النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه

كتاب الإكراه
القول في الإكراه على القول وعلى الفعل
/من كتاب ابن سحنون ومن غيره: قال الله تبارك وتعالى: (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) وقال: (إلا أن تتقوا منهم تقه)، وقال النبي عليه السلام لعمار بن ياسر لما فتنه المشركون حتى تكلم بالكفر، فقال له: إن عادوا فعد. وروي أن فيه نزلت الآية، قاله قتادة وغيره، أخذه بنو المغيرة فغطوه في بئر حتى أمسى يقولون له أكفر بمحمد وأشرك، فتابعهم على ذلك فأنزل الله الآية، وروي أن النبي عليه السلام قال: حمل عن أمتي الخطأ والنسيان وما أكرهوا عليه. [ابن حبيب] عن مطرف وابن الماجشون عن مسلم بن خلف عن سعيد بن أبي صالح عن ابن عباس عن النبي عليه السلام.
[10/ 245]

(10/245)


وروي ابن وهب عن النبي عليه السلام قال: من خشي سوطين فليعط ما سئل. وقال ابن مسعود: ما من كلام يدرا عني سوطين إلا كنت متكلما به.
قال ابن سحنون: روي عن ابن عباس أنه قال: إنما الرخصة في القول لا في ترك العمل من شرب الخمر أو أكل لحم الخنزير، أو أن تصلي إلى غير القبلة.
وقال مسروق: من اضطر إلى شيء مما حرم الله فلم يأكل ولم يشرب حتى مات دخل النار.
قال الأوزاعي: إذا فتن الأسير على الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان، فذلك له في القرآن، وليس له أن يصدق الكفر بعمل من سجوده لصليب أو وثن أو شرب خمر، أو أكل خنزير، فإن أرادوه على هذا فليخير القتل ولا/يفعل، وقاله قتادة.
وقال سحنون في كتاب السير: إنه يسعه أن يفعل ذلك كله كما يسعه في القول.
وقال الأوزاعي: إن أمر الأسير سيده أن يسقيه الخمر قال: لا يفعل وإن قتل. وقال سحنون: بل يسقيه إن خاف القتل أو قطع جارحة له، قيل: فأي ذلك أفضل؟ قال: يسقيه إن خاف القتل أو خاف ضربا يحشى منه الموت، وإلا فلا، ثم رجع فقال مثل قول الأوزاعي.
ومن كتاب الإكراه لابن سحنون: قال الحسن ومكحول: يكره على القول والعمل وهو يسر الإيمان.
[10/ 246]

(10/246)


قال الوليد: وروي أن المسلمين لما فتحوا تستر، تقدموا إلى غيرها فتركوا بها ناسا من المسلمين، فهددتهم فارس وأوقد دهقان لهم نارا، وعرض عليهم الخمر ولحم الخنزير، فمن لم يأكل منهم قذفه في التنور، فأتي برجل يقال له سهيت بن حارث فأبي أن يأكل فألقي في التنور، فبلغ ذلك عمر فقال: وما كان سهيت أن يأكل.
قال ابن حبيب: حدثني علي بن معبد عن محمد بن الحسن قال في الرجل يقال له: اسجد إلى هذا الصنم وإلا قتلناك، قال: إن كان الصنم مقابل القبلة فليسجد، وتكون نيته لله سبحانه، وإن كان إلى غير القبلة فلا، وإن قتلوه. قال ابن حبيب: وهو قول حسن.
قال ابن حبيب عن مطرف في المستكره لا يلزمه ما استكره عليه من بيع، أو طلاق، أو عتاق.
وكذلك إذا أكره على شرب الخمر، أو الإفطار في رمضان، أو ترك/الصلاة، فذلك موضوع عنه الماثم فيه، وقاله لي عبد الله ابن عبد الحكم وأصبغ، وروياه عن ابن القاسم عن مالك.
ومن كتاب ابن سحنون في سلطان أو لصوص أكرهوا رجلا بوعيد بقتل، أو قطع عضو، أو ضرب، أو سجن على شرب الخمر، أو أكل الميتة أو لحم الخنزير، فإنه يسعه أن يفعل ذلك.
قال سحنون: وترك ذلك أفضل، وإنما الإكراه في القول. قال ابن سحنون: وقال من خالفنا: إذا هدد بقتل أو قطع بضرب يخاف منه التلف حتى يشرب الخمر أو يأكل الخنزير فذلك له، فإن لم يفعل حتى قتل خفنا أن يكون آثما، وهو كالمضطر إلى أكل الميتة أو شرب الخمر غير باغ ولا عاد، فإذا خاف على نفسه الموت فلم يأكل ولم يشرب حتى مات أثم، ولا يشبه هذا الكفر وقذف المسلم، لأن
[10/ 247]

(10/247)


هذا فيه رخصة وتركه أفضل، ولم يجعل في الضرورة حلالا كما جعلت الميتة ولحم الخنزير حلالا، وبينها حرم الخمر بالنهي، فإذا جاءت الضرورة صار مثل ما لم ينه عنه، والكفر لا يحل في حال من الأحوال، وإنما فيه رخصة في الضرورة قولا بلسانه، وقلبه مطمئن بالإيمان، وكذلك القذف فيه وخصة في الضرورة.
قال سحنون: وإذا لم يفعل ما أكره عليه من شرب الخمر/وأكل الخنزير حتى قتل وسعه ذلك، وكان مأجورا كالكفر والقذف يكره عليهما، قال محمد: لأن الله أباح له الكفر بضرورة الإكراه، وأبا ح له الميتة ولحم الخنزير بالضرورة إليهما، وأجمعنا أن له ترك الرخصة في قول الكفر، فكذلك يلزم مخالفنا أن يقول: له ترك قبول الرخصة في الميتة ولحم الخنزير، ولا يكون معينا على نفسه، وأما قولهم إن الكفر والقذف لم يجعل حلالا في الضرورة، وإن الميتة حلال في الضرورة، فقد أفسدوا هذه العلة بقولهم معنا في المكره بوعيد بقتل أو قطع، على أن يأخذ مال فلان فيدفعه إلى المكره له: إنه في سعة في ذلك، لأنه كالمضطر، ويضمن الآمر ولا ضمان على المأمون، وإن أبى أن يأخذه حتى قتله، كان عندنا في سعة، قالا جميعا: وكذلك لو أمره بذلك أمرا وهو يخاف إن لم يفعل ناله ما وصفنا، قال غيرنا: ولم يتهدده: أنه من ذلك في سعة إن فعل، وقال غيرنا: إذا أكره بتهديه بقتل أو قطع عضو أو ضرب يخاف منه التلف على أن يقذف مسلما ففعل.
رجونا أن يكون في سعة، وهذا من القول كما لو أكره على القول بالكفر أو شتم النبي عليه السلام، ولم يقل الكفر ولا يشم النبي عليه السلام حتى قتل كان مأجورا.
قال محمد، وقال سحنون وغيره من أصحابنا: إذا أكره بوعيد بقتل أو قطع عضو، أو بضرب يخاف منه تلف بعض أعضائه ولا يخاف تلف نفسه، أو بقيد أو بسجن على أن يكفر بالله أو يشتم/النبي عليه السلام أو يقذف مسلما لم يسعه ذلك، وإنما يسعه ذلك عم خوف القتل لا بغير ذلك وله أن يصبر حتى يقتل ولا يفعل ذلك وهو مأجور وهو أفضل له.
[10/ 248]

(10/248)


قال سحنون: وكذلك لو أكره بما ذكرنا على أكل الميتة ولحم الخنزير أو شرب الخمر لم يسعه أن يفعل ذلك إلا لخوف القتل فقط.
وذكر ابن سحنون أن أصحابنا وغيرهم أجمعوا أنه لا يسعه قتل غيره من المسلمين، ولا قطع يده بالإكراه ولا على أن يزني، وأما على قطع يد نفسه فيسعه ذلك، ويستوعب القول في هذا في أبوابه بعد هذا إن شاء الله، وفي باب ما يكون إكراها من هذا المعنى.
فيما يكون إكراها يعذر به، وما لا يكون إكراها، وكيف إن هدد أو أمرا، وفي الدراية باليمين عن نفسه أو ماله أو لده أو غيره
من كتاب ابن سحنون: روى ابن وهب أن النبي عليه السلام قال: من خشي سوطين فليعط ما يسأل.
وقال ابن مسعود: ما من كلام يدر أعنى سوطين إلا كنت متكلما به، قال ابن سحنون: يعني إن كان للسوطين ألم وشدة وإن لم يكن فيهما تلف لبعض أعضائه.
قال: وفي إجماعهم على أن الألم والوجع والشدة إكراه ما يدل على أن الإكراه يكون من غير تلف نفس أو عضو.
وقال مالك وأصحابه: إكراه السلطان وغيره إكراه، وإكراه الزوج إكراه/والإكراه عندهم بالضرب إكراه، والتهديد بالقتل أو الضرب أو بالسحن أو بالقيد إكراه، وليس في الضرب ولا في السجن توقيت، وإنما هو ما كان يؤلم من الضرب وما كان من السجن يدخل منه الضيق على المكره قل ذلك أو كثر، وكثير الحبس
[10/ 249]

(10/249)


ليس فيه نفس ولا عضو وإنما ذلك لضيق الحبس فالضيق يدخل في قليله وكثيره.
وقال أهل العراق: ولو أكرهه لصوص غالبون أو أهل ذمة غلبوا على بلد بوعيد بقتل أو قطع يد أو أذن أو ضرب مائة سوط أو أقل منها مما يخاف منه تلفا أو ذهاب عضو على شرب خمر أو أكل الميتة ولحم الخنزير: أن ذلك يسعه، وأما بوعيد بضرب لا يخاف منه تلفا فلا، وقال بعضهم: إن هدد بأدنى الحدود أربعين سوطا عذر لا بأقل منها.
وقال محمد: وهذه مجامعة منهم لنا بأن الإكراه من غير السلطان إكراه.
قالوا: ولو هددوه بسجن أو قيد لم يسعه ذلك لأنه لا يخاف من ذلك تلف نفس ولا عضو، وإن هددوه بجوع فلا يفعل يأتي من الجوع ما يخاف منه التلف فيعذر حينئذ وقالوا: إذا هدد أو قطع عضو أو ضرب أو قيد أو سجن يقر لفلان درهم فأقر له فذلك باطل، وفرقوا بين هذا وبين التهديد
بالقيد والحبس في أكل الميتة وشرب الخمر قالوا: لأن ذلك لا يحل إلا بالضرورة وهذا أبطلوه بالإكراه وإن لم تكن فيه ضرورة، والقيد والحبس/لا يحد فيه حدا إلا ما فيه الإجتهاد على مايرد الحاكم أنه إكراه، وفرقوا بين الضرب في أكل الميتة وبين القيد والسجن وجعلوا ذلك سواء في الإقرار بالدين والبيع وقالوا: لأن الضرب يخاف منه تلف النفس. فيقال لهم: فلم جعلتم القيد والسجن إكراه في الإقرار ولا يخاف فيه التلف؟ (وقولهم: إن الإكراه في أكل الميتة وشرب الخمر لا يكون إلا فيما فيه التلف) حكاية لقولهم والعلة لا تكون إلا متفقا عليها، وقد ناقضوا إذ جعلوا السجن والقيد إكراها في شيء، وقول من قال منهم: لا يكون التهديد بالضرب بأقل من أربعين والتوقيت لا يكون إلا بخبر وعلته: أنه أقل
[10/ 250]

(10/250)


