النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات

النوادر والزيادات
علي ما في المدونة من غيرها من الأمهات
لأبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن أبي زيد القيرواني
310 - 386 هـ
تحقيق
الأستاذ محمد عبد العزيز الدباغ
محافظ خزانة القرويين بفاس

(9/1)


بسم الله الرحمن الرحيم
وصلي وسلم علي سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
الجزء الأول

من كتاب الدعوى والبينات
في القوم يرون سلعة بيد رجل
حتي انتزعها منه آخر
هل يشهدون أنها ملكة؟
وكيف إن شهدوا بالحوز ولم يشهدوا علي الملك,
وأن هذا الولد من جارية فلان
أو أن هذا الطعام من زرع فلان؟
قال أبو محمد: والقضاء أن اليد دليل الملك، قال الله سبحانه: (أو ما ملكت أيمانكم) (1) فيقضي لصاحب اليد بالملك، إلا أن تأتي البينة بغير ذلك.
ومن المجموعة وكتاب ابن سحنون، قال أشهب فيمن أقام بينه في عبد بيد رجل أنه انتزعه منه أو غصبه أو غلبه عليه، أو أنه أرسله في حاجة فاعترضه هذا في طريقه [فأخذه، أو ابن من هذا فأخذه هذا، فالشهادة علي هذا جائزة ويقضي برده إليه كما كان من ملك، أو إيداع، أو رهن] (2)، إلا أن يأتي الآخر بحجة تقطع (3) وذلك، فأما حجته بأنه في يديه اليوم فليس بشئ، ولو أقام بينه أنه كان في يديه قبل هذا، فلما وجده أخذه فيكون هذا/ أحق به. (4) (*) 135/ظ
[9/ 5]
__________
(1) الآية الثالثة من سورة النساء.
(2) ما بين معقوقتين ساقط من ص.
(3) في ص، تقضي.
(4) الترقيم هنا تابع لورقات الجزء الحادي عشر من مخطوط أباصوفيا (الأصل) ,

(9/5)


قال ولو كان عبدا في يد رجل فادغاه آخر وأقام بينة أنه كان أمس بيده فلا يكون أحق به حتي تقول بينته إنه يملكه.
وقيل لسحنون في المجموعة في رجل حضر رجلا اشتري سلعة من سوق المسلمين أيشهد أنها ملكه؟ قال: لا، وليشهد أنه اشتراها، ألا تري لو أقام رجل بينه انها ملكه وأقام هذا بينة أنه اشتراها من وسوق المسلمين لم يزيدوا علي هذا لكان الذي أقام البينة بالملك أولي، وقد يبيعها من لا يملكها.
قيل فمتي يشهدون أنها ملكه، قال إذ طالت حيازته إياها وهو يفعل فيها فعل المالك لا منازع له وقد حضروا بدء دخولها في ملكه أولا فليشهدوا بالملك، ولو لم يشهدوا مع طول الحيازة بالملك لم يثبت ملك إلا أن يشهدوا أنه غنمها من دار الحرب وشبهه، فهذا أمر ضيق. قيل فلو شهدوا أنهم رأوه يحوزها الزمن الطويل الذي يشهد مثله علي الملك، ولم يشهدوا علي الملك ولا أنه كان يحوزها بحقه، قال فلا يقضي له بها حتي يقولوا حازها بحقه وملكه. قيل له فقد قال مالك إن شهد واحد أنها ملكه وشهد آخر أنها حيزه إنه يقضي له بها، قال معني قوله حيزه أي ملكه.
قال فالشاهد أيشهد بالملك بطول الحيازة وإذا شهد بالحيازة التي بها يشهد بالملك لم يحكم/بها، قال هو كذلك، ولابد أن يكون في شهادتهم أنها لم تخرج من ملكه في عملهم.
وقال أشهب في الكتابين: وإذا تداعيا دارا فأقام هذا بينة أنها له، وأقام الآخر بينة أنها في يديه منذ سنين، قال يقضي ببينة المالك. وإن أقام رجل البينة في أمة بيد رجل أنها ولدت عنده ولم يقولوا إنها له فلا يقضي له بها حتي يقولوا إنها له يملكها لا يعلمون لغيره فيها حقا، [وقد يولد في يده ما هو لعيره] (1). قال ولو شهدوا أنها بنت أمته فليس كالأول لأنهم قد شهدوا أنها له بقولهم إنها بنت أمته إذا كان في شهادتهم أنها ولدتها وهي في ملكه، وإلا لم يقض له بها لأنها قد يكون
[9/ 6]
__________
(1) في ص، وقد يوجد لغيره ما هو في يديه.

(9/6)


ولدها قبل يملكها، أن يقولوا إنها بنت أمته [وإن أمته] (1) ولدت عنده من أمة له جدة الصبية فإنه يقضي له بها، قال ولو شهدوا أن هذا التمر خرج من نخل فلان وهو يملكه، وأن هذا العبد ولدته أمته هذه وهو يملكها، قال يقضي له بذلك.
وقال في دجاجة بيد رجل أقام آخر البينة أن البيضة التي خرجت منها هذه الدجاجة كانت له فلا يقضي له بالدجاجة، ولكن يقضي علي صاحب الدجاجة بيضة مثلها لصاحبها إذا أقر أنه أفرخها، بخلاف الولادة, إذ لو ولدت أمة عند الغاصب كانت وولدها لربها، ولو غصب بيضة خرجت منها دجاجة لم يكن عليه إلا مثلها والدجاجة له، كمن غصب/ حنطة فزرعها، فخرج منها أضعافها فعليه المكيلة وما أخرجت فهو له.
قيل أفيطيب له؟ قال لو تصدق بالفضل كان أحب إلي، وما ذلك عليه بالواجب، ولو شهدوا أن هذا التمر جد من نخل فلان لقضي له به وعليه اليمين أنه ما باعه من الذي هو في يده، وإن شهدوا أن هذه الحنطة من زرع فلان حصدت من أرض فلان آخر، فأراد رب الأرض أخذها فليس له ذلك، ولرب الأرض كراؤها، قال ولو شهدوا في ثوب أنه غزل من قطن فلان ونسج فلان (2)، قال فالقطن قطن من شهد له بالقطن، والغزل غزل من شهد له بالغزل، والنسج نسج من شهد له بالنسج.
قال ابن سحنون عن أبيه قال: هذا مثل قولهم في الحنطة إنها من زرع فلان، وهذا الطحين من قمح فلان، وهذا الطحين من قمح فلان، وهذا التمر جد من نخلة [فلان] (3)، قياس ذلك كله واحد.
قال أشهب: فإن شهدا عليه (4) أنه طحن هذا الدقيق من حنطة فلان، فإن كان الطاحن يشتري (5) فلربها أخذ الدقيق، وإن شاء أخذ الثمن من البائع أو مثل
[9/ 7]
__________
(1) ما بين معقوقتين ساقط من ص.
(2) ص، من قطن فلان ونسجه.
(3) الزيادة من ص.
(4) ص، فإن شهدوا عليه.
(5) ص، فإن كان الطاحن مشتريا.

(9/7)


حنطته، فإن أخذ الدقيق رجع الطاحن علي البائع بالثمن، وإن كان قرضا من سلف رجع بالمثل.
قال في كتاب ابن سحنون: وإن أقمت بينة في دابة بيد رجل أنها نتجت عندي ولم يقولوا هي لي، قال فلا يقضي بها حتي يقولوا إنك تملكها ويحلف من هي بيده ما أعلم لك فيها حقا، ولو كان ثوبا فشهدوا أنك نسجته ولم يقولوا لك فليل من هو بيده، فإن قال لي حلف أنه له ولا يعلم لك فيه حقا/ ويقضي لك بقيمة النسج ويحلف ما نسجتة باطلا.
وكتب إليه شجرة في بينة شهدت أنهم روا فلانا دخل دار فلان فأخذ منه خمسة من الدواب فأخرجها، فقال يؤمر المدعي عليه برد ما أخذ من الدواب، إلا أن يأتي بمخرج له به حجة.

في الحيازة علي الحاضر من الأجنبيين
وبماذا تكون الحيازة؟
قال أبو محمد: والدليل علي أن الحيازة الطويلة بعلم من يقوم في ذلك لا يدعيه كالتسليم والاقرار، وإن كثيرا من [عوائد الناس] (1) والغالب من أحوالهم جعلت كالاقرار منها أن من دخل بزوجة فأقامت معه دهرا طويلا ثم قامت عليه بالنفقه، وقالت ما أنفق علي أنها لا تصدق وتصير مدعية لخروجها عن الغالب من أمر الناس، وكذلك قلنا لو قالت لم أقبض النقد فقد ادعت ما الغالب إلا تمكنه من نفسها قبل قبضه، فجعلت مدعية لخروجها عن العادة، وقال عمر [ومذهبه يري أنها للثواب] (2) فجعل الغالب من الحال مغلبا يقضي به، وكذلك يجري غير شئ في تغليب الأحوال، وكذلك ليس يجري في أحوال الناس، والغالب منها أن من له شئ يري غيره يصنع فيه ما يصنع المالك الدهر الطويل لا يدعيه
[9/ 8]
__________
(1) كلمتان ممحوتان من صورة الأصل مثبتتان من ص.
(2) كذا في ص، وقد كتبت في الأصل محرفة علي الشكل التالي (بن بلهية هبة جري أنها للثواب.

(9/8)


فقد خرج من الغالب من الأمور ومن اجتهد مجدا في ذلك عشر سنين فمن دليله أن الله سبحانه جعلها أبلغ شئ في العذر، إذ أمر نبيه [عليه السلام] بتأخير المشركين/ فلم يأذن لهم فلا الإنتصار بالسيف إلا بعد عشر سنين، فقال سبحانه: (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله علي نصرهم لقدير) (1) فهذه أول آية نزلت في الجهاد.
قال ابن حبيب: روي ابن المسيب أن النبي صلي الله عليه وسلم قال، << من حاز شيئا علي خصمه عشر سنين فهو أحق به>> (2) قال ربيعة: وإذا كان الحائز ينسب ذلك إلي نفسه ويلي منه ما كان يلي صاحبه عشر سنين فهو أحق به إن ادعاه ملكا له إلا أن يأتي الآخر ببينة علي عارية أو إسكان، وبذلك أخذ ابن القاسم وابن وهبه وابن عبد الحكم وأصبغ في توقيت عشر سنين، وقال ابن القاسم إن التسع أو الثمان وما قارب العشرة من العشرة، ولو يؤقت مالك في الحيازة ورأي أن ذلك علي قدر ما ينزل ويجتهد فيه الامام فرب حائز يغتل ويهدم ويبني فلا يمكن أن يدع (3) ملكه ويتجافي عن هذا، قال وما اغتل من ذلك أقصر مدة في الحيازة مما يحاز بالسكني والحرث وقال مطرف بالعشرة ومنها قاربها، ورأي بعض ذلك أقوي من بعض، ولا يؤقت ابن الماجشون فيها علي معني ما قال مالك، وذكر عنه ابن حبيب نحوه وقال وكان يري أن من ورث ذلك عن حائزه أقوي من موروثة ولا يري عليه من طول الحيازة مثل ما يراه علي من حاز بنفسه بغير مورث، ويري الوارث أولي إلا أن يأتي الطالب ببينة علي إسكان أو إعمار أو مساقاة/ ونحوه، فيكون أولي، قيل له فإن كان الطالب أو أبوه قد خاصم الموروث ذلك عند حكم فلم ينقطع ذلك حتي مات؟ قال فهذا أوهن لحجة الطالب وأقوي لحجة المطلوب بأنه قد خاصم
[9/ 9]
__________
(1) الآية 39 من سورة الحج.
(2) لم أجد مصدرا للحديث إلا أن روايته عن ابن المسيب مما يؤكد معناه فقد قالوا عنه إنه أفقه الناس في البيوع كما قالوا عطاء أفقه الناس في المناسك وإبراهيم أفقههم في الصلاة والحسن أجمعهم لذلك كله (ابن تيمة، الجزء 29 صفحة 27).
(3) في ص، أن يدعي.

(9/9)


فلم يظفر، [وانقرض] (1) الموروث بعد أن خوصم ولم يدرك قبله شيئا، فإذا لم يكن الطالب خاصم الموروث عنه فهو أقوي للطالب لأنه يقول لو أدركت أباه فخاصمته لم يجد مدفعا لحجتي.
ومن المجموعة قال ابن كنانة فيمن سكن دارا حتي مات، ثم أقام آخر بعد موته بيسير بينة علي أصل الملك، فإن كان الحائز بيني ويهدم ويغرس ويخلع فلا شئ، وإن لم يكن منه غير السكني فلا شئ للحائز، وهي للمدعي، وإنما ذلك بقدر الاجتهاد، قال وأما الثوب يكون بيده الزمان الطويل، والدين يقيم عليه الزمن الطويل فلا يقطع بهذا ملك ربه، بخلاف الأرض والعقار، ورب الدين والدابة أولي بذلك مع يمينه إلا أن يكون من ذلك بيده يلبس ذلك ويعيره ويركبه ويكريه بحضرة المدعي لا ينكره، ومن العتبية (2) من سماع يحي بن يحي من ابن القاسم قال له: كم الحيازة في الأجنبي الذي إنما سكن دارا وهو زرع الأرض وشبه ذلك، قال عشر سنين ونحوها يبطل دعوي المدعي في هذا، وأبين من ذلك أن يغرس ويبني.
وقال ابن الماجشون في المجموعة وكتاب ابن حبيب فيمن حاز ربعا بحضرة المدعي فإن طالت مسافته أو كان من الغيبة/ بحيث ينتهي إليه العلم وهذا يبني ويهدم ولا ينكر الآخر ولا يدفع فهذا يبطل حقه.
ومن المجموعة قال أشهب: كتب مالك إلي ابن غانم فيمن يقيم بينة في دار بيد رجل أنها لجده حتي هلك وتركها ميراثا ولم يخاصم فيها أبوه أو خاصم فلم يتم الخصومة (3) حتي هلك، فإذا طالت حيازة هذا الذي في يديه بمحضر الطالب يراه يسكن ويعمر وينسبها إلي نفسه ظاهرا فإنه ينتفع بطول حيازته، وإن لم يكن علي ذلك نظر الإمام فاجتهد.
قال ابن سحنون عن أبيه فيمن أثبت بينة في أرض أنها له، وأثبت الذي هي في يديه أنه يحوزها عشر سنين بمحضر الطالب فأقام الطالب بينة أنه طلبها ونازع
[9/ 10]
__________
(1) في ص، ولم يظفر ولم يفرض الموروث.
(2) البيان والتحصيل 11: 172.
(3) في الأصل، فلم يتم الخصوم.

