع عليه بذلك سقطت شهادته أبدا، وإن تاب. وأما من لم يكن ممن يعرف بالفضل، فهذا إذا ظهرت توبته جازت شهادته، لأنه عاد إلى أفضل مما كان عليه.
قال أصبغ: وينبغي في شاهد الزور أن يكتب عليه الإمام بذلك كتاباً لئلا ينسى ذلك فتجوز شهادته.
ومن العتبية: روى أبو زيد عن ابن القاسم: قيل له: هل تقبل شهادة شاهد الزور؟ قال: إن عرف منه تزيد في الخير والإقبال جازت شهادته.

/ في القضاء باليمين مع الشاهد
وما يجوز من ذلك فيه
وما تجوز فيه شهادة النساء من المال وغيره
قال أبو محمد: هذا الباب قد تكرر كثير من مسائله في باب بعد هذا أفرد فيه شهادة النساء. [8/ 390]

(8/390)


من كتاب ابن المواز ونحوه لأشهب في المجموعة وهو قول مالك وأصحابه في قوله تعالى في آيه الدين (فرجل وامرأتان) ليس فيه نهي عن قبول شاهد مع اليمين، أو امرأتين مع اليمين. كما لم يمنع ذلك من قبول امرأتين فيما لا يطلع عليه الرجال، وهو أمر مجتمع عليه بالمدينة. قال مالك: وكما لا يختلف أن المطلوب إذا نكل وحلف الطالب، أن الحق قد وجب، وأنه ليس بمخالف لظاهر القران مع ما مضي من السن في ذلك في الأموال.
قال أشهب في المجموعة: وقد حكم مخالفنا بالنكول، وهو في كتاب محمد، قال سحنون في كتاب ابنه: وقد ثبتت السنة عن النبي (صلى الله عليه وسلم) بالقضاء باليمين مع الشاهد في الأموال.
قال مالك: مضت السنة بذلك، قيل له: أيحمل الناس عليه بكل بلد؟ قال: نعم.
قال مالك في هذه الكتب: وذلك في الأموال دون الطلاق والعتق والحدود، قال في كتاب ابن سحنون: والنكاح والقتل.
قال أشهب: ومن السنة التي لا اختلاف فيها: ألا تجوز شهادة النساء في نكاح أو عتق أو طلاق أو قتل أو قصاص أو حد. ولا يجوز في ذلك إلا عدلان، إلا الزنا ففيه أربعة.
قال سحنون: /: ولا اختلاف في هذا بين علماء الحجاز. قال ابن شهاب: مضت السنة في هذا من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ألا تجوز في النكاح والطلاق والحدود، ومن الخليفتين بعده، قال في رواية أخرى: والعتق والقتل، وقاله ابن المسيب وغيره من علماء أهل المدينة، ومن كتاب ابن عبدوس: قال ابن [8/ 391]

(8/391)


وهب: قال مالك: إنما تجوز شهادتهن في الدين حيث ذكرها الله سبحانه، والهبة والنحل والصدقة.
قال مالك فيه وفي غيره: لا يجوز الشاهد الواحد في العتق والطلاق، ولكنه يوجب يمين المدعى عليه.
ابن حبيب: قال مطرف عن مالك: ويجوز الشاهد الواحد مع اليمين في الحقوق والجراح عمدها وخطاها، وفي المشاتمة ما عدا الحدود من الفرية والسرقة والشرب والزنا والعتق والطلاق.
قال ابن حبيب: وقاله عمر بن عبد العزيز.
ومن العتبية: قال أشهب عن مالك فيمن قام له شاهد أن فلانا شتمه، قال: لا يحلف في هذا مع الشاهد، قيل: أيحلف المدعى عليه؟ قال: نعم عسى به ما أن أراه، وليس كل ما يراه المرء يجعل أرى إن كان الشاهد قام على معروف بالسب أن يعزر.
ومن المجموعة: ولا يجوز شاهد ويمين إلا حيث تجوز شهادة النساء في الأموال، قال ابن الماجشون: وما جاز فيه شاهد ويمين جاز فيه شهادة امرأتين أو امرأتين مع اليمين.
قال مالك في هذه الكتب: وقد يجوز ذلك فيما يؤدي/ إلى طلاق أو عتق أو حد كدين متقدم يثبت بشاهد ويمين على معتق فيرد به عتقه، وكذلك في النكول مع يمين الطالب، هكذا وقع في الموطأ، وروى عيسى عن ابن القاسم في كتاب ابن مزين أن العتق لا يرد بنكوله ولا بإقراره لو أقر أن دينا عليه قبل العتق، ثم رجع إلى كلام مالك قال: وكذا على شراء الزوج لامرأته، ويجب الفراق، أو يقيم القاذف شاهدا وامرأتين على أن المقذوف عيد فيزول عنه الحق، قال عبد الملك في المجموعة: أو امرأتين على أداء كتابة مكاتب، فيحلف ويتم عتقه، أو يعتق رجل [8/ 392]

(8/392)


عبده فيشهد رجلان أن امرأتين أشهدتاهما أنه باعه قبل عتقه، فيحلف ويرد عتقه ويأخذه المبتاع.
قال ابن الماجشون في كتاب ابن سحنون نحو ما تقدم، قال: وهن في هذا لم يشهدن في طلاق أو عتاق، وإنما شهدن في مال جر إلى ما ذكرت، قال سحنون: وكذلك شهادتين لمن حاز نفسه بالحرية: أنه مملوك لفلان، جائزة فيحلف معهن ويرق له ويبطل الحد عن من قذفه، ويصير حده فيما تقدم من زنا أو قذف أو خمر حد العبد.
قال: وإذا شهدن أن فلانة ولدت حيا فاستهل ثم مات، جاز ذلك فيما يوجب موته من ميراث أو دية أو قصاص أو غيره، لأن شهادتهن أثبتت حياته وها هو ذا ميتا، وإن شهدن أن فلانة وضعت أو أسقطت جاز ذلك، وحلت بذلك من العدة للأزواج.
/ ومن المجموعة: قال أشهب: ومن وطئ أمة رجل ثم ادعى شراءها فأقر له سيدها، أو أنكر ونكل عن اليمين، لقضي بها للواطئ ولم يسقط عنه الحد بذلك، ولو أقام شاهدا أو شاهدا وامرأتين لسقط عنه الحد بذلك استحسانا، وليس بقياس، ويريد أشهب: أنها ليست في حوزه، وابن القاسم يخالف أشهب في هذا، وهذا في كتاب الرجم مستوعب.
ومن كتاب ابن المواز: ومن قذف أو قذف فشهدت امرأتان أنه مملوك لغائب أو صغير: فالحد قائم له وعليه، فإن كان الغائب قريبا كتب إليه، فإن قدم حلف واستحق رقبته، قال محمد: وإلا فالحد له وعليه، ومتى ما قدم الغائب أو كبر الصغير حلف وملك.
ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: ويجوز الشاهد واليمين في دار رجل أنه غصبها لطالب، أو باعه إياها، أو وهبها له، أو تصدق بها عليه، أو أوصى له بها، أو أن له عليه مالاً، أو أنه حرق له متاعاً، أو جرحه خطأ، أو على براءة من دين. [8/ 393]

(8/393)


قال ابن وهب عن مالك: وتجوز شهادة رجل وامرأتين في تسمية الطلاق.
قال عنه أشهب: ولا تجوز شهادتهن في الرجعة.
ومن المجموعة: قال ابن وهب عن مالك: ويجوز الشاهد واليمين في البراءة من الدين، ويجوز في الأموال العظام من الذهب والورق والحوائط والرقيق.
ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: ومن ثبت عليه حق من دين أو ثمن مبيع أو أرش جناية مما تحمله العاقلة أو لا تحمله، فأقام / عليه شاهدا أنه قبض ذلك أو أبرأه، أو أبرأ عاقلته، أو أبرأه من أن يكون جنى، أو أنه صالحه على شيء وقبضه، جاز في ذلك يمينه مع شاهده، وكذلك إن أقام شاهدا أنه تبرأ إليه من عيب بعيد باعه، أو أنه أبرأه منه لحلف وبرئ ولو ثبت عليه بينة بحق فأقام المشهود عليه شاهداً أن المشهود له أقر أن ما شهد له به شهوده على فلان أنه باطل، فإنه يحلف في ذلك.
قال: قال ابن القاسم: ولا يجوز [شاهد واحد] في الهلال في صوم أو فطر أو حج، [وكذلك جماعة نساء] قال في كتاب ابن المواز: وإن كن مع رجل.
ومن المجموعة: قال ابن القاسم وأشهب وعبد الملك: تجوز شهادة النساء في قتل الخطأ وجراحاته.
قال أشهب: وتجوز شهادتهن مع رجل في كل خطأ. أو عمد لا قود فيه، وإن لم يكن معهن رجل: حلف المجروح واستحق دية جرحه.
قال سحنون عن ابن القاسم في العتبية: ولا تجوز شهادتهن في جراح [8/ 394]

(8/394)


العمد، وتجوز في الخطأ وقتل الخطأ، وقال سحنون: هي جائزة، وأصلنا: أن كل ما جاز فيه شاهد ويمين جازت فيه شهادة النساء.
قال سحنون في المجموعة وكتاب ابنه: مثله، واختلف قول ابن القاسم في شهادتين في القصاص فيما دون النفس، ثم ذكر فيه نحو قوله هذا، قال في كتاب ابنه: والذي رجع إليه ابن القاسم أنها لا تجوز، ولا يعجبني، قيل لسحنون في المجموعة: فأنت تجيز الشاهد في / قتل العمد في القسامة ولا تجيز فيه المرأتين مع القسامة، قال: لا يشبه ذلك، وهذه يمين واحدة، والقسامة خمسون يمينا.
ومن كتاب ابن المواز: وتجوز شهادة امرأتين وحدهما على الجراح مع يمين المجروح، وعلى القتل في العمد والخطأ، وتكون فيه القسامة فيمن ظهر موته، ولا تجب بشهادة المرأة على القتل قسامة. وقال أشهب: تجب فيها القسامة بشهادتها وشهادة الرجل المسخوط، وهو عنده لوث في العمد والخطأ.
ومن كتاب ابن عبدوس: قال ابن الماجشون ونحوه في كتاب ابن حبيب، أما ما صغر من جراح العمد كالموضحة والأصبع ونحوه من المأمون على النفس فيه: فيجوز فيه اليمين مع الشاهد أو مع المرأتين، ولايكون ذلك فيما فوق هذا مما يخاف منه تلف النفس، قال: ولكن على من شهد عليه بذلك اليمين، فإن نكل سجن حتى يحلف ولا ترد فيه اليمين، قال: واليمين مع الشاهد في الحر يجرح العبد يحلف سيدة ويأخذ مالا، وكذلك مع المرأتين، قال ابن الماجشون: وإنما تجوز شهادة النساء في قتل الخطأ إذا ثبت موت المقتول بغيرهن، وأما إن لم يثبت موته إلا بهن فلا يجوز. وكذلك في كتاب ابن المواز، قال: ولا يموت أحد إلا برجلين عدلين، وذلك يشبه العتق والطلاق.
قال أشهب في العتبية، ورواه عبد الملك بن الحسن: وإذا شهدت امرأتان على امرأة أنها ضربت بطن أخرى فألقت/ مضغة، فلتحتلف معها وتستحق الغرة ولا كفارة على الضاربة. [8/ 395]

(8/395)


