النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات

بسم الله الرحمن الرحيم عونك اللهم

الجزء الأول
من الرجوع عن الشهادات
في الرجوع عن الشهادات وما يلزم الراجع عن
شهادته بعد الحكم، وفي التجريح بعد الحكم
/ من كتاب ابن سحنون: قال سحنون: أخبرني ابن نافع، عن ابن أبي ذئب، عن محمد بن عبد الرحمن البياضي [عن ابن المسيب] قال: قضى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في الرجل يشهد بالشهادة ثم يرجع عنها بعدما قضي بها، أن شهادته الأولى جائزة [وشهادته الآخرة غير جائزة] ورواه ابن وهب عن أبي ذئب أنه سأل أبا جابر البياضي فذكر له عن ابن المسيب عن النبي عليه السلام قال: [يؤخذ بأول قوله] وذكر ابن المواز عن ابن الماجشون عن المغيرة عن ابن أبي ذئب عن النبي عليه السلام. فذكر نحوه.
قال سحنون عن ابن وهب عن الثوري عن مطرف عن الشعبي عن على بن أبي طالب أن رجلين شهداء عنده على رجل أنه سرق فقطع يده، ثم أتيا بآخر [8/ 435]

(8/435)


فقالا: كنا أوهمنا. هو هذا، فأبطل شهادتهما عن الآخر، وأغرمها دية الأول، يريد: دية يده، وقال: لو علمتكما تعمدتما قطعه لقطعتكما.
قال محمد بن عبد الحكم: وفي هذا أنه تقطع يدان بيد، وهذا قولنا وخلاف قول أبي حنيفة، وفيه أن يقطع الشاهدين إذا تعمدا قطعه، وبهذا قال أشهب وبه أقول، [وفيه: أنه من أغرم رجلا بشهادة أخطأ فيها: أنه يغرم، وبه أقول].
وفي الكتابين من رواية ابن وهب عن جرير عن النخعي: إذا شهد أربعة على رجل بالزنا فرجم ثم رجعوا، فإن قالوا: تعمدنا قتلوا به، ومن رجع منهم قتل، وإن قالوا تشبهناه لم يقتلوا وغرموا الدية. وقاله الحسن.
/ ومن كتاب ابن سحنون: ذكر ابن وهب عن يحيى بن سعيد: إن رجع إثنان منهم فقالا: كذبنا فعليهم عقل تام، قال سحنون: غير أن أصحابنا اختلفوا في رجوع البينة بعد الحكم فقالوا: إن قالوا: وهمنا أو شبه علينا، فلا غرم عليهم ولا أدب، وأن قالوا: زورنا غرموا ما أتلفوا ويؤدبون، وقال آخرون: يغرموا ما أتلفوا في العمد والوهم والشك، ويؤدب المتعمدون، وقال بعض أصحابنا: إذا رجعوا بعد الحكم من قتل أو قطع أنه يقتص من المتعمدين، وأكثر مذاهبهم أن يضمنوا العقل في النفس واليد، ولا قود عليهم إذا لم يلوا ذلك بأيديهم، وعليهم قيمة العبد الذي شهدوا بعتقه، ولا شيء عليهم في الطلاق بنى بها الزوج أو لم يبن.
قال ابن الماجشون في كتابه: إذا رجع الشاهدان بعد الحكم وأقرا بتعمد الزور فعليهم ضمان ما يدخله الضمان من الديات وغيرها من الأموال ويؤدبان، وإن قالا: وهمنا فلا ضمان عليهما ولا أدب، والحكم ماض، وهذا قول مالك والمغيرة، وقال ابن المواز: لم تحفظ عن مالك في غرم الشهود جوابا إذا شهدوا بحكم فحكم به ثم رجعوا، ولكن قال ذلك أصحابه أجمع: المدنيون والمصريون. [8/ 436]

(8/436)


قال ابن القاسم: واخبرني من أثق به عن عبد العزيز بن أبي سلمة في رجوع الشاهدين بعد الحكم قال: يغرم نصف الحق ولا يرد الحكم.
قال ابن القاسم: فسألنا عنه مالكا فقال: يمضى الحكم ولم يتكلم فيما وراء ذلك / قال ابن القاسم وأشهب وابن وهب وابن عبد الحكم وأصبغ: إنه يغرم نصف الحق.
قال ابن القاسم: ولا شيء عليهما حتى يقرا بتعمد الزور. ولو قال ذلك أحدهما، وقال الآخر: وهمت، أو شبه على، أو كان قضاه الدين ونسيت، فهذا لا يغرم. ويغرم الآخر نصف الحق، وقاله عبد الملك وابن عبد الحكم وأصبغ.
وقال أشهب ك يضمنا إذا رجعا وإن لم يتعمدا واعتذار بسهو أو غلط، قلت لابن عبد الحكم: ولم لا يلزمهما ما أدخلا فيه مما لم يكن عليه بشهادتهما وإن كانت خطأ؟ فقال لي ما أقر به وقال: انظر.
قال محمد: ولو رجع أحدهما بعد الحكم لم يكن على المقضي له يمين مع شهادة الذي لم يرجع، ولا يضره لو رجعا جميعا قبل قبض حقه.
قال عبد الملك: وإقرار الشاهد بعد الحكم بتعمد الزور ليست بشهادة، وهو إقرار منه بإتلاف المال فيضمنه، وقال: وإن كان رجوعه بغير إقرار منه بتعمد الزور لم يضمن، ويمضى الحكم بقول الأول، وأما رجوع البينة قبل الحكم إلا أنه قد قبل شهادتهما وأثبتها، فإنه يقبل رجوعها ولا ينفذ الحكم ولا غرم عليهما، ولو رجعا بعد الحكم وقبل قبض الحق، لنفذ الحكم ولزمهما من ذلك ما يلزمهما بعد قبض الحق.
قال سحنون: إذا رجعا قبل الحكم وقد شهدا بحق أو حد لله من زنا أو سرقة أو خمر، وفي حق للعباد من قصاص في نفس أو جراح أو نكاح أو طلاق أو قذف أو عتق وفي جميع الأموال، فإنهم يقالون/ ولا شيء عليهم من العقوبة، [8/ 437]

(8/437)


اتهموا في شهادتهم أو رجعوا عنها لشك خالطهم، لأن العقوبة في هذا، بخلاف أن لا يرجع أحد عن شهادة شهد بها على باطل أو شك إذا أراد التوبة الذي شهد على الباطل، أو تثبت الشاك خوفا من العقوبة، وقال بعض أصحابنا: لو عوقب المتهم لكان لذلك أهلا، وأرى أن لا يعاقب.
ومن كتاب ابن المواز: قال: وإذا شهدا في قتل أو غيره ثم رجعا بعد الحكم، فرجوعهما ليس بشهادة، وهو إقرار على أنفسهما بما أتلفا، وشهادتهما الأخرى باطلة، والحكم ماض، وروي لنا ذلك عن عبد العزيز بن أبي سلمة، وعن ابن القاسم، وكذلك سمعت عبد الملك وابن عبد الحكم يقولان، وقاله أصبغ، وقاله غير أصحاب مالك من العلماء، واختلف أصحاب مالك: هل عليهما الأدب؟ فقال ابن القاسم وعبد الملك: عليهما الأدب الموجع، وقال أيضا: ولو أدبا لكانا لذلك أهلا، وقال ابن عبد الحكم: لا أدب عليهما؛ لأن ذلك توبة، فليس كل تائب يضرب، ولو ضرب ما رجع راجع عن باطل.
وقال أشهب: لو عوقب من رجع لم يرجع أحد عن شهادة باطل أو شك إذا خاف العقوبة، وكذلك المرتد إذا رجع إلى الإسلام لم يعاقب، وكثير من يختار القتل على الضرب.
قال سحنون: ولو شهدا على رجل بسرقة أو قصاص، ثم أتيا قبل الحكم بآخر فقالا: هذا هو، فلا تقبل شهادتهما على الأول ولا على الآخر، وقد خرجا من حد العدالة، ويحدان/ فيما شهدا به من الزنا حد القذف في الحر المسلم، وإذا رجعا بعد الحكم في جميع ذلك فلا يرد الحكم، قالا: وهمنا، أو قالا: تعمدنا.
قال في كتاب ابن المواز: إذا رجعا قبل الحكم فقالا: وهمنا فقد صارا غير عدلين فلا يقبلا، وقاله ابن القاسم وأشهب، وقالا: ولو قالا في آخر: على هذا أشهدنا ووهمنا في الأول فلا يقبلا على واحد منهما، وقاله ابن القاسم عن مالك، قال أشهب: كان ذلك في حق أو قتل أو سرقة لأنهما أخرجا أنفسهما [8/ 438]

(8/438)


من العدالة بإقرارهما أنهما شهدا على الوهم والشك، وقال أصبغ عن أشهب في بعض مجالسه: ولو جاء الشاهد قبل الحكم متنحيا من شهادته، بطلت، وأما إن قال: لم تكن كنا شهدت، وإنما شهادتنا على هذا، لم تجز الأولى ولا الآخرة، وقال ابن القاسم: إن أتيا بعذر بين في رجوعهما ولم يتعمدا جنفا، وهما بينا العدالة، وعرف صدق ما اعتذرا به، جازت شهادتهما فيما يستقبلان. وإن لم يتبين صدقهما لم يقبلا فيما استقبلا.
قال ابن عبد الحكم: ولو أحدثا قبل الحكم مما لو كان ذلك منهما قبل أن يشهدا لم يقبلهما الحاكم، فأما مثل ما يشبه أن يكونا عليه قبل ذلك من فساد دين أو زنا أو شرب خمر فلا يقبلهما، وأما من أحدثا من شر بينهما وبين المشهود عليه أو قذف أو خصومة ولو كان ذلك قديما لم يقبلا عليه، فلا تبطل بذلك شهادتهما عليه.
قال محمد بن عبد الحكم: وإذا شهدا على رجل أنه أقر لفلان / وفلان بمائة دينار فقضي بذلك لهما، ثم رجع الشاهدان فقالا: إنما شهدنا بهما لأحدهما وسميناه، فإن للمقضي عليه بالمائة أن يرجع عليهما بخمسين، لأنهما أقرا أنهما أخرجاها من يديه إلى من لا حق له فيها، ولا تقبل شهادتهما للآخر: أن المائة كلها له، لأنهما مجرحان بشهادتهما، ولا عليهما أن يغرما له شيئا، لأنه إن كان له حق فقد بقي على من هو عليه، وليس قول الذي قال: إنهما يغرمان له خمسين بشيء، لأنهما إنما أخذا خمسين من مال المظلوم فأعطياها من لا شيء له عليه. ولو كان عبدا بعينه شهدا أنه أقر به لفلان وفلان فقضي به لهما فأخذاه ثم رجعا فقالا: إنما أقر به عندنا لفلان منهما، فها هنا يغرمان للذي أقرا له نصف قيمة العبد لأنهما أتلفاه عليه، هذا إن كان الذي كان العبد في يديه يقول: هو للذي شهدا له به آخرا، فإن كان الذي كان العبد في يديه يدعيه لنفسه وينكر شهادتهما؛ فليغرما نصف قيمته للمشهود عليه، ولم يكن للمقر له به آخرا إلا نصفه. [8/ 439]

(8/439)


قال في كتاب ابن المواز: وإذا حكم بشهادتهما ثم رجعا فهرب المقضي عليه قبل أن يؤدي، فطلب المقضي له أن يأخذ الشاهدين بما كانا يغرمان لغريمه لو غرم، قال: لا يلزمهما غرم حتى يغرم المقضي عليه فيغرمان له حينئذ إن أقرا يعتمد الزور، ولكن ينفذ القاضي الحكم للمقضي عليه على الراجعين بالغرم هرب أو لم يهرب، فإذا غرم أغرمهما.
وكما لو شهدا على رجل بحق إلى سنة، ثم رجعا، فلا يرجع عليهما حتى تحل السنة ويغرم / هو، وله أن يطلب القضاء بذلك عليهما الآن، ولا يغرمان الآن، وقال محمد بن عبد الحكم: للمقضي عليه أن يطلب الشاهدين بالمال حتى يدفعاه عنه إلى المقضي له.
قال: وقال أصحاب أبي حنيفة: لا يحكم على الشاهدين بشيء حتى يؤدي المقضي عليه، وفي هذا تعرض لبيع داره وتلاف ماله، والذان أوجبا ذلك عليه قيام، أرأيت لو حبسه القاضي في ذلك أيترك محبوساً ولا يغرم الشاهدان؟ بل يؤخذان بذلك حتى يخلصاه فإن لم يفعلا حبسا معه، وإذا شهدا عليه بمائة دينار فحكم عليه، وضرب له الإمام في ذلك أجلا عشرة أيام أو أكثر، ثم رجعا قبل تمام الأجل، فإنهما يغرمان ذلك الآن للمقضي له ويبرأ المطلوب، وإن لم يدفعا حتى حل الأجل فودى ذلك المطلوب، فليرجع بذلك عليهما.
قال ابن المواز: وإن أقام بينة بجرحتهما بعد الحكم فقد اختلف فيه، فقال ابن القاسم: ينقض بذلك الحكم إن أثبت جرحة قديمة قبل الحكم، وأما إن لم يدر قدمها فلا ينقض.
وقال أشهب وابن الماجشون: لا ينقض بما أتي به من التجريح، كما لا ينقضه قاض غيره لو أثبت عنده التجريح، قال ابن المواز: والذي قاله مالك وابن القاسم أنه ينقض قضاء نفسه، واحتج مالك بقول عمر بن عبد العزيز: ما سأقصيه أهون على من نقض قضاء قضيته رأيت الحق في خلافه. وأما قاض غيره فلا ينقض قضاء غيره بجرحة شهادة. [8/ 440]

(8/440)


/ في دعوى المشهود عليه رجوع الشاهدين
وكيف إن قامت عليهما بينة بذلك؟
وكيف إن رجعا ثم رجعا عن رجوعهما؟
من كتاب ابن المواز: وإذا ادعى المقضي عليه أن الشاهدين عليه رجعا عن شهادتهما، أمكنته من إيقاع البينة عليهما.
قال ابن سحنون عن أبيه: وإذا ادعى المقضي عليه أنهما رجعا وقالا: شهدنا بزور، وطلب يمينهما. قال: إن أتى بلطخ يوجب عليهما اليمين حلفا، فإن حلفا برئا، وإن نكلا ردت اليمين على المدعي، فإن حلف أغرمهما ما اتلفا عليه بشهادتهما، فإن نكل فلا شيء عليهما.
ولو شهد عليهما شاهدان بأنهما أقرا بعد الحكم أنهما شهدا بزور، فقبلهما الحاكم ورضيهما، فليغرم الراجعان ما شهدا به، وكذلك كل ما شهدا عليه من قصاص في النفس أو سرقة أو رجم، ثم ثبت عليهم الرجوع بعد الحكم، فإنهما يؤخذان بما أتلفا بالدية في الرجم مع حد القذف، وبالدية في النفس وأرش الجراح، ولا ينظر إلى جحودهما بعد الإقرار، وقال محمد بن عبد الحكم: إذا ادعى عليهما أنهما رجعا عن الشهادة فلا يمين له عليهما إذا أنكرا، وإن أقام شاهدين برجوعهما قضي عليهما بالمال، وكذلك في قيام البينة برجوع أحدهما يغرم النصف، وزعم أبو حنيفة وغيره من أصحابه أنه لا تقبل عليهما شهادة من شهد برجوعهما، قال محمد: وهذا خروج من المعقول، لأن من قولهم: لو أقرا بالرجوع لزمهما الغرم، / فما الذي فرق بين إقرارهما عند الحاكم بالرجوع وبين قيام البينة عليهما بالرجوع؟ قال: وقالوا: لو كتبا على أنفسهما بذلك كتابا برجوعهما، وأنهما قد ضمنا للمشهود عليه المال برجوعهما لم يجز ذلك عليهما، فإن سميا المال في الكتاب وذكرا رجوعهما فيه عن الشهادة ولم يغرما شيئا. وهذا حكايته تنوب عن نقضه. [8/ 441]

(8/441)


قال محمد بن الحكم: وكل ما رجعا عن شهادتهما بعد الحكم به مما يلزمهما بعد رجوعهما غرم من مال أو دم أو غيره، ثم رجعا عن ذلك الرجوع، فإنهما لا يقال ويقضى عليهما بما يقضى به على الراجع المتمادي في رجوعه.