(9/10)


هذا فيما، قال إن قالوا لم يزل يخاصم ويطالب ليس أن يخاصم يوما ويومين ثم يمسك نفعه ذلك وإلا لم ينفعه.
وقال عنه فيمن أقام بينة بالحيازة عشر سنين فأكثر بمحضر المدعي لا يطلب ولا يغير، ولم يقولوا يحوزها بحقه ولا يدري بماذا حازها، فقال توقف بيده هذه الحيازة والشهادة.
قال ابن حبيب قال مطرف: ومن حاز من الاجنبيين في الأشياء كلها عشر سنين علي وجه الملك فهو له، إن كانت أرضا فزرع فقط أو غرس، أو دارا فسكنها فقط أو هدمها، أو بناها أو غلة فاغتلها أو لبس الثياب، أو اختدم الرقيق أو اعتق أو وطئ أو ركب الدواب واحتلب الماشية علي/ التمليك لذلك بمحضر المدعي ومثبت أصله ويعمه فذلك كله لحائزه بعد يمينه أنه له ورأي ما قارب العشر سنين في ذلك كالعشرة، وبعض ذلك أقرب من بعض مثل الهدم البين الكثير والبناء الذي لا يشبه الرم (1) والزيادة مما لا يفعله إلا المالك فهذا أقوي من السكني وأقصر في مدة الحيازة والمغتل أقوي (2) أيضا مما لا يغتل، والعروض والحيوان أقصر مدة من الرباع إلا أن عشر سنين غاية تجمع الرباع (3) وقد يكون من هذه الوجوه ما يكون فيه الخمس سنين والست والسبع والثمان يقطع حجة الدعي باجتهاد الامام عند نزوله، وأما ما أحدث فيه حائزة بيعا أو عتقا أو تدبيرا أو كتابة أو صدقة أو إصداق الأمة أو وطأها فذلك يقطع حجة المدعي إذا لم يغيرها عند علمه بها قام بحد ثانه، ولا ينظر فيه إلي عشر سنين.
قال اصبغ: إذا كان الحاضر يري حيازة الحائز بسكني الربع أو هدم أو بناء أو زرع الأرض بعشر سنين في ذلك وما قاربها قطع لدعواه، كما الرهن والستر (4) كشاهد، واما غير الدور والأرض من ثياب وحيوان أو عبيد فذلك أقصر مدة، وكل
[9/ 11]
__________
(1) كلمة الرم ساقطة من ص.
(2) كلمة أقوي ساقطة من ص.
(3) كلمة ممحوة في الأصل وغير مبثته في ص فتعذر ذكرها.
(4) كذا في الأصل، وأما في ص، فكتب علي الشكل التالي (كما الرهن والسنين).

(9/11)


شئ بقدره، فالثياب السنة والسنتان فيها حيازة إذا لبست، والدابة السنتان والثلاثة إذا ركبها واغتلها علي وجه الملك، والأمة شبه ذلك إلا أن يطأها بعلم القائم فلا ينكر فلا حجة له بعد ذلك، وإن لم يطل ذلك قبل الوطء/ وأما العبيد والعروض ففوق ذلك شيئا إن حازه بالملك وشبهه ولا ينظر في هذا إلي عشر سنين فيما بين الأجنبيين إلا في الدور والأرضين والأصول، قال وسألت مطرفا عن الذمي يدعي الأرض أو المنزل في يد الشامي عندنا بالأندلس وذكرت له ما كان ينزل أهل الشام عليهم هل هم كغيرهم؟ فقال ليسوا كغيرهم ورأي إن عرف أن أصل القرية لأبي الذمي أو لجده أو جد أمه مما صالحوا عليه، وعرف أن هذا الشاهد أو جده أو جد أبيه ينزل عليه أو علي أحد أجداده فعلي الشامي البينة أنه اشتري هذا (1) وأبوه ولا ينفعه طول كونها في يديه وطول حيازته ولا بمورثه ذلك عن أبيه وعن جده، وإن لم يعرف أصل القرية للذمي أو ابنه أو جده، ولم يعرف أن الشامي أو أباه أو جده ينزل عليه فالبينة علي الذمي إن حازها الشامي عشر سنين فأكثر وسألت عنه أصبغ وابن الماجشون فوقفا عنه وبالأول أقول.
وقال ابن سحنون عن أبيه سئل فيمن أقام بينة أن فتاة له تجري علي فلان منذ سنة لا يدري (2) بحق أو بغير حق فلا يغير الذي تجري عليه ولا ينكر هل يلزم الذي جرت عليه إثباتها، قال سنة قليل وقد يتغافل الجار عن مثل هذا، [قال] (3) فإن جرت عليه أربع سنين أو خمسة، قال هذه حيازة واستحقاق.
وعن دارين بينهما زقاق مسلوك، في أحدهما كوة يري منهما ما في الدار الأخري، فبني جاره قبالته غرفة وفتح/ كوة قبالتها، فقام صاحب القديمة بطلب سدها، فطلب الآخر سد القديمة، والقديمة منذ أربع سنين أو خمسة، قال يحلف صاحب الحديثة ما تركتها إلا علي معني الجوار وتسد الكوتان.
[9/ 12]
__________
(1) في ص، هو وأبوه.
(2) س، لا يدرون.
(3) قال ساقطة من ص.

(9/12)


قال ابن حبيب: وأخبرني حسين بن عاصم عن ابن القاسم في حيازة الأجنبي علي الأجنبي بالهدم والبناء عشر سنين والسكني أنها حيازة، وأما بالحرث والزرع فلا أراه حيازة.

في الحائز يدعي أنه اشتري أو وهب له أو ورث
وفي الحائز يعلم أن أصل حيازته
بكراء أو إسكان أو شبه ذلك
أو يقضي للرجل بالربع
ثم يبقي بيد المقضي عليه يحوزه طويلا
ومن العتبية (1) روي عيسي عن ابن القاسم فيمن بيده أرض أو مسكن يحوز فيقيم آخر البينة بملكه، أو يقر له ذلك الحائز ويدعي أنه باعه منه او وهبه له أو تصدق به عليه، ولا يأتي ببينة إلا أنه حائز له، قال قالقول قول من بيده الدار في البيع مع يمينه إذا حازها الزمن الطويل الذي يعلم فيه أن قد هلكت فيه البينة علي البيع، وأما الهبة والصدفة والنزول فليحلف المستحق ما خرجت من ملكة وياخذها بعد أن يدفع قيمته [بناء] (2) هذا فيها نقضا، وإن كان الحائز ورثها فالقول قوله مع يمينه، إلا أن يكون المستحق غائبا فيكون أولي بها، إلا أن يقيم هذا بينة بسماع علي شراء، يعني فيما طال زمانه.
ومن المجموعة قال/ ابن كنانة: ومن حاز أرضا زمانا ثم أقربها لرجل لم تنفعه الحيازة وثبت عليه إقراره.
قال ابن حبيب قال مطرف: فإذا عرف أن أصل ما بيد الحائز الأجنبي أو الصبي (3) والمولي إنه إنما أرفق به أو كان عبدا أعتقه سيده، وقد كان ذلك في يديه قبل يعتق ثم ادعاه اليوم لنفسه وشبه ذلك مما يعلم أن أول دخوله فيه بإرقاق
[9/ 13]
__________
(1) البيان والتحصيل، 11: 165.
(2) في ص، قيمة ما بتي هذا فيها.
(3) غير واضحة في الأصل.

(9/13)


مالكه أو بأكثر منه أو وكالة (1) عليه، فالحق لصاحب الأصل، وإن طالت الحيازة حتي يقيم هذا بينة علي هبة أو اشتراء، أو يحدث في ذلك بحضرة هذا ما لا يحدثه إلا في مكله ولا ينكر عليه فيكون أحق به، قال وولد الحائز وولد ولده في كل ما ذكرنا مثل آبائهم.
وفي كتاب الغضب ما يشبه معني الحيازة وقطع الدعوي للحاضر بالحوادث، وفي آخر الكتاب باب في القاضي يقضي بالشئ فلا يحوزه المقضي له حتي يموت أحدهما أو يطول أحدهما فيه فيسأله من قضي له بربع فلم يحزه بقبضه وبقي بيد المقضي عليه فطالت حيازته إياه بمحضر الطالب، وهو من معاني هذا الباب، وفي الدين يتقادم عشرين سنة (2) ولا يقام به، قال ابن الماجشون: يقوم به وإن قدم، وهذه في البيوع في اختلاف المتبايعين في قبض الثمن.

في الحيازة علي الغائب من الأجنبيين
أو الصغار والمولي عليهم أو علي النساء
من العتبية (3) روي عيسي عن ابن القاسم في الغائب عن/ أرضه أو داره يحوزها رجل ثم مات وحازها ورثته، ثم قدم الغائب فأثبت أنها له وإنما دخلها الميت بعد مغيب هذا، وقد كان يقول اشتريت (4) أو لم يقل، فالقادم أحق بها بكل حال حتي تقوم بينة علي شراء أو هبة أو صدقة أو سماع صحيح علي الشراء، وكذلك لو كان الغائب علي مسيرة ثمانية أيام فليست تلك بحيازة ولا يحاز علي غائب إلا أن يكون علم بذلك وطال زمانه ولا يخرج [إلي ذلك ويتركه] (5) له فلا شئ له، قيل له فإن كان علي أربعة أيام أو نحوها فيحوزها الحاضر عشر سنين أو عشرين [سنة] (6) ثم يموت وتورث وهو يبلغه ذلك فلا يطلب ولا يوكل ولا يذكر شيئا، قال
[9/ 14]
__________
(1) في ص، أو وكله عليه.
(2) في ص، عشر سنين.
(3) البيان والتحصيل، 11: 179.
(4) في ص، وقد كان يقول اشتراها.
(5) كلمات ممحوة من الأصل مثبته من ص.
(6) كلمة سنة زائدة من ص.

(9/14)


له القيام ولا يقطع ذلك عنه الأمر القريب وليس كل الناس يقرب ذلك عليهم من ضعيف وغيره، وللناس أعذار، قيل فإن لم يكن به ضعف ولا عذر، قال كم من لا يثبين عذره وهو معذور. وروي عنه يحي فيمن مات وترك ورثه غيابا، وترك منزلا فحازه رجل أربعين سنة ولعله مات وورث عنه وعن وارثه، ثم قدم وارث الأول فاحتج ورثة الحائز بالحيازة قال إن كانوا مثل الأندلس من مصر كلف من هو بيده البينة علي ما يستحقونه به، فإن لم يأتوا ببينة لم ينتفعوا بطول الحيازة، وأما أن كانت الغبية قريبة ومنزلهم يتوارث هكذا بعلمهم ولا يقومون ولا يوكلون حتي طال الزمان وقد/ ورث أو لم يورث فذلك قطع لحقهم كالحاضر إلا لمن يتبين للسلطان عذرهم لضعفهم أو عجزهم، قال ابن حبيب قال مطرف: وإذا حيزت علي رجل أرضه أو داره وهو غائب فإن لم يعلم فهو علي حقه إذا قدم وإن طالت الغيبة قربت غيبته أو بعدت، وهو علي أنه يعلم حتي تقوم البينة بعلمه فتنقطع حجته إن كان قريب الغيبة، ومسيرة الخمسة أيام وشبهما قريب إلا أن يأتي بوجه يعذر بمثله، وقد تكون له معاذر (1) ويعذر بها، والسبعة أيام والثمانية طول.
في العتبية (2) ويعذر بترك القدوم (3) وإن علم بما حيز عليه لم يضره ولكن استحب له أن يشهد علي حقه، وإن يشهد لم يضره [ذلك] (4)، وذكره عن مالك.
قال أصبغ: لا حيازة علي غائب وإن علم في غيبته ما لم يقرب ذلك جدا ويري مثل تسعة أيام ونحوها بعدا ومادونها قربا إلا أن يقيم الحائز بينة بشراء أو يطول الزمان جدا مثل تسعين سنة وثمانين وما قاربها، ويكون مع ذلك سماع مستفيض بأنها ملك للذين هي في أيديهم تداولها (5) تداول الملك فيكون بالحيازة علي الحاضر.
[9/ 15]
__________
(1) في ص، معاذير.
(2) البيان والتحصيل، 11: 179.
(3) بياض بالأصل ملأناه من ص.
(4) ذلك ساقطة من ص.
(5) ص، في أيديهم يتداولونها.

(9/15)


وروي حسين بن عاصم عن ابن القاسم وابن وهب وابن نافع في الغائب علي مثل خمسة أيام وسنة إن علم بما حيز عليه فلم يقدم ولا كل حتي طال الزمن فهو كالحاضر إلا أن يكون له عذر مثل أن يكون في جوار عدو ومن وراء بحر أو ضعيفا أو مخبلا أو إمرأة محجوبة [أو غير/ محجوبة] (1) وشبه ذلك، فيكون علي حقه أبدا، ثم رجع ابن القاسم وقال أري الغائب علي مثل ثلاثة أيام أو أربعة معذوراً، فإن لم يظهر عذره ورب معاذير للمرء لا تعرف.
قال ابن حبيب والأول أحسن، ومن المجموعة قال ابن كنانة ف يالمولي عليه في حجر ولي وأرضه بيد المولي إن ورثة الولي لا يستحقونها بذلك وهي لليتيم، وفي باب بعد هذا ذكر الحيازة علي الصغير.
ومن كتاب ابن سحنون كتب شجرة إلي سحنون في [مسألة] (2) المنزل الذي أثبت قوم أنها (3) لأبيهم تركها [ميرايا] (4) لهم ولزوجته فأتي الحائزون للمنزل ببينة علي حيازتهم المنزل بحقهم منذ خمس عشرة سنة (5) لا يدعون ولا ينكرون، وما تري في الحيازة علي النساء يظهرون؟ فكتب إليه: طول هذه الحيازة يقطع دعوي المدعين، وأنا الحيازة علي النساء لا يظهرن فإن كان معهم في قرية واحدة أو قريبة بعضهم من بعض فليس يخلي عليهم مثل هذا لطوله، وإن كان غائبا (6) ببلد يعلم أنهم لا يعلمون أو صغارا، فإن كانت بينة الطالبين قد دونت تاريخا (7) قبل وقت تاريخ المدعي عليهم وهم عدول فحقوق النساء ثابته وإن لم يؤقتوا وقتا قبل وقت المدعي عليهم فاقض بأعدل البيتين، فإن تكافؤوا فأقررها بيد الذي هي بأيديهم.
[9/ 16]
__________
(1) ما بين معقوقتين ساقط من ص.
(2) ساقطة من الأصل.
(3) في الأصل، خمسة عشر سنة وهو خطأ يقع فيه الناسخ كثيرا.
(4) ساقطة من الأصل.
(5) في الأصل، خمسة عشر سنة وهو خطأ يقع فيه الناسخ كثيرا.
(6) في الأصل، غيبا.
(7) في ص، قد أرخت تاريخا.

(9/16)


القول فيما حازه بعض الورثة
أو بعض الشركاء من بعض/
من المجموعة قال ابن القاسم عن مالك [في الوارثين] (1) يرثان دارا أو حائطا فيموت أحدهما وترك (2) [فقامت] زوجته فيدعي الباقي أن ذلك له دون أخيه فلا يقبل ذلك وهي بينهما.
ومنه ومن العتبية (3) من سماع يحي عن ابن القاسم وابن وهب في الأخوة يرثون الأرض ويحرث كل واحد ناحية إلي ان يموت وبيده أكثر المنزل فأراد من بقي المقسم، واحتج عليهم ولد أخيهم بحيازة أبيهم، وقال الأعمام إنما كان ذلك بيننا علي [طريق] (4) المرفق، قال لا حجة لهم بالحيازة إذا أقروا بالأصل أو قامت بينة، وليحلف الأعمام أنهم ما باعوا من أخيهم ولا وهبوه، قال ابن القاسم إلا أن يكون المالك الحائز وهب شيئا من ذلك أو باعه أو فعل فيه ما لا يفعله إلا المالك فيكون أحق بما أحدث فيه مثل هذا بحضرة إخوته وعلمهم.
قيل فيها كان يكري منه باسمه ويستغل أيستحق به الكراء؟ فقال مرة نعم، ثم سألته عنه فأمسك عنه ومرضه وكأنه لم يره حوزا يستحق به شيئا، قال عنه يحي في الورثة يرثون منزلا فهلك بعضهم وعن ولد وادعوا أن ما ترك الجد من ذلك لم يقسم وادعي أعماهم أن ما بأيديهم حقهم وأنهم عايشوا إخواتهم وكل واحد مقيم علي ما بيده من المنزل راض به وبيد بعضهم أكثر من بعض وعسي أن بعضهم ليس بيده شئ/ وتعايشوا علي ذلك نحو ثلاثين سنة، ولعلهم تقاسموا ولا يجدون بينة، قال أما ما لم يحدث فيها الحائز منهم غير أن سكن أو زرع فلا حجة له بذلك وليسوا في حوز بعضهم عن بعض من غير إحداث بناء أو هدم وكراء كالأجنبيين، وقد اختلف قوله فيما حاز أحدهم ببناء أو هدم أو غرس أو
[9/ 17]
__________
(1) بياض في صورة الأصل، أثبتناها من ص.
(2) بياض بالأصل غير موجود ما يقابله بنسخة ص.
(3) البيان والتحصيل، 11: 166.
(4) كلمة ساقطة من ص.