ومن كتاب ابن المواز: وتجوز شهادتهن مع رجل على موت رجل إن لم تكن له زوجة ولا مديرة ولا وصية بعتق.
ومن المجموعة: قال ابن القاسم عن مالك: وتجوز شهادة النساء في المواريث لا في الأنساب، قال عنه أشهب في العتبية فيمن أقام رجلا وامرأة أنه وارث فلان. قال: يستأنى بهما حتى يأتي بغيرهما، فإن لم يأت بغيرهما حلف واستحق، قال أشهب في ذلك: إذا كان نسبه من الميت قد ثبت بغيرهن قبل ذلك، فيكون الشاهد إنما شهد له بأنه وارثه لا يعلم له وارثا غيره، فيحلف معه ويرث، لأنه يشهد على مال لا على نسب، ولا يجوز شاهد وامرأتين على نسب.
قال ابن الماجشون: تجوز في الميراث إذا ثبت النسب بغيرهن كما تجوز في قتل الخطأ إذا ثبت الموت بغيرهن، وإذا اختصم في تعدد الولاء وقد ثبت الولاء لمن ورثوه عنه، جاز ذلك بشهادتهن أو بشاهد ويمين، وإذا لم يثبت الولاء بغيرهن لم يجزن في ذلك.
ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: ويجوز في الوراثة شاهد ويمين الطالب وشهادة النساء، لأنها شهادة على مال، لأن النسب قد ثبت بغيرهن، ويجوز في قتل الخطأ إذا ثبت الموت بغيرهن، أو وجد الرجل مقتولا فشهد عليه غيرهن، وهو أمر ثبت بغيرهن قبل وجوب المال، وكذلك النسب، ولا يجوز في هذين الوجهين شاهد ويمين، ولا شهادة النساء وحدهن ولا مع رجل.
قال سحنون: وتجوز في قتل الخطأ / لأنه مال، قاله ابن القاسم، قال سحنون: وذلك إذا بقي البدن قائماً فشهد عليه رجل وامرأتان أنهما رأياه قتيلا، فأما إن دفن ولم يعلم ذلك غيرهن فلا تجوز، لأن شهادتهن إنما تجوز على الضرورة، ولا ضرورة ها هنا في زوال الجسد، لأن القتل يفوت، والبدن يبقي ولا يفوت، [8/ 396]

(8/396)


فليس فيه ضرورة، وقول سحنون هذا قول ابن الماجشون، قال سحنون: تجوز شهادتهن في العفو عن دم العمد.
ومن كتاب ابن المواز: ومن أقام بينة أنه وارث فلان أو مولاه لا يعلم له وارثاً غيره، قال مالك: يستأنى بالمال حتى يوئس أن يأتي أحد بأثبت من ذلك فيحلف معه ويقضى له بالمال، ولا يثبت له نسب ولا ولاء، قال أصبغ: ولا ينفعه في غير هذا المال.
ومن كتاب ابن سحنون: قال ابن كنانة فيمن أقام شاهدا وامرأتين أنه مولى فلان، وأنه لا وارث له غيره، فإنه يستحق بذلك ماله إن كان المالك معروفا بالحرية ظاهر ذلك بعير شهادة المرأتين، وكأنهما إنما شهدتا أن هذا أحق الناس بميراث فلان، فيكون ذلك له ما لم يأت أحد بأقوى من ذلك.
قال سحنون: واختلف أصحابنا في شهادة النساء على الوكالة على المال، والشهادة على الشهادة في المال والوصية إلى الموصى إليه في المال، والذي أخذ به أن ذلك يجرى مجرى اليمين مع الشاهد، لأن الله تعالى ذكرهن في الأموال. وفيها حكم النبي (صلى الله عليه وسلم) باليمين مع الشاهد، وهن لا يجزن في التعديل في المال ولا شاهد/ ويمين، وكذلك في الوكالة والوصية ونقل الشهادة فيه [والولاء وموت الميت المشكوك في موته، ولا يجزن في ذلك، كما لا يجوز فيه] الشاهد واليمين، وأنكر رواية ابن القاسم في شهادتهن على وكالة المال، وقال: لو جوزتها جوزت تزكيتهن لمن شهد في مال، ولو جازت شهادتهن في الوكالة في المال لجاز الشاهد واليمين في الوكالة عليه.
ومن كتاب ابن سحنون: قال: ابن وهب عن مالك في امرأة أشهدت على وكالة لها رجلا وامرأتين، قال إن كان في مال فنعم، ورواه ابن القاسم وقال: ولا تجوز شهادتهن في الوكالة على ما لا تجوز شهادتهن على أصله وإن كان معهن [8/ 397]

(8/397)


رجل، وتجوز شهادتهن على الشهادة في الأموال في الوكالات عليها إذا كان معهن رجل، وإن لم يكن معهن رجل لم يجز نقلهن عن رجل ولا عن امرأة إلا مع رجل، وقاله أشهب في النقل، ورواه ابن وهب عن مالك.
ومن العتبية: قال سحنون: لا يقضى بشاهد ويمين في وكالة في مال. قال ابن نافع عن مالك في المجموعة فيمن أقام شاهدا أنه أوصي إليه: أنه لا يحلف معه ولا يثبت له ذلك إلا إن يراه الإمام لذلك أهلا فيوليه بغير يمين. وقال ابن الماجشون نحو قول سحنون في شهادتهن كما ذكرنا في كتاب أبيه.
قال أشهب: سئل مالك عن شهادة النساء بعضهن على بعض فيما لا يحضره الرجال، قال: لا تعجبني شهادتهن في مثل هذا، وإنما يجزن فيما لا يشهده غيرهن من المحيض والولادة، فأما هذا فلا يعجبني شهادتهن فيه.
قال مالك في كتاب ابن سحنون /: شهادة امرأتين تجوز فيما لا يطلع عليه غيرهن فيما ينظر النساء إليه مما تحت الثياب من أمر النساء من العيوب والحيض والولادة والإستهلال وشبه ذلك مما لا يطلع عليه إلا هن.
قال سحنون: ولا يجوز في ذلك أقل من امرأتين، ولم نجد أن امرأة تجوز في شيء ولا في الصلح، ولم يكن في المرأتين يمين لأنهما إنما أجيزتا في هذا للضرورة، وإنما يكون اليمين موضعا يكون فيه بدلا من الشاهد.
قال مكحول: وتجوز شهدتهن وحدهن في الحيضة، والعذرة والاستهلال والسقط، [قال سحنون: وإنما تجوز شهادتهن على الاستهلال إذا بقي جسد الصبي حتى رآه العدول ميتا، ولأن الجسد يبقى، والاستهلال لا يبقى]. [8/ 398]

(8/398)


قال سحنون: وأنا أرى أن ينظر النساء إلى عيوب المرأة يعني الحرة التي في الفرج، وكذلك إن جرحت فيه نظر إليه، وقبل قول امرأتين في ذلك، وإن جرحت في غير الفرج جرد عنه ذلك حتى ينظر إليه الرجل، ولو أصابتها علة في موضع يحتاج فيه إلى الطبيب بقر عن ذلك الموضع لينظر إليه الأطباء.
قال سحنون: وإذا ادعى الزوج أنه وجد امرأته رتقاء، وأن بها داء في الفرج، فأصحابنا يرون أنها مصدقة، وأنا أرى أن ينظر إليها النساء.
قال مالك: وتجوز شهادة امرأتين على الاستهلال بغير يمين، وقد روي عن بعض السلف أنه أجاز شهادة القابلة وحدها، وقال الليث: وإن كانت مسلمة، ولم يره مالك إلا مع امرأة أخرى، لأن الله تعالى قال: (وامرأتين) فلم يذكر في شهادة النساء أقل من امرأتين، قال سحنون: وذهب عطاء إلى أنه لا يجوز فيما لا ينظر إليه النساء إلا أربع نسوة، وقاله الشعبي، قال /: والصحيح: ما قال مالك، لأنهن وإن كثرن كرجل، ولا يجوز في ذلك إلا امرأتين مسلمتين.
قيل لمالك: أيجوز في الاستهلال شهادة رجل واحد؟ قال: ما يشهد الواحد في مثل هذا، قيل: ولا يجيزه، قال: ما سمعته. ومن كتاب ابن المواز: ويجوز في المال وإن كثر، وأما في الوكالة على المال فتجوز في رواية ابن القاسم وقوله وقول ابن وهب. وقال أشهب وعبد الملك: لا تجوز، قال: ولا يجزن في تعديل، ولا تجريح، ولا على إيصاء إلى أحد، ولا ينقلن شهادة وإن كانت في مال إلا أن يزكى غيرهن، وينقل معهن رجل عن رجل أو عن امرأتين، ولا يجزن وحدهن في النقل، قال أصبغ: ولو نقلن مع رجل عن امرأة لتثبت شهادتها فكانت ربع شهادة، وإنما معنى قول ابن القاسم في نقلهن عن الرجال أو عن النساء إن كان معهن رجل: إنما ذلك فيما تجوز فيه شهادتهن مع اليمين، قال أصبغ: وأما ما تجوز فيه شهادتهن وحدهن من الاستهلال ونحوه فيجوز فيه نقل امرأتين وحدهن كما [8/ 399]

(8/399)


يجزن في أصله، قال محمد: وقول ابن القاسم: لا ينقلن عن من شهد على الاستهلال إلا مع رجل، لأنه ممكن فيها، وذلك إذا زكى المنقول عنهن الرجال، واختلف في نقلهن قول ابن القاسم وابن وهب، فأجازه مرة ولم يجزه أخرى.
ابن حبيب: قال ابن الماجشون: لم يقل مالك ولا أحد من علمائنا: أن شهادتهن مع رجل تجوز على شهادة رجل، ولا أعلمه أجاز شهادتهن على الوكالة ولا على إسناد الوصية ولا أجيزها.
ومن المجموعة: قال / ابن القاسم: وإذا أقام شاهدا أنه خالع امرأته على ألف، حلف واستحق الألف، وروي عن مالك في الموصي يعتق رقبة معينة أو غير معينة بعتق: أن شهادة رجل وامرأتين في ذلك جائزة، كما لو شهدوا أنه قال: بيعوا عبدي فلانا رقبته.
[قال في كتاب] ابن المواز [عن مالك]: [إذا شهدن مع رجل] أنه أوصى بشراء رقبة بخمسين فتعتق، لم تجز، لأنه إذا اشترى لم يعتق بشهادتهن، فإن كان على عبد فلان فيجزن على شرائه وزيادة ثلث ثمنه لربه إن لم يسم ثمنا، ولا يجوز أن يعتق بقولهن.
ابن حبيب: قال ابن الماجشون: ولا تجوز شهادتهن مع رجل أن الميت أوصى بثلثه للمساكين، كما لا يجوز في ذلك يمين مع الشاهد، وأجاز مطرف وأصبغ شهادتهن مع ذلك الرجل، واستحبه ابن حبيب.
قال ابن القاسم في المرأة تدعي على زوجها صداقا إلى موت أو فراق، وتأتي فيه بشاهد، فإن كان بعد البناء حلفت معه، وكان لها صداق مثلها إلا أن يكون ما وصل إليها من العاجل أكثر من صداق المثل. فلا ينقص منه، وإن قامت قبل البناء لم يحلف مع الشاهد، ولم يقبل قولها، لأنها تدعي فسخ النكاح، ولا يكون ذلك بشاهد ويمين، ولو قبلناه أيضا لفسخ ولم تتبعه بشيء. [8/ 400]

(8/400)


