النوادر
والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات بسم الله الرحمن الرحيم عونك اللهم
الجزء الثاني
من كتاب الرجوع عن الشهادات
في الرجوع عن الشهادة في النكاح،
وعن النكاح والطلاق،
أو عن مقدار الصداق أو عن قبضه/
من كتاب ابن سحنون وكتاب ابن المواز: وإن شهد شاهدان على امرأة أن فلانا
تزوجها على مائة دينار، وصداق مثلها مائتا دينار، وهي تجحد، فقض القاضي
بذلك، ودخل بها الزوج، ثم أقرا أنهما شهدا بزور، فالنكاح ماض بالحكم،
وعليهما ما أتلفا عليه من فضل صداق مثلها: مائة دينار، وإن كان صداق مثلها
مائة دينار فأقل لم ترجع عليهما بشيء، وإن طلقها الزوج قبل البناء فإنها
تسأل عما أنكرت، فإن ثبتت على أنه لم يكن نكاحا قط فلا شيء لها، وإن قالت:
قد كان نكاح وجحدته كراهية للزوج، فلها أخذ نصف الصداق منه، كالمرأة تدعي
أن زوجها طلقها ثلاثا ولم تجد بينة، فبقيت تحته حتى مات وصارت وارثة، فإن
تمادت على تلك الدعوى فلا ميراث لها، وإن قالت: كنت كاذبة كراهية للزوج،
كان لها الميراث يريد: وتحلف. [8/ 478]
(8/487)
قال في كتاب ابن سحنون: ولو أن امرأة تدعي
ذلك والزوج يجحد، فقضي لها ودخل بها الزوج، وصداق مثلها أكثر مما شهدت به
البينة، ثم رجعا فلا شيء لها عليهما، لأنهما طاعت بذلك.
ومن كتاب ابن المواز وابن سحنون: وإذا شهدا على رجل بنكاح امرأة بمهر مسمى،
وشهدا أنه طلقها قبل البناء وهو ينكر النكاح، وهو للطلاق أنكر، فقضي عليه
بنصف المهر ثم رجعا، فليغرما له نصف الصداق الذي خرج من يده.
قال ابن الماجشون في كتابه: وإن رجعا بعد أن تزوجت غيره فليأخذ الأول منهما
/ نصف الصداق، ويمضى الحكم الآخر، وكذلك لو شهدا عليه بالدخول وهو ينكر،
لكان له عليهما غرم المهر كله الذي قضي به عليه، ولو كان النكاح ثابتا
بشهادة غيرهما أو بإقراره فشهدا عليه أنه طلقها البتة ثم رجعا، قال: أما
بعد البناء فلا اختلاف فيه أنه لا شيء عليهما، وأما قبل البناء: فابن
القاسم يرى عليهما غرم نصف المهر الذي غرم الزوج.
وقال أصبغ: والقياس أن لا شيء عليهما، لأنهما لم يشهدا على مال، ولكن
استحسن قول ابن القاسم، لأن ذلك قد آل إلى ما قال ابن المواز، والصواب: أن
لا يلزمهما شيء، لأن نصف الصداق قد كان لازما له لم يغير شهادتهما، وإنما
انطلى عليه مصابها كما لو كان دخل بها، أو أرخى الستر لم يلزمهما شيء إن
شهدا بالطلاق ثم رجعا، لأنه شيء لا ثمن له ولا قيمة، وكذلك قال أشهب وعبد
الملك وغيرهما ممن أرضى.
قال ابن المواز: ولو كان بني بها زوجها الأول قبل أن يشهدا عليه بالفراق،
فقضي عليه بذلك فاعتدت. فبعد تمام العدة تزوجها أحد الشاهدين فلم يبن بها
حتى رجعا، قال: تحرم عليه لإقراره أنها زوجة لغيره، ويلزمه نصف الصداق، إذ
لا يعلم حقيقة رجوعه لعله كرهها، ولو رجع قبل يتزوجها، ثم جعل فتزوجها فلا
يلزمه لها صداق، إلا أن يبني بها فيلزمه مهرها ولا يقر معها وهو يقر أنها
ذات زوج. [8/ 488]
(8/488)
قال ابن الماجشون في كتابه: إذا تزوجها
أحدهما ثم رجع عن شهادته، فلها الصداق، ويفرق بينهما بطلاق ولا حد عليه،
والعمد والوهم في هذا سواء، إلا أنه يؤدب في العمد ولا يؤدب في الوهم،
وتتزوج من الأجنبيين من بدا لها، وإن كانت رجعة أحد الشاهدين قبل التزويج
ثم أراد نكاحها فليمنعه السلطان من ذلك ما دام على إقراره ذلك، فإن رجع إلى
قوله الأول حلف: لقد كان ما قال أولا، ثم حل له نكاحها.
قال ابن المواز: ولو أن المشهود عليه بالنكاح وهو ينكر، دخل بها ثم رجعا
وأقرا بالزور، فلا غرم له عليهما، لأنه قد وطئ بسبب ما ألزماه من المهر،
ولو طلقها قبل البناء ثم رجعا لرجع عليهما بما غرم.
ومن كتاب محمد بن عبد الحكم: وإذا شهد شاهدان على رجل أنه دخل بامرأته،
والمرأة تنكر الدخول وقبض الصداق، فليحلف الزوج على دفع الصداق ويصدق، فإن
رجع الشاهدان رجعت المرأة عليهما بالصداق إذا حلفت: ما قبضته؛ لأن بشهادتها
صار القول قول الزوج في دفع الصداق مع يمينه، فإن رجعا بعد موت المرأة، حلف
من بلغ من ورثتها: ما يعلمونها قبضت ذلك ولا شيء منه، ورجعوا بذلك على
الشاهدين.
ومن كتاب ابن سحنون: قال: وإذا شهدا عليه أنه تزوجها بغير تسمية، وأنه
طلقها قبل البناء وهو ينكر ذلك كله، فقضي عليه، ثم رجعا وقد / تزوجت غيره
أو لم تتزوج، فلا شيء عليهما، لأنهما لم يتلفا عليه شيئا إلا أن يكون
القاضي ممن يرى الحكم بالمتعة فقضى لها، فعليهما غرم ما أخرجا من يديه في
ذلك، ولو شهدا بالتسمية غرما له نصف الصداق.
ولو قام رجل آخر بشاهدين على أن أباها زوجه إياها قبل هذا المقضي عليه بنصف
الصداق، بشهادة المرجوع عنها، فقضي بها للذي زوجه الأب. للزوج المحكوم
بطلاقه أن يرجع على المرأة بما أخذت منه، فإن كان عديمة رجع على الشاهدين
بذلك، ثم يرجع الشاهدان الراجعان بذلك عليهما. [8/ 489]
(8/489)
وقال بعض أصحابنا: وهذا إن كانت هي عالمة
بالزوج منهما، فإن لم تكن عالمة لم يرجع عليهما الشاهدان بمنزلة غاصب لمال
ووهبه لمن لم يعلم أنه غصب فأكله، فإن ربه إنما يأخذه من الغاصب، ثم لا
يرجع به الغاصب على الموهوب، وقيل في هذا: ربه مخير إن شاء رجع به على
الغاصب، وإن شاء على الموهوب الذي أكله، وهوأن المشهود على نكاحه وطلاقه
وهو يجحد دخل بالمرأة، ثم قضي بها للزوج الذي زوجه الأب قبله، فلها على
الآخر الصداق بالمسيس إن كانت غير عالمة بما دخلت فيه، وعلى الشاهدين للزوج
المقضي بطلاقه مازادت التسمية على صداق مثلها بما أوطآه من العشرة، ولو
كانت هي بذلك عالمة لكانت بذلك زانية، يريد: ولا صداق لها، وقد قيل: لا شيء
لها عليهما، لأنه مسها وقد علم / بالتسمية وهو قادر على ترك ذلك النكاح،
ويرجع بنصف الصداق عليهما [إلا أن يعطاها الزوج قبله، فيرجع بذلك عليها] في
ملائهما كما تقدم ذكرنا.
ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه، ومن كتاب ابن المواز: وإذا شهد شاهدان على رجل
أنه تزوج هذه المرأة على مائة دينار وهو يجحد، وشهد آخران أنه بنى، وآخران
أنه طلقها، فلا شيء على شاهدي الطلاق، لأنه الصداق قد لزمه قبل شهادتهما،
وعلى شاهدي العقد خمسون ديناراً، وعلى شاهدي الدخول خمسون، لأنه لولا
شهادتهما لم يلزمه إلا خمسون، قال ابن المواز: وشاهدا الدخول قد شاركهما في
شهادتهما شاهدا العقد، وقد اختلف أصحاب مالك في ذلك، فقال أشهب: على شاهدي
العقد النصف، وعلى شاهدي الدخول النصفن فالصداق بينهم أرباعا، وقاله ابن
الماجشون في كتابه.
قال ابن المواز: وروي لنا عن ابن القاسم قولان: أحدهما: أن على شاهدي العقد
ربع المهر، وعلى شاهدي الدخول ثلاثة أرباعه، وأظن هذا غلطا، لأن شاهدي
البناء لم يشهدا على عقد، ولا على وطء، ولا على غصب، ولولا شهادة العقد ما
لزمه بإثبات الخلوة شيء إلا خلوة اغتصاب أو خلوة نكاح، [8/ 490]
(8/490)
وشاهدا العقد لو لم يشهد غيرهما كانا قد
ألزماه نصف الصداق، ثم اشتركا مع شاهدي البناء في النصف الذي يوجبه البناء،
فهذا القول أحب / إلي وأقيس، وإني لأستحسن قول أشهب إذا كان في شهادة شاهدي
البناء: أنه أرخيت الستور، وادعت هي المسيس.
وقال ابن المواز: وإن شهدا عليه شاهدان بالعقد، وآخران بالبناء، وآخران
بالعقد والبناء، ثم رجعوا بعد الحكم، فعلى شاهدي العقد والدخول النصف،
ويكون النصف الباقي ثلاثة أرباعه على شاهدي العقد، وربعه على شاهدي البناء،
وهذا على القول الذي اخترناه، وفي قول أشهب أن النصف الآخر بين شاهدي العقد
وشاهدي البناء نصفين، إن كان في شهادة البناء الخلوة وإرخاء الستور، وفي
القول الذي اخترت يكون نصف الجميع على شاهدي العقد والدخول، والنصف الباقي
يكون ثلاثة أرباعه على الشاهدين بالعقد خاصة، وربعه على الشاهدين بالبناء
خاصة.
ومن كتا ابن سحنون: وإن شهد شاهدان أنه تزوجها على مائة دينار وهو يجحد
ذلك، والمرأة تدعي ذلك، ومهر مثلها خمسون، وشهد آخرون أنه طلقها قبل
البناء، فقضي عليه بالنكاح وبالطلاق، فقبضت منه خمسين ديناراً، ثم رجع جميع
الشهود، فإنه يرجع على شاهدي العقد بالخمسين، ولا شيء على شاهدي الطلاق،
لأنهما لم يتلفاه مالا، وإنما أتلفا بضعاً، والبضع لا ثمن له، والمال قد
وجب بغيرهما، وكذلك في كتاب محمد بن عبد الحكم، قال: وهذا قياس قول ابن
القاسم وأشهب/ في هذه المسألة.
قال محمد بن عبد الحكم: ولو شهد شاهدان أنه تزوجها بألف وهي تدعي ذلك، وقال
الزوج بل بخمسمائة، وصداق مثلها خمسمائة، فقضي عليه بالألف ودخل بها، ثم
رجعا بعد الحكم، فإنهما يضمنان للزوج الخمسمائة، لأنه لم تكن تلزمه، يريد:
لو لم يبق إلا خمسمائة أو يفارق إذا حلف فلم يدفعا إليه من نصفها إلا ما
قيمته خمسمائة، ولو كان صداق مثلها ألفا [ما كان عليهما [8/ 491]
(8/491)
شيء، لأنه قد وصل إليه ما قيمته مثل ذلك
بالبناء، ولو كان صداق مثلها ألفا] وشهدا أنه تزوجها بخمسمائة، وكذلك قال
الزوج، والمرأة تقول بألف، فقضي له فبنى بها، ثم رجعا، فليغرما للمرأة
خمسمائة، ولو شهدا على رجع أنه تزوج امرأة وبني بها بخمسمائة، وكذلك تدعي
المرأة والزوج يقول: بثلثمائة، فقضي بشهادتهما ثم رجعا، ولم يدفع الزوج
إليها شيئا قد تقاررا بذلك، فليغرم الشاهدان للزوج مائتين، لأن القول كان
قوله مع يمينه في الصداق بعد الدخول بها، فهما زادا عليه المائتين.
هذا على قول ابن القاسم في الذي بنى أن القول قوله في الصداق إن لم يأت
بأمر مستنكر، وعلى مذهب أشهب، لها صداق مثلها إلا أن يجاوز ما ادعت، أو
ينقص عن ما أقر به الزوج، فإن كان ما ترجع به المرأة من صداق مثلها
أربعمائة، رجع الزوج على الشاهدين بمائة، فإن كان أكثر من خمسمائة، لم يكن
/ له أن يرجع عليهما بشيء، وإن كان أقل من ثلاثمائة لم ينقص منه، لأن الزوج
مقر بذلك ويرجع على الشاهدين بمائتين، ولا ادعت هي خمسمائة، وقال الزوج:
مائتين، وشهد الشاهدان بثلاثمائة، وصداق مثلها مائتان وخمسون، وقد رجع
الشاهدان، فليرجع الزوج عليهما بخمسين، لأنهما لو لم يشهدا لم يلزمه إلا
صداق مثلها: مائتان وخمسون، لأنه قد بنى بها. وفي باب الرجوع عن الشهادات
في الطلاق ما يشبه بعض ما جري هذا الباب.
ومن كتاب ابن سحنون: وإذا ادعى رجل نكاح امرأة وهما طاريان وتقاررا واختلفا
في الصداق، فقالت هي بمائة دينار، وذلك يشبه صداق مثلها، وقال الزوج: بعشرة
دنانير، وذلك لا يشبه صداق مثلها، وأقام بذلك شاهدين، فقضى له القاضي بذلك،
ثم رجعا وقد بنى بها، فإنها ترجع عليهما بتسعين ديناراً، ولو كان قد طلق
قبل البناء رجعت عليهما بتمام الخمسين، يريد: تأخذ منهما [8/ 492]
(8/492)
خمسا وأربعين، ويرد نصف العشرة التي قبضت
على الزوج، لأنه قد كان القول قولها لما أتت بما يشبه، وادعى الزوج ما لا
يشبه، ولو كان صداق مثلها عشرة كما قال الزوج، وأتى بالبينة، ثم رجعا، ما
كان عليهما شيء ولم تكن عليه بينه، والقول قوله مع يمينه، فإنما أسقطا عنه
اليمين ولم يتلفا له شيئا.
قال محمد بن عبد الحكم: / وإن شهدا أن فلانا زوج أمته من فلان وهو ممن له
نكاح الإماء، لا يجد طولا إلى الحرائر، ويخشى العنت، والسيد منكر، فقضي
عليه، وأخذ منه المهر فدفعه إلى السيد يجهزها به، ودخل بها الزوج ثم رجعا،
فإنهما يغرمان ما بين قيمتها متزوجه وقيمتها بلا زوج يوم الحكم فيها
بالنكاح، لأن ذلك عيب أدخلاه فيها، ولو طلقها الزوج أو مات عنها قبل البناء
أو بعده، قبل أن ينظر في ذلك [الحكم فليحكم عليه بما بين القيمتين، وليس
يوم يحكم بذلك] وإنما هذا فيمن أعتق شركا له في عبد، هذا عليه قيمته يوم
يحكم بالتقويم عليه، ولا شيء على الشاهدين مما نقص من الافتضاض إن كانت
بكراً، ولا قيمة الولد إن ولدت.
