النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه

كتاب الحمالة والحوالة
في الحمالة بالوجه، وكيف إن قال: إن لم آت به فعلي المال؟ وأخذ حميل من حميل، ومن تحمل بمنكر بوجه أو مال، أو تحمل بوجه رجل بما قضى به عليه قاض معلوم
من كتاب ابن المواز: قال مالك: ومن تحمل بوجه رجل أو بعينه أو بنفسه فهو سواء، إن لم يأت به وإلا غرم المال حتى يشترط في حمالته: لست من المال في شيء، محمد: أو يقول: لا أضمن لك إلا الوجه فهذا لا يضمن إلا الوجه، غاب الغريم أو حضر أو مات، أو لا يتكلف إلا إحضاره، قال ابن القاسم: فإن لم يحضره لم يسجن إلا أن يعلم بمكانه فليسجن فيه بقدر ما يرى السلطان مما يرجو به إحضاره، وإن لم يشترط هذا وتحمل بالوجه مبهما فهذا إن لم يقدر عليه حكم عليه بما يصح على الغريم بالبينة، وهذا في غيبة المطلوب فقط، فأما/في موته، أو تفليسه، أو وهو محبوس في دم أو دين أو غيره فلا شيء عليه، إذ يدفعه إليه وهو في السجن ويكفيه أن يقول: قد برئت إليك منه، وهو في السجن، فشأنك به.
قال فيه وفي العتبية من رواية يحيى بن يحيى عن ابن القاسم: وإن طلب الحميل أن يؤجل له في طلبه في غيبته، فإن بعدت غيبته فليس له ذلك، وليغرم
[10/ 109]

(10/109)


مكانه، وإن كان قريبا على يوم أو يومين، قال في العتبية: أو ثلاثة، وبقدر ما لا يضر فيه بالطالب، وما يجتهد به للحميل، أستأني به بقدر ذلك، وإن كان ببلد لا يرجوا قدومه منه إلى يومين أو ثلاثة ونحوها أغرمه مكانه.
قال أصبغ في كتاب ابن حبيب: إذا غاب الغريم عند محل أجل الحمالة ضرب لحميل الوجه أجل، فإن جاء بالغريم فيه وإلا غرم ما عليه إن ثبت ما عليه بالبينة، إلا أن يكون شرط ألا مال علي، فلا يلزمه إلا طلبه.
ومن العتبية من سماع يحيى، ومن كتاب ابن المواز: فإن طلب الحميل بيع مال الغريم، فإن كان على مسيرة عشرة أيام، بيع ما له عليه، وأما على يومين فلا، وليكاتب حتى يبعث أو يؤنس منه فيباع عليه، قال: ولا يؤخر حميل المال، وهو كالغريم نفسه.
ومن كتاب ابن المواز: وإذا حكم على حمي الوجه بالغرم فلم يغرم حتى قدم الغريم فأتى به، ويبرأ منه، لم ينفعه ذلك، ولابد أن يرغم، قال: ولو غرم بالحكم ثم أصاب بينة بموت الغريم قبل الحكم فإنه يرجع بما ودي على الطالب وتسقط الحمالة.
قال ابن وهب في حميل/الوجه: إذا غاب الغريم قضي عليه بالغرم ولا يضرب له أجلا ليطلبه، وقال أصبغ: يضرب له أجلا خفيفا في قريب الغيبة كقول ابن القاسم.
قال محمد بن عبد الحكم: ومن تكفل بوجه رجل فغاب رجل فأخذ به الكفيل، فأقام آخر البينة على الكفيل أنه استأجره قبل ذلك أن يبني له داره أو يسافر معه إلى مكة، فالإجارة أول ولا يحبس في الدين، لأن الكفالة بالدين معروف تطوع به، ولو كانت ظئرا استؤجرت لرضاع قبل الكفالة لم تحبس في الكفالة أيضًا، والرضاع أولى، فإذا انقضت إجارة الرضاع طولبت بالحمالة.
[10/ 110]

(10/110)


قال ابن القاسم في كتاب ابن المواز، وفي العتبية من رواية عيسى: وإذا مات الغريم في البلد قبل الأجل أو بعده في حميل الوجه قبل الحكم عليه فلا شيء عليه، قال محمد عن ابن القاسم: وقيل لمالك: فإن مات بالبلد أيلزم الحميل شيء؟ فقال: أرأيت إن غاب إلى سفر لم يكن عليه أن يعطيه حقه، قيل لمالك: أفترى الموت مثله؟ قال: الخروج أبين، قال محمد: وهذا المعروف من قول مالك وأصحابه، وقال أشهب: لا أبالي مات في غيبته أو في البلد، يريد: فلا يغرم الحميل. وقال ابن القاسم في الكتابين: يغرم في موت الغائب إن كان الدين حالا قربت الغيبة أو بعدت، وإن كان مؤجلا فمات قبل الأجل بأيام كثيرة لو خرج فيها الحميل جاء به قبل الأجل،/فلا شيء عليه، وإن كان لو طلب فخرج لم يأت به إلا بعد الأجل فهو ضامن، قال عنه عيسى: وإذا مات بعد الأجل ضمن، قربت الغيبة أو بعدت، قال في الكتابين: وإن كنت قلت فيها غير هذا فاطرحوه، وكذلك ذكر عنه أصبغ في كتاب ابن حبيب، وزاد: ولو جاء به عند الأجل والطالب غائب فالحميل حميلا حتى يجمع بينه وبين صاحبه، إلا أن يكون شرط عليه في أصل الحمالة: أنك إن غبت ولم توكل من يقبض مني فلا حمالة، فذلك له إذا أحضره عند الأجل فأشهد بإحضاره فقد برئ من حمالته.
قال عنه أبو زيد في العتبية: وإذا تحمل بالوجه إلى أجل على أنه إن لم يأت به إليه غرم، فأتى به كالغد، فإنه يغرم حتى يأتي به في اليوم بعينه.
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك فيمن أبى أن يتحمل برجل إلا أن الطالب كتب عليه: إن عليك إذا طلبته أن تأتي به سالما من كل علق أو تباعة ببعض حقه من كل أحد، أترى ذلك حمالة؟ قال: نعم هي حمالة، وهي في العتبية
[10/ 111]

(10/111)


من سماع ابن القاسم، وقال في سؤاله: وأرهن بالحق رهنا وضعه بيد رجل، وأبى الموضوع على يديه أن يتحمل به، ولكن كتب على نفسه: إن علي إذا طلبت مالك أن آتيك بفلان سالما من كل تباعة ببعض مالك من كل أحد من الناس، قال: هذه حمالة لازمة. ... ... حمالة
ومن كتاب محمد: وإذا دفع الغريم نفسه إلى الطالب ليبري الحميل فلا ينفعه وهو كأجنبي لم يوكله بدفعه إليه/إلا أن يأمره الحميل بذلك فيكون ذلك كرفع الحميل، فإن أنكر الطالب أن يكون الحمل أمره بذلك، أو وكل به من قام بذلك، فإن شهد بذلك أحد بري. قال: ومن تحمل برجل وتحمل آخر بنفس الحميل فلم يوجد إلا حميل الحميل فإنه جاء بأحدهما برئ، وإلا لزمه المال ثم يرجع هو به على من شاء منهما، قال: وإن لم يحكم عليه حتى مات أحدهما، فإن مات الغريم برآ جميعا، وإن مات الأوسط كانت الحمالة في تركته، وبرئ هذا الذي تحمل بالحميل، وإن مات هذا فالحمالة عليهما قائمة، فإن تحمل الثاني عن الحميل بالمال قيل له: إن جئت بالغريم برئت، وإن جئت بالحميل فإنه إن ثبت عليه المال إذا لم يأت بالغريم، كنت للمال ضامنا، وإن مات الغريم برئتما، وإن مات الحميل الأول، فالأول على حمالته. محمد: ويقوم الثاني مقامه إن جاء بالغريم برآ، وإلا غرم، وقال عبد الملك: إذا مات الحميل الأول سقطت عنه الحمالة بموته وعن حميله، ولم يعجبنا هذا، ولا تسقط عنه، وأما عن حميله فلا تسقط إلا، يتحمل بالوجه، قال: ولو شرط حميل الوجه: إن آتك به عند وفاء الأجل، فحقك علي، فمات الغريم ولم يأت به، فإن مات في البل بعد الأجل لم يبرأ لأنه صار بمضي الأجل حميلا بالمال.
ومن قام على منكر بدين، فقال له رجل: دعه فأنا كفيل بوجهه إلى غد، فإن لم آت به فالمال علي/وقد سماه، فلم يأت به في غد أن المال لا يلزمه حتى يثبته الطالب ببينة، ولو أقر له به المطلوب بعد الحمالة لم يلزم ذلك الحميل إلا ببينة، وكذلك من ادعى على غائب ألف درهم فتكفل بها رجل، ثم قدم الغائب فأنكر أو أقر لم يلزم الحميل إلا ببينة، أو تقوم بينة أنه أقر بها قبل الحمالة فيلزم
[10/ 112]

(10/112)


الحميل، وكذلك لو قال له: أنا حميل لك به إلى غد، فإن لم أوفك به غرمت ما ثبت لك عليه، فلا تضمن إلا ما تقوم به البينة، فإما بإقرار المطلوب بعد الحمالة فلا يضمنه، ونحوه كله في العتبية من رواية عيسى عن ابن القاسم.
وقال في كتاب محمد: وقال مالك في رجل طولب بدينارين فأنكر، فقال أخوه للطالب: خله وحقك علي إذا حلفت عليه، وأشهد عليه بذلك وكتب، ثم بدا للأخ، قال يلزمه إذا حلف الطالب.
ومن العتبية: وروى حسين بن عاصم عن ابن القاسم في الحميل يشترط على الطالب: أنك إذا لقيت غريمك فتلك براءتي، قال: إن لقيه بموضع يقدر عليه ثم له براءة وله شرطه، وإن لقيه بموضع لا يقدر عليه لم يكن براءة للحميل.
قال: ومن تحمل بالوجه وقال: على أني لا أكفل بمال، إنما أطلب وجهه حيث كان، فغاب الغريم وأجل للحميل في طلبه أجلا آجالا كثيرة، قال مالك: لا شيء عليه غير طلبه وإن طال ذلك، وله شرطه، وإن قال به الطالب: هو بموضع كذا فأخرج إليه، فلينظر،/فإن كان مثل الحميل يقوى على المسير إليه، أمر بذلك، وإن ضعف عن ذلك لم يكن عليه، ولو خرج ثم قدم فقال: لم آخذه، فكذبه الطالب في الوصول: فإن كان من وقت خروجه مدة يبلغ في مثله، صدق، فإذا ثبت ببينة أنه خرج فأقام بقريته ولم يتماد فليعاقبه بالسجن بقدر ما يرى، ويأمره بإحضار صاحبه إن قدر عليه، وأما أن يضمنه المال فلا، إلا أن يلقاه فيتركه، أو غيبه في بيته فلم يظهره، فإن ثبت ذلك ببينة ضمن إن لم يأت به، قال أشهب: إن لقيه فتركه ضمن.
قال أبو زيد عن ابن القاسم في من طالب غريما له بمائة أردب قمحا ثمنها مائة درهم، فقال له رجل: أنا حميل لك بوجهه إن لم آت به في غد فأنا أضمن لك مائة درهم ثمن القمح ولا أضمن القمح، فرضي ولم يأت به، فإنه يضمن مائة
[10/ 113]

(10/113)


درهم فيشتري بها السلطان قمحا، فإن فضل شيء رد الحميل، فإن عجز فلا شيء على الحميل، قال: فلو تلفت قبل الشراء بها كانت من الغريم وبرئ الحميل ورجع بها على الغريم، ويطلبه الطالب بقمحه.
وهذه المسألة من أولها في كتاب ابن المواز كما ذكره.
ومن كتاب ابن حبيب: قال ابن الماجشون في حميل الوجه وقد شرط البراءة من المال فغرم الغريم، فإن جهل مكانه فليس عليه طلبه ولا الغرم عنه، وإن عرف مكانه فعليه أن يخرج إليه قرب مكانه أو بعد، إلا في البعد/المتفاحش جدا فليس عليه خروج ولا غرم، وأما مسيرة الأيام التي تكون من أسفار الناس واختلاف البلدان غير النائية جدا فليخرج أو يرسل أو يغرم. وقاله ابن عبد الحكم، وقال أصبغ: ليس عليه طلبه إلا في مسيرة يوم أو يومين وما لا ضرر فيه.
قال محمد بن عبد الحكم: ومن تكفل بوجه رجل قضى به عليه قاضي المدينة أو مصر، فقضى عليه قاضي مكة أو البصرة، لم يلزمه، لأنه أمر تطوع به، ولو قال: بما قضى به عليه فلان بن فلان قاضي بلد كذا فعزل ووليها غيره، فلا يلزمه إلا قضاء المعزور، فيكون حميلا بذلك، لعله يريد أن الحميل حضر القاضي لمعني فيه من مذهب أو عفاف.
قال محمد بن عبد الحكم: ولو قال: قد تحملت بما قضى لوكيل فلان على فلان، فعزل الطالب ذلك الوكيل ووكل غيره، فإن كان علم أن الأول وكيل لغيره فالكفالة لازمة له لكل من وكله الطالب، وإن لم يعلم أنه وكيل لغيره لم يلزمه لوكيل غيره وفسخت وكالته.