قال ابن المواز: ولا تجوز شهادة امرأة في شيء، ولا يحكم بها في قتل ولا رضاع ولا غيره.
محمد: قال عيسى بن دينار عن ابن القاسم: يقضى عليه بشاهد ويمين في قتل العبد، ويستحق قيمته من الحر القاتل، أو رقبة العبد القاتل إلا أن/ يفديه سيده بقيما المقتول، ولا يقتص من العبد بذلك.
قال محمد: وكذلك لا يقتص من جراح العبيد بشاهد ويمين. قال أصبغ في العتبية: إذا أقام سيد العبد شاهدا بجرح العبد عمداً، فإن شاء سيده حلف معه وأخذ أرش جرحه، وإن أراد القصاص حلف العبد واقتص له.
من كتاب ابن سحنون: قال ابن القاسم: ويجزن فيما يوجب اليمين: أن يشهدن على الطلاق أو العتق، فتجب بشهادتهن اليمين على الزوج أو السيد، وإن ادعت أمة أنها ولدت من سيدها فلا يحلف، فإن جاءت بشاهد على إقرار بالوطء، وامرأتين على الولادة، [فتصير أم ولد إن لم يدع استبراء، ولو أقامت شاهدا على إقراره بالوطء، وامرأتين على الولادة، وأحلف السيد، وكذلك شاهدين على الوطء وامرأة على الولادة]، أحلف السيد، قال سحنون: لا أرى هذا، وقد قال لي ابن القاسم في المقر بوطء أمته تأتي بولد فيقول هو: لم تلديه، وتقول هي: بل ولدته منك: إن الولد يلزمه، وقال مالك: إن لم يدع استبراء. وقاله أشهب، وبهذا أقول.
ومن كتاب ابن المواز: ولا يجوز شاهد ويمين على كتاب قاض إلى قاض، وبه قال ابن الماجشون في الواضحة أن لا يحكم بذلك، وإن كان في مال، وقال مطرف: يحلف مع شاهده ويثبت له القضاء.
قال مالك: ومن حلف لغريمه بالطلاق: لأقضينك حقك إلى أجل كذا، فأقام شاهدا قبل الأجل أنه قضاء، حلف معه وسقط الحق ويزول الحنث، [8/ 401]

(8/401)


وكذلك. لو لم يقم شاهدا فنكل الطالب وحلف المطلوب برئ من الحق ولا يحنث، وكذلك لو أقر الطالب يقيضه قبل الأجل يحل ولا حق له، ولو كان هذا كله / بعد الأجل لم يبرأ إلا بشهيدين أنه قضاه قبل الأجل، لا بشاهد ويمين، ولا برجل وامرأتين، ولا بإقرار، ولكن يسقط بذلك الحق.
وقال سحنون في العتبية وكتاب ابنه: مثله.
وقال ابن الماجشون في المجموعة: إذا أقام رجلا وامرأتين وذكر نحوه قال: ولو شهد له رجل بعد الأجل على إقرار الطالب بالقبض قبل الأجل لبرئ من الحنث، وكذلك لو شهدا أن شهيدين أشهدهما قبل الوقت أنه يشهد أن قد قضاه، لحلف الآن مع ذلك وخرج من الحنث، وكذلك ولو كان مكان الرجل امرأتان.
وقال مطرف في الواضحة: وكذلك لو شهد له شاهد بالقضاء قبل الأجل، وشهد له شاهدان على شهادة امرأتين بمثل ذلك، فذلك مخرج له من الحنث، قال: ولو أنه لما لم ينتفع بشهادتهما أتى بشهيدين فشهدا على إشهادهما قبل الأجل لم ينج بذلك من الحنث؛ لأنهما إذا أشهدتا كانتا لك بشهادتهما، وحملت شهادتهما محملها، ولم يلتفت إلى غير ذلك، وإذا قامت بشهادتهما شاهدان حملت محمد ذينك الشاهدين فيما يجوز لهما في الشهادة، ويجوز أن تحمل شهادة النساء وهن حضور، وذلك الشأن في شهادة النساء، ولم أر بالمدينة قط امرأة قامت بشهادتها إلى الحاكم، ولكنه تحمل عنها. [8/ 402]

(8/402)


قال مطرف عن مالك: وإن شهد الغريم ورجل بعد الأجل على القضاء زال الحنث بذلك، ولا تهمة فيه، قال فيه وفي كتاب محمد: ولا يسقط عنه الحنث بإقرار الغريم بعد الأجل، ولكن يسقط الحق، محمد وقد روي عن مالك أن إقرار الطالب بالقبض بعد / الأجل وقبله يزيد الحنث. ولا يعجبنا، ولم يؤخذ به، قال أحمد بن ميسر: إن أتى مستفتيا بعد الأجل ولا بينة على يمينه فلا شيء عليه في الفتيا في يمينه، إذا قال قد قبضه، سواء أقر الغريم أو أنكر.
ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: ولا تجوز شهادة النساء في الإحصان، كما لا تجوز في النكاح، ولا يجوز في الرضاع أقل من امرأتين عدلتين، قال: والسماع في الرضاع لا يقطع منه النكاح بعد عقده إلا السماع القوي المشتمل الذي يأتي من غير وجه، ولا اثنين، وأما ما كان من ذلك قبل التزويج وإن ضعف فحقيق على المرء التوفي فيه والاحتياط، وأمر سحنون في صبية أراد أولياؤها تزويجها فأمر امرأتين عدلتين أن ينظرا هل أنبتت، فأخبرتاه أنها قد أنبتت فإذن لأوليائها في إنكاحها، وذكر مسألة أشهب عن مالك في الذي اشترى امة على أنها عذراء [فغاب عنها، ثم جاء بالعشي فقال: لم أجدها عذراء]. فنظرها النساء فرأين أثرا قريبا طرياً. فليحلف البائع: ما كان ذلك منه، ولزمت المبتاع، وإن قلن: هذا أثر قديم، لزمت البائع بعد يمين المبتاع. [فإن نكل حلف البائع ولزمت المبتاع].
قال محمد: قلت: فقد روى ابن القاسم في المرأة يشهد عليها أربعة بالزنا وهم عدول، فقالت: أنا عذراء أو رتقاء [هل يراها النساء؟ وكيف إن رأيتها وقلن: هي عذراء] وقال: لا ينظر إلى قولهن وتحد، وكذلك الزوجة البكر [8/ 403]

(8/403)


يقول الزوج: لم أجدها بكراً، وأكذبته، أنها لا يكشفها النساء وهي مصدقة، قال سحنون: ولا تشبه هذه التي شهد عليها بالزنا، لأن الرجال قد عاينوا الفرج في/ الفرج، فشهادتهم أحق من شهادة النساء حين يشهدن بخلافه، وأما التي دخل بها، فقد جعل العلماء الستر فيها كالشاهد، فلم يكن فيها ضرورة تضطر إلى شهادة النساء، وأما عيب الفرج فلابد من شهادة النساء في ذلك، وكذلك قد أشهب، وكذلك أمر سحنون في التي ادعى زوجها أن بها رتقاً أو قرناً أن ينظر النساء إليها للضرورة والله أعلم.
في الشاهد الواحد يقوم في الحبس لا يعرف أهله
أو في وصية المساكين، أو في وصية لرجلين
فيأبى أحدهما اليمين أو يكون أحد الوصيين عتيقاً
من كتاب ابن المواز: قال: وإذا لم يقم على الحبس إلا شاهد، فالذي يقول به أصحابنا إن كان حبسا مسبلا أو معقبا فلا تصلح فيه اليمين، وروى ابن الماجشون عن مالك أنه قال: إذا حلف الحي منهم نفذوا به الصدقة عليهم ولغيرهم وغائبهم ومولودهم إذا ولدوا للسبيل بعدهم، وقال ابن الماجشون في المجموعة مثله في الشاهد على الصدقة الحبس يشهد بها القوم في يمين جلهم معه، ورواه عن مالك، وروى ابن وهب ومطرف وابن الماجشون عن مالك أنه قال: يحلف من أهل الصدقة رجل واحد مع الشاهد، ويثبت حبساً ولجميع أهلها، وإن لم يخلف عليها غيره، ولكل من يأتي ممن شرطت له ممن أتى من غائب أو صغير.
ومن المجموعة: قال المغيرة: ومن أقام شاهدا أن فلانا أخذ منه عبده سنة صدقة يحلف معه، وكذلك/ أن فلانا تصدق عليه بصدقة حبساً له ولعقبه فحلف معه، وأخذها لمن أتى بعده بغير يمين. [8/ 404]

(8/404)


وقال أشهب: إن شهد رجل أنه حبسها على فلان حياته، وأوصى له بوصية حلف معه واستحق، وإن شهد أنه حبسها في سبيل الله أوالمساكين وفي الأرامل أو من لا يعرف بعينه، فإن ذلك يبطل، وليس لأحد ممن ذكرنا أن يحلف معه فيه.
وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في شاهد قام على أن من أوصى بثلثه في سبيل الله أو المساكين أو لقبيلة من القبائل مما لا يحاط بعدتهم، أنه لا يحلف أحد من أولئك مع ذلك الشاهد.
قال ابن الماجشون في شاهد على وصية رجل فيها عدل، ووصية بعشرة دنانير لرجل مات قبل موت الموصي ولم يعلم به، ومنها عشرة في السبيل، أو على مجهولين. فذكر ابن الماجشون كلاماً معناه فيما فهمت: أنه يحلف على الوصية مع الشاهد ولا يأخذ إلا ما أعطاه العول، وكأنه يقول: إنما يدخل عليه العول بعد يمين الورثة: أن يحلف الورثة بسبب شهادة الشاهد للمجهولين الذين لا يحلفون، أو لمن مات منهم قبل موت الموصي، فكان ذلك يوجب العول وانتقاص من يحلف من أهل الوصايا بإدخال ذلك عليهم، فصارت حقا للورثة أوجب لهم أن يخلفوا مع الشاهد ليحقوا العول، وذلك نافع لهم، هذا ما فهمت من كلامه.
قال سحنون: قال ابن القاسم في الوصية بعتق وبمال لرجل شهد بها رجل: أنه يحلف الموصى له بالمال، ولا يقضى له إلا بما فضل عن العتق، لأن / الشاهد شهد بوصية فيها عتق مبدءاً، فمذهب ابن القاسم في مسألة عبد الملك: لا يمين على الورثة فيما أوصى به للمساكين، أو في وصية من نكل أو مات قبل موت الموصي، لأنه يقال للحالف من أهل الوصايا: إن كانت شهادتك جائزة ففيها حصاص بنقصك، فليس لك إلا ما ينوبك فيه وإن لم يأخذه أهله كما بقي بعد العتق وإن لم ينفذ، ولو كان يحلف الورثة مع شهادته لهؤلاء، كان إقرارا منهم [8/ 405]

(8/405)


لهم، وأهل الوصايا لو نكلوا كان على الورثة اليمين أنهم ما علموا أنه أوصى لهم بشيء، فإن نكلوا ثبتت الوصية، فيمينهم آكد من النكول ومن الإقرار، ولو كان ذلك عليهم لزمهم أن يدفعوا إلى الناكلين ما حلف عليه الورثة ويحاصوا به من حلف، فكيف يأخذ أحد شيئا من آخرين بيمين غيره، ولكن يحاص الحالف بنصيب من نكل، ويرد ذلك إلى الورثة بغير يمين، ألا ترى لو شهد لرجل شاهدان أنه أوصى له بمائة، قال أحدهما: [ورجع عن خمسين منها، أو أسلفه مائة، قال أحدهما:] رد إليه منها خمسين لم يكن للمشهود له أن يقول: إنما شهد على الإبطال شاهد، فلا يجوز، وقد أثبتا لي الحق جميعاً، فيقال له: الذي أثبتها لك هو الذي أبطلها، ولو شهد بذلك غيرهما لم يجز الإبطال إلا بيمين مع من شهد له بالإبطال أو بالرجوع، وكذلك يقال للموصى له: إن الذي شهد لك هو الذي أوجب الحصاص لمن لم يحلف، ولو كان شاهداً غير شاهدك هو شهد للناكلين أو لمن ذكرنا، لأخذت حقك من الثلث بغير حصاص، ولا يحلف الورثة لما ذكرنا، فتصير يمينهم إقراراً للناكلين/ وموجب الحصاص لهم فينتفعون بيمين غيرهم في صد الحالف من أهل الوصايا.
ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم: وإذا قام شاهد على صدقة أو هبة أو وصية لهم بالثلث، وأوقف ذلك حتى يأتي بشاهد آخر فلم يوجد، فقسم القاضي ذلك بين الورثة، وكان في ذلك رقيق وعقار، فعتق من الرقيق، وغرست الأرض، ثم جاء شاهد آخر، فإنه ينقض الحكم ويقضى بشهادة الشاهدين، وما فات بولائه أو عتق لم يرد، ويؤخذ ثمنهم من الورثة، يريد: إذا بيعوا، وما لم تعتق وتتخذ أم ولد فله أن يأخذ ذلك بعد أن يدفع الثمن لمشتريها، ويرجع الموصى لهم بما أدوه إلى المشتري على الورثة الذين باعوه، وكذلك إن أحب أن يأخذ الأرض [8/ 406]

(8/406)


دفع ثمنها لمشتريها وغرم قيمة ما انفق فيها أو غرس، ويتبع الورثة بما أدى في الثمن، كمن شهد بموته ثم قدم وقد شبه عليهم.