ومن كتاب ابن الماجشون: قال عبد الملك: وإن شهد شاهدان على رجل قد كان نكح
بتفويض أنه فرض فرضا يستنكر، فثبت ذلك، ثم رجعا وأقرا بتعمد الزور، فليغرما
للزوج ما بين صداق مثلها إلى ما سمياه عليه، ولو شهدا في نكاح قد صح عقده
أن الزوج قد دفع للزوجة صداق المسمى، ثم رجعا وأقرا بتعمد الزور، فإنهما
يغرمان ذلك للزوجة. [8/ 493]
(8/493)
في الرجوع عن الشهادة في الطلاق
وكيف إن شهد آخران بالبناء
ثم رجع الجميع أو بعضهم؟
والرجوع عن الشهادة في المتعة
من كتا ابن سحنون: وإذا شهد شاهدان على رجل أنه طلق امرأته، ثم رجعا، فقال
بعض أصحابنا: لا شيء عليه/ دخل بالمرأة أو لم يدخل، لأنهما لم يتلفا عليه
مالا إلا ما كان لازما له بغيرهما، وإنما أتلفا عليه المرأة ومتعته بها،
ولا ثمن لذلك، فإن كان قد بنى بها فقد لزمه الصداق قبل شهادتهما. [وإن لم
يدخل بها فقد لزمه نصفه قبل شهادتهما] فإن قيل: فقد أتلفا عليه الاستمتاع
بها، قيل: فكذلك فعلا في المدخول بها وهما لا يغرمان فيها شيئا عند من يرى
الغرم في التي لم يبن بها، وقال بعض أصحابنا: إذا لم يدخل بها غرما له نصف
الصداق، والرواة على خلافه، ولم يرد عليهما في المدخول بها شيئا.
ومن كتاب محمد بن عبد الحكم: وإن شهد شاهدا أنه طلقها واحدة، وشهد آخران
أنه طلقها ثلاثا، والزوج لم يبن بها، ثم رجع الأربعة، فعلى شاهدي الواحدة
غرم ربع الصداق للزوج، وعلى شاهدي الثلاث ربعه؛ لأن كل شهادة منهما لو
انفردت ألزمته نصف الصداق. وقال أصحاب أبي حنيفة: الغرم كله على شاهدي
الثلاث، قالوا: لأنها حرمت عليه إلا بعد زوج بشهادتهما، ولا حجة لهم بذلك؛
لأن الشاهدين بالواحدة عندهم لو انفردا لزمهما نصف الصداق، فلا يزول ما
لزمها من هذا، بأن غيرهما حرمها قبل زوج.
وأما أشهب، فلا يوجب على شاهدي الطلاق قبل البناء شيئاً لازما، وقال: لأن
نصف الصداق قد وجب لها بكل حال، / وإنما أتلفا عليه المرأة، وقد بقوا لها
الدخول الذي يجب به جميع المهر، وإن شهدا أنه طلق امرأته في شهر [8/ 494]
(8/494)
رمضان قبل البناء بها، فلزمه الطلاق ونصف
الصداق، ثم رجعا، فقضي عليهما للزوج بنصف الصداق، ثم شهد غيرهما أنه طلق
تلك المرأة في شعبان من تلك السنة قبل البناء بها، فليرد الزوج على
الشاهدين ما أخذ منهما من نصف الصداق.
وقال أصحاب أبي حنيفة: إن شهدا عليه بالفراق لم يبرأ الشاهدان، وإن أقر
بذلك عند الحاكم فلا شيء على الشاهدين، قال محمد: ولا فرق بين أن يقر بشيء
أو يشهد عليه إن كان هذا يبرئهما، فهذا يبرئهما إلا أن يكابر المرء عقله.
ومن كتاب ابن سحنون: وإذا شهدا أنه طلقها قبل البناء ونكاحها معلوم
بغيرهما، وشهد آخر أنه قد كان بنى بها، والزوج يجحد البناء والطلاق، فحكم
القاضي عليه بالطلاق وبجميع الصداق، ثم رجع شاهد من شاهدي الطلاق، وشاهد من
شاهدي الدخول، فعلى شاهد البناء ربع الصداق، ولا شيء على شاهد الطلاق،
ولورجع شاهدا الدخول جميعاً، ولم يرجع شاهدا الطلاق، فعليهما نصف الصداق،
ولو رجع شاهدا الطلاق دون شاهدي الدخول، لم يكن على شاهدي الطلاق شيء، ولو
رجع شاهدا الطلاق وواحد من شاهدي / الدخول، فعلى هذا الواحد ربع الصداق،
ولا شيء على شاهدي الطلاق، لأن نصف الصداق ثابت بكل حال، فإنما زاد شاهدا
الدخول النصف الآخر الذي يسقط لو طلق قبل البناء طائعا: الأقوى أنها لو
ماتت لم يرجع عليه شاهد الدخول، يريد: لو رجعا فأخذا منه ما كان أخذ منهما،
لأنه يقر أن جميع الحق قد وجب لها بموتها، وهو يجحد أن يكون طلقها.
ولو أقر بطلاقها وجحد الدخول، ما كان على شاهدي الدخول إلا نصف الصداق،
فإذا قضي عليه بالطلاق بشهادة شاهدي الطلاق فكأنه طلق من نكاحها معلوم
بغيرهما. وقد كان يكون لها الصداق، وإن مات فكله، وإن طلق فنصفه، وإنما
أتلفا بضعاً والبضع لا قيمة له، ولو رجع شاهدا الدخول وشاهدا [8/ 495]
(8/495)
الطلاق كان النصف على شاهدي الدخول، إذا لم
يتلفا غيره، ولا شيء على شاهدي الطلاق.
ومن كتاب ابن سحنون: وإذا قضى بشاهدين في الطلاق، فقضي بذلك ثم رجع أحدهما،
فالحكم الأول ماض ولا يرد، وكذلك لو رجعا جميعا.
ومن كتاب ابن عبد الحكم: ومن طلق امرأته بعد البناء فقضى القاضي بالطلاق،
أو كان لم يدخل ولم يفرض، فقضى بالطلاق، وكان ممن يوجب القضاء بالمتعة،
فقضى لها بها، فشهد شاهدان أنها قبضت ذلك من الزوج، فحكم بذلك القاضي، ثم
رجعا، فإنهما يضمنان ذلك للمرأة، لأنه حكم نفذ / لا يرده غيره. ومن له أمة
ذات زوج وقد بنى بها أو لم يبن، فشهد شاهدان أن الزوج طلقها، والسيد يدعي
ذلك، فقضي له بذلك، ثم شهد شاهدان على الشاهدين بما أسقط شهادتهما ومن
أنهما زورا في الشهادة، أو كانا غائبين عن البلد الذي شهدا به، فأثبت
القاضي النكاح وصح حكمه بالفراق، ثم رجع الشاهدان آخراً، فإن عليهما ما
ينقص الجارية اثبات النكاح، فيغرما ما بين قيمتها ذات زوج، وقيمتها خالية
من زوج.
وقال ابن الماجشون في كتابه: وإن شهدا أنه طلق زوجته قبل البناء، فقضي عليه
بنصف الصداق، ثم رجعا بعد أن مات الزوج، فللمرأة أن ترجع عليهما ببقية
صداقها، وبما يقع لها من الميراث، ولو كان إنما ماتت هي، رجع الزوج عليها
بميراثه فقط، لا شيء مما غرم من الصداق، وهذا الجواب إذا كان كل واحد من
الزوجين منكرا ما شهدا به من طلاق.
الرجوع عن الشهادة في الخلع
من كتاب ابن سحنون: وإذا شهد شاهدان على امرأة أنها اختلعت من زوجها بمال
أعطته، أو على أن حطته صداقها قبل البناء، وهي تجحد العطية، فقضى له، ثم
رجعا وأقرا بالزور، فعليهما أن يغرمان ما أتلفا لها من مال، وإن كان [8/
496]
(8/496)
بالصداق، فعليهما نصفه، ولو كان قد بنى بها
غرما لها جميع الصداق الذي أتلفا عليها.
ومن كتاب/ ابن المواز: وإن شهدا أنه خالعها على ثمره لم يبد صلاحها، ثم
رجعا بعد الحكم فأقرا بالزور، فليغرما لها قيمة الثمرة على الرجاء والخوف،
كما لو أفسدا لها تلك الثمرة، وهو قول عبد الملك، وقال ابن المواز: يغرمان
لها قيمة الثمرة يوم أخذها الزوج وقبضها.
قال: ولو شهدا أنها خالعته على جنين في بطن أمه، لم يلزمها غرم حتى يخرج
الجنين ويستهل صارخا، ويقبضه الزوج، فجينئذ يضمنان قيمته للمرأة.
ولو كانت شهادتهما أنه خالعها بعبده الآبق أو جملها الشارد، فهذا يكون
عليها يوم رجعا، قيمة ذلك للمرأة على أقرب صفاته، فإن انكشف بعد ذلك أنه قد
كان ميتا قبل الخلع، ولم يكن عليهما شيء، ولو انكشف أنه أصابه عور، أو قطعت
يده قبل الخلع، لم يلزمها إلا قيمته كذلك، وهذا قول عبد الملك، وأحب إلى أن
ينظر، فإن رجي أخذ ذلك قريبا، لم يعجل بعزمهما حتى يقبض ذلك الزوج فيغرمان
قيمة ذلك على ما يوجد، وإن لم يرج تعجيل وجد أنهما لزمهما قيمة صفتهما على
ما كانا يعرفان به قبل الإباق والشرود، فمتى انكشف نقص عن ذلك أو موت، رجعا
بما زيد عليهما، ثم رجع محمد عن هذا كله وقال: لا يغرمان لها شيئا إلا من
خروج الجنين وقبضه ويعد وجدان العبد الآبق، والجمل الشارد وقبضهما، فيغرمان
قيمة ذلك يومئذ، وقد كان قبل ذلك تالفاً، وكذلك الجنين، وكذلك الثمرة قبل
بدو صلاحها، لأنها في أصل نخل المرأة / فهو فيها كالشرط ألا يقبض إلا بعد
الزهو. [8/ 497]
(8/497)
في الرجوع عن
الشهادة في العتق البتل أو المؤجل
أو شهدا على تعجيل عتق معتق إلى أجل
أو إسقاط خدمة عليه ثم رجعا
وكيف إن رجعا في عتق ثم شهد غيرهما
أن السيد أعتقه قبل ذلك؟
من كتاب ابن سحنون عن أبيه: وإن شهدا شاهدان على رجل أنه أعتق عبده، والسيد
يجحد، فقضي عليه بعتقه، ثم رجعا، فإن كان السيد مقيما على الجحد، فله قيمة
العبد على الشاهدين ويبقى ولاؤه له، ألا ترى أن من أعتق عبداً عن رجل أن
الولاء للرجل، وكذلك لو كانت أمة لغرما له قيمتها، إلا أنها لا يحل لها أن
تبيح فرجها إن علمت أن البينة شهدت بالزور، وإن كانت لا تعلم بذلك فهي مثل
ما ذكرنا في المرأة المشهود بطلاقها بالزور في جميع أمرها، إلا أن يرضى
السيد بأخذ القيمة من الشاهدين فيتم بذلك الحكم بحريتها إذا كانت هي لم
تعلم أن البينة شهدت بزور ويحل لها النكاح.
ولو شهدا أنه أعتق عبده إلى سنين فقضي بذلك ثم رجعا، فعليهما لسيده قيمته
حالا، ويطلبا ذلك في خدمة، فيؤاجراه أو يستخدماه، فإن قبضا ما وديا قبل
الأجل رجع العبد يخدم سيده إلى الأجل، وإن تم الأجل ولم يتم ما وديا، فلا
شيء لهما مما بقي لهما، فإن مات العبد في يد سيده فترك مالا، أو قتل، فأخذ
له قيمة، أو مات بعد الحرية وترك مالا/ فليأخذ الشاهدان من ذلك ما بقي
لهما. وذكر ابن الماجشون هذه المسألة فى كتابه وقال: إن أراد السيد أن
يعتق، أو أعتق قبل أن يقبض الشاهدان من خدمته ما غرما من قيمته، فالعتق
ماض، ويرد إليهما ما أخذ منهما من القيمة، ولو أعتقه وقد أخذا نصف ما
أخرجا، رد إليهما نصف ما أخذ، وكذلك إن كانت ثلثا أو ربعا على هذا الحساب.
[8/ 498]
(8/498)
وذكر هذه المسألة ابن المواز مثل ما ذكر
سحنون وزاد: فإن قال السيد بعدما أغرمهما قيمته، أنا لا أسلمه إلى الشاهدين
بختدمانه أو يؤاجرانه، ولا آمنهما عليه، ولكن أنا أستخدمه وأدفع إليهما ما
يحل علي من خدمته، فذلك له، وربما كان ذلك في الجارية النفيسة وغيرها، وذات
الصنعة، فله أن يحبسها، وكذلك العبد، ويدفع إلى الراجعين كسبهما وعملهما،
حتى ينتهي ذلك إلى ما غرما.
وقال لي عبد الله بن عبد الحكم: يغرمان قيمة العبد للسيد، ويطرح عنهما قيمة
خدمته إلى الأجل، فلم يعجبنا هذا. وقد يجاوز [عمله إلى الأجل] قيمته، فيسلم
الشاهدان، وقال عبد الملك: يعجلان القيمة ويسلم إليهما الخدمة إلى أن يأخذا
منها ما وديا، ولا يعجبنا أن يكره السيد على هذا، ولكن هو مخير بين أن
يسلمه إليهما أو يأخذا من خدمته ما وديا، وإن حبسه عنده ودفع هو إليهما كل
ما حصل في خدمته وغلته إليهما إلى مبلغ ما وديا، ولا يمكنان من حيازة عبده،
ولو كانا غريمين؛ فإنه يحكم عليهما / بقيمة العبد، ثم إن شاء السيد حبسه
وتحسب عليه قيمة خدمته، فمتى ما أيسر رجع عليهما بباقي القيمة معجلا، ويدفع
هو إليهما فيما يستقبلان قيمة خدمته شهرا فشهرا، وسنة فسنة على قدر ما يرى،
وإن شاء دفع العبد إلى غيره بإجازة يستوفيها السيد عن الشاهدين، فإن تمت
السنون قبل وفاء قيمته أتبعه بما بقي، وينفذ عتقه، وإن استوفى من الإجارة
قيمته ولم تتم السنون كان باقي خدمته للسيد.
ومن كتاب ابن المواز: إن شهدا على رجل في عبد أنه أقر أن نصفه لفلان، وأن
المقر أعتق نصفه منه، فقضي بذلك وعتق عليه، وغرم القيمة للمقضي له، ثم
رجعا، قال: يغرمان للمشهود عليه قيمة عبده، ويغرمان له نصف قيمته التي
أخرجها من يده إلى الآخر، ولو كان في شهادتهما أن المقر له هو الذي أعتق
الشخص الذي أقر له به هذا، فقضي عليه بنصف قيمته التى أخذ من [8/ 499]
(8/499)
الآخر، ويغرمان للآخر قيمته كاملا، فلو كان
هذا الآخر منكرا لما شهدا له به من إقرار رب العبد، ومن العتق، لم يكن
عليهما له إذا رجعا إلا نصف قيمته التي خرجت من يده، وللآخر نصف قيمته فقط.
ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: ولو شهدا أنه أعتق عبده هذا عام أول في
المحرم، فقضى بذلك القاضي، ثم رجعا وأقرا بالزور، فلزمهما غرم قيمته، ثم
شهدا أنه أعتقه عام أول في صفر، فلا/ يلتفت الحاكم إلى ذلك، ولا ينفع ذلك
الراجعين، لأنه عتق بشهادتهما قبل هذا، فإن أقر السيد بالعتق، رد ما أخذ من
الشاهدين، وقد قيل: إن القاضي يقبل الشاهدين بالعتق في صفر، والسيد جاحد،
ويلزمه رد القيمة على الراجعين أولا، وهذا أعم وأكثر من القول الأول، وذكر
محمد بن عبد الحكم هذا القول الثاني، وفي سؤاله أن الأولين شهدا أنه أعتقه
عام أول في رمضان، فحكم بذلك فقضي عليهما بالقيمة، أو لم يحكم حتى شهدا
آخران أنه أعتقه عام أول في ذي الحجة، قال: لا يلزم الراجعين أولا غرم، لأن
العبد قد عتق بغيرهما، وليبرنهما القاضى من الغرم، فإن كان السيد يختدم
العبد فيما بين رمضان وذي الحجة، فللعبد طلبه بقيمة ذلك بشهادة الراجعين في
قول أشهب، فإن قضى له بذلك الحاكم عليه رجع به السيد على الراجعين، لأن
شهادتهما أوجبت ذلك، يريد: ولم يغرما قيمته.