في الحميل بالمال متى يؤخذ به؟ وكيف إن لم يثبت الدين على المطلوب، أو أقر به؟ والحميل يؤدي الصداق ثم يقع الطلاق قبل البناء
من كتاب ابن المواز: قال مالك في الحميل بالمال: إن للطالب طلبه في ملأ الغريم وحضوره، ثم رجع فقال: لا يتبعه إلا/في عدمه أو غيبته، أو يلتوي
[10/ 114]

(10/114)


عليه، أو يموت ولا شيء عنده، أو يستحق أو يقصر ماله عن الحق فيؤخذ الحميل بما يفي، وهو قول الليث، وإذا حكم له على الحميل بحقه أو بما عجز عنه الغريم فلم يأخذه حتى أيسر الغريم رجع على ما شاء منها.
قال ابن حبيب عن ابن القاسم: وإذا غاب الغريم عند الأجل غيبة بعيدة وله مال حاضر أعدي الطالب على الحميل، ثم أعدي الحميل في مال الغائب فبيع له، ولو كان قريب الغيبة أجل به الحميل أجلا قريبا وكوتب، فإن أتى وإلا فعل به ما ذكرنا، وأما البعيد الغيبة فإن الحميل يغرم إلا أن يكون للغائب مال ظاهر ناض أو شبيه بالناض مما لا تأخير فيه ولا مضرة على الطالب فيؤدى منه، وأما الدار وما يطوى بيعه. ويكون فيه التربص، فليؤخذ الحميل بالغرم، ثم للحميل أن يباع له ذلك ويعدى فيه.
ومن العتبية: وروى أبو زيد عن ابن القاسم في الطالب يقوم على الحميل بعد الأجل، ويزعم أنه غارم إلا أن ينكشف للطالب مال الغريم فلا يكون له شيء عن الحميل.
وروى عنه عيسى عن مالك فيمن أشهد أنه حميل لكل من داين فلانا، فأتى رجل يدعي أنه داينه بكذا، ولا بينة له إلا أن الغريم مقر، قال: لا يغرم الحميل بإقرار الغريم حتى تقوم بينة بالحق، وكذلك من شكا مطل غريمه، فقال له رجل: فما لك عليه فهو علي فيقر له الغريم بألف دينار، فلا يلزم الحميل شيئا بذلك إلا بالبينة.
/قال: ومن تحمل بصداق ابنه أو أجنبي فغاب فطولب الحميل، فإن كانت غيبة قريبة كالأيام اليسيرة كتبا إليه، فإن جاء وودى وإلا أخذ من الحميل، وأما البعيد الغيبة، أو لا يدري أين هو، ودي الحميل ولم يضرب له أجل، ثم إن قدم فطلق قبل البناء رجع عليه بنصف الصداق، يريد: وعليها بنصفه كالمفقود قبل البناء يقضى لزوجته بالصداق ثم يقدم، فإن طلق رجع بنصفه، وإلا
[10/ 115]

(10/115)


فهو لها، قال مالك: فإن وجدها قد تزوجت لم يرجع بشيء، وبه أخذ عيسى وليس من روايته، وروى سحنون عن ابن القاسم أنه يرجع عليها بنصفه، وهذا في كتب النساء وفي التفليس.
ومن كتاب ابن سحنون من سؤال حبيب في المدعى عليه الدين ينكر ويقر الحميل به بأنه ضمن ذلك عنه، قال: يؤدي الضامن ذلك. قيل: فإن للمدعي بينة على الدين، فهل يقيمها ليطلب الغريم قبل الحميل حتى يعوزه طلب الغريم؟ فقال: لا، وإنما يؤخذ الحميل والضامن بمصل هذا، فله أخذ حقه من الضامن عاجلا، ثم للضامن أن يقوم بتلك البينة فيأخذ منه ما ضمن عنه.

في موت الحميل أو الحملاء أو بعضهم وموت الغريم
من كتاب ابن المواز: وإذا مات الحميل قبل الأجل فهو كموت الغريم يأخذ الطالب حقه من ماله، وإن كان الغريم مليا حاضرا فلا يرجع عليه ورثة الحميل حتى يحل الأجل، ولو مات عند محله أو بعده فها هنا يبدأ بالغريم، فإن كان/عديما أو ملدا أو غائبا أو ما يعنته أخذه، فليؤخذ من مال الحميل، وقاله ابن القاسم وأشهب.
وقال ابن الماجشون في موت الحميل قبل الأجل: إنه لا يحل الحق بموته، ولكن يوقف من ماله بقدر الدين، فإذا حل الأجل فإن قضي الحق من مال الغريم أو بعضه أخذ من مال الحميل ما عجز، فإذا مات بعض حملاء الوجه قبل الأجل، فإن قام أحد ورثته بإحضار الغريم برئ به الميت، وإلا لزمه ما لزم من ضمن المال، وإنما يبرأ الميت إذا تحمل بعضهم عن بعض، فجاء به بعض من بقي منهم، قيل يحكم عليهم بالمال، وأما لو شرط: أني لست من المال في شيء لم يلزم الميت ولا ورثته ولا فيها ترك شيء، وتسقط الحمالة، ولو تحملوا بالمال فمن مات فقد حلت عليه الحمالة، وإن لم يحل الأجل فيؤدي من ماله، وأما إن كان بعضهم
[10/ 116]

(10/116)


حميلا عن بعض أخذ من مال الميت جميع الحق معجلا، وهذا أحب إلي من قول عبد الملك، وإذا مات الغريم قبل الأجل تعجل الدين، فإن لم يكن له مال أو عجز حاله لم يتبع الحميل حتى يحل الأجل فيؤدي المال وما بقي منه، ولا يرجع الحميل فيحاص بما ودي الآن غرماء الميت، لأنه إنما غرم تمام المائة التي حاص بها كلها رب الحق، إلا أن يطرأ الآن للميت مال فيدخل فيه الحميل، ويحاص فيه الطالب، فيرد ما يأخذ إلى الحميل فيما ودي إليه، ولو مات الحميل قبل الغريم، ولم يحل الأجل، فحاص الطالب غرماء الحميل، فنابه من مائة خمسون، ثم حل/الأجل على الغريم فليرجع الطالب وغرماء الحميل بالمائة كلها، فيرجع منها إلى غرماء الحميل ما كان أخذ عن الغريم من مال الحميل، وإن لم يؤخذ من المائة إلا الخمسون ردت خمسة وعشرون إلى غرماء الحميل، يحاص فيها الطالب بخمسة وعشرين، وغرماء الحميل بما ودي من ماله بسب الحمالة، فما ناب غرماء الحميل بذلك دخل فيه هم والطالب بما بقي لكل واحد.
ومن العتبية من سماع ابن القاسم: ومن باع سلعة من رجلين ويكتب عليهما أيهما شاء، أخذ بحقه، والحي عن الميت، فمات أحدهما فللطالب أخذ جميع الحق من تركته، ويتبع ورثة الآخر بما عليه بعد محل الأجل، ولو لم يدع شيئا لم يؤخذ من الحي شيء حتى يحل الأجل.

في حمالة الجماعة
من كتاب ابن الحبيب: قال ابن الماجشون فيمن باع شيئا من رجلين وشرط أن يأخذ أيهما شاء بجميع الثمن، أو باع من واحد ثم تحمل له آخر، وشرط مثل ذلك، أو تحمل له رجلان بدين وشرط عليهما ذلك، فشرطه في مذهبه باطل، وليس له أتباع أحدهما بأكثر من نصيبه إلا في عدم صاحبه أو غيبته كالحمالة المبهمة، وقاله ابن كنانة وأشهب، وقال ابن القاسم: الشرط لازم في ذلك كله
[10/ 117]

(10/117)


ويتبع أيهما شاء، وإن كان الآخر مليا حاضرا، بخلاف الحمالة المبهمة والناس عند شروطهم، وقد اختلف قول مالك في الحميل المبهم، أنه يتبع فكيف بالشرط، وقاله أصبغ/وابن حبيب.
وقال ابن الماجشون فيمن أخذ بحق حميلا ثم طلب الغريم فأعطاه حميلا آخر، ثم أعدم الغريم، قال مالك: فله أن يتبع أي الحميلين شاء، وينتقل من واحد إلى آخر حتى يكمل حقه.
وقال ابن الماجشون: من تحمل عن رجل ثم أخذ من الحميل حميلا، فإن الطالب يتلوا الغريم، فإن لم يجد عنده شيئا، أتلا حميله الأول، فإن غاب أو عدم، اتبع الحميل الثاني. وقاله مطرف.
وقال ابن القاسم في ثلاثة تحملوا عن رجل، وتحمل بعضهم ببعض، فطولب أحدهم، والغريم والباقون غياب أو معدمون، فغرم جميع المال، فله أن يأخذ من أول صاحبيه ملأ نصف ما أدى، فثلث الحق عن هذا ونصف الثلث عن المعدم.
ولو مات أحد الحملاء عن مال، وبعضهم حميل ببعض، أخذ من ماله جميع الحق معجلا، ولا يرجع ورثته على غريم أو حميل حتى يحل الأجل، ولو لم يتحمل بعضهم ببعض، وقال أيضًا: على أن يأخذ من شاء منهم بحقه، فأخذ من أحدهم جميع الحق، كان الأمر على ما ذكرنا، ولو لم يتحمل بعضهم ببعض وقال: من شئت أخذت بحقي، فله أن يأخذ أحدهم بجميعه، فإن فضل فليس للغارم أن يرجع عن صاحبه بشيء ويتبع الغريم. وقاله مطرف وابن الماجشون.
من كتاب ابن المواز: قال مالك: وإذا اشترى رجلان سلعة بثمن إلى أجل، وأحدهما حميلا بالآخر، أو قال: من شاء أخذ بحقه، أو الحي عن الميت، فمات/أحدهما قبل الأجل فليؤخذ من ماله جميع الحق ولا يرجع ورثته على
[10/ 118]

(10/118)


الآخر إلى الأجل، وإن لم يدع شيئا لم يأخذ الآخر بما عليه ولا ما على الميت حتى يحل الأجل.
قال ابن القاسم: ولو اشتركا فيها بالثلث والثلثين، ولم يذكرا ذلك عند الشراء، ولم يتحمل أحدهما بالآخر فليؤخذ كل واحد بنصف الثمن، ولو ذكرا في العقد كيف اشتركا لم يتبعها إلا بالثلث والثلثين.
قال ابن القاسم: وإذا تحمل أربعة بحق لرجل على أن من شاء أن يأخذ منهم بحقه أخذه، فله أخذ من شاء منهم بجميع الحق بمحضر الباقين وملئهم، ثم لا يرجع الغارم على كل واحد من الباقين إلا بربع الحق لا يأخذ أحدا بما على صاحبه، يريد: غابوا أو عدموا.
ذكر ابن حبيب عن ابن القاسم أنه ليس للغريم منهم أن يرجع على صاحبيه بشيء إذا لم يتحمل بعضهم ببعض، وإنما قال: من شئت أخذت بحقي، وقد ذكر محمد بعد هذا ما دل على ذلك.
قال في كتاب ابن المواز: إلا أن يقول مع ذلك: وبعضهم حميل عن بعض، فيكون لهذا الغارم إن وجد أصحابه حضورا أملياء: أخذ كل واحد بربع الحق، ولا يأخذ بعضهم عن بعض بشيء، فإن لم يلق إلا أحدهم وكان الحق أربعمائة درهم، وداها فليأخذ منه مائة وداها عنه، وتبقي مائتان عن الغائبين، يأخذ منه مائة لأنه حميل معه بهما، فيتفق أداؤهما، ثم إن لقيا الثالث فيأخذان منه مائة عن نفسه، وثلث المائة التي عن الرابع، فيكون ذلك بينهما/نصفين. يريد: ويصير لكل واحد من الثلاثة على الرابع ثلث المائة يطلبه بها.
قال ابن القاسم فيه وفي العتبية: ولو أن الطالب لم يأخذ من الأول إلا ما تبين، ثم لقي غارمها أحد الثلاثة، فإن مائة وداها عن نفسه، ومائة عن ثلاثة هذا أحدهم، فيأخذ عنه ثلثها، ويأخذ منه ثلثها عن صاحبيه لشركته معه في الحمالة،
[10/ 119]

(10/119)


ثم إن لقي هذان ثالثا أخذا منه أربعة وأربعين درهما، وأربعة أتساع درهم بينهما نصفين، منها ثلاثة وثلاثون ودياها عنه، ومنها أحد عشر درهما وتسع درهم ثلث الثلاثين والثلاثين الذي وديا عن الرابع، ثم إن لقي هؤلاء الثلاثة الرابع أخذوا منه ثلث المائة فاقتسموه أثلاثا.
قال في كتاب محمد: ولو لم يأخذ الطالب من الأول إلا مائة فإنه لا يرجع على من لقي من أصحابه بشيء، إلا أن يؤدي أكثر من المائة ولو بدرهم، فيرجع بذلك الدرهم على الباقين، فإن لقي أحدهم أخذ منه ثلث درهم عنه، وثلث التسع عن الرابع.
قال: وإذا وجد الذي ودي جميع أصحابه أملياء لم يأخذ كل واحد إلا بما ودي عنه لا بما ودي عن غيره، كانت حمالة بعضهم عن بعض، وهم شركاء في السلعة، أو حمالة عن غيرهم، شرط صاحب الحق عليهم: أيهم شاء أخذ بحقه أو لم يشترط، وإنما للمؤدي أن يرجع على أصحابه في شرط صاحب الحق حمالة بعضهم ببعض، لا لشرط: أيهم شاء أخذ بحقه إلا أن يقول أيضًا: وبعضهم حميل ببعض: فللمؤدي/حينئذ الرجوع عليهم، فإن وجدهم أملياء حضورا لم يأخذ بعضهم بما على بعض إلا في غيبة أحد منهم أو في عدمه، وكذلك لو ودي أكثر من ربع الحق وهم أربعة، لم يرجع عليهم في الزيادة إلا على ما ذكرنا.
قال: وللمؤدي أن يرجع عليهم بما ودي عنهم في حضرة الغريم وملئه لأنه عنهم أدي، وله أتباع الغريم، وتركهم إن شاء.
ومن العتبية: روى حسين بن عاصم عن ابن القاسم: إذا تحمل ثلاثة بمال على أن يأخذ الطالب حيهم بميتهم وملئهم بمعدمهم، وأيهم شاء أخذ بحقه، ثم أخذ من أحدهم حميلا ولم يشترط على الحميل، فقام على هذا الحميل في عدم الذي عنه تحمل، فأراد أن يغرمه جميع المال، وقال الحميل: إنما أغرم ثلثه الذي
[10/ 120]

(10/120)


على صاحبي في نفسه، قال: يلزمه جميع الحق لأنه قد لزمه ما لزم من تحمل عنه، يريد: وقد علم الحميل بما على الحميلاء من الشروط.
وروى عنه عيسى في الرجلين يشتريان السلعة ويتحملان حيهما بميتهما وحاضرهما عن غائبهما، وأيهما شاء أخذ بحقه، ثم تحمل عنهما رجل بجميع الحق فوداه، أن له أن يأخذ بالحق كله أحدهما، كما كان للطالب؟ قال: نعم، لأنه لو تحمل للغريم بما على أحدهما كان للغريم أن يتبع هذا الحميل بالحق كله، لأن له أن يتبع أحدهما بالمال كله، فكذلك للحميل أخذ أحدهما بما للغريم أخذه به.
وكذلك روى ابن الحبيب عن أصبغ هذه المسألة.
وروى عيسى عن ابن القاسم وقال: لو اشترى رجل وعبده سلعة وبعضهما/حميل عن بعض، فباع العبد، فليس للطالب تعجل الدين من السيد، ولا أن يأخذه بحميل بدلا من العبد، وله أتباع حمالة العبد حيث كان، فإن لم يعلم المبتاع فهو كعيب إما رضيه أو رد به، إلا أن يزيله السيد بالأداء عنه فلا يرد.
ومن كتاب ابن المواز: قال أشهب في رجلين تحملا بمائة درهم وحلفا للطالب بالطلاق ليقضيانه حقه إلى أجل كذا، فحل وغاب واحد، فقضى الآخر نصف الحق، فإن لم يكن بعضهم حميلا ببعض فالذي قد قضاه بار، وقد حنث الآخر، وكذلك لو كانت اليمين: ليقضينك، قال: وإن قضاء الحاضر جميع الحق وكان احدهما حميلا بالآخر، فقد برئا جميعا، وإن لم يأمره الغائب بالقضاء عنه، ولو قضاه الحاضر نصف الحق حنثا جميعا، يعني إذا كان أحدهما حميلا بالآخر، ورواها كلها عن مالك.
وإذا تحملوا بوجه رجل، فأتوا به بروا، فإن لم يأتوا به حكم عليهم بالحق ثم جاء به أحد ممن لم يطلب منه فلا ينفعه، وقد لزم جماعتهم غرم المال، وإذا لم يكن بعضهم حميلا ببعض لم يبر إلا من جاء به هو وحده، فإن أخذ به أحدهم فلم يأت به والحملاء أربعة، غرم ربع المال، ثم إن طولب به آخر فجاء به برئ هذا
[10/ 121]

(10/121)


وحده، ولم يخرج بذلك الأول من ربع المال الذي/لزمه، وإن لم يأت به الثاني غرم ربع المال فقط.