في الشاهد يقوم ليتيم أو سفيه أو ذمي أو عبد
وكيف إن قام على صدقة أو قسم ميراث
من المجموعة والعتبية من رواية أصبغ: قال ابن القاسم في الشاهد يقوم بحق لسفيه بالغ: أنه يحلف مع شاهده، بخلاف الصبي، فإن نكل حلف المطلوب وبرئ، فإن نكل غرم، وقاله أصبغ كالعبد والذمي، وذكر سحنون عن ابن القاسم أن السفيه إن نكل وحلف المطلوب، فإنه لا يمين على السفيه إذا بلغ الرشد، وكذلك البكر المولى عليها تنكل عن اليمين مع شاهدها [فلا يمين عليها بعد أن يرضى حالها، وقال ابن كنانة: لهما الرجوع إلى اليمين بعد رضا حالهما، وإن كان الغريم قد حلف أولا. وروي أصبغ عن ابن القاسم في العتبية مثله في السفيه إن نكل وحلف المطلوب فلا يمين له إذا بلغ، ولو كان له ذلك لانتظر رشده كما ينتظر الصبي، وكذلك النصراني ينكل عن اليمين مع شاهده] / ويحلف المطلوب، فإن أسلم النصراني لم يكن له أن يحلفه وقدتم القضاء.
وكان ابن القاسم وأصبغ يريان السفيه كالرشيد، إن حلف أخذ، وإن نكل بطل حقه بخلاف الصغير عندهما.
قال ابن حبيب عن مطرف في السفيه يقوم له شاهد، فإنه إذا حلف المطلوب أخر السفيه، فإن رشد وشاء أن يحلف مع شاهده قضي له، وإن أبى لم يكن له يمين على المطلوب، ولو كان المطلوب قد نكل أولا أخذ منه الحق، فإذا رشد السفيه أحلف، فإن حلف قضي له، وإن نكل رد إلى المطلوب، وكذلك إن كان صبياً فقام له شاهد وحلف المطلوب فقد برئ إلى بلوغ الصبي، وإن نكل [8/ 407]

(8/407)


أخذ منه الحق إلى بلوغ الصبي كما قلنا في السفيه، وقاله كله ابن كنانة. قال ابن عبدوس: قال مالك في الطفل يقوم له شاهد أنه لا يحلف حتى يحتلم.
وقال في كتاب ابن المواز: إن كان الوارث صغيراً وقف له حقه حتى يكبر فيحلف، قال محمد: يحلف المطلوب فإن نكل غرم، وتقدم تقدم ذكر نكوله، قال بن المواز في العتبية في رواية أصبغ وعيسى: قال مالك في آخر الباب من كتاب ابن المواز: إن كان وارثه صغيراًً وقف له حقه حتى يحتلم فيحلف، محمد: يبدأ يمين المطلوب فإن نكل غرم وقد تقدم ذكر نكوله.
قال سحنون في كتاب ابنه: وإن ترك زوجة وولدين أحدهما كبير حلف الكبير واستحق النصف بعد اليمين، وإن حلفت الزوجة أخذت الثمن ووقف حق الصغير من المال حتى يكبر ويبلغ ويحلف، أو يأبى فيسقط حقه.
قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون في قول مالك في الصغير يشهد له الشاهد بحق لأبيه على رجل، أن المشهود عليه يحلف ويترك، فإذا بلغ الصغير حلف [مع شاهده] واستحق [حقه، قالا: وذلك فيما كان مالا أو شيئا بعينه من دار أو عبد ونحوه، فذلك سواء، يسلم كله للحالف ولا يوقف عليه، فإذا بلغ الصغير حلف واستحق] إن كان بعينه، وإن فات أخذ قيمته، وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ.
قال محمد بن المواز: وإذا قام للميت شاهد بدين ووارثه صغير، وأحلف المطلوب فنكل، فليكتب القاضي بذلك قضية ويشهد على ما ثبت عنده من شهادة الشاهد لينفذه من بعده إن مات الشاهد أو فسد، وإن شركه وارث كبير حلف الكبير واستحق ما يخصه، وأحلف المطلوب، فإن نكل عجل حق الطفل [8/ 408]

(8/408)


إن كان حالا؛ ثم لا يمين على الصغير له بعد كبره كحكم نفذ، وإن حلف أخر بحقه حتى يكبر الصبي فيحلف، وإن كبر والغريم عديم، فإن كان يوم أخذ الكبير حقه لا شيء له إلا ما أخذ، رجع الصغير على أخيه بنصف ما أخذ بعد يمينه إذا كبر، قيل: وكيف يحلف الصبي على ما لا يعلم؟ قال: لا يحلف حتى يعلم بالخبر الذي يتيقن بنقله فيحلف، بذلك، قال مالك: يحلف على البت: أن هذا الحق لحق، ومن كتاب ابن سحنون وهو متسق بقول مالك فإن قيل: كيف يحلف الوارث على ما لم يحضر ولم يعلم وهو لا يدري هل شهد له بحق أم لا؟ قال: يحلف معه على خبره وتصديقه، كما جاز له أن يأخذ ما شهد له الشاهدان من مال وغيره ولم يعلم ذلك، لا يختلف في هذا، وقد يشهدان له بموت أبيه وبتركته/ فيأخذ ولا يعلم ذلك إلا بقولهما.
قال مالك: ويحلف مع الشاهد في دين لأبيه على الميت، ولو قام له شاهدان لحلف على علمه أنه ما علم أن أباه قبض ذلك الدين، قال ابن كنانة: ويحلف الكبار مع شاهد أبيهم على الميت في الدين، وأنهم لا يعلمون أنه قبض من ذلك شيئاً، ولا قبضه له قابض، فيصير أول اليمين على البت والثانية على العلم.
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: وإذا قام شاهد للطفل بدين لأبيه لم يحلف معه أبوه، قيل: فإن كان ممن تلزمه نفقته: قال: ما أظن ذلك له.
قال مالك: ومن زوج ابنته صغيرة من صبي فمات الزوج فطلب أبوها المهر والميراث، فأنكر أبو الزوج التسمية وقال: كان على الصلة، فليس لها غير الميراث، وإن كان لها شاهد حلفت إذا كبرت معه.
قال محمد: والأب فلم يتعد إذ له إنكاحها بالتفويض، قال ابن المواز في كتاب النكاح: وذلك ما لم يدع الأب التسمية مع الشاهد، فإن ادعاها حلف، فإن لم يحلف ضمن أن لم يتوثق لها بشهيدين، ولها أن تدع أباها وتحلف مع شاهدها، ولها ذلك في موت الأب وعدمه. وفي كتاب النكاح من هذا. [8/ 409]

(8/409)


ومن كتاب ابن سحنون في الصغير يقوم لأبيه شاهد نحو ما ذكر محمد، وزاد عن أشهب: أنه يحلف المطلوب، وإن حلف أخر الحق إلى أن يكبر الصبي، قال ابن القاسم: ولا يحلف الأب مع شاهد يقوم لابنه بجرح.
ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: وإذا قام / للصغير شاهدان في نصيبه من دار أو عبد أو ما له غلة، فليسلم ذلك إلى من هو بيده بعد يمينه ولا يوقف عليه، فإذا بلغ الصغير فحلف استحقه إن كان قائما، وإلا فقيمته يومئذ إن كان فائتا، وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ.
ومن كتاب ابن المواز: وإن شهد شاهد لوارث صغير بصدقة وبحيازتها في الصحة، فلم يوجد شاهد آخر، فقسمت الصدقة بين الورثة بأمر قاض، ثم كبر الصغير الطالب أو كان غائبا فجاء بشاهد ثان فإنه يقضى به مع الأول ويرد القسم، وما فات من الرقيق بعتق أو ولادة لم يرد ويتبع الورثة بالثمن، وإن لم يفوتوا إلا ببيع فليردوا ويؤدى الثمن ويرجع به على الورثة، وكذلك الأرض، ويدفع قيمة العمارة، محمد: أما الكبير فلا يجزئه شاهد ثان حتى يأتي بشاهد غيره لأن تركة اليمين مع الأول ترك لشهادته، وقوله: قسمت بأمر قاض. غير صواب، ولكن ينتظر الغائب، وأما الصغير فليوقف له حتى يكبر إلا ما لا يصلح إيقافه مثل الحيوان ونحوه، فليبع ويوقف ثمنه حتى يكبر فيحلف أو ينكل فيحلف الأكابر على العلم.
ومن كتاب ابن سحنون: وإذا قام شاهد بدين لميت ووارثه أخرس لا يفهم ولا يفهم عنه، ردت اليمين على المطلوب، فإن حلف برئ، وإن نكل غرم، [وكذلك المعتوه أو ذاهب العقل على رجل فليحلف، فإن نكل غرم] وإن حلف ترك إلى يبرأ المعتوه فيحلف ويستحق. [8/ 410]

(8/410)


ومن العتبية قال أصبغ عن أشهب، وهو في كتاب ابن سحنون عن أشهب في الميت يثبت عليه الدين فيجد وصيه شاهدا بالبراءة منه/ والورثة صغار، حلف الطالب، أنه ما قبض، فإن حلف دفع إليه المال الآن، فإذا كبر الصغار حلفوا واسترجعوا المال، قال أصبغ: جيدة كما قال مالك في الدين يكون له.
ومن المجموعة: قال المغيرة في رجل أعتق عبده، ثم قام شاهد لصبي مات أبوه، أن أباه اشترى ذلك العبد من المعتق قبل عتقه، قال: يوقف العبد بخراجه، فإن حلف بعد أن بلغ، استحقه وما له من خراج، وإن لم يحلف كان حرا وخراجه له، قال: وإن جنى جناية في هذا الوقوف فهو موقوف، فإن ثبت رقه خير فيه من استرقه.