الحد لا يصح ولو كان ذلك لزمه أن لا يكون التهديد بقطع أصبع علة لأن أدني ما يقطع في الحدود يد أو رجل.
ومن كتاب ابن حبيب: قال: وروى سفيان عن حذيفة أن فتنة السوط أشد من فتنة السيف وروى غيره عنه أنه قال: ما من كلام يدرا عني عشرين ضربة بسوط إلا كنت متكلما به.
وقال مجاهد: التقية أوسع مما بين السماء والأرض.
وقال الحسن: التقية جائزة إلى يوم القيامة.
قال ابن حبيب: قلت لمطرف: ما حد ضغط المضغوط الذي لا يلزمه بيع متاعه؟ قال: أن يحبس أو يقيد أو يرهق يهدد بذلك وذلك يتوقع من ذلك الظالم وأخذه أموال الناس بالظلم وهتكهم بالضرب والرهق.
وقال مثله ابن عبد الحكم وأصبغ وقال/مالك: القيد إكراه والسجن إكراه والوعيد المخوف إكراه كالضرب والرهق فلا يجوز لصاحبه معه بيع ولا يمين وكذلك بلغني عن إبراهيم النخعي مثله وقاله أصحابه مالك أجمع.
ومن ثمانية أبي زيد: قال ابن الماجشون في الإكراه في اليمين: وجه الإكراه: المخافة إذا أخيف مخافة بينة وسع صاحب اليمين ما وسع المكره ولا شيء عليه.
قال أصبغ: مدار المخافة على نفسه وبدنه فإن خاف إن لم يحلف نزل العذاب ببدنه من قتل أو ضرب أو عذاب إن لم يحلف نزل به لا شك في ذلك من أمارته وأسبابه أو قد بطش به، فهذا مكره في جميع ما حلف فيه إن استحلف.
وأما إن لم يبلغ ذلك إلا وعيد لا يدري لعله تهديد لا عاقبة له فبدر فحلف فاليمين تلزمه، والسجن إذا أفضى إليه فلم يخلص منه إلا بيمين فلا يمين عليه، لأن
[10/ 251]

(10/251)


الله سبحانه سماه عذابا، وأما التخويف السجن فهو كالتخويف الذي لم يطله عذابه ولا يدري يعم أو لا يعم؟ فأما خوفه على مال بتلف أوغيره فليس من هذا مثل أن يخلص ماله اليمين ولا يخاف على نفسه في ذلك شيئا ولا على غيره فليس من هذا. ومن قال: أصبغ لي على كذا وإلا أغرمتك مالا كذا أو عاقبتك في غير بدنك عقوبة توجعك فحلف كاذبا دراية عن ماله فهو حانث وإنما له الدراية عن بدنه ولا يسعه ذلك مخافة السجن يرد فإذا دخله كان كسائر عقوبة البدن، فأما إن هدد بالسجن فلا يخلف حتى/يسجن.
وقال ابن حبيب عن مطرف: لا يسعه أو يقي عن ماله بيمينه، وأما إن خاف إن لم يحلف عاقبه في بدنه إما بضرب أو سجن أو بعض المعرة فلا يلزمه اليمين ولا أحب أن يعجل باليمين حتى يرى موضع الشدة فيسعه اليمين، وإن كان كاذبا، وإن كان أصل ما استحلف عليه المال لأن ذلك يفضي إلى بدنه إن لم يحلف.
قال ابن الماجشون: تسعه الدارية من ماله بيمينه ولا يحنث وإن لم يخف على بدنه.
وقال ابن عبد الحكم وأصبغ كقول مطرف، واخبراني أنه قول ابن القاسم، وأنه ذكره عن مالك وبه يقول ابن حبيب، قال ابن الماجشون: إلا ما كان من المال فادحا مثل السلطان يجتاح الرجل والقوم يعترضون لماله وشبه ذلك فلا يلزم فيه اليمين وقاله أصبغ.
قال أصبغ في ثمانية أبي زيد: وإن قال له سلطان: أحلف لي على كذا وكذا وإلا عاقبت ولدك أو بعض من يلزمه أمره فحلف له كاذبا قال: فهو حانث، وإنما يعذر في الدراية عن نفسه، وكذلك لو سأله عن رجل يريد عقوبته
[10/ 252]

(10/252)


وحلفه: أنه ما يعرف موضعه فحلف له وهو يعرف موضعه: أنه حانث إلا أن يخاف إن لم يحلف عاقبه في بدنه فلا شيء عليه من يمينه.
وفي باب الإكراه على اليمين بقية هذا.
قال أبو بكر محمد بن عبد الله الأبهري: وكل تحريم فيما بين العبد وبين الله سبحانه إذا جبر عليه الإنسان لم يلزمه وله أن يفعله متى خاف على نفسه من قتل أو ضرب أو ظلم يخافه على نفسه وأهله وماله وأشباه ذلك، وأما على هتك حق آدمي وحرمته فلا يفعل ذلك لأن حرمته/ليست بأوكد من حرمة الآخر.
ومن العتبية: روى ابن القاسم عن ملاك في امرأة سألها زوجها أن تهبه حظها بالميراث منه من داره فأبت فحلف: إن لم تفعلي لأطبقن عليك ولا أتركك تأتي أهلك ولا يأتونك ما دمت حيا، فلما رأت ذلك أشهدت له أنها وهبته ميراثها فأوصى فيه الهالك. قال: لها أن ترجع فيه. قيل: إنها إنما تدعي أنه قال لها ذلك بغير بينة لها أينفعها ذلك؟ قال نعم وليس المرأة كغيرها من الورثة مثل الابن البائس المنقطع عن ابيه فهذا يلزمه ما صنع من ذلك.
وفي الباب الأول: أنه إذا أمره سلطان أن يأخذ مال فلان فيدفعه إليه ولم يهدده بعذاب إن لم يفعل وهو يخاف إن لم يفعل ما أمره به، ناله منه عذاب في بدنه مثل أن يهدده ويسعه أن يأخذه فيدفعه إليه.

في المكره على طلاق أو عتق
من كتاب ابن سحنون: روى ابن وهب: أن ممن لم يجز طلاق المكره: عمر ابن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عمر وابن عباس وعبد الله بن
[10/ 253]

(10/253)


الزبير وقاله عطاء بن أبي رباح وعبد الله بن عبيد بن عمير ومجاهد وطاوس وعمر بن عبد العزيز وعبد الرحمن بن القاسم بن محمد ويزيد بن قسيط والحسن البصري وشريح وهذا كله عنهم بروايات متصلة.
وروي عن عائشة أن النبي عليه السلام قال: لا طلاق ولا عتاق في غلاق، قال معناه: في الإكراه.
قال ابن سحنون: وروى من خالفنا أن عمر بن عبد العزيز أجاز طلاق الكره وقد روينا عنه/أنه لم يجز طلاق الكره ولكن روي عنه أنه لم ير القيد إكراها فهو معنى ما روى مخالفنا عنه.
وروي مخالفا أن امرأة جلست على صدر زوجها بسكين فقالت: طلقني وإلا ذبحتك ففعل فقال النبي عليه السلام: لا قيلولة في الطلاق، قال ابن سحنون: وهو حديث لا يثبت وعن مجهولين والحديث الذي ورينا في الإغلاق أصح.
وروي محمد بن الحسن أن عمر بن الخطاب أجاز نكاح المكره وولنا عن عمر خلافه بإسناد أقوى من إسناده.
وروي عن ابن المسيب فيمن ضرب غلامه حتى طلق امرأته قال: بئس ما صنع وليس هذا مما يدل أنه ألزمه الطلاق.
وقال إبراهيم النخعي: طلاق المكره يلزمه كان بإكراه من السلطان أو من غيره.
وقاله أبو قلابة.
[10/ 254]

(10/254)


وقال الشعبي إن أكرهه السلطان لزمه وإن أكرهه لص فلا شيء عليه.
وروي بعض الناس عن قتادة والزهري أنهما أجازا طلاق المكره وروي مخالفنا أن علي بن أبي طالب قال: كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه قال: فهذا قد دخل فيه المكره والمعني في هذا لو ثبت طلاق بطوع ولو كان على ما تأول لزمه أن يجيز طلاق الصبي والنائم والمعتوه وهو لا يراه.
وقد روي عن ابن السيب أنه أجاز طلاق الصبي إذا أحسن الصلاة وصام رمضان.
وروي ابن الحسن عن النبي عليه السلام مثل ما ذكر عن علي ولكنها روايات ضعيفة واهية، ولو ثبت كان/معناه في الطوع كما خرج منه عند غيرنا طلاق الصبي والنائم والمعتوه.
قال غير ابن سحنون: وقد ثبت عن غير واحد من الصحابة إجازته وإنما ثبت لهم عن بعض التابعين ولا يجوز أن يخالف الصحابة بقول تابع في قولنا وقول من خالفنا أن الصاحب لا يخالف إلا إلى قول صاحب مثله.
ومن كتاب ابن سحنون: قال من خالفنا في المكره بوعيد بقتل أو تلف على أن يطلق أو يعتق: أن ذلك يلزمه.
وقال مالك وأصحابه: لا يلزمه وقد أجمع أهل الصلاة على أن المشركين لو أكرهوا رجلا على أن يكفر بالله ففعل بلسانه ثم أتى فقال: إن قلبي حينئذ مطمئن بالإيمان وله زوجة حرة مسلمة أنها لا تحرم عليه.
وذكر ابن المنذر: أن أبا حنيفة يقول: تطلق عليه في ظاهر الحكم وأنه لا يكون مرتدا بذلك والردة فرقة بائنة وهذا يقضي على اختلافهم في طلاق المكره.
[10/ 255]

(10/255)


وقال بعض من خالفنا: هذا استحسان، والقياس أن يفرق بينهما ولكنا نستحسن أن لا يفرق بينهما.
وقال بعض البغدايين من أصحابنا: وجدنا الطلاق لا يلزم إلا بلفظ ونية والمكره لا نية له وإنما طلق بلسانه لا بقلبه فلما رفع الله عنه الكفر الذي تكلم به مكرها ولم يعتقده وجب رفع الطلاق لرفع النية فيه، قال: والطلاق إن كان من حقوق الله فلا يلزم حتى تقارنه النية كما لم يلزم الكفر الذي لم تقارته نية، وإن كان من حقوق الناس فقد أجمعنا معهم على إبطال بيع المكره فكذلك الطلاق ولا مخرج من هذا. وقد ذكر ابن سحنون نحوه في مناقضته إياهم بالبيع.
وقال ابن سحنون: وقد أجمعوا في المكره على الكفر أن الزوجة لا تبين بكفره، ولكن قال أبو حنيفة: القياس يوجب أن يلزمه الفراق ولكنا نستحسن ألا تبين منه، ثم نقضوا هذا فقالوا في نصراني أسلم مكرها: إنه يكون مسلما ثم إن راجع النصرانية جبر على الإسلام بالسجن ونحوه ولا يقبل وهذا تناقض فإن كان مسلما فاقتلوه بردته وإلا فأبطلوا إسلامه بالإكراه كما أبطلتم كفر المسلم بالإكراه وفي إجماع العلماء في رفع القتل عنه دليل على أن إسلامه ليس بإسلام، وقيل لهم: ما الفرق بين ما أبطلتم من البيع بالإكراه وما ألزمتم من الطلاق والعتق والنكاح على الإكراه؟ قالوا: لأن البيع يكون فيه الخيار ولو اختاره المكره بعد أن أمن لزم المبتاع فيقال لهم: فقد أجمع العلماء على إبطال كفر الكره ولا يجوز فيه الخيار، فلو ارتد مسلم على أن ينظر في الكفر فإن أعجبه وإلا رجع إلى الإسلام لكان مرتدا عن الجميع، ولو قال الكافر: أسلم على أن أكون بالخيار في الرجوع إلى الكفر لم يكن له ذلك وكان مسلما، فإن رجع عن ذلك قتل، وأجمعنا أنه لو أكره على أن يقر لفلان بمال ففعل: أن ذلك باطل، ولا خلاف أنه لو أقر له طائعا
[10/ 256]

(10/256)


بمال على أن ينظر فإن وافقه/التمادي على ذلك وإلا رجع: أن ذلك ليس له، فقد أبطلتم عنه الإقرار بالإكراه ولا خيار فيه عندكم، فكذلك فألزموه الطلاق والعتق بالإكراه الذي لا خيار فيه، وأما قولهم: لأن البيع له أن يقول بعد الإكراه: [قد أجزته وهو آمن فيلزم فيقال لهم: فإذا كان له حل عقد بيع الإكراه] وأمضاؤه فحل الطلاق أولى، فإن كان البيع لم يقع فلا يلزم أن يبتدئه وإن كان قد وقع وله حله فألزم ذلك نفسك في الطلاق والعتق ونحن نقول: لم يتعقد بيع ولا طلاق ولا عتق وقلتم في العفو عن الدم العمد بإكراه: إنه يلزمه ولا يلزمه البيع قلتم: لأنه في البيع له أن يجيزه بعد الإكراه والأمة لا تختلف في المكره على العفو: أن له يجيزه بعد الإكراه فيلزمكم التساوي بينهما في إلزامهما بالإكراه أو إبطالهما.
وقالوا: وجدنا الطلاق والعتق هزلهما جد وكذلك النكاح والعفو عن الدم قلنا: فقد أجمعنا أن المكره خارج عن معنى الجد والهزل وأنه لا إرادة له، والهازل مذموم في إجماعهم ولا ذم على المكره بل هو مأجور، وقد جامعونا أن من أكره على أن يقر لعبده أنه أبنه أو لأمته أنها أم ولده: أن ذلك لا يلزمه وكذلك في التدبير.