في غرماء تحمل بعضهم ببعض فودي أحدهم، ثم ادعى كل واحد أنه هو
قال ابن حبيب: قال أصبغ في غرماء ثلاثة تحمل بعضهم ببعض في ثلاثين دينارا عليهم، فأخذها من أحدهم، فادعى كل واحد أنه هو. فالمقتضي مصدق فيمن هو مع يمينه، ويرجع ذلك الدافع على صاحبيه بعشرين، فإن قال القابض: لا أدري من هو، حلف أنه لا يدريه، ثم حلفوا، يحلف كل واحد من الغرماء: أنه الدافع، فإن حلفوا أو نكلوا برئوا ولا يرجع بعضهم على بعض بشيء، وإن حلف واحد رجع على الناكلين بعشرين، وإن حلف اثنان رجعا على الناكل بعشرة، ولو قبض من أحدهم عشرة فادعاها جميعهم فهو مصدق فيمن قال: إنه دفعه إليه، فإن قال: لا أدري من هو، حلف القوم ثم برئوا من الثلاثين، ولو قال بعد قوله: لا أدري ممن قبضتها إن فلانا هو، لم يقبل قوله. وأعرف لسحنون نحو قول أصبغ الذي ذكر ابن حبيب.
ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم فيمن له على رجلين حق أيهما شاء أخذه بحقه، فقال: ما لي عليهما شيء، فقال كل واحد منهما: إنه الذي قضاه، وأقر صاحب الحق لواحد، قال: هو كشاهد ويحلف معه الدافع إذا لم تبق عليه تهمة.
قال محمد: ولو قاله قولا نسقا: ما بقي لي عليهما شيء قد أخذته من فلان، كان قوله جائزا، وإن لم يكن عدلا بلا يمين على من أقر له، كان كما لو قال: تركت حقي كله لفلان/لأنه حقه حتى تركه، فأما إذا ثبت سقوطه عنهما ثم قال: فلان دفعه، فهو كالشاهد.
[10/ 122]

(10/122)


فيمن تحمل بنصف سلعة فاستحق نصفها أو حاص الطالب غرماء الغريم فنابه بعض حقه، أو تحمل بنصف عهدة سلعة فاستحقت، أو بصداق امرأة فطلقت قبل البناء
من كتاب ابن المواز: ومن باع سلعة بمائة وأخذ حميلا بخمسين منها فاستحق نصف السلعة، وتمسك المبتاع بالنصف، ثم غاب أو فلس، فعلى الحميل خمسة وعشرون لأن نصف حمالته زالت بالاستحقاق، وقاله أصبغ.
وروي عن ابن القاسم فيمن اشترى سلعة بمائة دينار، وأخذ حميلا بنصف عهدتها، ثم استحق نصفها: أنه إنما يطلب الحميل بخمسة وعشرين، ويتبع ذمة البائع في عدمه بخمسة وعشرين. محمد كسر يكثر في الحمالة إلا أن تشترط أنك حميل بما استحق منها، فهو حميل بالجميع.
قال ابن القاسم: وإذا تزوجت امرأة بمائة وأخذت حميلا بخمسين فطلقت قبل البناء، فلا تتبعه إلا بخمسة وعشرين، وكمن حمل عن الزوج خمسين، ثم طلق قبل البناء فلا تتبع هي الحامل إلا بخمسة وعشرين كان أبا أو أجنبيا، وزوجها بخمسة وعشرين، وقاله أصبغ. ولو شاءت في الحمالة تركت الحميل وطلبت الزوج بخمسين، فذلك لها، قال محمد: وأما في الحمل فلا. وقاله أصبغ، واحسب ابن القاسم معه. وذكر ابن حبيب/هذا القوم عن أصبغ وخالفه، وقال: قال ابن كنانة وابن الماجشون: إن لها إذا طلقت أن تأخذ من الحميل الخمسين كلها، قال: وذلك أنه لو باع سلعة بمائة، وأخذ حميلا بخمسين، فاستحق نصف السلعة، فلا يسقط عن الحميل نصف الخمسين التي تحمل بها، وكذلك لو وهب البائع للمبتاع نصف الثمن فله أن يأخذ من الحميل خمسين.
[10/ 123]

(10/123)


ومن كتاب ابن المواز: وإذا ارتهن رهنا بمائة، ثم قال للغريم: إنه لا يساوي، فأعطاه حميلا بخمسين، فبيع الرهن بخمسين، فإن الحميل يلزمه خمسون، وكذلك لو كان أعطاه رهنا بخمسين وحميلا بخمسين، قال محمد: ولو لم يبع الرهن ولكن ودي الغريم خمسين لكانت عن الرهن وعن الحميل جميعا بالحصص إن كان قضاءه أمرا مبهما، ولو كان بشرط أن ذلك خاصة عن الرهن، أو عن الحميل، كان ذلك له ما له يفلس، بخلاف الرهن إذا بيع لأن ثمن الرهن مكانه، وهو أحق به.
من العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم في من عليه خمسون دينارا، فأعطى حميلا بخمسة وعشرين، ثم فلس الغريم فوقع للطالب بالحصاص ثلاثين بمثل نصفها يسقط من الحمالة ويبقي على الحميل عشرة بالحمالة، وقاله سحنون.
وقال ابن حبيب عن أصبغ عن ابن القاسم مثله وقال: بل يرجع على الحميل بتمام الخمسين، ثم رجع إلى قول ابن القاسم بعدي، وبه أقول.
في الحمالة بالعقود الفاسدة،/والحمالة بنفع أو بجعل، وما يفسد من شرط الحمالة وما يصح
من العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم فيمن أعطى رجلا دينارا في دينارين إلى أجل، أو مائة دينار في ألف درهم مؤجلة وأخذ بذلك حميلا، فإن لم يعلم الحميل بما صنعا فالحمالة ساقطة، وإن علم لزمه في الدينارين دينار، وبطل الربا، وأما في الدراهم فيخرجها فيشتري بها مائة دينار، فإن كانت تساوي أكثر لم يتبع الغريم إلا بما ودي في المائة، وحبس ما بقي، وإن لم تبلغ إلا تسعين لم يلزمه غير ذلك، واتبع الطالب غريمه بعشرة، والحميل بألف درهم.
[10/ 124]

(10/124)


قال: وأهل العراق يرون الحمالة ساقطة بكل حال. والذي قلت لك الذي آخذ به، وقال مثله سحنون فيمن دفع دينارا في دراهم إلا أنه قال: وإن لم تساو الدراهم إلا ثلاثة أرباع دينار، قيل للطالب: رد من عندك الدينار، فتضرب وتدفع إليه، ويرجع الحميل على الغريم بدراهمه، يريد سحنون: ويرجع الغريم عليه بربع دينار ذهبا.
قال ابن المواز: وقال أشهب: الحمالة باطل وبخلال الرهن، ويجعل الرهن رهنا بالأقل.
قال عيسى: قال ابن القاسم: ومن له على رجل دينار ففسخه في زيت، فأخذ بالزيت حميلا، فإن لم يعلم فلا شيء عليه، وإن تحمل عالما ودي الزيت فبيع، وودي الدينار منه، واتبع هو الغريم بالزيت. قال: ومن باع سلعة بيعا فاسدا، وأخذ بالثمن حميلا وفاتت، ولزم المبتاع/قيمتها، فعلى الحميل الأقل من القيمة أو الثمن.
ولو أسلم نصراني إلى نصراني في خمر أو خنازير، فأخذ بذلك حميلا، فأسلم الحميل، وأعدم البائع. فالحمالة ساقطة، وكل حمالة أصل شرائها حرام فالحمالة باطل.
من كتاب ابن المواز: وإذا أقرضه الخمر سقطت عن الحميل بإسلامه، وتثبت بين الباقين، ومن أسلم منهما سقطت الخمر بإسلامه، ولو كانت من بيع فاسلم إن فات، وعلى الحميل في عدم الغريم الأقل من ذلك أو من قيمة الخمر، وكذلك إ، أسلما جميعا، ويتبع الطالب المطلوب بتمام قيمة عرضه، وإن لم يسلم إلا الحميل اشتريا بما يؤخذ من الحميل خمرا إن أحبا، واتبع الطالب المطلوب بما بقي له، وإن كانت الخمر من غصب فلا تسقط الحمالة ولو أسلموا كلهم، وكقول مالك وأصحابه في مسلم كسر لذمي خمرا، أن عليه قيمته، وكذلك في الخنازير إلا عبد الملك يقول: لا شيء عليه، لأنها لا تقوم عنده، لأن تقويمها
[10/ 125]

(10/125)


كالشهادة. ويقول مالك أقول، وهي قد تباع بحضرة الناس، تستفيض معرفة قيمتها، والاستحسان جار في العلم وهو من القياس.
وروي عن سحنون في مسلم كسر لذمي خمرا أنه يقومها حديث عهد بالإسلام منهم.
ومن كتاب ابن المواز أيضًا: قال مالك: لا تجوز الحمالة بالجعل. قال ابن القاسم: فإن كان صاحب الحق عالما/بذلك سقطت الحمالة ورد الجعل، وإن لم يعلم فالحمالة لازمة، والجعل مردود وقاله أصبغ.
وكذلك قال ابن حبيب عن مطرف عن مالك.
وقال ابن الماجشون، وابن عبد الحكم، وأصبغ.
ومن كتاب ابن المواز: قال: وكل حمالة وقعت على أمر حرام بين المتبايعين في أول أمرهما أو بعد: فهي ساقطة، لا يلزم الحميل منها شيء علم المتبايعان بحرام ذلك أو جهلاه، علم الحميل بذلك أو جهله، محمد: لأن حرامه للبائع فيه عقد وسبب.
قال أصبغ: وكل حمالة وقع حرامها بعقد بين الحميل والمطلوب بغير علم الطالب، فالحمالة ثابتة، إنما يفسدها علم الطالب، قال محمد: أو يكون ذلك من سببه أو معاملته، فإذا لم يكن من سببه، ولا علم بصنيع الحميل والمطلوب، فالحمالة لازمة.
قال أشهب في دافع دينار في دراهم إلى أجل، وأخذ بها حميلا، فالحمالة ساقطة، ولم ير ذلك كالرهن، وقال: يكون رهنا بالأقل، وكذلك كل حمالة بأمر فاسد.
قال محمد على ما فسرنا، وهو معنى قول ابن القاسم وأصحاب مالك على إتباع منهم لقول مالك.
[10/ 126]

(10/126)


وقال ابن القاسم فيمن دفع دينارا في دينارين: إن الحمالة في ذلك ساقطة، وكذلك في فسخ الدين في الدين.
وروى أصبغ عن ابن القاسم، وأشهب، فيمن باع طعاما من بيع قبل قبضه، وأخذ بذلك حميلا، أو في بيع حرام: أن الحمالة ساقطة، وقال أصبغ عن ابن القاسم: وهي من رواية عيسى عن ابن القاسم.
في العتبية في رجلين/لهما على رجل مائة إردب، فقاضى أحدهما خمسين منها، فطلب صاحبه الدخول معه، فقال له: هبني ما قبضت لنفسي، وأنا أضمن لك الخمسين التي على الغريم، فذلك لا يجوز من غير وجه، منها: أنه ضمن له على أن أسلفه خمسة وعشرين، وكأنه بيع طعام بطعام متأخر وزيادة ضمان وغير شيء مكروه، ولو ضمن له خمسة وعشرين مما على الغريم، وهو قدر نصيبه مما قبض كان جائزا. قال أصبغ: لأنه معروف كله، وسلف منه له.
ومن كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم: ومن له قبل رجل طعام يوفيه إياه ببلد فاقتضى بعضه عند أجله، وتحمل له رجل بباقيه على أن يوفيه إياه ببلد آخر، فلا يجوز ذلك وتسقط الحمالة.
قال أصبغ: معناه: أن البلد الآخر أقرب إلى منزله، فصار تأخيره بنفع.
انظر قول أصبغ فيه، قال ابن القاسم: ومن حل دينه فقال له رجل: ضع لغريمك منه كذا وأنا حميل لك بباقيه إلى أجل كذا، فذلك جائز، لأنه لو شاء تعجله، فكأنه أسلفه وحطه.
وقاله ابن القاسم وابن وهب وابن عبد الحكم، رووه عن مالك. واختلفت رواية أشهب فيه عنه فكرهه وأجازه، وإجازته أبين، لأنه إذا جاز أن يؤخر بحميل، جاز أن يحطه ويؤخره بحميل.
[10/ 127]

(10/127)