(9/17)


كراء باسمه، فقال مرة هم فيها كالأجنبيين إذا حازها بمثل هذا عشر سنين (1) فهو أولي بها، ثم رجع فقال لا يقطع ذلك حق الوارث بمثل هذا وثبت فيما حازه الوارث بالبيع والوطء والتدبير والكتابة بالعطية أن ذلك يقطع حق باقي الورثة بمثل هذا، وقال في الغرس والبناء إلا أن يطول الزمان بعدا، ولم يرا الأربعين سنة طولا بين الزمان جدا، قال وكذلك المرأة مع زوجها تقوم هي أو ولدها من زوج بعده علي ولد الأول وقد حازوا بالزرع والسكني وإن بعد عشرين سنة فلا يقطع ذلك حقها وحق ولدها إلا أن يقتسموا أو يبيعوا بعملها أو بعلم من ورثها بعد موتها، بذلك يقطع حقهم.
قيل فإن فعلوا ذلك في بعض الرقيق وإن كان في يسير منهم أخذت حقها فيما أعتقوا أو باعوا لأنها تعذره للسكوت عن اليسير في جنب الكثرة والميراث، وإن أحدثوا ذلك في جل الميراث فإن حقها يبطل / من الجميع.
ومن كتاب ابن حبيب قال مطرف: ولا حيازة بين الورثة والشركاء فيما يزرع أو يسكن بغير عمارة طال الزمان أو قصر في بعض ذلك أو في كله، حضروا أو غابوا، إلا أن يطول الزمن جدا خمسين سنة أو أكثر، أو يحدث فيما لم يطل بيع أو هبة أو قسم أو إصداق للنساء والباقون حضروا لا يغيرون فلا حق لهم إلا أن يقوموا بحدثان ذلك، وإلا فلا شئ لهم لا في ثمن البيع ولا غيره، قال وما حيز منه بالهدم والبناء والغرس والاحياء فهم فيه كالأجنبيين، هذا إذا مضت عشر سنين وشركاؤه حضور عالمون لا يغيرون فهم أحق به إذا ادعاه ملكا لنفسه [إلا لمن] (2) لا يريد أن يظهره واحتج بالحيازة فإن حاز بهذا جميع ذلك فهو له، وإن كان غنما حاز بعضها ولم يحز البعض وكان ما حاز مثل سهمه فهو له بسهمه، فإن ادعي أن ما عمر له دونهم فحقهم ثابت فيما بقي وما عمر فله سهمه إذا ادعي أشراكه أنهم انما تركوه يحدث ذلك ليكون له بسهمه، وإن عمر
[9/ 18]
__________
(1) في الأصل، عشرين سنة.
(2) ساقطة من ص.

(9/18)


أقل من سهمه أتم له بقية سهمه فيما بقي، وإن كان اكثر من سهمه فهو له كله قدر سهمه بسهمه وما زاد علي سهمه بالحيازة، قال والحيازة بقبض الغلات والثمار، وإن قبض غلة ذلك كله كالحيازة بالسكني في الدور، فإن زعم شركاؤه إنما قبض ذلك له ولهم بتوكيلهم أو التقديم له حلفوا، أو هم علي حقهم من الأصل والغلة الماضية، وإن قالوا تجافينا له عن / ذلك فهم علي أصلهم خاصة، وما حاز بعضهم من العبيد والاماء والدواب والحيوان وجميع العروض يختم فيركب ويحتلب ويمتهن العروض فلا يقطع ذلك حق الباقين ما لم يطل في ذلك دون الطول بينهم في حيازة الدور والأرضين بالسكني والازدراع، وفرق بين حيازة الأجنبي علي الأجنبي ما لم يحدث الحائز عتقا أو تدبيرا أو بيعا أو هبة أو إصداقا، أو يطأ الاماء أو يقطع الثياب والباقون حضور لا يغيرون ولم يقوموا بحدثانه، فإن أحدث ذلك فيها كلها فهي له كلها، فإن كان في بعضها فله ذلك خاصة والباقي بينهم بعد يمين الباقين أنه ما خرج من أيديهم، ولو قاموا عند هذا الاحداث وحلفوا [ما سو نحوه] (1) ذلك فلهم قيمة نصيبهم فيما أعتق وفيما وطئ وما باع أو وهب أو تصدق أو أصدق فهو مردود وهم علي حقهم، فإن طال ذلك قبل قيامهم فلا شئ لهم لا في ثمن الجميع ولا غيره، وما طال بحيازته لذلك بالامتهان والاستخدام حتي طال الزمان فذلك لحائزه دون الباقين، والطول فيه فوق العشر سنين بالاجتهاد وأنا في غير الورثة والشركاء فالحيازة فيه أقل من عشر سنين، قال والورثة والشركاء فالحيازة فيه أقل من عشر سنين، قال والورثة والشركاء وآباؤهم بمنزلة أبنائهم لا يستحق شئ بموت من مات، وقال مثله كله أصبغ، وقال أصبغ أيضاً وما حاز بعضهم بهدم أو بناء يشبه الاصطلاح والزيادة كالسكني لا يضر معه طول الزمان / ولا بموت بعضهم إلا في طول الزمان جدا خمسين سنة او ستين سنة فذلك يقطع حق من بقي، وما دون الخمسين زمانا بها فليس يحوز في الشركاء والورثة، وأما البناء والهدم الذي لا يشبه الزيادات فذكر فيه مثل ما تقدم لمطرف.
ومن المجموعة قال أشهب: وما حاز الورثة فكان كل واحد يعمل ما بيده من الأرض، وكيف إن مات بعضهم فكان ولده كذلك، فما ترك فاقتسموه ولده
[9/ 19]
__________
(1) كتاب في النسختين ولم يتضح لنا معني لذلك.

(9/19)


أو لم يقتسموه، ثم طلب ورثه الجد القسم فهم والأباعد سواء إن طال زمانه فيما يندرس فيه علم المقاسمة، فذلك باق علي حاله.
وكان سحنون لا يري الحيازة بينهم إلا في أكثر مما يراه بين الأجنبيين ولم يوقت وقتا.
قال أشهب: إلا أن يكون عند من طلب القسم منهم بينة أو سماع أن ذلك منهم علي التجاوز فيكون علي ذلك،
إلا أن يكون حوزهم لذلك مثل سنة او سنتين فليقتسموا علي ميراثهم الأول، إلا أن يكون عند الآخرين بينة بقسم وإلا فليؤتنف القسم فمن وقع حقه فيما بني وغرس فهو له ومن وقع بناؤه في حق غيره فليحلف ما بني إلا بمقاسمة ثم أعطاه الآخر قيمة البناء قائما، وإلا أعطاه هذا قيمة أرضه وإن أبي كانا شريكين، إلا أن تقوم بينة أنه إنما حاز بغير مقاسمة أو ينكل عن اليمين أو حلف الآخر فإن الآخر يعطيه قيمة بنائه منقوضا أو يأمره بقلعه لأن هذا يبين العداوة (1)، والأول يشبهه كالمشتري، وإن لم تقم بينة ونكل أعطاه قيمته / قائما علي ما ذكرنا.
قال ابن كنانة: إذا حاز أحدهم بازدراع فقط لم يستحقها إلا بطول الزمان، ثم يحلف أنه ما حاز إلا بحق أو بموت، فيدعي ورثته وراثة، وأما ما حيز بالبناء ولاغرس وإنشاء العيون وحفر الآبار فهو أحق بما عمل فيه ميتا وحيا مع يمينه.
ومن العتبية (2) روي يحي بن يحي عن ابن وهب فيمن مات عن أب وبنين فلم يأخذ الأب ميراثه حتي مات فقام ورثة الجد بميراثه واحتج ورثة الابم بسكونه عنه، قال هو لورثة الجد إلا أن تكون لهم بينة بصدقة أو بيع فلا يستحقونه بتقادمه في أيديهم.
وبلغني أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: <<لا يبطل حق امرئ وإن قدم (3) >>
[9/ 20]
__________
(1) في ص، يبين عداءه.
(2) البيان والتحصيل، 11: 191.
(3) لم يتيسر لنا تخريج هذا الحديث وربطه بالأحاديث الصحيحة.

(9/20)


قال سحنون عن ابن القاسم في الورثة فيهم صغار وكبار وبيد بعضهم بعض القري والمساكن وبيني ويغرس، ويختدم العبيد، ويبيع بعضهم، ويطأ الإماء، قم قال الباقون بعد أعوام، فادعي الحائز أن أباه تصدق عليه واحتج بحيازته، قال فهو أحق بذلك يحوزه بمحضرهم، قال ابن القاسم في آخر المسألة: وما باع أو وطئ فلا شئ للباقي فيه، وأما ما كان ببناء أو غرس أو ستغلال فلا يقطع ذلك حق الباقين. [لأن حوز القرابة في ذلك بخلاف الأجنبيين (1)].
وروي عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب في فرن بيد رجل كان يغتله وأوصي به لرجل في مرضه، ثم صح فأصلح سقيفته وكان قد احترق وكان يغتله، ثم مات فأقام إخوته بينة أنه لوالدهم / وكل ما فعل فبمحضرهم وعلمهم وهو حائز (2) الأمور، قال إن حازه هكذا نحو عشرين سنين (3) أو أكثر منها فهو له ولورثته من بعده إلا أن يكون إخوته صغارا أو تحت يديه أو غيابا غبية طويلة أو بعيدة فيكونون علي حقهم.
وقال أشهب: الفرن للموصي له به، يريد إذا وجب للموصي له بحيازته.
ومن المجموعة قال ابن كنانة في أخوين ورثا أرضا ثم مات أحدهما فترك ولداً فعمر أخوه الأرض زماناً طويلاً، ثم قام ولد الأخ بنصيب أبيهم فادعاها عمه، فأثبت ولد الأخ أن الأرض للجد وهم صغار حين مات أبوهم أو له معذر من غيبة أو علة فلهم أخذ ميراث أبيهم، وإن كانوا كباراً حضوراً وطال معايشة (4) أبيهم لعمهم وهي بيده نظر الإمام فذ ذلك بجتهاده، وقال في شركاء اقتسموا أرضاً فميز حق كل واحد، ثم غاب عليها عبيدهم فدخل بعضهم علي بعض فمكثت سنينا كذلك وكيف إن مات بعضهم ثم ادعي من بيده فضل منها أن ذلك له بحيازته وأراد الباقون الاعتدال في قسمها، فقال أما ما كانوا أحياء فهم يعتدلون علي
[9/ 21]
__________
(1) في ص، لأن حق القرابة في ذلك بخلاف الأجنبي.
(2) في الأصل، وهم حائزو الأمور.
(3) في ص، عشر سنين
(4) في ص، معاشرة.

(9/21)


قسمهم الأول ويترادون الزيادة إلا أن يطول الزمان جدا بقدر ما يستحق الأرض من عمرها بطول حيازته، فأما إن توارثها القوم فهي علي ما هي عليه الآن بزيادتها.
ومن كتاب ابن حبيب قال أصبغ في إخوة ورثوا منزلا فقسموه وغاب بعضهم وعمر بعضهم فقدم الغائب بعد سنين فقالوا اشتهيت الحيازة، وقال الحاضرون سهامنا بأيدينا ولا نعرف / سهامكم قال يحلف الذين عمروا أن ما عمروا سهامهم ولا شئ عليهم، إلا أن يقيم الآخرون بينة علي اشتباه سهامهم أو انتقاضها فتعاد القسمة.
قيل فإن كان حظ رجل من تلك الأرض بيد أخيه عشرين سنة أو نحوها فمات وطلبه بنوه أو طلب ذلك هو والمنزل يعرف بوالدهم، قال إن ادعي شراء أو صدقة فذلك له أقام بينة أو لم يقم لأم في عشرين سنة ما يبيد الشهود، ولو مت الذي الحظ في يده فقال ورثته لا ندري بماذا كان في يد صاحبنا فلا شئ عليهم إلا أن يأتي الآخرون بما يتبين به حقهم فيه.
قال ابن حبيب قال لي عيسي بن دينار عن ابن القاسم: الحيازة بالحرث والسكني مثل الهدم والبنيان علي الورثة وغيرهم، وخالفه عيسي وقال بما ذكرنا من الزيادات (1).

فيما حازه ذوو القربي والأختان والأصهار والموالي
وما حاز الإبن في حياة أبيه والصهر والمولي
من المجموعة والعتبية (2) قال ابن القاسم عن مالك في الذي تكون بيده الأرض زمانا يزرعها في في حياة أبيه ثم يملك أبوه فيقول قد حزتها فهي لي، قلت [ليس] (3) ذلك له إلا ببينة. وكذلك لو قال ذلك في حياة أبيه وقد يكون الرجل يدبر أمره ابنه قيل فلو كان أجنبياً، قال هو أقوي أن يقول اشتريت ومات
[9/ 22]
__________
(1) في ص، من الروايات.
(2) البيان والتحصيل، 11: 179.
(3) ليس ساقطة من الأصل، مثبته من ص.

(9/22)


شهودي، فيكون ذلك للأجنبي فوقف وكان يراه فوتا، / وقاله ابن القاسم في العتبية (1).
قال ابن حبيب: بلغني عن محمد بن إبراهيم بن دينار أنه قال ما حاز الابن من أرض أبيه في حياته بالغرس والبناء والإحياء ولم ينقله الأدب منه حتي مات أو طال الزمان فهو للابن بحيازته إياه إذا ادعاه ملكا لنفسه، قال وإن كان أبوه ينقله من موضع إلي موضع ويعمل في كل موضع فلا شئ له بحيازته، وإن مات أبوه علي ذلك.
وقاله مطرف، وروي أصبغ عن ابن القاسم أن ليس بين الولد ووالده في مثل ذلك حوز وإن طالت عمارته لأنه كالحوز لآبائهم إلا ما نسبوه لأنفسهم بشراء أو هبة أو صدقة أو إصداق إمرأة، وإن بنوا أو غرسوا في موضع واحد، وقاله أصبغ وابن حبيب.
وقاله ابن حبيب فيمن عمر منزلا لأبيه حتي مات الأب فقام عليه ورثة أبيه، فقال لم يكن لأبي فيه إلا كذا وكذا وباقية لي، قال إن كانت القرية كلها لأبيه فليس له منها إلا ميراثه إلا أن يقيم بينة أن القرية كانت لأبيه فيها أشراك وزعم أن ما بيده منها صار إليه من غير أبيه فهو مصدق وعلي إخوته البينة.
ومن المجموعة قال ابن الماجشون: إذا حاز ربعا علي أبيه حتي مات، فإن أقام باقي الورثة بينة أنه كان لأبيهم حتي مات عنه كلف الحائز من ولده بينة يستحق بها ذلك، وإلا حلف باقي الورثة أن ذلك لم يخرج من ملك الأب، ثم يكون لهم مورثاً، ولو قرب حوزه بعد موت أبيه لم يوجب / له ذلك حقاً، وإذا علم أصل حيازته في حياة الأب أنه بتوكيل وما أشبهه أو في غيبة الأب ما لم يكلف إخوته بينة وكلفها الحائز علي ما يستحق به
ومن (2) العتبية قال عيسي قال ابن القاسم في الذي يعمر في أرض أبيه أو مواليه أو أختانة حتي هلك ولا بينة له علي عطية أو هبة، فأما الولد فلا شئ له
[9/ 23]
__________
(1) البيان والتحصيل، 11: 179.
(2) البيان والتحصيل، 11: 172.