في الإكراه على النكاح
قال ابن سحنون: وقال من خالفنا: ولو أكره أن ينكح امرأة بعشرة آلاف درهم وصداق مثلها ألف درهم: إن النكاح جائز ويلزمه ألف درهم ويبطل الفضل.
قال أصحابنا:/النكاح باطل لأنه نكاح إكراه وقد أكره على معنيين: على النكاح وعلى نهر، فكما أبطلوا الزائد على الألف بالإكراه فكذلك يلزمهم إبطال النكاح بالإكراه.
[10/ 257]

(10/257)


قال محمد: أجمع أصحابنا على ابطال نكاح المكره وكذلك نكاح المكرهة، ولا يجوز المقام عليه لأنه لم ينعقد، قال سحنون: ولو كان منعقدا لبطل أيضًا لأيه نكاح على خيار ولا يجوز النكاح بالخيار.
قال محمد: وفي قياس بعض مذاهب مالك: أن للمكره إمضاء ذلك النكاح آمنا مطمئنا وكذلك لأولياء المرأة المكرهة.
وفي قياس بعض مذاهبهم: إنما تحوز إجازة المكره بحدثان ذلك وقربه وإلا لم يجز وكذلك في أولياء المرأة، وإنما للمكره أن يجيزه في هذا القول على ما سمي لها وإن كان أكثر صداق مثلها، لأن بذلك رضيت ما لم يكن وطئ، وكذلك يكون لأولياء المكره إجازة نكاحها على ما رضي به الزوج وإن كان أقل من صداق مثلها، [وكذلك إن رضي به الزوج إلا أن يشاء أن يتم لها صداق مثله] ويرضى الأولياء بذلك فيجوز النكاح.
قال عبد الله: في إجازة أوليائها النكاح: يعني: بإذنها أو يكون الولي أب وهي بكر.
قال محمد: وهذا خلاف قول سحنون.
قال سحنون: فإن وطئها المكره على النكاح غير مكره على الوطئ لزمه إمضاء النكاح على المسمي من الصداق وإن زاد على صداق مثلها، وإذا قال: وطئتها على الرضي بالنكاح [درئ عنه الحد ولزمه المسمي، وإن قال: وطئتها على غير رضا مني بالنكاح] فعليه الحد وعليه الصداق المسمي لأنه مدع لإبطال/الصداق المسمى بهذا وتحد المرأة إن تقدمت وهي عالمة أنه مكره على
[10/ 258]

(10/258)


النكاح، وأما المكرهة على النكاح وأكرهت على الوطئ: فعلي واطئها الحد في قول سحنون وغيره من أصحابنا ولها صداق المثل ولا حد عليها.
وفي قياس قول بعضهم: إن وطئت على الطوع منها ومن الأولياء فذلك رضا بالنكاح، ويثبت النكاح ولها المسمى وإن نقص عن صداق المثل، ومن قول سحنون: لا نكاح بينهما فإن تقدمت على الرضا بالنكاح هي والأولياء فلا حد عليها ويجد الواطئ، وليس لها من الصداق إلا ما وطئت عليه ورضيت به وإن نقص عن صداق المثل، وإن لم توطأ المكرهة وكانت بكرا وقد أكره الأب على إنكاحها فلم توطأ فليس للأب أن يمضي النكاح في قول سحنون، وقال غيره: له أن يمضيه بالمسمى وإن نقص عن صداق المثل إن كان ذلك نظرا لها ما لم يطل ذلك، ولا رضا لها مع أبيها، فإن كان الولي غير الأب فالخيار لها ولوليها فإن اختلفا لم يجز النكاح إلا بهما جميعا. قال ابن سحنون: وإذا لم يلزمها النقصان من صداق المثل بالإكراه لم يلزمهما العقد بالإكراه وكذلك الأب في البكر والعقد على أجماعهم أكثر من حطيطة الصداق في الحرمة [فإذا لم يلزم الأقل لم يلزم الأكثر.
قال ابن حبيب قال مطرف] ومن خطب إلى من هو له قاهر وهو ممن يخاف تعديه أن يجوزها إليه بلا نكاح إذا شاء فزوجه وأشهد سرا أنه إنما يفعله خوفا منه قال: هذا نكاح مفسوخ أبدا، وقاله ابن عبد الحكم/وأصبغ.
وبعد هذا باب فيمن أكره على شراء من يعتق عليه من معاني العتق بسبب الإكراه: غير شيء.
[10/ 259]

(10/259)


في الإكراه في الخلع والعتق، أو على الوكالة على ذلك، ومسألة في اللعان
من كتاب ابن سحنون: وإذا أكره بوعيد بقتل أو تلف حتى خلع امرأته على ألف درهم وقد تزوجها على أربعة آلاف والمرأة غير مكرهة على الخلع فلا يلزمه إلا أن يشاء أن يجيزه وهو آمن، ويأخذ منها الألف فله ذلك بغير ائتناف خلع وهو كبيع الإكراه يجيزه، ولو أقر الزوج آمنا أنه كان في الإكراه مريدا للخلع راضيا به، لزمه الخلع ولزم المرأة دفع الألف إليه إذ هي غير مكرهة ولا شيء له على من أكره ولو أن المرأة مكرهة على إعطاء الألف وأقر الزوج: أنه كان راضيا به عند الإكراه لزمه الخلع وبانت منه بطلقة بائنة ولا شيء لها عليه من الألف ولا على الذي أكرهها لإقراره بالرضا، ولولا ذلك لم يلزم الطلاق.
قال سحنون: ولو أكره على أن طلق امرأته وأعتق عبده ثم قال وهو آمن: قد أجزت ذلك الطلاق والعتق فذلك له لازم وتبين منه الزوجة ويعتق العبد.
قلت: ولم ألزمنه ذلك لاختلاف الناس، لأن من العلماء من يلزمه طلاق الإكراه وعتقه. قال محمد: وقد قال لي قبل ذلك: إن/ذلك لا يلزمه لأن من ألزم نفسه ما قد سقط فذلك غير لازم له.
قال سحنون: ولو أكره على عتق عبده على مائة درهم يؤديها العبد وقيمته ألف درهم والعبد غير مكره فأعتقه على هذا فالعتق باطل، وما أخذ منه سائغ، وللسيد أن يجيز العتق بعد الإكراه ويلزمه نفسه وهو آمن ثم لا شيء له على العبد
[10/ 260]

(10/260)


غير المائة التي أخذ ولا له على من أكرهه شيء، لأن السيد ألزم نفسه العتق إلا بطوعه ولو أكره على عتق عبده بمال دفعه إليه رجل والرجل غير مكره لم يلزمه، فإن أجازه السيد آمنا جاز، وكان له المال وليس لغارم المال أن يرجع به على العبد لأنه متطوع في دفعه عنه.
قال محمد: وإن أقر السيد أنه كان في الإكراه مريدا للعتق راغبا في المال لزمه العتق وساغ له المال ولا يرجع به مخرجه وإن كان غارم المال مكرها على دفعه، وأقر السيد أنه كان راضيا بالعتق في الإكراه لزمه العتق ويرد المال على الأجنبي وليس للسيد على من أكرهه شيئا ولو أكرهه على أن يعتق عبده على ألفي درهم إلى سنة، يريد: يكون على العبد وقيمته ألف درهم والعبد غير مكره فلا يلزمه العتق ولا شيء له على من أكرهه، وإن شاء السيد أن يلزم نفسه العتق فذلك له ويلزم العبد غرم ألفي درهم إلى سنة، ولا يرجع بها العبد على المكره لسيده، وإن كان العبد مكرها على/غرم الألفين إلى الأجل فللسيد إجازة ذلك العتق، ويلزم العبد الألفين إلى الأجل وليس للعبد أن يأتي ذلك لأن من قال لعبده: أنت حر الساعة وعليك ألفي درهم إلى سنة أنه حر مكانه، ويلزمه غرم المال إلى الأجل وإن كره، ولا يرجع العبد بشيء على المكره له لأنها لم تلزمه بالإكراه، وإنما تلزمه بما ألزمه السيد.
قال سحنون: ولو قال لزوجته: أنت طالق على أن تعطي ألف درهم، ولعبده: أنت حر على أن تدفع إلي درهم فذلك سواء لا يعتق العبد ولا تطلق المرأة إلا أن يغرم الألف وإلا لم يلزمه عتق ولا طلاق، ولو قال: أنت
[10/ 261]

(10/261)


طالق الساعة وعليك ألف درهم سقطت الألف عنها ولزمه الطلاق، والقائل: أنت حر الساعة وعليك ألف درهم، فإن العبد يكون حرا ويلزمه الألف وإن كره، لأن له في العبد خدمة وخراج يبقيه عليه إن شاء وليس ذلك في الزوجة، ولو كانت الألف نجوما على العبد فحل نجم منها وطلب المولى أخذ النجم وأجاز العتق فالعبد حر وعليه باقي النجوم وعليه غرم النجم الذي حل معجلا ولا يرجع العبد على من أكرهه بشيء.
ولو أكرهت امرأة بوعيد بقتل أو تلف أن سجن أو قيد أو غير ذلك على أن تقبل من زوجها تطليقة يطلقها على أن تعطيه ألف درهم ففعل هو ذلك غير مكره، وقبلت هي ذلك مكرهة، وقد بني بها ولها عليه مهر أكثر من ألف درهم أو أقل، فإنه يلزمه طلقة بائنة لأنه غير مكره، وقد طلق على/مال فهو طلاق بائن ولا شيء له من المال لأنها مكرهة.
قال سحنون: وربما تبين لي أنه يلزمه فيها ثلاث، لأنه طلاق بائن على غير مال ولو كان مكان التطليقة الخلع على ألف وهي مكرهة والزوج غير مكره: فالخلع واقع والطلاق بائن، ولا شيء عليها من المال.
قال محمد: وهذا إجماع العلماء.
قال سحنون: وإذا أكرهه لص على عتق عبده عن رجل بألف وهو يسوى ألفين بوعيد بقتل أو بشيء مما يخاف منه التلف ففعل. وقيل منه ذلك المعتق وهو غير مكره، فالعتق لا يلزمه إلا أن يجيزه رب العبد وهو آمن، فإن أجازه فذلك له ويأخذ من المعتق عنه الألف درهم فقط، والولاء للمعتق عنه، وإن شاء أبطل العتق وأخذ عبده، وكذلك الإكراه في ذلك في قولنا بقيد أو سجن، ولو أن المعتق عنه أيضًا مكرها لم يلزمه، وإن رضي المعتق أن يأخذ منه ألفا فقط إلا أن
[10/ 262]