في الورثة يقوم لهم شاهد بدين
لميتهم أو للموصى لهم بالثلث
ومن العتبية سئل مالك عن الوارث يقيم شاهدا في حق لأبيه، أيحلف على العلم؟ قال: على البت، فأما لو جاء بشاهدين حلف أنه ما علم أن أباه اقتضى منه شيئاً، وقال ابن كنانة: يحلف الأكابر من الورثة مع شاهدهم: بالله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم أن هذا الدين عليك للميت، ثم يقولون: ولا نعلم أنه اقتضاه له متقاض، قال في كتاب ابن المواز: يحلف الوارث إن كان كبيرا مع شاهده: أنه حق عليه على البت، ويدخل مع ذلك أيضا: أنه ما علم أنه اقتضى من ذلك شيئاً، قال في موضع آخر: ولا أسقط منه عنه شيئاً في علمه. [8/ 411]

(8/411)


قال ابن سحنون عن أبيه: وكذلك لو أقامه أبوهم ثم لم يحلف حتى مات لحلفوا معه/ قال: ويجوز لهم أن يحلفوا بالخبر الصادق، كما يجوز لهم أخذ المال بالشاهدين وفي الباب الأول مسألة من هذا.
وروى ابن القاسم عن مالك في الموصى له بالثلث يأتي بشاهد بذكر حق الميت: أنه يحلف الموصي بالثلث مع الشاهد كالوارث، وقال في كتاب ابن المواز: فإن نكل حلف الغريم وبرئ، قال: وليس للورثة فيه حق، يريد محمد: في الثلث.
في الشاهد يقوم فيما وليه عبد الرجل
أو شريكه أو وكيله، أو وليه الأب لابنه الصغير
من كتاب ابن المواز والمجموعة: قال مالك فيمن أمر عبده أو وكيله بقضاء دين عليه ففعل وحجد القابض، فأقام شاهدا: حلف العبد وبرئ السيد الأمر، وإنما يحلف الوكيل كان عبدا أو حرا أو مسلما أو كافرا، قال ابن القاسم: لأنه للوكيل شهد، وليبدأ به. قال ابن المواز: فإن نكل الوكيل غرم بعد رد اليمين على الطالب: أنه ما قبض، لأنه ضيع إذ لم يشهد شهدين، ونكل عن اليمين، وأما إن نكل العبد فليحلف العبد كما يحلف مع شاهد لحق العبد بعد موت العبد، وكذلك إن كان العبد ميتا، أو الوكيل عديما أو ميتا، فليحلف الآمر مع الشاهد على الدفع ويبرأ، وكذلك إن وكل عبدا لغيره فلم يشهد شاهدين، لضمن العبد إن كان مأذونا له في ذلك، قال: وإن كان الوكيل معدما وقد أبى أن يحلف، فلمن وكله أن يحلف مع الشاهد: لقد وصل هذا الحق إلى غريمه، كيمينه مع شاهد ببراءة لأبيه من دين عليه/ دفعه أبوه، وكذلك على حق لأبيه، قلت: ويسمع هذا الوارث أو الموكل أن يحلف على ما لم يحط به علما؟ قال: له ذلك في الحكم إلا أن فيما بينه وبين الله، لا أحب له ذلك إلا أن يكشف له تحقيق ذلك بإقرار، أو بما يتظاهر عند ويتواطأ حتى لا يشك فيه فيكون ذلك عنده كالمعاينة. [8/ 412]

(8/412)


قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون في العبد المأذون يقيم شاهدا بحق وينكل عن اليمين، قالا: فليس لسيده أن يحلف: ما كان العبد قائما، ونكوله عن اليمين كإقراره، وإقراره جائز، ولو مات العبد حلف السيد مع شاهد عنده وأخذ المال.
ومن كتاب ابن المواز والمجموعة من رواية نافع: قال مالك: ومن اعترف بيده بكر ولي شراءه شريكه الغائب المفاوض له، فأقام الحاضر على بائعه شاهدا أنه البكر الذي بعته من شريكي، فله أن يحلف معه إن ثبت أنه شريك للغائب. ومن المجموعة: قال ابن كنانة فيمن أمر رجلا يشتري له جارية أو سلعه ففعل، وقام له بذلك شاهد، والبائع ينكر، فإن قامت للآمر بينة على الأمر، حلف مع شاهد وكيله، وإن لم تقم بينة فاليمين على الوكيل.
قال ابن نافع عن مالك في الرسول يقبض ثمن سلعة باعها المرسل، فقال المبتاع: دفعت إلى الرسول وأنكر، فليحلف الرسول: ما أخذه، إلا أن يكون الرسول ممن لا يحلف لصغر وشبهه، فليحلف المرسل: ما علم أنه وصل إلى رسوله/ شيئا، ويستحق.
ومن كتاب ابن المواز: قلت: أيحلف الأب في حق لابنه الصغير؟ قال: إن كان هو الذي دفعه أو باعه وله بذلك شاهد فإنه يحلف، فإن لم يحلف ورد اليمين على المدعي عليه حلف وبرئ، ولزم الأب غرم ذلك من ماله، وقاله مالك وعبد الله ابن زيد بن هرمز في الوصي يدعي عليه بعض غرماء الميت: أنه دفع إليه ما كان عليه للميت، فأنكر الوصي أن يكون قبض منه شيئا، فطلب منه اليمين فشك ورد اليمين على الغريم، فحلف وبرئ، فإن الوصي يغرم ذلك من ماله لليتامى.

في الشاهد للميت أو للحي هل يحلف غرماؤه؟
من المجموعة قال مالك في الميت يقوم له شاهد بدين وعليه دين للناس، فأبى ورثته اليمين مع الشاهد، فللغرماء أن يحلفوا ويأخذوا حقوقهم، فإن فضل فضل لم [8/ 413]

(8/413)


يكن للورثة معاودة اليمين لنكولهم عنها أولا إلا أن يقولوا: لم نعلم أن لنا فيه فضلا، ويعلم ذلك، فليحلفوا ويأخذوا.
قال سحنون: وإنما كان للورثة أن يحلفوا أولا لأنهم لو نكل الغرماء عن اليمين أنهم لم يقبضوا دينهم كان للورثة اليمين مع الشاهد، فلذلك لهم الحلف أولا إذا لم يقم الغرماء، فأما إن قاموا وثبتت حقوقهم وطلبوا أن يحلفوا فهم المبدؤن بها، لأنهم أولى بتركته، وروى ابن المواز عن مالك مثل ما تقدم، وقال محمد: والمعروف لمالك أنه يبدأ بدين الورثة إن كان في الحق فضل عن دين الغرماء، فإن لم يكن فيه فضل فلا يحلف إلا الغرماء، فإن نكلوا / حلف الغريم وبرئ.
وقد روى ابن وهب في قيام شاهد بدين للميت يقوم به غرماؤه: أن الورثة يحلفون معه، فإن نكل حلف غرماؤه واستحقوا قدر دينهم، فإن فضل شيء لم يأخذه الورثة إلا بيمين.
قال أصبغ: وإن حلف الغرماء ثم طرأ مال آخر للميت فلهم الأخذ منه، ثم لا يكون للورثة أخذ الدين الذي فيه الشاهد إلا بيمينهم، قال محمد: بل ليس للغرماء ولا للورثة أخذ الدين إلا بيمين الورثة، ولا تغني يمين الغرماء التي حلفوا أولا، لأنه لما طرأ مال بقي بدينهم صار الورثة أقعد بدين الميت وباليمين عليه مع الشاهد، ولو لم يطرأ مال، لكن لما حلف الغرماء واستحقوا دينهم تركوا للميت، فصار كمن لا دين عليه، وصار الدين ميراثا، قال: وإذا نكل غرماء الميت عن اليمين حلف المطلوب وبرئ، ولا حق في ذلك للورثة إلا أن يفضل منه عن الدين فضل فيحلفون إن شاؤوا. قال مالك: فإن كان فيه فضل قيل للورثة: احلفوا واستحقوا الفضل فقط إلا أن يتبين من الغرماء أنهم ما تركوا دينهم إلا للورثة خاصة أو للذي هو عليه، وإلا فهو للميت. [8/ 414]

(8/414)


ومن كتاب ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون فيمن عليه دين أقام شاهدا بدين له ونكل عن اليمين، قال: فليس لغرمائه أن يحلفوا ما كان قائم الوجه جائز الإقرار، فأما إن ضرب على يده، حتى لا يجوز إقراره، فلغرمائه أن يحلفوا إذا نكل ويستحقوا ذلك قضاء لهم من دينهم عليه، ويحلف كل واحد على أن الذي شهد به الشاهد من جميع الحق حق، وليس على ما ينوبه/، ومن نكل منهم فلا محاصة له مع من حلف، قال مطرف: فإن رجع أحد منهم بعد نكوله، فإنه لا يقال، وقال ابن الماجشون: للناكل معاودة اليمين وليس كنكوله عن حق نفسه، لأنه يقول: ظننت أن الغريم سيحلف ويغنينا عن اليمين، أو يقول: أردت أن أكشف عن علمه وعن غير وجه، فإنه يقال ما لم يمض الأمر به والحكم فيه.
ومن كتاب ابن المواز ومن العتبية من رواية عيسى عن ابن القاسم في ميت قامت امرأته بمهرها وغرماؤه بدينهم، ولم يدع وفاء، وقام شاهدان أن المرأة تركت مهرها للزوج، فللغرماء أن يحلفوا ويكونوا أحق بما ترك، ثم إن طرأ له مال وكان ما قبض الغرماء وفاء دينهم، حلف الآن ورثته مع الشاهد وورثوا الطارئ، ولا يجزئهم يمين الغرماء أولا، قال في رواية عيسى: فإن نكل بعض الغرماء كان لمن يحلف بقية حقه.
قال ابن حبيب: قال أصبغ: إذا قام للغرماء شاهد بالبراءة من دين وهو ميت أو مفلس: فلس لغرمائه أن يحلفوا ويبرأوا كما كان له هو، وإنما يحلفون في دين له لا في براءة ذمته، ويمينه على أنه دفع رجم بالغيب [والذي ذكر ابن المواز: أن هذه يمين بمخبر لا رجم بالغيب].
قال محمد بن عبد الحكم: وإذا مات وعليه دين وله دين مؤجل بشاهد واحد ولا مال للميت، فقيل للطالب: احلف مع شاهد الميت وخذ من الدين [8/ 415]

(8/415)


إذا حل، فحلف، ثم طرأ للميت مال قبل محل الدين، فإن يأخذ حقه منه، ثم لا يأخذ الورثة ذلك الدين حتى يحلفوا مع الشاهد، فإن نكلوا لم / يأخذوا من الذي شهد عليه بالدين شيئا وحلف وبرئ، ولو حل الدين فأخذه الحالف، ثم طرأ للميت مال [فللورثة أخذه، ولا يرد ما مضى به الحكم، ولو حلف الطالب على مال حال فأخذه، أو حل أجله فقبضه ثم طرأ للميت مال] لم يعلم به، فليأخذه الورثة وينفذ ما أخذ الغريم، ولو كان للميت مال حاضر فقال الورثة: نحن نأخذ المال الحاضر، فرضي بذلك أهل الدين وقالوا: نحن نحلف مع شاهد الميت ونأخذ ذلك الدين، فليس للغرماء ذلك ولا للورثة، ولا يحلف إلا الورثة هنا، وإنما يحلف الغرماء إن لم يكن للميت مال يوفى منه الدين، فإن كان له مال حاضر فمنه يقضى الدين، ويحلف الورثة في الدين إن شاؤا، وإذا قام للميت شاهد بدين ولا مال له غيره وعليه دين، فحلف بعض غرمائه مع الشاهد، وأبى الآخرون اليمين، فإن من يحلف يأخذ جميع حقه من هذا الدين لا ما يقع له منه، ولو قام شاهدان بخلاف الورثة يقوم لهم شاهد، فقتل خطأ، فحلف بعضهم فلا يجوز لمن حلف إلا حصته لأن طلبهم في الدية بعينها، وليس طلب الغرماء في هذا المال بعينه.