قال ابن وهب، وأجازه ابن أبي سلمة، وأن يعطيه به رهنا، قال: لأنه ليس له في تأخيره منفعة إلا أن يكون غريمه تبين فلسه فلا يجوز، لأنه إذا قام عليه قد يقع له في المحاصة بعض حقه، فوخره على أن يضمن له/الحميل أكثر منه.
قال ابن القاسم: ولو قال للطالب: هب فلانا دينارا غير الغريم، فأنا أتحمل لكل بدينك، لم يجز وهي حمالة بجعل.
قال مالك: وإن لم يحل الأجل لم يجز تأخيه بحميل ولا برهن. قال: وإذا حل الدين فقال له: أسلفني مالا آخر، ووخرني على أن أرهنك بهما أو أعطيك حميلا، فذلك جائز، وقد قيل: إلا أن يتبين عدم الغريم.
قال محمد: هو عندي جائز وإن تبين عدمه إن كان الرهن لنفسه، ما لم يكن عليه دين محيط فلا يجوز تأخيره الدين الأول، وإن كان وحده بذلك الرهن، لأنه يزداد بما أخره منفعة، وأما تأخيره بحميل فجائز ما لم يسلفه سلفا ثانيا، قال: ولو كان عديما ولا دين عليه لغيرك، أو عليه دين لغيرك فلا شيء له أصلا فجائز له تأخيرك بحميل ما لم يكن معه سلف آخر، ولا أحب له تأخيره الأجل البعيد الذي يرجى له قبل ذلك اليسر.
قال: ولو قال له قبل الأجل: أسلفني مائة أخرى وخذ رهنا بالمائتين إلى شهر بعد الأجل، لم يجز، ويرد المائة السلف ويأخذ رهنه، ويرد الدين إلى أجله، وكذلك لو لم يزده في الأجل شيئا وهو سلف جر منفعة، فغن لم يعثر على ذلك حتى مات الراهن أو فلس، وقام الغرماء، قال: ما سمعت فيها إلا ما خاض فيه أصحابنا أن يكون نصف الرهن هنا بالمائة الأخرى، ويرد نصفه إلى الغرماء.
قال محمد: بل الرهن كله رهن بالمائة الآخرة لأنه بسببها. وهذا مذهب أشهب، لأن يجيز الرهن بالجعل، ولم يره ابن القاسم/رهنا بالجعل، ولو كانت بحمالة سقطت الحمالة عن المائتين لأنه لا تثبت حمالة في معاملة فاسدة، ولا يثبت فيه تأخير ولا سلف، وكذلك لو سأله قبل الأجل أن يؤخره إلى بعد الأجل ويعطيه رهنا أو حميلا، فذلك فاسد، ويرد إلى أجله، فإن مات الغريم أو فلس قبل
[10/ 128]

(10/128)


الأجل فلا رهن ولا حميل يلزم فيه، وإن مات أو فلس بعد الأجل ثبت له الرهن وتبطل الحمالة.
قال أشهب: ومن لك عليه عشرة دنانير سلفا، فبعث منه بيعا على أن يعطيك بالعشرة السلف رهنا، فذلك جائز، ولو كانت العشرة من بيع فأسلفته عشرة أخرى على أن يرهنك بالعشرة الأولى لم يجز، لأنه لا يسلف ويشترط نفعا، وله أن يبيع ويشرط نفعا، قال محمد: ولم يجزه ابن القاسم في الوجهين، فأجاز أشهب الرهن بجعل، لأنه إنما يصل ذلك إلى الغريم لا لغيره، فهو كوضيعة من الحق بعد أن حل على أن يرهنه، والجعل في الحمالة للحميل، وكذلك لو كان الرهن لأجنبي بجعل من الغريم لم يجز وينقض الرهن إن علم رب الحق، وإن لم يعلم ثبت الرهن وسقط الجعل، وليس كمن اكترى حليا أو متاعا يلبسه، لأن الرهن كما مطل المديان بالدين ازداد صاحب الرهن في الرهن كراء، فكأنه وخره بزيادة يعطيها لغيره.
قلت: فلو أكراه إلى أجل؟ قال: لا يجوز الرهن إلى أجل، ويبطل من أوله، وإن فلس أو مات الغريم قبل الأجل دخل فيه الغرماء.
وقال أشهب فيمن لك عليه عشرة دنانير/إلى أجل، فحططته دينارين قبل الأجل على أن أعطاك رهنا بثمانية، أن ذلك جائز، ولم يجزه ابن القاسم.
ومن العتبية: روى أشهب عن مالك في من له على رجل مائة درهم فأخره بها على أن أعطاه حميلا، أنه جائز، فإن قال الحميل: أنا أتحمل لك وتضع عشرة، لم يجز كأنه أعطاه عشرة من دينه على أن تحمل له. وقال أصبغ في من له دين إلى أجل، فأخذ به حميلا على أن وضع عنه بعضه، أن ذلك جائز، ولو قال له: أعطني بها حميلا أو رهنا إلى الأجل، وخذ مني هذه العشرة دنانير ففعل، وأخذها منه ولا مقاصة فيها، قال: ذلك جائز.
[10/ 129]

(10/129)


ومن كتاب محمد: روى ابن القاسم عن مالك في من له قبل رجل أذهاب مختلفة الآجال، فباعه بيعا على أن يرهنه بالثمن وبتلك الديون، فلا خير فيه، وإن لم يقدم دينه الأول ولا وخره عن أجله.
قال لي البرقي عن أشهب في من ارتهن رهنا في بيع فاسد، وفاتت السلعة، أن الرهن رهن بالأقل من القيمة أو الثمن.
وقال في دافع دناني في دراهم إلى أجل، وأخذ رهنا، إن الرهن رهن بالأقل، وإن كان حميلا فالحمالة باطل. وابن القاسم يبطل الرهن والحميل.
قال ابن القاسم في كتاب ابن المواز وفي العتبية من رواية أصبغ: ومن باع سلعة وأخذ حميلا على أنه إن مات الحميل، يريد: قبل الأجل، فلا تباعة في تركته وإن مات صاحبه.
قال في كتاب ابن المواز: البائع قبل ذلك الأجل فلا حمالة له لا على الحميل ولا لورثته/فقال: هذا بيع حرام لا يجوز، والحمالة ساقطة، وعلى المشتري في فوت السلعة القيمة.
قال أصبغ: أجاب على غير تأمل، وهذا عندي جائز والشرط ثابت، ورأى أن الشرط ليس بيع البائع والمبتاع، وهو شرط بينه وبين الحميل، كما لو تحمل على هذا من غير بيع، وكذلك لو تحمل بمهر على أنه إن دخل فالحمالة ثابتة، وإن مات أو طلق قبل البناء فلا حمالة علي، فذلك جائز، وكذلك لو تحمل بمهر قال: أتحمل على أن أعطاني فلان وثيقة قبل أن يموت، وإلا فلا حمالة لكم علي به، أو تحمل إلى قدوم فلان، أو قال: إلى أجل كذا على أنه إن قدم فلان قبل ذلك فلا حمالة علي، فهو جائز، ولا غرر فيه بين الحمل والبائع، ولا في المبالغة، وإنما الذي يفسد لو شرط المشتري أنه إن مات بائع أو مبتاع قبل الأجل فالثمن هدر لا تباعة فيه، فهذا بيع فاسد.
[10/ 130]

(10/130)


قال محمد: وأرى قول ابن القاسم إن كان ذلك شريطة مع النفع على المشتري فالبيع فاسد، والحمالة ساقطة لا، ثمن السلعة مع حميل أو رهن أكثر منه بلا رهن ولا حميل. فقد تخاطرا، وإن كن شرط في سلف غير بيع كان جائزا.
قال ابن حبيب عن أصبغ عن ابن القاسم في من تحمل بحق مؤجل على أنه إن مات الغريم قبل محله فلا حمالة علي، قال: ذلك شرط جائز.
ومن العتبية من سماع أبي زيد من أبي القاسم: ومن كل عليه ثلثا دينار، فأحلت عليه من له عليك نصف دينار ليأخذ ذلك وليبقى لك عليه سدس دينار، لم يجز ذلك.
قال ابن/القاسم في كتاب ابن حبيب: ومن باع من ثلاثة سلعة على أن بعضهم حميل ببعض، وأن لم يكونوا شركاء في غيرها، قال: ذلك جائز، ولم يزل هذا من بيوع الناس، وما علمت من أنكره، وإنما لا يجوز أن يقول: تحمل عني في شيء على أن أتحمل عنك في أمر آخر، وهؤلاء في أمر واحد هم فيه شركاء، ولو اشتروا على أن كل واحد منهم يأخذ حصته من هذه السلعة على حدة من البيع فهو سواء إذا كان في صفقة، وأما لو اشترى أحدهم جزءا منها، واشترى الآخر جزءا لم تجز حمالة أحدهما بالآخر، وتبطل الحمالة ع أعرف في بائعين على أن يضمن بعضهما عن بعض العهدة لا يجوز، وقد قيل: إن اتفقت أنصباؤهما جاز، وإن اختلفت لم يجزا نظر.
ومن كتاب ابن سحنون من سؤال حبيب، وعن شريكين في سلعة وكل أحدها الآخر على بيع نصيبه منها، فقال المشتري: لا أشتري منك إلا أن تضمن لي نصيب شريكك، قال: لا يجوز ذلك وكأنه زاده في ثمن نصيبه على أن يضمن له عند شريكه.
[10/ 131]

(10/131)


ومن العتبية من سماع ابن القاسم: قال مالك في شريكين في سلعة أو أمة يريدون بيعها، فأعطى بعضهم بعضا شيئا على أن تكون عهدته عليه: أن هذا لا يجوز، والحمالة بالجعل حرام، ويرد ما أخذ، وهو كأجنبي قال لبائع سلعة: أعطني دينارين على أن عهدة السلعة علي من كل درك.
ومن سماع أصبغ: ومن قال لرجل: تحمل عني لفلان ولك دينار، فلا يجوز، كأنه/أخذ دينارا ليضمن عشرة.
وروى عيسى عن ابن القاسم في من تحمل لرجل بدينار له على رجل إلى أجل قرضا، ثم فسخه عليه بعد الأجل في شعير إلى أجل آخر، وأبرأ الحميل، ثم علم بفساد ذلك ورجع بالدينار فقام على الحميل وقال: لم أعلم، قال: قد برئ الحميل ولا ينفعه جهله، وقد برئ الحميل.
ومن كتاب ابن المواز: قال: يعني مالكا في من أسلف سلفا وأخذ بذلك رهنا أو حميلا، فلا بأس به، وما بلغني أن أحدا كرهه إلا الحسن ولا بأس به.
وقال في من باع سلعة بمائة دينار إلى أجل وأخذ بها حميلا، فلما حل الأجل دفع إليه بالمائة ثمرة لم يبد صلاحها، ثم علم بمكروه ذلك ففسخ ورد، قال: قد سقطت الحمالة عن الحميل، أرأيت لو حلف: ليقضينه دينه وقت كذا، وأخذ حميلا، ثم أعطاه جارية عند الأجل فوجد بها عيبا، فردها، فإنه حانث، وتسقط الحمالة، وإن رضي إمساكها وهي تسوى ما له عليه بعينها فلا يحنث، وإن ردها فقد حنث وإن سويت ما عليه.
ومن العتبية: روى أصبغ عن ابن القاسم في من تحمل عن رجل فقال المطلوب للحميل: بعني سلعتك لأقضيها فلانا، أو أقضيه ثمنها، وتسقط عنك الحمالة، قال: لا يعجبني وأخاف أن يكون من الدين بالدين، أو باب من أبواب الربا.
[10/ 132]

(10/132)


في التداعي في الحمالة والحوالة
من العتبية من سماع عيسى من ابن القاسم: وقال في من تحمل وقال: تحملت بألف درهم، وقال الطالب: بل بخمس مائة/دينار، وصدقه المطلوب، يريد: ولا مال له، فليحلف الحميل: ما تحمل إلا بألف فيؤديها ويشتري بها دنانير، فإن بيعت بثلاثمائة له دينار يرجع الطالب على المطلوب بمائتين، ويرجع الحميل على الغريم بثلاثمائة دينار، فيشتري له بها دراهم، فإن وفت ألفا فذلك، وإن زادت فالزيادة للغريم، وإن نقصت حلف المطلوب للحميل: ما تحمل له إلا بخمسمائة، فإن نكل حلف الحميل وأخذ، ولو قال الحميل: تحملت لك بألف إردب قمحا، وقال الطالب: بل بخمسمائة دينار، وقال المطلوب: بألف درهم، قال: فإن كان مائة إردب أخذ من الحميل تسعمائة إردب تمام ما أقر به، ثم يباع الحميل بدنانير فيوفي الطالب بخمسمائة فإن نقصت فلا شيء له على الحميل، يريد: ولا على الغريم، وما زاد رد إلى الحميل. ... ... ... حمالة
وقال في كتاب ابن المواز: إذا ادعى الطالب خمسين دينارا، وقال الحميل: ألف درهم، وقال الغريم، مائتي إردب قمحا فليؤخذ منه المائتا إردب، وأخر اليمين، فإن بلغ ثمنها دعوى الطالب سقطت الأثمان، وبرئ الحميل والغريم، وإن لم يف ثمنها بخمسين دينارا، وكانت تسوى ألف درهم، يريد محمد: فيبرأ الحميل ويؤثر يمينه، قال: ويحلف الغريم، فإن نكل لزمه دعوى الطالب إن كان مليا فبرئ الحميل، وإن حلف فهو بريء، ويحلف الحميل ويبرأ إذا كانت تسوى ألف درهم، وإن لم تسو حلف وغرم ما عجز ثمن القمح/عن ألف درهم، يريد: إن عجز هذا كله عن خمسين دينارا، قال: فإن نكل غرم بقية دعوى الطالب الخمسين دينارا، ولا يرجع الحميل بما غرم في ذلك كله، لا على الطالب، ولا على الغريم، وإن كان الغريم معدما: أخذت الألف درهم من الحميل، فإن كانت تفي بخمسين دينارا، فلا يمين على الحميل، وإن كانت أقل منها حلف ولم يلزمه غير
[10/ 133]

(10/133)


الألف التي أقر بها، ثم إن أيسر الغريم فيؤخذ منه القمح الذي أقر به، فإن كان ثمنه أكثر من الألف، يعني بما يتم دعوى الطالب، فلا يمين على الغريم، قال: والحميل أولى بذلك القمح حتى يستوفي دراهمه، قال: وإن كان إنما أيسر الغريم ببعض القمح، فإن كانت قيمة القمح، يريد: كله مثل الألف درهم فأقل، فالجميع أولى بذلك من صاحب الحق، فإن كان في قيمة القمح كله أكثر من الألف درهم تحصا فيما يجدا عند الغريم مما ذكر أنه أقل من جميع القمح، تحاص الحميل بألف، والطالب بالزائد على الألف درهم من قيمة القمح كحقين أحدهما بحمالة، والآخر بغير حمالة، كمن تحمل بخمسمائة من الألف على رجل فغرمها عنه ثم طرأ للمطلوب مال لتحاص فيه الغريم والطالب، قال: وإذا غرم الحميل الألف درهم التي أٌر بها، يريد: في عدم المطلوب وقيمتها من الذهب مثل دعوى الطالب فلا يمين، وإن كان أقل حلف الحميل، قال: ثم يشتري بها قمح، فإن بلغت ما أقر به فليس للطالب غيره مع يمين الغريم، وإن كانت الألف/درهم أكثر من ثمن القمح دفعت الفضلة إلى الطالب عينا، ولم يكن للحميل على الغريم إلا قدر ما اشتري به القمح، وبطل ما أخذه الطالب من الفضل، فلا يرجع به الحميل على أحد، وإذا كانت الألف درهم تبلغ دعوى الطالب فزالت اليمين بذلك عن الحميل، كانت للحميل اليمين على الغريم إن كان ما أقر به الغريم من قيمة القمح أقل مما ودى الحميل.
ومن كتاب ابن سحنون: قال سحنون فيمن ادعى على رجل أن له قبله عشرة دراهم، وقال المطلوب: إنما لك علي قسط من زيت، وقال الحميل، إنما تحملت بقفيز من قمح، قال: يؤخذ القسط من زيت من المدعى عليه، فإن سوى عشرة دراهم أخذها المدعي، وإن زادت ردت الزيادة على المدعى عليه، وإن نقص من عشرة أخذ ذلك المدعي، ثم يؤخذ من الحميل القمح فيباع من تمام العشرة دراهم، ويرد ما فضل على الكفيل إن فضل شيء، ولا يكون للكفيل أن يتبع بذلك المطلوب، وهذه مذكورة في كتاب الدعوى والبينات.
[10/ 134]