(10/262)


يرضى بذلك وهو آمن، قال سحنون: وكذلك لو كان أحدهما مكرها بقتل أو تلف والآخر بقيد أو سجن فكله عندنا إكراه، ولو أكرههما على أن دبر هذا عبده عن هذا بألف درهم فذلك باطل، كان إكراهه لهما بقيد أو بسجن أو بما يخاف منه التلف ن وإن كان أحدهما بأحد الوجهين والآخر بالوجه الآخر، ولو كان المدبر عنه غير مكره فرضي بالتدبير عنه على المال المذكور لم يلزم ذلك رب العبد، لأنه مكره ولو رضي بذلك رب العبد أيضًا ويأخذ المال لم يجز ذلك وإن تراضيا، لأنه خطر كمن أعطى/مالا لرجل على أن يدبر عبده.
ولو قال رجل لرجل: دبر عبدك عني ولك دينار ففعل لم يجز هذا أيضًا، فإن فعل فدبر عبده عنه على مال بعد العتق صار العبد معتقا إلى أجل، لأن التدبير هاهنا إنما معناه: إلى أجل وهو موت المدبر عنه ويوقف المال إلى موت المدبر عنه، فإن مات العبد قبله رجع المال إلى مخرجه، وإن بقي العبد إلى موت المدبر عنه عتق العبد وأخذ السيد المال الموقوف والولاء للمعتق عنه.
وقال ابن القاسم عن مالك: ومن أعطى لرجل مالا على أن يدبر عبده أو يكاتبه: فلا يجوز وهو خطأ.
قال ابن القاسم: ولو كان العتق إلى أجل والمال إلى أجل لم يجز، وقاله أشهب إلا أنه قال: فإن فعل فأخذ المال وأعتق عبده إلى الأجل أو دبره أنفذ ذلك ولم يرده.
قال سحنون: لا أقول بقول أشهب ويفسخ ذلك لأنه خطر ويأخذ المعطى ماله ويمضى العتق والتدبير إلى الأجل، ثم رجع فقال: يوقف المال ويمضى العتق والتدبير إلى الأجل، فإن تم عتق العبد بمضي الأجل أو بموت السيد في المدبر ويترك مالا يخرج من ثلثه أعطي السيد المال الموقوف وإن مات العبد قبل الأجل
[10/ 263]

(10/263)


أو قبل موت سيده يرجع المال إلى مخرجه وإن مات السيد في المدبر فترك مالا لا يحمله ثلثه أعتق منه محمل الثلث، وأخذ ورثه السيد من المال الموقوف بقدر ما عتق من المدبر، ويرد إلى صاحبه بقدر ما رق منه، ولو كان لم/يكره رب العبد على أن يدبره عن فلان وإنما أكره المدبر عنه حتى قبل التدبير على مال غرمه: فالمال ساقط عنه، وإن وداه فليرد إليه، ويلزم رب العبد عتقه إلى موت الآخر، ولو أكره هذا على بيع عبده وهذا على شرائه وعلى أن ينقايضا ثم أكره المبتاع على التدبير أو العتق فذلك كله باطل، لا بيع ولا تدبير ولا عتق، ولو أكرههما على التبايع ثم أكره المشترى على قتل العبد فعلي المبتاع القاتل قيمة العبد لمولاه وعليه الكفارة ويرجع بما غرم من القيمة على من أكرههما، وكذلك لو اختلف الإكراه فأكره هذا بوعيد بقتل وهذا بوعيد بسجن فذلك كله عندنا سواء، وكذلك لو كان أكرهه على قتل العبد بقيد أو بسجن فهو إكراه، ويضمن القاتل ويرجع رب العبد بقيمة العبد على المكره، فإذا غرمها المكره ثم أفاد القاتل مالا لم يكن له أن يرجع بما ودي على القاتل، قال سحنون: وإذا: كرهه بوعيد بقتل أو سجن أو قد على أن وكل رجلا بعتق عبده أو بطلاق زوجته فأعتق الوكيل وطلق فذلك كله باطل، ولو أكره على أن يوكله ببيع عبده من هذا بألف درهم وعلى أن يدفعه إليه فباعه الوكيل وقبضه المبتاع فهلك بيده والوكيل والمبتاع غير مكرهين فالوكالة بالطالة، فإن باع فالسيد مخير بين أن يجيز البيع ويأخذ الثمن أو ينقضه ويأخذه، فإن مات العبد فلسيده أن يجيز البيع ويأخذ الثمن إن كان مثل القيمة فأكثر وإن كانت القيمة أكثر من رجع بتمام القيمة على المشتري، ومسألة التي أقامت بينة على قذف زوجها لها فلاعن ثم ظهر أن أحد البينة عبد، وكان لعان الزوج خوفا من الحد: أن الحكم ينقض ويرجع زوجه: قد كتبتها في كتاب الرجوع عن الشهادات.
[10/ 264]

(10/264)


في الإكراه على الزنا أو علي أن يقتل رجلا، أو يقطع له عضوا، أو يجرحه، وقد أذن له في ذلك المفعول به أو لم يأذن، أو على أن يفديه
من كتاب ابن سحنون: قال سحنون فيمن أكرهه السلطان أو غيره على أن يزني بامرأة ففعل فعليه الحد، لأنه لم ينتشر إلا بلذة، فأما إن أكرهت امرأة على الزنا فلا حد عليها ولها الصداق على الوطء فإن كان عديما فذلك لها على الذي أكرهها ثم لا يرجع به غارمه على الواطء، فإن كانت، المرأة طائعة حدت ولا صداق لها.
قال سحنون في كتاب الشرح ينسب إلى سحنون، في امرأة خافت على نفسها الموت من الجوع أو العطش فقال لها رجل: نعطيك ذلك على أن أطأك فإن خافت الموت وسعها ذلك لأن هذا إكراه، وليست كالرجل يكره على الزنا لأنه لا يطأ من خاف على نفسه الموت، وليس إكراهه في ذلك إكراه وأنكر أبو بكر ابن اللباد قوله في المرأة وقال: يشبه نكاح المتعة والله أعلم.
قال سحنون: ولو أكره بقيد أو سجن/أو ضرب لا يخاف منه تلفا على أن يزني بامرأة طائعة أو مكرهة لم يجز له أن يفعل، فإن اثم وعليه الحد وقد أثم في وقول غيرنا أيضًا طاعت له أن كرهت وهذا دليل على أبطال قولهم في رفع الحد عنه، وهو لو امتنع حتى قتل لكان مأجورا ولو كان الحد يسقط عنه وسعه الفعل وكان معينا على نفسه إن لم يفعل.
قال ابن حبيب: قال مطرف: وإذا هدد بقتل أو غيره على أن يزني أو يقتل رجلا ظلما أو يقطعه أو يجلده أو يأخذ ماله أو يبيع متاعه فلا يسعه ذلك وإن علم أنه إن عصاه أوقع ذلك به في نفسه أو ماله أو ظهره، قال: وإن
[10/ 265]

(10/265)


أطاعه في ذلك لزمه القود في القتل أو القطع وغرم ما اتلف له، وذكر في الضرب أن عليه الضرب، ولا يسعه إن أكره بالتهديد بالقتل على أن يزني، ويجد إن فعل ويأثم.
ومن كتاب ابن سحنون: قال: ولو أكره بوعيد بقتل أو غيره على أن يقطع يد رجل فأذن له ذلك الرجل في ذلك طائعا لم يسعه أن يفعل، فإن فعل أثم ولا قصاص عليه ولا دية، ولا شيء على من أكرهه لإذن صاحب اليد للقاطع، ولو كان صاحب اليد مكرها أيضًا بوعيد لأثم القاطع، ولو أن الذي أكرهه غير الذي أكره القاطع فلصاحب اليد القصاص من القاطع، وعليه الأدب والحبس لأنه أمر لا يسعه فعله بالإكراه، ولو أكره على أن يقتل فأذن له الرجل في قتل نفسه ففعل فقد أثم ولأوليائه القصاص، وليس على من أكرهه إلا الأدب وليس كإذبه في/قطع اليد، لأن العفو في اليد له فهو كالعافي، والعفو في الدم وهم الأولياء ولم يجب له في حياته.
قال محمد بن عبد الحكم: أمر اليد والنفس سواء ولا قود عليه، فهما كمن قتل فعفي عن دمه.
قال ابن سحنون: قلت لسحنون: فأنت تقول في المجروح يموت من جرحه وقد عفي عن دمه: أن لا قصاص لأوليائه، قال: لأن ذلك بعلة ما تقدم من الجرح الذي هو سبب الموت فوجب له الحق قبل موته والأول عفي قبل أن يجب له الحق، قال: وإذا أذن له أن يفعل ما دون النفس ففعل فمات منه فإنه آثم فإن مات منه قعصا فالقود لأوليائه على المكره وليس على من أكرهه إلا الأدب، وإن لم يمت قعصا وأقام أياما ثم نزي في جرحه فمات فلأوليائه أن يقسموا على المكره ويقتلوه.
[10/ 266]

(10/266)


قال سحنون: ولو أكره على أن يفعل به مالا يخاف منه تلفا مثل ضربه بسوط ونحوه فهو آثم إن فعل، فإن خاف القتل إن لم يفعل فليضربه ولا يبيح دقه.
قال سحنون: ولو أتى عليه من الضربة بالسوط فمات مكانه، فإن لأوليائه قتل المكره لأن ذلك عندنا عمد يقتل فيه القاتل.
وقال من خالفنا في عامل الخليفة يأمر رجلا بقتل رجل ظلما ويهدده بالقتل إن لم يقتله فيقتله: إن القتل على العامل دون القاتل المأمور.
قال سحنون: قال بعض أصحابنا: إذا أكره الوالي رجلا من رعيته أو السيد عبده أو المعلم بعض صبيانه على أن يقتل رجلا ففعل،/إن الآمر والقاتل يقتلان.
وقال بعضهم: إن السلطان والمولي والمعلم في تعليمه إنهم وغيرهم من الأجنبيين بمعنى واحد لا قتل على الآمر لأنه لم يل الفعل بنفسه، وعليه الأدب والحبس، وعلى المأمور القود لأنه ولي القتل، وليس له إتلاف نفس غيره ببقاء نفسه.
وقال سحنون: يقتلان جميعا.
قالوا: ومن أكره فقيل له ك لتقطعن يده أو لتفقأن عينه أو لأقتلنك فإنه لا يسعه أن يفعل ذلك، فإن فعل فعليه القود، وعلى الآمر الأدب، وفي القول الآخر يقتص منهما جميعا.
قال محمد: ثم ناقض من خالفنا فقالوا: لو هدده بسجن أو قيد لم يسعه أن يفعل، فإن فعل فالقود فيما فيه القود، والأرش فيما فيه الإرش على الفاعل، وليس على الآمر إلا العقوبة والحبس، وهو قول سحنون. قال محمد: ولما جامعونا على أن الحبس والقيد إكراه في الإقرار وفي غيره كان ذلك قاض عليهم فيما خالفونا فيه من الوعيد بالقيد والحبس في القتل ويلزمهم أن ذلك إكراه في القتل
[10/ 267]

(10/267)