فيمن نكل عن اليمين مع الشاهد
ثم وجد شاهدا آخر أو قام له شاهد
فيما لا يحلف
فيه معه ثم أصاب آخر
وحلف المطلوب، ثم وجد الطالب شاهدا
من كتاب ابن المواز: ومن أقام شاهدا ثم نكل عن اليمين معه، فحلف المطلوب وبرئ، ثم أصاب شاهدا آخر، فليؤتنف له الحكم به ولا يضم إلى الأول، [8/ 416]

(8/416)


وإلا رد اليمين ثانية، لأن اليمين الأول إنما أسقط بها المطلوب الشاهد الأول، قال أحمد ابن ميسر/: لا ترد اليمين على المطلوب ثانية، لأنه قد حلف عليه مرة.
وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في العتبية أنه سئل: إذا وجد شاهدا آخر قال: لا يضم إلى الأول، ونكوله عن اليمين أولا قطع لحقه، بخلاف الذي لا يجد بينة، أو تغيب بينته فيحلف المطلوب فيجد بينة، أو يحضرون، وذكرها ابن سحنون عن ابن القاسم قال: وسئل عنها ابن كنانة فقال مثله: أنه لا يحلف مع الشاهد الثاني، لأنه ترك موضع حقه بالنكول، ومن كتاب ابن المواز: قال: فإن كان إنما أقام شاهدا فيما لا يحلف معه فيه من عتق أو حد فحلف المطلوب، ثم وجد الطالب شاهدا آخر، فإنه يضم إلى الأول ويقضى بهما، لأنه منع أولا من اليمين فلم يكن له نكول يسقط به شاهده، وهو كصغير قام له شاهد [فحلف مطلوبه وأخر، ثم وجد شاهدا] آخر فإنه يحكم بهما.
وقال ابن كنانة في كتاب ابن سحنون عن مالك فيمن أقام شاهدا بحق فلم يجد غيره، وقاضيهم لا يقضي باليمين مع الشاهد، فلم يقض له بشيء، ثم وجد شاهدا آخر، قال: يقضى له بحقه، وقد أخطأ قاضيكم، إذ لا يقضى باليمين مع الشاهد.
وقال ابن حبيب عن ابن الماجشون وابن عبد الحكم عن مالك فيمن أقام شاهدا بحق ونكل عن اليمين معه، ثم وجد شاهدا آخر، قال: يضم له إلى الأول ويقضى له، وقال ابن كنانة: هذا وهم، وقد كان يقول: إنه ليس له أن يضم له، وإنما هذا في المرأة والعبد يقيم شاهدا على طلاق أو عتق، فيحلف السيد والزوج، ثم يقوم شاهد آخر، فإنه / يضم إلى الأول إذ لم يتقدم له نكول، وقاله ابن الماجشون، وقال أصبغ بقول مالك الأول في الحقوق، كما لو لم يقم شاهدا وحلف المطلوب فنكل، ورد اليمين على المدعي، فحلف واحد، ثم وجد المدعي عليه بينة [8/ 417]

(8/417)


تبرئه من ذلك الحق، فليقم بها ويبرأ، ويرجع إلى ما أخذ منه فيأخذه، ولو أن المدعي حين رد عليه اليمين نكل فلم يقض له بشيء ثم وجد بينة على دعواه، فإنه يأخذ ببينته، وقال أصبغ: هذا الذي لا أعرف غيره من قول أصحابنا، قال ابن حبيب: وهو أشبه بقول عمر بن الخطاب: البينة العادلة، أحق من اليمين الفاجرة. وهذا مكرر في كتاب الأقضية أيضا.
وقال مطرف وابن الماجشون فيمن ادعى حقا ولا بينة، له فحلف المطلوب وبرئ، ثم وجد المدعي شاهدا فإنه لا يحلف معه، ولا يقضى له هنا إلا بشاهدين، لأنه لا تسقط يمين قد درئ بها حق بيمين مع شاهده، وقاله أن عبد الحكم وأصبغ، وقال مالك في كتاب ابن سحنون والمجموعة [وإذا أقام شاهدا] فلم يحلف معه ورد اليمين على المطلوب فحلف، ثم أقام الطالب شاهدين بعد ذلك، قضي بهما إن كان لذلك وجه.

فيمن قام له شاهد واحد بإقرار غريم
هل يحلف أنه أقر له؟
قال ابن عبد الحاكم: وإذا شهد شاهد أن فلانا أقر لفلان بمائة دينار حالة، حلف المشهود له بالله: لقد أقر له فلان بمائة دينار حالة، / ولقد شهد له شاهده بحق، فإن قال: لا أحلف أنه أقر لي بمائة، ولكن احلف أن لي عنده مائة، أو لقد غصبني مائة دينار، فلا تلزمه اليمين إلا على ما شهد به شاهده، فإن شهد شاهدة إنه غصبه مائة [دينار فيحلف أنه غصبه مائة دينار] فإن كان المشهود عليه غائبا أو ميتا استحلفه يمينا على ما ذكرت لك، ثم يستحلفه ثانية: أنه ما قبضها ولا شيئا منها ولا أحال عليها ولا احتال بها على أحد، ولا عنده بها رهن ولا تبعه إلا ما رفع بها إلى القاضي من الشهادة وإنها عليه لثابتة، ثم يقضى له بها. [8/ 418]

(8/418)


في الشاهد يقوم بطلاق أو عتق أو حد
أو لم يجد شاهدا
من كتاب ابن المواز: وإذا ادعت امرأة الطلاق ولم تجد شاهدا، فلا يأتيها إلا مكرهة، وقاله مالك.
قال ابن القاسم: ولا الأمة تدعي العتق كذلك، وإن قدرت الحرة أن تفتدي بكل مالها فلتفعل.
ومن أقام شاهدا في عتق أو طلاق أو حد، فنكل المطلوب عن اليمين، فقال مالك: يحكم عليه، وبه قال أشهب، ثم قال مالك: يحبس حتى يحلف، وبه أخذ ابن القاسم وأكثر أصحابنا، لأني إن حكمن بنكوله حكمت بشاهد بغير يمين، فيكون أخف حالا من الأموال، فإذا طال حبسه ترك، قال ابن القاسم: وطول حبسه سنة، وكذلك في الحدود إلا الجراح، فإنه يقتص المجروح بعد يمينه في العمد ويأخذ أرش الخطأ، قال ابن سحنون: / وأخذ سحنون بقول مالك أنه يسجن أبدا حتى يحلف.
ومن كتاب ابن المواز: قال أشهب عن مالك: وإذا قام شاهد بالطلاق فأبى الزوج أن يحلف ثم قال: أنا أحلف فليس ذلك له، وكذلك في العتق يريد. على رواية أشهب [قال مالك] وكذلك من أقام شاهدا بحق وأبى أن يحلف ورد اليمين، ثم بدا له أن يحلف، فليس ذلك له.
ومن المجموعة: قال ابن القاسم فيمن أقام شاهدا على رجل أنه مولاه أعتقه، وهو منكر فلا يمين عليه، قال أشهب: لأنه يجحد شيئا هو له، ونكوله إقرار على العاقلة، ولا يجوز إقراره عليهم على هذا الوجه. وقال ابن الماجشون: احلفه فإن أبي سجنه على هذا الوجه حتى يحلف. [8/ 419]

(8/419)


قال ابن القاسم وابن وهب في المجموعة والعتبية: قال مالك فيمن أقام شاهدا على رجل أنه قذفه فليحلف له: ما قذفه، فإن نكل سجن حتى يحلف.
قال ابن القاسم في العتبية من رواية أصبغ: فإن طال سجنه خلي ولا ضرب عليه. وتقدم باب فيمن أقام شاهدا يقذف ونحوه.
ومن كتاب ابن المواز: وإن أقام شاهدا أن سيده أعتقه في مرضه: فاليمين على الورثة على العلم.
ومن كتاب ابن سحنون: وعن شاهد شهد بطلاق البتة، فأحلف الزوج فحلف، ثم نكث الشاهد، وأصابت المرأة شاهدا غيره: أنه لا يضم إلى الأول، لأنه الآن ساقط الشهادة، وقد تقدمت اليمين باسقاط شهادته الأولى.
وكتب شجرة إلى سحنون فيمن شهد عليه شاهد في غيبته أنه حنث في امرأته / ورقبته، والزوجة غائبة، فكيف يحال بينه وبينهما؟ فكتب إليه: يرفع الرجل، وتقر لمرأة بموضعها [حتى تشهد عليه البينة عندك ويرفع الرقيق] حتى تشهد على أعيانهم البينة. وحل بينه وبينها في رفعها إليك، فإن ثبت الأمر عليه بشاهدين حكمت عليه، وإن لم يثبت عليه إلا شاهد فحلقه: أنه ما طلق ولا أعتق، فإن حلف فرد عليه كل شيء، وإن نكل فاحبسه، وقد اختلف قول مالك وأصحابه في نكوله وطول سجنه. وقد ذكرنا قبل هذا.

في شهادة النساء فيما لا يطلع عليه الرجال
من الاستهلال وغيره
وهذا الباب قد تقدم ذكر كثير من معناه في الباب الأول في الشاهد واليمين، وشهادة النساء. [8/ 420]

(8/420)


من المجموعة: قال ابن القاسم: ومن حلف بعتق أو طلاق: وإن لم يكن بفلانة عيب بموضع كذا، بمكان لا يراه إلا النساء، [وهي حرة أو أمة] وقالت الحرة: لا أمكن من ينظر إلي، وقالت الزوجة الرقيق: لنا ذلك إذا أذنت الحرة في أن تنظر إليها امرأة فنظرت القوابل [فقالت: ليس بها ما قال، قال: لا يحنث وهو مدين، وليس نظر النساء إليها بشيء، وقال ابن الماجشون: والقوابل] فيما غبن عليه، فهي مثل الرجال تجوز فيه شهادة اثنتين للضرورة، وقد اختلف في جواز اثنتين وإنما قلنا للضرورة، فيجوز في هذا أقلما يجوز من النساء وهو اثنتان، وليس لشهادة الواحدة أصل في مال ولا غيره، قيل: فلم جعلت معها يمين؟ قال: يسلك بها مسلك الشهادة على المال، لكن للضرورة.
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: ولا يجوز شهادة امرأة في شيء، وتجوز شهادة/ امرأتين فيما لا يطلع عليه الرجال بغير يمين: من الولادة والحمل وعيوب الفرج والاستهلال والرضاع، ويحتاج في الرضاع معها أن يكون فاشيا عند المعارف، وتجوز شهادة القابلة مع أخرى على الاستهلال.
قال: وإذا شهدت امرأتان على إرخاء الستر لم يقض للزوجة إلا بيمينها.
ومن ابتاع أمة على أنها بكر فقال: لم أجدها بكرا، فإن قالت امرأتان: اقتضاضها قريب، حلف البائع وبريء، وإن قالتا: بعيد، حلف المبتاع وردها.
قال ابن حبيب: قال مطرف عن مالك: وإذا شهدت امرأتان ورجل على استهلال الصبي، لم تجز شهادتهم، وقاله ربيعة وابن هرمز، وقاله ابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ، قال ابن حبيب: وذلك لارتفاع الضرورة بحضور الرجل، فسقطت شهادة المرأة وبقي الرجل وحده فلا تجوز شهادته، على أني سمعت من أرضى من أهل العلم من يجيز ذلك ويراه أقوى من شهادة أمرأتين، وهو أحب إلي، وذلك أن ابن وهب روى أن أبا بكر، وعمر، وعليا، ومروان أجازوا شهادة المرأة [8/ 421]

(8/421)


المسلمة وحدها، وروي عن عمر أنه ورث صبيا على أنه استهل ثم مات هو وأمه بشهادة القابلة.
ومن كتاب ابن المواز ومن العتبية من رواية يحيى بن يحيى وعيسى عن ابن القاسم: وإن شهدت امرأتان على الاستهلال وعلى أنه صبي، فما أراه إلا وسيكون مع شهادتهما اليمين.
قال ابن القاسم في كتاب ابن سحنون: لأنها شهادة على مال، قال أصبغ في / العتبية: والقياس: ألا يجوز لأنه يصير نسبا قبل أن يصير مالا، قيل: فماذا يرث ويورث؟ قال: بأدنى المنزلتين، إلا أن يكون لا يبقى ويخاف عليه إن أخر دفنه إلى أن يأتي الرجال، فتجوز شهادتهن فيه.
وروى أشهب عن مالك في كتاب ابن سحنون: أن شهادتهن لا تجوز على أنه ذكر، وأخذ به أشهب، وقال سحنون: القول ما قال أشهب، لأن الجسد لا يفوت والإستهلال يفوت، وعاب قول ابن القاسم، وإنما يرث ويورث عند سحنون بأدنى المنزلتين، قال ابن سحنون: إلا أن تكون الولادة بموضع لا رجال فيه ينظرون إلى الجسد، والجسد لا يبقى ويخاف عليه أن أخر دفنه إلى وجود الرجال، فأستحسن إجازة شهادة النساء حينئذ، ويكون كما قال ابن القاسم.
ومن كتاب ابن المواز: لا تجوز شهادتها على أنه ذكر، ولا يفوت ذلك كفوت الاستهلال.
قال أصبغ في قول أشهب: لا ترد إلا على أنها أنثى، وقال أصبغ: إن فات بالدفن وطال مكثه فلا يمكن إخراجه لتغيره، فإن كان فضل المال يرجع إلى بيت المال والعشير البعيد: أجزت شهادتها، وإن كان بعض الورثة: أخذت بقول [8/ 422]