في رجوع بعض الشهداء على الحق
أو يرجعون رجوعا غير متفق
أو تختلف الشهادة ويختلف الرجوع
أو قضى بشاهد ويمين ثم رجع الشاهد
أو كانت اليمين مع شاهد فيما زادت فيه شهادته على الآخر
من كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم في شاهدين قضي بشهادتهما في حق، ثم رجع أحدهما بعد الحكم، فإنما يغرم نصف الحق، وقاله عبد الملك وابن عبد الحكم وأصبغ، قال محمد: ولو رجع أحدهما عن نصف ما شهد به غرم ربع الحق، وإن رجع عن الثلث غرم السدس، ولو رجعا جميعاً كان الحق عليهما نصفين، ولو اختلف رجوعهما لزم كل واحد غرم نصف ما رجع عنه، لأنه هو الذي أتلف، ولو اتفقا في الذي رجع عنه/ غرما ذلك بينهما بالسوية، قال: ولو كانت البينة ثلاثة، فرجع أحدهما بعد الحكم فلا شيء عليه لبقاء من ثبت عليه الحق، ثم إن رجع ثان غرم هو الراجع قبله نصف الحق بينهما.
وذكر محمد بن عبد الحكم في كتابه أنه ذهب إلى أن ثلاثة لو شهدوا في درهم ثم رجع أحدهما، أنه يغرم ثلث درهم، وذكر أنه أحب إليه، وأن أشهب قد قاله في أربعة شهدوا بدرهم فرجع ثلاثة، أن عليهم ثلاثة أرباع درهم.
وقال ابن المواز: ولو شهد الثلاثة بثلاثين ثم رجع أحدهم عن الجميع، وآخر عن عشرين، وآخر عن عشرة فقد بقيت عشرة اجتمع عليها رجلان لا رجوع فيها على أحد، وقد اجتمعوا في الرجوع عن عشرة فهي عليهم أثلاثا، والعشرة الثالثة رجع عنها اثنان وأثبتها واحد، فإنما على الاثنين نصفها، اثنان، ونصف على كل [8/ 442]

(8/442)


احد، وهما الراجع عن عشرين، قال: وكذلك لو كانوا أربعة حكم بشهادتهم بأربعين، ثم رجع أحدهم عن الجميع، وآخر عن عشرة، وآخر عن عشرين، وآخر عن ثلاثين، فانظر الإثنين اللذين هما أقلهم رجوعاً، وهما الراجع عن عشرة، الراجع عن عشرين، فأصبتهما قد أثبتا عشرين لا يرجع فيها على أحد بشيء، وأصبت الراجع منهما وحده عن عشرة قد اثبت وحده عشرة، فلا رجوع بنصفها على أحد، ولكن يغرم نصفها – وهو خمسة – الراجع عن عشرين، والراجع عن ثلاثين، والراجع عن الجميع / بينهم أثلاثا، إثنان إلا ثلث كل واحد، وتبقى عشرة لم يثبتها أحد منهم يغرمها الأربعة، ديناران ونصف على كل واحد، قال أبو محمد: ولم يفسر ابن المواز كيف غرم الأربعة، واثبته على أصله فبينته على ما أصل.
قال ابن المواز: ولو مات أحد الأربعة ثم رجع واحد عن عشرة، وآخر عن عشرين، وآخر عن أربعين، فقد علمت أن الراجع عن عشرة مع الميت قد اثبت الثلاثين ولا رجوع فيها على أحد، لأن الحق يحيى باثنين، فبقيت عشرة قد أثبتها الميت ورجع عنها الباقون، فعلى الثلاثة نصفها بينهم أثلاثا، قال: ولو شهد واحد بعشرة، وآخر بعشرين، وآخر بثلاثين، وآخر بأربعين، قال: إن شاء حلف مع شاهد الأربعين وأخذ أربعين، وإن شاء أخذ ثلاثين بلا يمين، وترد اليمين في العشرة على المطلوب، فإن حلف برئ منها، وإن نكل غرمها، قال: فإن حكم له بثلاثين بلا يمين، ويعد يمين المطلوب، ثم رجع من الشهود شاهدان، قال: إن رجع الشاهد بعشرة، والشاهد بعشرين، لم يضر رجوعهما، لأنه قد بقي شاهدان يشهدان بأكثر من ذلك، ولكن إن رجع شاهد الأربعين، وشاهد الثلاثين فقط، فإنهما يغرمان خمسة عشر دينارا بينهما نصفين، أما العشرة التى زادا على العشرين فيغرماها إذ لم يشهد بها غيرهما، وعشرة أخرى شهدا بها مع شاهد العشرين، وهو لم يرجع، فأتلفا نصفها خمسة، وعشرة / قد ثبت عليها الباقيان لا يرجع فيها [8/ 443]

(8/443)


بشيء، ولو رجعوا كلهم إلا شاهد العشرة، غرم الراجعون خمسة وعشرين، يغرم الشاهد بالعشرين خمسة، وكل واحد من الباحثين عشرة، وذلك أن شاهد العشرة قد شهد شهادة الثلاثة الراجعين فلزمهم نصفها إذ ثبت من يثبت به نصفها فيغرموا نصفها أثلاثا، واحد وثلثان على كل واحد، وعشرة ثانية لم يشهد فيها غير هؤلاء الثلاثة الراجعين فرجعوا عنها فلزمتهم أثلاثا، ثلاثة وثلث كل واحد، فاجتمع على كل واحد منهم خمسة، وأما العشرة الباقية فلم يشهد بها غير شاهد الثلاثين وشاهد الأربعين، ثم رجعا فلزمتها نصفين، فبلغ غرمهما عشرة عشرة، قال: ولو ثبت الشاهد على العشرين فقط ورجع الباقون، قال: فيغرم شاهد العشرة إثنان إلا ثلث، والباقيان ثمانية عشر وثلث بينهما نصفين، لأن الثابت على العشرين قد علمنا أن عشرة منها شهد بها معه الراجعون كلهم، فعليهم نصفها أثلاثا: دينار وثلثان على كل واحد، وعلمنا أن العشرة الثانية من العشرين قارنه فيها في الشهادة شاهد الثلاثين وشاهد الأربعين، فعليهما نصفهما، خمسة، ديناران ونصف على كل واحد منهما، وعشرة ثالثة انفراد هما بالشهادة بها فرجعا عنها، فهي عليهما نصفين، وصار على كل واحد منهما تسعة وسدس، وعلى شاهد العشرة دينار وثلثان فذلك / عشرون ديناراً، قال: ولو رجع شاهد الأربعين وحده قال: يغرم وحده عشرة، ويمين المدعي إنما كانت مع شهادته على العشرة التي انفرد بها.
قال ابن المواز: وسمعت غير هذا – وهو الصواب – أنه ليس عليه إلا خمسة، وقد أنزلت اليمين بمنزلة شاهد في ذلك، وأما يمينه فقد حاطت بالأربعين، وعليها حلف، ولو أراد يمينه بها ما أمكنه ذلك ولا أمكن منه، ولا يحلف إلا على الجميع حتى لو لم يرجع ها هنا شاهد الأربعين، ورجع أصحابه ما ضر ذلك ولا غرم عليهم، وكذلك لو وجدا عبيدا، يريد: ويصير كأن الحق كله ثبت بشاهد ويمين، قال: ولو رجع شاهد الأربعين وشاهد الثلاثين بعد أن حكم للطالب بالأربعين مع يمينه، قال: فعلى شاهد الأربعين سبعة دنانير ونصف، وعلى شاهد [8/ 444]

(8/444)


الثلاثين ديناران ونصف، قال: لأن شاهد الأربعين انفرد بعشرة قضي بها بشهادته مع يمين الطالب، فعليه نصفها، وعشرة أخرى شهدا بها، قال في الكتاب: فعليهما نصفها. قال أبو محمد: وينبغي أن يغرماها كلها لأنها بشهادتهما خاصة ثبتت، وقد رجعا ولم يبق عليهما شاهد، واليمين إنما حكم بها في العشرة التي لم يشهد عليها غير شاهد، وقد ذكر ابن المواز في آخر الكتاب هذا القول لأنه حكم لليمين إلا في عشرة، وسنذكره بعد إتمام هذه المسألة.
قال أبو محمد: ولو رجع معهما شاهد/ العشرين، قال: فإن عشرة ثانية ثابتة بالشاهد بالباقي وباليمين، والعشرة الثانية تلزم صاحب العشرين، منها خمسة يشاركه فيها شاهد الثلاثين وشاهد الأربعين أثلاثا، لأنه قد بقي فيها عين الطالب، فهو كشاهد، فلا يكون على شاهد العشرين غير دينارين إلا ثلث، وعلى صاحب الثلاثين أيضا خمسة أخرى يشركه فيها شاهد الأربعين، وعلى شاهد الأربعين خمسة أخرى وهي نصف العشرة التي انفرد بها فثبتت مع يمين الطالب، فجميع مغرمهم خمسة عشرا دينارا، ولو رجعوا كلهم إلا شاهد العشرين ثبت، فلا غرم إلا على شاهد العشرة، لأن يمين صاحب الحق مع شاهد العشرين أغنى عنه، ويغرم شاهد الثلاثين دينارين ونصفا، لأن العشرة التي يشهد بها عليه نصفها خمسة يشاركه فيها شاهد الأربعين، لأنه شهد معه فيها، وتسقط خمسة بسبب اليمين، ويلزم الشاهد على الأربعين أيضا نصف العشرة التي انفرد بها مع اليمين، قال أبو محمد: وهذا بنيناه على ذلك الأصل الذي جعل اليمين في العشرة مرجوع به إلى أنه على كل عشرة في رجوع البينة، وقد قال غير هذا في آخر الكتاب، قال في ثلاثة شهدوا، واحد بعشرة، وآخر بعشرين، وآخر بثلاثين، فقيل للطالب: إما أخذت عشرين بلا يمين، وإلا حلفت وأخذت ثلاثين، فحلف وأخذ ثلاثين، ثم رجع شاهد الثلاثين وأقر/ بالزور، ثم رجع كذلك شاهد العشرين، ثم شاهد العشرة، قال: فالشاهد بالعشرة قد شركه في الشهادة صاحباه، فهي عليهم أثلاثا، [8/ 445]

(8/445)


وشاهد العشرين قد شركه في العشرة الباقية شاهد الثلاثين فهي عليهما نصفين، ويغرم شاهد الثلاثين من العشرة التي انفرد بها نصفها، لأن اليمين أوجبت النصف الآخر فيصير عليه ثلاثة عشر وثلث، وعلى شاهد العشرين ثمانية وثلث، وعلى شاهد العشرة ثلاثة وثلث، ولو قضي له بعشرين بغير يمين، ثم رجع شاهد العشرة، فلا شيء عليه، لأنه قد بقي شاهدان بها، ثم إن رجع أيضا صاحباه غرم جميعهم العشرين، فعلى شاهد العشرة منها ثلاثة وثلث، وعلى كل واحد من صاحبيه ثمانية وثلث.
ومن كتاب ابن سحنون: وإن شهد رجلان لرجل على رجل أن له عليه مائة دينار، وشاهدان: أن له عليه خمسين، وجميع دعواه مائة، فحكم له بها القاضي، ثم رجع شاهدا الخمسين، فلا شيء عليهما، لأن الحق ثابت بغيرهما. قد بقي عليه من لو لم يكن غيرهما لثبت، ولو لم يرجع إلا شاهد المائة لغرما خمسين، لأن خمسين أخرى قد بقي من يثبت به، ولو رجع الأربعة لزم شاهدي المائة خاصة خمسون لانفرادهما، فيغرماها بينهما نصفين، ولزمت الخمسون الأخرى جميع الأربعة لإشراكهم فيها، فيغرم كل واحد منهما اثني عشر ونصفا، ولو رجع واحد من شاهدي المائة/ وآخر من شاهدي الخمسين، غرم شاهد المائة خمسة وعشرين، ولا شيء على الراجع عن خمسين، لأنه قد بقي ممن يثبت به ملك الخمسين بشاهدين: أحدهما صاحبه، والثابت من شاهدي المائة، ولو رجع أحد شاهدي المائة وشاهدا الخمسين جميعا، لزم شاهد المائة خمسة وعشرون من الخمسين التي زادها هو وصاحبه، وعليه مع شاهدي الخمسين خمسة وعشرون لدخولهم أجمع في الشهادة بها، والشاهد الثابت أحيى نصفها، ولو رجع شاهد المائة وشاهد من شاهدي الخمسين، لزم شاهدي المائة خمسون انفراد بها، ولزمهما مع الراجع عن الخمسين خمسة وعشرون بينهم أثلاثا، وقد بقي من أثبت نصفها، ولو شهد أربعة بحق فقضي به، ثم رجع اثنان منهم، فلا شيء عليهما إذا [8/ 446]

(8/446)


بقي من يحيى به الحق، ثم إذا رجع واحد من الاثنين، كان عليه مع الراجعين قبله غرم نصف الحق.
ومن كتاب محمد بن عبد الحكم: وإن شهد رجلان لرجل على ميت بدينار، وشهد آخران بدينارين، ولم يدع الميت إلا ديناراً فقضي له بدينارين وأعطاه الدينار، ثم رجع الأربعة فليغرموا من الدينار، ربع دينار، وشاهدا الدينارين: ثلاثة أرباع دينار، لأن جميعهم اجتمعوا على دينار، وانفرد اثنان بدينار آخر، وأخذ من ذلك كله دينار، ولو شهد إثنان أنه أقر له بدينار، وشاهدان أنه أقر له بدينارين، فليس عليه إلا ديناران مع يمينه،/ فإن نكل حلف الطالب على ثلاثة إن ادعى ثلاثة وأخذها، فإن رجع الشهود لم يغرموا إلا دينارين؛ لأن الثالث لم يجب بشهادتهم، إنما وجب بالنكول ويمين الطالب.
ولو شهد رجلان على رجل أنه أقر لرجل بدينار، وشهد آخران أنه أقر له بدينارين وأن فلانا تحمل له بدينارين، لم يكن على المقر إلا ديناران مع يمينه، ولا تزيد الحمالة في العدد شيئا، وكذلك إن شهد رجلان بدينار وأن فلانا حميل، وشاهدان أنه أقر له بدينار بغير حمالة، فليس عليه إلا دينار واحد بحمالة من أثبت الحمالة، وإن شهد اثنان بدينارين تحمل بهما فلان، وشهد آخران بدينار ولم يذكرا حمالة، فلم يوجد للميت المقر إلا دينار واحد وأخذه المدعي، ثم رجع شاهد الحمالة عما شهدا به، فإن الحميل فقد برئ من ثلاثة أرباع دينار، لأن شاهدي الدينارين قد انفردا بدينار، وشركهما الآخران في الدينار الآخر، فإن أخذ من الحميل الدينارين، ولم يؤخذ من مال الميت شيء، فإنه يرجع بالدينارين على اللذين شهدا عليه بالحمالة إذا كان منكرا للحمالة، ويرجع الشاهدان على الذي شهدا عليه بدينار منهما، لأنه قد أثبت ذلك عليه شاهدان غيرهما، وإن رجع الشاهدان على الدينار وقد أخذ الدينار من ورثة الميت، فإنهما يعرمان للذي شهد عليه: ربع دينار، لأنه الذي أخذ بشهادتهما، فإن أقر بالحمالة لم يرجع على الشاهدين بشيء، ويرجع على الذي عدم عنه بالدينارين، فإن أخذ ذلك من مال/ الذي شهد له رجع به على الشاهدين، لأن رجوع الشاهدين لا يسقط عن الحميل ما [8/ 447]

(8/447)


شهدا به عليه، وحكم عليه أن يؤخذ به، ولا يسقط عن الذي عليه الحق بعد الحكم.