أيضًا وقد قالوا في الراجعين عن الشهادة في النفس وفي القصاص: إنه لا قصاص عليهم، وعليهم الدية في أموالهم، ويلزمهم في هذا إبطال القود عن المكره على القتل إذا لم يلي الفعل بيده كما لم يلي الشهود القتل أو يقتل الشاهدين كما قتلوا المكره، وقد روينا عن النخعي أنه قال: يقتل الشهود إن تعمدوا، وروي نحوه عن علي بن أبي طالب وبه قال بعض أصحابنا، ثم ناقص من خالفنا فقال: إن هدد بقتل أو قطع عضو أو ضرب يخاف منه التلف على أن يضرب رجلا سوطا ويحلق رأسه أو لحيته أو أن يقيده أو يسجنه رجونا أن لا يأثم في ذلك إن فعل، فإن كان مما لا يعرضه فيه لتلف فلا ينبغي أن يقدم عليه بشيء من ذلك وإن قل فإن فعل أثم.
قال محمد: وهذا كله واحد، ولا يجوز له أن يقدم على حلق لحية رجل ولا سجنه كما لا يقدم على قطع أصبعه، والقول في إكراهه على قذف رجل مسلم قد تقدم في الباب الأول.
وقال من خالفنا: لو أن لصين غالبين هددا رجلا بقتل أو ضرب يخاف منه التلف على أن يقطع يد رجل ظلما ففعل فلا شيء على القاطع، ودية اليد على الآمرين في أموالهم نصفين في عامين، وفي العام الأول ثلثا نصف الدية وهو ثلث الدية والثلث الباقي في السنة الثانية، ولا قود على الآمرين لأنه لا يقطع عندهم يد بيدين.
قال سحنون: قال بعض أصحابنا: القود على القاطع ولا قود على الآمرين ويؤديان، وقال بعضهم: القود على المكره وعلى الآمرين لأنهما كالفعلة.
وقال من خالفنا: ولو أن الآمر واحد فأكره رجلين حتى قطعا اليد فإنه يقطع الآمر ولا يلتفت إلى القاطعين.
[10/ 268]

(10/268)


وقال سحنون: وقال بعض أصحابنا: يقتص من القاطعين دون الآمر، وقال بعضهم: يقتص من الآمر والمأمورين. اكراه 7
قال سحنون: ولو أكره رجلان رجلا على قطع يد ففعل/فمات. قال بعض أصحابنا: إن مات قعصا فالقود على القاطعين، وليس على الآمر إلا الأدب، وإن كان الآمران والقاتل بنوعم المقتول فلا ميراث لواحد منهم والميراث لغيرهم، وقال بعضهم: القود عليهم أجمع، وإن كان الآمر واحدا والقاطعان اثنين: فالقود على القاطعين في قول بعضهم، وفي القول الآخر القود عليهم أجمعين ولا ميراث لهم.
وفي باب الإكراه على التخيير في فعلين ذكر من الإكراه على القتل والزنا وغيره.
في الإكراه على أخذ مال رجل أو استهلاكه، أو دفعه لغيره، وكيف إن أذن له في ذلك ربه، ومن أكره على دفع ماله لرجل، وأكره آخر على قبضه
من كتاب ابن سحنون: قال سحنون: وإذا أكره رجل على أن يأخذ مال رجل فيرمي به في مهلكة بوعيد بقتل أو قيد أو سجن فأذن له في ذلك ربه من غير إكراه ففعل فلا شيء عليه ولا على الذي أكرهه، وإن كان ربه مكرها على الإذن في ذلك فالمكره الفاعل ضامن، فإن كان عديما فلا ضمان على الذي أكرهه ثم لا رجوع له على الفاعل بذلك إذا أيسر.
وقال في باب آخر: وأما قولهم: إن الكفر والقذف لم يجعل له حلالا في الضرورة كما جعلت له الميتة حلالا في الضرورة قال: فقد أفسدوا هذه العلة
[10/ 269]

(10/269)


بإجماعهم معنا على أن من أكره بتهديد بقتل أو قطع أو ضرب يخاف منه التلف على أن يأخذ مال فلان فيدفعه إلى المكره له أو أمره بذلك/أمرا وهو يخاف إن لم يفعل ناله بعض ما وصفنا: أنه في سعة من مال الرحل ودفعه إليه ويضمن الآمر ولا ضمان على المأمور، وقال من خالفنا: وإنما يسعه هذا ما دام حاضرا عند الآمر فأما إن أرسله ليفعل ذلك فخاف إن ظفر به أن يفعل له ما يهدده به فلا يسعه أني يفعل ذلك، إلا أن يكون معه رسول للآمر يخاف أن يرده إليه إن لم يفعل فيكون كالحاضر سواء.
قال محمد: وإنما ينظر في هذا إن كان المكره يرجو الخلاص إن لم يفعل فلا يسعه أن يفعل كان معه رسول أو لم يكن، وإن كان لا يأمن نزول الفعل به وسعه أن يفعل كان معه رسول أو لم يكن.
قالوا: وإن تهدده بما ذكرنا أن يأخذ مال مسلم فيدفعه إليه فأبى حتى قتله كان عندنا في سعة، وإن أخذ لكان في سعة قالوا: وأما في تهديده إياه بسجن أو قيد مما لا يخاف منه تلفا فلا يسعه أخذ ذلك، قال محمد: فنقضوا علتهم فيقال لهم: فهذا مال مسلم قد أحللتموه في الضرورة بالإكراه بالتهديد بقتل أو بزوال عضو أو بضرب يخاف منه التلف كما أحل الله الميتة في الضرورة فلو لم يسعه ترك أكل الميتة حتى يقتل كما وسعه تركه أخذ مال السلم في الإكراه حتى يقتل؟
وأجمع أصحابنا ومن خالفهم على أنه إن هدد بالقتل على أن يحلق رأس فلان ولحيته أو ليسجننه أو ليقيدنه أو ليشهدن عليه بالكفر فأبى يفعل حتى قتل: أنه من ذلك في سعة/قال من خالفنا: فإن فعل شيئا مما أمر به كان ذلك واسعا له، وأبى ذلك من خالفهم.
[10/ 270]

(10/270)


قال من خالفنا: والرجل لا يحل له أن يرزا مال أخيه المسلم فإن كان معه في سفر ومع أحدهما طعام أو شراب وليس مع الأخر شيء، فخاف الموت فأبى صاحبه أن يعطيه كان في سعة أن يأخذ منه فيأكل ويشرب ويقاتله بما دون السلاح إن منعه ما لم يأت على نفسه أو عضو من أعضائه، ويعطيه قيمة ما أخذ منه، قال سحنون: له أن يأخذ منه الطعام كرها من غير أن يبلغ بذلك نفسه أو جرحه، ويضمن ما أخذ منه.
وقال أصحابنا ومن خالفهم في لص غالب توعد رجلا بقتل أو قطع أو ضرب يخاف منه التلف على أن يعطي ماله لرجل ظلما، وأكره الرجل على قبضه منه فقبضه فهلك عنده: إنه لا يضمنه ولربه تضمين الذي أكرهه ولا ضمان على قابض المال.
قال سحنون ولو أكره الدافع على دفع المال إلى رجل ولم يكره الرجل على قبضه منه فإنه يضمنه إن هلك، لأنه قبضه طائعا ولا ينفعه إن قال: أخذته لأحرزه على ربه.
قال أصحابنا ومن خالفهم ولو اكره القابض على القبض على أن يدفعه إلى هذا اللص فلما قبضه هلك بيده قبل يدفعه إلى اللص فلا ضمان عليه.
قال من خالفنا: وهذا إذا حلف المكره على القبض: إنه ما أخذه ليدفعه إليه طائعا وما أخذه إلا ليرده إلى ربه إلا أن يكره على دفعه.
قال سحنون: ولا يمين عليه/ولا ضمان لظاهر عذره بالإكراه. وفي باب المضغوط على غرم مال: شيء من هذا المعنى.
وقد تقدم في الباب الأول ذكر من الإكراه على أخذ مال الرجل، وتكرر ها هنا.
[10/ 271]

(10/271)


في إكراه الرجل على قتل من يرثه
من كتاب ابن سحنون: قال سحنون: لو أن لصا غالبا أكره رجلا على قتل أبيه أو أخيه ولا وارث له غيره بوعيد بقتل ففعل: إنه لا يرث من مله ولا من دينه شيئا، لأنه غير مباح له أن يقتله في الإكراه عند المعلماء، ولا يخرجه ذلك عند بعضهم من القود، وقال الآخرون: يقتل الآمر والمكره، فإذا ثبت القصاص بطل الميراث.
قال سحنون: ولو كان المكره غلاما لم يبلغ فأكرهه سلطان حتى قتل فلا شيء عليه، وله الميراث، وكذلك لو قلته من غير إكراه لأن قتل الصبي خطأ وقاتل الخطأ يرث من المال دون الدية.
قال سحنون: والقود على الذي أكرهه، قاله بعض أصحابنا، وقال بعضهم: لا قود عليه، وقال بعض أصحابنا: ولو كان معتوها إلا أنه يعقل ما يؤمر به: فالقود على الآمر، وقال بعضهم: لا قود على الآمر وعليه الدية.
قال سحنون وأهل العراق: ولو كان الآمر غلاما لم يحتلم إلا أنه يعقل أو رجلا به مرة إلا أنه مختلط العقل وهو مسلط يجوز إكراهه ويطاع في ذلك، فأكره رجلا على قتل رجل بتهديد بقتل أو تلف حتى قتله، فإنه يقتل القائل ولا ميراث له إن كان هو وارث/المقتول، لأنه فعل مالا يجوز له.
قال سحنون: وإن كان المكره وارث المقتول وهو غير بالغ أو مختلط العق لا يجرى عليه قلم فلهما الميراث، لأنهما لو تعمدا القتل ورثا، ولو كان المكره الذي يرث المقتول كبير عاقلا لم يرث في قول أكثر أصحابنا، ولو أن الأب أكره رجلا على قتل ابنه وهو يعقل فقتله فقال أصحابنا: القود على القاتل ولا يرث الابن من الابن شيئا ولا قود على الأب.
[10/ 272]

(10/272)


في الإكراه على قتل رجل نفسه أو إزالة بعض أعضائه، أو هلاك ماله م أو على قتل عبده
قال سحنون قال أصحابنا ومن خالفهم فيمن أكرهه لص غالب على قطع يد نفسه: إنه يسعه أن يقطعها، وأختلفوا في القصاص من المكره له فقال أصحابنا: لا قصاص له عليه لأنه لم يل الفعل وعليه دية اليد في ماله، وقال من خالفنا: له أن يقطع يد الذي أكرهه وقاله سحنون: وهو القياس.
وقال عبد الله: روي مثله على أشهب في رجوع الشاهدين في القتل أو القطع وإقرارهما بالزور: أنه يقتص منهما، وبه قال محمد بن عبد الحكم، وروي ذلك عن علي بن أبي طالب، وقد بينا ذلك في كتاب الشهادات.
قال ابن سحنون: ولو أكرهه على أن يطرح نفسه في نهر أو نار أو يلقي نفسه من فوق بيت وتوعده في ذلك بالقتل فقال سحنون: لا يسعه أن يفعل ذلك لأن ذلك فيه تلف نفسه فتلف نفسه بفعل غيره أولى.
وهذا إن كان تلفه في ذلك الفعل لا محالة، وإن كان قد يعيش منه أو لا يعيش/وسعه أن يفعل ذلك لرجاء البقاء، قال سحنون: فإن أخطأه البقاء وأصيب فالدية في مال الذي أكرهه.
قال سحنون: ولو قيل له: لنقتلنك بالسياط أو بالعذاب أو بأمر هو اشد عليه من السيف أو لقتلن نفسك بهذا السيف لم يسعه أن يفعل ذلك بنفسه، وقال بعض أصحابنا: فإذا فعل ذلك الفعل الذي أكره عليه فتلفت نفسه لم يقتل الذي أكرهه وكانت عليه الدية في ماله وقد قيل: إنه يقتل.
قال سحنون: فإذا أكره بقتل أو بقطع يده على طرح ماله في البحر أو أن يحرق ثيابه أو يكسر متاعه ففعل فإن من أكرهه يضمن له القيمة فيما يقول، والمثل فيما يوزن ويكال، وقال مثله أهل العراق وقالوا: وأما لو أكرهه بحبس أو بقيد لم يضمن وقد ناقضوا في هذا.
[10/ 273]

(10/273)


قال سحنون: وإن أكرهه أن يأكل طعام نفسه أو يلبس ثوبه حتى خرقه فلا يضمن من أكرهه، لأن منفعة ذلك وصلت إليه.
ولو أكرهه على أن يقتل عبد نفسه بسيف أو يقطع يده لم يسعه ذلك بخلاف شرب الخمر، فإن فعل اثم ويضمن له من أكرهه ما نقص العبد القطع، وقيمته إن قتله.
قال سحنون: وإذا أكره السيد على قتل عبده وفي وقبته جناية خطأ بوعيد بقتل أو ضرب أو سجن فعلى السيد الأقل من قيمته أو من أرش جنايته لأهل الجناية، ثم رجع هو بذلك على من أكرهه.
قال محمد: وإنما هذا من باب من أكره على إتلاف متاع رجل فيغرم ذلك المستهلك فيرجع بما غرم على من أكرهه.