(10/134)


ومن كتاب ابن المواز: قال: وإن أحلت غريمك على رجل فمات المحال عليه قبل يؤدي، يريد: وهو عديم، فقال الطالب: أحلتني على غير مال كان لك عليه، وقال المطلوب: بل على مال لي عليه، قال: فهو حول ثابت حتى يظهر أنه على غير أصل مال.
وإن ادعى الطالب مائة إردب، وقال الغريم: خمسين إردبا وقال الحميل: أربعين،/فليحلق الغريم والحميل مكانهما، ثم إن وجد عند الغريم خمسين سقطت الحمالة وإن لم يوجد عنده إلا أربعون غرم الحميل ثمانية، لأن ما أخذ من الغريم خمسة بغير حمالة وأربعة أخماس ما ودى عن الحمالة، فيسقط عن الحميل أربعة أخماس ما أقر به، وبقي عليه الخمس، ولو كانت عشرين سقطت عن الحميل ستة عشر من الأربعين، ويؤدي أربعة وعشرين، ولو ادعى الطالب مائة دينار وصدقة الغريم وقال الحميل: بل هي ألف درهم، والغريم عديم، فليؤخذ ألف درهم من الحميل ويباع بدنانير، فإن نقصت عن مائة دينار فلابد من يمين الحميل ويرجع الطالب على الغريم مما بقي والحميل بما ودى فما أصابا عنده تحاصا فيه، قيل: فلو أن الحميل صدق الطالب وكذبهما الغريم، قال: فقد اختلف قول مالك في شهادة الحميل، فروى عنه ابن القاسم أنه لا تقبل شهادته، ويلزمه ما تحمل به عنه، وروى عنه أشهب وابن عبد الحكم أن شهادته جائزة وحمالته لازمة.
قال محمد: والصواب عندي إن كان الغريم مليا جازت شهادة الحميل عليه مع يمين الطالب، وإن كان عديما أغرمت الحميل ما أقر به، ولم أقض له به على الغريم.
ومن العتبية: روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم: ومن أقر لرجل أنه تحمل له بماله على فلان فأنكر أن يكون عليه حق للطالب، وأن يكون الحميل تحمل عنه، قال: يغرم الحميل ما أقر أنه تحمل به، ثم لا يعد الحميل على/المطلوب إلا ببينة أن ذلك الحق عليه، ولو أقر المطلوب وأنكر حمالة الحميل عنه،
[10/ 135]

(10/135)


قال: يغرم المطلوب ما أقر به ولا شيء على الحميل حتى يجد الغريم وفاء، فإن لم يكن عنده وفاء غرم الحميل ما أقر بحمالته كما لو أحاله الطالب لجاز له أن يطلب ذلك منه، ولو قضى عنه بغير أمره ولا بحمالة كان له أن يرجع عليه.
قال ابن حبيب: قال أصبغ فيمن تحمل برجل فأتى به إلى الطالب مبرئا إليه، والرجل مقر أو منكر فقال الطالب: لم تتحمل لي إلا بفلان، فالقول قول الحميل مع يمينه، إلا أن يأتي الطالب ببينة، ولا شيء على الذي جاء به الحميل، أقر أو أنكر، لأن الطالب قد برأه، قال: ولو شكا رجل غريمه فتبرع رجل فودى عنه، ثم أنكر المطلوب أن يكون كان عليه شيء، وإن كان الدافع قد دفع إلى الطالب مصدقا له، لم يكن له عليه شيء، وإن قال: إن هذا الحق لك عليه فخذه مني، ودفعه إليه، فإنه يرجع على الطالب له، إلا أن يقيم به بينة، وإن كان لم يتبين تصديقه إياه، ولا أنه لم يصدقه، وادعى المعطي أنه إنما أعطاه ذلك يرى أنه على الغريم فهو على التصديق لا يرجع حتى يتبين بشرط أن يثبت دعوان عليه.
ومن العتبية: روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم: ومن أحلته بعشرة دنانير على غريم لك فقبضها، ثم قلت له: إنما أسلفتك إياها. قال في كتاب ابن/حبيب: أو أمرتك تكفيني تقاضيها، فقال هو: بل قبضتها من دين كان لي عليك، فالقول قولك مع يمينك، ويقضي لك بالرجوع عليه بها، وليس إحالتك إياه إقرارا له، قال ابن حبيب عن ابن الماجشون ذلك على ما يشبه، فإن كان من أحلته يشبه أن يكون له عليك مثل ذلك، فهو مصدق مع يمينه، وإن كان لا يشبه ذلك، فهو كوكيلك مع يمينك، وقال أشهب: أنت مصدق قولا مجملا، وبقول ابن الماجشون قال ابن حبيب.
[10/ 136]

(10/136)


في التداعي في الحق بحمالة وحق بغير حمالة يقضيه أحدهما فيختلفان فيه
من كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم فيمن عليه حق بحمالة، وحق بغير حمالة فيقضيه الغريم أحدهما بغير تسمية، ثم يختلفان عن أيهما قضاه، فليقض ذلك على الحقين، قال أصبغ: ولا ينفع الطالب إقرار الغريم بعد القضاء أنه عن غير الحمالة حتى يعرف عند القضاء بسبب أو بشرط.
قال ابن القاسم: ولو كان الحقان من ثمن سلعة لم يخرج من يد البائع حتى قبض، ثم ادعى الحميل أنه عن الحمالة فلا يصدق، لأنه لم يصر بعد دينا للغريم.
قال أصبغ: والحقان برهنين أو برهن وحميل على مجرى هذا سواء.
قال ابن القاسم: ولو قبض الغريم السلعة وصار مطلوبا، فلما دفع إليه الحميل بعد ذلك عن الحمالة قال الطالب: بل ثمن سلعتي وقد حل الدينان فليقسم ذلك على الحقين، قال أصبغ: إن قضاء مبهما، وأما إن/فسرا فهو على ما بينا، قال محمد: وسواء ادعى كل واحد أنه بين ذلك عند القضاء، أو قالا: كان ذلك الذي نويا، وقال مثله أشهب: إذا كان القضاء مبهما، وخالفه إذا ادعى كل واحد أنه بين عند القضاء، فجعل القول قول القاضي. وقال مثله عبد الملك، وخالفه في الحجة، فاحتج أشهب أن الدافع مدع لقضاء الحق الذي بحمالة أو رهن، والآخر ينكر، فالمدعي عليه البيان، وحجة عبد الملك: أنه لما أسلم ذلك إليه فكأنه أئتمنه، ولم يشهد عليه فصدقه، ومن مات منهما فورثته بمثابته، قالا: وذلك إذا لم يحلا أو حلا جميعا، فأما أن حل أحدهما: فالقول قول من ادعى أنه من الحال مع يمينه.
وقال ابن القاسم - وقاله مالك -: إذا قال هذا: قضيتك وبينت لك أنه لكذا، وقال الآخر، قد شرطت عليك أنه من حق كذا، فليقسم الحق بينهما، محمد: يريد: بعد أيمانهما، ومن نكل فالقول قول من حلف، فإن حلفا أو نكلا قسم ذلك على الحقين.
[10/ 137]

(10/137)


قال ابن القاسم عن مالك فيمن أسلف رجلا برهن جعل بيد أمين، ضمن له ما نقص من رهنه، ثم أقرضه شيئا آخر برهن، وجعله على يدي الأول، وقضاه البعض، وقال: قد أعلمتك عند القضاء أن ذلك عن الحق الذي بالرهن المضمون ما نقص، وقال المرتهن: بل من الآخر، قال مالك: يقسم ذلك على الحقين، وكذلك قال في حق برهن، وحق بغير رهن، أو حق بحميل، أو حق بلا حميل، قال: وكذلك حق/بيمين، وحق بلا يمين.
قال أصبغ: ولو ادعى أحدهما أنه بين عند القضاء، وقال الآخر: ما بين شيئا فالقول قول الذي قال ما بين شيئا إلا أن يقيم الآخر البينة، قال محمد: وهذا مذهب أشهب وعبد الملك، وخلاف ابن القاسم، وأما لو اتفقا أنهما لم يبينا، فلم يختلفوا فيه أنه يقسم على الحقين.
ولو كان لك عليه صك بكفالة عن فلان بمائة فقضاه مائة ثم قال: هي عن القرض، أو عن كفالتين عن فلان، وقلت أنت: بل عن كفالتك عن فلان، فقول مالك يقسم على الحقين، وقال أشهب وعبد الملك: القول قول القابض، وكذلك لو قال: قبضت ذلك منهما، وقال الدافع: قد بينا، فالقابض مصدق مع يمينه، يريد: في قول مالك، قال: ويكون على كل صك ثلث ما اقتضى إذا كانت كلها حالة، ولو كان منها ما لم يحل، كان ذلك عن الحق الذي قد حل، ولا يقبل قول المطلوب: إن ما قضيتك عن فلان، فيحابي من أحب، ولو قال له حين القضاء: أقضيك عن فلان، فقال: لا أقبض إلا حق فلان فذلك للطالب، إلا أن يكون المطلوب محوبا، فيكون المال بينهما جميعا إن كانت حالة، ولا ينظر قول المطلوب، وكذلك في موتهما.
[10/ 138]

(10/138)


في الحميل يدفع إلى الطالب غير النوع الذي تحمل به، وصلحه فيه، وكيف إن تحمل بعرض أو طعام فوداه، بماذا يرجع؟
/ومن كتاب ابن المواز: ومن تحمل بدنانير، فدفع فيها الطالب دراهم، فأما بعد الأجل فذلك جائز، ثم لا يأخذ من الغريم الدنانير، ولكن يخرج الدنانير الغريم، ثم يشتري بها دراهم، فإن نقصت لم يكن للحميل غيرها، وإن كان أكثر فليس له الفضل، وهذا كله بعد الأجل، وكان ابن القاسم يقول: الغريم مخير إن شاء دفع دنانير، وإن شاء دفع دراهم، ثم رجع فقال: هذا حرام بين الحميل والغريم، وقاله أشهب: وهو أحب إلينا.
قالا: ولو أراد الكفيل أن يصالح في ذلك لنفسه حتى يكون له ما على الغريم، فلا يجوز له إلا ما يجوز لأجنبي أن يشتري الدين به، وبعد أن يكون الغريم قريب الغيبة يعرف الحميل ملأه من عدمه، حل الأجل أو لم يحل، فإن كان بعيد الغيبة، أو مجهول الغيبة، أو لا يعرف ملاؤه وما عليه لم يجزه، ولو كان طعاما فاستولاه الحميل لنفسه، فإن كان حاضرا وجع بينهما وهو يعرف حاله وأحاله عليه، فهو جائز، وإن كان من قرض فجائز، وإن لم يجمع بينهما، إذا عرف ملؤه ودأبه وقربت غيبته، وإنما يفترق الحميل في هذا والأجنبي في وجه واحد: أن للأجنبي شراء ما يجوز بيعه بما شاء، ولا يجوز للحميل أن يشتري به بمثل الثمن الذي نقد فيه مشتريه وإن حل.
ولو صالح الكفيل الغريم والدين دنانير لم يجز بدارهم، ولا بما يوزن ويكال من الأشياء إلا بالجزاف منه، ويجوز بما يرجع إلى القيمة من حيوان أو عرض أو غيره، لأنه يؤدي/ما عليه أو القيمة إن شاء، وهي دنانير كما عليه، وأما بما في المثل فإنما كرهته لأنه يصير عليك مخيرا، وهذا قول أشهب، وهذا الذي يرجع إليه ابن القاسم، وقاله أصحابهما.
[10/ 139]

(10/139)


وروى يحيى بن يحيى عن القاسم في العتبية: أن الحميل إذا تحمل بعرض فصالح فيه أو بعرض، يرجع إلى القيمة أن المطلوب مخير بين أن يؤدي ما ودى عنه من العين أو من قيمة العرض، ويعطيه ما كان عليه، ومن كتاب محمد: وإن كان ما عليه عرض أو حيوان لم يجز صلح الوكيل عنه على شيء من الأشياء إلا بجنس ما عليه إما أقل أو أكثر، لأنه إن وقع أكثر أو أجود فقد علم أنه إنما له مثل ما تحمل به، وإن دفع أقل فليس له غيره، ولا يجوز أن يدفع عنه نوع ما عليه ولا عينا، لأنه يصير مخيرا عليه، فإن نزل ذلك فسخته فيما بين الحميل والطالب، لأنه عقد للمطلوب، ولو كان للحميل شراء لنفسه جاز من ذلك له ما يجوز لغيره، ثم لا حجة عليه للغريم، ولا يجوز أن يستقيله عن الغريم من طعام عليه أو عرض أو غيره، فإن شاء تولى ذلك لنفسه، ولا يدفع عن الغريم بيضاء عن سمراء، ولا سمراء عن بيضاء، ولا يدفع عنه إلا مثل ما عليه، محمد: من طعام أو عين إن حل، ولا يجوز لأجنبي أن يدفع عن الغريم مثل ما عليه من طعام أو عين، وإن حل، ويحيله به، لأنه بيع، إلا أن يكون الطالب سأل في ذلك الأجنبي، أو يكون المطلوب سأله أن يقض ذلك عنه فيجوز حل الأجل أو لم يحل، فهو بخلاف الحميل، لأن الحميل يدفع عن نفسه/شرا لزمه، فيجوز وإن لم يحل الأجل.
قال ابن القاسم: والمأمور فيما يقضي عن الغريم بخلاف الحميل فيمن أمرته يقضي دراهم فقضى دنانير، فذلك جائز، وليس كل أن تعطيه إلا مثل ما أمرته، لأن ذلك عمل بين المأمور والقابض لم يكن لك منعه منه، كما لو أعطاه عبدا أو عرضا لأنه له أن يبايعه ويصارفه، وكذلك روى عيسى عن ابن القاسم في العتبية، قال محمد: وإلى هذا رجع ابن القاسم، وأما في أقل من دينار إن أمرته أن يدفع عنك نصف دينار، فدفع عنك ورقا فيها ترجع، لأن ذلك الأمر إنما يقع على الورق، وقد روى ابن القاسم وابن وهب عن مالك أنه يخير بين أن يدفع إليه الدراهم أو نصف دينار كما أمره، ثم رجع مالك في رواية ابن القاسم إلى ما ذكرنا،
[10/ 140]