(9/23)


إلا أن يقيم بينة علي عطية أو صدقة أو هبة والمولي والختن كالأجنبي إن عمروا أو غرسوا بمحضر رب الأرض لا يغير ولا ينكر ولا يشهد بعارية ولا بغيرها، فذلك لهم إذا عمروه زماناً طويلاً وبنوه بناء معروفاً بعلم رب الأرض عشر سنين أو تسعاً أو ثماناً، وأما حيازة الإبن علي أبيه فيما ثبت أصله لأبيه من حيوان أو دابة أو رأس فلا ينتفع بتقادم ذلك في يديه إلا أن يأتي ببينة علي صدقة أو هبة.
قال ابن حبيب قال مطرف ما عدا الشركاء أو الورثة من جميع القرابات، الإخوة وبنوهم، والأعمام وبنوهم، والأخوال، والأصهار، والموالي فهم كالأجنبيين فيما حازوه.
وقال أصبغ: الموالي والأصهار فيما ليس فيه مواريث كالأجنبيين إلا، موالي الخدمة المدبرين لماله، يريد مثل الخول والقوام وشبههم من الخاصة فلا يجرون مجري الأجنبيين، وكذلك الموالي والأصهار يكونون خولا أو وكلاء لصاحب الأصل أو مختلطين به جداً، إلا أن يكونوا منقطعين عنه فيكونون / كالأجنبيين ولا حيازة للابن علي أبيه، وإن كان منقطعاً، واختلف قول ابن القاسم في ذلك، مرة قال كقول مطرف وأصبغ، ومرة قال بخلافه.
وقال ابن القاسم في المجموعة في حيازة الإخوة أو الموالي بعضهم عن بعض بحفر الآبار والغرس والبناء أنهم كالأجنبيين، إلا الولد مع الأب وولد الأب مع الجد فلا حيازة لهم تنفع إلا بصدقة أو عطية.
وقال سحنون: الذي كنا عليه مع علي بن زياد أنه لا حوز للموالي وشبههم، ثم رأيت الروايات تخالفه.
ومن (1) العتبية روي يحي بن يحي عن ابن القاسم في الموالي والأصهار يساكنون الرجل في دار تعرف له ويحرثون أرضه [فبقوا علي ذلك] (2) زماناً (طويلاً) (3) ثم يدعوه أو ورثتهم أنهم لا يستحقون شيئا مما سكنوا أو حرثوا بتقادمه
[9/ 24]
__________
(1) البيان والتحصيل، 11: 207.
(2) في الأصل، فيقيموا كذلك.
(3) وائدة من ص.

(9/24)


في أيديهم إلا أن يهدموا أو يبينوا فيكونوا كالأجنبيين، ومنها من رواية عيسي ومن المجموعة قال ابن القاسم في الأختان والموالي يساكنون الرجل في داره أو قريته المعروفة له أو يسكنهم ذلك فأقاموا بذلك زمانا ثم ادعوه أو ورثتهم والرجل أو ورثته يدفعونهم فإن كانوا ببلد يعرف منهم التوسع للموالي والأصهار قد جروا عليه فأهل الأصل أحق به إلا أن يأتي آخرون ببينة توجيه لهم أو سماع علي بيع، وإن كانوا ببلاد لا يعرف أن يجوز أحدهم علي أحدهم إلا بشراء أو عطية فالحائزون أولي في عشر سنين وما قاربها، إلا أن تقوم لأهل الأصل بينة بإسكان أو إعمار أو عارية، / وروي يحي مثله عن ابن القاسم وابن وهب إلا أن ابن وهب لم يذكر، إن كان قوم يعرف منهم التوسع [وروي عن ابن القاسم إلا ما حيز علي غائب في الذين لا يعرفون منهم التوسع] (1) فإنه أولي بحقه وإن تقادم، إلا أن يأتي الحائز ببينة علي أصل (شراء) (2) أو سماع بذلك (3) فاش، قال ولم يكن مالك يري الأقارب كالأجنبيين في الحيازة وإن قدمت [قال يحي بن يحي] (4)، يعني أهل الميراث.
ومن (5) العتبية قال سحنون في الصهر [زوج الأخت] (6) أو العمة يعمر قريتي الحضري قال هو كالقريب في الحيازة لا يستحقها بعمارة عشر سنين بخلاف الأجنبي، وقد اختلف فيها أصحابنا، وهذا أحسن، وكذلك الموالي من فوق وأسفل كالقرابة أيضا في ذلك، قال يحي قال ابن القاسم: ومن أصدق عن ابنه منزلاً فلما بني الإبن بزوجته أخذت المنزل إلا حقولا يسيرة تركتها بيد حميها (7) حتي مات بعد طول زمان، ثم قامت فيها فمنعها ورثته واحتجوا بحيازته فلا يضرها طول بقاء ذلك أو جميع المنزل بيد الحم (8) وهي أولي بذلك، قال ابن حبيب عن
[9/ 25]
__________
(1) ما بين معقوقتين ساقط من الأصل، مثبت من ص.
(2) كلمة شراء ساقطة من ص.
(3) [بذلك] ساقطة من الأصل.
(4) ما بين معوقتين ساقط من الأصل، مثبت من ص.
(5) البيان والتحصيل، 11: 188.
(6) كلمتان ممحوتان من صورة الأصل، مثبتتان من ص.
(7) في الأصل، بيد حموها وهو تعبير دراجي.
(8) في الأصل بيد الحمو والصواب ما أثبتناه.

(9/25)


حسين ابن عاصم عن ابن وهب وأشهب أن الورثة والأصهار والموالي كالأجنبيين فيما تجاوزا فيه إذا حازوه عشر سنين.
ومن المجموعة قال أشهب فيمن أعتق عبيداً ثم سكنوا دوراًُُ له وبنوا مساكن في أرضه فيقيمون كذلك زماناً، ثم يريد إخراجهم فيدعونها بحيازتهم عشر سنين أو عشرين، أو طلب ذلك ورثته من بعد موته بخمس سنين، أو مات الموالي وبقي أبناؤهم / قال الموالي في هذا كالأجنبيين سواء.
ومن العتبية (1) روي عيسي عن ابن القاسم في العبد يبني بنيانا في أرض سيده ويسمي باسم العبد، ثم يعتقه السيد عند الموت، فيقول العبد هذه الدار لي وبي عرفت، قال فالأرض لورثة الميت والنقض للعبد، قال عنه أصبغ فيمن له عبد بيده منزل فيه بناء وغرس (2) معروف أنه لسيده فأعتقه وفي يده المنزل والأرض، ثم أقام بعد عتقه عشرين سنة يبني ويهدم ويزرع حتي مات السيد فقام ورثته علي الموالي واحتجوا بحوزتهم، قال لا ينفعون بحوزهم، وليس الموالي والوالد كالأجنبيين شأنهم أضعف.
ومنها ومن المجموعة فيمن وقع له ولابنته ميراث في دار فتزوجت الابنة ودخل بها زوجها ثم باع عليها الأب والزوج وقالا وكلتنا، وأقامت الدار في يد المشتري أربع عشرة سنة يبني ويهدم، وهي مقيمة بالبلد وقالت ما علمت ولا وكلت، وكانا يذكران أنها بكر، فقال مالك إن باع عليها وهي بولي (3) جاز ذلك عليها وإن لم تكن بولي (4) ولا قامت بينة بوكالتها لهما حلفت دون البيع.
[9/ 26]
__________
(1) البيان والتحصيل، 11: 162.
(2) في الأصل، وغراس.
(3) في الأصل، تولي.
(4) في الأصل، وإن لم تول.

(9/26)


في الحيازة في عامر الأرض وبورها والطرق
من العتبية (1) روي يحي عن ابن القاسم فيمن سكن قرية ليس له فيها (2) إلا مسكنه أو شيئاً اشتراه بعينه ليس من أهل الميراث ولا ممن اشتري منهم فعمر من عامرها / أرضا يحرثها ويذللها أو يزرعها زماناً وأهل القرية حضور لا يغيرون، ثم يريدون إخراجه، قال ذلك لهم إلا أن تقوم له بينة علي شراء أو هبة أو يطول زمانه جداً، قيل أتراه كالأجنبي في الحيازة أم بحال الوارث أو المولي، قال ينظر فيه السلطان علي قدر ما يعذر به أصحاب الأرض في سكوتهم لما يعلم من افتراق سهامهم قولة حق أحدهم لأنه يقول منعني من الكلام قلة حقي فلما خفت أن يستحق علي قمت فهو اعذر ممن يستحق عليه خاصة ما له ولا أبلغ به حد الورثة ولا الموالي والأصهار إلا أن يكون ذلك للرجل والرجلين والنفر القليل، ولا يعذرون لسكوتهم عنه، ويحملون محمل من حيز عليه من داره شئ، وهم في عمارة بعضهم أعذر في عمارة أجنبيين وأوجب حقاً وإن طالب الزمان جداً.
وروي عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب في القوم في منزل له بور وشعراء فاحترق أحدهم في بورها حرقاً، فزرع فيه، فأقام بيده عشر سنين أو عشرين، ثم قام عليه باقيهم ليردوه مرعي (3) لعامتهم، واحتج هذا بطول حيازته بالعمارة أو كان قد مات وورثت عنه أو قامت بذلك كله بينة وأقر هو بذلك أعطوه قيمته صحيحاً إن كان اعتماله بعملهم إن كانوا كباراً، وإن كانوا صغاراً ليس لمثلهم إذن فقيمته منقوضاً، وإن لم يعرف البور بالبينة وهو ينكر وذلك بيده يعمره السنين التي في مثلها الحيازة / فلا حق لهم فيها.
ومن كتاب ابن سحنون وكتب إليه شجرة أن أهل مرابط قريش أقاموا بينة علي خصائمهم بني ليث أنهم يعرفون مرسي قريش يرابط فيه من ولاية العكي إلي الآن، وأن دواب المرابطين ترعي في الفحص الذي دون الوادي الجاري من جبل
[9/ 27]
__________
(1) البيان والتحصيل، 11: 213.
(2) في الأصل، ليس فيها.
(3) في الأصل، ليس فيها

(9/27)


قريش إلي الغربي، ومنهم من لم يدرك ولاية العكي [فهل يدفع بهذا ما استحق بنو ليث وشركاؤهم ببينتهم التي شهدت أن الحق حقهم] (1) والمنزل وأرضه بحدوده لهم, فكتب إليه أما الشهادة علي المدعي فضعيف، ورأي شهودهم شهدوا علي جميع الجون والمسجد في الجون منذ دهر وهم حضور، فأري الرباط قد جاز المسجد، وذلك يثبت الحق لمن حازه، إلا أن يقيم المدعي بينة بما يدفع به ذلك، وأما من لم يدرك ولاية العكي من [فهل يدفع بهذا ما استحق بنو ليث وشركاؤهم ببينتهم التي شهدت أن الحق حقهم] (2) والمنزل وأرضه بحدوده لهم، فكتب إليه أما الشهادة علي المدعي فضعيف، وأري شهودهم شهدوا علي جميع الجون والمسجد في الجون منذ دهر وهم حضور، فأري الرباط قد جاز المسجد، وذلك يثبت الحق لمن جازه، إلا أن يقيم المدعي بينة بما يدفع به ذلك، وأما من لم يدرك العكي من البينة فلا تجوز شهادته إلا أن ينقل عن غيره.
وسئل عن رجل يدخل من زقاق للمسلمين نافذ شيئاً في داره فلا يرفع ذلك الجيران إلي الحاكم إلا بعد عشرين سنة، قال يهدم ويرد إلي الزقاق إن صحت البينة ولا تملك الأزقة ولا تحاز.
وسئل عما يحدث في طرق المسلمين من الكنف والحمامات فلا يرفع إلي الحاكم إلا بعد عشر سنين واثنتي عشرة، قال لا تحاز طرق المسلمين بخلاف الأملاك بين الناس إلا أن يأتي من ذلك أمر قديم مثل سنتين أو سنة أو نحوها [فيترك ذلك لأنه لا يعلم بأي وجه / وضع ذلك، وأما عشر سنين ونحوها] (3) فلا، وعن رجل تحامل علي مقبرة المسلمين فحرثها وحازها، وقامت بذلك بينة وهو غائب، ثم قدم، قال تعاد عليه البينة وتقر كما كانت.
في المتناوعين في دار
يدعي كل واحد أنها في يديه ويقيم البينة
من المجموعة وكتاب ابن سحنون قال أشهب: ومن ادعي في دار أنها بيده وادعي آخر أنها في يديه فلا يصدق هذا ولا هذا، وليأتيا بالبينة، فإن لم يقيما بينة قيل لهما من كانت في يديه فهي في يديه، وإن أقام أحدهما البينة أنها له أو في يديه قضي له بذلك، وإن أقاما البينة بمثل ذلك قضيت بأعدلهما وإن تكافأتا،
[9/ 28]
__________
(1) ما بين معقوقتين ساقط من ص.
(2) ما بين معقوقتين ساقط من ص.
(3) ما بين معقوقتين ساقط من ص.

(9/28)


فإن لم يكن في شهادة كل بينة أنها ليست في يد الآخر جعلت في يد كل واحد نصفها، وقال في موضع آخر: وإن كانت شهادتهما علي أنهما فيها. قضيت بها بينهما نصفين في أديهما، وإن كانت شهادة كل بينة أنها بيد هذا دون الآخر وتكافأتا بطلت شهادتاهما وبقيت علي ما هي عليه.
وإن كانت واحدة أعدل قضيت بالأعدل، وإن أقام واحد بينة أنها له وبينة الآخر أنها في يديه قضيت ببينة الذين قالوا إنها له، وإن يقيما بينة فلا أري أن يستحلف أحد منهما للآخر أنها ليس في يديه إلا أن يكونا جميعاً في الدار، أو قد أقام كل واحد منهما بينة أنها في يديه فيليها لا نعلم أحداً يليها غيره فعلي كل واحد اليمين أنها في يديه دون الآخر، فإن حلفا / أو نكلا لم أجعلها بيد أحد منهما وبقيت بحالها، وإن نكل أحدهما جعلتها في يد الحالف، قال وإن وجدها القاضي بيد أحدهما فلا ينزعها من يديه، ونحو ذلك ذكر (1) ابن حبيب عن مطرف. وإذا شهدت بينة لهذا في أمة أنهم يعلمون أنها له، وبينة الآخر أنها في حيازته وخدمته، فبينة الذين علموا الملك أولي.
في المتداعبين في شئ في أيديهما، أو في يد أحدهما
أو في يد غيرهما، وأقاما البينة
من كتاب ابن المواز: ومن أقام شاهدين في دار أنها له، وأقام آخر شاهدين أنها له قضي بأعدلهما، فإن تكافآ قضيت لمن هي بيده، كان أحدهما أو غيرهما، قاله مالك وابن القاسم وهو الصواب وخلاف قول من قال إن كانت بيد أحدهما فالبينة بينة المدعي لأن البينة عليه، وهذا قول عراقي، وهذا القول الذي أنكر محمد يذكر لعبد الملك.
وقال محمد بن عبد الحكم: ومن أقام بينة في شئ أنه يملكه وأقام آخر بينة أنه يملكه، فإن ورخت (2) البيتان قضيت لأبعدها تاريخاً وإن لم تؤرخا قضيت
[9/ 29]
__________
(1) في الأصل، ذكره ابن حبيب.
(2) كذا في النسختين والمراد أرخت.