/في الإكراه على البيع والشراء، وكيف إن أحدث المشتري أو البائع في ذلك بيعا أو عتقا، أو أجاز أحدهما البيع بعد ذلك، أو كلاهما؟
من كتاب ابن سحنون: قال: أجمع أصحابنا وأهل العراق أن بيع المكره لا يلزمه قال: ولا خلاف في هذا بين العلماء. وكذلك ذكر أبو بكر الأبهري أنه إجماع.
قال محمد: قال سحنون: وقال أصحابنا وأهل العراق: ولو أن لصوصا ممتنعين قال أصحابنا: أو غير ممتنعين أو غير لصوص أكرهوا رجلا بوعيد بقتل أو قطع أو قطع أو ضرب يخاف منه التلف على أن يبيع عبده من فلان بألف درهم وهو يساوي ألفين، أو أمره بذلك وهو يخاف إن لم يفعل أن يناله ذلك لما رأى من
[10/ 274]

(10/274)


حالهم قال أصحابنا: أو أكرهوه بوعيد بسجن أو قيد على أن يبيع ويدفع ويقبض الثمن والمشترى غير مكره فلما وقع البيع وتقايضا وتغرقا فال: قد أجزت هذا البيع وهو آمن: إن ذلك يلزمه، وكذلك أو لم يكن قبض الثمن ثم قبضه.
قال سحنون: ولو أن المشترى أعتقه أو ديره قبل أن يجيز البائع البيع فالبائع مخير في إجازة البيع فيهم ذلك أو لا يجيزه وله أجر عبده، ويبطل العتق والتدبير، ولو كانت أمة فوطئها المشترى فأحتلها قبل أن يجير البائع فعليه الحد، وللبائع أخذها وولدها رقيق له، ولو أجاز البائع البيع بعد ذلك لم يلحق الولد بالمشترى ولم يسقط عنه الحد بذلك ولو لم يحدث في الأمة والعبد حدثا حتى قال المشترى للبائع: قد نقضت البيع/لأنك مكره فقال له البائع: فأنا أجيره ولا أنقضه فأن ذلك للبائع، ويلزم ذلك المشترى لأنه غير مكره وإنما الخيار لمن أكره، قال: ولو لم يكن هذا حتى باع المشترى العبد فإن البائع على الإكراه مخير في رد البيعين وأخذ عبده، أو يجيز البيع الأول ويأخذ الثمن من المشترى منه ويتم حينئذ البيع الثاني أيضًا، وإن شاء أبطل البيع الأول وأجاز المشتري وأخذ الذي قبضه البائع الثاني من المشترى الثاني على البائع الأول، وكذلك لو تداولته بيوع فكان له نقضها كلها أو يجيز منها ما شاء بثمنه، ولو أعتقه آخرهم فإن أبطل جميع البيوع بطل العتق، وإن أجاز البيوع أو آخر البيوع فعتق الآخر جائز، ويبطل من البيوع ما كان قبل الذي أجاز يبعه.
قال سحنون: ولو كان إنما أكره المشتري على الشراء وعلى دفع الثمن وقبض العبد، والبائع غير مكره ففعل ذلك، ثم إن المشتري بعد أن قبض العبد أحدث فيه عتقا أو تدبيرا أو كتابة، أو كانت أمة فأحبلها أو قبلها لشهوة أو نظر إلى فرجها لشهوة أو قال: قد أجزت ذلك البيع فذلك كله يلزمه، وهو كمن
[10/ 275]

(10/275)


اشترى بالخيار ثلاثا ثم فعل ذلك أيام الخيار، ولو كان البائع هو المكره فأعتقه المشتري أو دبره قبل يقضه فذلك باطل، وكذلك لو كان قبضه قال: ولو أعتقاه جميعا معا جاز عتق البائع ولم يجز عتق المشتري، لأن البائع هو المكره فلم/يدخل في ملك المشتري بعد.
قال سحنون: ولو أن المتبايعين أكرها على التبايع التقابض ففعلا، ثم أجاز أحدهما البيع آمنا فالأمر للآخر كأنه بالخيار، فإن أجازا جميعا جاز وإلا رد فإن أجازه البائع سئل المشتري: فإن أجازه تم وإلا رد.
وما أحدث المشتري فيه من عتق باطل إلا أن يجيز البائع البيع فيكون كأنهما أجازا، وعلى المشتري الثمن، ولو أعتقاه جميعا قبل الإجازة كان عتق البائع أولى، ولو أعتقاه بعد أن أجاز البائع البيع فعتق البائع باطل لأنه أعتق ما تم فيه ملك المشتري، ويتم عتق المشتري في قول بعض أصحابنا إذا أعتق بعد علمه بإجازة البائع، قال بعضهم: لا يتم عتق واحد منهما إلا بعد إجازة البائع منهما ولو أن المشتري أجاز البيع أولا ثم أعتقاه جميعا جاز عتق البائع وبطل عتق المشتري لأنه في ملك البائع بعد.
قال سحنون: ولو أجاز البائع البيع بعد عتق المشتري فذلك إجازة منهما ويتم العتق، وإن كان البائع أعتق أولا فقد نقض البيع ولزمه العتق ويبطل عتق المشتري بعده، ولو أعتق البائع بعد أن أجاز البيع ثم أعتق المشتري فالعتق في قول بعض أصحابنا للمشتري، ولو كان الذي أجاز البيع أول مرة المشتري ولم يجز البائع فعتق البائع جائز ولا عتق للمشتري، ولو أعتقاه جميعا بعد إجازة البائع للبيع فعتق المشتري أولى في قول بعض أصحابنا، وإن أعتقاد جميعا معا بعد إجازة المشتري فالعتق عتق البائع لأن ملك البائع غير مستقل بإجازة المشتري.
[10/ 276]

(10/276)


قال محمد:/قال أهل العراق معنا فيمن أكره على البيع فباع فالبيع باطل وهذا إجماع العلماء أن البيع على الإكراه باطل، قال محمد: وفي هذا دليل على أن البيع غير ناقل للملك، ثم نقض هذا أهل العراق فجعلوا المشتري إذا اعتق أو دبر العبد المبيع أو أولد الأمة فليس للبائع رد ذلك، ويسألون: هل بيع الإكراه ناقل؟ فإن قالوا: لا. بطل عتق المشتري وتدبيره كما بطلت هبته، وإن كان ناقلا للملك: فأجيروا كل شيء صنع المشتري من هبة وغيرها. وإذا قصد المشتري الشراء بعد علمه بالإكراه صار كالغاصب، وقد أجمع العلماء في عتق الغاصب أن للسيد أن يزيله ويأخذ عبده، وقد قال من خالفنا: إن له أن يضمن إن شاء الذي ولي الإكراه، وإن شاء المشتري المعتق فقد جعلوه في معنى الغاصب، وقد أجمعوا أن بيع المشتري وصدقته باطل، وأن بيع المشتري الشراء الفاسد ماض وموجب للقيمة ففارق المشتري شراء فاسدا: المشتري من المكره على البيع، وصار كالغاصب، وقال من خالفنا: وإن أكره على بيع أمته بألف، وقيمتها أكثر فباعها بأقل من ألف: إن القياس أن يجوز البيع وفي الإستحسان إبطاله، وقال ابن سحنون: بل القياس إبطاله، لأن الإكراه واقع على البيع ولا ينظر إلى الثمن، وقد أجمعوا على أنه لو أكرهوه على بيعها بعشرة آلاف وقيمتها ألف ففعل: أن البيع باطل قالوا: ولو باعها بألفي درهم لم يكن إكراها لأنه بأكثر مما/أكره عليه. [قال عبد الله: قوله: بأكثر كذلك وقع في الأم واراه بأقل]، قال سحنون: البيع باطل إذا كان لم يخرجها من يد المكره إلا البيع، ولو اكره على بيعها بألف فباعها بألفين فإن كان قادرا على أن لا يبيعها أصلا فهذا يلزمه البيع، فأما إن لم يكن له بدا من البيع فبأي معنى باع فلا يلزمه.
قال أصحابنا ومن خالفنهم: ومن أره على بيع عبده وعلى قبض ثمنه، وأكره الآخر على شرائه ودفع ثمنه إلية ففعلا ذلك، فإن الذي أكرههما يضمن العبد لربه والثمن لدافعه.
[10/ 277]

(10/277)


قال سحنون: وإن قابض الثمن: ضاع مني صدق إن كان مما يغاب عليه، وليس لأحدهما أن يضمن صاحبه شيئا، قال غيرنا: فإن طلب واحد منهما تضمين صاحبه: سئل كل واحد منهما: على أي شيء قبض ما قبض؟ فإن قال: على البيع الذي أكرهنا عليه على أنا راضيان به جميعا لم يضمن مكرههما شيئا، وإن حلفا جميعا ولم يرجع أحدهما على الآخر بشيء، ورجعا على من أكرههما.
قال سحنون: لا يسألهما القاضي على الاعتقاد في القبض ظاهره إكراه إلا أن يتقارا بما ذكر فيكون الأمر كما قال. قال من حالفنا: وإن حلف أحدهما ونكل الآخر لم يضمن الحالف وضمن الناكل إن كان هو قابض العبد، فإن لبائعه أن يضمن الذي أكرههما قيمته إن شاء ويرجع إذا أدي ذلك بما أدى على المشتري الناكل، لأن متولي اإكراه إنما يضمن بإكراهه إياهما على القبض وقد كان البيع قبل القبض، وإن شاء البائع ضمن/المشتري قابض العبد ثم لا يرجع المشتري على من ولي الإكراه بشيء لأنه مقر أنه قبضه على غير إكراه له وليكن له سالما، يريد: بنكوله عن اليمين، ولا يرجع أيضًا على البائع بشيء، وإن كان الناكل قابض المال فلا يضمن متولي الإكراه في العبد شيئا لأن دافعه مقر أنه دفعه راضيا بأخذ الثمن ولا شيء له أيضًا على قابضه [لأن قابضه] حلف: إنما قبضه ليرده، ودافع الثمن مخير أن يضمن قابضه أو يضمن من ولي الإكراه، فإن ضمن قابضه لم يرجع على متولي الإكراه بشيء، وإن ضمن متولي الإكراه الثمن رجع متولي الإكراه به على قابضه، لأن قابضه يزعم أنه أعطاه عيده وأخذ الثمن راضيا، به ويدفع العبد، فصار قابض العبد كأنه لم يقبضه حين لم يلزمه ضمانه، فصار البائع قابض للثمن بغير حق وهو غير مكره فصار ضامنا له، قال سحنون: ولا يمين على واحد منهما لظهور الإكراه، ولكن إن أقر البائع مبتدأ أنه
[10/ 278]

(10/278)