(10/140)


وأما لو دفع طعاما أو عرضا فله على الآخر نصف دينار ما بلع، وقال في رواية ابن القاسم: وإنما له عليه من ذلك دراهم، ولو كان إنما دفع في ذلك دينارا فصرفه وأخذ الطالب نصفه ورد نصفه إلى المأمور، رجع المأمور بنصف دينار بالغا ما بلغ، وقد روي عن ابن القاسم أنه جعل نصف دينار كالدينار، ولا يرجع الدافع إلا بنصف إن دفع دراهم فلا يرجع إلا بمثلها إلا إن يكن تجاوز في الصرف فليرد إلى العدل وهو الذي ثبت عندنا من قول ابن/القاسم، وكذلك يرجع الأمر على القابض إن كان إنما أسلفه ذلك، وإذا دفع غير الدراهم لم يرجع إلا بنصف دينار ما بلغ يوم يستوفي، ويكون للآمر على القابض كذلك إن كان سلفا، وكذلك لو أمره يدفع إليه دينارا سلفا يرجع عليه بدينار، وكذلك يؤدي الآمر للمأمور، ولو كان المأمور وكيلا للآخر فدفع في الدينار ورقا لم يرجع الآمر إلا بدراهم، لأن وكيله بمنزلته، إلا أن يعطب ما على القابض فيضمن الوكيل بتعديه حين دفع من ماله غير ما أمره به، فيضمنه مثل الدراهم، وإن شاء أسلم ذلك له، قال أصبغ: ما لم يكن عن قرض أيكون وكيلا مفوضا إليه.
قال أصبغ عن ابن القاسم في المأمور أن يدفع عنه قراريط ذهب، فيدفع فيها دراهم، أنه يرجع بدارهم مثل ما دفع ورقه، لأن القراريط مرجعها إلى الدراهم، وقاله أصبغ.
قال محمد: وإذا أمره بدفع دينار فدفع دراهم ورجع بدينار، وكذلك يؤدي القابض إلى الآخر، قال: فإن: أحبا أن يتصارفا عند القضاء فجائز ما لم يرجع إلى المأمور من الدراهم أكثر مما دفع فانقبه لاختلاف قول ابن القاسم في الدينار يدفع فيه المأمور دراهم، فقال مرة: الآمر مخي، ثم يرجع إلى أنه لا يدفع إلا دينارا، وبمثله يرجع، وبهذا قال أصبغ.
[10/ 141]

(10/141)


قال أصبغ: قال ابن القاسم: وكان مالك مرة يقول: يرجع بدراهم، ثم قال: الآمر مخي رفي دفع دينار أو دراهم، ثم رجع إلى أن يؤدي دينارا/وبه أقول.
ومن تحمل بعبد أو حيوان أو عرض فوداه، يريد: عنده، رجع بمثله لأنه سلف، قاله مالك وأصحابه.
قال ابن القاسم: وإن تكلف الحميل شراءه بثمن فله الرجوع بمثل الثمن، ولو تحمل بطعام فاشتراه وقضاه لرجع بالثمن. قال ابن القاسم في العتبية من رواية يحيى بن يحيى: وإن وداه من عنده رجع بمثله.
من كتاب محمد: ومن تحمل بثمن طعام فوداه فله أن يأخذ من الغريم فيه طعاما، يريد: إن رضيا، وإن كان من صنفه أكثر كيلا مما اشترى أو من غير صنفه، وكذلك من تطوع بقضاء ذلك عنه وهما بخلاف البائع وبخلاف من أحاله البائع على الثمن.
وكذلك روى عيسى في العتبية نحو عن ابن القاسم، وكذلك روى عنه أصبغ سواء، وروايته أتم.
ومن كتاب محمد: ومن تحمل لك بثوب فلا تأخذ منه من صنفه قبل الأجل أرفع ولا أدنى عن نفسه ولا عن الغريم، وذلك بعد الأجل يجوز عن الغريم، ولا يجوز للكفيل نفسه إلا أن يؤدي مثله، ومن تحمل بكذا مضمون فأكرى للمكتري بأكثر مما ودى فله الرجوع بذلك على الكري، وقاله مالك.
ومنه، ومن العتبية من رواية أبي زيد، وعيسى عن ابن القاسم: ومن تكفل بطعام من بيع فدفع إليه الغريم دنانير يشتري بها طعاما ويقضيه عنه، فقضي عنه
[10/ 142]

(10/142)


من طعام عنده، فإن لم يعلمه ثم بلغه فرضي، فذلك جائز، لأنه سلف رضي له فيه بثمن، ولو كان ذلك بأمر/الغريم لم يجز، لأنه بيع فوجب أن يستوفيه الغريم من الحميل قبل أن يقبضه عنه، فدخله بيع الطعام قبل قبضه.
قال في العتبية: ولا يحل للذي له القمح أن يقبضه من الضامن حتى يكتاله الذي عليه الحق، وأحب إلي يوكل المطلوب بالقمح من يقبضه من الضامن ثم يقضيه عنه، وإن وكل الضامن فأرجو أن يكون خفيفا، وضعفه، وقال في رواية عيسى: ولعله يجوز، وما يجوز الآن حقا.
ومن العتبية من سماع عيسى عن ابن القاسم ذكر مسألة المأمور يقضي عن الآمر دراهم عن دنانير، وقد تقدمت، ثم قال في رجل لزم بصاع من قمح فأحاله على رجل فأعطاه فيه تمرا فهي كالأولى، وليس له أن يرجع إلا بثمن، وهذا إن كان من سلف، ولو كان من بيع لم يؤخذ فيه ثمن، ولو صالحه المطلوب من القمح السلف على تمر من رجل أمره بدفعه إليه، فإنما للدافع تمر.
قال ابن حبيب: قال أصبغ عن ابن القاسم فيمن تحمل بعبد أو عرض أو حيوان أو غيره مما لا يكال ولا يوزن فودى، فإن وداه من شيء كان عنده رجع بقيمته، وإن اشتراه، يريد: اشتراه ليقضيه رجع بالثمن كان أقل من قيمة ما تحمل به أو أكثر، وأما ما يكال ويوزن فيرجع فيما ودى من عنده بالمثل، وفيها اشترى بالثمن.
[10/ 143]

(10/143)


في الطالب يؤخر الغريم أو يهبه، أو يؤخر الحميل أو يصالحه، وفي الحميل يأخذ المال من الغريم ليقضيه فيتلف، وهل له ذلك؟ وكيف إن قدم الغريم وقال: قضيت الطالب؟
/من العتبية وكتاب ابن المواز: قال أشهب عن مالك فيمن له حمل بحق فأخر غريمه بعد محله سنة مؤتنفة، فقال الحميل: قد انفسخت حمالتي، قال مالك: الحمالة عليه قائمة ولا يقدر المحتمل له أن ينظر غريمه قبل يقول الحميل: أنت أخذته حتى فلس، قال: لو شاء هو لقام به.
قال في العتبية يحيى بن يحيى عن ابن القاسم: قال: وإذا تحمل رجل بحق فلما حل الأجل فقضى الغريم الطالب بعض حقه وأنظره بما بقي إلى أجل، فلما حل الأجل قام على الحميل فقال له: لما أنظرت غريمك فذلك أبرأ لي، قال: لا يبرأ بذلك، والحمالة قائمة حتى يقبض جميع حقه.
ومن كتاب ابن المواز: قال أشهب عن مالك فيمن أخذ حميلا بحقه وارتهن به حائطا فلما أثمر دفع إليه ربه جميع ثمرته في دينه، وأخره بما بقي إلى أجل، قال: لا يبرأ الحميل ما لم يقم الحميل وينظر لنفسه، وعسى أن يلزمه اليمين: أنه ما أبرأه.
قال في الكتابين أشهب عن مالك فيمن باع سلعة وأخذ حميلا، وكتب: أيهما شاء أخذ بحقه، فمات الغريم، فبيعت تركته كلها، فاستوفى ثلثي حقه، ثم حلل الميت مما بقي، فقال له الحميل: قد برئت، قال: يحلف بالله: ما وضع إلا للميت، ثم هو على حقه، قال محمد: فيها شيء، وقال في موضع آخر: فيها نظر، وفي موضع: ذكرها عن مالك، قال: محلل الميت، ثم طلب الحميل، قال: يكون ما أخذ بين الحقين بالحصص، ويحلف: ما/وضعت إلا للميت، ثم يكون على الحميل حصته من ذلك.
[10/ 144]

(10/144)


من كتاب محمد: قال ابن القاسم: وليس للحميل أخذ الحق من الغريم ليقضيه، وله طلبه ليدفع بنفسه، فإن قبضه منه على الاقتضا فهو ضامن له إن تلف، كان محمد يغاب عليه أو لا يغاب عليه، قبضه بطوع أو بقضاء سلطان، وقد أخطأ السلطان إن جبره على ذلك، وإن قبضه على الرسالة لم يضمن، ويقبل قوله في تلفه بلا بينة، وإن اتهم حلف، قال للطالب أن يكلف الحميل بملازمة الغريم ليدفع ما عليه وهو مليء.
قال ابن حبيب عن أصبغ: وإذا أراد الحميل أن يأخذ من الذي تحمل به الحق بعد محله، والطالب غائب، وقال: أخاف أن يفلس، قال: ينظر السلطان فإن كان يخاف عدمه قبل قدوم الطالب، أو كان لا يخاف عدمه لكثره ماله، إلا أنه كثير اللدد والمطل، فليعد الحميل عليه، وينظر فإن كان الحميل من أهل الملأ والوفاء، أقر ذلك في يديه، وإلا أودعه، وكان ذلك براءة للحميل والغريم، وضمان المال فمن الغائب، فإن كان المطلوب من أهل الملأ والوفاء، فليس للحميل أن يأخذ ذلك منه.
ومن كتاب ابن المواز: قال ابن المواز: قال ابن القاسم: وإذا كان له حق على رجلين بعضهما حميل عن بعض، وأيهما شاء أخذه بحقه، فأخذ أحدهما فسجنه وترك الآخر، فأراد المحبوس أن يحبس معه صاحبه، قال: ذلك له أن يسجن له.
قال محمد:/وقال أشهب: في ظني فيمن أخذ غريمه بعد الأجل أن ذلك تأخير للحميل، إلا أن يأبى الحميل، فذلك له، ويقال للطالب: إما أسقطت الحمالة فيجوز تأخيرك، وإلا فاحلف: أنه ما أردت بتأخير الغريم إسقاط الحمالة، فإن حلف بطل تأخيره، إلا أن يشاء ذلك الحميل، وإن علم الحميل بتأخيره فسكت حتى حل الأجل والحمالة لازمة، وكذلك إن لم يعلم حتى حل الأجل إذا حلف الطالب أنه ما أخره رضي بترك الحمالة، فإن نكل سقطت الحمالة، قال: وإن أخر الحميل وطلب الغريم ثم حلف: ما ذلك تأخير للغريم،
[10/ 145]

(10/145)


فإن نكل كان تأخيرا لغريم معه، وكذلك لو وضع عن الحميل حمالته أو بعضها كان الحد كله قائما على الغريم.
ومن العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم فيمن أخذ بثمن سلعة كفيلا، وكتب: أن يأخذ أيهما شاء، ثم أمره بقبض الثمن فقبضه، ثم زعم أنه ضاع، قال: إذا كان أيهام شاء أخذ بحقه فهو والبيع سواء، وإن كان على وجه الوكالة على قبضه فهو بريء في الحمالة، ولو كان شريكا في البيع بريء من نصف الحق، وإن أمره بأخذه على وجه التعاطي لم يجعله وكيلا له فهما ضامنان جميعا.
ومن كتاب ابن المواز: قال: يريد: ابن القاسم: وإذا غاب الغريم فغرم الحميل الحق، ثم قدم الغريم فأقام بينة أنه دفع إلى الطالب، فلينظر فإن كان الحميل فهو دفع قبل الغريم وبعد الأجل؟ فله الرجعة/به على الغريم، لأنه دفعه كان بحق، ويرجع الغريم بما دفع إلى الطالب، وإن كان الغريم هو الدافع إلى الطالب إلا فلا يتبعه الحميل، ولكن يرجع على صاحب الحق بما دفع إليه، وإن جهل أمرهما فلا يعرف الأول لم يكن للحميل أن يتبع إلا من دفع إليه ن وهو صاحب الحق، إلا أن يكون له بينة أنه الدافع الأول أو بقضاء من السلطان بعد أن يحلف الغريم: أنه دفع أولا، فإن نكل حلف الحميل وأغرم الغريم، فإن نكلا لم يكن للحميل شيء على الغريم.
ومن العتبية: قال عيسى بن دينار: وإذا أنكر الحميل الحمالة فصالحه الطالب على بعض الحق في غيبة الغريم، ثم قدم فله أن يرجع عليه ببقية حقه، ويأخذ منه الحميل ما ودى عنه.
[10/ 146]

(10/146)


فيمن ادعى دابة فضمن له رجل ما جاء فيها، فمات بيد الآخر.
ومن باع عبدا وأعطي به حميلا، والمدعي فيها يذهب بها إلى موضع بينته ويعطي حميلا بقيمتها
من العتبية: قال سحنون فيمن ادعى دابة بيد رجل، فضمن له رجل ما جاء فيها، فخلا عنه، فأخرجت إلى الرعي يوما آخر فماتت، قال: يضمنها إذا أثبتها المدعي عند القاضي وقضى له بها.
وقال عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب في رجلين اعترفا دابتين سرقتا لهما، فقال من هما بيده: أعطياني حميلا بقيمتها واذهبا بها إلى بلد بينتكما، فإن أثبتما ذلك عند قاضي بلدكما سقطت الحمالة، وإن لم تثبتا ذلك أخذت الحميل بالقيمة إلى الأجل، فتحمل أحد الطرفين بقيمتها وذهبا بهما فهلكتا قبل/يقضي لهما، فأخذ الحميل منهما فودى القيمة ورجع على صاحبه فقال له: أنت تعلم أني محق، وأن الدابة لي فلا ترجع علي، قال: يلزمه غرم ما ودى عنه إذا تحمل عنه بأمره إن كان ودى، وإن لم يؤد رجع المتحمل له عليهما فأغرم كل واحد النصف إن تحمل بإذن صاحبه، قال أشهب: يغرم له ما غرم عنه، إلا أن يستحق الدابتين فيرجع الحميل بما وفى على من كانتا في يديه فيأخذه.
قال ابن حبيب: قال أصبغ: ومن اعترف عبدا بيد رجل فيأخذ به عليه حميلا حتى يثبت بينته، فزعم أنه أبق، قال: يضمن، وأما الموت فلا يضمن لأن الموت معروف.
قال ابن حبيب عن أصبغ فيمن ابتاع من رجل عبدا على أن يعطيه به حميلا فمات العبد قبل يقبضه المبتاع، أو بعد أن قبضه قبل أن يعطيه الحميل، فمصيبته
[10/ 147]