في ولد الميت يشهد بعضهم بدين
على الميت ثم يرجعون رجوعا مختلفا،
وفي كيس تداعيا فيه رجلان تداعى
مختلفا، وأقام كل واحد بينة فيما يرث
ثم رجعوا أو بعضهم
من كتاب ابن المواز: وقال فيمن هلك وترك أربعة بنين، فشهد ثلاثة منهم: أن لفلان على أبيهم ثلاثين ديناراً، فقضي بذلك، ثم رجع أحدهم عن عشرة، وآخر عن عشرين، وآخر عن ثلاثين، فقد اجتمعوا على الرجوع عن عشرة، فإنما لأخيهم الذي لم يشهد ربعها، ديناران ونصف يأخذهم بذلك بينهم أثلاثاً، خمسة أسداسدينار على كل واحد، والعشرة الثانية قد رجع عنها الباقيان، وثبت عليها الراجع عن عشرة، فإنما لأخيهم منها دينار ونصف، فيغرمان له نصف ذلك لبقاء شاهد بها، يغرمان ذلك نصفين، فيغرم كل واحد من ذلك من هذين الراجعين خمسة أثمان دينار، فذلك كله أربعة دنانير إلا ربع يأخذها الأخ الذي لم يشهد فقط، ولا شيء على الراجع عن ثلاثين في العشرة التي انفرد بالرجوع عنها، لأنه قد ثبت عليها شاهدان.
قال محمد: وكل ما رجعوا منه فهو بينهم ميراث، فإنما للأخ الذي لم يشهد ربعه، / قلت: فإذا كان الراجع عن عشرين يلزمه هو والراجع عن الثلاثين ربعها للذي لم يشهد، فلم لا لزمهما ربع آخر للراجع عن عشرة؟ قال عبد الله فلم يذكر في كتاب جوابا، والجواب؛ لأنه هو ثابت عليهما مقر بها على أبيه، فكيف يغرمهم فيما يقر بصحته؟ [8/ 448]

(8/448)


وقال في رجلين تداعيا في كيس في أيديهما فيه مائتا دينار، فقال أحدهما: جميعه لي، وقال الآخر: لي منه مائة دينار، وأقام كل واحد شاهدين على دعواه، واعتدلوا في العدالة، فإنه يحلف كل واحد منهما ويأخذ مدعي المائتين مائة، ويقاسم صاحبه المائة الأخرى نصفين، قال: فإن رجع من كل شاهدين شاهد وقالا: شهدنا بزور، قال: فعلى كل واحد منهما غرم خمسة وعشرين يدفعها لمن كان شهد عليه، ولو رجعوا كلهم غرم شاهدا المائتين خمسين لمدعي المائة، وغرم شاهدا المائة خمسين لمدعي المائتين، لأن مدعي المائة يقول: لولا شهادتكما لمدعي المائتين لم يأخذ غير مائة، وكنت أنا أخذت المائة بشاهدي فضرتني شهادتكما، فأخذت خمسين، ويقول مدعي المأتين لشاهدي المائة: لولا شهادتكما لأخذت المائتين بشاهدي فانتقصت خمسين بشهادتكما.

في الحق يقضى فيه بشاهد ويمين،
ثم يرجع الشاهد، أو يحكم فيه برجال ونساء،
فيرجع أحدهم، وفي رجوع الصبيان عن شهادتهم
فيما يقبلون فيه
/ ومن كتاب ابن المواز وكتاب ابن سحنون عن أبيه: وإذا قضي لرجل في حق بشاهد ويمين، ثم رجع الشاهد وأقر بالزور، فإنما عليه غرم نصف الحق كشاهدين رجع أحدهما والحكم نافذ.
قال سحنون: ولو رجع الطالب فقال: ما طلبت إلا باطلا، فإنه يرد المال بالإقرار لا باليمين، كما لو قضي له بشاهدين ثم أقر بهذا، ولو قضي له بشاهدين وامرأة ثم رجع الشاهدان والمرأة، فالعرم على الشاهدين دون المرأة، لأن المرأة لا تجوز في شيء، ولا مدخل لها من الرجلين، ولو شهد رجل وثلاث نسوة، ثم رجع الشاهد وامرأة، فعلى الرجل نصف الحق وحده، لأنه قد بقي على نصف الحق امرأتان، ولا تضم المرأة إلى الرجل، وإنما تضم إلى مثلها، فاثنتان فأكثر منهن عدل رجل، ولو رجع الرجل والنسوة لزم الرجل وحده نصف الحق، وعلى الثلاث نسوة [8/ 449]

(8/449)


نصفه، لأنهن مقام رجل، وكذلك لو كثرن، وكذلك لو رجع النساء كلهن وهن عشرة واحدة إلى ثمانية، فلا شيء عليهن، فإن رجع تسعة منهن أو رجع ثمانية، ثم رجعت واحدة بعدهن، فعلى التسعة ربع المال بينهن بالسواء، لأنه بقي من أحيى ثلاثة أرباع الحق.
وكذلك في جميع الأموال من القروض وغيرها التي تجوز فيها شهادة النساء، وكذلك القول فيما لا يجوز فيه إلا شهادة الرجال من العتق والقصاص ونحوه وإن قضي بأربعة فرجع اثنان فلا شيء عليهما، فإن رجع ثالث لزم/ الثلاثة على نحو ما ذكرنا، وكذلك لو قضي بشاهدين فرجع أحدهما.
قال ابن الماجشون في كتابه: إذا شهد رجل وامرأتان في مال، ثم رجعت المرأتان فعلى كل واحدة منهما الربع، وإن لم ترجع إلا واحدة فعليها الربع، ولو حكم برجل وأربع نسوة ثم رجعت امرأتان فلا شيء عليهما، لأنه قد بقي من يتم الحكم به، ثم إن رجعت ثالثة غرمت الثلاثة ربع الحق.
قال ابن الماجشون في كتابه: وسئل عن رجعة الصبيان عن شهادتهم فقال: لا رجعة لصبي ولا ضمان عليه في رجعته إن رجع وهو صبي، أو رجع عنها بعد بلوغه فقال: كنت شهدت بزور، وأما لو لم يحكم بها ولكن لو قيدت قبل أن تفترقوا أو يخيبوا، ثم عاق عن الحكم بها شغل حتى رجع عنها بعد بلوغه فلا يحكم بها.
[قال أبو محمد عبد الله: انظر قوله: لا شيء عليه إن رجع بعد بلوغه، فجناية الصبي تلزمه في إتلاف المال، إلا أن يقيمه مقام من شهد بالقتل ثم رجع، فقد اختلف في قتله. وألزمهما الدية من امتنع من القتل، فلم لا لزمهما ما كان ديته دون ثلث الدية، أو لعله يريد: لا شيء عليه إن كان شهد بالقتل العمد، فيصير عمد الصبي خطأ، ويصير مقرا في كبره على عاقلته، ولا تحمل العاقلة اعترافاً]. [8/ 450]

(8/450)


في الرجوع عن الشهادة في الدين أو في البراءة منه
وكيف إن شهدا بدين على ميت فقضي به
ثم رجعا وأثبت غريم آخر دينا على ميت؟
/ من كتاب ابن سحنون: قال سحنون: وإن شهدا بمائة دينار على رجل فإنه تسمع الحاكم البينتان خيفة أن يثبت الدين فيحتاج إلى بينة البراءة وقد غابت أو ماتت، ولا يمنع الطالب من إثبات دينه بقيام بينة البراءة، إذ لعلها لا تثبت، وبقيت بينة المدعي أو تموت وليسمعهما، فإن ثبت الدين وثبتت البراءة منه فحكم بالبراءة، ثم رجع شاهدا البراءة فليغرما الحق للمدعي.
ومن كتاب ابن المواز: وإن شهدا على ميت بدين مائة دينار، فحكم بها القاضي في تركته ولم يترك غيرها، ثم رجعا فأغرما المائة للوارث، ثم طرأ غريم آخر فأقام شاهدين على مائة دينار أخرى على الميت، فليرجع الشاهدان الأولان على الورثة بجميع المائة، إذ لاميراث لهما بكل حال، ويقضى للثاني بمائة كاملة، يأخذ خمسين مما أخذ الأول، ويبقي بيد الأول خمسون، وهي التي كانت تجب له في الحصاص، ويغرم الشاهدان للثاني الخمسين التي بقيت بيد الغريم الأول، لأنه يقول: لولا شهادتهما لم يكن للأول معي حصاص، ثم إن رجع اللذان شهدا للثاني بعد الحكم له فإنهما يغرمان خمسين ومائة، يغرمان هذه المائة التي ردها الورثة على الشهود الأولين، يريد: يغرمانها للورثة ويغرمان للغريم الأول الخمسين التي انتزعت منه للثاني قبل أن يشهدوا.
قلت: كيف يغرم الشهود مائة وخمسين ولم يترك إلا مائة؟ قال: قد يغرمان مائتين في مثل/ مسألتك، وذلك إن يهلك ولم يترك إلا مائة دينار في صرة، وقد استودعها الميت لغيره، فيقيم رجل شاهدين على الميت بدين مائة دينار فيقضى له بتلك المائة بعينها، ثم ترجع البينة فيقضى عليها بغرم مائة دينار للورثة، ثم يقيم رجل البينة أن تلك المائة بعينها له كان قد أودعها للميت، فإنه يرد الورثة [8/ 451]

(8/451)


المائة التي أخذوا من الشاهدين عليهما، إذ لا ميراث لهما على شهادة الآخرين، ويغرم الغريم الأول المائة التي أخذها فدفعها لصاحب الوديعة.
فإن رجع بعد ذلك الشاهدان الآخران، وأقرا بالزور، فليغرما مائتي دينار: مائة للورثة التي بشهادتهما ردها الورثة على الشاهدين، ومائة دينار للغريم الأول التي أخذها منه مدعي الوديعة، لأن بشهادتهما أخرجا من الورثة مائة، ومن الغريم الأول مائة لمدعي الوديعة، ثم رجع إلى المسألة الأولى: مسألة الغريمين فقال: وقد استودعها الميت لغيره، فقال: فإن لم يرجع شاهدا الغريم الثاني وقد رد الورثة بشهادتهما المائة على شاهدي الأول الراجعين، وأخذ الغريم الثاني من الأول نصف المائة التي بيده، وأخذ من الشاهدين الأولين خمسين عوض الخمسين الباقية بيد الغريم الأول، ثم طرأ غريم ثالث فاستحق مائة أخرى على الميت بشاهدين، فإنه يأخذ هذا الثالث من الغريم الأول الذي بيده خمسون دينارا ثلث الخمسين، ومن الغريم الثاني الخمسين التي صارت له من مائة/ الميت بعينها حتى تكون تلك المائة بعينها بينهم أثلاثا لكل واحد ثلثها فبقي بيد الغريم خمسون التي أخذها سين (كذا) التي صارت له من مائة/ الميت بعينها حتى تكون تلك المائة بعينها بينهم أثلاثا لكل واحد ثلثها، فبقي بيد الغريم خمسون التي أخذها من شاهدي الغريم الأول حين رجعا، فيرد على الراجعين منه سدس مائة، لأنهما لم يتلفا عليه التي بشهادتهما إلا ما أخذ الغريم الأول، وهو ثلث المائة فقط، فيكون هذا الثلث المائة من مال الشاهدين بين الفرعين: الثالث والثاني نصفين، وتكون مائة الميت بين الثلاثة أثلاثا. [8/ 452]

(8/452)


في البينة تشهد بدين على رجل فيقضى عليه
فقضى القاضي على الطالب للمطلوب
فرجعا إليه فأخبراه، فقال القاضي:
إنما شهدتما عندي على هذا الذي قضيت عليه
من كتاب ابن المواز من غير رواية ابن أبي مطرف: وإذا شهد رجلان لرجل بمائة دينار دينا على رجل عند القاضي، بالدين للمطلوب على الطالب فأغرمه، فأخبر الشاهدين فأتيا إلى القاضي فقالا: إنما شهدنا بالمائة لهذا على الآخر، فقال القاضي: لا، بل شهدتما للآخر على هذا، وكيف إن كتبهما في ديوانه بخطه أو بخط كاتبه على ما قال؟ قال: إن كانا عدلين فشهادتهما جائزة، فإن رجع القاضي عن قوله وقال: أوهمت، أو أنا أشك في ذلك، رجع فأخذ المائة ممن هي في يديه فردها إلى الآخر وأرجعه أيضا بمائة أخرى على صاحبيه، وإن ثبت القاضي على قوله وقال: أنا لا أشك أنكما إنما شهدتما لمن قضيت / له، قيل له: فإن كنت توقن بها فليس لك أن ترجع بها عليه واغرمها أنت، لأن الشهود شهدوا بخلاف قولك وهما عدلان، فيلزمك غرم مائتين: مائة أخطأت فيها، والمائة الدين التي كانت الشهادة بها، وذلك يلزمه، وإن كانت شهادتهما في ديوانه، إلا أن يكون حضر القاضي قوم عدول فشهدوا شهدا به جلساء القاضي إذا كانا عدلين فأكثر، وإن كان الأولان أعدل، لأنهما شهدا بجرحتهما، ولا تجوز شهادة القاضي في ذلك لأنه خصم.
قال ابن المواز: وهذا مذهب مالك وأصحابه لأنهم يقولون: إذا قال القاضي: ثبت عندي شاهدان بحق على فلان فلا يقبل منه حتى يشهدا عليه بين يديه ويعرفه إياهما. [8/ 453]

(8/453)