(8/422)


أشهب، قال محمد: ذلك سواء، ولا يعجبني قول أصبغ ووجدت له أنه رجع إلى قول أشهب، وروى ابن حبيب أن مالكا قال: لا تجوز شهادتها على أنه ذكر أو أنثى، وإن أصبغ قال مثله، قال: ويرث بأدنى المنزلتين.
ومن العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم قال: وإذا ولدت ثم ماتتهي والولد في ساعة، فشهد النساء أن الأم ماتت أولا، حلف أبوه على ذلك واستحق ما يرث عن أمه، لأنه مال.
ومن المجموعة: قال ابن الماجشون: إن شهدتا أن فلانة ولدت ولدا حيا ثم مات فيجوز، فأما في استهلاله فيجوز، / وأما في موته فإن وجد ميتا جازت شهادتها.
قال سحنون فيه وفي العتبية: إنما تجوز شهادتهما إذا بقي بدن الصبي قائما، أو شهد الرجال أنهم قد رأوه ميتا، لأن الإستهلال لا يبقى، والبدن يبقى، ومن المجموعة والعتبية رواية عيسى عن ابن القاسم: وإذا قال لأمته: أول ولد تلدينه حر، فشهادة النساء في ذلك جائزة.
ابن حبيب عن أصبغ: وإن ولدت توأما فشهادة المرأتين على أولهما خروجا جائزة، فيعتق ويرق الآخر، وقاله ابن وهب، قال عيسى في العتبية قال ابن القاسم: فإن جهل ولم يشهد عليه نساء عتقا جميعا، لأنه يعتق من كل واحد نصفه ثم يتم عليها بالقضاء.
ومن المجموعة: قال ابن الماجشون: وإذا أقر بوطء أمته فشهد امرأتان بأنها أسقطت، صارت بذلك أم ولد، وإن شهد بذلك اختاها بعد موت السيد، لم تجز شهادتهما إذا كان هو الولد الذي تعتق به، فأما إن شهدتا أنها ولدت ولدا بعد أن ثبتت ولادتها من سيدها في حياته، جازت شهادتهما، ولحق النسب بالميت. [8/ 423]

(8/423)


وقال ابن وهب عن مالك: [تجوز شهادة المرأتين في العيوب والحيض والولادة والإستهلال. وروي عن مالك] إذا شهدتا في أمة أنها أسقطت بعد موت سيدها، وقد كان مقرا بوطئها، فشهادتهما جائزة قال عنه أشهب: ولا تجوز شهادة رجل واحد على الإستهلال.
قال سحنون في امرأة ادعت أن زوجها جرحها في موضع لا يراه الرجال فأرادت أن تأخذ قياس الجرح، قال: هي لو كان بها جراح في الفرج تحتاج/ إلى علاجه، جاز أن ينقب الطبيب في ذلك الموضع دون ما سواه حتى يعالجه، فأما في قياس الجرح: فإني أجيز شهادتهن في الجراح حيث يجوز الشاهد واليمين. ومن كتاب ابن المواز: قال مالك في امرأة في الرضاع: لا تقبل إلا أن يفشو في الصغر عند المعارف.
وقال أيضا: إن لم يعرف ذلك إلا امرأة فليس بشيء: وأما امرأتان: فإن كان معه انتشار في المعارف حكم بقولهما إلا أن يطول مقامه معها بعلم المرأتين، فلا تجوز الشهادة، ومن المجموعة: قال ابن الماجشون: لا يجوز فيه أقل امرأتين عدلتين، ولا يفسخ النكاح منه إلا بالقوي المشهور، ويأتي من غير وجه ولا اثنين، وما كان قبل التزويج وإن ضعف فحقيق فيه التوقي.

في شهادة العبيد وأهل الذمة
وكيف إن شهد العبد بعد عتقه، والذمي بعد إسلامه
والصبي بعد كبره بشهادة ردت قبل ذلك عليهم أو لم ترد؟
من المجموعة: قال ابن وهب عن مالك: لا يجيز القاضي شهادة أهل الذمة بينهم، ولا على مسلم، ولا له لكافر أو مسلم، ورواه عنه ابن نافع، قال أشهب: وقد شرط الله ذوي عدل وقال: (ممن ترضون) وليس الكافر من ذلك. [8/ 424]

(8/424)


ومن كتاب ابن المواز: ولا تجوز شهادة الكافر في شيء لا خلسة ولا قتل ولا وصية في سفر لضرورة أو غيرها، ابن القاسم: وآية الوصية في السفر: (أو آخران من غيركم) منسوخة / بقول (ذوي عدل منكم) قال: ولو رضى الخصمان بشهادة مسخوطا أو كافر فلا يحكم بذلك حاكم.
ومن كتاب ابن حبيب عن ابن الماجشون في يهوديين تداعيا في شيء فاستشهدوا بينة مسلمين، وقد رضيا بشهادة رجال يهود سموهم، فحكم بينهم بشهادة أولئك حاكم اليهود، ثم رجع أحدهما عن الرضى بذلك، قال: ذلك له، ولا تجوز شهادة يهودي على يهودى ولا على مسلم، ولا على أحد، وذلك كله - رضيا به أو لم يرضيا - باطل مفسوخ قال أبو محمد: لعله يريد: وقد رضيا بالتحاكم إلينا.
ومن المجموعة: قال مالك: وإذا اشهد كافر وصبي وعبد فردت شهادتهم فلا تقبل منهم بعد إسلام الكافر وعتق العبد وبلوغ الصبي، قال أشهب في المجموعة: واختارها بعض العراقيين وهو يقول: إذا شهد وهو مسخوط فردت شهادته، ثم حسنت حاله، ثم شهد لم تجز، فهذا مثله، قال عبد الملك: وكذلك إذا شهد بها في سفهه فردت، ثم شهد بها بعد حلمه فلا تقبل، ومن كتاب ابن المواز: ولو جهل الحاكم فحكم بها أولا لنقض الحكم، فإن لم ينقض الحكم حتى شهدوا بها في الحالة الثانية قبلت ويؤتنف الحكم بها، وكذلك لو لم ترد أولا، وقال ابن القاسم في المجموعة في عبد حكم بشهادته وظن أنه حر، ولم يعلم بذلك حتى عتق، أن الحكم الأول يرد، ثم يقوم الآن بها فيشهد.
ومن كتاب ابن المواز: / قال أشهب: ولو قال الخصم للحاكم: شاهداي فلان العبد وفلان النصراني فقال: لا أجيز شهادتهما، ثم أسلم النصراني وعتق العبد فشهدا، قال: يجوز ويقبل، وإنما هذا من القاضي فتيا. [8/ 425]

(8/425)


ومن كتاب ابن سحنون: بلغني عن بعض العلماء - وهو قولي، وهو قياس قول مالك وأصحابه - أن الصبي والعبد والنصراني إذا أشهدوا على شهادتهم [قوما عدولا، ثم انتقلوا إلى الحال التي تجوز فيها شهادتهم] قبل أن ينقل عنهم، فغابوا أو ماتوا، فشهد على شهادتهم، أن ذلك غير مقبول؛ لأنهم أشهدوا غيرهم في وقت لا يقبل فيه علمهم، وهو بخلاف أن يشهدوا في الحال الثاني بما علموه في الحال الأول. ولهذا باب في كتاب الشهادات الأول، وفيه الحجة في ذلك كله.
في شهادة الصبيان في الجراح والقتل
من المجموعة وغيرها: قال مالك: الأمر عندنا، أن شهادة الصبيان تجوز بينهم في الجراح لا على غيرهم ما لم يفترقوا أو يعلموا أو يخيبوا فلا تجوز، إلا أن يكون قد أشهدوا على شهادتهم قبل أن يفترقوا، قال عنه ابن وهب: فلا يبالى برجوعهم.
ومن كتاب ابن سحنون: قال مالك: وإنما تجوز شهادتهم في المعارك.
قال ابن سحنون عن أبيه ونحوه في العتبية: ثم تنازع أصحابنا في بعض ذلك فقال ابن القاسم عن مالك: تجوز شهادتهم في القتل بينهم، وقال غيرهم: على رؤية البدن مقتولا، ولا تجوز شهادة الإناث.
وقال ابن نافع وسحنون: إذا شهد صبيان على صبي أنه جرح صبيا ثم نزا فيه / فمات، أن في ذلك القسامة، ويأخذون الدية.
قال أشهب: إنما تجوز شهادتهم فيما دون القتل، ولا تجوز شهادة الإناث منهم والعبيد، ولا من فيه بقية رق، ولا تجوز شهادة الصبيان في القتل. [8/ 426]

(8/426)


وروي عن مالك أن شهادة الإناث منهم والعبيد لا تجوز، وقال المغيرة: تجوز شهادة إناثهم وذكورهم في القتل، ومن المجموعة وكتاب ابن سحنون: قال ابن الماجشون: لا تجوز من على غير الإسلام منهم، ولا العبيد بعضهم على بعض، وتجوز شهادة الإناث من الصبيان.
قال سحنون في المجموعة: واختلف قول ابن القاسم في شهادة اناثهم في الجراح، فأجازها في كتاب الديات. ولم يجزها في كتاب الشهادات، ومن كتاب ابن المواز: ولا تجوز شهادة إناثهم عند ابن القاسم وأشهب وابن عبد الحكم، وأجازها عبد الملك.
وأما العبيد كلهم: فلا تجوز شهادتهم عند مالك وأصحابه.
ومن المجموعة: قال ابن القاسم: ولا تجوز شهادة صبي واحد، ولا تكون معه قسامة. وقال المغيرة: ولا يحلف معه في الجراح، وذلك أنه لو شهد معه كبير عدل سقطت شهادته، فيمين الولي معه كشاهد، قال عبد الملك: لا موضع في شهادة الصبيان لليمين، وإنما يجوز من شهادتهم ما يقطع بها، وأقل ما يجوز منهم: غلامان أو غلام وجاريتان لا غلام وجارية، ولا تجوز شهادة / الصبايا وحدهن وإن كثرن؛ لأنهن وإن كثرن مقام اثنتين، واثنتان مقام صبي واحد، ولا يحكم بشهادة واحد، ومن العتبية: قال سحنون: والذي اخذ به فيهم: أن تجوز شهادتهم صغارا [حيث تجوز كباراً، قيل له: فلم لا يحلف مع أحدهم صغيرا] كما يحلف مع الكبير، قال: لأنها لم تجز إلا على الإضطرار لا على العدالة، ألا ترى أن مخالطة الكبار تبطل شهادتهم، وليس مثل هذا يبطل شهادة العدل، قيل: والصبايات؟ قال: تجوز شهادتهن في الجراح والقتل مع ذكر كما يكون في الكبار، قلت: فلم لا قبلتها في الحقوق؟ قال: إنما قبلت منهم للضرورة، ولا ضرورة في هذا. [8/ 427]

(8/427)