(10/147)


من المبتاع، وإن كان له رده إذا أبى أن يعطيه حميلا، وهذا أحب إلي من قول ابن كنانة: إن الضمان من مشترط الخيار، ومشترط الخيار كان له الرد، وهذا لم يكن رد حتى يعجز صاحبه عن الحميل فيكون هو حينئذ مخيرا في الرد.
في حمالة من أحاط الدين بماله، وحمالة ذات/الزوج، والعبد، والحمالة بالمولى عليه، وحمالة المريض، وإقراره، وحوالة السيد على عبده، أو يكرهه على الحمالة
من كتاب ابن المواز والعتبية: قال مالك: لا يجوز حمالة من أحاط به الدين كصدقته، وهي من المعروف، وتفسخ، قال ابن القاسم: ولا تسعة فيها بينه وبين الله، ومن كتاب محمد: قال أصبغ: وهي كحمالة ذات الزوج في الكثير، ثم إن طلقت وأيسر هذا المعدم ولم تفسخ فهي ثابتة، إلا أن يكون قد كان الزوج أسقطها عن زوجته، والغرماء عن غريمهم.
قال مالك: حمالة ذات الزوج جائزة ما لم تجاوز ثلث مالها، وإن كان بأبيها أو أخيها، محمد: أو أجنبي، قال: فإن جاوزت الثلث فللزوج رد جميعه.
قال مالك: وتجوز حمالتها بزوجها بمالها كله إن كانت طائعة، فإن ادعت إكراهه كشف عن ذلك.
وقال المغيرة في غير كتاب ابن المواز: إذا تصدقت بأكثر من الثلث لم يرد منه الزوج إلا ما جاوز الثلث.
قال محمد: قال أشهب: أما حمالتها لزوجها لأجنبي فذلك لازم، ولا يقبل دعواها الإكراه إلا ببينة، قال محمد: فإذا قامت البينة بالإكراه، سقطت الحمالة، علم الأجنبي بالإكراه أو لم يعمل، قال أشهب: فإن لم تقم بينة فإن كان الأجنبي
[10/ 148]

(10/148)


منهما يعلم ذلك كالقريب الجوار وشبهه، حلف الأجنبي: أنه ما علم ذلك، فإن نكل حلفت: لقد علم وبرئت، وأما غير الجار ممن لا يظن به علم ذلك فلا يحلف، وأما حمالتها بغير الزوج للزوج ويدعي/الإكراه، فإن كان ظاهر الإساءة لها بالبينة وقلة ورعه فيها، وتحامله بما لا يحل له، معروف أنها إن لم تفعل فعل بها ما لا يحل، فإنها تحلف وتسقط الحمالة، وإن كان على غير ذلك حلف الزوج: ما أكرهها وثبتت الحمالة.
قال محمد: وحمالة المريض في ثلثه لأنها من ناحية العطية عند مالك وأصحاب لا كالبيع.
قال ابن القاسم: ثم إن داين الناس في مرضه حتى أحاط به الدين، بطلت الحمالة، قال محمد: ولو صح ثم مرض كانت من رأس ماله.
وقال أشهب: إن حمالة المريض جائز ما لم يدخل على أهل دينه نقص بها، ولا يكون المتحمل به مليا ويكون المريض متهما في إحياء حقه، وإذا كان مليا جازت بكل حال.
وقال عبد الملك: إن كان المحمول به مليا فهي لازمة، وإن كان عديما بطلت ولم تكن في الثلث إذ يرد بها الوصية.
قال محمد في المريض وله دين على رجلين وقد تحمل بعضهما ببعض، وأحدهما وارثه فأقر أنه قبض منه جميع الحق فلا يجوز إقراره، والحمالة قائمة كانا مليين أو معدمين، لأنها وصية لوارث أسقط ما عليه وجعل له اتباع الأجنبي، وإن اقر أنه قبض الحق من الأجنبي جاز إقراره، وسقط الحق عنه، إن كان مليين، لأن الأجنبي يتبع الوارث ولم يسقط عن وارثه شيئا لأن صاحبه ملي لا يغرم بحمالته شيئا، وإن كانا معدمين لم يجز إقراره، ولم تسقط عنهما حمالة ولا دين، لأن الوارث إن أيسر أولا صارت وصية له، لأنه أسقط عنه ما يلزمه في نفسه وعن الأجنبي، وأما في عدم الأجنبي وملأ الوارث لا يجوز، لأنه يزيل عن/وارثه واجبا إن أقر له فلا يجوز للأجنبي، لأنه يزيل بذلك الطلب عن وارثه.
[10/ 149]

(10/149)


وإن أقر المريض أنه قبض ديته من وارثه وله به حميل أجنبي لم تسقط الحمالة عنه لبقاء الحق على الوارث، وإن مات هذا من مرضه قال: ولو أسقط الحمالة لم يجز إسقاطها لأن ذلك يضعف فرضه وينقضه.
ولو أقر أنه قبضه من الحميل جاز إقراره ويتبع الأجنبي الوارث، كما لو أوصى للأجنبي بالحق، وكذلك لو أقر أن الحق له أو بغيره جاز إقراره، وإن لم يدع غيره.
قال: وحمالة العبد بغير إذن سيده باطل، وإن كان مأذونا له في التجارة، وتجوز بإذنه في المأذون وغير المأذون، وتكون في ذمته. وقال عبد الملك: إنه تجوز حمالته.
قال: وللسيد إكراهه على الحمالة ما لم يكن على العبد دين محيط. وقول ابن القاسم: لا يكرهه، والأول أحب إلينا.
ومن أحال غريمه على عبده أو مكاتبه فمات فلا شيء أو فلس، أو عجز المكاتب رجع الطالب على السيد أحاله على المكاتب بأول نجم أو بآخره، قال أصبغ عن ابن القاسم: وهذا إن أحاله على غير أصل دين، فأما لو أحاله بدين له على عبده أو مكاتبه، لم يرجع على السيد بحال في عجز ولا غيره، وبطلت ذمته، وكذلك هذه المسألة في العتبية من رواية أصبغ.
ومن كتاب محمد: ومن أحال على عبده المأذون الملي بمائة دينار من غير دين ففلس العبد، فحاص/غرماءه، فأصابه نصفها لرجع هو والغرماء على السيد بالمائة يأخذ المكفول له بما بقي له، ويأخذ الغرماء غيره ما أخذ منهم بسبب الحوالة، فإن لم يكن عند السيد شيء بيع العبد في ذلك، محمد: وإنما ذلك يريد: في حمالة العبد ما لم يكن على العبد دين محيط وبيده مال بقدر حمالته فأكثر، ومن تكفل عن عبده ثم عتق فله اتباعه بما ودى عنه.
ومنه ومن العتبية من سماع ابن القاسم: وإذا تكفل عن عبده إلى أجل، ثم باعه وانتزع ماله وطلب الطالب تعجيل ماله فليس ذلك له، وذكر مسألة
[10/ 150]

(10/150)


مالك فيمن باع من عبده المأذون وارتهن به رهنا، ثم فلس العبد، فإن كان الدين يشبه معاملة العبد، كان الرهن له رهنا إن أثبت الدين ببينة، وإن لم يكن لمثله مداينته بطل الرهن، وإن كانت له بينة لأنه لم يرتهن بصحة وهو توليج، وحاص بقيمة سلعته إن ثبت ذلك ببينة في الرهن وفي غيره، وليس كالأجنبي يحابي في البيع ويرتهن.
وقال أصبغ: أرى أن يكون السيد أحق من الرهن بمبلغ قيمة السلعة، قال عبد الملك: ومن تحمل برجل فإذا هو مولى عليه لزم الحميل الغرم، ولم يرجع هو ولا الطالب عليه بشيء، ولو أن الطالب عامل المولى عليه قبل هذه الحمالة لم يلزم الحميل شيء، قال: ولو كان مما يلزم اليتيم مثل أن يكون لليتيم الدار والحائط، فيسلفه النفقة فهذا يلزم الحميل.
قال ابن القاسم: إذا تحمل بالصبي فيما يلزم الصبي/لزمه ورجع به في مال الصبي.
ومن العتبية: قال أصبغ: من اشترى من سفيه أو من بكر وأخذ حميلا بما لزمه من قبلهما، فأبطل البيع وأبطل الثمن عنهما: أن الحميل يلزمه غرم الثمن، ولا يرجع به على أحد، ولو قال: ضمنت لك ما يدركك من السفيه لم أره شيئا، لأنه لا يدركه من السفيه، إنما أدركه بسببه، إلا أن يكون السفيه هو الذي قام بذلك في ولايته أو بعد رشده حتى فسخ ذلك، فلذلك الرجوع على الضامن عنه.
في الحمالة بدين مجهول، الوارث يتحمل بدين أبيه على أن يؤخر
من كتاب ابن المواز: قال مالك: من أوصى ولده أو غيرهم أن يضمنوا عنه دينه، فذلك جائز، سمى الدين أو لم يسمه، والغرماء حضور أو غيب، في الصحة أو في المرض.
[10/ 151]

(10/151)


قال أشهب: ومن مات وعليه دين فقال رجل أنا حميل بما عليه فذلك يلزمه ولا رجوع له، فإن لم يكن للميت مال يوم تحمل لزمه الغرم ولا رجوع لها بما غرم في مال إن طرأ للميت، ولو كان للميت يوم تحمل مال يعلم به رجع فيه إن قال: إنما تحملت لأرجع به.
ومنه ومن العتبية من رواية عيسى عن ابن القاسم عن مالك، قال مالك فيمن مات وعليه من الدين مالا يدري كم هو، وترك مالا، قال في العتبية في عين وعرض لا يدرى كم هو ولم يحصل، فتحمل بعض ورثته بجميع دينه، يريد: إلى أجل على أن يخلى بينه وبين ماله، فإن كان فيه فضل بعد وفاء الدين كان/بينه وبين الورثة على فرائض الله عز وجل، وإن كان نقصا فعليه وحده، فذلك جائز.
قال في العتبية لأن ذلك منه على وجه المعروف وطلب الخير للميت ولورثته، كان الذي تحمل به عن الميت نقدا أو إلي أجل، قال في الكتابين: وأما إن كان له الفضل بعد وفاء الدين وعليه النقصان فلا يجوز، لأنه غرر وغير وجه من الفساد، وصار كالبيع يحله ما يحله، قال: ولو كان وارثا واحدا كان جائزا.
قال: ولو طرأ غريم لم يعلم به الابن فعليه أن يغرم له ولا ينفعه قوله: لم أعلم به، وإنما تحملت بما علمت.
قال مالك فيمن مات وعليه ثلاثة آلاف دينار، ولم يترك غير ألف دينار وولد لا يرثه غيره، فسأل غرماء أبيه أن يدعوا الألف بيده، وينظروه سنين، ويضمن لهم بقية دينهم، فرضوا، فذلك جائز قال ابن القاسم: وبلغني عن ابن هرمز مثله، قال مالك: وإن كان معه ورثة غيره وأدخلهم في فضل إن كان، فذلك جائز فإن طرأ غريم لم يعلم به لزمه أن يغرم له.
[10/ 152]

(10/152)


في الحميل يدفع إلى الطالب من عند نفسه ما أخذ من المطلوب بغير بينة، أو يدفع المطلوب بغير بينة
من العتبية: وري عيسى عن ابن القاسم في الحميل بعشرة دنانير يأخذها من الغريم ليدفعها إلى الطالب ليدفعها إلى الطالب، فدفعها إليه بغير بينة فجحد، فالحميل ضامن حين لم يشهد إلا أن يدفعها بمحضر المطلوب فلا يضمن الحميل/، ويغرمها المطلوب ثانية لأنه غرر بنفسه، ولو دفعها الحميل من عند نفسه بلا بينة بمحضر من المطلوب وهو يشهد عليه وقد جحد، قال: يؤديها الغريم إن كان مليا للطالب ولا يتبعه الحميل بما ودي عنه، ولو أن المطلوب وداها بمحضر الحميل فليؤدها الغريم فللحميل الرجوع عليه بعشرين، وفي رواية عيسى: لا يغرم غلا عشرة، قال عنه أبو زيد: وإن دفها بغير محضر الغريم لم يرجع عليه إلا بعشرة.