ثم إن رجع الشاهدان الآخران عن شهادتهما، قيل لهما،: إنما برئ الأول
بشهادتكما، فأغرما ما كان يلزمهما من قيمة العبد، ولو شهد آخران بعد ذلك أن
السيد أعتقه في المحرم من تلك السنة، سقط عن الشهود كل ما لزمهم بالرجوع
وكل ما أخذ منهم، لأن العتق وجب له بغير الراجعين في تاريخ قبل تاريخهم،
ويرد السيد على الشاهدين ما أغرمهما من قيمة خدمة العبد من رمضان / إلى ذي
الحجة، ثم يكون للعبد في قول أشهب طلب السيد بخدمته من المحرم إلى أن قضى
عليه القاضي بالعتق، لأن مذهب أشهب أن من شهد عليه بعتق عبده وهو ينكر من
وقت ذكراه، ثم اختدمه بعد ذلك، أن عليه أن يغرمه قيمة الخدمة من ذلك اليوم
إلى يوم قضى بعتقه، ويراه كمن اغتصب حرا [8/ 500]
(8/500)
فاختدمه، وابن القاسم لا يرى على السيد
شيئا في العبد إذا كان منكرا، ويقول أشهب: أقول كما قال مالك فيمن اختدم
حرا غاصبا له.
ومن كتاب ابن سحنون: قال سحنون: وإن شهدا أنه أعتق عبده منذ سنتين، وكانا
غائبين، ثم قدما فوجداه يملك بالرق، فقضى القاضي بشهادتهما وقضى للعبد بأخذ
خراجه أو خدمته من تاريخ العتق إلى يوم الحكم، ثم رجع الشاهدان وأقرا
بالزور؛ فعليهما للسيد قيمة العبد وما أخرجا من يديه من الغلة والخدمة.
وإن شهدا أنه حلف بحرية عبده إن دخل دار فلان، والسيد ينكر، ثم دخل تلك
الدار واعترف بذلك، فقضي عليه بالعتق ثم رجعا، فعليهما قيمة العبد لسيده.
ومن كتاب محمد بن عبد الحكم ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه ومن كتاب ابن
المواز: ولو شهدا في عبد معتق إلى أجل، أن سيده عجل عتقه، فقضى القاضي
بتعجيل عتقه ثم رجعا، فعليهما قيمة الخدمة إلى الأجل/ على غررها، ولو كان
معتقا إلى موت فلان فعليهما قيمة خدمته أقصر العمرين: عمر العبد أو عمر
الذي يعتق إلى موته.
ومن الكتابين: ومن كان بيده عبد أخدمه حياته ثم هو حر. وذلك معلوم بالبينة،
ثم شهد شاهدان أنه وضع عنه هذه الخدمة، فحكم بذلك الحاكم وعجل حرية العبد،
ثم رجعا وأقرا بالزور، فعليهما قيمة الخدمة التي أتلفا على الرجل على
التعمير على أقصر العمرين: عمر العبد أو عمر المخدم، وفي السنين الأقصر من
السنين، أو من عمر العبد كانت الخدمة لسيد العبد أو لأجنبي جعلها له السيد.
ولو شهدا على رجل أنه أخدم عبده لرجل سنين أو حياته، ثم هو حر، أو قالا: ثم
مرجعه إلى سيده، فقضى بذلك القاضي ثم رجعا وأقر بالزور، فالحكم ماض، وإن
كان مرجع العبد إلى سيده، فله عليهما – إن شاء – قيمة الخدمة على غررها من
أن يرجع العبد إليه بعد مدة طويلة أو قصيرة في التعمير، يريد: أو [8/ 501]
(8/501)
يموت العبد قبل ذلك ويأخذ منهما قيمة عبده
فيما أتلفا منه عليه، وحالا بينه وبينه، ويكون مرجع العبد إليهما على ما
يرجع به من نماء أو نقص، أو يموت قبل ذلك فيضمناه، وإن كان مرجعه إلى حرية،
فعليهما قيمته [لأنهما قد أتلفاه، فلا يرجع إليه منه شيء إلا أن يقتل فتكون
قيمتة] لسيده، فيكون لهما حينئذ أن يأخذا منهما ما دفعا إليه من قيمته إن
كان فيها ذلك، وذكر ابن المواز هذه المسألة على ما ذكر سحنون.
وقال في الذي مرجعه إلى سيده: إن اختار أن يضمنهما / قيمته، ويكون مرجع
العبد إليهما، فإن كان في قيمته فضل، أعطيا منه القيمة التي وديا، إن لم
يكن في ثمنه وفاء ما وديا، فليس لهما غير ذلك. وفي باب الرجوع عن التدبير
شيء من هذا المعنى.
في الرجوع عن الشهادة في التدبير،
أو شهدا أنه أعتق مدبره ثم رجعا
ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: وإذا شهد شاهدان على رجل أنه دبر عبده فقضي
عليه بذلك، وهو جاحد، ثم رجعا وأقرا بالزور، قال: يتعجل منهما قيمة العبد،
ويقال لهما: ادخلا فيما أدخلتماه فيه فاقبضا من الخدمة التي بقيت بيده من
رقه وما وديتما، ثم ترجع مخدمته لسيده.
قال ابن الماجشون في كتابه: تؤخذ منهما قيمته يوم الحكم، ثم يخير السيد في
إسلامه إليهما يأخذا من خدمته وغلته ما وديا ما دام سيده حيا، ثم يرجع إلى
سيده مدبراً، وإن شاء كان أولى بخدمته، ودفع إليهما قيمة تلك الخدمة، فإن
مات السيد وهو في الخدمة التي صارت لهما قبل يستوفيا ما وديا، فإن خرج من
ثلث سيده عتق ولا شيء لهما غير ما أخذا، وإن لم يخرج إلا بعضه فإن الشاهدين
[8/ 502]
(8/502)
أحق بما رق منه حتى يستوفيا ما بقي لهما من
قيمته، فإن فضل من ثمن ما رق منه شيئا بعد ذلك فهو لورثته، ولم يربحا فيما
وديا، وكذلك ذكر سحنون في موت السيد.
ومن كتاب ابن سحنون: وقال سحنون: ولو مات المدبر قبل يستوفيا وترك مالاً،
أخذا مما ترك ما بقي / لهما، وكذلك لو أفادا مالا لأخذا منه ما وديا ولو
قيل: لأخذ من قيمته ما بقي لهما، وإن مات ولا شيء له، فلا شيء لهما.
قال: ولو مات السيد وعليه دين يرقه، فإنه يباع لهم قبل الدين، لأن الدين
أرقه، فكان هؤلاء أولى بقيمته التى وديا مثل ما لو جنى جناية والدين محيط
فأهل الجناية أولى، لأنها في رقبته، قال محمد بن عبد الحكم: يتعجل السيد
قيمته من الشاهدين، ثم يدفع إليهما المدبر [يختدمانه في القيمة حتى
يستوفياها ثم يرجع إلى سيده إن مات المدبر] قبل / يستوفياها، ثم يرجع إلى
سيده وإن مات المدبر/ يستوفياها ثم يرجع إلى سيده بشيء، وإن كان الشاهدان
معدمين، فليضمنا فضل ما بين قيمته عبداً أو قيمته مدبراً، أن لو جاز بيعه
مدبراً، ولا أخرج العبد من يده بغير شيء يصير إليه، ولا أقول كما قال بعض
أهل الحجاز: إن السيد يختدمه في قيمته، فإن أوفاها لم يرجع على الشاهدين
بشيء وإن أيسرا، وإن مات قبل أن يختدمه وفاء القيمة رجع عليهما بما بقي إذا
أيسر، وهذا بعيد أن يعطلا عليه رقبته وخدمته، ولا ينالهما غرم شيء، ولو قال
قائل: يقضى على الشاهدين بما نقص التدبير من قيمته، كانا موسرين أو معسرين
لم أعبه؛ بل هو أقوى في النظر من القول الآخر.
ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: ولو كان المشهود على تدبيره جارية ليست ممن
تخارج ولا تعمل، كما نهى عمر أن تكلف الأمة غير ذات الصنعة [8/ 503]
(8/503)
الكسب فتكسب بفرجها، قال: فيؤديا قيمتها /
وتعتق إذ لم يبق فيها ما يستوفيان منه ما وديا، إلا أن يشاءوا أن ينفقوا
عليها السيد كان ينفق عليهما السيد إلى أن يدركا شيئا من رقها بموت السيد
لعجز الثلث، أو لدين حدث عليه، فإن فعلا فأدركا شيئا من رقها فليبع لهما
ذلك فيما وديا من قيمتها وفيما أنفقا، ولا يكون لهما الفضل، وإن لم يف ذلك
بما وديا من قيمة ونفقة، فلا شيء لهما غير ذلك، وقاله ابن الماجشون في
كتابه.
وقال: فإن أبيا أن ينفقا ويطلبا ما ذكرنا لم يلزم سيدها أن ينفق وهي حرة.
قال سحنون: ولو بقي المدبر بأيديهما يختدمانه فيما غرما من قيمته، فأعتقه
السيد قبتله قبل يأخذا من خدمته ما وديا، فليس لهما رد عتقه، ولكن ينظر فإن
كان عتقه وقد استوفيا نصف ما أخرجا، رد عليهم السيد نصف ما بقي، وإن بقي
الثلث رد ثلث ما بقي، أو الربع فربع ما بقي إذا كان الشاهدان فقيرين فقال
السيد: لا أسلمه إليهما يختدمانه ولم يعطياني قيمته، ولكن أختدمه وأحسب ذلك
فيما لزمهما من القيمة، كما لو كان مدبرا وعليهما دين يغترق فأسلماه يختدم
في الدين، فإن مات المدبر أو أبق أو عطب فضمانه منهما، وعليهما ما بقي من
الدين، وكذلك يتبعان ببقية قيمته في رجوعها، أو يتم الأداء فيرجع إلى سيده.
قال: ولو رجع شاهدا التدبير ولزمتهما القيمة فودياها، ثم شهد غيرهما أن
السيد دبره قبل ذلك التاريخ، أو بتل عتقه/، فقضى بذلك القاضى، فليرد ما أخذ
من الراجعين أولا، قال: ولو كان إنما شهد آخران لرجل أنه اشتراه من سيده
قبل التدبير بمائة دينار، فقضي بالبيع وأبطل التدبير، ثم رجع شهود التدبير
وشهود البيع، فلا شيء على شهداء التدبير ويرجعان على السيد بما أديا ويرجع
البائع عليهما إن كان مشهودا عليه بفضل ما أخرجا من يده من القيمة على
الثمن الذي [8/ 504]
(8/504)
وصل إليه، فإن كان مثلا أو اكثر، فلا شيء
على الشاهدين، وإن كان المشتري هو الجاحد، رجع عليهما بفضل الثمن على قيمة
ما في يديه إلا أن يشاء الشاهدان أخذ العبد، ويعطيا المشتري ما ودى، فذلك
لهما إلا أن يتماسك، فذلك له.
قال سحنون وابن المواز: ولو شهدا أنه أعتق مدبره وقد ثبت تدبيره بغيرهما،
أو بإقرار السيد. وهو يجحد العتق البتل، فقضى القاضي بتعجيل عتقه، ثم رجعا
وأقرا بالزور، فعليهما قيمته للسيد، لأنهما أتلفاه عليه، لأنها إن كانت أمة
كان له وطؤها ويقضى بها دينه بعد موته.
وقال ابن المواز، وكذلك قال عبد الملك، قال: وقال أصبغ مثله في المدبر
والمعتق إلى أجل.
قال ابن المواز: ولم يعجبنا قوله في العتق إلى أجل، لأنه قد ثبت فيه عتق لا
يحول ولا يتسيب إليه رق، فلم يتلف الشاهدان منه غير الخدمة، ولم يتلفا فيه
قيمة، وإنما نحا أصبغ مذهب ابن القاسم في أم الولد، وإنما قاسا ذلك على
القتل أن لو قتلا لكان فيها قيمة عبد/، قاله مالك، وليس القتل من هذا، لآن
عبدا لو كان قد أعتق أكثره فلم يبق فيه من الرق إلا قيراط من أربعة وعشرين،
فقتله رجل لكانت عليه قيمة عبد، ولو شهد شاهدان بعتق ذلك الشقص، ثم رجعا لم
يغرما غير قيمة الشقص.
قال محمد: وأم الولد تخالف المدبر، فلو بيعت فأعتقت ثم استحقت لرد العتق
ورجعت إلى سيدها إن كان عديما. وكذلك المعتق إلى أجل يرد إلى سيده، فإن لم
يكن عنده شيء رجع المشتري في خدمتهما بالثمن، ولو ماتا عبد المبتاع كانت
مصيبتهما من البائع، ويرد الثمن، والمدبر لو بيع فعتق لمضى عتقه، ولو لم
يعتق حتى مات سيده وعليه دين محيط أن بيعه يمضي. [8/ 505]
(8/505)
في الرجوع عن الشهادة في الكتابة
أو شهدا أنه عجل عتق مكاتبه
وأن المكاتب ودى من كتابته ثم رجعا
أو على أن فلانا لفلان قد كاتبه ثم رجعا
من كتاب ابن سحنون عن أبيه ومن كتاب ابن المواز: وإن شهد رجلان على رجل أنه
كاتبه عبده، فقضي بشهادتهما وأنفذ الكتابة على السيد، ثم رجعا وأقرا
بالزور، فالحكم ماض، وليؤديا قيمته بأخذه للسيد، قال ابن المواز: قيمته يوم
الحكم قالا: ويتأدياها من الكتابة على النجوم فإذا قبضا منها مثل أديا رجع
السيد فأخذ مائة الكتابة منجمة، فإن وداها عتق، فإن عجز رق له، وإن عجز قبل
يقبض الراجعان ما وديا: بيع لهما منه بتمام ما بقي لهما، فإن لم يكن/ فيه
تمام ذلك فلا شيء لها غير ذلك، قال ابن المواز: وهذا قول عبد الملك.
وروى أصبغ عن ابن القاسم: أنهما يغرمان القيممة إذا رجعا، فيوقف بيد عدل
ويتأدى السيد الكتابة، فإن تأداها وفيها تمام القيمة، رجعت القيمة إلى
الشاهدين، وإن كانت الكتابة أقل، أو مات المكاتب قبل الإستيفاء، دفع إلى
السيد من تلك القيمة تمام قيمة عبده.
قال ابن المواز: وهذا جواب غير معتدل، وبقول عبد الملك أقول، وعليه أصحاب
مالك، لأن السيد في قول ابن القاسم مظلوم، قد منع من عبده، وما كان ينبسط
به فيه من بيع وغيره، ولم يصل يده إلى قيمته، ولا راحة للشاهدين في
إيقافهما ولعلها تتوفى فيغرماها ثانية، ولو اسحسنت قول ابن القاسم [8/ 506]
(8/506)
لقلت: فكلما قبض السيد من الكتابة رجع مثله
إلى الشاهدين من القيمة الموقوفة، ولم أوقفها كلها حتى انقضاء الكتابة كما
في ظاهر جوابه، قال سحنون، وقال بعض أصحابنا: إذا رجعا بيعت الكتابة بعرض،
فإن كان فيه وفاء لقيمة العبد أو أكثر، فللسيد، وإن كان أقل رجع عليهما
بتمام القيمة، والقول الأول أكثر.
وفي كتاب ابن الماجشون: تباع الكتابة بعرض، فإن شاء سيده أخذه، وإن شاء بيع
العرض، فإن كان ثمنه مثل قيمة العبد أو أكثر فهو له، وإن كان أقل رجع
عليهما بتمام القيمة، قال عنه ابن ميسر: إلا لو يأبى السيد من بيع/ الكتابة
فلا يغرم له الشاهدان شيئا.
ومن كتاب ابن سحنون ومثله في كتاب ابن المواز: قال سحنون: وإن شهدا أنه
أعتق مكاتبه، قال في الكتابين: شهدا أنه أخذ منه ما عليه من الكتابة. قال
في كتاب ابن المواز: أو أسقطه عنه وخرج حرا وقد تبينت كتابته بغيرهما، أو
باقرار السيد، وهو يجحد ما شهدا به، فحكم القاضي بذلك، ثم رجعا فليغرما
للسيد ما أتلفاه عليه مما كان على المكاتب، كان ذلك عينا أو قرضا، قال في
كتاب ابن المواز: يؤديه على النجوم، وقاله عبد الملك.