باع عبده بيع غبطة على إكراه، وأنه دفعه ليسلم له الثمن رضاء بالبيع فلا ضمان له على قابض العبد إن هلك بيده، لأنه قبضه مكرها ليرده ولا ضمان للبائع على متولي الإكراه لأنه مقر أنه دفعه راضيا بأخذ الثمن فيه، فعليه رد الثمن وضمان العبد منه، وهو ضامن للثمن والمبتاع مخير إن شاء تماسك بالعبد وإن شاء رده وأخذ ثمنه من البائع ثم لا يرجع به البائع على متولي الإكراه/لأنه مقر أنه باع راضيا وأخذ الثمن فصار منه.
قال محمد: فإن كان البائع معدما فللبمتاع تضمين متولي الإكراه فيأخذ منه الثمن، ثم لمتولي الإكراه أن يرجع بذلك على البائع لأنه مقر أنه قبضه راضيا بالبيع فكأنه لم يكرهه.
قال سحنون: فإن قال المشتري: قبضت العبد في الإكراه راضيا بالبيع فإن كان قائما: فربه مخير بين الرضا بذلك وحبس الثمن أو رده وأخذ عبده، فإن هلك بيد المبتاع ضمنه، فإن كان ما قبض فيه البائع مثل قيمته يوم الإكراه فأكثر فلا شيء له غيره لا على المبتاع ولا على من ولي الإكراه، وإن كان أقل من القيمة فإني أستحسن له طلب تمام القيمة من متولي الإكراه، قال محمد: والقياس أن يكون مخيرا في إتباع من ولي الإكراه أو المشتري، ومن ودي منهما فلا رجوع له على الآخر.
قال سحنون: وإذا قال البائع: قد ضاع مني الثمن فإن أقام بذلك بينة لم يضمنه ويأخذ عبده إن لم يفت والثمن من المبتاع وليس له رجوع به على متولي الإكراه لأنه مقر أنه دفعه رضي بالبيع، وإن كان العبد قد هلك بيد المبتاع، فضمانه منه، وللبائع أن يرجع بقيمته على الذي أكرههما إن تلف الثمن من يده ثم لا يرجع متولي الإكراه بذلك على المبتاع، ولو طلب البائع تضمين المبتاع
[10/ 279]

(10/279)


قيمة العبد ويدع الذي أكرههما فذلك له ثم لا يرجع بذلك المبتاع على متولي الإكراه لأنه مقر أنه إنما قبضه البائع على أن المشتري راض بالشراء، فإن لم تقم/بينة للبائع بهلاك الثمن فهو له ضامن وقد كان يقول: لا يضمنه ويصدق في تلفه ويكون من المشتري.
قال من خالفنا: ولو كان إنما أكرههما على التبايع فلم يذكر التقابض فتبايعا ثم فارقاه فتقابضا فهذا جائز والبيع تام بينهما وتقابضهما رضي بالبيع، قال سحنون: وذلك إذا تقابضا آمنين لا يتعقبان أمرا، فأما إن تقابضا على تقية فهو كالإكراه على القبض واعتل أصحابنا فقالوا: لأنهما لو أجازا البيع آمنين بعد أن أكرها على البيع والقبض أو البيع بلا قبض فإن البيع يجوز ويتم، وقال من خالفنا: وإن أكرههما على التبايع والتقابض بما ليس فيه تلف من وعيد بسجن أو قيد وتقابضا على ذلك فالبيع لا يجوز، فإن ضاع عندهما فكل واحد منهما ضامن لما قبض ولا يضمنه من أكرههما لأنه لم يكرههما بما فيه تلف فلذلك ضمن كل واحد ما قبض إذا كان لا يجوز لهما أن يأخذ أحد منهما مال صاحبه بتهديد بالقيد والحبس.
وقال أصحابنا: الإكراه بالوعيد بالقيد والحبس في معنى الوعيد بالقتل وقطع العضو والحكم في الأمرين سواء.
قال محمد: وقد جامعونا في الوعيد بالقيد والسجن على أن يقر لفلان بكذا أن ذلك باطل، فاجتمعت الأمة في هذا بتساوي الإكراهين فيه، وهذا نقض على من خالفونا فيه من الإكراه على البيع والهبة، وكذلك قالوا: إن أكره بوعيد بقتل أو بسجن أو بقيد على أنه يقر انه أعتق أو طلق أو تزوج فلانه أو عفا عن/دم في نفس أو جراح أن ذلك كله باطل في إجماعهم.
وفرق مخالفنا بين الإكراه بهذا على العفو الماضي والعفو المستقبل، كذلك على عتق أو طلاق مستقبل فهذا عندهم يلزمه ولا يلزمه الماضي إذا أكره على الإقرار به بأي إكراه، قالوا: لأن الإكراه على الإقرار كذلك بخلاف الإكراه على
[10/ 280]

(10/280)


الفعل، ولا فرق بين طلاق ماض وعتق ماض يقر به وبين طلاق أو عتق يبتدئه لأن العلة في أبطال الماضي هي الإكراه وهي قائمة في المستقبل.

في المضغوط بالإكراه على غرم مال ظلما فيبيع عرضه وعقاره في ذلك أو يبيعه أحد من أوليائه
من كتاب ابن سحنون: قال سحنون: ومن أخذ بمال ظلما ليؤديه فأكرهوه على أدائه ولم يذكروا له بيع شبه فباع متاعه أو أمته ليؤدي ذلك المال: إن البيع باطل وكذلك بيع النبط والقبط الذين يعلقون فيبيعون بعض أموالهم ليؤدوا ما علقوا فيه فبيعهم باطل.
قال محمد: وهذا القياس لأن الذي أضطرهم إلى البيع هو الإكراه والتعليق والعذاب، فلما صح أن البيع لرفع ما نزل بهم ثبت أن البيع لعلة الإضطراب وقد أجمعنا على إبطال بيع المكره، وقال من خالفنا: إن البيع جائز لأنهم لم يكرهوا على البيع، ولو أخذوه بمال وأكرهوه على بيع أمته ليأخذوا المال فالبيع باطل ودي المال من ثمنها أو لم يؤده،/لأنه مكره على البيع فكل ما باع فهو فيه مكره.
ومن كتاب ابن حبيب: قال: وسألت مطرفا عن بيع أهل المضغوط متاعه في غير حق لزمه إلا في ظلم الوالي له، قال: سمعت مالكا قال في أهل الذمة: يضغطون فيما تعدي عليهم من جزيتهم وأخذ منهم بغير حق فيرهقون عليه حتى يلجؤون إلى بيع متاعهم في ذلك فذلك بيع لا يجوز عليهم وهم أولى بما باعوا أن يأخذوه بلا ثمن، وليبع المشتري بالثمن ذلك الظالم الذي وصل إليه.
[10/ 281]

(10/281)


قال مطرف: فكذلك في بيع المسلم المضغوط بل هو أعظم حرمة ولأنه بيع إكراه والمكره لا يلزمه ما أكره على فعله من بيع أو طلاق أو عتق ونحوه.
قال ابن حبيب: وقاله لي عبد الله بن عبد الحكم وأصبغ وقالا: إنه قول ابن القاسم وروايته عن مالك.
قال مطرف: وسواء دفع الثمن إلى المضغوط فدفعه المضغوط إلى الظالم الذي ضغطه، أو قبضه الظالم من المبتاع وللمبتاع أخذ متاعه إذا ظفر به كان بيد مبتاعه منه أو بيد ابتاعه من ذلك المشتري أيضًا فله أخذه بلا ثمن يؤديه وليتراجع الباعة ثمنه حتى يرجع به على الظالم قال: ولو أن الظالم إنما وكل بذلك بعض أعوانه حتى يبيع ويأخذ منه الثمن فقبضه الوكيل، فللمبتاع أن يرجع بالثمن إن شاء على الوكيل وإن شاء فعلى من وكله إذا ثبت أنه أوصل المال إليه، أو ثبت أنه أمر الوكيل بقبضه، وأن الوكيل قبضه فكلاهما ضامن مأخوذ به،/وكذلك المظلوم ولو وجد متاعه قد فات فله أن يرجع بقيمته أو بثمنه الذي بيع له أيهما أكثر إن شاي على الوكيل أو على الذي وكله على ما بينا.
وقال ابن عبد الحكم وأصبغ: مثل ذلك كله.
وقال مطرف: وإن ادعى أنه لم يرض ما امره به الظالم من رهق المظلوم وإغرامه وأنه خاف إن لم يفعل أن يعاقب فلا عذرا له في ذلك، وكان من أعوانه أو من غير أعوانه ممن قد أمره بذلك، وقد قال النبي عليه والسلام: لا طاعة لمخلوق في معصيته الخالق وكذلك كل ما أمره أن يفعله في مسلم ظلما من قتله أو قطعه أو جلده أو أخذ ماله وهو يخاف إن لم يفعل نزل به مثل ذلك فلا يسعه أن يفعل، فإن فعل لزمه القود بما قتل أو قطع أو ضرب، والغرم إن أغرم أحدا شيئا أو قيمة ما باع له.
[10/ 282]

(10/282)


قال عبد الله: قوله أو ضرب يعني: أنه يؤدب لا بمعنى القصاص في الضرب قال: ولا يسعه لو هدد بالقتل على أن يزني أو أن يجلد رجلا أو يقطع أو يقتله فلا يفعل وإن قتل إن لم يفعله، وكذلك قال عبد الله بن عبد الحكم وأصبغ.
قال مطرف: وإذا عرف بيع المظلوم متاعه في مظلمته ثم لا يدري أوصل الثمن إلى الظالم في ذلك المغرم أو صرفه في مصالح نفسه، فإذا كان ظلمه له وعداؤه عليه وقهره له معروفا حتى باع متاعه فإنه يحمل على أنا لثمن وصل إلى الظالم حتى يستقين أن ذلك دخل في غير مظلمته وفي منافعه فلا يصل حينئذ إلى أخذ متاعه حتى يدفع الثمن إلى متاعه، وقاله/ابن عبد الحكم وأصبغ.
قلت لمطرف: وسواء عرف المشتري أن ما اشتري لمضغوط أو لم يعلم فإنهم يخرجونهم عندنا من السجن بغير وكيل ولا حديد فيقفون لبيع أمتعاتهم فإذا أمسوا ردوا إلى السجن وقد وكل بهم حراس، أو أخذ عليهم حملاء، والمشتري لا يعلم بذلك أو يعلم، ومنهم من هو ظاهر في كبل وعذاب، ومنهم هارب وقد أخذ متاعه يباع قد أمر بعض أهله ببيعه، قال: كل هذا سواء وهو بيع الإكراه لأنه أسير مغلوب فلا تباع، علم المبتاع أو جهل إلا أن من علم مأثوم بالقصد، وقال مثله ابن عبد الحكم وأصبغ.
قلت لمطرف: فإن منهم من ليس عنده إلا ما يبيع ومنهم الملي، المستغني عن البيع وعنده العين ولكنه يخاف إن فعل ذلك زيد عليه في الغرم فقال: ذلك سواء وكلاهما مظلوم مضغوط، وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ، قال مطرف: من كان من المشترين يعلم حال المضغوط فإنه ضامن لما ابتاع من رقيقه وعروضه كالغاصب، وأما من لا يعلم منهم ونشتري منه في السوق ولا يعلم فلا يضمن الرقيق والحيوان ويضمن ما انتفع فأكله ولبسه والغلة له، وأما العالم فلا علة له وهو
[10/ 283]

(10/283)


لها ضامن، وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ، قال مطرف: كل ما أحدث المبتاع فيما ابتاع من ذلك من عتق أو تدبير أو كتابة فلا يلزم المظغوط وله أخذ رقيقه كان المبتاع قد علم حاله أو لم يعلم، وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ.
قال مطرف: وإذا أخذه بمال ظلما مثل أن يحمله مغارم الذين خلوا من بلده وغير/ذلك من الظلم فيقول له: دعني أبع متاعي وأود متاعي فيدعه بلا حميل ولا وكيل ولا حرس اقتدارا عليه فيبقى مسرحا يقدر أن يهرب إلا أنه يخشى إن هرب خالفه إلى منزله بالاجتياح والمعرة في أهله فيقيم ويبيع رقيقه ومتاعه لذلك، فهو عندنا مثل من هو في حبس أو موكل به، لأنه في قبضته وسواء أمره ببيع متاعه أو أمر بذلك بعض أعوانه، وقاله ابن عبد الحكم.