في الرجوع عن الشهادات في البيوع
والمعاوضة والشفعة، وعلى الوكالة في البيع والحمالة فيه
من كتاب ابن سحنون: ومن أقام شاهدين على رجل أنه باع منه عبده بمائة دينار وخمسين إلى أجل، والبائع يجحد، فقضي عليه بالبيع وقبض المشتري العبد، ثم رجعا وأقرا بالزور، فالبائع مخير إن شاء رضي بذلك واتبع المشتري بالثمن، وإن شاء تعجل من الشاهدين قيمته، فإن كانت قيمته مائة أدياها واتبعا المشتري بمائة لا بأزيد، وإن كانت القيمة مثل الثمن أو أكثر، / أدياها واتبعا المشتري بما عليه إلى أجله.
وكذلك في كتاب محمد بن عبد الحكم، إلا أنه قال: فإذا اختار أخذ قيمته من الشاهدين متعجلة وهي مائة، ورجعا بها عند الأجل على المشتري، فإن لرب العبد أن يأخذ منه عند الأجل باقي الثمن وهو خمسون، ولا يربح الشاهدان على ما أديا.
وقال من خالفنا: يأخذها الشهود ويتصدقان بها، وهذا فاسد، لأنها إن كانت لهما فلم يتصدقان بها؟ وإن لم تكن لهما فلا يأخذاها.
قال سحنون: ومن أقام شاهدين أن فلانا اشترى منه جاريته بمائة دينار، والمتباع يجحد، فقضى القاضي بشهادتهما، وقبض البائغ الثمن من المبتاع، ودفع إليه الجارية فتوقف عن وطئها، ثم رجع الشاهدان وأقرا بالزور، فقال بعض أصحابنا: المبتاع مخير إن شاء قبلها لرضاء البائع له بالبيع كانت قيمتها أقل من الثمن أو أكثر، وإن شاء ألزمها للشاهدين ويأخذ منهما ما دفع هو فيها، فإن لم يكن عندهم شيء فتباع عليها إذا شاء ويأخذ الثمن، فإن نقص عما أدى اتبعهما بما بقي إلا أن تكون فاتت في يديه بنقص أو موت أو إباق فينظر قيمتها، فإن كانت مثل ما أدى فأكثر لم يرجع عليهما بشيء، وإن كانت أقل مما أدى أتبعها بما بقي. [8/ 454]

(8/454)


وقال غيره من أصحابنا: إن ماتت أو بيعت فليرجع عليها بجميع ما أدى أو كأنها منها هلكت، وإن دخلها نقص فله أن / يلزمها للشاهدين ويأخذ منها ما أدى، وإن أعتقها وقيمتها مثل ما أدى فأكثر فلا يرجع عليهما بشيء، وإن كانت أقل رجع عليهما بتمام الثمن الذي أدى، ولو باعها بمثل الثمن فأكثر لم يرجع عليهما بشيء، وإن باعها بأقل نظر إلى قيمتها فإن كانت مثل ما أخرج من يديه فأكثر فلا شيء له عليهما، وإن كانت قيمتها أقل مما أدى وأكثر من الثمن الذي باعها به، فإن له ما بين القيمة والثمن الذي يخرج من يديه بالحكم.
قال سحنون: وقد قيل: إن باعها أو أعتقها أو وطئها فهو رضي منه بالشراء الذي ألزمه بالحكم وشاءه البائع ورضيه، فيحل بذلك الوطء للمبتاع، وأما إن كان المشتري هو المدعي، والبائع منكر، فحكم عليه فلا يجوز للمشتري وطؤها، فإن رجع الشاهدان، فالحكم نافذ، ويكلف الشاهدان أن يشترياها للبائع، وقال: فإن كانت قيمتها أكثر من أخذ المشتري غير ماله تمام القيمة، فإن قبل ذلك البائع ثم أمر المشتري فيها، وإن كانت قيمتها أقل من الثمن أو مثله، فلا شيء عليهما، وعليهما الأدب، وإن أشتراها الشاهدان من المبتاع ثم أقرا بالزور ولم يدخلها فوت، ردت على البائع ويلزمه ذلك، ويرد إليهما ما قبض من المشتري.
قال سحنون: وقد قيل: إن له ما أخذ من الثمن، وتبقي الجارية في أيديها إن أحب، وإن دخلها فوت فله ما بقي من قيمتها بعد على الثمن الذي أخذ، يرجع عليهما وتبقي لهما الجارية، إلا أن / يشاء أن يأخذها ويرد عليهما الثمن.
قال ابن الماجشون في كتابه: وإن شهدا أن البائع باعها منه والبائع يجحد، فحكم بذلك للمبتاع، وهو يدعي الشراء، ثم رجعا فقالا: شهدنا بزور، وصدقهما المشتري في الزور، فإن فاتت بعطب أو كبر أو طول زمان ونحوه: فعلى الشاهدين فضل ما بين القيمة والثمن، إن كان المبتاع معدما، ويرجعان عليه بذلك بإقراره، يريد: إن طلب ذلك البائع، وأما إن لم تفت بتغير بدن، ولا فاتت بولادة ولا عتق، فله أخذها كالمغصوب منه، وإن فاتت بولادة أو عتق فقط: فليس له أخذها بحكم الحاكم، وله فضل ما بين القيمة والثمن. [8/ 455]

(8/455)


قال ابن الماجشون: وإن كانت قد خرجت من يد المبتاع وعميت قيمتها، وعميت الصفة، وقول المبتاع في الصفة، ويحلف، فإن نكل وهو عديم، حلف الشاهدان على الصفة، فإن كان فيها فضل عن الثمن غرما ورجعا به على المبتاع.
ومن كتاب ابن المواز: ولو كان المشتري منكرا للشراء فقضي عليه بالبينة لشرائه العبد، ثم أعتقه أو باعه أو مات عنده أو أبق منه، ثم أقرا ورجعا وأقرا بزور، فأما في الموت والإباق فيغرمان ثمنه كله، وأما في العتق فإنه تلزمه قيمته إن كانت أقل من الثمن، ويغرم الشاهدان ما زاد الثمن على القيمة، فإن كانت القيمة مثل الثمن فأكثر فلا شيء عليهما، وإن باعه بأقل غرم الراجعان تمام الثمن/ الذي شهدا به، فإن حابي في بيعه حسب عليه ما حابي به، فإن بقي عليه بعد حساب المحاباة شيء من ثمنه الذي أخرج غرمه الشاهدان.
قال سحنون: وإنه شهدا للمشتري أن فلانا باع عبده منه بمائة دينار وقيمته مائتان، والبائع يجحد، وقالا: وللبائع الخيار ثلاثة أيام، فقضى بذلك القاضي ونفذ البيع على هذا، أو كان البائع المدعي والمشتري يجحد، والثمن مائتين وهو يسوى مائة. وقالا: وعلى أن المشري بالخيار ثلاثا، ثم رجعا وأقرا بالزور، فلا شيء عليهما، لأن المشهود عليه كان له جل ما شهدا به عليه بالخيار، فإن لم يفعل فهو متطوع، وأما أتلفا عليه شيئا، وكذلك قال محمد بن عبد الحكم في كتابه: لا شيء عليهما للمشهود عليه من بائع أو مبتاع اختار البيع قبل مضي أيام الخيار، أو مضت أيام الخيار ولم يختر، لأنه قادر على دفع ذلك عن نفسه.
قال: وفيها قول آخر هو أحب إلي: أنه إذا أنكر المشتري البيع فقد انفسخ البيع، لأنه إذا قال: وهو للبائع ولا خيار لي، انفسخ البيع، ولكن لو شهدا للبائع وهو يدعي أنه باعه منه بمائة، والخيار للبائع، ومضت أيام الخيار، ولزم المشتري البيع وهو منكر، ثم رجعا فإن المشتري يدفع العبد إلى الشاهدين ويأخذ منهما الثمن، لأنهما ألزماه إياه بمائتين، ولم يكن ذاك عليه، ودفعا إليه العبد [8/ 456]

(8/456)


وليس له، وهذا / أحب إلي من أن يلزمهما نقصان قيمته العبد، ولو كان الخيار للمشتري وهو المدعي، والبائع منكر فمضت أيام الخيار، أو اختار فيها ثم رجعا فإنهما يضمنان للبائع فضل قيمة عبده، وإن باعاه بمائة وهو يسوي مائتين، غرما له مائة.
قال محمد بن عبد الحكم: وإن شهدا أن هذا باع عبده من فلان على أن للمشتري الخيار ثلاثا، والبائع منكر، فألزمه ذلك الحاكم، ثم رجعا مكانهما قبل مضي أيام الخيار، فقال البائع: قد عقلا على عبدي أن أحدث فيه بيعا أو عتقا أو إجارة، ولم أقبض الثمن، فإنه يؤخذ من الشاهدين قيمة العبد فتوقف، فإن لزمه البيع كانت تلك القيمة له، وإن لم يتم البيع ورده المشتري بخيار عادت القيمة إليهما، وإن رد العبد سالما، ولو اعوز العبد في أيام الخيار، رده المبتاع.
ومن شهد عليه شاهدان أنه أسلم عشرة دنانير إلى فلان في مائة إدرب قمح، والمشتري يجحد، فقضي عليه بغرم العشرة، وألزم الآخر القمح، ثم رجع الشاهدان فليغرما عشرة دنانير للذي خرجت من عنده، ويتبعان الذي عليه الطعام بالطعام، وإن كان المشتري يدعي والبائع منكر، فلا يؤخذ منهما شيء حتى يغرم من عليه الطعام الطعام أو يحل فيؤخذ به فيؤديه فيرجع به على الشاهدين ويعطيهما ما أخذ من الدنانير.
قال سحنون في كتاب ابنه: وإن شهدا أن هذا أسلم إليه/ عشرة دراهم فى قفيز حنطة إلى أجل، فقبضها قبل التفرق، فقضي عليه، فالفقيز إلى أجله، فحل ووداه، ثم رجعا وقالا: شهدنا يزور، فليضمنا له ما خرج من يديه وهو القفيز، يريد: فيرد عليهما الدراهم، قالا: ولو حكم عليه بقبض الدراهم وإلزام القفيز إلى أجله، ثم رجعا قبل محله، فإنهما لا يغرمان حتى يحل الأجل ويؤخذ الفقيز منه، فإذا وداه فهو مخير إن شاء تركهما وحبس الدراهم وألزم نفسه البيع، وقد قيل: إن له أن يضمنهما فضل ما بين قيمة القفيز والدراهم إن كان القفيز يسوي عشرين، رجع عليهما بنصف قفيز، وإن كان يسوى خمسة عشر، رجع عليهما بثلث قفيز، ولو كان البائع المدعي والمشتري الجاحد، فقضي عليه بأداء. [8/ 457]

(8/457)


الثمن وطلب القمح، فودي الثمن، ثم رجعا فليغرما الثمن للمشتري، ويطلب البائع القمح، وكان المبتاع ولاهما إياه.
قال ابن الماجشون في كتابه: وإن شهدا أن هذين المتبايعين تبايعا بيعا يجب فسخه، فحكم بفسخه، ثم رجعا فلينظر في السلعة، ثم يغرمان لمن له فيها الفضل ما كان من فضل منعاه منه بشهادتهما، يريد: الفضل بين القيمة والثمن إن كان فيها فضل.
ومن كتاب ابن المواز: وإن شهد رجلان أن فلانا اشترى من فلان عرضه بعرض الآخر فقضي بذلك، ثم رجعا فأقرا بالزور، قال: فليأخذا العرض الذي بيد المنكر فيخلصاه منه ويدخلان مدخله، ويغرمان له قيمة عرضة الذي خرج من يديه فات ذلك أو لم يفت، قال في باب آخر: ويكون لهما ما صيراه بيده على أي حال كان يوم رجوعهما، كان ذلك ناقصا أو ميتا أو آبقا، أو كيف كان، ليس لهما غيره، إلا أن يحدث فيه بيع أو عتق فيكون كما وصفنا قبل هذا، قال ابن الماجشون في كتابه: إذا فات العرض الذي أخذ المنكر، فله على البينة فضل ما بين القيمتين ويصفهما الشاهدان.
قال: ولو لم تفت السلعة في يديه فطلب التمسك بها. فيرجع عليهما بفضل ما بين القيمتين، وقالا هما: بل نأخذها نحن ونغرم قيمة ما أخرجنا من يديك، فذلك لهما، وهو عليهما لازم ما لم يتراضوا.
ومن كتاب ابن سحنون ونحوه لابن الماجشون في كتابه: وإن شهدا أنه ابتاع من فلان شقصاله في جنان والبائع يجحد، أو البائع يدعي البيع والمبتاع بجحد، فقضي بذلك القاضي كما شهداء، وآخذه الشفيع ثم رجعا / وأقرا بالزور، فإن كان المشتري الجاحد للشراء فلا ضمان عليهما له ولا للشفيع، لأن المشتري قد أخذ [من الشفيع ما أخرجا من يديه بشهادتهما، ولا للشفيع على الشاهدين، لأن الشفيع] أخذ بطوعه ورضاه صادف غلاء أو رخصا، وإن أخذ من المشتري في [8/ 458]

(8/458)


الشقص غلاما، والمشتري الجاحد للشراء، فاستشفع الشقص بقيمة الغلام فلا شيء له على الشاهدين، [لأنه رجع/ إليه قيمة ما أخذ منه، وإن كان البائع هو الجاحد والمشتري هو الطالب] واستشفع على المشتري فإن كان في قيمة الشقص فضل عن ما أخذ من المشتري اتبع به الشاهدين، فإن كان البائع أمد في شقصه عرضا فاستشفع على المشري بقيمته، رجع البائع بفضل قيمة شقصه على قيمة العرض على الشاهدين، وإن كانت قيمة العرض مثل قيمة شقصه أو أكثر، فلا يرجع عليهما بشيء، لأنه قد صار في يديه أكثر مما أخرجا من يديه أو مثله بحكم الحاكم وطوع المشتري، وإن شاء البائع أن يأخذ من الشاهدين قيمة ما أخرجا من يديه، وهو قيمة شقصه، ويدفع إلى الشاهدين العرض الذي أدخلاه فيه فذلك له.
من كتاب ابن المواز: ومن باع عبدا وزعم أن صاحبه وكله ببيعه وصاحبه منكر، فأقام بذلك البينة، وزعم أنه دفع الثمن إليه، فقضى القاضي بالوكالة، ونفذ الشراء للمشتري، ثم رجعا، قال: إن حلف الوكيل أنه دفع الثمن إلى رب العبد برئ، وليغرم الشاهدان الاكثر من قيمة العبد أو من ثمنه بعد أن يحلف ربه أنه لم يأخذ الثمن من بائعه، فإن نكل لم يكن له إلا ما زادت قيمته على الثمن.
ومن كتاب محمد بن عبد الحكم: ومن أقام شاهدين بأن فلانا وفلانا اشتريا منه سلعة بكذا وكذا من الثمن، وضمن كل واحد منهما الثمن عن صاحبه وقبضا/ السلعه وهما منكران، فقضي عليهما بذلك ووديا الثمن، ثم رجع الشاهدان، فليغرما لهما ما وديا من الثمن، يريد: ويأخذ السلعة، إن لم يتماسك بها المشتريان، قال: وإن ودى أحدهما الثمن بالحمالة، ثم رجع الشاهدان، فلا يرجع على صاحبه بشيء، لأنه مقر أنه لم يأمره بضمان ولا ضمن عنه وأنه مظلوم، وليرجع بذلك على الشاهدين.
وإن شهد الرجل أنه أسلم إلى رجل مائة دينار في عبد وصفه والبائع يقول: في نصف عبد، والصفة واحدة، فقضي عليه بعبد فوداه، ثم رجعا، فإنه إن كانت [8/ 459]

(8/459)