قال سحنون: وإن شهدا على رجل أن فلانا كاتب بمائتي دينار، وقيمته مائة،
والمشهود عليه يجحد، فقضي عليه وخرج حرا، ثم رجعا فعليهما أن يغرما له
مائتين إذا أقرا بالزور، ولا ينظر إلى قيمته. [8/ 507]
(8/507)
في الرجوع عن الشهادة في أمة
أنها أم ولد، ثم رجعا
أو في أم ولد أن سيدها أعتقها
ثم رجعا
من كتاب ابن سحنون وكتاب ابن المواز: وإن شهدا على رجل، قال في كتاب ابن
سحنون: أنه أولد جاريته هذه وصارت له أم ولد، وقال في كتاب ابن المواز:
شهدا أنه أقر أنها ولدت منه أو أسقطت، قال في الكتابين: فحكم القاضي بأنها
أم ولد ثم رجعا، فعليهما قيمتها للسيد، ولا شيء لها، وهي أم ولد للسيد
يطؤها ويستمتع بها، ولم يبق فيها خدمة يرجعان فيها: أنهما يغرمان إلا أن
تجرح أو تقتل فيؤخذ / لذلك أرش، فلهما الرجوع في ذلك بمقدار ما وديا،
والفضل للسيد. قال سحنون: وكذلك لو أفادت مالا فليرجعا فيه بما وديا فقط،
وقال ابن المواز: لا يرجعان فيما تفيد من مال بعمل أو بهبة أو بغير ذلك،
وذلك للسيد مع ما أخذ.
ومن الكتابين: ولو شهدا في أم ولد رجل أنه أعتقها، فحكم بذلك، ثم رجعا
وأقرا بالزور، فقد اختلف فيها، فقال سحنون: فقد قيل فيها، وقال ابن المواز:
قال عبد الملك: وأخبرنا أصحابنا مثله عن أشهب: أنه لا شيء على الشاهدين،
لأنه لم يبق له فيها غير الوطء، ولا قيمة له، كما لو شهدا أنه طلق امرأته
ثم رجعا، وأن السفيه يعتق أم ولده فيجوز ذلك، وهو لو وضع خدمة من أعتقه
أبوه إلى أجل، أو وضع كتابة مكاتب لم يجز ذلك، وقال ابن المواز: وقال ابن
القاسم: على الشاهدين قيمتها للسيد كما لو قتلها رجل، والقول الأول أقوى
وأجح، وذكر هذا القول سحنون، ولم يسم قائله.
وقال محمد بن عبد الحكم في رجوع اللذين شهدا في أمة لرجل أنها أم ولده: أن
عليهما قيمتها، ويخفف عنهما، لما بقي له فيها من الاستمتاع، وكذلك [8/ 508]
(8/508)
إن كانت حاملا غرما قيمتها على التخفيف،
ولو كان لها ولد وكانت شهادتهم له أنه أقر أنها ولدت هذا منه فألحق به، ثم
رجعا، فعليهما قيمته، وقال في الذي شهدا أنه أعتق أم ولده ثم رجعا: أنهما
يغرمان له قيمتها، ويخفف عنهما من ذلك بقدر ما كان بقي له فيها من الرق،/
وروي عن بعض مشايخنا أن لا شيء عليهما إذا شهدا أنه اتخذها أم ولد، وهي
رواية ما أدري ما حقيقتها، ولا أرى ذلك.
في الرجوع عن الشهادة في الانساب
والمواريث وعدد الورثة
أو بزوجة الميت أو بعتق أمة ونكاحها
من كتاب ابن سحنون: ومن ادعى أنه ابن رجل والأب ينفيه، فأقام بينة أن الأب
أقر أنه ابنه، فحكم الحاكم بذلك، ثم رجعا وأقرا بالزور بقرب ذلك، ولم يمت
الأب، فلا شيء عليهما في تثبيت النسب قبل أن يؤخذ بشهادتهما المال
بالميراث، فيرث المقصي له ويمنع العصبة، فحينئذ يغرمان للعصبة ما أتلفا
عليهم، وكذلك إن كانت الشهادة على ما قد مات وترك عصبة فقضي للإبن بالميراث
فليغرما للعصبة ما أتلفا عليهم، وعليهم في العين مثله، وكذلك فيما يكال أو
يوزن من طعام أو غيره، وفي العروض القيمة.
ومن كتاب ابن المواز: وإن شهدا على رجل أنه أقر في عبده أنه ابنه، فقضي
بالحاق نسبه وحريته، ثم رجعا والسيد صحيح البدن، فالحكم بالنسب ماض،
وعليهما للسيد قيمة العبد، فإن مات الأب بعد ذلك وترك ولدا آخر غير
المستلحق، فليقسما تركته إلا قدر قيمة المستلحق الذي يأخذ الأب من
الشاهدين، فإنها تعزل من التركة فتكون للإبن الأول وحده دون المستلحق، لأن
المستحلق مقر أن أباه ظلم فيها الشهود، وأنه لا/ ميراث له فيها، وينظر إلى
ما [8/ 509]
(8/509)
حصل للملحق من الميراث في غير القيمة،
فيغرم الشاهدان مثله للإبن الأول بما أتلفاه عليه.
قال محمد: وإنما جعلنا القضية للإبن الأول، لأنا لو قسمناها بينهما لرجع
الشاهدان على المستلحق فيما أخذ منهما فأخذاه منه، لأنه مقر أنه لا رجوع
لأبيه عليهما لصحة نسبه عنده، فإذا أخذا ذلك منه قام عليهما الإبن الأول
فأخذ ذلك منهما، لأنه يقول: لو بقي ذلك بيد المستلحق وجب لي الرجوع بمثله
عليكما وأن تغرما كل ما أخذ من التركة الذي ألحقتماه بأبي، فلذلك أخرجناها
أولا للإبن الأول.
قال: ولو طرأ على الميت بعد ذلك دين لرجل: مائة دينار، قال: يأخذ من كل
واحد من الولدين نصفها، فإن عجز ذلك ثم قضى الدين من تلك القيمة التي انفرد
بها الأول، ورجع الشاهدان على الإبن الثابت الأول، فأغرماه مثل الذي غرمه
المستلحق للغريم، لأن الملحق يقول: إن المائتي دينار التي ترك أبي منها
المائة التي هي قيمتي، لا ميراث لنا فيها، فكان جميع تركة أبي مائة قضى بها
دينه، ولم يترك شيئا غير تلك القيمة التي لا شيء لي فيها، فوجب للشاهدين أن
يرجعا، بنصفها على الإبن الأول، يريد: لأنهما لم يتلفا شيئا من التركة،
وهذه القيمة قد أقر لهما الابن المستلحق أنهما مظلومان في غرمها، فليأخذا
نصيبه/ منها من الابن الأول الذي انفرد بها.
قال: ولو لم يكن للميت ولد غير المستلحق وحده، وقد ترك مائتي دينار، قال:
فالمائة الواحدة له فقط، والمائة الأخرى للعصبة، فإن لم يكونوا قبيت المال،
ويغرم الشاهدان مائة أخرى للعصبة أو لبيت المال، لأنهما لولا شهادتهما أخذ
العصبة مائتين، إن طرأ على الميت مائة دينار لرجل أخذها من المستلحق وحده،
ورجع الشاهدان، فأخذا المائة التي وفياها للعصبة، أو لبيت المال بعد موت
الميت، وإن لم يشهدا إلا بعد موته وقد ترك ابنا وعبداً، فشهدا أنه أقر
بالعبد أنه أبنه، وفقضي بذلك، ثم مات وترك مائة دينار، فأخذ الملحق نصفها،
ثم رجعا وأقرا [8/ 510]
(8/510)
بالزور، قال: فالحكم بالنسب ماض، وليغرما
للإبن الأول الخمسين التي أخذ المستلحق وقيمة الملحق.
قال: فإن كان قيمة الملحق خمسين يغرم الشاهدان للولد الأول مائة، فصار بيده
خمسون ومائة، وبيد الملحق خمسون، فإن طرأ على الميت مائتا دينار لغريم،
فليأخذ من الملحق الخمسين التي بيده، ويأخذ من الثابت النسب مائة دينار
فقط، ليس له غير ذلك، ويرد الولد الأول الخمسين الباقية بيده إلى الشاهدين،
لأنهما إنما غرماها غرما لما ورث الملحق، فقد أخذت منه للدين ولم يرث شيئا،
قال: فإن لم يطرأ على الميت دين حتى مات الملحق: فإن كان ترك ورثة سوى أخيه
ممن يحوز المال/ فالحكم بينهم قائم كما كان لميتهم فيما يطرأ للميت الأول
من مال أو دين فيما ورثوا منه عن ميتهم مع الولد الأول، رجع بمثله الولد
الأول على الشاهدين أبدا، وما طرأ على الميت من دين فقضي مما صار لورثة
الميت الآخر، أو ما ترك ميتهم من ما كان ورث قبل موته مع ما صار للولد
الأول، رجع الشاهدان على الولد الأول بمقدار ما أخذ منه الغريم من مال
الملحق ومن ورثته، فأما إن لم يكن للملحق وارث غير أخيه: فالشاهدان أحق
بتركته حتى يأخذا منها ما غرما للأول من قيمة أو ميراث، لأنه قد رجع إليه
حين ورثه ما أتلف عليه الشاهدان، وسقط عنهما الغرم بعد ذلك فيما يطرأ للميت
من مال أو غلة.
قال: ولو كان إنما مات الثابت النسبت، فإن ترك ولدا ومن يحرز الميراث
فالأمر قائم كأنه لم يمت، لأن ورثته مقامه، وإن لم يترك إلا أخاه الملحق،
فإنه يرثه، ويغرم الشاهدان للعصبة مثل جميع ما ترك، وإن كان يرثه من يرث
معهم الملحق: قال: فاعما فيما صار للملحق من ذلك ما يفعل في المال كله لو
صار إليه بالميراث، قال: ولو طرأ على الميت مائة دينار دينا، وتركة الميت
مائتا دينار، يريد: بقيمة الملحق، قال: فأخذ المستلحق خمسين، وأخذ الابن
الأول [8/ 511]
(8/511)
خمسين ومائة، منها من القيمة، وخمسون من
المورث، فلم يوجد بيد الأول إلا خمسون، وقد أعدم بما بقي، والملحق ملي بما
أخذ، فليأخذ/ الغريم من الملحق خمسين، والخمسون التي وجد عند الأول يأخذ هو
نصفها، والشاهدان نصفها، لأن الشاهدين وجب لهما الرجوع على الأول بالخمسين
التي غرما له التي ورثهما الميت، لأنه صار الدين أحق بها فلم يتلفا على
الأول مورثه.
قال: ومن هلك فأقام رجل شاهدين أنه أخوه، لا يعلمون له وارثا غيره، فحكم له
بذلك، فورث أخاه، ثم أقام آخر شاهدين أنه ولد الميت، فحكم له وانتزع من
الأخ ما ورث، ثم رجع الأربعة فأقروا بالزور، قال: فيغرم شاهدا الأخ لبيت
المال مثل جميع التركة، ويغرم شاهدا الإبن للأخ مثل جميع التركة، فإن احتج
شاهدا الأخ أن شاهدا الإبن قد اخرجا المال عن الأخ وعن بيت المال، قيل
لهما: لا حجة لكما بذلك، لأن شاهدي الإبن قد رجعا ووجب للأخ أن يأخذ منهما
ما أتلفا عليه، ولولا شهادتكما كان ذلك لبيت المال لا للأخ.
قال: ومن ترك أخاه لأبيه فورثه، فأقام آخر شاهدا بأنه أخو الميت شقيقه،
وشاهدا أنه أخوه لأبيه، وشاهدا بأنه أخوه لأمه قال: قد ثبت له شاهدان أنه
شقيق؛ لأن الشاهد أنه شقيق قد قاربه واحد على الأب، وآخر على الأم، فيكون
أحق من الأخ للأب، فإن قضي بذلك ثم رجع هؤلاء الثلاثة وأقروا بالزور، قال:
فيلغرموا للأخ للأب ما ورث هذا بشهادتهم، فيغرم الشاهد بأنه / أخ للأب:
ثلاثة أثمان المال، ويغرم الشاهد أنه أخ لأم ثمن المال، قال: لأن الشاهد
أنه أخ لأم قد شاركه الشاهد بأنه شقيق في الأم، وذلك يوجب السدس، فصار
السدس بينهما نصفين، وأصيب الشاهد بأنه أخ لأب، وقد شاركه الشاهد أنه شقيق،
في الأب فأوجبت شهادتهما النصف، فذلك بينهما، فعلى الشاهد أنه أخ لأب
الربع، فأخرج ربعا وسدسا فذلك أربعة، فهو غرم هذين. [8/ 512]
(8/512)
وقد علمت أن على الشاهد أنه شقيق مثل
غرمهما أربعة أجزاء، فأجرى في غرمهم على ثمانية اجزاء كل ما غرموا، ولو كان
إنما ورث الميت جده وأخوه لأبيه، ثم كانت الشهادة لأخ شقيق كما ذكرنا من
الثلاثة: فإنه يؤخذ له من الأخ للأب النصف الذي في يده، ويؤخذ له من الجد
السدس، لأن الشقيق يعادل الجد بالذي للأب ولا يرث، فإن كان ذلك ثم رجع
الثلاثة: قال: فليغرم الشاهد أنه أخ لأم للاخ للأب ثلث النصف الذي أخرج من
يديه؛ لأنه قد شركه صاحباه في إخراج ذلك النصف من يديه، ولم تضر شهادته
الجد، شهد بها وحده أو مع غيره، ويرجع الجد على الشاهدين، يريد: الآخرين
بالسدس بينهما نصفين، ثم يغرمان للأخ الأول الثلث.
قال: ومن ترك مائة دينار فورثها مولاه، ثم قدم رجل فأثبت شاهدان أنه ابن
عمه، فقضي له وأخذ ما بيد المولي، ثم قدم آخر، فأثبت أنه أخوه شقيقه فأخذ
ما بيد ابن عمه، ثم قدم آخر فأثبت أنه ابنه فأخذ/ ما بيد أخيه، ثم رجع جميع
الشهود، قال: فعلى شهود الإبن غرم المائة دينار للأخ كما أتلفاها عليه،
وكذلك على شهود الأخ غرمها لابن العم، وعلى شهود ابن العم مغرمها للمولي أو
لبيت المال إن لم يكن له مولى.
ومن كتاب بن سحنون: قال سحنون: وإن شهد رجلان في أمة بيد رجل أنها ابنته
وهو يعلم كذبهما في ذلك، فقضي عليه بشهادتهما ثم رجعا فأقرا بالزور ووديا،
فالحكم بالنسب ماض، ولا يحرم عليه فرجها بينه وبين الله، إلا أنا نكره أن
يفعل فيعد زانيا، ويضيع نسب ولده، وله – إن شاء – طلب البينة بقيمتها، فإن
أخذ منهما قيمتها تم لها الحكم بالحرية ولم يجز له مسها، فإن ماتت فورث
مالها وكان فيه مثل القيمة فأكثر، رد منه على الشاهدين ما أغرمهما، وإن كان
قدر نصف القيمة رده عليهما فقط. [8/ 513]
(8/513)
وإذا سبي رجل وامرأة من أرض الحرب فيعتقا،
ثم تزوج الرجل المرأة، ثم قدم رجل من أرض الحرب فأسلم وادعى أنهما ولده
وأقام البينة المسلمين، وقضي له بذلك، ثم رجعا وأقرا بالزور، فليؤدبا
والحكم بالنسب ماض، فإن كان الرجل والمرأة لا يعلمان ما شهدت به البينة أحق
هو أو غيره، وسعهما قبول حكم الحاكم على الظاهر، فإن علما أن البينة شهدت
بزور، فهما على أمرهما الأول بينهما وبين الله، ولكنا نكره له مسها ليلا
يعد زانيا، ويبيح من حرمته، ويقطع نسبه، أو تحمل هى فترجم إذا وضعت، ولا
يحل لأحدهما أن يرث من صاحبه إن مات إلا ميراث الزوجية، فإن / لم يعلما غير
ظاهر الأمر فهما على النسب بظاهر الحكم، فإن ماتت المرأة فصار ميراثها
لأخيها، فإن على الشاهدين للمولى الذي أعتقها ثلاثة أرباع ميراثها إذا لم
يترك وارثا غير أخيها، وقال عبد الملك: لا ندري ما أراد بهذا، وأراه خطأ
وقع في الكتاب، وإنما أتلفا على المولى النصف، لأن الأخ ورث الجميع
بشهادتهما، ولولا ذلك لم يرث إلا النصف بالزوجية.
وعن ابن المواز زيادة ليست في كتاب ابن أبي مطر.