(9/29)


بأعدل البيتين ولا أنظر إلي العدد، فإن تكافأتا بقي لمن هي بيده مع يمينه، وإن كان ذلك ليس بيد واحد منهما لم يحكم فيه الحاكم بشئ، وقد قبل بقسمة الحاكم بينهما إن لم يكن بيد واحد منهما، قال أبو محمد: يريد وليس بيد أحد يدعيه غيرهما.
/ من المجموعة وكتاب ابن سحنون قال أشهب: وإذا كانت بيد رجل فادعاها آخر وأقام بينة أن أباه مات وتركها ميراثاً منذ سنة لا يعلمون له وارثاً غيره، وشهدت بينة الذي هي بيده بمثل ذلك فليقبض بها لأعدلهما فإن تكافآ بقيت للذي هي بيده وليس بقضاء، ولو شهدت بينة لحائزها علي أقل من سنة [أو لم يوقتوا] (1) وقتا قضيت له بها أيضا.
قال ابن عبدوس، وقال سحنون فيمن ادعي عبدا بيد رجل أن أباه مات وتركه ميراثاً له، وأقام بذلك بينة وأنهم لا يعلمون له وارثاً غيره، وادعي آخر أنه له وأقام بينة أن هذا موضع تهاتر، قال ابن عبدوس يعني وتترك لمن هو في يديه.
قال ابن الماجشون: إذا شهد رجلان علي أمة في يدي أنها أمة فلان وهو يدعيها وأنه أعتقها أو دبرها أو كاتبها أو أعتقها إلي رجل، وأقمت أنا البينة أنها لي، فإن تكافأت البينتان كانت للحائز من كان منهما.
قال أشهب في عبد بيد رجل فأقام بينة أنه له، وأقام حائزه بينة أنه له وقد أعتقه فإني أقضي به لأعدلهما، فإن تكافأتا قضيت به لأولهما توقيتا ليس كلما قال ا [وحنيفة إنه يقضي به للمدبر.
قال أشهب: وإن لم يؤقتا أجزت العتق لأني لا أري رده حتي يقيم الذي هو في يديه بينة أنها أمته أولدها / هذا الولد كنت أرقها؟
ومن كتاب ابن سحنون قال سحنون: سمعت بعض أصحابنا من الحجاز يقول في الرجلين يدعيان الشئ يكون بيد أحدهما فيقول الذي هو بيده أنه
[9/ 30]
__________
(1) ما بين معقوقتين ممحو من صورة الأصل، مثبت من ص.

(9/30)


لرجل آخر ويبرأ به إليه مثل الدار فيقيضها المقر له ثم يقيم بينة ويقيم مدعيها ببينة أن الذي هي في يديه لا يكون أولي بها لأنها إنما صارت في يديه بدعوي المدعي، وإنما يكون أولي بالشئ الذي تسبق حيازته دعوي المدعي.
ومن المجموعة وكتاب ابن سحنون قال أشهب: قلت فإذا اختصم رجلان في عبد كلاهما أنه عبده وهو في أيديهما، فإن كان العبد لا يتكلم كلفا البينة، فإن قامت لأحدهما بينة قضيت له ربه ولم أنظر إلي قول العبد، وإن أقاما جميعاً بينة وأحدهما أعدل قضيت به لأعدلهما ولم أنظر إلي قول العبد إني لغيره، فإن تكافأت البينتان أبطلتهما وجعلت العبد لمن أقر العبد أنه له، ومتي جاء صاحبه بأعدل قضيت له به، وإن لم يقيما بينة جعلته لم أقر له العبد بعد أيمانهما أو نكولهما [وأيهما نكل وحلف الآخر قضيت به للحلف ولم أنظر إلي إقرار العبد، وزعم] (1) النعمان أنه يكون بينهما إن لم يقيما بينة، وهذا غلط، أرأيت لو تعلق هو بهما وقال انتما عبداي أيقبل قولهما دون أن يقبل قوله؟ وإذا تداعيا أرضا أو يدعيها كل واحد منهما ويقول إنها في يديه والدار بيد غيرهما فأقر أنه أكراها من أحدهما أو استعارها، قال فهي للذي أقر له الذي هي في يديه، إلا أن يقيم الآخر بينة فيكون [/ أحق بها، إلا يقيم الآخر بينة فتكون] (2) لأعدل البينتين، فإن تكافأتا كانت للمقر له بعد [يمينه أنها له ما لأحد فيها حق نعلمه، فإن لم يأتيا ببينة فهي للمقر له بغير] (3) يمين علي واحد منهما، ولا يمين علي المقر إذ لو رجع عن إقراره لم يصدق وإن كان شاهدا فلا يحلف الشاهد، وقال أشهب فيه وفي المجموعة في دار بيد رجل فادعي رجل أنها له وأنه أكراها منه، وادعاها آخر وقال ودعته إياها، وأقام كل واحد بينة علي ما ذكر، فإن عرف الذي أكري أو أودع قبل الآخر فالحق حقه إلا أن يكون الآخر منهما يشهد ببينته، أنه عار هذه الدار من زمان حاز به علي الأول بحضرته لا يغير ولا يدفع فيقضي له بسبب الحوز علي صاحبه، وإن لم يعلم أولهما إكراء أو إعارة قسمت بينهما نصفين.
[9/ 31]
__________
(1) ما بين معقوقتين ساقط من ص.
(2) ما بين معقوقتين ساقط من ص.
(3) ما بين المعقوقين ساقط من ص.

(9/31)


ومن كتاب ابن سحنون وهو لأشهب، وقال في عبد بيد رجل أقام بينة أنه غصبه منه، وأقام آخر بينة أن حائزه أقر أن هذا أودعه إياه، قال يقضي به لصحاب الغصب دون صاحب الإقرار. وكتب شجرة إلي سحنون فيمن ادعي علي رجل أنه غصب أرضا وشهدت له بينة بغضها، فأقام المدعي عليه بينة أنه اشتراها من هذا المدعي، وأن بينة الغاصب حضروا معهم الشراء وشهدوا عليه، هل يجرحهم هذا، وكيف إن كان مدعي الشراء من الجند ومدعي الغصب من أهل البلد وقد كانت حال الجند في / هذه الفتنة. ما قد بلغك، فكتب إليه سحنون: إن كان شهداء الشراء (1) عدولا فخذ بشهادتهم إذا تبين صحة الشراء، وإن كان مدعي الشراء من الجند وهو من أهل العداء والغصب وأنه ممن كان لا يعدل عليه في حالته تلك قبل البينة، فإن علموا أن الطالب أراد البيع من غير ظلم يقر ببيع الرجل علي وجه الحاجة من أهل العداء، فإن لم عندهم من ذلك علم فكلف المعروف [بالعدل فإن كان ما برئت به عندنا حجة شرائه علي ما أعلمتك وإلا فافسخ شراءه بعد يمين مدعي الغصب علي دعوي المعروف] (2) بالعداء، وإن كان الجندي ليس بمعروف بالعداء فأجر ببينته علي الشراء.
وسأله حبيب عمن حكم عليه بدين فأثبت بينة بغرمه فأقام الطالب بينة أن له دارا هو بها ساكن، وأقامت امرأة الغريم بينة أن الدار لها، قال يقضي بأعدل البيتين فإن تكافأتا بقيت الدار للزوج ويباع في دينه لأن سكناه أغلب من سكني امرأته، وعليه هو ان يسكنها.
ومن كتاب ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون في مولي مات فادعي ولاءه رجلان فإن لم يقيما بينة فلا يحلفان ولا يقسمان ماله لأن السلطان يلي الدفع عن هذا المال، والمسلمون وارثوه، وإن أقاما بينة حلفا وقسماه بينهما.
[9/ 32]
__________
(1) في ص، إن كان شهود الشراء.
(2) ما بين معقوقتين ساقط من الأصل، مثبت من ص.

(9/32)


قال مطرف: فإن أقام أحدهما بعد ذلك بينة أعدل من بينة صاحبه لم يرجع علي صاحبه بشئ لأنه حكم مضي، وقال ابن الماجشون وأصبغ بل يرجع علي صاحبه بما أخذ، وبه أقول.
ومن كتاب ابن سحنون قال أشهب وسحنون في / شاة مسلوخة بيد رجل وسقطها ورأسها بيد آخر، فأقام من هي بيده البينة أن الشاة وسقطها له، ورأسها بيد آخر، فأقام من هي بيده البينة أن الشاة وسقطها له، وأقام الآخر بينة بمثل ذلك، قال يقضي بجميع ذلك لأعدلهما بينة، فإن تكافأتا حلفا فإن حلفا قضيت لكل واحد منهما بما في يديه منهما، وإن نكلا أقررت بما بيد كل واحد منهما بيده وأيهما نكل قضيت [للحالف بما هو في يده وما في يدي] (1) صاحبه، وإن أقام كل واحد منهما البينة علي أن الشاة له نتجت عنده وذبحها وسلخها، وأن هذا الجلد والسقط منها فإن ذلك كله له والجواب سواء.
قال محمد بن عبد الحكم: وإذا كانت دار بيد رجلين وعبد لأحدهما كان يدعيها، فإن كان العبد تاجراً وعليه دين فهي بينهم أثلاثا، وإن لم يكن تاجرا فهي بين الرجلين لأن العبد في يدي مولاه، وإن كانت في يد عبد وحر فادعاها الحر لنفسه أو لمولاه فالدار بينهما نصفين، ولو أقر لها العبد [للساكن معه فادعاها مولي] (2) العبد نفسه أو لبعده تحالفا وإن كان النصف للحر والنصف للعبد أو لمولاه لأن العبد لو أقر بما في يده أنه لفلان وقال السيد هو العبد لو أقر بما في يده أنه لفلان وقال السيد هو لي أو لعبدي لم يقبل إقرار العبد، وإذا كانت في يد حر وعبدين تاجرين أو غير تاجرين فادعاها العبدان لسيدهما والحر لنفسه، أو ادعاها كل واحد منهم لنفسه فإنها تقسم بينهم أثلاثا ولو كان السيد معهم / في الدار وهما غير مأذونين لقسمت بينه وبين المدعي لنفسه نصفين ولم يكن للعبدين يد مع السيد، وكذلك لو كان معه في الدار عيال له أو أضياف أو ينظر إلي عددهم ودعواهم له إن كان الذي أدخلهم في الدار معهم، فإن لم يكن في الدار نظرت إلي عددهم فإن كانوا أربعة أحدهم يدعيها لنفسه والباقون للذي ليس معهم فإنها تقسم علي
[9/ 33]
__________
(1) التتمة من ص، نظرا لمحو ذلك في الأصل.
(2) ما بين معقوقتين مطموس في الأصل، مثبت من ص.

(9/33)


أربعة، الربع للمدعي لنفسه والباقي لمن ادعوها له الباقون، ولو كان معهم في الدار قسمت نصفين وزالت يد المدعين لغيرهم، وأما إن كان الثلاثة يقولون أكراها منا فلان وهي له فلا تبالي كان معهم في الدار أو لم يكن فإنها تقسم علي أربعة لأن الكراء أوجب لهم يدا فصار للذي أسكنهم ثلاثة أربعاها ولو كانوا عيالا أو أضيافا أو عبيدا غير مأذونين بكونه معهم يوجب قسمها نصفين لأن اليد له دونهم، وإن لم يكن معهم كانت أيديهم توجب له زيادة في القسم لحلوهم فيها بسببه.

ذكر ما يكون به التكافؤ في البينتين
أو تكون إحداهما أعدل أو أكثر عددا
من المجموعة قال ابن القاسم: التكافؤ في البينة هو في العدالة لا في العدد.
قال هو وابن وهب عن مالك: ولا أنظر إلي كثرة شهداء [أحد الرجلين لكن إلي العدالة وإن كانوا أقل من شهداء الآخر] (1).
قال ابن القاسم: وإن كان شهداء أحدهما اثنين والبينة الأخري مائة، وهما (2) في العدالة سواء، فقد تكافأتا. قال/ ابن حبيب، وروي مطرف وابن الماجشون [عن مالك في المتداعبين في شئ يقيم كل واحد عليه بينة فليقض بالعادلة، وإن كانوا أجمعين عدولا قضي بأعدلهما وإن استوتا في العدالة قضي له لأكثرهم عدداً، فإن كان هؤلاء كثيرا يكتفي بهم فيما يلتمس من الاستظهار، والآخرون أكثر جدا فها هنا لا نراعي الكثرة، فإن استووا في العدالة بقي لمن هو بيده، وإن لم يكن بيد أحدهما فإن راعي الإمام إلا به (3) وإلا قسمه بينهما (4). قال مطرف وابن الماجشون: وإن جاء أحدهما بشاهدين مبروين والآخر بأربعة أو عشرة من [العدول ملنا إلي الكثرة وقاله مالك وخالفه غيره من] (5) علمائنا، فقال إن أقام
[9/ 34]
__________
(1) ما بين معقوقتين ساقط من ص.
(2) في ص، وهم.
(3) كلمة غير واضحة.
(4) ما بين معقوقتين ساقط من ص.
(5) ما بين معقوقتين ساقط من الأصل، مثبت من ص.

(9/34)


أحدهما شاهدين عدلين وقام الآخر أعدل أو أكثر إنهما جميعا سواء لأن كل بينة أحقت لصاحبها ما أحقت الأخري، فلو أخذ بهذا أحدهما أخطأه.
ومن العتبية (1) روي عيسي عن ابن القاسم في متداعيين تداعيا شيئا أقام كل واحد بينة لا يعرفهم الإمام فيعدل كل بينة معدلون هل يقضي ببينة أعدلهم معدلين؟ قال لا، وإنما ذلك في للشهداء خاصة، وروي مثله ابن حبيب عن ابن الماجشون، وقال مطرف كان مالك يميل في الشهود والمعدلين إلي من هو أرجع بعدالة أو بكثرة عدد، فإذا كان الفريق الواحد من المعدلين إلي من هو أرجع بعدالة أو بكثرة عدد، فإذا كان الفريق الواحد من المعدلين أعرف بوجه التجريح والتعديل وأبين عدالة وفضلا ومعرفة، أو أكثر عددا قضيت بها لمن جاء بأولئك، وفي باب التداعي في الولد والولاء من هذا المعني.
[9/ 35]
__________
(1) البيان والتحصيل، 10: 135.