قيمة العبد مائتين، رجع عليهما بمائة، وإن كان يسوي ثلاثمائة رجع عليهما بخمسين ومائة، لأنه لم يقر أن عليه بالمائة إلا نصف عبد، وإن كان يسوى تسعين دينارا لم يرجع عليهما بشيء، لأن عنده أكثر من ما أخذ منه وقد كان الحكم بينهما لولا الشهادة أن يتحالفا ويتقاسما، فقد كان الفسخ له فيه ممكنا، وبيده أكثر من قيمته.
ولو شهد شاهدان أنه أسلم إليه مائة دينار في عبد وصفه، وشهد آخران أنه إنما أسلمها إليه في عبدين بتلك الصفة، والشهادة واحدة، وكلهم عدول، واللذان شهدا بعبد واحد أعدل، فحكم بها للبائع وأمره بدفع عبد واحد، ثم رجعا، فقال المقضي له: لولا شهادتكما لأخذت عبدين فيضمنا له عليهما بقيمة عبد آخر، وقد قيل: إن/ لهما أن يقولا: أنت لم يحكم لك بعبدين، ولا يدري كيف كان يكون الأمر، فإنما أتلفنا عليك عبدا أخذت به مائة دينار، فنحن نغرم لك ما بين قيمة عبد ومائة دينار، قال محمد: وهذا أحب إلي.
قال ابن الماجشون في كتابه: وإذا شهدا على رجل أنه باع من رجل سلعة، ثم استحقت بعد الحكم بشهادتهم، ثم أقرا أنهما شهدا بزور، والمشتري ينكر ذلك، فأراد المستحق أن يجيز ذلك البيع ويأخذ الثمن، فذلك له للحكم الذي نفذ، ولو رجعا بعد أن أخذ المستحق سلعته فكذلك كما لم يجز البيع في سلعته.
وقال ابن الماجشون في كتابه فيمن باع منزلا لرجل غائب وقال: قد وكلني ببيعه، وشهد له بالوكالة رجلان، فقضي بذلك، ثم رجعا عن شهادتهما، وقدم الغائب فانكر الوكالة، قال: فالبيع ماض، قال: فإن قال الوكيل: دفعت الثمن إلى رب المنزل قبل رجوعها، صدق مع يمينه، ورجع يعني رب المنزل على الشاهدين بالثمن، وإن قال الوكيل: قد دفعت إليه الثمن بعد ما رجعا، لم يصدق، ولا ضمان على الشاهدين، يعني ولا يؤدي الوكيل الثمن بعد يمين رب المنزل. [8/ 460]

(8/460)


فيمن قضي عليه أنه باع عبده من فلان بكذا
بشهادة بينة، ثم رجع العبد إلى المقضي عليه
بابتياع أو هبة أو بغير ذلك بعد رجوع البينة أو قبل
أو رجعت البينة والمشتري فأقروا / بالزور
وقد حدث في العبد حدث أو لم يحدث
من كتاب محمد بن عبد الحكم: من قضي عليه بشهادة رجلين أنه باع عبده من فلان بمائة دينار قبضها منه والبائع منكر، ثم رجع الشاهدان والعبد يسوى مائتي دينار، فالحكم ماض، ويغرم الشاهدان للمقضي عليه بالبيع مائة دينار تمام القيمة، قال: ثم إن رجع إليه عبده بمائة من المشتري أو بصدقة فقبله، وقيمته مثل قيمته يوم أخذه أو أكثر، والعبد على حاله في يديه، فليرجع الشاهدان على هذا البائع بالمائة التي غرما له، لأن عبده رجع إليه بحالة أو أفضل، ويرد إلى المشتري المائة التي آخذها منه إن طلبها، وإن كانت قيمته يوم الهبة والصدقة لنقص دخله في يديه، فهو مخير: إن شاء تمسك به ورد المائة على الشاهدين، وهو كالعبد الغصب ينقص، فليس له أخذ ما نقص والتمسك به، ولو نقص سوفه وهو بحاله في يديه، فليرد على الشاهدين ما أخذ منهما، على البائع ما أخذ منه، ولو أقر المشتري أنه كذب، وأقر الشاهدان أنهما شهدا بزور، والعبد على حاله في بدنه، فله لم يرده إلى ربه ويأخذ منه مائة دينار التي دفعها إليه، وتأخذ منه البينة ما دفعا إليه، ولو وهبه له وقد نقص في بدنه فصار يسوى خمسين ومائة دينار فلم يرض بحبسه ناقصا، قيل له: فالمائتا دينار / لك، وادفع إلى الشاهد نصف العبد، ويبقى لك نصفه، ولو كان لا يساوي إلا خمسين، دفع نصف العبد إليهما وأخذ منهما المائة دينار ويبقى له نصفه، لأنه لا يلزمه أن يرضى به ناقصا، وله أن يحبس ما أخذ من البائع الأول، والوصية في ذلك كالهبة والصدقة، وكذلك لو ورثه، لأنه يقر أنه رجع إليه، إلا أنه رجع إليه ناقصا، فيكون كما قلنا في الهبة، وأما إن وهب له نصفه فليرجع عليه الشاهدان بما أخذ منهما إن رضى أن يتمسك به ناقصا، ولو كان نصفه لا يسوى إلا خمسة وعشرين دينارا [8/ 461]

(8/461)


لنقص دخله في بدنه، فليقل له: إن شئت فادفع نصف هذا النصف إلى الشاهدين واحبس مما أخذت منهما لتغيير العبد، فليس عليك بالتمسك به ناقصا، وله أن يقول: النصف من النصف الذي غرمتها قيمته لكما، والنصف هبة من المشتري الأول أعامله فيه بما يجب له وعليه.
قال سحنون في كتاب ابنه: ومن أقام شاهدين في عبد في يدي رجل أنه القائم فيه، فقضي له به على ما كان في يديه، وهو منكر، فقبضه ثم رجعا فوديا قيمته إلى المقضي عليه، ثم وهبه المقضي له إلى المقضي عليه، أو تصدق عليه به، أو مات فورثه عنه، فأما في الميراث: فإن ورثه بحاله أو أحسن حالا، فليرد عليى الشاهدين ما أخذ منهما، وإن كان الآن قد نقص في يديه فهو مخير، إما رده على الشاهدين وتمسك بما أخذ منهما، / وإما حبسه ولا شيء له عليهما، وأما الهبة والصدقة فقد رضيه إذا قبضه منه ناقصا، وعليه رد قيمته على الشاهدين، إلا أن يحلف: ما قبضه رضا به ولكن ليرد عليهما، ولو رجع إلى الشاهدين بهبة أو بصدقة أو ميراث وهو بحاله، فلهما رده على المشهود عليه، فيرد عليهما القيمة إلا أن يكون ناقصا فالمشهود عليه مخير: إما قبله ورد القيمة، وإما رده وتمسك بالقيمة.
ومن كتاب محمد بن عبد الحكم: قال: ولو اشتراه من المقضي له بأقل من الثمن الذي شهد أنه باعه به أو بمثله أو بأكثر، ولم يرجع الشاهدان، فإن كان اشتراه وهو بحاله في يديه، فلا ينظر إلى قيمته، فإن اشتراه بمائتي دينار فأكثر فلا شيء عليه ولا للشاهدين شيء، لأنه غرم المائتين التي أخذ منهما ومن المشتري، ولو مات المشتري والمشهود رجع بالفضل على المائتين إلى من دفعه إليه، ورجع الشاهدان على البائع بالمائة التي وديا إليه، وإن كان اشتراه بمائة وخمسين ولم يتغير في بدنه، ولم يرجع الشاهدان، فليرد على الشاهدين خمسة وعشرين دينارا، لأنه [8/ 462]

(8/462)


أخرج في نصفها خمسة وسبعين دينارا يقاصصهما بها، لأن عبده رجع بحاله إليه، ولا يغرمان له إلا ما غرما في النصف، ولو اشتراه من المشتري الأول وهو على حاله بأقل من مائة دينار، فإن يقال له: رد على الشاهدين المائة/ وعلى البائع تمام المائة، لأنك تقر أنه لم يكن مشتريا وأنه ظلمك، وقد كان له رده عليك، وترد أنت عليه وعلى الشاهدين ما أخذت منهما.
وإن اشتراه منه وقد نقص في يديه ما ينقصه نصف ثمنه وهو مائة دينار، فإن أردت أن ترد على الشاهدين نصفا فلك ما أخذت منهما، وتقاصصهما بخمسين دينارا، فذلك لك، إلا ترى لو أن رجلين غصبالك عبدا فدخله عيب نقصه نصف ثمنه، ثم رداه إليك لم يلزمه أخذه، فإذا رد على الشاهدين النصف فله المائة التي أخذ منها، إلا أنه بعد تقاصصهما بنصف ما غرم، وإن قال: أنا أتماسك بحصة الشاهدين بقيمة من المائة، فليس لك له، إما أخذه ورد جميع المائة عليهما وقاصصهما بخمسين، وإما رد نصفه وتكون المائة التي أخذها منهما له، وقاصصهما، وكأن الشاهدين اغتصباه، فإذا رجع إليه ناقصا النصف: فقد رجع إليه من حصة كل واحد نصف ما غصبه إلا أنه ناقص، ولم يرجع إليه إلا بثمن، فلما اشترى النصف ناقصا بجميع الثمن ورد على الشاهدين ما أخذ منهما، وليس لك أن تأخذ بعض ما غصباك ونقص الثمن، وإن شئت فاردد النصف عليهما وتبقى لك المائة التى أخذت منهما، إلا أنك تقاصصهما منهما بما أديت في ثمن نصف ما صار إليك.
قال محمد ولو اشترى نصفا فكذلك يقال/ له: إن شئت فاحبس ما اشتريت ورد على الشاهدين المائة، لأن في يديك ربع العبد من حصة الشاهدين، وإن شئت فرد عليهما الربع من العبد والمائة لك، ولكن تقاصصهما بما أخرجت في الثمن الربع، قال: ولو اشتراه بعرض قوم العرض فجعلت قيمته كثمن اشتراه به [8/ 463]

(8/463)


على ما فسرت لك، قال: ولو ورثه من المشهود له بالشراء، فإن لم يتغير في بدنه فهو له، ويأخذ منه الشاهدان المائة التي أخذ منهما، فإن كان نقص في بدنه: فإن شاء تمسك به ورد على الشاهدين المائة، وإن شاء رد عليهما نصفه ناقصا، وتبقى له المائة التي أخذ منهما، وإن ورث نصفه: فإن شاء تماسك بالنصف ورد على الشاهدين المائة، وإن شاء أعطاهما نصف ما ورث منه، وهو ربع العبد، وتبقي المائة له، لأنه الذي صار إليه من حصة الشاهدين.
ولو كان له على الذي قضي له به مائة دينار، واشترى منه العبد بمائة دينار، فقاصصه بهما من دينه، ولا مال للميت غير العبد، كان كما فسرت لك، أن لو ورثه يرجع عليه الشاهدان بمائة، لأنه مقر أنه رجع إليه على حاله وهو له، فإن لم يكن له فيه حق بوراثته، ولو كان على الميت دين آخر فبيع العبد في الدينين، فأخذ من الدين مائة دينار فعليه أن يرد على الشاهدين خمسين دينارا نصف ما قبض وهو ربع الجميع، لأنه ما صار إليه من النصف/ نصفه للشاهدين بما غرما، ولو أخدمه إياه سنين، فقبله المستحق منه، كان نصف الخدمة للشاهدين، لأنه قد أخذ قيمة النصف ولو قبله المستحق منه وقيمته كقيمته أولا فأكثر، فإن علم به فأخذت منه قيمته أقرت الأمور كما كانت، ولم يتغير لذلك حكم تقدم، وإن لم يعلم به فعليه أن يرد إلى الشاهدين المائة التي قضي له بها، فالشاهدة لا تحل له غير ذلك، لأنه قد أخذ عبده تاما فعليه أن يرد إلى كل من أخذ منه شيئا من أخذ، فإن كانت قيمته أقل منهما يوم قضي عليه ولم يتغير في بدنه، فذلك كذلك، لأنهما لو رداه إليه في تلك الحال لزمه أخذه، فإن كان قد تغير في بدنه حتى نقصت قيمته النصف فقبله على ذلك فعليه أن يرد نصف قيمته يوم قبله إلى الشاهدين، ونصف قيمته إلى المشتري، لأنه إذا تغير في بدنه فليس عليه أخذهن ولا يكون قبله قبضا له ولا رضا بنقصه، وإنما يكون قبله قبضا له إذا كان في حال رد عليه لزمه أخذه، ورد عليه ما أخذ منهما.
ولو أقر البائع والشاهدان بما قال المشهود عليه من أنهم شهدوا بزور والعبد بحاله في يديه، وقد نقص سوقه، فلهم رده عليه وأخذ المائتين منه، ولو تغير بنقص [8/ 464]

(8/464)


في يديه فالمشهود عليه بالخيار إن شاء أخذ ورد المائتين، وإلا أخذه شركة وتمسك بما أخذ، ويرجع الشاهدان على/ المشهود له بنصف العبد [فياخذاه منه كأنما غصباه نصفه فدفعاه إليه، وإن أراد أن يتمسك بنصف العبد] ناقصا، وله ما أخذ من الشاهدين من المائة فيرد عليهما النصف فذلك له، إن أراد أن يرد على الذي أقام البينة النصف، وله ما أخذ من المائة فذلك له، ولا يرد على الشاهدين شيئا فتمسك بحصتهما وهو النصف، لأن من غصب رجلين عبدا فإنما غصب كل واحد نصفه، فله أن يتمسك بنصف ما شاء منها، ويرد النصف الآخر على الآخر، ويتمسك بما أخذ منه من القيمة.
وهذا باب يختلف فيه اصحابنا، فمنهم من يقول على هذا القياس، ومنهم من يقول: إن القياس على قوله: إما ردوه جميعا، وإما غرموا القيمة جميعا، وكذلك قالوا في العبد يشتريه رجلان ثم يظهر به عيب، فاختلفوا فيه كما وصفت لك، ولو كانت أمة لم أحب للسيد أن يتزوجها وهو ممن يحل له نكاح الإماء، ولا يزوجها لأبنه؛ لأنه يرق ولدا إن كان منهما وهم أحرار، لأنه ابنه، وإنما ظلم وغصب، وولد ولده يعتقون عليه.
قال محمد بن عبد الله: ولو أسر العدو هذا العبد وقد رجع الشاهدان بالزور، وأقر بذلك المشتري، فغنم فوقع في المقاسم للمقضي عليه أنه باعه فأسلمه المقضي له به، قال: فالعبد للذي صار له في سهمه مع المائتي دينار التي أخذ، إلا أن يشاء المشهود له بالشراء أن يفتكه بقيمته، [يريد: التي وقع به في المقاسم] ويدفعه إليه، ويرجعون عليه بالمائتي دينار التي أخذ، فذلك لهم إن لن يتغير العبد في يديه، ولو وقع في سهم غيره ولم / يقبضه المقضي له بشرائه، فإن المشهود عليه مخير إن شاء افتكه بقيمته، فذلك له، ويرد على الشاهدين فضل ما أفتكه به وبين المائتين، وإن افتكه بأكثر من مائتي دينار لم يرجع على أحد بشيء، [8/ 465]

(8/465)