وقال في ميت ورثه أخوه فأتت امرأة بشاهدين فشهدا أنها زوجة الميت، فقضي
لها، فأخذت من الأخ الربع، ثم أتت أخري ببينة أنها زوجة الميت، فرجعت على
الأول، فقضي لها، فأخذت نصف ما بيدها، فصار الثمن بيد كل واحدة، ثم رجع
شاهدا الأولى، فعليها للثانية غرم الثمن الذي بقي بيد الأولى حتى يصير في
يد الثانية الربع كاملا، ثم إن رجع الشاهدان الآخران أيضا، فللغرماء الربع
كله، فيكون نصفه للمرأة الأولى ونصفه لشاهدي الأولى، لأن شاهدي الأولى
يقولان لشاهدي الآخرة: ولولا شهادتكما لم نغرم برجوعنا للآخرة الثمن الذي
غرمناه لها، وكذلك تقول لهما المرأة الأولى: بشهادتكما نزع مني الثمن، ثم
يرجع الأخ على الأربعة فيغرمهم الربع كاملا بينهم، ولو رجع شاهدا الآخرة
أولا، ثم رجع شاهدا الأولى، قال: فيغرم الآخران الثمن للأولى، ويغرم
الأولان الثمن للآخرة، ويغرم الأربعة / الربع للأخ. [8/ 514]
(8/514)
/ من كتاب ابن سحنون عن أبيه: ومن مات وترك
أمته وعبديه ومالا، فأقام رجل البينة أنه أخوه شقيقة، فقضي له بالنسب
والميراث، وانتزع التركة، ثم أقام أحد العبدين بينة أنه ابن الميت، فقضي له
بالنسب، وانتزع التركة من الأخ، ثم أقام العبد الثاني شاهدين بأنه ابن
الميت فقضي له بذلك، وشارك الآخر المقضي له بالنسب في الميراث، ثم أقامت
الأمة شاهدين أن السيد كان قد أعتقها في صحته وتزوجها، فقضي لها بذلك وأخذت
من الإثنين ثمن التركة، ثم رجع اللذان شهدا للعبد الأول أنه ابن، فالحكم
للأول نافذ، ويغرمان للولد الآخر قيمة العبد الأول، يأخذ هو سبعة أثمان
قيمته، والزوجة ثمن قيمته، وأما ما في يديه من المال فيأخذه الإبن الثاني،
لأن المرأة قد أخذت ثمنه، ولم يرجع إلا بينة العبد الثاني، فليغرما للأول
سبعة أثمان قيمة العبد الثاني، وللمرأة قيمته، ويغرمان للأول أيضا ما في يد
الثاني من الميراث، والحكم الأول نافذ، وكذلك لو رجع هذا بعد رجوع الأولين،
فالأمر ما ذكرنا.
ثم إن رجع شاهدا الأمة بالعتق والنكاح، فليغرما للإثنين ما أتلفا، وذلك
قيمة الأمة، وما أخذت بالميراث يكون بين الولدين نصفين، والحكم نافذ، ولا
تبال من رجع منهم أولا أو آخرا، أو رجعوا كلهم مرة واحدة، لأنها شهادة بعد
شهادة على أشياء مختلفة، ولو شهدوا كلهم بالنسب والعتق والنكاح، وحكم بذلك
ثم رجعوا، لغرموا ما هنا للأخ الأول أخ الميت/ ما أتلفوا من قيمة العبد
وجميع الميراث، ولو شهدا لامرأة على رجل بنكاح بصداق مسمي، ثم مات، أو شهدا
عليه بذلك بعد موته، فحكم لها بذلك وورثت، ثم رجعا وأقرا بالزور، فليغرما
للورثة المعروفين ما أخذت المرأة من ميراث وصداق، ولا يكون للمرأة في ذلك
شيء.
ولو كان بيده صبي عبد فشهدا أنه ابنه، وشهدا آخران في أمة عنده أنه أعتقها
فتزوجها بصداق معلوم، فقضي بذلك كله، ثم رجعوا كلهم وأقروا بالزور، [8/
515]
(8/515)
وقد مات الزوج ودخل الصبي والزوجة في
ميراثه، وأخذت الصداق؛ فإن شهود الصبي يضمنان للوارث المعروف قيمة الصبي
وما أخذ من الميراث، ويضمن شاهد الأمة للوارث قيمة الأمة وصداقها وما أخذت
من الميراث، والحكم الأول نافذ لا يرد، ولا يدخل الإبن فيما غرم شهوده
لباقي الورثة، ولا تدخل الأمة فيما يغرم لهم شهودها.
في الرجوع عن الشهادة في الولاء
وفي إرقاق الحر
ومن كتاب ابن سحنون: وإذا شهد شاهدان في ولاء رجل اختصم فيه رجلان فاثبتاه
لاحدهما، أو شهدا في رجل لا يعرف له ولاء، فأثبتا ولاءه لرجل، وهو يدعي
ذلك، والمشهود بولائه ينقل ذلك ويدفعه، فقضي بذلك، ثم رجعا وأقرا بالزور،
فلا شيء عليهما إلا أن يرد غير العقوبة، لأنه قد يموت ويدع وارثا يحجب
المولى، فإذا مات وترك مالا ولا يرثه غير ذلك المولى المحكوم له، فإنهما
يغرمان لمن / تلفا ذلك عليه حتى صار لهذا إن أقر أنهما ينزعان ولاءه من
الذي نازع الآخر في الولاء، فانتزعاه منه، وأما الذي لا يعرف له ولاء،
فعليهما ضمان ذلك لمن نزعاه منه، وإن كان يعرف دفعا إليه وإلا وقف ليأتي من
يستحقه، قال: وإنما يضمان تركته التي مات عنها، كانت أكثر مما كان معه يوم
الحكم أو أقل، فالرباع والحيوان والعروض يضمنان القيمة فيه، وما يوزن وبكال
فعليهما مثله، وما ولدت من أمة بعد الحكم فمات الولد فلا يضمناه، وكذلك لو
زادت في بدنها أو نقصت أو ماتت، فإنما يضمنان ما يملك الميت يوم مات.
ولو شهد شاهدان في امرأة ورجل أنهما لفلان وهما ويجحدان ذلك، فقضي بذلك
القاضى فيما، ثم رجع الشاهدان فأقرا بالزور فلا موضع للضمان في ذلك. [8/
516]
(8/516)
قال محمد بن عبد الحكم: إذا شهدا على رجل
أنه عبد لفلان، وهو يدعي الحرية، فقضي عليه بالرق، ثم رجعا فلا قيمة عليهما
في الرقبة، ولكنه يلزمان للعبد كل ما استعمله سيده وكل خراج أدى إليه من
عمله، وإن كان له مال فانتزعه فهذا كله يلزم السيد للعبد، ثم ليس لمن قضي
له بملكه أن يأخذ ذلك منه؛ لأنه إنما هو عوض مما أخذه هو منه، ولو مات
العبد وذلك في يديه فلا يرث ذلك السيد، ولكن يوقف ذلك حتى يستحق ذلك مستحق،
ثم يرثه بالحرية، فإن أعتق منه العبد قبل موته عبدا جاز عتقه، وكان ولاؤه
بعد لمن كان يرث عنه الولاء لو كان حرا، ويرثه العبد إن مات/ ومعتقه حتى،
وإن أوصى منه العبد كان ذلك في الثلث منه، وإن وهب منه منه أو تصدق جاز
ذلك، ويرث باقيه ورثته إن كان ممن يرثه حرا، وليس للعبد أن يتزوج منه، لأن
النكاح ينقص رقبته.
ولو مات رجل وله ابن حر فأقر أن هذا العبد أخوه لا وارث لأبي غيري وغيره،
وأنه سرق صغيرا، والعبد في يد من يدعي ملكه، فليدفع هذا المقر إلى الأب نصف
تركة الأب، وليس لسيده أن ينزعه منه، وللعبد أن يعتق من ذلك المال رقبة
ويتصدق وينفقه فيما شاء، وليس مثل ما يملكه العبد من هبة أو صدقة، لأن هذا
إنما أقر له به على أنه له على أنه حر، ولو مات هذا العبد لم يرث ذلك سيده،
ويأخذه أخوه الذي أقر بأنه أخ له.
ولو مات العبد عن ولد من أمة أشتراها من ذلك المال، أو كان ما تركة أبيه
رقيقا، فأخذ في نصيبه أمة فأولدها، فذلك الولد حر، وأمه حرة، ويرث ذلك
الولد باقي ذلك المال، وإن كنت لا أرى له أن يتسري في المال، لأن من كان له
ولد حر من العبيد حط ذلك من ثمنه، ولو أن الشاهدين برقه جرحاه فلسيده أن
يأخذ منهما ما نقصه ذلك من قيمته يوم يغرمان للعبد دية الجرح إن كان خطئاً
لا تحمله العاقلة، وإن كان مما تحمله العاقلة فلا يلزم عاقلة الشاهدين ذلك
بقولهما، ولكن يغرم له ذلك الشاهدان في أوقات وجوب الدية على العاقلة، لأن
شهادتهما أتلفت ذلك عليه، وإن كان عمدا فشاء أن يقنص منهما بجرحه فذلك له،
يريد: لإقرارهما أنه/ حر فله أن يقتص منهما خاصة بإقرارهما على أنفسهما.
[8/ 517]
(8/517)
ومن كتاب ابن سحنون: وإذا شهد رجلان على
رجل أنه عبد لرجل ادعاه، والمدعي قبله يجحد ذلك، فحكم برقه، ثم قاطعه
المحكوم له على مال أخذه منه وأعتقه أو كاتبه عليه، فأدى وأعتق، ثم أقرا
بالزور ورجعا، فعليهما أن يغرما للمشهود برقة ما ودى إلى سيده، والحكم ماض،
والولاء قائم.
في الرجوع عن الشهادة بالنسب
وقد أوجب ذلك قياما بدم أو عفوا عنه
وفي الرجوع عن الشهادة
قال ابن سحنون عن أبيه: وإن شهد شاهدان أن هذا ابن هذا القتيل لا وارث له
غيره، وله أخ شقيق معروف، أو مولي معروف، والقاتل يقر بقتل القتيل عمدا،
فحكم القاضي بذلك له بالنسب وبالقتل، فقتل، ثم رجعا وأقرا بالزور، فلا شيء
عليهما في القصاص، كما لو شهدا بعفو عن دم عمد، ثم رجعا، لأنه ليس بمال،
وعليهما ضمان كل ما ترك الميت، يغرمانه للأخ المعروف أو المولى المعروف.
وقال محمد بن عبد الحكم: يقتل الشاهدان لأن بشهادتهما قتل، وهذا قول أشهب،
وابن القاسم لا يرى في هذا القود.
محمد بن عبد الحكم: وإن صالحاه على والدية أو أقل، فليغرم ذلك الشهود، لأنه
ليس عليه أن بيبح دمه بترك غرم الدية، وإن صالح على أكثر من الدية ففيها
قولان، أحدهما: أنهما يغرمان ذلك، وقيل: ليس عليهما أكثر من الدية كأنها
قيمة، / لأن أحد الأولياء لو عفا لم يأخذ الباقون إلا حصصهم من الدية.
في الرجوع عن الشهادة في القتل في العمد والخطأ
وكيف إن كان في الشهادة عتق القاتل أو المقتول؟
قال أبو محمد: قد ذكرنا في أول الكتاب الإختلاف في البينة يشهدون على رجل
بقتل أو سرقة فقتل أو قطع، ثم رجعوا وأقروا بالزور: أنه قد قيل: إنهم
يقتلون [8/ 518]
(8/518)
في القتل، ويقطعون في القطع إذا تعمدوا
الزور، روي ذلك عن على بن أبي طالب. قال سحنون: وبهدا قال بعض أصحابنا، قال
محمد بن عبد الحكم: هو قول أشهب، وبه أقول.
قال سحنون: وأكثر أصحابنا على أن يضمنوهم الدية، وهو قول ابن القاسم وغيره.
ومن كتاب ابن المواز: وإن شهد رجلان على حر أنه قتل حرا فقتل به، ثم رجعا
وقالا: تعمدنا الزور ليقتل، فإنهما يقتلان ويضمنان الدية في أموالهم،
والحكم نافذ، لأنهما لم يجنيا بأيديهما، وإنما قتله السلطان بما غراه، ولم
أجعل ديته على عاقلة السلطان، لأن عدالتهما يوم رجعا قد سقطت، فلو قبلت
قولهما في الرجوع على العاقلة لنقضت بقولهما الحكم الأول، ولو شهدا أنه
قتله عمداً، فحكم الإمام بقتله، ودفعه إلى أولياء القتيل، فذهبوا به
ليقتلوه، فرجعا وأقرا بالزور قبل أن يقتل، فقد اضطر فيه القول، فقال ابن
القاسم مرة: لينفذ القتل عليه بالحكم الأول ولا يرد برجوعهما؛ لأنهما الآن
ممن لا تقبل شهادتهما فلا يقبل منهما ردهما بشهادتهما/ الأولى التي حكم
بها، وإنما يؤخذان بقولهما الثاني في انفسهما فيما أقرا به مما أتلفاه
وضمناه، ثم رجع ابن القاسم فقال: هذا هو القياس، ولكن أقف عن قتله لحرمة
القتل، وكلك القطع وشبهه، وأرى فيه العقل أحب إلي.
وقال أشهب في رواية أصبغ مثل قول ابن القاسم الأول، وروى عنه غيره أنه لم
ير قتله، أخبرني به إبراهيم البرقي عن أشهب في أربعة شهدوا بالزنا على محصن
فحكم برجمه ثم رجعوا قبل يرجم، قال: لا يرجم ويمضي عليه أدنى الحدين مائة
جلدة، وكذلك لو شهد شاهدان على رجل بالسرقة فحكم بقطعة، وأمر به، فرجعا قبل
يقطع، قال: لا يقطع، وكذلك في قطع يد رجل فحكم بالقصاص، ثم رجعا فليدرأ عنه
القطع، وأما الحكم بالأموال فلينفذ وإن لم يقبض. [8/ 519]
(8/519)
قال محمد: لو كان المشهود عليه بالزنا غير
محصن لأمضي عليه الحد.
قال أصبغ: والقياس إنفاذ القتل والقطع وكان شيء، ولكني استحسن لحرمة الدم
وخطر القتل ألا يقتل، ولادية فيه على المشهود عليه ولا على الشهود، وأراه
شبهة كبيرة.
وكذلك قال ابن المواز، وكذلك في الزاني المحصن، ويحد المحصن بالحكم الأول.
ومن كتاب ابن المواز: وإن شهدا أربعة على أن هذا العبد قتل رجلا حرا عبدا،
فقال اثنان منهما: ما علينا أن مولاه أعتقه، وقال الآخر: علمنا أنه أعتقه
قبل القتل، فقضي بشهادتهم وقتل القاتل، ثم رجع الأربعة وأقروا بالزور،
فقيل: إن على الأربعة دية المقتص منه في القتل/ ألف دينار لورثته الأحرار،
ثم يرجع سيده والشاهدان على أنه عبد جميعا على شاهدي الحرية، فيكون لسيده
عليهما قيمة عبده ما بلغت، لأن شهادتهما منعت السيد من أخذ قيمة عبده،
ويرجع أيضا عليهما شاهدا الرق بما زادت نصف الدية على نصف القيمة، لأنهما
يقولان: لولا شهادتكما بحريته لم نغرم نحن إلا نصف قيمة العبد.
وقال ابن المواز: ولم يعجبنا هذا، والصواب ألا يكون على الأربعة إلا قيمة
المقتص منه، قيمة عبد، يأخذ ذلك سيده، لأن شهادة الحرية لم تتم حين رجع من
شهد بها، وإنما نفذ بها القصاص فقط، لأنه لم يكن يحتاج إلى شهادتهم في
الحرية، لأنه يقتص من العبد بالحر في النفس، وإنما نفذ بشهادة الأربعة
القتل لا الحرية، ولم ينظر فيمن شهد فيه بحرية، ولا احتيج إليها حتى رجعا
عنها، فهي كالشهادة يرجع عنها قبل أن ينفذ بها حكم فلا يقضى بها، ولو لم
ينفذ القتل لبطل أيضا.