(9/35)


في البينتين تشهدان في الشئ
كل بينة لرجل، فتؤرخ إحداهما
أو تقول ولد في ملكة أو تؤقتان جميعا

ومن المجموعة وكتاب ابن سحنون قال أشهب في عبد بيد / رجل فأقام رجل آخر يدعيه بينة أن أباه مات [وتركه له ميراثا منذ سنة لا يعلمان له وراثاً غيره، وأقام آخر بينة أن أباه مات] (1) وتركه ميراثاً منذ سنتين لا يعلمان له وارثا غيره، قال يقضي به لصاحب السنتين إلا أن يكون في شهادة صاحب السنة وأنه أعاره للذي هو بيده صاحب السنتين فيكون لصاحب السنة بحوزه إياه علي صاحب السنتين.
ومن كتاب ابن سحنون قيل: فإن أقام أحدهما بينة أن أباه مات وتركه ميراثاً، وأقام آخر بينة أنه له، قال يقضي به بينهما نصفين، إلا أن يكون في شهادة أحدهما توقيت فيقضي له به، ولو أقام أحدهما بينة أنه كان لأبيه حتي مات وتركه ميراثاً لا يعلمون له وارثاً غيره، وأقام آخر بينة أنه اشتراه من أبي هذا المدعي بكذا وكذا ونقده، قال يقضي به للمشتري لأن أبا هذا لو كان حياً قضيت عليه، ولو شهدوا علي صدقة مقبوضة من الميت في صحته أو هبة أو عطية أو عمري، قال فإن شهد شهود ابن الميت أنه لم يزل في يديه حتي مات نظر إلي أعدل الشهود فيقضي بهم، فإن كانوا متكافئين بطلت بينة المتصدق عليه، قال ولو كان إنما أقام الآخر لبينة أن أبا هذا أصدق هذا العبد أم الآخر وأن أمه ماتت وتركته ميراثاً له لا يعلمون لها وارثا غيره، قال يقضي ببينة ابن الزوجة لأن شهوده شهدوا أن الزوج خرج منها حين أصدق كالبيع، إلا أن يكون الزوج / قد حازها بحضرة المرأة حوزا يقطع الدعوي.
ومن المجموعة وكتاب ابن سحنون قال أشهب في عبد بيد رجل أقام آخر البينة أنه له، قضي له به القاضي، وأقام من هو بيده بينة أنه عبده ولد في ملكه،
[9/ 36]
__________
(1) ما بين معقوقتين ساقط من ص.

(9/36)


وأقام آخر بينة أن قاضي بلد كذا قضي له به، فإن لم يفسره الشهود أكثر من هذا قضي به لصاحب الولادة إذ لو وجدته بيد أحد هذين المقضي لهما به لقضيت لهذا به، إلا أن يكون في شهادتهما تفسير أن القاضي قضي به لهذا إلا أنه اشتراه من هذا أو من وكيله أو ممن باعه إياه فأقضي له به، وإن شهد للآخر بينة بمثل هذا فسألتهما عن التاريخ فمن ورخت قضيت بقول المؤرخة إلا أن يكون في شهادة التي لم تؤرخ أن القاضي قضي بهذا العبد لهذا فأقضي له به، وإن ورخت شهودهما جميعاً قضيت به لأولهما تاريخا، وإن لم يؤرخا قضيت لهما بعد أيمانهما أو نكولهما ولا يمين علي صاحب الولادة، ومن نكل قضيت عليه للآخر، وقال ابن القاسم في الدابة يدعيها رجلان فيقيم أحدهما بينة أنها نتجت عنده في ملكه، وأقام آخر بينة أنه اشتراها من المقاسم وليست بيد واحد منهما أو هي بيد صاحب النتاج أو صاحب بينة المقاسم أحق بها إلا أن يدفع إليه الثمن الذي اشتراها به ويأخذها.
ومن كتاب ابن سحنون قال أشهب في عبد بيد رجل أقام آخر بينة أنه عبده منذ عامين، وأقام حائزه بينة أنه له منذ سنة قال أقضي به لصاحب العامين / إلا أن يكون في شهادة شهداء صاحب السنة أنه يحوزه علي وجه الملك بمحضر هذا وعلمه لا ينكر فأقضي له به، قال ولو أقام رجل بينة أنه له منذ سنة [وأقام الحائز بينة أنه في يديه منذ سنتين، ولم يشهدوا أنه له، قال أراه لمن شهدوا أنه له منذ سنة] (1) إلا أن يكون للآخر بينة بالحوز علي الآخر بوجه الملك علي ما ذكرنا.
وسئل سحنون في مداعيين لدابة أقام أحدهما بينة أنها له [وبين يديه] (2) من خمس عشرة سنة وأقام آخر بينة أنها له وفي يديه، حكم له بها قاض سنة ثلاث وعشرين ومائتين، وتحاكما في سنة سبع وثلاثين، فيكون وقت الحكم بعد وقت الذي لم يذكر ببينته حكماً، فكتب إن شهدت بينة المحكوم له أن الحكم كان علي
[9/ 37]
__________
(1) ما بين معقوقتين ساقط من ص.
(2) زيادة من ص.

(9/37)


هذا المدعي قضيت للمحكوم له، وإن كان علي غيره قضيت لصاحب الوقت الأول إذا كانوا عدولاً كلهم، وإن كان صاحب الوقت الآخر أعدل.
قال ابن سحنون: وكتب شجرة إلي سحنون في رجلين تنازعا أرضا فادعي كل واحد أنها له وفي يديه، وأقام أحدهما بينة أنها له وفي يديه منذ خمس عشرة سنة وأقام الآخر بينة أنها له وفي يديه حكم بها القاضي سنة ثلاث وعشرين ومائتين، وأقاما هاتين البيتين سنة سبه وثلاثين، وتاريخ الحكم بعد تاريخ الآخر، فكتب إليه إن كان الحكم علي المدعيين ببينته، وأثبت إن كان حكماً علي غيرهم فلا يضر ويقضي / لأهل التاريخ الأول اعتدلت البينة في العدالة او تفاضلت وكلهم عدول، وسأله حبيب (1) عمن حكم له بحمار استحقه ثم يأتي المحكوم عليه بالبائع منه فيقر له فيحكم له عليه، وكذلك في الثالث والرابع، ثم يأتي الرابع بالبائع فيقر له، ويأتي بشاهدين أنه ملك هذا الحمار باشترائه إياه من بائع باعه منه في سنة ثلاثين ومائتين فلم يزل في ملكه حتي باعه من هذا الرابع سنة ثلاث وثلاثين، وقد أقر المحكوم له به (2) أنه يملكه قبل خصومته فيه [بسبعة وعشرين شهراً، وكانت خصومته فيه] (3) في آخر شهر من سنة أربع وثلاثين، فقال بينة المشهود له بالملك القديم أولي، وذلك سنة ثلاثين، وذلك يوجب صحة ملك هؤلاء المحكوم عليهم، وهذه أحكام تنقض ويرد الحمار إلي من كان في يديه أولا، الذي اعترف أنه في يديه ولا ينظر في هذا إلي أعدل البينتين لكن إلي قدم تاريخه، وإنما ينظر إلي أعدلهما لو كان ذلك في وقت واحد من ذكر المالك، قال وإذا حكم الحاكم بعبد لمن استحقه من يد رجل ثم أحضر المحكوم عليه بائعه فأقام البينة أنه ولد عنده، قال فهو أحق به ويفسخ الحكم الأول، وإن قال بينتي قريبة علي مثل اليوم واليومين (ونحو ذلك) قيل له فقال بينتي بأطرابلس، قال هذا بعيد [ويقضي عليه برد الثمن، ثم إن جاء ببينة حكم له بالعبد وفسخ الحكم الأول
[9/ 38]
__________
(1) في ص، وسئل ابن حبيب.
(2) في ص، لربه.
(3) ما بين معقوقتين ساقط من ص.

(9/38)


واسترجع الثمن من الذي أخذه، وكان الذي يرد الثمن أحق بالعبد] (1) / وهذه المسألة فيها في الأم اختلاط، وهذا للذي صح عندي منه، والله أعلم.
في الذي يدعي الشئ فيقيم بينة فيحكم له به
ثم يدعيه آخر ويقيم بينة علي مثل ذلك
أو كانت لقطة فأخذها من عرفها ثم يقوم غيره
من المجموعة وكتاب ابن سحنون قال أشهب في شاة بيد رجل أقام آخر بينة أنها لها ولدت في ملكه فقضي له بها، ثم جاء آخر ببينة بمثل ذلك أيعيد الأول بينته؟ قال ليس عليه إعادتهم ولا يرد إلي الأول، ولكن يقضي بها لأعدل هذين بينة، وإن تكافأت بينتاهما لم أردها إلي الأول ويقسم بين هذين بعد يمينيهما، وأيهما نكل قضيت عليه للحالف فإن نكلا قضيت بها للذي أنتزعت من يديه لأن نكولهما كإقرارهما، قيل فلو حلفا في تكافؤ البينة واقتسما ثم أقام أحدهما بعد ذلك بينة غير التي شهدت له أولا بمثل شهادة الأول، قال إن كانت هذه الآخرة أعدل من بينة صاحبه التي طرحتها بالتكافؤ قضيت بجميع الشاة لذا، وإن كانت مثل الأولي أو دونوها أقررت الشاة بينهما.
قال أشهب في المجموعة فيمن التقط لقطة فأتي من وصفها فدفعها إليه، ثم جاء آخر فوصف كصفة الأول فهي للأول القابض لها بالصفة، وكذلك لو قال ملتقطها هي لي كان أحق بها، فإن جاء من يدعيها ووصفها فلا تكون له إلا ببينة، وإن كان الأول إنما أخذها ببينة بأمر سلطان أو بغير / أمره قم ادعاها ثان وأقام البينة قضيت بها لأولهما تاريخا، فإن لم يؤرخا قضيت بها لأعدلهما بينة، فإن تكافأتا بقيت لمن هي بيده بعد يمينه، فما أعلم لذا فيها حقا. وإن نكل حلف صاحبه وأخذها, فإن نكل بقيت لمن بيد من دفعت إليه أولا، وكذلك قال فيما يوجد بيد اللصوص فأقروا أنه مما تلصصوا به علي هذا المعني، قال ولو جاءا جميعا
[9/ 39]
__________
(1) ما بين معقوقتين ساقط من ص.

(9/39)


يدعيان ذلك وتكافأت بينتاهما (1) كان ذلك بينهما شطرين بعد أيمانهما، وإن كانت إحداهما أعدل قضيت لأعدلهما.
قال ابن القاسم وأشهب وعبد الملك: ومن أقام بينة علي ميت أنه مولاه أعتقه لا يعلمون له وارثا غيره دفعت إليه ميراثه بغير كفيل فإن جاء آخر بعده ببينة بمثل ذلك نظر في حجته.
قال أشهب: ومن حجته أن ينظر من أعتق أولا فيقضي له، وإن كانت بينة الآخر أعدل وهذه عدول، وإن لم يدر من أعتق أولا فالشهادة لأعدلهما، قال عبد الملك: وإن استووا فأطرحهما ويصير مالا ولا شهادة فيه، فمن وجدت المال بيده بغير القضاء بالشهود فدعه حيث هو حتي يستحق وينزع المال من يده، ويوقف حتي يجئ له أمر ويأتي له ببيان.
قال عبد الملك فيمن (2) أخذ ماله رجل زعم أنه [مولاه، وأتي بعده آخر أقام بينة أنه مولاه، وأقام الأول للذي هو بينة أنه مولاه] (3) , قال لا يزال عن موضعه لأنه صار بيده ولا مدع معه إذ لما تكافأت البينتان سقطتا / وإن كان ما جاء به غير قاطع نزع ووقف إلي أن يستحق، وقال ابن القاسم يقسم بينهما نصفين.
في الرجلين يقيم كل واحد منهما بينة
علي النتاج او النسخ وشبه ذلك
من المجموعة وكتاب ابن سحنون قال أشهب فيمن بيده دابة أو عبد أو أمة أو ثوب فيقيم الآخر بينة أن ذلك نتج عنده، أو أن الثوب له أو نسجه، ويقيم من هو بيده بينة بمثل ذلك فإني أقضي بأعدل البيننين، فإن تكافأتا قضيت بذلك لمن هو بيده بعده يمينه ما يعلم للآخر فيها حقا وأنها له نتجت في يديه، فإن كان
[9/ 40]
__________
(1) في الأصل، وتكافأت بينتهما.
(2) في الأصل، في ميت اخذ ماله.
(3) ما بين معقوقتين ساقط من ص.

(9/40)


قضيت بها للآخر بعد يمينه، فإن نكل بقي ذلك بيد من هو بيده، قال في كتاب ابن سحنون: إلا أن يكون أقام المدعي وحده بينة أو أقاماها جميعا وكانت بينة الدعي أعدل يكون هذا قد حازها عليه ما ينقطع بمثله الدعوي أو تقوم بذلك بينة.
قال في الكتابين: وإن كان ذلك بيد غيرهما قضيت بذلك لمن هو بيده بكل حال بعد يمينه أن ذلك له لا نعلم لهما فيه حقا، فإن نكل حلفا وكان بينهما، وأيهما نكل قضيت بها للحالف، وإن نكلا قضيت للذي هما في يديه، وإن كانت الدابة بيد اثنين أقام كل واحد بينة بالنتاج عنده وأنها له قضيت بها لأعدلهما بينة، فإن تكافأتا حلفا، فإن حلفا أو نكلا قضيت بها بينهما نصفين، ومن نكل قضيت بها لمن حلف منهما، ومن العتبية / روي عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب فيمن بيده دابة فاعترفها رجل أنها نتجت عنده وسرقت، وقال من هي بيده ابتعتها من رجل ببلد آخر فوضع القيمة وخرج بها علي بائعه فأعدي عليه بالثمن وذكر الثاني أنه اشتراها ببلد آخر فوضع القيمة وخرج بها علي بائعه فأعدي عليه بالثمن وذكر الثاني أنه اشتراها ببلد آخر فوضع القيمة أيضا وذهب بها إليه، ثم أقام الثالث علي بائعه [فأقام بائعه] (1) بينة أنها له نتجت عنده فليقبض بها لأعدلهما بينة، فإن كان شهداء الأول أعدل أو هما في العدالة سواء قضي بها لمستحقها الأول، وإن كانت بينة الآخر أعدل بعد البيع فيها بين كل من تباعيها وردت إلي من استحقت من يديه.
ومن كتاب ابن سحنون: قال ابن القاسم في دابة ادعاها رجلان وليس هي بيد أحدهما، البينة أنها نتجت عنده، وأقام الآخر بينة أنه اشتراها من المقاسم، بخلاف من ابتاعها من سوق المسلمين لأن هذه تسرق وتغصب ولا تحاز عن الناتج إلا بأمر يثبت، وأمر المغنم قد استوقن أنها خرجت من يديه بحيازة المشركين، ولو وجدت في يدي من نتجت عنده وأقام هذا بينة أنه اشتراها من المقاسم، قال هما لمن اشتراها من المقاسم بخلاف من ابتاعها من سوق المسلمين لأن هذه تسرق وتغضب ولا تحاز عن الناتج إلا بأمر يثبت، وأمر المغنم قد استوقن أنها خرجت من يديه بحيازة المشركين، ولو وجدت في يدي من نتجت عنده وأقام هذا بينة أنه اشتراها من المغانم أخذها منه أيضا وكان أولي بها، إلا أن يشاء أن
[9/ 41]
__________
(1) ما بين معقوقتين ساقط من ص.