جامع مسائل مختلفة
من العتبية من سماع عيسى عن ابن القاسم: ومن خرج في قتال نائرة فضمن له رجل من الناس عقل جرحه، فذهب ثم طلبه بذلك فقال: لا أضمن، قال: ذلك يلزمه إذا كان على وجه الحمالة والإصلاح بين الناس إذا كان قد قبل ذلك من المجروح، وذلك في الخطأ مما فيه دية، أو في العمد إذا اصطلحوا على الدية.
ومن قال لعبده: إن جئتني بألف درهم فأنت حر فتكفل بها رجل وعجل عتقه، قال: يلزمه الحمالة ويرجع الحميل على العبد بما أدي، وهي حمالة في حرية ثبتت، كمن قال:/أعتق عبدك ولك علي كذا إلى أجل.
[10/ 153]

(10/153)


ومن سماع ابن القاسم: ومن ابتاع من غريب شيئا ثم سأله بعد يوم التعريف به، قال: لا يلزمه ذلك، إلا أن يشترط ذلك عند البيع، أرأيت الذين يبيعون الإبل والغنم أعليهم معرفة، أو على أهل منى؟.
ومن سماع عيسى عن ابن القاسم، وعن من له دين على رجل إلى أجل، فيقرب الأجل فيريد الغريم سفرا، فطلب منه الطالب حميلا لئلا يحل الدين في غيبته، قال: ينظر السلطان، فإن رأى أن الدين يحل قبل تقضي سفره، أمره بحميل، وإلا فليس ذلك عليه، ويحلف بالله: ما يخرج إلا مثل ما يخرج الناس في التجارة والحوائج القريبة مما يأتي مثل أجله.
وروى عنه أبو زيد في الغريم له مال غائب، فقال له غرماؤه: أعطنا حميلا حتى يأتي مالك، فليس لهم ذلك عليه إلا أن يخاف عليه أن يهرب أو يغيب.
وروى عنه عيسى فيمن قضى غريمه عشرة دنانير، فذهب بها لربها ليزنها فوجدها قبيحة الوجوه أو ناقصة الوزن فردها، فقال له: إنما أخذتها من فلان فاذهب بها إليه بيبدلها، فذهب لذلك فوقعت منه، فإن كان حين ردها إليه قبضها منه ثم ردها إليه ليذهب في بدلها فضمانها من الذي عليه الحق، وإن لم يكن قبضها منه، فهي ممن سقطت منه.
قال ابن حبيب: قال أصبغ: وإذا أخذ الطالب من الغريم عبدا بدينه، ثم استحق فرجع على الغريم، إن الحميل قد برئ، لا تعود عليه حمالة. وفي باب الحمالة بالعقود الفاسدة ما يشبه هذا./
قال أصبغ: قال ابن القاسم في رجلين اشتريا سلعة، فقال البائع: لا أكتب الثمن إلا على أحدكما فكتبه عليه وقبضا السلعة، فقال المكتوب عليه لشريكه: لا أعطيك من السلعة شيئا حتى تأتين بثقة أو تنقدني، فليس له ذلك، وهو قد تحمل، والحمالة تلزمه. هذه المسألة في العتبية، كتبتها في التفليس.
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك فيمن تكارى من رجل وتحمل عن الكري حميل، والكري مديان، فوثق حميله بأن باع بعيرين وأعطاه أثمانهما، وقال:
[10/ 154]

(10/154)


إن رهقني شيء فهذا معي بكراية يكتري له به، ففلس الكري، هل يدخل غرماؤه فيما وضع بيد الحميل لذلك؟ قال: الحميل أحق بذلك منهم كالرهن ما لم يخرج الحمال بأكريائه، فلو خرج بهم ثم فعل هذا لدخل في ذلك غرماؤه.
قال محمد بن عبد الحكم فيمن ادعى على رجل بمائة دينار، وأنه تحمل بها رجل وهما منكران، فأقام عليهما البينة فأخذ بها الحميل فأداها، فإنه ليس للحميل أن يرجع بها على الغريم لأنه يقول، إنما ظلمه فلا آخذ من هذا شيئا.
ومن العتبية من سماع ابن القاسم قال مالك: وإذا اشترى رجلان سلعة بثمن مؤجل، وكتب أحدهما الثمن على نفسه ليمكن صاحبه السفر، فبيعث السلعة، فطلب الذي ليس عليه الكتاب قبض نصف الثمن، فأبى عليه الذي كتب الثمن عليه، وقال: أنا المطلوب وغلب على حبسه، فلما حل الأجل قال: ضاع منه عندي عشرة دنانير، قال: هو لها ضامن، وكذلك لو قال: سرق/مني المال لضمنه، ولو استأدى عليه أولا حين منعه لقضي عليه أن يدفع نصف الثمن إلى صاحبه.

في الحوالة وجامع مسائلها
من كتاب ابن المواز: قال محمد: لا تكون حوالة إلا على أصل دين، وإلا فهي حمالة.
قال ابن حبيب: وقال ابن الماجشون: الحوالة جائزة، وإن لم يكن للحميل دين على المحال عليه، وبه أقول لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ومن على ملي فليتبع.
محمد: وإذا أحالك على أصل دين فهي براءة للحميل لا يرجع عليه في فليس المحال عليه أو موته.
[10/ 155]

(10/155)


قال مالك: ولو أحاله على مفلس وهما عالمان به فلا رجعة له ولو لم يعلم المحال كان له أن يرجع على المحيل إذا غره أو كتمه شيئا علمه منه، مثل أن يكون مفلسا، أو قد غرق في الدين أو غير ذلك. قيل لمالك: أفعلى الغريم شيء؟ قال: ينظر القاضي فيه فإن كان يتهم في ذلك أحلفه، وإنما تجوز الحوالة إذا حل ما تحيل به أحلت على ما قد حل أو لم يحمل إذا كان في صفته وفي جنسه، وجاز ذل قول النبي صلى الله عليه وسلم: ومن اتبع على ملي فليتبع، فأما إذا لم يحل دينك فلا تحيل به على دين قد حل أو لم يحل، ويصير دينا بدين وذمة بذمة، وقد جاء النهي عنه. قال مالك: ومن أحلته بدين على رجل ثم تبين أنه ليس لك إلا بعضه فإنه تتم الحوالة فيما يساوي ما لك عليه، ويصير الباقي حمالة يتبع بها أيهما شاء، وقاله ابن القاسم.
قال محمد: وإذا كان له عليه خمسون دينارا فأحالك عليه/بمائة فمات الحميل وعليه لغيرك مائة، وترك مائة، والذي أحالك عليه غائب، والذي مات يحل ما عليه، ف إنك تحاص غرماءه بالمائة كاملة، فيصيبك بالحصاص خمسون، فمنها خمسة وعشرون عن الحول وخمسة وعشرون عن الحمالة فما كان منها عن الحمالة صار دينا للميت على المحيل الغائب، ولك أنت عليه بقية الخمسين التي هي حمالة، وذلك خمسة وعشرون والميت لك بها حميل، وبقي لك على الميت خمسة وعشرون بالحول لا يرجع بها على أحد، فإذا قدم الغائب أخذت منه الخمسين التي عن الحمالة لنفسك، فالذي صار للميت منها تضرب فيه أنت بما بقي لك على الميت من الحول خاصة، وهو خمسة وعشرون، وغرماء الميت بما بقي لهم، يريد محمد: وهو خمسون، فتأخذ أنت ثلثها وهو ثلثيها. قال محمد: وإن لم يوجد في مال العادم إلا خمسة وعشرون لزمك رد نصفها وهو اثنا عشرة ونصف إلى الميت، ثم تحاص أنت منها غرماءه بما بقي لك من الحول والحمالة، وقد بقي كل من الحول خمسة وعشرون، وعن الحمالة اثنا عشر ونصف، فلما رجع
[10/ 156]

(10/156)


إليك من مال العادم خمسة وعشرون صار كأنه لم يجب لك على الميت بالحمالة إلا خمسة وعشرون، وبها كان ينبغي أن تحاصص فصار يصير لك أثنا عشر ونصف، إذ صار لكل غريم نصف حقه، فعليك أن ترد اثني عشر ونصفا ثم تحاص فيها أنت وغرماء الميت ثانية كفضلة من ماله، فتضرب أنت/فيها بما بقي لك، فذلك سبعة وثلاثون ونصف، ويحاص المحيل بها غرماءه في الاثني عشر ونصف، فما نابك فثلثاه للحول وثلثه للحمالة، ويصير جزء الحمالة دينا للميت على المحيل، قال: فإن لم يوجد للقادم إلا عشرون، أو كانت هي التي أصابك في الحصاص، فينبغي إن ترك عشرة تحاص فيها أنت بما بقي لك، وغرماء الميت بما بقي لهم، وبقي لك أنت بالحمالة خمسة عشر، ومن الحول خمسة وعشرون، وذلك أربعون، فما صار لها منها فخمسة أثمانه عن الحول، وثلاثة أثمانه عن الحمالة، وإنما دررت الآن العشرة لأنك لما أخذت عشرين من مال العادم عن الحمالة علمنا أن بثلاثين كان ينبغي أن يحاص من الخمسين التي للحمالة في مال الميت. فيتمسك بنصف خمسة عشر من الخمسة، لأن كل غريم أخذ نصف حقه أولا، ويرد عشرة يكون فيها الحصاص، فإذا أحلته على ثمن سلعة بعتها من رجل وهو ملي ثم استحقت السلعة أو ردها عليك بعيب، قال ابن القاسم: الحول ثابت يؤديه ويرجع به عليك، قال: وبلغني ذلك عن مالك. وقال أشهب: الحول ساقط، ويرجع غريمك عليك، وكذلك لو قبض ما أحلته به لرجع به عليه من دفعه إليه، قال محمد: هذا أحب إلي، كما لو بيع على مفلس أو ميت متاعه، وقبض غرماؤه من متولي بيعه أو من المشتري بحوالتهم عليه، ثم استحق ما بيع فليرجع المشتري بالثمن على من قبض الثمن، وهذا قول أصحاب مالك كلهم.
قال فيه وفي العتبية من سماع أصبغ وأبي زيد عن ابن القاسم قال: ومن/باع بمائة دينار ثم تصدق بها على رجل وأحاله بها وأشهد له، ثم استحق العبد أو رد بعيب، قال: قال ابن القاسم: ومن حمل عن ناكح صداقه في عقد نكاحه فهو له لازم في حياته وبعد مماته، وأما حمله بعد عقد النكاح، واحتالت عليه به المرأة،
[10/ 157]

(10/157)


وأشهد على ذلك، فذلك جائز لازم في الحياة، ويسقط بعد الموت كالعطية لم تقبض، ولا تكون الحوالة إلا من أصل دين، وقال ابن الماجشون: تلزمه بعد موته، لأن الحوالة عندي تلزم، وإن لم تكن على أصل دين، كما إذا قال: بع منه ثوبك والثمن علي، فكذلك هذا كأنه قال: أعطه من مالك كذا ومثله لك علي.
في الحوالة على غير دين، وكيف إن شرط المحيل أنه بريء بذلك، أو شرط أنه إن فلس المحال عليه رجع؟ وفي الحميل يعطى على أن يأخذ من شاء بحقه
من كتاب ابن المواز: قال أصبغ عن ابن القاسم فيمن أحال رجلا على رجل ليس له عليه دين وشرط أنه بريء بذلك وشق الصحيفة، قال: ذلك لازم وله شرطه، قال محمد: إلا أنه إن فلس المحال عليه قبل يدفع إلى المحال حقه، فليرجع المحتال على من أحاله، لأنه لو دفعها إليه المحال عليه كان له الرجوع به على المحيل، وروى أشهب عن/مالك أنه إن فلس المحال عليه أو مات فليرجع المحتال على المحيل، إلا أن يكون أحاله على أصل دين فلا يرجع على الأول، قال وما لم يفلس أو يمت فليس له أن يأبى من الدفع إلى المحتال عليه.
قال ابن حبيب: قال مطرف عن مالك: إذا شرط الغريم على الحميل: إن خفي عليك، لا أطلب به غريمي لشر عرفه منه، أو قبح مطالبة، أو لامتناع بسلطان، فالشرط جائز وحقه عليه، حضر الغريم أو غاب في ملئه وعدمه، إلا أن يشاء أن يرجع إلى غريمه، قال ابن الماجشون: الشرط باطل، وهي حمالة لا يطالب الحميل إلا في غيبة الغريم أو عدمه، وهي سنة الحمالة حتى يسمي الحوالة فيقول: احتال عليك من حقي، فحينئذ يكون حقه عليه لا يرجع به على الأول، وما دام له الخيار في الرجوع إلى الأول فهي سنة الحمالة، وقال أشهب وابن كنانة مثله إنه كالحميل، وقال ابن الحكم وأصبغ مثل قول مطرف، وروايته عن مالك، ورواه ابن القاسم عن مالك، وبه أقول، قال أصبغ: وكان ابن القاسم إنما يقول في القبيح المطالبة أو ذي السلطان، ونحن نراه في كل أحد إذا بين وحقق.
[10/ 158]

(10/158)


ومن العتبية من سماع ابن القاسم: ومن أحلته على غريم لك بدين ثم تبين أنه إنما لك عليه بعض ما أحلت هذا به، فينظر، فما قابل ذلك فهو حول، وهو في الباقي كحميل.
ومن سماع عيسى عن ابن القاسم: وإذا قال الحميل: علي حقك ودع صاحبك لا تكلمه، فإن الحق عليه، وإن كان المحيل مليا فالمحال مخبر فيه وفي المحيل.
وإذا/كتب: على المحيل طلبك، ولست من الغريم في شيء، أو كتب: إن حقه عليهما حيهما عن ميتها، أو أيهما شاء أخذ بحقه، فحقه لازم للمحيل، وإن كان الغريم مليا فله أخذ الحميل بحقه إن شاء، وإن لم يكن كذلك قال مالك: يستأني بالغريم إلا أن يغيب أو يفلس.
وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في المطلوب يذهب بالطالب إلى غريم له فيأمره بالأخذ منه، ويأمر الآخر بالدفع له فيتقاضاه فيقضيه البعض أو لا يعطيه شيئا: أن الطالب أن يرجع إلى الأول، لأنه يقول: ليس هذا احتيالا بالحق، وإنما أردت أن أكفيك التقاضي، وإنما وجه الحول أن تقول: أحيلك بحقك على هذا وأبرأ إليك بذلك.
ومن كتاب ابن المواز: ومن شمن حقا وشرط للطالب أن يأخذ من شاء بحقه ويبدأ بمن شاء، قال: قول ابن القاسم: إن له أن يبدأ به ويطلب الذي عليه الحق، وله أن يأخذ ممن شاء.
وقال أشهب ورواه عن مالك فيمن كتب حقه على رجلين أن يأخذ الحي عن الميت، والحاضر على الغائب، وأيهما شاء أخذ بحقه، فليس له أن يأخذ هذا فيبيع داره والآخر حاضر مليء، وأما في عدم صاحبه أو غيبته فذلك له.
[10/ 159]

(10/159)


قال أصبغ عن ابن القاسم: إذا شرط على الحميل: أن حقي عليك، أو كتب عليهما أن يأخذ أيهما شاء بحقه، أن ذلك يلزم الحميل أن يأخذه وحده، وأن كان الغريم حاضرا مليا لا علة به، ولا يكون عليه أن يبدأ بالغريم، والناس عند شروطهم ما لم يكن شرطا حراما، وإنما يبدأ بالغريم إذا لم يكن شرطا، وكانت حمالة مبهمة، وقد كان مالك يقول في المبهمة: يأخذ أيهما شاء، ثم رجع.
ومن احتال على/رجل بغير حق للحميل عليه، ثم دفع المحيل ذلك الحق للحميل ثم فلس أو مات فرجع الطالب على غريمه وقال: كانت حمالة، وقال الغريم: قد كانت ثم صارت حولا، قال: للطالب أن يرجع على غريمه، ثم يرجع الغريم على الحميل بما أعطاه، وإذا كانت لك وديعة عند رجل فأحلت صاحب دينك على من عنده الوديعة بها وضمنها له، وقال: هي لك علي حتى أعطيكها، فمضى ليعطيه إياها فوجدها قد ضاعت، فهو مصدق، ولا شيء عليه فيها، ولكن يضمن للطالب يعطيه قيمتها، فإن كان أقل من دينه رجع بما بقي على غريمه.
ومن العتبية: قال سحنون سئل المغيرة عن من أحلته بدينه على غريم لك، على أنه نقص أو فلس رجع عليك فهو حول ثابت، وهو أحق به لو فلست، إلا أنه له شرطه إذا فلس من أحلته عليه فله طلبك.
ومسألة من أحال على عبده أو مكاتبة في باب حمالة من أحاط الدين بماله. وذكر التداعي في الحول قد تقدم في باب التداعي في الحمالة.
[10/ 160]

(10/160)