قال: ولو رجع شاهدا الزور فقط، أو شاهدا الحرية فقط، فلا شيء عليهما، لأنه
قد بقي من يكتفى به، إلا أن يرجع الباقيان بعدهما، فيلزم الأربعة قيمة عبد
[8/ 520]
(8/520)
لسيده، وسواء كان البادئ بالرجوع شهيد
الحرية أو شهيد الرق، وكذلك لو لم يشهد أنه إلا اثنان، وشهدا أن سيده أعتقه
فقتل به، ثم رجعا، ما كان عليهما إلا غرم قيمته عبدا، لأنهما لم يضرا
بشهادتهما على الحرية شيئا، ولا ثبت لورثته بشهادتهما على الحرية حين رجعا
عنها./
قال: ولكن لو لم يكن شهد على القتل إلا الشاهدان على أن القاتل عبد، وشهد
آخران أن السيد كان أعتقه، ولم يشهدا بالقتل، ثم رجعا، فإن كان رجوعهم
جملة، لم يكن فيه إلا قيمة عبد لسيده على الشاهدين بالقتل وحدهما، وكذلك إن
ابتدأ بالرجوع شاهدا الحرية، ولكن إن ابتدأ ها هنا بالرجوع اللذان شهدا
بالقتل لزمهما غرم دية حر لورثته الأحرار بشهادة شاهدي الحرية، وحينئذ
احتيج إلى شهادة شاهدي الحرية، واحتيج أن يكشف عن عدالتهما، فإن ثبتا على
شهادهما أنفذ الحكم بشهادتهما أنه حر، وحكم بشهادتهما على شاهدي القتل بدية
الأحرار في أموالهما، فإن رجع بعد ذلك شاهدا الحرية فلا تبطل شهادتهما على
الحرية، ويغرمان للسيد قيمة عبده، ويغرمان لشاهدي القتل ما كان غرما من فضل
الدية على قيمته عبدا، قال: وإن شهدا أن هذا المملوك قتل حرا وما علمنا أن
سيده اعتقه، وشهد آخران أن مولاه أعتقه، ولم يشهدا على القتل، فرجع أحد
شاهدي القتل ورجع أحد شاهدي الحرية، أو رجع شاهدا الحرية قبله، أو رجع
أحدهما وثبت الآخر مع صاحبه، قال: سواء من رجع منهم إذا كان رجوعه قبل أن
ينفذ فيه الحكم بحرية، قال في رواية غير ابن ابي مطر: فلا شيء فيه إلا أن
يثبت شاهدي الحرية حتى يحكم بشهادتهما فيكون على الراجع من شاهدي القتل نصف
دية حر لورثة المقتص منه، فإن رجع بعد ذلك أحد شاهدي الحرية، غرم للسيد نصف
قيمة عبده، / وللراجع عن القتل للذي شهد انه عبد نصف فضل دية الحر على نصف
قيمة العبد، فإن رجع شاهدا الحرية قبل رجوع أحد [8/ 521]
(8/521)
شاهدي القتل فلا شيء عليه، ولو رجع شاهدا
الحرية جميعا ما لزمهما شيء، وإنما الشأن في رجوع شاهدي القتل، فمن رجع
منهما فعلهي نصف قيمة العبد.
قال ابن المواز: ولو أقر السيد أنه قد كان أعتق العبد بعد رجوع اللذين شهدا
بالقتل والرق، أو بعد رجوع شاهدي الحرية أو موتهم، أو قبل رجوع شاهدي
القتل، فقال: أما إذا أقر السيد أنه أعتقه، ثم رجع شاهدا القتل فعليهما دية
حر لورثته، بشهادة شاهدي الحرية لا بإقرار السيد، أنه أعتقه، فإن رجع بعد
ذلك شاهدا الحرية لم يكن عليهما لشاهدي القتل إلا فضل ما بين قيمته ودية
حر، لأن بشهادتهما أغرما الدية، وتسقط عنهما قيمته التي كانت تجب للسيد [لو
لم يقر بعتقه ولم يشهد أصحاب الحرية، ولو أقر السيد بعتقه] ثم رجع بعدهما
شاهدا القتل، فعلى شاهدي القتل قيمة عبد، يدفعان ذلك إلى ورثته، لأن سيده
يقر أنه لاحق له فيها، وليس قوله: إنه حر يوجب عليهما دية، لأنهما يقولان:
وإنما شهدنا أنه عبد، وشاهدا الحرية قد رجعا قبل ينفذ الحكم بشهادتهما، ولو
شهدا أن رجلا حرا قتل فلانا خطأ، فحكم في ذلك بالدية على عاقلته، ثم رجعا
وأقر بالزور، فللعاقلة الرجوع على الشاهدين إن وديا [والله الموفق للصواب
برحمته]./
في الرجوع عن الشهادة
في العفو عن الدم
على مال أو على غير مال
من كتاب ابن سحنون: وإذا شهدا على ولي الدم أنه عفا عنه، أو على المجروح في
جرح عبد أنه قد عفا عنه، فحكم القاضي بإسقاط القود، ثم رجعا فلا يضمنان
شيئا، لأنهما لم يتلفا مالا، ولا قصاص على القاتل لأنه حكم نفذ ولا يرد،
وكذلك في كتاب ابن المواز، وشبهه برجوعهما في الطلاق. [8/ 522]
(8/522)
قال محمد عبد الحكم: بل يغرمان الدية، لأنه
كان له في أحد قولي مالك أن يقتل أو يأخذ الدية، وهو قول أشهب، وتمامها في
آخر الباب.
قال في كتاب ابن سحنون عن أبيه: ويجلد القاتل مائة، ويحبس سنة، ويؤدب
الشاهدان، ولو كانت شهادتهما على أنه عفا على أنه يأخذ مائة درهم، وهو
يجحد، والجاني يدعي ذلك، فحكم بذلك ثم رجعا، فإنه لا شيء لولي القصاص، لأن
الجاني مخرج المال مقر بأنه عفا عنه بذلك، وولي القصاص لم يتلفا عليه غير
القصاص الذي لا ثمن له، وإن كان الجاني يجحد الصلح، وولي القصاص يدعي أنه
صالحه على أكثر من الدية أو أقل، فقضى القاضي بذلك، ثم رجعا، فإن عليهما أن
يغرما للجاني ما أخرجا من يديه، ويؤدبان، ولو قال ولي الجناية: صالحتك على
مائة دينار، وقال الجاني: بل على خمسين دينارا، فولي الجناية المدعي لزيادة
المال وقد اتفقا على أنه صالحه واختلفا / وفي المال، فإن أقام ولي الجناية
بدعواه بينة فحكم بها ثم رجعا، فليضمنا ما زاد بشهادتهما على ما أقر الجاني
به، وذلك خمسون ديناراً.
ومنه ومن كتاب ابن المواز: ولو شهدا أنه عفا عن دية خطأ: قال في كتاب ابن
سحنون: أو عن جرح خطأ يكون أرشه أقل من ثلث الدية، وذلك لدم الخطأ في نفس
أو جرح ثابت بغيرهما، فقضي بذلك ثم رجعا، قال في الكتابين: فإنهما يضمنان
ما أتلفا من دية النفس وإسقاطها عن العاقلة، فيكون عليهما في ثلاث سنين
منجمة، قال ابن المواز: إلا أن تكون قد حلت.
قال في كتاب ابن سحنون: وما أتلفا من أرش جرح دون الثلث ضمنا ذلك حالا.
قال ابن المواز: ولو شهدا بالعفو عن قتل عمد ولم ينفذ الحكم حتى رجعا، قال:
فكأنهما لم يشهدا، وينفذ القتل على القاتل، وكذلك في جميع الأشياء إذا
رجعوا قبل الحكم فالشهادة مرتفعة. [8/ 523]
(8/523)
ومن كتاب محمد بن عبد الحكم: فإن شهدا
بالعفو من ولي الدم عن قاتل عمد، فقضي بذلك ثم رجعا فليغرما الدية، لأنه
كان في أحد قولي مالك: أن يقتل أو يأخذ الدية، وقاله أشهب، وروي عن أشهب:
أنه لا شيء عليهما، لأنهما إنما أتلفا دما لا مالا، ولا قيمة للعمد، وهذا –
عندي – خلاف أصله الذي بني عليه القصاص، وقد قال فيمن عفا عن قاتل وليه أنه
يحلف: ما عفا إلا ليأخذ الدية، / ثم يأخذ نصيبه منها، وقال أيضا: إن لم
يشترطها فلا شيء له، وإنما هذا – عندي – لاختلاف قوله في الأصل، مرة جعله
مخيرا في القتل أو الدية، ومرة قال: ليس له إلا القصاص، قال محمد: وبأي
القولين قلت، فإني لم ألزمهما الدية إذا رجعا.
في الحكم ينفذ ثم يظهر ما يبطل به
مثل البينة تقوم بقتل رجل عمدا أو خطأ
فحكم بذلك ثم يقدم المشهود بقتله حيا،
وشبه ذلك مما يظهر فيه الكذب
أو يظهر المرجوم محبوبا
من كتاب ابن المواز: وإن شهد رجلان أن هذا الرجل قتل ابن هذا عمدا، فقضي
بقتله فقتل، ثم قدم ابن الرجل حيا، قال ابن القاسم: لا شيء على الإمام، ولا
على عاقلته، ولا على الأب، ويغرم الشهود ديته في أموالهم، وقال أصبغ، وإنما
الخطأ في ذلك من الشهود، فإن كان ذلك منهم تعمدا فذلك في أموالهم، وإن شبه
عليهم فهو على عواقلهم، وهذا يخالف رجوعهم، قال ابن القاسم: ولو صالح الأب
القاتل على مال لرد الأب ما أخذ، قال ابن المواز: فإن كان عديما لم يتبع به
الشهود، وروي ذلك عن ابن القاسم، وقال ابن القاسم: ولو شهد أنه قتله خطأ
فقضي بذلك فأخذ الأب الدية من العاقلة، ثم قدم ابنه فليرد إلى العاقلة ما
أخذ منهم، فإن وجد الأب عديما بذلك فليغرم ذلك الشاهدان، وهذا بخلاف
رجوعهما، لأنهما لعلهما كذبا في رجوعهما / ولم ينفذ الحكم بقولهما، وهذا
لما [8/ 524]
(8/524)
قدم المشهود بقتله فقد ظهرت حقيقة باطل ما
شهدا عليه به.
قال ابن سحنون عن أبيه: إذا شهدا أنه قتله عمدا، فقضي بالقتل، وقتل المشهود
عليه، ثم قدم المقتول حيا، فعلى الشاهدين ضمان الدية لولاة المقتول، ثم لا
يرجعان بها على القاتل بشيء، لأنهما هما اللذان تعديا وأباحا للولي قتله،
وليس لولي المقتول أن يأخذ الدية إلا من الشاهدين، إلا أن يكون عديمين
فيرجع على الولي القاتل المتلف للنفس، فإن أخذ ذلك منه لم يرجع على
الشاهدين به، لأنه هو الذي أتلف النفس، وهو كمن تعدي على مال رجل فأطعمه
لآخر لا يعرم بعدائه، فله طلب المتعدي [ثم لا رجع المتعدي على الآكل بشيء،
فإن كان المتعدي] عديما رجع به على الآكل، ثم لا يرجع الآكل على المعتدي.
وقد روي أن ولي الدم مخير إن شاء اتبع بذلك الشاهدين، فإن اختار ذلك لم يكن
له التحول عنهما إلا أن يعدما فيكون له، لأنه لو أخذ ذلك الشاهدين لرجعا
بذلك على الولي، وإن اختار تضمين القاتل، فليس له التحول عنه إلى الشاهدين،
أعدم أو لم يعدم، ولو ودى الولي إلى القاتل لم يكن له رجوع على الشاهدين،
وقد روى أنه لا يرجع على الولي بشيء، لأن ظهور المحكوم بقتله حيا قد أبطل
الحكم، ولا شيء على الولي لأنه أخذ ما أعطاه الشاهدان/ على أنهما صدقا
عنده، والذي أخذ قصاص لا ثمن له، وعلى الشاهدين غرم الدية، لأنهما اللذان
أتلفا ذلك، ولا شيء على الحاكم، لأنه قد اجتهد كما عليه.
قال: وإن شهدا أنه قتله خطأ، فقضي على العاقلة بالدية، فأخذها الأب، ثم قدم
الابن حيا، فللعاقلة أخذ الشهود بما ودوا حالا، ولا شيء لهم على الولي [إلا
في عدم الشهود، فيأخذون بها الولي مأخذه، فإن وداها الشهود لم يرجعوا بها
على الولي] وإن وداها الولي، ثم لم يرجع بها على الشهود. [8/ 525]
(8/525)
وقد روي أن العاقلة مخيرة، فإن اتبعت
البينة فلا يتحول عنهما إلا أن يعدما فيطالب الولي لأنهما كانا لو أغرما
أولا الشاهدين، كان لهما أن يرجعا بذلك على الولي، وإن تابعت الولي فلا
تتحول عنه وإن أعدم، لأنه الذي أخذهما، وهو لو غرمها لم يرجع بها على
الشاهدين.
قال سحنون: ولو شهدا على إقرار رجل أنه قتل فلانا عمدا، وادعى ذلك الولي
فقضي عليه بالقتل، ثم قدم المشهود بقتله حيا، فلا ضمان على الشهود ها هنا،
لأنهم إنما شهدوا على إقراره، ولولي المقتول بالقود أن يضمن القاتل الدية،
لأنه أتلف النفس، إلا أن يرجعا عن شهادتهما فيقولا: ما أقر عندنا بشيء وقد
كذبنا، فيكون كما قلنا في المسألة المتقدمة، وكذلك لو شهدا على إقراره أنه
قتل فلانا خطأ، فقضى القاضي عليه بالدية في ماله، ثم قدم المشهود بقتله
حيا، فلا شيء على / الشهود في هذا، لأنهما إنما شهدا على إقراره، وليرجع
الذي ودى الدية بها على من قبضها منه، إلا أن يرجعا عن شهادتهما في الإقرار
ويقرا بالزور.
ولو شهدا على شهادة شاهدين: أن فلانا قتل فلانا خطأ، فقضي القاضي بذلك،
وأغرم العاقلة الدية، ثم قدم المشهود بقتله حيا، فإنه تردع العاقلة على
الذي قبض منهم الدية، فيأخذوها منه تاجزة، ولا شيء على الشهود، لأنهم شهدوا
على شهادة غيرهم، إلا أن يقروا بتعمد الكذب في نقلهم فيكون – كما تقدم – أن
للعاقلة أخذ الولي بالدية، ثم لا يرجع بها الولي على الشهود، فإن رجعوا بها
على الشهود كان للبينة أن يرجعوا بها على الولي.
ومن كتاب محمد بن عبد الحكم: وإذا شهد شاهدان أن رجلا حلف، يعني: بحرية
عبده: أن في قيده عشرة أرطال، وقد حلف بحريته: أن لا ينزع عنه القيد شهرا،
وقد فعل العبد ما يستوجب به ذلك، ثم أتى شاهدان فشهدا أنه ليس في القيد
ثمانية أرطال. قال عبد الله: أراه يريد: فحكم القاضي بحرية العبد، قال في
الكتاب: ثم إن السيد نزع القيد، قال عبد الله: يريد: بعد الشهر، قال: [8/
526]
(8/526)
فوجد فيه عشرة، قال محمد: فلينقض القاضي
حكمه لأنه ظهر كذب الشاهدين.
وقال أصحاب أبي حنيفة: ينفذ العتق ويضمنان القيمة، جعلوه كالرجوع، وذلك غير
مشتبه، لأنهما في الرجوع لا يعرف أي قوليهما أصدق، والآن فقد ظهر كذبهما
أولا، قال: / لو وجد في القيد تسعة، لم يرد عتق العبد، لأنه وإن تبين كذب
الشاهدين في هذا، فقد عتق على السيد بالحنث، وقال في المشهود عليه بالزنا:
فيرجع فيوجد مجبوبا بعد أن رجم، قال: فديته على عاقلة الإمام، ولا شيء على
الشهود، وقاله أشهب.
في الرجوع عن الشهادة في الزنا والسرقة
وكيف إن شهدوا في عبد أنه أعتق ثم زنى؟
أو شهد قوم بالعتق وقوم بالزنا
وفي الرجوع عن الشهادة في حد القذف
وزنا البكر، وفي الأدب والتعزير
من كتاب محمد بن عبد الحكم: وإذا شهد أربعة على رجل أنه زنا وأنه محصن،
فرجم، ثم رجع الشهود فأقروا بتعمد الزور، فذكر محمد الاختلاف في قتلهم في
التعمد، وذكر أن أشهب يقول: إنهم يقتلون إذا أقروا بتعمد الزور، واحتج محمد
بأن علي بن أبي طالب قال في الشاهدين على السرقة، ثم قالا بعد أن قطع
السارق: قد أوهمنا وإنما هو آخر، فقال: لو اعلمكما تعمدتما لقطعت أيديكما،
وذكر عن النخعي والحسن في القتل: أنهما يقتلان إذا تعمدا، واحتج ابن عبد
الحكم فيمن أمسك رجلا لآخر حتى قتله، أنه يقتل إذا علم أنه يريد قتله، قال:
والشهود أشد من هذا، وكذلك يقطعون في تعمد الزور في الشهادة بالسرقة أو قطع
يد، فقطع المشهود عليه. [8/ 527]
(8/527)
قال عبد الله: وذكر بعض ... البغداديين /
أن قول مالك اختلف في تعمد الشهود للزور في القتل بالقطع، قال محمد بن عبد
الحكم: قال أشهب: إذا رجعوا بعد الرجم، فإن أقروا بتعمد الزور حدوا حد
الفرية وقتلوا، فإن لم يتعمدوا فالدية على عواقلهم، ولا شيء على الوالي.