وكان العبد له، لأنه إنما افتكه من المال الذي أخذ، وليس على من أخذ منه شيء غير ما أخذ منهما.
ولو وقع في سهم أجنبي ولم يفتكه المقضي عليه بالبيع ولا المشتري، ثم وهب للمقضي عليه بالبيع [ولا المشتري حتى وهب للمقضى عليه بالبيع] أو ورثه، أو صار إليه بأي وجه صار إليه، فالعبد له والمال له، لأنه هذا ملك آخر صار به العبد إليه بأمر جائز، لأنه لو كان له ثم صار في سهم أحد، لم يأخذه إلا بثمنه، فهذا الباب غير الباب الأول.
ولو وقع في سهمان أجنبي ثم أقر الشاهدان والمدعي للعبد بما قال المشهود عليه من أنه زور عليه، فإن كان العبد لم يتغير في بدنه فافتكوه ودفعوه إليه لزمه ذلك، وعليه رد المائتي دينار إلى من أخدها منه، وإن لم يفتكوه قيل له: أنت مخير إن شئت أن تفتكه بما وقع به في المقاسم ويرجع عليه الشاهدان والمدعي بالفضل عن ما يفتكه به إلى تمام المائتين: إن افتككته بمائة رجعوا عليك بمائة، ليس له إن افتكه من ذلك بد.
قال: ولو أقر الشاهدان ومدعي شراء العبد أنهم زوروا وقد تغير العبد في بدنه، فاختصم فيه الشاهدان والمدعي للشراء، وهو في يد المقضي له، رأيت العبد بينهما نصفين، ولا شيء على الذي كان عنده من نقصه، لأن الشاهدين رضيا / بمصيره إليه، قال: ولو مات المشتري بعد أن مات العبد عنده، فورث منه المشهود عليه بالبيع مائتي دينار أو أكثر، فله ذلك، وله ما أخذ من قيمة عبده، وذلك أن الذي ادعاه لم يقبضه من الشاهدين بما دفعاه إليه فلم يكن غاصبا منها ولا ضامنا لهما.
ولو قال الشاهدان بعد أن رجعا عن الشهادة والعبد حي: ادفع إلينا نصف العبد، فقال: ما شهدتما إلا بحق، ثم مات عبده، ثم مات مدعي الشراء، [8/ 466]

(8/466)


فورث منه المدعى عليه المال، رجع عليه الشاهدان في ذلك المال بقيمة نصف العبد يوم طلب له من الميت، وهو بابتياعه غاصب لنصف منهما، لأنه قد علم أنه ليس له أخذ نصفها وقد غرما قيمته، وهو كالمودع يجحد الوديعة، فهو كالغاصب من يومئذ، وعلى الوارث رد على ما علم أن وارثه غصبه، قال: ولو غصبه المقضي عليه بالبيع وقيمته مثل قيمته أولا فأكثر، فعليه رد المائتين، إلى المقضي له مائة، وإلى الشاهدين مائة، ولو نقصت قيمته لنقص بدنه فذلك رضا منه يأخذه ناقصا، وليرد ما أخذ منهم.
وليس الغصب في هذا كالقتل، لأنه قد يجوز له إذا غصبه إن خفي له ذلك، ولا يجوز له قتله وإن خفي له، فإذا تغير في القتل فله ما أخذ وعليه القيمة، وفي الغصب هو رضا منه بأخذه ناقصا، وقد سوى بعض أصحابنا بين القتل والغصب، قال: ولو أبق من المقضي له به فباعه للإمام على أنه أبق وقد كان/ الشهود والمشهود له أقروا أن البينة شهدت بزور، ثم قام الشاهدان والمشهود له والمشهود عليه، فإنه يقال للمقضي عليه: إن شئت فخذ الثمن من الإمام ورد على القوم ما أخذ الشاهدان والمقضي له، وإلا فسلم الثمن [إليهم ولك الثمن] الذي أخذت أولا، وكذلك لو قتل العبد فأخذت له قيمة.
قال: ولو زوج العبد المقضي له به، ثم أقر هو وشاهداه بالتزوير، فنكاح العبد جائز لا يصدق عليه البينة ولا المشهود له، ويقال للمقضي عليه، هذا عيب حدث بالعبد، فإن شئت فأسلمه إليهما وخذ الثمن الآول، وإلا فخذه معيبا ورد على الشاهدين والمشهود له ما أخذت منهم، والنكاح باق ثابت.
قال: ولو كاتبه أو دبره، ثم أقر أن شاهديه زورا، فالتدبير والكتابة نافذان لا يفسخا، وللمقضي عليه ما أخذ من القيمة إن أحب ذلك، ثم إن رق المكاتب والمدير بعد أن رضي بالتمسك بالقيمة فهو حكم نفذ لا يرد، وإن قال إذا قام وهو مكاتب أو مدبر: أنا أنتظر رقه، فليس ذلك له أن ينتظر بالحكم، والمال الأول في [8/ 467]

(8/467)


يديه ينتفع به إلى ذلك الوقت، ولكن يجوز الساعة، ولو رق في الكتابة ثم أقر المشهود له أو ورثته ولم يتغير العبد في بدنه، فلربه الأول أخذه وأخذ ما أدى في الكتابة لأنه غلة، ولا غلة للغاصب، وإن نقص في بدنه فربه مخير أن يأخذه ناقصا وما أدى معه، وإن شاء أسلمه وما أدى، وكذلك لو دبره ثم مات فسرق بالدين فأقر الوارث أن أباه / أقر بتزوير البينة، فلربه الأول أخذه إن لم يتغير، وإن نقص فربه بالخيار إن شاء أخذه ناقصا ورد ما أخذ وإلا أسلمه وتمسك بما أخذ.
ولو قال المشهود عليه والعبد في الكتابه لم يعجز: أنا آخذه مكاتبا، فيرق لي بالعجز أو يعتق فأخذ ما ودى، والولاء لعاقد الكتابة، وأنا أرد المائتي دينار فذلك له، لأنه إنما أخذ بعض ما غصب منه، وليس ببيع كتابة، وقد غمزه بعض أصحابنا قال: ولو قال وهو مدبره: أنا آخذ مديرا فأختدمه، فإن رق بالدين كان لي، وإن عتق كنت قد اختدمته، وأنا أرد المائتين، فذلك له، لأنه إنما أخذ بعض ما غصب منه.
وليس لقائل أن يقول: إن هذا في المكاتب والمدير كبيع ذلك في المائتين، لأنه لو أقر رجلان أنهما كانا تبادلا دينارا بدينارين من غير صنفه، أو باعه دينارا بدراهم إلى أجل، وتقابضا، فآمر أن يرد كل واحد ما أخذ على الآخر، ولم يكن ذلك منهما بيع حادث. وقال أشهب في الغاصب للعبد يبيعه فدبره المشتري أو كاتبه، ثم أقر المتبايعان بالغصب: إنه يرجع المغصوب منه على الغاصب بالأكثر من قيمته يوم الغصب، أو الثمن ولم يكشف عن ما سوى هذا.
قال محمد: ولو أن المقضي له بالشراء رهنه من رجل ثم أقر هو والبينة بالزور، والمرتهن منكر، فالمشهود له مخير إن شاء افتكه ثم رده إن لم يتغير، وإن امتنع فرب العبد الأول مخير إن شاء افتكه/ وأخذه ورد فضل المائتين على البينة والمدعي، نصف له نصف لهما، فإن افتكه برهنه وهو مائتا دينار فأكثر، لم يرجع على الشاهدين ولا المشهود له بشيء [8/ 468]

(8/468)


ولو رهنه بعرض فأبى أن يفتكه المشهود له فلربه الأول أن يفتكه بالعرض، ثم يأخذ من المائتين التي عنده قيمة العرض ويرد ما فضلن فإن أبى فليس له إلا هذا، وإن كان ما افتكه به من ماله مثل الطعام أو نحوه اشترى مثله من المائتين، ورد الفضل على الشاهدين والمدعي، فإن اغترق ذلك المائتينأو زاد فلا شيء على الشاهدين ولا على المشهود له.

في الرجوع عن الشهادة في الصرف
ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه، ومن كتاب ابن عبد الحكم: ومن ادعى أنه باع مائة دينار بألفي درهم من رجل، والرجل ينكر ولم يفترقا، فقامت عليه البينة فقضى عليه القاضي بدفع الدراهم وأخذ الدنانير فتقابضا، ثم رجعت البينة، فأنه يرجع مؤدي الدراهم على الشاهدين بألفي درهم، ويدفع إليهما المائة الدينار التي أخذ، ولا ينظر إلى صرف يومئذ كان مثل صرف المائة أو أقل أو أكثر.
وقال ابن الماجشون في كتابه: إن كانت الدراهم مثل صرف الدنانير فلا ضمان على البينة، ثم رجع فقال: يرجع مؤدي الدراهم على الشاهدين يمثل دراهمه، ويدفع إليهما ما أخذ من الذهب إلا أن يكون تجاوز في نقد، أو أخذ زائفا؛ / ذلك لأنه ترك الاستيفاء وهو له، قال في كتاب ابن سحنون: وقاله ابن الماجشون في كتابه: وكذلك لو كان الجاحد صاحب الدنانير، لغرما له دنانيره، وأخذا منه الدراهم أو مثلهما، قالا: ولو تأخر منعها بشهادة من شهد في ذلك، أو أقرا به جميعا كان مفسوخا، ولو حكم بذلك حاكم لفسخ حكمه، فإذا سقط الحكم لم يضمنا شيئا، لأن الشاهدين إنما يكونان متلفين ما تمضي به الأحكام، ثم يرجع عنه، قال سحنون: وقد قال بعض أصحابنا: إن ذلك كمثل من شهد عليه في بيع واخرجا ملكه من يديه بغير طوعه بدون قيمته، أنه يرجع عليها بما [8/ 469]

(8/469)


أتلفا من فضل القيمة، ولو أخر فضل القيمة في السلعة أو فضل ما بين الذهب والورق على الشاهدين بما أتلفا من شهادتهما، لم يكن بذلك بأس، ولم يكن صرف، ولكنه غصب أتلفا به فضل ماله.
في الرجوع عن شهادة بالتأخير في الدين
أو هبته أو الوكالة على قبضه أو أنه وضع
بعضه على العجلة أو وضع الحمالة به
من كتاب ابن المواز: ومن حل حقه على غريمه فشهد عليه شاهدان أنه أخره به حولا، ثم رجعا بعد الحكم عن شهادتهما، وأقرا بتعمد الزور فليغرما الحق لصاحبه حالا، لأن التأخير نقصان جنياه عليه. قال ابن المواز: إلا أن يكون الغريم معدما ظاهر العدم لو قام عليه لم يأخذ منه شيئا، فلا يكون/ عليهما شيء حتى يكون عند الغريم ما يقدر أن يؤخذ منه، فحينئذ يغرم الشاهدان ذلك ثم يرجعان بما غرم على غريم صاحب الحق إذا حل الأجل.
وقال محمد بن عبد الحكم: إن كان المطلوب مليا فللطالب الرجوع على الشاهدين قبل الأجل بالمال، ورجع الشاهدان بذلك على الذي عليه الحق إذا حل الأجل، وإن رجعا بعد الأجل وهو ملي ففيها قولان: أحدهما: لا شيء على الشاهدين، وليطلب غريمه، وقول آخر: أن له أن يرجع على الشاهدين؛ لأنه قد كان ذلك له في أول شهادتهما لما قضي عليه بالتعجيل، وهما أخراه وهو ملي، وهذا أحب إلي.
وإن كان المطلوب معسرا أو مفلسا فلا شيء عليهما لأنهما أنظرا من له الإنظار بالحكم، فإن كان معسرا ثم أيسر قبل الأجل فإنه يحكم بذلك على الشاهدين، لأنه وقت يجب للطالب أخذه به، فوخر بشهادتهما، وإن أيسر [8/ 470]

(8/470)


بنصف المال رجع بذلك على الشاهدين وإن لم يحل الأجل، وإن غاب المطلوب وهو معسر وقد حل الأجل، أو معدم لم يعلم ما حاله فلا شيء على الشاهدين حتى يصح له يسار بذلك؛ لأنه على العدم حتى ينتقل عنه بأمر ثابت.
ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: وإذا شهدا في دين حال أن ربه أخر به المطلوب سنة، والدين معروف بغيرهما، وهو من فرض عين، أو مما يكال أو يوزن [أو كان من بيع سلم مما يكال أو يوزن من طعام] أو عروض لا تكال ولا توزن؛ فقضي بالتأخير، ثم رجعا بأثر الحكم أو بعد محل الأجل، فعليه غرم الحق/ للطالب حالا، لأنهما أخرجا من يديه تعجيله، وذلك نقص من حقه، ويطلبان الغريم كان مليا أو معدما، ولا يرجعان على المشهود عليه بما دفعا إليه، ويصير الدين لهما، وقال بعض أصحابنا: إن كان رجوعها بعد الأجل فقد أتلفا ربح ما أخرجا عنه من ماله، وإن الأمر في انتفاعه به لو قبضه، وإنما يغرم الشهود ما أتلفا من ماله، وهو الانتفاع بربحه وماله، وقد أعلمتك باختلافهم فيما أتلفا من العروض التي هي دي لا تكال ولا توزن.
وإذا شهدا عليه بدين حال، وقال المطلوب: هو إلى أجل، فقضي عليه بتعجيله وهو من قرض أو بيع وهو من عين أو عرض، ثم رجعا بعد القضاء ودفع المال، وإنما رجعا بعد محل الأجل الذي ادعى المطلوب، فعليهما ربح ما أخرجا من يديه ومنعاه الإنتفاع به إن كان فيما بين إخراجه من يده إلى محل الأجل ما يكون لمثله ربح، وإن لم يكن لمثل ذلك ربح لقربه فلا شيء عليهما، وقال ابن الماجشون في كتابه: إذا رجعا بعد حلول الأجل فلا ضمان عليهما فيه، وإن رجعا قبل الأجل فعليهما ربح ما أخرجا من يديه، وأما إن شهدا لرجل أن له على رجال مالا إلى سنة، وقال الطالب: حقي حال فحكم بشهادتهما، ثم رجعا بعد الأجل، وأقرا بتعمد الزور بما شهدا به من الأجل، فعليهما للطالب ربح ما أخرا عنه من ماله، وأزالا من انتفاعه به. [8/ 471]

(8/471)


ومن كتاب ابن المواز: ومن لم يحل حقه فشهد عليه شاهدان أنه وضع عن غريمه بعض حقه، / والذي له الحق منكر للوضعيه وللقبض، فقضي عليه يرد ما شهدا أنه تعجله ثم رجعا عن شهادتهما، فعليهما غرم ما غرمه صاحب الحق لغريمه، فإذا حل الأجل استوفى صاحب الحق جميع حقه من غريمه، ولا شيء على الشاهدين في ذلك، ولو أن صاحب الحق مقر بالقبض منكر للوضعية، فحكم عليه برد ما قبض، ثم رجعا، قال: فليغرما لصاحب الحق ما كلفاه رده على غريمه، ثم يرجعان بذلك على الغريم مع صاحب الحق عند الأجل، فيكون ما يؤخذ منه بين الشاهدين ورب الحق بالحصص.
ومن كتاب ابن عبد الحكم: وإن شهدا أن فلانا الغائب وكل هذا يقبض دينه من فلان، وفلان مقر بالدين، فقضي عليه بدفعه إلى الوكيل، فضاع منه أو استهلكه، ثم قدم رب الدين فأنكر الوكالة، ورجع الشاهدان عن شهادتهما، فإنهما يضمنان له ما قبض الوكيل، فإن كان الوكيل أكل ذلك أو استهلكه بما لا يجب له، رجعا عليه بما غرما، وإن كان ضاع منه بما لا يلزمه ضمانه فلا شيء على الوكيل، وإن أقر الوكيل أنهما شهدا له بباطل، ضمنا المال وإن ضاع منه، ولا يخرجه من الضمان حكم الحاكم له بالوكالة، ولو شهدا أن رب الدين وهبه لمن هو عليه فحكم له بذلك، ثم رجعا، فإنهما يضمناه للطالب إن كان الذي عليه الحق مليا.
وكذلك لو شهدا أنه أبرأه منه، أو تصدق به عليه، أو قضاه إياه، فإن كان / المطلوب عديما قامت له البينة بذلك عند الحاكم، أو مفلسا فإنه متى ما أيسر رجع الطالب بذلك الحق على الشاهدين؛ لأنهما لم يتلفا عليه إلا إذا كان المطلوب معسرا، وإذا طرأ للميت يوما مال، يريد: فيه وفاء بالحق، كان للذي عليه الحق أن يرجع بحقه على الشاهدين.
ومن كتاب ابن سحنون: قال إذا شهدا أنه وضع الحق عن غريمه، أو حلله منه، أو وهبه له، أو أبرأه منه، أو تصدق به عليه، أو أوفاه إياه، والحق حال، [8/ 472]

(8/472)


ثم رجعا عن الشهادة بعد الحكم، فعليهما غرم ما أقر أنهما أتلفاه، فعليهما في العتق مثله، وكذلك في كل ما يكال أو يوزن من طعام أو عروض، وأما العروض التي فيها القيمة والحيوان فقد اختلف فيه أصحابنا، فقيل: فيه القيمة، وقاله ابن الماجشون في كتابه، قال سحنون: وقيل: بل عليهما مثل العروض، لأنهما حين أتلفا ذلك دخل مدخل من كان ذلك عليه، وكان ذلك عليهما.