وقال أصبغ: لا تجوز شهادة إناثهم بينهم في الجراح، وقاله ابن القاسم، وإن شهد صبيان على جرح خطا، فلا يحلف مع شهادتهما، وهي كشهادة غلام، وقد جاء عن علي أنه قبل شهادة الصبيان، وهذا يجمع الذكور والإناث. ومن كتاب ابن سحنون: قال مالك: وإذا قتل صبي صبيا لم يقسم على قول الصبي، ولا ينفع فيه إقرار الصبي الآخر، قال سحنون: وعلى هذا جماعة أصحابنا، ومن كتاب ابن حبيب: قال مالك: لا يقسم على قول الصبي إلا أن يكون قد راهق وعرف وأبصر، وإن لم يحتلم فليقسم على قوله، وروى مطرف عن مالك: أن شهادة الإناث تجوز حيث تجوز شهادة الصبيان، وإذا شهد معهن ذكر، وأقل ذلك اثنتان مع صبي.
/ ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم: وإذا شهدوا على قتل صبي صبيا لزم العاقلة الدية بلا قسامة، وقاله أصبغ.
ومن المجموعة: قال أشهب: لا يجوز منهم واحد، ولو جاز كان معه اليمين، ولا يمين لصبي وإن وخر حتى يكبر صار صبيا يشهد لكبير، وليس يشبه ذلك.
وتجوز ذكورهم لإناثهم، كان المشهود لهم أحرارا أو أرقاء.
قال ابن وهب وابن نافع عن مالك: إذا شهدوا لصغير على كبير لم يجز، ومن كتاب ابن المواز: ولا تجوز شهادتهم لكبير ولا عليه لصغير ولا له، وإن شهدوا أن صبيا جرح كبيراً أو قتله: فأما في جرحه فلا يجوز، لأن هذا المجروح كبير دخل بينهم، وأما على قتله فيجوز إذا لم يبق حتى يعلمهم، وتجب الدية على عاقلة الجاني.
وقال في المدونة: ولا يقبل صغير على كبير أنه جرحه أو قتله. قال ابن المواز: قال أشهب: بلغني عن مالك في كبير وصبيين شهدوا لصبي على صبي أنه قتله: أنه يسقط الصغار. محمد: وتكون القسامة بشهادة الكبير إن كان [8/ 428]

(8/428)


عدلا، قال [مالك] في كتاب ابن سحنون: ولا يجوز صبي أو صبيان مع رجل على صبي آخر، ويكلف شهادة رجل آخر.
قال سحنون: [وهو في المجموعة، لعبد الملك: ولا شهادة للصبيان حيث يحضر الكبار، وقال سحنون] رجال أو نساء لأن النساء يجزون في الخطأ، وعمد الصبي كالخطأ. وقال ابن المواز: وإذا دخل معهم رجل كبير أو امرأة شاهدا أو مشهودا له أو عليه، لم تجز شهادة الصغار، لأن الكبير يعلمهم إلا كبير مقتول لم يبق حتى يعلمهم.
قال ابن سحنون عن أبيه: وإن حضر رجال غير عدول فإن كانوا ظاهري السفه والجرحة، جازت شهادة الصبيان، ثم وقف عن إجازتها.
ابن حبيب عن مالك: وإن شهد صبيان مع كبير لم يجز ذلك، قال مطرف: وذلك إن كان الكبير عدلا، فأما مسخوطا أو نصرانيا أو عبدا لم تجز شهادة الصبيان ثم حضوره كلا حضور، وقاله ابن الماجشون وأصبغ.
ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم: إذا دخل منهم رجل أو امرأة بطلت شهادتهم. قال: وإن يشهد كبير على صغير أنه قتل كبيراً أو صغيراً كانت بذلك القسامة.
قال ابن المواز: لا ينظر في شهادة الصبيان إلى عدالة ولا جرحة ولا عدواة ولا قرابة، قال ابن القاسم: ولا تجوز لقريب ولا على عدو منهم إذا ثبتت العداوة، قال عبد الملك: تثبت في العداوة وتسقط في القرابة، قال في المجموعة يجرى الكبير بين الأب والأم والزوجة والجدود، فترد في هذا لأنه جر إلى نفسه، وذكر ابن [8/ 429]

(8/429)


حبيب عنه مثله، قال ابن المواز: ولم يختلف إنه لا ينظر إلى عدالة ولا إلى جرحة فيهم.
ومن كتاب ابن سحنون: قال / سحنون: لا تجوز شهادة الصبيان الارقاء، ومن على غير الإسلام، ومن لا تجوز شهادته من الكبار لقريبه من الأبوين والزوجة ونحوه فإنه يجرى في شهادة الصغار مجرى شهادة الكبار، لأنه من جر الشاهد إلى نفسه، وأما عداوة بعضهم بعضا: فلا تبطل شهادتهم، وليست بشهادة لها غور ولا تقع في مواضع العداوة.
وروى معن عن مالك أنه أجاز شهادة الإناث من الصبيان: جاريتان وغلام. قال أبو محمد: انظر في قول عبد الملك وسحنون في شهادة الصبيان لقرابتهم كالأبوين، فكيف يجري هذا، وقد قال أصحابنا: لا تجوز شهادتهم لكبير، وأما الزوجة فيمكن أن يكون للصبي الزوجة الصغيرة، وللصغيرة زوج صبي، قلت لسحنون: لم أجزت الصبيان بينهم في الجراح، ولم تجزها في الحقوق؟ قال: للضرورة، لأن الحقوق يحضرها الكبار، ولا يحضرون في جراح الصبيان، ألا ترى لو حضر فيهم كبير لم تجز شهادتهم، قلت: فيلزمك أن تجيزها في غصب بعضهم بعضا الأموال كما أجزتها في جراحاتهم، إذ لا يحضر الكبار غصب بعضهم بعضا؟ قال: هذا موضع اتباع الماضيين، ولا وجه للقياس فيما هو كسنة أو سنة. قال غير سحنون: لا تستوي الأموال والدماء، وقد فرقت الأئمة بينهما فقبلوا في الدماء ما لم يقبلوا مثله في المال، وبنا ضرورة إلى تحصين دماء الصبيان لا كالضرورة / إلى تحصين أموالهم، فكل شيء في هذا له موقع. قال سحنون: وقد أجاز شهادتهم في الجراح على بن أبي طالب، وعبد الله وعروة ابنا الزبير بن العوام، وكثير من التابعين، قال أبو الزناد: وهي السنة، وقاله عمر بن عبد العزيز، قال مالك: وهو الأمر المجتمع عليه عندنا، قال: وما ذكر عن ابن عباس إنه لا يجوز شهادة الصبيان، فمعناه عندنا على الكبار، ولا يريد شهادة [8/ 430]

(8/430)


بعضهم على بعض، ومن هذه الدواوين: قال مالك في ستة صبيان لعبوا في بحر فغرق واحد منهم، فشهد ثلاثة على اثنين أنهما غرقاه، وشهد الاثنان على الثلاثة أنهم غرقوه، وقال: العقل على الخمسة، لأن شهادتهم مختلفة، محمد ابن المواز: وهذا غلط لاختلافهم ولا يجوز، قال ابن حبيب مثله عن مطرف في الصغار: لا تجوز، قال: ولو كانوا كباراً واختلفوا هكذا، كانت الدية عليهم في أموالهم، وكأنهم قالوا لم تخرج الجناية عنا، [إلا من باب الشهادة عدولا كانوا أو غير عدول، عمدا فعلوا ذلك في شهادتهم أو خطأ، فأما الصبيان: فإن الدية عليهم، لأن الصغار لا إقرار لهم، وذكر عن ابن الماجشون مثل ذلك كله، وذكر عن ابن الماجشون في كتاب القسامة أنه فرق في الكبار بين العمد والخطأ، وهي في كتاب أحكام الدماء]، قال مالك في هذه الكتب إلا كتاب ابن حبيب: فإن شهد اثنان منهم أن فلانا شج فلانا، وشهد آخران منهم أنه إنما شجه فلان فطلب شهادتهم، قاله ابن الماجشون وابن عبدوس وابن المواز وابن حبيب: قال ابن الماجشون: ولا تبطل شهادة الصغار إلا أن يشهد الكبار أن ما شهدوا به لم يكن عن معرفة أو معاينة، أو شهدوا فاختلفوا في قولهم، أو أنهم افترقوا قبل الشهادة، ولا تبطل بهذه شهادة الكبار.
ومن العتبية والمجموعة: / قال ابن الماجشون: وإن شهد صبيان أن صبيا قتل صبيا، وشهد آخران ليس منهما القاتل: أن دابة أصابته جبار، قال: تمضى شهادة الصبيان على القتل، ولو أن شاهدي الجبار شهدا بذلك بعد بلوغهما لم تجز، لأنها قد ردت عليهما أولا.
ومن العتبية: قال أصبغ: إذا شهد صبيان أن صبيا قتل صبيا الساعة، وشهد رجلان أنه لم يقتله، وأنهما كانا حاضرين حتى سقط الصبي فمات، وأن [8/ 431]

(8/431)


هذا لم يضربه ولم يقتله، قال: فشهادة الصبيان تامة، ولا ينظر إلى قول الكبيرين كما لو شهد رجلان بقتله وشهد غيرهما أنه لم يقتله، ولا ينظر فيه إلا عدل.
قال ابن سحنون: أنكر سحنون قول أصبغ هذا وقال: قول أصحابنا أن شهادة الكبير أقوى، وأن ذلك كالجرحة للصغار، وغير هذا خطأ غير مشكل، إذ لا يشبه ذلك الكبيرين. ومن كتاب ابن المواز قال: فإذا قيدت قبل تفرقهم بالعدول لم يبطلها رجوعهم إلا بتراخي الحكم حتى يكبروا ويعدلوا ويرجعوا، فيؤخذ برجوعهم، فإن شكوا فيها بعد بلوغهم، لم يضر ذلك حتى يوقنوا أن قد شهدوا بباطل، وقاله سحنون في كتاب ابنه أن رجوعهم قبل الحكم وبعد أن صاروا رجالا كشهادة رجلين: أن ما شهد به الصبيان لم يكن، فهو أولى، ولم تؤخذ شهادتهم مأخذ العدالة فهو أولى، فلا يجرحهم إلا الشهادة أن ما قالوه لم يكن، وقال مثله ابن الماجشون في المجموعة/ وزاد: ولو قيدت شهادة الصبيان على أمر. ثم شهد اثنان منهم قبل الحكم وبعد البلوغ والعدالة: أن ما شهدنا به نحن والباقون من ذلك باطل، سقطت الشهادة كلها، لأنها شهادة صبيان شهد عدول أنها لم تكن، وفي العتبية عنه مثله، وقال عنه أيضا: إذا قيدت قبل أن يفترقوا أو يخيبوا وشهد عليها العدول، ثم بلغ من هو عدل رضا، فرجعوا قبل الحكم بها عما كانوا شهدوا به، فلتسقط كلها، لأنها شهادة الصبيان شهد عليها عدول أنها لم تكن.
قال ابن سحنون عن أبيه: وإذا رجع الصبي عن شهادته فلا رجعة له ولا ضمان عليهن ولو رجع بعد أن بلغ وقد حكم بها لم يضمن، لأنها كانت في حال لا ضمان عليه ولا أدب، ولو رجع ولو لم يحكم بها حتى بلغ لم يضمن إذا رجع، وبطلت ولم يحكم بها. وهذا الباب قد ذكر غير شيء منه في باب مفرد في [8/ 432]

(8/432)


القسامة، وهناك زيادة في معني هذا الباب من القسامة على قول الصبي المقتول والاختلاف فيه، وغير ذلك من هذا المعنى. والله الموفق للصواب.

تم الثالث من الشهادات
بحمد الله وعونه [8/ 433]

(8/433)


صفحة بيضاء

(8/434)