وقد ذكرنا في باب الرجوع عن الشهادة في القتل الاختلاف في هذا، وقول ابن
القاسم وغيره فيه.
ومن كتاب ابن المواز: وإذا شهد خمسة على الزنا أو أكثر، فرجم بشهادتهم، ثم
رجع منهم واحدا أو أكثر، وأقر بتعمد الزور، فإن بقي ممن لم يرجع أربعة، فلا
شيء على من رجع من حد ولا غرم، وعليه الأدب، ثم إن رجع بعد ذلك من الأربعة
واحد، لزم غرم [ربع] الدية، يدخل فيه معه من سبقه بالرجوع، قلوا أو كثروا
مع الحد على كل منهم سواء رجعوا معا أو مفترقين، ولا أدب عليهم مع الحد.
فإن رجع آخر أيضا، لزمه ربع الدية يشاركه فيها كل من رجع قبله، ويشركهم
فيما غرموا قبله، فيصير نصف الدية على جميعهم على عددهم، والحد على عددهم،
وهذا أحسن ما سمعنا، وإن رجع ثالث من الأربعة، لزمه مع كل من رجع قبله:
ثلاثة أباع الدية.
وذكر لنا عن ابن القاسم أنه كان يقول: على من رجع الحد، وإن بقي ممن لم
يرجع أربعة أو أكثر، وأبى ذلك غيره من أصحاب مالك، وكذلك سمعت عبد الملك
يقول: وروى مثله أصبغ وأبو زيد عن ابن القاسم في الأسدية، وروى عنه أصبغ في
مجالسه قوله الآخر الذي يخالف فيه/ عبد الملك، وكأنه تأول في ذلك أن الراجع
مقر أنه قاذف لمن لم يرق، وأنه وبقية الشهود اتفقوا على أن يشهدوا عليه
بالزورفي ذلك في مقام واحد، وانه لقول حسن، ولم أرو عنه هذه الحجة. [8/
528]
(8/528)
ومن حجة عبد الملك: أنه لما بقي عليه أربعة
ينقذ بهم عليه الحد، فكان الراجع إنما قذف من حق عليه الزنا، وإذا رجم
بشهادة أربعة في الزنا ثم رجع أحدهم، فإنه يحد ويغرم ربع الدية، ولا حد على
من لم يرجع، وذكر عنه أنه كان قال بحد من لم يرجع مع الراجع، ثم رجع عن هذا
القول وقال: لأن الحكم لم ينتقض.
قال ابن المواز: وإن شهد سبعة على رجل محصن بالزنا، فأمر الإمام برجمه،
فلما فقئت عينه في الرجم، ورجع واحد والشهود، ثم تمادوا في رجمه فأوضح
موضحة، فرجع ثان من الشهود، ثم تمادوا في رجمه حتى قتل، فرجع آخر، قال: إنه
لو لم يرجع هذا الثالث ما كان على من تقدم من رجوعه شيء، وأرى على الراجع
الأول بعد فقء العين سدس دية العين، وعلى الراجع [بعده بعد الموضحة خمس دية
الموضحة وسدس دية العين، وعلى الراجع بعد قتله ربع ديه النفس فقط، لأن ديه
النفس تأتي على ما قبل ذلك.
قال في غير رواية ابن أبي مطر: فقد قيل فيها: إن على الثالث أيضا خمس دية
الموضحة وسدس دية العين، والأول أصح.
قال سحنون في كتاب ابنه: وإذا شهدا على رجل بالسرقة فقطع ثم رجعا، فعليها /
ديه اليد في أموالهما، وإن رجع واحد، فعليه نصف دية اليد، وكذلك في القصاص
في النفس وفيما دونها في جميع الأموال، وإن شهدا عليه أربعة بالزور بالزنا،
وشهد اثنان غيرهم بالإحصان، أو أقر أنه محصن، فرجم ثم رجع شاهدا الزنا
وشاهدا الإحصان، فالغرم للدية على شهود الزنا، ويحدون للقذف، ولا شيء على
شاهدي الإحصان ولو رجع واحد من شهود الزنا قبل انفاذ الحكم، وطلب المشهود
عليه جرحتهم فجرح واحد منهم، فإن الحد على جميعهم، حد الفرية، لأنه لم ينفذ
الحكم، ولو حكم القاضي بالرجم فلم يرجم الرجل حتى رجع [8/ 529]
(8/529)
واحد وإنما يحد الراجع وحده، ولا يسقط الحد
عن المشهود عليه، وعلى الراجع ربع الدية، ولا شيء على الثلاثة.
قال ابن المواز: اختلف علينا في هذه المسألة، فقال ابن القاسم: إنما الدية
على شهود الزنا إذا رجعوا، ولا شيء على شاهدي الاحصان رجعا جميعا أو
أحدهما.
وقال أشهب وعبد الملك: بل الدية على الستة أسداسا. قال ابن المواز: والذي
أقول به: أن نصف الدية على شاهدي الإحصان، ونصفها على شهود الزنا، وقال
أصبغ بقول ابن القاسم، وقال: وهو كما لو شهد شاهدان على رجل أنه حلف بحرية
عبده إن دخل المسجد شهرا، وشهد غيرهما أنه دخله قبل الشهر، فقضي عليه
بالحرية، ثم رجع شاهدا الدخول، فلا شيء عليهما، وإن رجع شاهدا اليمين قضي
عليهما بقيمته، ولا شيء/ على شاهدي الدخول إلا ما لزمهم من الجرحة.
قال ابن المواز: وقد سمعت من يقول: إن نصف الدية على الأربعة الراجعين في
الزنا، ونصفها على الراجعين عن الاحصان، رجعا جملة أو مفترقين، ومن رجع
فعليه على هذا الحساب.
ومن كتاب ابن سحنون، وذكر عند يحيى بن سعيد من رواية ابن وهب في أربعة
شهدوا بالزنا على محصن، فرجم، ثم رجع اثنان وأقرا بتعمد الزور، قال: يغرمان
العقل عقلا تاما.
قال عبد الملك وسحنون: ولو كان الشهود ثمانية ثم رجع اثنان بعد الرجم، فلا
غرم عليهما ولا حد ولا على الباقين، لأنه ممن عليه الرجم ثابت بشهادة من
ثبت، ولكن على من رجع الأدب فقط لإقراره بتعمد الزور. [8/ 530]
(8/530)
ولو رجع خمسة وبقي ثلاثة، فعلى الخمسة يرجع
العقل بينهم أخماشا، وحد القذف، ولا أدب عليهم غير ذلك، ولا شيء على من لم
يرجع من غرم ولا جلد. لأنه حكم نفذ فلا ينقض، ولأنهم لم يقروا على أنفسهم
بأمر يؤخذون به، ثم إن رجع أحد الثلاثة الباقين جلد حد القذف، ويصير عليه
وعلى من قتله نصف الدية بالربع المتقدم، فيكون النصف عليهم أسداسا، ثم إن
رجع أحد الإثنين الباقيين يحد وتصير شركتهم أجمع في ثلاثة أرباع الدية بين
السبعة أسباعا، ولا شيء على الباقي، فإن رجع أيضا الثامن حد وكانت الدية
على جميعهم أثمانا.
وإن شهد ثمانية على رجل بالزنا / والإحصان، كل أربعة على زنا على حدة،
بامرأة على حدة، فقضى القاضي برجمه، فرجم، ثم رجع أربعة شهدوا على زناه
بامرأة واحدة، فلا حد عليهم ولا غرم، لأنه قد بقي من لو ابتدئ بهم الحق
لرجم بهم، ثم إن رجع واحد من الأربعة الثانية، فعليه الحد وعلى الراجعين
قبله، لأنهم أقروا أنهم قذفوا غير زان، وعليهم ربع الدية أخماسا، والحكم
الأول نافذ، وحتى لو قذفه أحد بالزنا لم يحد، ولكن يؤدب، لأذاه له، إلا
الذين رجعوا فإن عليهم الحد إن قذفوه، لأنهم يقرون على أنفسهم أنه غير
محدود بحق.
ولو رجع واحد من كل أربعة من هاتين الطائفين، كان عليهما الحد وربع الدية،
لأنه لم يبق على زنا كل امرأة إلا ثلاثة. ولو رجع اثنان من كل طائفة فعليهم
نصف الدية أرباعا مع الحد، ولو كان ثلاثة من كل طائفة فعليهم أرباع الدية
بين الستة وحد الفرية، ولو رجع الثمانية غرموا الدية وحدوا، ولو رجع ثلاثة
من طائفة، وواحد من طائفة، فعليهم ربع الدية والحد، فخذ هذا على هذا النحو.
قال سحنون: وإن شهد رجلان على رجل أنه أعتق عبده والسيد يحجد فقضي عليه،
وشهد أربعة أنه زنا، وأنه محصن، فقضي عليه بذلك ورجم، ثم رجعوا كلهم فينظر
إلى السيد، فإن كان مقيما على إنكار العتق، فله القيمة على شاهدي العتق،
وعلى شهود الزنا الحد والدية لورثة المعتق الآخر، فإن لم يكن له [8/ 531]
(8/531)
وارث غير/ السيد الذي يجحد الحق، فإنه إن
أخذ القيمة من شهود العتق، رجع بها شهود بالعتق على شهود الزنا، ولم يكن
على شهود الزنا إلا قيمة عبد، وإن أخذ السيد القيمة من شهود الزنا، لم يكن
على شهود الزنا غيرها، لأن السيد لم يقر بعتقه ويزغم أنه عبده، ولا يرجع
شهود الزنا على شهود العتق بشيء، لأنهم هم أتلفوا النفس، وإن أقر السيد
بالعتق لم يكن على شاهدي العتق شيء، وله الدية على شهود الزنا، إن لم يكن
وارث غيره، وإن كان يرثه غيره فذلك لوارثه.
ولو رجع شاهدا العتق وأقرا بالزور ولم يشهدا عليه بالزنا، فالحكم بالعتق
ماض، والولاء للسيد، فإن رضي أخذ القيمة من شاهدي العتق فذلك له، وقد يعتق
بعض الناس عن بعض فالولاء للمعتق عنه.
وإن شهد أربعة على رجل أنه أعتق عبده، وإن العبد بعد عتقه زنا وهو محصن،
فقضي شهادتهم وعتق ورجم، ثم رجع اثنان عن الغرم واثنان عن الولاء فلا ضمان
على الراجعين عن العتق، لأنه قد بقي من يتم به العتق لو انفردا، وإن كان
للمرجوم وارث من نسب فله نصف الدية على الراجعين عن الزنا، وعليهما حق
القذف، فإن لم يكن وارث غيره أحق، فقد أقر له شاهدا الزنا الراجعان بنصف
الدية، لأنهما يزعمان أنه حر وأنه مولاه، فإن اعترف السيد بالعتق فله نصف
الدية، وإن أقام على جحوده، فله عليهما / نصف قيمة عبده إلا أن تزيد على
نصف الدية فلا يزاد، وإنما له الأقل.
وإن شهد شاهدان على رجل أنه سرق مائة درهم من حرزها، فقضي بقطعة وأغرم
المائة، إما كانت بقيمتها أو لم تكن بعينها، وكان يسره متصلا، ثم رجعا،
فعليهما نصف دية اليد وغرم المائة، وإن رجع أحدهما فعليه نصف ذلك كله. [8/
532]
(8/532)
قال سحنون: وإذا شهدوا على رجل في شتم أو
حد قذف، أو في حد زنا البكر، أو على لطمة، أو ضرب بالسوط مما يوجب الآدب،
أو على العفو عن الدم يعني العمد، أو الطلاق، يريد: في التي قد بنى بها،
فيقضى بذلك، ويقيم الأدب فيما فيه الأدب، ثم رجع الشهود وأقروا بالزور، في
هذا عند جميع أصحابنا غرم ولا قود معروف إلا الأدب من السلطان، ولا تقع
المماثلة في اللطمة، ولا ضرب السوط بأمر يضبط، ولا أرش لذلك، وإنما فيه
الأدب.
في البينة يقضى بها ثم يتبين ان أحدهم عبد
أو ذمي أو مولى عليه أو غير عدل
وكان ذلك في مال أو زنا أو قذف أو غيره
من كتاب ابن سحنون: قال: سحنون: وإذا شهد شاهدان على رجل بمال فقضى به
القاضي بعد التأني والكشف كما ينبغي، ثم ظهر أن أحدهم عبد، أو ذمي، أو مولى
عليه، فعلى المقضي له بالمائة رد المال إلى المحكوم عليه، إلا أن يحلف مع
الشاهد الباقي فيعم له ما أخذ، فإن نكل حلف المحكوم/ عليه إن شاء وأخذ
ماله، فإن نكل فلا شيء له، قال في موضع آخر: والحكم ها هنا ينقض بخلاف رجوع
البينة، وبخلاف إن ظهر أن أحدهم مسخوط. قال أبو محمد: وقد اختلف في قبول
شهادة المولي عليه لسوء نظره في المال لا لجرحة فيه، وهذا مذكور في كتاب
الشهادات.
قال سحنون: ولو كان الحكم في قصاص في قتل أو قطع يد: فإن حلف المقضي له
بالقصاص في اليد مع شاهده الباقي، أو حلف المقضي له بالقتل مع رجل من عصبته
خمسين يمينا قسامة، ثم له الحكم الأول، وإن نكل عن القصاص في اليد، ولم
يعلم أن شاهده عبد لظاهر حريته، فليحلف المقتص منه في اليد: أن ما شهد به
عليه باطل، وإذا نكل المقضي له بالقتل عن القسامة، فالنكول في مثل هذا ترد
به الشهادة، وينقض به الحكم. [8/ 533]
(8/533)
فقال بعض أصحابنا: ولا ضمان [على الحاكم،
وهو لم يخطئ، وقد اجتهاد وفعل ما عليه من القتل على ما ظهر له، ولا ضمان]
على المحكوم له بالقصاص، لأنه لم يأخذ ثمنا فيرده، وغرم ذلك على الشاهدين
إن كانا جعلا رد شهادتهما عنه بأن أحدهما عبد أو ذمي، وقال بعض أصحابنا: إن
ذلك على عاقلة الإمام، وقيل: ذلك هدر لا على عاقلة الإمام، ولا على البينة،
ولا على المحكوم له، وإنما خطأ الإمام الذي يكون على عاقلته ما جاوز ثلث
الدية منه ما يخطئ فيه في نفس الحكم، مثل أن يقتل أو يقطع من لايجب ذلك
عليه، / أو يجيز شهادة العبد والذمي والمولى عليه، وهو يرى أن ذلك يجوز، أو
يقطع من سرق [من غير حرز، أو من سرق] تمرا أو كثرا، وأما أن يظهر له ما لم
يكن يعلمه، وما بالغ فيه في الاعذار والإجتهاد، فهذا الذي عليه، وكذلك لو
حكم بالرجم في الزنا، ثم ظهر أن أحد الشهود عبد أو ذمي أو مولى عليه،
فالحكم زائل كأنه لم يكن، ويجلدون للقذف، وقال بعض أصحابنا: الغرم على
الحاكم إن كان الشهود لم يعلموا أن الذين شهدوا معهم كما ظهر من أمرهم، وإن
كانوا يعلمون ذلك فعليهم الغرم. وقال بعضهم: إن كانوا جهلوا رد شهادتهم
عنه، وقيل: لا شيء عليهم ولا على الحاكم إن جهلوا من معهم، أو كانوا عرفوا
بهم، أو جهلوا أن شهادتهم لا تجوز، فأما إن علموا بهم وعلموا أن شهادتهم لا
تجوز فهم ضامنون للدية.