في الرجوع عن الشهادة في الهبات والوصايا
ومن كتاب ابن سحنون: وإذا شهد الشاهدان على الميت أنه وهب لرجل دارا، أو عروضان أو حيوانا، أو شيئا يكال أو يوزن من طعام أو عرض، أو تصدق به عليه، أو نحله إياه، أو شيئا من العين، والمشهود عليه منكر، فحكم عليه، وقبض ذلك المدعي، ثم رجعا فعليهما ضمان ما أخرجا من يديه وأتلفاه مع الأب، ويضمنان القيمة فيما / لا يكال ولا يوزن، قيمته يوم قبض ذلك منه على هيئته من سلامة أو نقص في الموضع الذي قبض فيه، والقول قولهما في القيمة مع إيمانهما إن عميت القيمة، إلا أن تقوم بينة بغير ذلك، وعليهما المثل فيما يكال ويوزن في موضع قبض ذلك منه إلا في العين، فإنه يأخذه به في كل موضع، وإن شهدا في الهبة للثواب وهو مما فيه ثواب، فأثيب به أقل أو أكثر من قيمته ما شهدا به عليه، فلا ضمان عليهما، لأن الموهوب له لزمه للواهب القيمة بالقضاء، فيرد الهبة إلا أن تفوت، ففيها القيمة، فإما زاده متطوعا وأعطاه أقل فرضي بذلك الآخر وذلك لا يلزمهما.
ومن ادعى أن هذا الميت أوصى له بالثلث، وأقام بذلك شاهدين، فقضي له بذلك وقبضه، ثم رجعا فإنهما يضمنان ذلك الثلث للورثة، وإن رجع أحدهما ضمن نصفه، ولو كانت الشهادة أنه أوصى له بجارية تحمل ثلثه، فقضي له بها، وقبضها ووطئها وأولدها، ثم رجعا، فعليهما قيمتها يوم الحكم له بها، ولا شيء عليهما في الولد. [8/ 473]

(8/473)


ومن كتاب محمد بن عبد الحكم: قال: وإن شهدا أن فلانا الميت أسند وصيته إلى فلان فحكم له بذلك، فتعدي الوصي على شيء من التركة فأتلفه، ثم رجعا، فليغرما ما أتلف الوصي، لأن ذلك بشهادتهما.
في الرجوع عن الشهادة على الشهادة،
أو يقدم المنقول عنهم فينكرون الشهادة
/ من كتاب ابن سحنون: وإذا شهد شاهدان على شهادة ثمانية غيب، وشاهدان على شهادة شاهدين غائبين، والغيب بموضع بعيد، يجب النقل عن مثلهم لما في انتظارهم من الضرر على الطالب، فقضي بهذا النقل، ثم قدم المنقول عنهم فرجعوا عن شهادتهم وقالوا: ما أشهدنا أحدا على شهادتنا، قال: قال بعض أصحابنا: إذا قالوا: ما أشهدنا على شهادتنا أحدا، وما كان عندنا منه علم، أن الحكم ينتقض، لأنه لا يجوز نقل شهادة عن من ينكرها، وإنما ينفع هذا فيمن يقر على نفسه بشيء ثم ينكره، فهذا يلزمه، ولو رجعوا عن الشهادة فقالوا: قد أشهدناهم وقد كذبنا في شهادتنا، فإنهم يضمنون ما تلف بشهادتهم، وإنماالناقلون عنهم نقلوا قولهم، وقيل أيضا: لا يضر رجوع المنقول عنهم، لأنهم قد يكونون رجعوا قبل الحكم بشهادتهم وهم غياب، ولم يمكنهم إعلام من كان شهد على شهادتهم.
والذي يرى هذا يرى أن لو رجع الناقلون والمنقول عنهم، فإن الناقلين هم الضامنون، فيغرم الناقلون عن الثمانية أربعة أخماس الحق، ويغرم الناقلون عن الباقين عن اثنين خمس الحق، لأنه إنما ينظر ما كان يضمنه الشهود لو رجعوا، فذلك الذي يضمنه الناقل عنهم، ولو نقل ثمانية عن رجل، وإثنان عن رجل، فقضي بذلك، ثم رجع الناقلون، فللثمانية عليهم النصف/، والإثنان النصف، لأن الثمانية إنما نقلوا قول واحد، ولو رجع من الثمانية ستة ما كان عليهم، لأنه قد بقي من يحيى به النقل، ولو رجع سبعة من الثمانية وواحد من الإثنين، وغرم السبعة ربع [8/ 474]

(8/474)


الحق، ولو رجع جميع الناقلين، وثبت المنقول عنهم، فإن كانوا عدولا ممن يقبل يوم رجع الناقلون، فالحكم ماض ولا غرم على الراجعين، ويصير كرجلين شهدا على حق فقضي به ثم رجعا، فلما رجعا أتى غيرهما عدلان فشهدا بذلك الحق، فذلك يرفع الغرم عن الراجعين، ويوجب على الجاحد الحق وكأنه أقر بما شهدوا به عليه.
قال: وإن كان المنقول عنهما اللذان ثبتا على الشهادة بعد رجوع الناقلين، هما يومئذ ممن لا يقبل، فعلى الراجعين ضمان ما أتلفا، وإذا نقلا الشهادة عن غائبين، أو شهدا على خطهما بشهادة، ولم يشهدا هما فقضي القاضي بذلك، ثم رجع الناقلون للفظ، أو على الخط، فإنهما يضمنان، ولا ينفعهما أن يقولا للحكم: توقف عنا، فلعل من نقلنا عنه لو شهدنا على خطه يعدم فيحق من شهادته ما يزيل الضمان عنا، أو يأتي غيرهما فيشهد به فلا يؤخرا بالغرم لهذا.
ولو قدم المشهود على كتابهما فقالا: ما كتبنا ذلك، ما ضر ذلك الحكم ولا نقضه، وهو كمن شهد على شهادتهما ببينة، ثم قدم المنقول عنهم فقالا: شهد علينا بزور، فذلك كله لا يضر شيئا. قال / أبو محمد: انظر ما معنى هذا، وقد قال في أول الكتاب إن الحكم ينتقض في تكذيب المنقول عنهم للناقلين، ولو قالا: شهدنا وكتبنا وكان ما كتبنا زورا، ولم نشهد عليه أحدا، وقد كنا رجعنا عنه، ولا وقع في قلوبنا أن أحدا يعرف كتابنا، ولا شهدا علينا، فلا شيء عليهما من الغرم.
قال أبو محمد: انظر أراه إنما هذا في نقل خط الشاهد، لأن فيه اختلافا هل يقصى به؟ وأكثر أقاوين أصحابنا: أنه لا يقضى به حتى يقولوا لهم: انقلوا عنا، فإنه إذا قال: نسينا كتابنا، لم يضرا الحكم، والصواب أن ذلك كله سواء، وينتقض الحكم، أنكر الشهادة أو الكتاب، وفي أول الباب: أن الحكم ينقض في إنكارهم للشهادة. [8/ 475]

(8/475)


ومن كتاب ابن عبد الحكم: وإذا شهد شاهدان على شهادة شاهدين بحق لرجل، فحكم به الحاكم، ثم أتى الشاهدان الأولان إلى الحاكم فقالا: قد كنا أشهدنا هما على شهادتنا، وقد رجعنا عن الشهادة، فعليهما غرم الحق للمقضي عليه ليس كما قال أصحاب أبى حنيفة: إنهما لا يغرمان بالرجوع شيئا، قال محمد: ألا ترى أنهما اللذان حكم القاضي بشهادتهما، وأنهما المزوران لا الناقلون عنهما. قال محمد: ولو لم يرجعا ولكن قالا: لم يشهدوا ولا أشهدناهما على شهادتنا، فإنهما يغرمان أيضا، وهو رجوع منهما، وإن قالا: ما أشهدناهما وقال الناقلون/: صدقا، ما أشهدانا، فالمقضي عليه مخير إن شاء اتبع المنقول عنهما، وإن شاء اتبع الناقلين، فإن أغرم الناقلين لم يرجعا بذلك على أحد، وإن رجع على المنقول عنهما رجع بذلك على الناقلين عنهما.
قال ابن الماجشون في كتابه إذا رجع المنقول عنهما ولم يرجع الناقلان فلا ضمان على المنقول عنهما، فأما إن رجع الناقلان وثبت المنقول عنهما، فإن كان المنقول عنهما عدلين يوم رجع الناقلان، فإن ذلك ماض لايرد، لأنهما كما لو رجعا عن شهادتهما في حق شهدا فيه على علمهما، ثم رجع فقام شاهدان فشهدا بمثل ما شهدا به، فحكم بشهادتهما، فذلك يرفع الغرم عن الراجعين أولا، فإن كانا غير عدلين عند رجوع الناقلين، ضمن الناقلان الحق.

في الرجوع عن الشهادة في الرهان
ومن كتاب ابن سحنون: ومن عليه لرجل دين مائة دينار من قرض أو بيع، فأقام الطالب شاهدين أنه رهنه عبده هذا، أو عروضا، فغاب عليها فقضي بذلك، وحاز ذلك المرتهن، ثم رجعا وأقر بالزور، فعليهما غرم قيمة العبد، أو العرض الذي أخرجاه من يد ربه، ومنعاه من مرافقة فيه، فكأنهما رهناه عنه، فإن مات العبد فهو منهما، وإن بيع في الدين فكان كفاف الدين أو أقل أو أكثر، [8/ 476]

(8/476)


رجعا عليه بما أديا عنه، وكان لهما فضل الثمن إن كان فيه فضل، إلا أن يكون للغريم مال يؤدي عن نفسه، ويرجع العبد إليهما/ بحاله التي يرجع بها سالما ومعطوبا، وإن تلف المتاع عنده ببينة بلا تفريط، فهو كموت العبد، وكذلك أن أبيع في الدين فهو كما قلنا في الغلام، وإن ودى الغريم رجع المتاع إليهما سالما أو ناقصا، وإن تلف المتاع ولم تقم بذلك بينة، فالمرتهن ضامن، فإن كان ذاك كفاف الدين سقط الدين عن المرتهن، ورجعا على الغريم بما أديا عنه إن كان الدين حالا، فإن كان إلى أجل فإلى أجله، وإن كان في قيمة المتاع فضل سقط حق الغريم، وأتبعا الغريم بما أديا عنه على ما ذكرنا، وأتبعا الغريم بفضل الرهن، فإن شاء المشهود عليه أن يبقى رهنه بيد مرتهنه، فإن كان موت في الحيوان فمنه، وكذلك المتاع تقوم على تلفه بينة، ولا شيء له على الراجعين، والدين عليه بحاله، وإن كان تلف المتاع بلا بينة، وقيمته أكثر من الدين، سقط دين صاحب الدين به قصاصا، وكان مخيرا في فضل القيمة، فإن رجع بها على المرتهن أخذها وبرئ الراجعان، وإن شاء رجع بها على الراجعين ورجعا هما بها على المرتهن.
قال سحنون: وإذا كان المطلوب مقرا بالدين عليه مائة دينار، وبيد الطالب ثوب قيمته مثل الدين، فقال هو لي رهنتكه في دينك، والطالب منكر، وأقام المطلوب بينة بذلك فقضي بذلك، ثم ادعى الطالب تلف الثوب فضمنه وسقط حقه به، ثم رجع الشاهدان وأقرا بالزور، فعليهما ضمان مائة دينار، ولو قال الطالب: الثوب في / يدي وديعة للذي عليه الدين، وقد قضي عليه أنه رهن، وسقط الحق بتلفه، ثم رجعا، فليضمنا ما أتلفا بشهادتهما إذا أسقطا ما لم يكن سقط من الدين، وكأنهما شهدا أنه قبض الدين. [8/ 477]

(8/477)


في الرجوع عن الشهادة في القراض
والمساقاة والشركة، وفي الشهادة التي
إنما توجب رفع اليمين يرجعان عنها
من كتاب ابن سحنون: وإن شهد شاهدان على رجل أنه أخذ من رجل مالا قراضا على النصف، وجحد العامل أو قال: بل على الثلث لرب المال بعد ما نض المال وربحه، فاقتسما على النصف، أو نض رأس المال وبقي الربح دينار أو لم ينض منه شيء، فهو دين كله، وقد أذن له في البيع بالنقد والدين، ثم رجعا عن شهادتهما، فليضمنا له ما أتلفاه، وهو سدس الربح تمام ما ادعى إن كان نض كله، وإن أقتسماه فليرجع العامل عليهما بسدس الربح، وإن كان الربح دينا لم يضمنا شيئا منه، فكل ما اقتضى شيئا اقتسماه ورجع على الشاهدين بسدس ما اقتسما.
وإن شهدا أنه أخذه على أن للعامل ثلثي الربح، ولرب المال الثلث، وقال رب المال: دفعته إليه على أن لي الثلثين، فليس هذه مسلمة، لأن العامل مصدق بلا بينة، ولو شهدت فرجعت لم يضمن، لأن الحاكم لم يحكم بها، ولا أتلفت شيئا إن كان قول العامل يشبه، فإن كان لا يشبه وإنما يشبه ما قال رب/ المال، فحكم بشهادتهما واقتسما على ما حكم ثم رجعا، فقد أتلفا لرب المال الربح، فليرجع عليهما بذلك، وإن تلف رأس المال في الوجهين فمن رب المال، ولا يضمناه.
ومن كتاب ابن عبد الحكم: وإن شهدا أنه دفع المال للعامل قراضا على النصف، ورب المال يدعي أن له الثلثين وقد ربح، فأخذ النصف ورد رأس المال ونصف الربح إلى رب المال ثم رجع الشاهدان، فلا يغرمان لرب المال شيئا، لأن العامل مصدق مع يمينه، وإنما منعاه أن يستحلفه وليس يوجب ذلك عليهما شيئا، كما لو شهدا بذلك فطلب رب المال يمينه فشهد أن الحاكم استحلفه فزالت [8/ 478]