(9/41)


يدفع إليه الثمن، وأجاز ذلك ابن سحنون، وقال ويكون من أقام البينة بالنتاج أحق بها بالثمن الذي يبعث به في المقاسم.
ومن المجموعة وكتاب ابن سحنون قال أشهب: وإذا كانت دابة بيد رجلين كلاهما / يقيم بينة بالنتاج وأنها له وقد وقتت بينة أحدهما لم انظر في هذا إلي التوقيت إذا كان شيئا يشبه توقيت البينة، لأن الشهادة بالنتاج تقطع الوقت ويقضي بها لأعدلهما بينة، فأن تكافأتا قضيت بها بينهما نصفين يمينهما، وكذلك لو وقتت بينتاهما جميعا نظرت إلي الدابة فإن كان يشبه وقت أحدهما قضيت بها له، يريد وإن كانت الأخري أعدل، وإن كانت مشكلة، أو كان لا يشبه أحد الوقتين قضيت بها لمن حلف منهما، وإن نكلا كانت بينهما نصفين، وكذلك النسج وكل مالا يكون إلا مرة، قيل والخز الذي ينفش ثم ينسخ ثانية فيدعي كل واحد منهما ثوبا هو في أيديهما ويقيم بينة أنه له نسجه، قال إن وقتا وقتا قضي به لآخرهما وقتا إذا كان مجهولا عن الناس الثوب الذي قد نسج غزله مرتين، فما قالوا قضيت به لأنهم شهدوا علي غير ما شهد عليه شهداء الرجلين، فإن قالوا إنه نسج مرتين قضيت به لصاحب الوقت الأول لأن الغزل له وغرم له ذلك الثاني لن شهداءهم لم يشهدوا أن الغزل ليس للأول، إنما قالوا إن الثوب ثوبه نسجه، ولو شهدوا أن الغزل غزله نسجه أبطلت شهادتهما جميعا في الغزل وجعل الثوب لصاحب الوقت الآخر في النسج، وإن كان مما لا ينسج إلا مرة / قضيت به لأعدلهما، فإن تكافأت البينتان (1) جعلته بينهما نصفين بعد ايمانهما، ومن نكل منهما قضيت به الآخر، قال وإن كان بيد غيرهما فليقبض به لآخرهما وقتا وإن كان مما ينسج مرتين وحتي سقط أن يقضي به لآخرهما، يريد مما ينسج إلا مرة، قضي به لأعدلهما ببينة، فإن تكافأت أبطلتهما وقضي به لمن هو بيده، وكذلك لو كان بيد رجل أقام آخر عليه بينة أنه نسجه، وأقام من هو بيده بينة بمثل ذلك،
[9/ 42]
__________
(1) في الأصل، فإن تكافأت البينة.

(9/42)


والثوب مما ينسج مرتين، قضيت له علي ما يقولون، وإن كان مما ينسج مرة فضيت له علي ما يقولون لمن هو بيده في تكافؤ البينة، وإن كان لا يتبين أمرتين نسج أو مرة قضيت به لمن هو بيده بعد أيمانهما، وكذلك المتداعيان في نصل سيف أو حلي أو غزل أو مرعزاء (1) أو شعر أو خز فعلي ما فسرنا، قيل فغزل بيد امرأة أقامت أخري بينة أنه لها غزلته من هو بيدها بمثل ذلك بينة، قال يقضي به لأعدلهما بينة، فإن نكلت قضيت به للتي هو بيدها، وكذلك الدار بيد رجل فيقيم آخر بينة أنها له اختطها جده وساق المواريث، وأقام من هي بيده بينة بمثل ذلك فليقض بها لأعدلهما، فإن تكافأتا قضيت بها لمن هي بيده لأن الخطة لا تكون إلا مرة، وكذلك الصوف يقيم من هو بيده بينة أنه صوفه جزه من غنمه وآخر بينة بمثل ذلك علي ما ذكرنا، قيل فالصيد بيد رجل فيقيم آخر بينة / أنه له صاده، ويقيم من هو بيده بينة بمثل ذلك وقتا أو يؤقتا، أو الأرض يقيمان (2) بينة بإحيائها وهي غامرة، أو العبد يقيم كل واحد بينة أنه سباه من بلد الحرب وقتا أو يؤقتا.
قال أشهب في الكتابين: ولو أن قباء مشحوا بيد رجل أقام آخر البينة أنه قباؤه خاطه وحشاه وقطعه في ملكه، وأقام من هو بيده بينة بمثل ذلك فليقض به لأعدل البينتين، فإن تكافأتا قضي به لمن هو بيده مع يمينه، فإن نكل قضيت به للذي ليس هو بيده بعد يمينه، فإن نكل لم يقض له به، وأقر بيد من هو بيده، وكذلك الجبة المحشوة والفراء والبرود وجميع الثياب وما يقطع من البسط والأنماط والوسائد، وكذلك الشاة المسلوخة يقيم رجل البينة أنها له ضحي بها وسلخها، وأقام من هي بيده بينة بمثل ذلك. وكذلك الثوب المصبوغ يقيم كل واحد منهما بينة أنه له صبغة بهذا العصفر، قيل فاللحم والحيتان المشوي يقيم كل واحد بينة
[9/ 43]
__________
(1) المر عزي بالألف المقصورة مع تشديد الزاي ويمدد إذا خفف والميم والعين مكسورتان علي كل حال وقد تفتح الميم في الكل: الزغب الذي تحت شعر العنز قاله الجوهري وجعل سيبوية المرعزي صفة عني به اللين من الصوف (من تاج العروس).
(2) في النسختين معا، تقيما بإسقاط نون الرفع.

(9/43)


أنه له شواه في ملكه، قال إن وجها لشهادتهما وجها واحدا أو وقتا واحدا أو لم يوقتا قضي به لأعدلهما بينة، وإن إحداهما أو وقتتا جميعا وقتا مختلفا قضيت لمن وقتت بينة دون من لم توقت بينته، والذي وقتت بينته الوقت الأول دون من وقت بعده، وكذلك المصحف يقيم كل واحد بينة أنه له كتبه، وهو بيد أحدهما، قيل فالأمة بيد رجل أقام آخر بينة / أنها أمته ولدت عنده من أمة في يديه، وأقام من هي بيده بينة أنها أمته ولدت في ملكه من أمته هذه التي في يديه فليقض بها لأعدلهما بينة، فإن تكافأتا قضي بها لمن هي بيده مع يمينه، وإن نكل الذي هي في يديه عن اليمين قضيت بها للذي ليست في يديه مع يمينه، وإن نكل الذي هي في يديه عن اليمين قضيت به للذي ليست في يديه مع يمينه، [فإن نكل قضيت بها للذي هي في يديه بلا يمين] (1)، ولو لم تسم البينتان أمها أو نسختها إحداهما لم أقض بها للتي سمت إلا كما أقضي للتي لم تسم ومن بيده أمة وابنتها فأقام رجل بينة علي أمها أنها له وأنها ولدت هذه الابنة (2) في ملكه، وأقام من هي بيده بينة بمثل ذلك، فإن وجه الشهود شهادتهم وجها من توقيت قضيت بها لأولهما ملكا، وإن لو يؤقتا أو وقتا وقتا واحدا قضيت بها لمن هي بيده، يريد في التكافؤ، وإن وقتت إحداهما دون الأخري قضيت بها للذي وقتت ببينته إلا أن تكون إحداهما أعدل شهودا، وإن لم يؤقتا وقتا وإحداهما أعدل قضي بها لأعدلهما بينة، وكذلك الحيوان كله، قال ولو أن بيده أرضا ذات نخل أقام آخر بينة أنها أرضه ونخله غرسها فيها وأقام من هي بيده بمثل ذلك فليقض بأعدلهما، فإن تكافأتا ولم يوقتا أو وقتا أبطلت شهادتهما في غرس النخل لتكاذبهما، وإن لم يوقتا وقتا أبطلت شهادتهما في الأرض خاصة أيضا، فإن وقتا وقتا يريد مختلفا قضيت بالأرض لأولهما وقتا / إلا أن يكون حاز عليه صاحب الوقت الآخر حيازة تقطع الدعوي فأقضي له بها بالحيازة، وإن وقتت إحدي البينتين قضيت بالأرض لصاحب الوقتين، وإن كانت في يد من لم توقت ببينته قلت لمستحق الأرض إن شئت أن تدفع إلي رب النخل قيمتها الساعة قائمة وإلا أعطاه الآخر قيمة أرضه براحا، فإن أبيا كان شريكين بقدر قيمة الأرض بيضاء من قيمة النخل يوم الحكم، وقال في قطن نابت في أرض
[9/ 44]
__________
(1) ما بين معقوقتين ساقط من ص.
(2) في ص، هذه الأمة في ملكه.

(9/44)


بيد رجل أقام بينة أنها أرضه زرع فيها هذا القطن وأقام من هي بيده بينة بمثل ذلك فإني أقضي بالقطن والأرض لأعدلهما، فإن تكافأتا قضيت بها لمن هي بيده بعد تحلفهما، وإن حلف من ليست بيده ونكل من هي بيده قضي بها للذي حلف قال ابن عبدوس قال سحنون وإنما خالفت مسألة الأمة وأمها مسألة الأمة وأمها مسألة الأرض والغرس في التوقيت لأن الأمة إذا أولدت في ملك رجل فالولد له، وقد يكون غرس رجل وهي بيد رجل لغير رب الأرض، وقد ينبغي في مسألة الأرض والغرس أن ما يري في الغرس أن يبطل في الأرض لأنها شهادة واحدة تهاترا فيها.
في المتداعيين في الشئ علي تداع مختلف
وكيف إن أقر أحدهما ببعضه لأجنبي
من المجموعة قال ابن الماجشون إذا تداعي رجلان في سلعة وهي بيد أحدهما، فقال من ليست بيده لي كلها، وقال/ الذي هي بيده إنما لك معي فيها النصف، فليحلف من هي بيده ماله فيها إلا النصف، ويكن للآخر نصفها، وإن لم يكن بيد أحد منهما وقال واحد لي الجميع، وقال الآخر لي الشطر، قال يتحالفان ويكون لمدعي الكل ثلاثة أرباعها ولمدعي النصف ربعها، لأن مدعي النصف سلم للآخر نصفها ونازعه في النصف فقسم بينهما، وقال ابن حبيب قال عبد العزيز مثل هذا، وقال مالك لمدعي الكل ثلثاها ولمدعي النصف ثلثها لأنهما يقتسمانها علي دعواهما يضرب فيها هذا بسهم وهذا يسهمين، وقال ابن حبيب لأن دعواهما مشاعة في الكل لا في شئ بعينه، ولو كان ذلك لكان كما قال ابن أبس سلمة، ولو كانت دعواهما علي أقل من ذلك أو علي أكثر لكان مثل هذا ولو ادعي هذا الجميع والآخر الثلث كانت بينهما علي أربعة، وقال ابن الماجشون وابن القاسم كقول ابن أبي سلمة، وقال مطرف وابن كنانة والليث وابن وهب وأشهب وأصبغ مثل قول مالك، وبه يقول ابن حبيب عن مالك وابن أبي سلمة مثل ذلك، وكذلك لو اختلفا فيمن أبضع مع رجل دينارا أو أبضع آخر معه دينارين فخلطهما فضاع منها دينار، فقال مالك يقسمان الدينارين الباقين علي الثلث والثلثين، والدينار التالف منهما كذلك، وقال ابن أبي سلمة التالف بينهما نصفين
[9/ 45]

(9/45)


ويقسمان الدينار من الباقيين نصفين ويكون الدينار الواحد لصاحب الدينارين، ذكر المسألة التي في المدونة في الذي له مائة دينار ولآخر دينار فذهب / من ذلك دينار واختلافهما فيها.
ومن المجموعة قال ابن القاسم في الدار يدعيها ثلاثة، أحدهما يدعي الجميع، وآخر الثلثين، والآخر النصف، وقامت لكل واحد بينة علي دعواه وتكافأتا أو لم تكن بينة أو لمدعي الجميع ثلثاها لأنه لم يدعه آخر والسدس منها بينه وبين مدعي الثلثين نصفين، والنصف بين جميعهم أثلاثا، وقاله أشهب في ثوب يدعي أحدهم جميعه، وثان نصفه، وثالث ثلثه، ورابع ربعه، فالمدعي الكل النصف إذ لا منازع له فيه، ثم يكون سدسه بين مدعي الكل ومدعي النصف نصفين، ونصف السدس بين مدعي الكل ومدعي النصف ومدعي الثلث اثلاثا، ثم الربع بين جميعهم.
ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه، وهو لأشهب، قال في رجلين بيدهما ثوب ادعي أحدهما جميعه، والآخر نصفه فإن كان بأيديهما ليس بيد أحدهما دون الآخر فالذي أقول به إنه بينهما نصفين لتساويهما في الحيازة فيه، وقد قال بعض أصحابنا بذكر مثل قول ابن الماجشون أول الباب، قال أشهب وسحنون: ولو لم يكن بيد واحد منهما فأبي فيه السلطان فلعل أحد يأتي ببينة يستحقه به، فإن طال ذلك فلم يأت من يستحقه قسمه بينهما علي الربع والثلاثة أرباع، قال ولو كانوا ثلاثة ادعي واحد جميعه، وآخر نصفه، وثالث ثلثه والثوب بأيديهم فهو بينهم أثلاثا، أو لم يكن بيد واحد منهم فإنه يقال لمدعي النصف ولمدعي الثلث قد سلمتها / النصف لمدعي الكل فيكون له، كذلك ستة أسهم من التي عثر ثم، يقال لمدعي الثلث قد سلمت السدس وهو سهمان تكون بين مدعي الكل ومدعي النصف نصفين، ثم يبقي الثلث وهو أربعة يدعونه كلهم فيقسم بينهم أثلاثا، فيصير لمدعي الثلث سهم وثلث من اثني عشر ولمدعي النصف سهمان وثلث لمدعي الكل ثمانية وثلث، وهذا نحو جواب ابن القاسم، قال أشهب: وقد قال بعض أصحابنا يقسم بينهم علي حساب عول القراض فيقسم علي أحد عشر سهما، لمدعي الكل ستة، ولمدعي النصف ثلاثة، ولمدعي الثلث اثنان.
[9/ 46]

(9/46)


قال ابن سحنون: وكذلك لو ادعاه اثنان، واحد جميعه، وآخر نصفه، قسم بينهم علي تسعة علي هذا القول علي الثلث.
قال ابن المواز عن ابن القاسم في شريكين أرادا المفاصلة فتداعيا فقال أحدهما لي ثلثا المال ولك ثلثه، وقال الآخر هو بيننا نصفين، قال يعطي مدعي الثلثين النصف ومدعي النصف الثلث ويقسم السدس الباقي بينهما نصفين، وعلي هذا ثبت ابن القاسم وهو القول.
وقال أشهب: يقسم بينهما نصفين إذا حلفا. قبل لابن المواز: وإن ادعي أحدهما الكل والآخر النصف والآخر الثلث، قال يقال لمدعي النصف والثلث سلما السدس لمدعي الكل، وتبقي خمسة أسداس يدعيها صاحب الكل وصاحباه يدعيانه فيعطيانه نصفها، ثم يقتسمان نصفها وهي عشرة قراريط من أربعة وعشرين قيراطا، فيقال لمدعي الثلث أنت لا تدعي قيراطين منها فسلمهما / لمدعي النصف وتقسيم الثمانية بينهما نصفين.
ومن المجموعة وكتاب ابن سحنون قال أشهب في عبدين بيد رجلين يحوزانهما حوزا واحدا فهما في القضاء بينهما نصفان، فإن ادعي أحدهما جميعهما وادعي الآخر نصفهما حلف مدعي النصف ما يعلم للآخر فيهما إلا النصف وكانا بينهما نصفين، وإن نكل حلف مدعي الكل وكانا له فإن نكل كانا بينهما نصفين ولو كان كل واحد منهما يدعي جميعهما حلفا وكانا بينهما نصفين، وأيهما نكل كانا للحالف ولو كان واحد عبد قد حازة فادعاهما أحدهما وأبقي الآخر بنصفيهما فمدعي الكل له العبد الذي في يديه ونصف العبد الآخر، والنصف الآخر لصاحبه بعد يمينه ما يعلم لصاحبه فيه إلا نصفه، فإن نكل حلف وأخذ العبدين، فإن نكل بقي هذا العبد بينهما نصفين، قال ويحلف مدعي الكل في العبد الذي في يديه، فإن نكل حلف الآخر واستحق نصفه، وكذلك دار بيد رجلين مشاعة أو مقسومة (1) علي هذا، فإن كانت بيد رجلين بيد كل واحد منهما منزل وليس فيها إلآ المنزلان، وواحد يدعي جميعهما، والآخر نصفهما
[9/ 47]
__________
(1) كتبت في الأصل، أو مفسوخة وهو خطأ واضح.