ومن كتاب ابن المواز: قلت: فإن شهد ستة على رجل بالزنا وهو محصن فرجم
بشهادتهم، ثم رجع إنسان منهم؟ فقلت: لا شيء عليهما من غرم ولا حد، أرأيت إن
وجد من الأربعة الذين ثبتوا أحدهم عبدا؟ قال: فإنه يرجع على الراجعين الذين
شهدوا منهم بربع الدية مع الحد، وليس على من لم يرجع من الأحرار شيء ولا
غرم ولا حد، ويحد العبد أربعين جلدة ولا غرم عليه. وإذا لم يشهد عليه إلا
أربعة فرجم بشهادتهم، ثم وجد أحدهم عبدا، فإن عليهم الحد أجمعين للقذف،
وعلى العبد نصف حد الحر. [8/ 534]
(8/534)
قال / أصبغ: وقال ابن القاسم: إن كان علم
الشهود أنه عبد، فعليهم الدية في أموالهم، وإن لم يعلموا فهي على عاقلة
الإمام، ولا شيء على العبد في الوجهين، وأما إن وجد أحدهم مسخوطا: فقد قال
ابن القاسم بنقض الحاكم كما لو كان عبدا أو ذميا، ويضرب هو ومن شهد منه من
مسلم حد القذف إن كانت هذه الجرحة قبل يشهد.
وقال أشهب: لا يرد الحكم في المسخوط، ولا ضرب عليه وعلى من معه.
قال ابن المواز: ولا أعلم إلا وقد قاله لي عبد الملك. قال أشهب: وكذلك لو
كان الحكم في مال، فلا ينقض، فأما في العبد والذمي قينقض الحكم ويحلف
المقضي له بالمال مع شاهده الباقي، ويبقي له، فإن نكل حلفه ضامنه وأخذه
منه.
قال محمد: وقول أشهب وعبد الملك هو أحسن إن كان القاضي غير الذي قضى
بشهادتة، فأما إن كان هو الذي قضى بشهادته فلينقضه ما لم يفت، مثل القطع
والقتل والرجم، وأخبرني بقول ابن القاسم أبو زيد وأصبغ عند، وقال: ولا ينقض
الحكم برجوع من رجع من الشهود، والحكم ماض، وعليهم غرم ما أتلفوا، وقد كان
ذكر عنه أنه قال: إن رجع واحد منهم أنه يحد هو ومن لم يرجع، ثم رجع فقال:
ولا يحد غير الراجع وحده، وأحده على هذا، وقال: لا ينقض الحكم برجوعهم كلهم
بخلاف أن لو وجد أحدهم عبدا، هذا ينقض فيه الحكم الأول، ويسقط الحق عن
المقضي عليه، ويكون على عاقلة الإمام في القتل الدية، / إلا أن يكون بقية
الشهود علموا برق هذا فيضمنوا الدية في أموالهم، وأما لو رجم بشهادة أربعة
في الزنا، ثم وجد بعد أن رجم مجبوبا فقد ذكرنا هذا في باب تقدم [8/ 535]
(8/535)
في الحكم ثم يظهر ما يبطله أن ديته على
عاقلة الإمام، قال: وإن شهدا على أن رجلا قتل رجلا، فقضي بشهادتهما، واقتص
منه، ثم وجد أحدهما عبدا؟ قال: هذا ينقض فيه الحكم، وتكون كدية المقتول على
عاقلة الإمام.
قلت: ولا تكون فيه القسامة مع الشاهد الباقي. قال: فعلى من يقسمون وقد فات
وأخذوا حقهم بالقصاص؟
وقال سحنون في كتاب الإكراه: إذا أقامت المرأة شاهدين على زوجها أنه رماها
بالزنا، فأمر القاضي الزوج باللعان فالتعن خوفا أن يبيح ظهره وهو يعلم
أنهما شهدا بزور، والتعنت هي وفرق بينهما، ثم تبين أن أحد الشاهدين عبد أو
مجروح، فإن القاضي، يبطل الحكم باللعان الذي كان بينهما، ويردها إليه وتكون
امرأته، قال سحنون: ولا يكون قوله: أشهد بالله أني من الصادقين إقرار من
قبل أنه قد ظهر أنه أضطره إلى ذلك خوفه الحد، فصار كمن لم يقر وكالمكره،
وقال ابن الماجشون في كتابه: ولو رجع الشاهدان بعد الحكم بتمام اللعان لم
يغرما، يريد: للزوج شيئا إن كان الزوج قد دخل بها، وكذلك إن لم يدخل بها في
قوله، وقد مضى ذكر الإختلاف في رجوعهما قبل البناء.
فيما يحل بالحكم الظاهر وما لا يحل / بالحكم
لمن يعلم خلاف ظاهرة من محكوم له أو غيره
وما دخل في ذلك من الرجوع
عن الشهادات
قال أبو محمد: وهذا الباب قد كتبنا مثله وأوعب منه في كتاب الأقضية.
قال سحنون في كتاب ابنه: وحكم الحاكم لا يبيح للمحكوم له ما يعلم باطل
دعواه فيه، وما يعلم الله أنه حرام، فإذا علم ذلك أحد فلا يحل له بظاهر [8/
536]
(8/536)
الحكم، وإنما يحكم الحاكم بما يظهر له،
وذلك أن النبي (صلي الله عليه وسلم) قال: فأقضي له بنحو ما أسمع، فمن قضيت
له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار واحتج على أهل
العراق بهذا وبغيره مما ذكرته في كتاب الأقضية.
قال: وإذا شهد رجلان أن رجلا قذف امرأته بالزنا، والرجل يعلم أنهما شهدا
بزور، فقبلهما القاضي، وأمره باللعان فالتعن خيفة أن يحد بالقذف، والتعنت
هي وهو يعلم كذبهما، ففرق بينهما الحاكم بظاهر ما ظهر إليه، وجعلهما لا تحل
له أبدا، أن ذلك لا يحرم عليه بينه وبين الله سبحانه، ولكن نكره ذلك لئلا
يعد زانيا فتنتهك حرمته، ويضيع نسبه إن كان حملا، ولئلا ترجم هي إذا وضعت
أيضا، ولا يجوز لها أن تنكح، وإن كانت هي لا تعلم إلا ظواهر الأمور فمباح
لها أن تنكح على ظاهر الحكم، ولو أن الزوج رماها بالزنا وهي يعلم كذب
الزوج، فلاعن بينهما الإمام، فالتعنا، وفرق بينهما وحرمها عليه للأبد،
فإنها لا يحرم عليها النكاح، لأن / الزوج ها هنا راض بحكم السلطان وتحريمها
عليه، وإباحتها للأزواج.
قال: وإذا شهدا أن فلانا فارق زوجته، والزوج يعلم أنهما شهدا بزور، فحكم
القاضي بالفراق، ثم رجعا وأقرا بالزور، فالحكم ماض على ظاهره، فإن علمت
المرأة باطل قولهما لم يجز لها أن تنكح، ولا يجوز للزوج أن يتزوج أختها ولا
أربعة سواها، وهي زوجته في علم الله، ويجوز للزوج أن يصيبها إن خفي له في
ذلك، ولكنا نكره ذلك له للتغرير بنفسه في هتك حرمته، وإبطال نسبه، وإن تحبل
هي فترجم إذا وضعت، فإن لم تعلم المرأة إلى ما ظهر من الحكم، فلها التزويج
بظاهر الحكم، وكل من لم يعلم إلا ظاهر الحكم فله إقامة ما يوجبه ذلك الحكم
في الظاهر، ولو علم الحاكم باطل ذلك جاز له أن يحكم بما ظهر، فكذلك من علم
بباطنه، فلا يستبحه بظاهره. [8/ 537]
(8/537)
ولو فرق بينهما السلطان بشهادة عدلين، ثم
تزوجها أحد العدلين ورجع عن شهادته أنه شهد بزور، فإنه يفرق بينه وبينها،
لأنه مقر أنها زوجة رجل لا تحل له، ويفرق بينهما وبينه بطلقة على ظاهر
الحكم، وعليه الصداق إن بنى بها، أو نصفه إن لم يبن بها، ولا حد عليه،
ويؤدب في شهادته بالزور، وإن ادعى وهما لم يؤدب، ولو رجع الشاهدين ثم أراد
أن يتزوجها وهي لا تعلم أنهما شهدا بزور، فإن الحاكم يمنعه من نكاحها، لأنه
أقر أنها ذات زوج [فإن نزع عن قوله وقال: وما شهدت إلا بحق، وثبت عندي ما
كنت فيه شاكا، فله أن يتزوجها إذا / حلف، وقد قيل: إنها لا تحل له لإقراره
أنها ذات زوج] إلا أن يموت الزوج.
وإن شهدا أنه أعتق جاريته هذه فقضى القاضي لها بالعتق، ثم رجعا فالحكم ماض.
وإن علمت هي أنها شهدا بزور، لم يحل لها أن تبيح نفسها، وإن لم تعلم فلها
التعلق بالحكم الظاهر، وإن علمت كذبهما فلا تبيح نفسها إلا أن يرضى السيد
بأخذ القيمة من الشاهدين، فيتم بذلك ما قضى لها به القاضي من حريتها.
ومن كتاب محمد عبد الحكم: وإذا شهدا أنه طلق امرأته ثلاثا، فقضى بذلك
القاضي، ثم رجعا فلا يحل لأحدهما أن يتزوجها، وهي حلال لغيرهما ممن لا يعلم
بكذبهما، والحكم الأول ماض، ولا يجوز للزوج أن يتزوجها إلا بعد زوج، وإن
شهدا أن ملك امرأته أن تطلق نفسها ثلاثا إن شاءت، وأنها طلقت نفسها ثلاثا،
فقضي عليه بذلك، وهي تعلم أنهما شهدا بزور، فلا يحل لها أن تتزوج، ولا يحل
لها أن تمكن من نفسها زوجها المقضي عليه.
وإذا علمت هي أن الزوج فارقها وأنكر، فقامت عليه بالبينة، فلم يثبتوا عند
القاضي، فردها إليه، فلا يحل لها أن تمكنه من نفسها، ولا يحل له وطؤها إذا
علم مثل ذلك، وحكم القاضي بردها إليه لا يحل أحدهما لصاحبه، ولومات الزوج
الأول، جاز للشاهدين أن يتزوجها من شاء منهما بعد انقضاء عدتها من الوفاة.
[8/ 538]
(8/538)
وإذا طلقت امرأة فقالت: قد انقضت عدتي
والزوج يعلم/ أنها كاذبة فحكم لها القاضي أن تتزوج، فلا يجوز لها أن تتزوج
حتى تخرج من عدتها، ولو كانت حاملا فحتى تضع، والحكم لا يحل لأحد ما يعلم
حرامه، وذكر الحديث المتقدم ذكره، قال بعض أصحاب أبى حنيفة: إنه يجوز لأحد
الشاهدين اللذين شهدا بطلاقهما وقضي بشهادتهما أن يتزوجها، لأن الحاكم قد
فسخ نكاحها، والنبي (صلي الله عليه وسلم) لم يبح بحكمه لمن علم منه مالم
يعلم النبي عليه السلام، فكيف بحكم غيره ولزمهم أن من أقام بينة أنه ابن
فلان الميت وهو يعلم كذبهما، وأنه ليس بابنه، يجوز له أخذ ميراثه، وكذلك
يلزمهم إن حكم في أخت رجل أنها بنت فلان لغير أبيها، أنه يجوز لأخيها أن
يتزوجها، أو حكم في أم رجل أنها ليست بأمه، وأن أمه امرأة أخرى، يجوز له
تزويجها.
أرأيت إن أشترى شاة مذبوجه، فقام المشتري فقال: قد صح عندي أنها ذبحت بعد
أن ماتت، فلم يقبل الحاكم منه ذلك وألزمها إياه، أيحل له أكلها؟ واحتجوا
باللعان فقالوا: أرأيت إن علم الزوج أنه كاذب أتحل له بعد ذلك؟ وهذا غير
مشتبه، لأن اللعان قد علم الإمام أن أحدهما كاذب، فصار حكما على الصادق
والكاذب أن لا يتناكحا أبدا. والشاهدان- يعنى بالطلاق- لو علم الحاكم أن
أحدهما كاذب، لم يفرق بينهما بشهادتهما، وقياس هذا أن يقول: إن المحكوم
عليه بالطلاق ثلاثا، للزوج أن يتزوجها، وهذا لم نعلمه نحن ولاهم، والشاهدان
بالطلاق / المزوران كيف بتزويجها أحدهما وهما يعلمان أنهما كاذبان؟ وهذه
ذريعة إلى أن من طلب نكاح ذات زوج فلم يمكنه: أن يشهد عليه رجلان بطلاقها
ثم يتزوجها من شاء منهما.
أرأيت إن شهدا على حر مسلم أنه من أهل الحرب قد أسر، فقضي عليه بالرق، أيحل
لأحدهما أو لمن علم ذلك أن يسترقه؟ أو كانت أمة أن يطأها، وإذا شهدا أن
فلانا أقر أن هذه الصبية ابنته، فحكم لها بالنسب ثم ماتت على مال، [8/ 539]
(8/539)
والأب يعلم كذبهما فلا يحل له أن يرث منهما
شيئا، وكذلك لو استلحقها كاذبا، فالحقت به القضاء، ثم ماتت لم يجز له أن
يرثها، ويجوز لها هى أن ترثه، لأنها لا تعلم صدقه من كذبه، ولو كانت أمة له
فشهدا أنها ابنته فألحقت به، وهو يعلم كذبها، فلا يجوز له أن يطأها، ويريد:
للتغرير بنفسه، وإن ماتت فله جميع ما تركت، لأنها أمته فيما يعلم، فما لها
له حلال في الحالين.
قال محمد بن عبد الحكم: وإن شهدا أن رجلا تزوج امرأة بألف درهم، والزوج
ينكر ذلك، وهي تدعيه، فألزمه القاضي النكاح [فأرى أن يفسخ النكاح القاضي]
ويجعل لها نصف المهر.
وقال أصحاب أبي حنيفة: إنه يجوز للزوج أن يقيم عليها ويطأها، وإن رجع
الشاهدان عن النكاح، قال محمد: وهذا مالا يحله الحكم، أرأيت لو أقر أنها
أخته من الرضاعة أيترك؟ أو قال: لي أربع نسوة ببلد آخر، فألزمه الحاكم
صداقها، أيحل له أن يطأها؟ أو قال: أنا أعلم أنها في عدة من زوجها وقالت
هي: خرجت من العدة، أيثبت نكاحه عليها / أم لا؟ [هذه إلا بتت نكاحه] ولا
يبرئه ذلك من نصف الصداق إذا قضى عليه بالفرقة.
ولو شهد شاهدان أن هذا قتل أبا هذا خطأ، ولا وارث له غيره، وأن هذا الرجل
ضمن الدية على العاقلة وعن قاتله، وهو منكر، فقضي القاضي بذلك وأغرمه
الدية، والمقضي عليه بالضمان يعلم أن المشهود عليه بقتله حيا ببلد آخر، فلا
يجوز، للذي ودى بالضمان أن يرجع بما ودى لا على المشهود عليه بالقتل، ولا
على العاقلة، لأنه لا شيء عليهم، وأنه لم يضمن عنهم شيئا، وكذلك لو شهدا أن
هذا المسلم أفتكه هذا من حربي بمائة دينار، وهو منكر، فقضى عليه [8/ 540]
(8/540)
القاضي بأدائها، وأذن له بالرجوع بها على
المعتدي، فلا يجوز له أن يرجع عليه بشيء، لأنه يعلم أنه لم يكن بيد حربي
ولا فداه منه، وأنه مظلوم فيما ودى، وأن هذا ليس عليه شيء من ذلك، فإن رجع
الشاهدان عن شهادتهما، رجع عليها بما ودى.
وإن شهدا شاهدان على رجل أنه أمر فلانا أن يشتري له من فلان ثوب بدينار،
وأنه اشتراه منه ودفعه إلى المأمور، وهما ينكران ذلك، فقضى القاضي على
الرسول بغرم الدينار، فلا يجوز للرسول أن يرجع بذلك المشهود عليه أنه أمره،
لأنه يعلم أنه بريء، وأنه لم يأمره بشيء، ولا وجب له عليه شيء، وإن شهدا أن
فلانا أمره أن يزوجه بمائة دينار، وأن يضمنها عنه، وأنه زوجه وضمان عنه،
فقضى القاضي بالنكاح وبالصداق، وحكم على الرجل بأدائها، أنه بالضمان
فوداها، وهو منكر، وقدم الزوج فأنكر ذلك، فلا يجوز/ للغارم بالضمان أن يرجع
عليه، فإن رجع الشاهدان رجع عليهما بذلك.
وقد جرى في معنى هذا الباب في باب الرجوع عن الشهادات في النسب وغيره من
هذا الكتاب.
تم الجزء الثاني
من الرجوع عن الشهادات
والحمد لك كثيرا
وصلى الله على سيدنا محمد واله
يليه كتاب الدعوى والبينات الأول
(8/541)
|