(8/478)


عنه اليمين ثم رجعا، لم يلزمهما بذلك شيء، وكذلك لو شهدا في المودع يدعي تلفها فطلب يمينه القاضي، فشهد أن حاكما غيره استحلفه فزالت اليمين، ثم رجعا، أو شهدا أن لصوصا أخذوا الوديعة فحكم بإبرائه ثم رجعا، فلا شيء عليهما، لأنه كان مقبول القول في ذلك، وإنما أسقط عنه يمينا.
ولو شهدا في القراض على أن لرب الثلثين، والعامل يدعي على النصف، والمال في يديه مائة، وربح مائة، فأقتسما على ما قضي به يقول الشاهدين وتمادى في العمل به، فربح ثم رجعا، فإنهما يغرمان للعامل ما كان من الفضل على الثلث يوم شهدا، يريد: السدس، قال: وما كان من الربح فيما عمل بعد ذلك فلا غرم عليهما فيه، لأنه كان يقدر على فسخ ذلك/ فتركه، يزيد وقد كان نض المال.
ومن كتاب ابن المواز: ومن أقام شاهدين أن صاحب هذا الحائط ساقاه إياه على النصف وهو منكر، فقضي عليه، ثم رجعا وأقرا بالزور، فلينظر إلى ما يصير للعامل من الثمرة، فإن كانت النفقة عليهما مثل قيمتها فأكثر، فلا شيء عليهما، وإن كانت النفقة أقل غراما لصاحب الأصل الفضل، ولو كان العامل هو المنكر المقضي عليه، ورب الأصل المدعي ثم رجعا بعد الحكم، قال: فعليهما أن يدخلا مدخله، ويلزمهما ما ألزماه من العمل والنفقة والعلاج.
قال محمد: وكذلك في كل كراء دابة أو أرض أو عمل يد أو غيره إذا كان صاحب الأصل هو المدعي، وأما إن كان صاحب الأرض والدابة والعامل بيده هو المنكر، فلينظر إلى قيمة العمل والكراء، فإن كانت أكثر مما شهدا به لزمهما غرم الفضل، وهذا مذكور في كتاب ابن الماجشون.
ومن كتاب ابن عبد الحكم: وإذا شهد على من في يديه مال أو متاع أن فلانا شريكه فيه شركة مفاوضة، فقضي بذلك ثم رجعا، فعليهما غرم نصف المال ونصف قيمة العروض، وكذلك في كتاب ابن سحنون عن أبيه. [8/ 479]

(8/479)


قال محمد بن عبد الحكم: وكذلك لو ضاع ذلك بيد المشهود عليه قبل أن يقبضه المشهود له، لأنه حكم نفذ للمشهود له المقضي له يورث عنه وضمانه منه، ويغرمان للمشهود عليه.
ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: وإن / شهدا على رجلين أنهما تعاقدا شركة، وأخرج كل واحد مائة دينار وأخلطاها على أن الربح بينهما على الثلث والثلثين، وعملا على ذلك وربحا، وقال المشهود عليه: تعاقدنا على الشطر لكل واحد منا، فرأى الحاكم إن قبل البينة وأعطاه الشطر من الربح، ورأى أنها عطية منه له، يريد سحنون: الزيادة على الشطر على ما ذهب إليه القاضي، قال: ثم رجعا فإنهما يضمنان ما أتلفا وهو ما بين النصف والثلث.
وإذا شهدا أنه مفاوض لرجل في شركته فحكم له بالشركة، وجعل له نصف ما في يديه، ثم أقام المشهود عليه بينة أن عبدا مما في يديه ورثه عن أبيه، وعدلت البينة، فإنه يقضى له بلك العبد.

في الرجوع عن الشهادة في الكراء
والاجارة والعارية والوديعة
من كتاب ابن سحنون: ومن ركب دابة رجل من مكة إلى مصر ذاهبا وراجعا فعطبت بالمدينة، وقال: أكتريتها منه بعشرة دنانير، وأقام بينة، وربها منكر يقول: غصبتنيها، فحكم القاضي بالبينة وأعطاه بحساب ما ركب، ثم رجعا، فعليهما غرم ما أتلفا له، وهذا فضل قيمة الكراء في الدابة على ما وصل إليه من الكراء، أو فضل ما بين قيمة الدابة يوم ركبها وبين ما وصل إلى ربها من الكراء، لأنه لولا البينة كان على رب الدابة اليمين/: ما أكراه، ثم يأخذ الأكثر من قيمتها يوم ركبت، أو كراء مثلها إلى المكان الذي ركبت إليه، وإذا اختار الكراء فلا حق له في قيمتها، وكذلك في دعواه العارية، وربها منكر وقيام البينة ورجوعها، وإن شهدا عليهما أن فلانا أودعه مالا، والمدعي عليه يجحد، فحكم القاضي عليه، وكذلك في البضاعة والعارية. [8/ 480]

(8/480)


من كتاب ابن عبد الحكم: وإذا شهد شاهدان لصباغ أن فلانا آجره على أن يصبغ له ثوب هذا معروفا بدينار وهو ينكر فقضى عليه القاضي أن يدفع ثوبه إلى الصباغ ليصبغه ثم رجعا فليغرما قيمة الثوب لربه ويطاليا الصباغ بالثوب، كما حكم فيه أن يصبغه بالدينار، ولو أخذ الصباغ الدينار من رب الثوب رجع به رب الثوب على الشاهدين، وإن رضي رب الثوب بالصبغ حتى يخرج الثوب بذلك له، فإذا أخرج فلربه – إن شاء – أخذ ثوبه لنفسه ورد للصباغ دينارا، وإن أبى أن يأخذه قيل له: أنت كمن عدا عليه الشاهدان فصبغا ثوبه وأخذا منه دينارا، وهو الذي أخذ منه الصباغ، فارجع به على الشاهدين، وينظر إلى الثوب فيقال له: إن شئت فخذه وادفع إليهما ما زاده الصبغ إن زاده، وإن شاء أغرمهما قيمته وكان الثوب لهما، وهذا على قول ابن القاسم في الغصب، وأما أشهب: فيرى لربه أخذه مصبوغا بلا غرم / شيء إن شاء ذلك، أو يضمنه قيمته ويرى الصبغ كالتزاويق والجير في الدار.
ومن كتاب ابن سحنون: وإذا ادعى الجمال أن فلانا اكترى منه على حمل أحمال أو حمل هدية كراء مضمونا، أو دابة بعينهما بعشرة دنانير، والمكترى ينكر، فحكم عليه بذلك، ثم رجع الشاهدان وقالا: كذبنا، فإن كان بحضرة ذلك وقبل الحمل والركوب، فلك أيها المقضي عليه أن تدخل الشاهدين فيما ألزماك فيكون عليهما وضعيته، ولهما فضله، فإن كانا عديمين فلك أن ترجع عليهما بفضل ما أخرجا من يديك إن تكن قيمة ما وصل إليك من قيمة كراء الحمولة أو الركوب خمسة دنانير، رجعت عليهما بخمسة، فإن كان قيمة ما وصل إليك عشرة فأكثر لم يرجع عليهما بشيء، وهذا إذا أدخلا له مدخلا إن أردت أن تلزمهما ما ألزماك/ وتبرأ إليهما منه، فيباع ذلك الكراء ممن يطلب فيه فضلا فلم يوجد، فأما إن ألزمتهما ذلك فأصبت من يشتري ذلك بأقل مما أوجبا عليك، فلك إتباعهما بفضل ما أخرجاه من يديك حين لم يوجد من يشتريه إلا بدون ما أدخلاك فيه، [8/ 481]

(8/481)


فإذا كان هذا فله إما أن يسلم ذلك لهما فلهما نماؤه وعليهما نقصه، أو يدعهما ويلزم ذلك نفسك، فلك نماؤه وعليك نقصانه، ولا تتبعها بشيء، ويؤدبا، وإن شئت في أول أمرك أن لا تسلم إليهما ذلك وتتشبث به وتطالبهما بفضل ما أخرجاه من يديك على / قيمة ما أدخلاك فيه من الكراء، فذلك لك إلا أن يشاء الشاهدان أن يعطياك ما أخرجا من يديك، ويأخذا ما أدخلاك فيه من الحمولة أو الركوب، لهما فضله وعليهما نقصه، فذلك لهما إلا أن تشاء أنت التمسك بما أدخلاك فيه، ولا تطلبهما بشيء، فذلك لك.
ولو كان رجوعهما بعد تمام الغاية في حمل أو ركوب رجع عليهما بفضل ما أخرجاه من يديه على قيمة ما وصل إليه من قيمة الكراء للحمولة أو للبدن؛ فإن كان ما وصل إليه من قيمة ذلك مثل ما خرج من يديه فأكثر، فلا شيء له عليهما.
ولو كان الطالب هو المكتري، والكري هو الجاحد، فلا يقضى عليه بشهادتهما ثم رجعا، فلرب الظهر عليهما ما نقصاه وأخرجا من يديه، فإن كن كرى أظهره بسوى خمسة عشر وألزماه له بعشرة، فإنه يغرمهما خمسة، قال عبد الله: يريد: وكذلك لو كان كراء مضمونا، وأرى هذا الجواب بعد تمام الركوب، فأما قبل الركوب والحمل والدابة بعينها، فله أن يضمنهما قيمتها ويسلم إليهما ما قبض من الكراء إن قبضه، فإن هلكت في نصف الطريق رجع عليهما بمايرد من الكراء في المقاصة وهو نصفه، وأما الكراء المضمون فله عليهما فضل ما بين قيمة ما ألزماه منه، وبين قيمة ذلك إن كان ما أخذا أقل من قيمة ذلك. وفي باب الرجوع عن الشهادة فى القراض شيء من هذا المعنى.
قال محمد بن عبد الحكم: / وإن شهدا على رجل أنه واجر عبده من فلان سنين معلومة بكذا وكذا دينارا كل سنه، والسيد ينكر، فقضي عليه، وقبض المستأجر العبد ليعمل له، فهلك العبد في ذلك العمل، أو بقي ثم رجعا فللسيد [8/ 482]

(8/482)


أن يغرمهما قيمته ويسلمه إليهما، لأنهما قد حالا بينه وبين إلى الأجل، وكذلك إن شهدا أنه واجره إلى مكة يرحل به، أو إلى الأندلس ثم رجعا بعد الحكم، فله أن يضمنهما قيمته، يريد: يوم أخرج من يديه بالحكم. قال: ويقاصانه بما أخذ في إجارته، ويتبع الشاهدان العبد حيث كان، فإن رجعا وأقر بذلك المستأجر أنهما شهدا له بزور، وأنه ما واجره، ودفع ذلك إلى القاضي، فليرد العبد وقيمة ما عمل له، أو ما استغل منه، ويأخذ الإجارة، أو يتقاصوا في ذلك، فإن كان الشاهدان ومدعي الاجارة بعضهم ملي وبعضهم معدم فله أخذ الملي بغلة العبد، فإن أخذها من الشاهدين فليرجعا بذلك على الذي استعمله، وإن أخذ ذلك من مستعمله لم يرجع بذلك على الشاهدين، فإن رجع المستأجر عن دعواه ولم يرجع الشاهدان فليرد العبد إلى سيده مع قيمة عمله وغلته، ويقاصه في ذلك فيما قبض ربه من الإجارة، وإنما يرده إن لم يتغير في بدنه، فإن أخذه سيده ثم رجع الشااهدان بعد ذلك لم يغرما شيئا، فإن رجعا وقد تغير العبد في بدنه فنقصت قيمته، فربه مخيرا إن شاء أخذه وغلته، وإن شاء أسلمه وأخذ منه تمام قيمته، يريد: على ما / عنده من إجارة، وإن شاء أخذه وغلته، يريد: ويرد الإجارة، فإن أسلمه ليأخذ تمام قيمته يوم حكم عليه بالإجارة، فأخذ ذلك أو لم يأخذ حتى رجع الشاهدان، فلربه طلب تمام القيمة ممن شاء، إما من الشاهدين أو من مدعي الإجارة، فإن أخذها من الشاهدين رجعا بذلك على مدعي الإجارة، وإن أخذها من مدعي الإجارة لم يرجع بذلك على الشاهدين.
ومن أقام بينة أنه واجر عبدا من فلان سنة بعشرة دنانير يدفعها إليه نقدا، والمدعى عليه الإجارة ينكر ذلك، فقام بذلك شاهدان، يقضى عليه بأن يأخذ العبد ويدفع العشرة دنانير إلى سيده ففعل، ثم رجع الشاهدان فليغرما العشرة للذي دفعها في الإجارة، ويأخذ العبد حتى ينقض الإجارة. [8/ 483]

(8/483)


في الرجوع عن الشهادة في التعديل
من كتاب ابن سحنون: قال سحنون: وإذا شهد رجلان بحق والقاضي لا يعرفهما، وزكاهما رجلان، فقبلهما القاضي، وحكم بالحكم، ثم رجع المزكيان للبينة، وقالا: زكينا غير عدلين ومن لا يزكي مثله، فلا ضمان عليهما، لأن الحق أخذ بغيرهما، ومن لو شاء لم يشهد، ولو رجع الشاهدان أو من زكاهما لم يغرم إلا الشاهدان، إذا لو شاء لم يشهدا، فبهما قام الحق، وقاله ابن الماجشون في كتابه.

في الرجوع عن الشهادة
في كسر الخمر لذمي/
من كتاب ابن سحنون عن أبيه: وإذا شهد رجلان مسلمان أن مسلما أو ذميا كسر لذمي خمرا، أو قتلا له خنزيرا، فحكم عليه الحاكم بقيمة ما أفسد له لأن ذلك من أموالهم، وقد أقروا على ذلك، ثم رجعا وأقرا بالزور، فليغر ما للمشهود عليه ما أخرجا من يديه، وقاله ابن الماجشون في كتابه، ثم رجع فقال: لا يضمن الجاني شيئا ويؤدب، وهو قول مالك.
في الرجوع عن الشهادة
في الصلح ونفقة الزوجة
من كتاب محمد بن سحنون عن أبيه، وهو في كتاب محمد بن عبد الحكم: وإذا قال الزوج للزوجة: قد صالحتني في رزقك على خمسة دراهم في كل شهر، وقالت هي: بل على عشرة دراهم في كل شهر، وأقامت شاهدين، فحكم لها بهما، ثم رجعا، فإن كانت نفقة مثلها عشرة فأكثر، فلا غرم عليهما، وإن كان نفقة مثلها أقل من عشرة فعليهما غرم ما زادا على الزوج على نفقة مثلها، [8/ 484]

(8/484)


قال محمد بن عبد الحكم: إلا أن تكون نفقة مثلها أقل من خمسة فلا يغرما للزوج شيئا لأنه مقر بخمسة، يريد: ويغرما ما جاوز الخمسة. [8/ 485]

(8/485)


[8/ 486]

(8/486)