(9/47)


فليس لمدعي النصف إلا نصف المنزل الذي في يديه وباقيه لمدعي الكل بعد التحالف علي ما ذكرنا في العبدين، وإن كان في الدار سوي ذينك المنزلين اللذين في أديهما، إلا أن تكون الدار بأيديهما وكل واحد في منزل فيكون ما سوي المنزلين / بينهما نصفين.
ومن كتاب الاقرار لابن سحنون قال سحنون: وإذا كانت دار في يد رجلين فادعي أحدهما جميعها والآخر نصفها وكانا لا يسكنانها فقد تنازع أصحابنا في ذلك، فقال أشهب لمدعي جميعها / ثلاثة أرباعها ولمدعي نصفها ربعها لأنه قد سلم النصف لصاحبه ونازعه في النصف الآخر فاقتسماه.
وقال غيره من أصحابنا: إذا كان حوزهما فيها واحدا وهي بأيديهما قد أغلقا عليها ولم يقفا ظلال في الحوز فهي بينهما نصفين، قال محمد وهذا قول أهل العراق، وقال سحنون.
[9/ 48]

(9/48)


قال أشهب وأهل العراق ولو كان في يد أحدهما منها بيت وفي يد الآخر بيت آخر وليس فيها غير البيتين، والساحة في أيديهما يحوزانها، فإن البيت الذي بيد مدعي جميع الدار له وحده، والبيت الذي بيد مدعي النصف بينه وبين مدعي الكل نصفان لأنه قد أقر أن لصاحبه فيما بين يديه نصفه ولم يقر له الآخر مما في يديه بشئ، وتكون الساحة بينهما نصفين، قال سحنون وليست كالدار التي بأيديهما جميعا لأن كل شئ منهما في أيديهما، وهذه بيد كل واحد منهما شئ ليس بيد صاحبه.
قال أشهب: وإن كان فيها سوي ذينك البينتين لم يكن لواحد منهما غير البينتين اللذين في أيديهما، إلا أن يكون جميع الدار بأيديهما، وكل واحد منهما في منزل، فيكون منزل مدعي الكل له وحده، ومنزل مدعي النصف بينه وبين الآخر نصفين، وبقية الدار بينهما نصفين لأنهما حازاها حوزا واحدا.
قال محمد: وفي قول أشهب هذا رجوع منه إلي قول سحنون وأهل العراق، قال أشهب: وكذلك لو كان عبد في أيديهما جميعا كان بينهما نصفين، فإن ادعي أحدهما أن له فيه أكثر من النصف / لم يكن علي صاحبه إلا يمين أن ماله في نصفه حق يعلمه.
وكذلك دار يحوزانها كذلك كلها ويكريانها ويقتسمان كراءها، ثم ادعي أحدهما جميعها وادعي الآخر ما في يديه منها، فلا يدخل عليه في ذلك النصف شريكه، وإنما يكون علي غير هذا الرجلان في يد كل واحد منهما من الدار شطرها، فيدعي أحدهما جميعها، ويدعي الآخر شطر جميع الدار فليحلف مدعي نصفها أنه لا يعلم لصاحبه في يديه حقا غلا ما أقر له به، ثم يرجع عليه الذي ادعي الكل بنصف ما في يديه فيأخذه فيكون له ثلاثة أرباع الدار، نصف منها مقسوم ونصف مشاع بينه وبين مدعي نصفها.
ومن المجموعة ومن كتاب ابن سحنون قال سحنون فيمن بيده دار أثبت أخوه البينة أن أباه مات وتركها ميراثا، وأثبت أجنبي بينة أنها له، قال إن أقر من هي بيده أنها كانت لأبيه أقرت الدار في موضعها ولم يكن للأجنبي شئ، وإن
[9/ 49]

(9/49)


قال هي (لي) لأحد فيها شئ أقرت بيده وأمر أن يزيدا البينة إن تكافأت ببينتاهما، قال في المجموعة إنما تكافأت البينتان (1) في النصف الذي يدعي الأخ الذي ليس في يديه منها شئ، وأما النصف الآخر فإنما شهدت فيه بينة الوارث للذي هي في يديه بميراثه من أبيه، وهو يكذبها فسقطت البينة في ذلك النصف وثبتت فيه بينة الأجنبي، فهو أحق به، ثم قال سحنون بعد ذلك: إذا تكافأت بينة الأجنبي ثلاثة أرباعها وللأخ ربعها، لأن الأخ يقول هذا النصف الذي لي ببينتي ميراث بيني وبين أخي وأخوه يجحد أن يكون له فيها ميراث فرجع نصف للأجنبي، وهذا بعد الاستيناء بالدار، وقال أشهب في دار بين ثلاثة قال أحدهم لي ثلثها ولصاحبي ثلثاها ولا شئ للآخر، فالدار بينهم أثلاثا، ولو أٌر أحدهما لأجنبي بنصفها ونصفها لي ولا شئ لصاحبي، وقال الآخر ثلثاها لي ولأجنبي ثلثها، فمن زعم أن للأجنبي نصفها دفع إليه نصف ما في يديه، ومن قال للأجنبي ثلثها أعطاه ثلث ما في يديه، ومن قال ثلثاها أعطاه ثلثي ما في يديه.
قال سحنون في ثوب أو دار بيد رجلين فقال أحدهما نصفها لي ونصفها لفلان، وقال الآخر نصفها لي ونصفها لذلك الفلان، أن الدار يصير ثلثها للأجنبي ولكل واحد من هذين ثلثها لأن كل واحد منهما يقر أن الأجنبي حل محله فيها، هذا جوابه في المجموعة وقال في كتاب ابنه وهو لأشهب يبقي ذلك بينهما نصفين ولا شئ للأجنبي لأن كل واحد إنما أقر فيما في يد صاحبه، إلا أن يكونا عدلين فيحلف زيد مع شهادة / كل واحد يمينا ويأخذ الثوب، وفي كتاب الاقرار باب فيه مما في هذا الباب.
[9/ 50]
__________
(1) في الأصل، تكافأت البينة والصواب ما أثبتناه،

(9/50)


في المتداعبين في شئ بيد كل واحد منهما طائفة منه
أو حائط بين داريهما يدعيه كل واحد منهما
وفي الحائط عليه رف وقمط إلي دار رجل
من المجموعة وكتاب ابن سحنون قال أشهب في دار سلفها بيد رجل وعلوها بيد آخر، وطريقه في ساحة السفلي فادعي كل واحد أن الدار له، قال الدار كلها لصاحب السفلي إلا الفلق وطريقه فهو لصاحب العلو بعد أيمانهما أو نكولهما، وأيهما نكل قضيت به للحالف ولو أقاما جميعاً بينة قضي بأعدلهما بينة، فإن تكافأتا بقي بيد كل واحد ما في يديه.
فإن قبل قد قال النبي عليه السلام:<< البينة علي المدعي واليمين علي المدعي عليه (1) >> فليس معني هذا أنه لا يقبل للمدعي عليه بينة ولا يقبل للمدعي يمين، وإنما هذا إعلام منه عليه السلام بما يلزم كل واحد منهما، ولم يقل ليس لهذا بينة ولا لذا يمين، ومن بيده شاة مسلوخة وبيد الآخر جلدها وسواقطها فأقام كلاهما بينة أنها له جميعها فليقض لأعدلهما بينة، فإن تكافأتا بقي ما بيد كل واحد بيده بعد أيمانهما أو نكولهما، ومن نكل قضيت بها للحالف وكذلك لو أقام كل منهما بينة أنها له نتجت في ملكه وأنه ذبحها / وسلخها قال أشهب: وإذا تداعي رجلان في حائط وهو متصل ببناء أحدهما وللآخر عليه جذوع قضيت به لمن اتصل بداره وقضيت لصاحب الجذوع بموضع جذوعه.
وإن انكسرت فله أن يجعل مكانها للأخري.
قيل فإن كان عليه لأحدهما عشر خشبات وللآخر عليه خمس خشبات قال أقضي بالجدار لمن عليه عقوده أو ربطه، وللآخر بموضع جذوعه، وإن لم يكن ذلك إلي واحد منهما قضيت بالجوار بينهما نصفين لا علي عدد الخشب وأبقيت خشبها بحاله، وإن إنكسرت رد كل واحد منهما مثل ما كان له فيه، ولا أجعل لكل واحد منهما ما تحت خشبه منه.
[9/ 51]
__________
(1) ورد في صحيح البخاري في كتاب الرهن عن ابن أبي مليكة، قال كتبت إلي ابن عباس فكتب إلي أن النبي صلي الله عليه وسلم قضي أن اليمين علي المدعي عليه.

(9/51)


وقال ابن سحنون عن أبيه إنه إذا تداعيا الحائط [وعهده يلي أحدهما قال يا (1) الحائط و] إن كان للآخر عليه خشب بقيت بحالها، وإن كان حائط فوق حائط الأسفل عقده إلي أحدهما والأعلي عقده إلي الآخر قضيت بالأسفل لمن إليه عقده وبالأعلي لمن إليه عقده، وإن كان حائط بيم رجلين وعليه لواحد خشب وللآخر عليه خشب يجتهد فأراد صاحب السقف الأسفل دفع خشبه إلي حد خشب صاحبه، قال فليس للآخر منعه، قال ولو قال أعلاهما سقفاً للآخر ليس لك شئ فيما فوق خشبك منه، قال القول قوله، قال ولو كان عقده إلي أحدهما من ثلاثة مواضع ومن ناحية الآخر من موضع واحد قال يقسم بينهما علي عدد العقد قال وإن لم يكن معقوداً إلي / أحدهما وكلاهما يدعيه ولأحدهما عليه خشب معقودة بعقد البناء أو منقوبة، قال إن كانت بعقد البناء فذلك يوجب له ملك الحائط، وقد كان قال قبل ذلك إن ذلك لا يوجب له ملك الحائط.
قيل له لم ذلك وقد قلت في كوة في حائط معقودة بعقد البناء أو منقوبة، قال إن كانت بعقد البناء فذلك يوجب له ملك الحائط، وقد كان قال قبل ذلك إن ذلك لا يوجب له ملك الحائط.
قيل له لم ذلك وقد قلت في كوة في حائط معقودة بعقد البناء، والحائط الذي فيه الكوة غير معقود إلي حائط آخر، إن عقد الكوة بعقد البناء يوجب له الملك، قال نعم، وعقد الخشب مثله يوجب له الملك بذلك.
وأما المنقوبة ففيها نظر فدعني حتي أنظر، يريد بالكوة كوة لرفع الأشياء فيها لا للضوء تكون مبينة من أصل بناء الحائط منقوبة، وأما كوي الضوء المنقوبة فلا دليل فيها.
وقال محمد بن عبد الحكم: يقضي بالحائط لمن له عقده، فإن كان لكل واحد منهما عقد فهو بينهما، فإن لم يكن فيه عقد ولاحدهما عليه جمل خشب ولو خشبة واحدة فهو له، فإن لم يكن فيه عقد ولا حمل خشب وفيه كوة من جهة أحدهما، يريد غير منقوبة، فهو لرب الكوة، فإن لم يكن فيه شئ من ذلك فهو بينهما، وإن كان عقده لأحدهما وللآخر حمل خشب، فالجدار لصاحب العقد
[9/ 52]
__________
(1) كلمة غير واضحة في الأصل، وما بين معقوفتين ساقط من ص.

(9/52)


وللآخر حمل خشبه، فإن انهدم فعلي رب العقد بناؤه، ويرد الآخر خشبة فيه، وإن لم يكن في أسفله عقد لواحد منهما وفيه في أعلاه عقد لأحدهما فهو لصاحب العقد، وإن لم يكن لأحد فيه عقد وعليه حصر قصب لأحدهما فهو لمن له القصب، والقصب والطوب سواء. / وكذلك بيت من خشب إذا كان القصب مربوطاً بعضه إلي بعض.
قال سحنون: وعن حائط بين حانوتين أو بيتين وعليه خشبهما، فيدعيه كل واحد لنفسه وعليه فوق خشبها حائط لغرفة أحدهما، قال فالحائط الأسفل لمن إليه عقده مع يمينه، وإن لم يعقد إلي أحد حلفا وكان بينهما، وحائط الغرفة هو كالعاقد فأحلف صاحبه ويكون الحائط له وللآخر عليه خشبة.
وعن زنقة غير نافذة وفيها أبواب ودبر دار رجل إليها ولا باب له فيها، وكنييف في الزنقة قديم الحفر لزيق داره يخرج إليه منها فناؤه وهو معطل لم يجر إليه شئ منذ زمان فأراد رب الكنيف أن يخرج فيه العذرة فمنعه أهل الزنقة، قال ليس لهم منعه إلا أن يدعوا الكنيف فيكتنف عما اعدوا، وإلا فالكنيف لهذا للرسوم التي تدلك عليه، وكذلك لو باع الدر فأراد ذلك المشتري.
وقال أشهب في الكاتبين إذا كان لرجل باب من داره في دار رجل فأراد أن يمر في داره من ذلك الباب فمنعه رب الدار، فإن عرف بمرورهم منه ولم يطل قطعهم المرور منه فله أن يمر في الدار، وإن كان أمر الباب لم يزل مجهولاً، أو كان معروفاً ثم انقطع بمره منه منذ دهر لا يعلمون لا يدرون لم انقطع فصاحب الباب مده الطريق وعليه البينة، وإلا حلف رب الدار وما يعلم لهذا فيها حقا، فإن أقام بينة أنه كان يمر فيها من هذا الباب فإنه يستحق بذلك الممر، وإن لم يشهدوا له أنه طريق له ثابت إلا أن يكون قد مضي لمره / دهر حتي جبر عليه ذلك.
قال في كتاب ابن سحنون وهو لأشهب، وقال في حائط في دار رجل له جذوع شاخصة فيه قبة علي دار رجل فأراد أن يجعل عليها كنيفاً فلرب الدار منعه، وليس له قلع الجذوع ولتترك بحالها إن كان لتركها منفعة لربها فإن لم يكن له وجه منفعة يوماً ولا يحمل علي مثلها شئ، إنما هي كأطراف السقف والجريد
[9/ 53]

(9/53)


الفاصل علي السقف الخارج عن الجدار فله قطعها، قال ابن سحنون عن أبيه في غصون رف خارجة من داره إلي دار جاره ولا قصب عليها، أراد أن يضع عليها قصباً فمنعه جاره، قال ليس له منعه لأنه إنما يوضع الرف للقصب، قال وفيمن له رف لاقط إلي داره فبني جاره جدارا لزيق جداره فبلغ إلي الرف وأراد البناء عليه فيمنعه صاحب الرف قال ليس له أن يبني عليه وسمي الرف لصاحب الرف، ومن هذا يسير في كتاب الإقرار وفي كتاب القضاء في البنيان.
تم الجزء الأول
بحمد الله وعونه
[9/ 54]

(9/54)