في المضغوط يبيع ولده، أو زوجته، أو أبوه متاع أنفسهم في فدائه
قال ابن حبيب: قال مطرف في المضغوط يرهق في غير حق فتبيع زوجته أو ابنه أو أبوه قربيه متاع أنفسهم في افتكاكه قال: هؤلاء يلزمهم البيع بخلاف بيع متاع المضغوط، لأن هؤلاء لو لم يبيعوا متاعهم لم يطلبوا، فلهم أجر ما احتسوا، وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ.
في بيع أهل الذمة فيما يؤخذون به
قال ابن حبيب: قال مطرف: وأما ما باع أهل الذمة فيما يؤخذون به من جزيتهم ويعذبون على أدائه، فإذا لم يتعد عليهم بالزيادة في جزيتهم فبيعهم لازم وكذلك فيما صولح عليه أهل الصلح، وما جعل على أهل العنوة من الجزية إن لم
[10/ 284]

(10/284)


يتعد عليهم في ذلك بظلم وزيادة، وكان ينبغي أن يرفق بهم في ذلك ولا يقدحوا، وأما ما باعوا فيما يظلمون به ويتعدى عليهم فهو كبيع المظغوط من المسلمين بالظلم وإذا واجروا أولادهم/في حال الظلم والعداء لم يجز أن يدخل في ذلك، ومن فعله فعليه أجر مثله ثانية ولا يحاسب بالأول، وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ.

في المضغوط يعطى حميلا، أو يتسلف هل يلزمه؟ وهل يلزمه ما باع من عروضع لذلك؟
قال ابن حبيب: قال مطرف: وإذا أعطى المضغوط حميلا فيما أخذ منه من الظلم لينفسخ في جمع ما أخذ به، فما باع على هذا فهو كبيع من هو في سجن أو كبل.
ولو تغيب فودي الحميل ما ضمن فإنه لا يرجع بذلك على المضغوط لأنه ظلم لم يرض ب المضغوط، ولو أن الحميل ضغط فيما ضمن عنه حتى باع متاعه بالرهق والحبس فهو كبيع المضغوط لا يلزم، وقاله محمد بن عبد الحكم وأصبغ.
وروى بعض الأندلسيين عن ابن مزين عن أصبغ في المكره على غرم مال بغير حق فيتسلف من الرجل في ذلك: إن له أن يرجع عليه بما تسلف بخلاف البيع لأن السلف معروف، قال الفضل بن سلمة: وكذلك على أصله الكفالة لأنها معروف.
في الوالي يغزل فيكره على غرم مال فيبيع فيه رقيقه ومتاعه
قال ابن حبيب: قلت لمطرف في العامل يعزله الوالي على سخطة فيغرمه مالا على رهق وعذاب حتى يلجأ إلى بيع رقيقه ومتاعه، أبكون كبيع المضغوط
[10/ 285]

(10/285)


المظلوم ويرجع فيأخذ متاعه بلا ثمن؟ قال: لا وإنما قال ذلك مالك في المضغوط مظلوما فأما الظالم المتعدي فبيعه في ضغطته يلزمه ولا رجوع له فيه سواء كان الذي عزله يرد ما/أغرمه على من كان يظلمه المعزول أو يأخذه لنفسه على غير تحرى للعدل فذلك بيع ماض كالمضغوط في حق عليه أو دين يبيعه فيه، لأن إغرام العمال فيما أخذوه للناس ظلما وعاثوا فيه فذلك حق فعله الوالي بهم، وكان عليه أن يرده إلى أهله، فإذا حبسه فهو ظالم في حبسه كظلمه للرعية في غير ذلك، وقد كان ينبغي للوالي أن يغرمهم لكل من طلموه وأخذوا منه شيئا ظلما ولا حجة لهم إن قالوا: أخذنا ذلك لمن ولانا ويقاد منهم لكل من جلدوه بغير حق أو قطعوه، ويقاد منهم في القتل بغير حق وسواء ولي لهذا بطوع أو كره.
قلت له: ومن العمال عندنا من يتقبل الكورة بمال يلزمه نفسه، ثم يأخذ الناس بما شاء من الظلم، فربما عزل عجز ذلك عليه فطولب فيه بالرهق والعذاب حتى يبيع متاعه: نعم بيع هذا ماض عليه كان مطلقا أو غير مطلق حين بيعه، وكذلك متقبلوا المعادن فيما عجز عليهم فيؤخذون بذلك فيبيعون في ضغطة فذلك نافذ عليهم، وقاله وقاله لي ابن عبد الحكم وأصبغ.

في أشرية الأمراء العقار والرقيق من أهل عملهم
قال ابن حبيب: سألت مطرفا عن أشريه الأمراء دور أهل بلدهم ووصفت له حالهم فقلت له: إن أميرهم ربما سخط عليهم فقتل رجالا منهم ونفى الباقين من بلدهم من دورهم وقراهم إلى أقصى بلدهم، ثم أخذ في أشريه ذلك منهم وهم منفيون فيأتي الرجل منهم/فيدخل البلد آمنا حتى يشتري منه قريته أو داره وينقده الثمن ثم يؤمر بالخروج عن بلده إلى موضع كان فيه، ومنهم من يؤذن له بالمقام قال: إذا لم يرد عليهم رباعهم قبل الشراء ردا بينا في أمن حتى يملكوها في أمن إن شاؤا باعوا وإن شاؤا أمسكوا غير منفيين عنها ولا مشردين، فلا يجوز بيعهم ولا يلزمهم، وذلك كالغاصب للشيء يشتريه من ربه قبل أن يمكنه فيه ويرده إليه
[10/ 286]

(10/286)


فلا يجوز ذلك إلا على ما بينت لك، قلت: إنهم لم يغصبوهم قراهم: إنما نفوهم منها سخطة عليهم ويقيت خالية إلا أهم ممنوعون عنها ومدفوعون عنها، قال: هذا هو الغصب نفسه، ولا يجوز بيعهم إلا على ما ذكرت لك، أحق بما باعوا أن يسترجعوه ويقاضوا في الأثمان التي أخذوا بما أصيب من غلاتهم أرضهم ودورهم، وعليهم قيمة بني في القراض من البنان منقوضا، قال:: ولو كان إنما باعوا من غير الذي نفاهم ثم خلص المشتري من يد الذي نفاهم، قال: يكون سبيل هذا الشراء سبيل البيع الفاسد إذا كان ممنوعا من صاحبه في وقت بيعه فهو بيع مفسوخ متى ما عثر عليه، وغلته للمشتري، ولا كراء عليه فيما سكن وازدرع، قلت: فما بني في القراض؟ قال: إن كان البائع كان قادرا على حقه حين زال من يد الذي نفاه عنه إلى يد المشتري بإزاله قيمته يومئذ إذا فات بالبنيان، وإن كان البائع كان أبدا ممنوعا من حقه. وبعد أن زايل يد الذي نفاه عنه إلى يد المشتري حتى لو قام/فيه يومئذ منه فأراه كالمستحق له، وقد بنى بشبهة لأنه يوم فات بالبناء كان ممنوعا معه ففارق هاهنا البيع الفاسد، وليحكم في المستحق من قيمة البناء قائما بعد أن يرد إليه رأس ماله، وهذا إن كان المشتري ليس من أهل الذي نفاهم ولا من أعوانه، فإن كان منهم فشراؤه كشراء الظالم نفسه منهم.
وقال ابن الماجشون: مثل ذلك كله، وكذلك قال ابن عبد الحكم وأصبغ قلت لمطرف: فلو أمنوا بعد تشريدهم فرجعوا إلى بلدهم وأمنوا على دمائهم وأموالهم غير أنهم منعوا من البناء في عراصهم التي تهدمت ومنع الناس جميعا البنيان إلا من كان منهم يحاص فباعوا عراصهم تلك؟ قال: أرى بيعهم جائزا لأنهم باعوا ما قد رد عليهم، ولو شاءوا تركوها في ملكهم إلى أن يؤذن لهم في بنائها إلا أن يكون المشتري هو السلطان الذي منعهم البنيان أو أحد من أعوانه، فيكون كالغاصب، وقال مثله ابن الماجشون وانب عبد الحكم وأصبغ.
[10/ 287]

(10/287)


قلت لمطرف: فشراؤهم رقيق الناس وهم إذا هووا العبد أعطوا ربه بخسا من الثمن ولا يسعه أن يأبى أخذه فيأخذه كارها، قال: هو كبيع المكره ولا يضره قبضه للثمن وله أخذ عبده إذا قدر، وأخذ خراجه أو أجرة عمله إن كان له عمل، ويقاص بذلك في الثمن الذي أخذه، وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ.
قلت لمطرف: فيمن خاف أن يبيع منهم عبده فأعتقه أو دبره أو كاتبه وأشهد سرا: أني أقبل ذلك ليقر العبد عندي ولا يستتبع منه، قال: ذلك جائز إذا أشهدهم حين يريد أن يفعل،/ويشهدهم أو غيرهم على العتق والتدبير، وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ.
فيمن أكره على شراء من يعتق عليه، أو على أن يملك عبده العتق، أو يحلف بالحرية، أو يكره على أن يهب عبده أو يبيعه فأعتقه الموهوب أو المشتري
من كتاب ابن سحنون: وقال من خالفنا: وإذا أكره على أن يشتري من يعتق عليه، أو على شراء أمة حلف بعتقها إن اشتراها وقد أكره على شرائها بأكثر من القيمة ففعل أنهما يعتقان، ولا يغرم إلا القيمة ويرجع بما زاد عليها إن دفع الثمن إلى البائع، فيقاصه ولا يرجع على من أكرهه بشيء، وكذلك لو كانت يمينه: إن اشتريتها فهي مدبرة فألزموه التدبير قالوا: وأما لو أكرهه على عتق عبده ففعل فهذا يعتق ويرجع بقيمته على من أكرهه.
قال محمد: وقد نقضوا أصلهم في هذا، ثم نقضوا هذا أيضًا فقالوا: ولو اكرهه على أن يجعل عتق عبده بيد رجل وطلاق امرأته ولم بين بها فطلق الرجل عليه وأعتق: إن ذلك يلزمه ويغرم من أكرهه له قيمة العبد ونصف الصداق.
[10/ 288]

(10/288)


قال محمد: والمكره على شراء ابنه أبين في أن يضمن، لأن ذلك أكره على أن يوكل فأعتق الوكيل وهذا إكراه على شراء كان عنه العتق، فهذه مناقضة وقالوا: لو أكره على أنه يقول: كل عبد أملكه في المستقبل حر، ثم ملك عبدا بشراء أو غيره: إنه حر ولا يضمن من أكرهه وهذه مناقضة، ثم نقضوا هذا فقالوا: ويستحسن أن لو ملكه بميراث أن يضمن من أكرهه/أن يكون إكراهه بقيد أو سجن فلا يضمن قالوا: وإن أكره على أن يقول لعبده: إن شئت الحرية فأنت حر قال: فشاء العبد الحرية، أو على أن يقول له: إن دخلت الدار [فأنت حر]: ثم دخل العبد الدار إنه حر ويضمن قيمته من أكره السيد، وهذا رجوع عن قولهم في الإكراه على شراء من يعتق عليه وقالوا: وإن أكره على أن قال لعبده: إن صليت فأنت حر أو إن كانت أو شربت فأنت حر فقال ذلك، وفعل العبد ذلك: إنه ويضمن من أكره السيد، وأما إن أكره على أن يقول: إن تقاضيت ديني على فلان أو إن أكلت طعاما غدا أو دخلت دار فلان فأنت حر فقال ذلك، وفعل العبد ذلك، فهو حر ولا يضمن من أكرهه شيئا.
قال محمد: وهذا مناقضة.
قال سحنون: والمكره على شراء من يعتق عليه أو على أن يحلف بعتق من يملك إلى أجل فيفعل، أو على تمليك العبد العتق، أو على أن يحلف بحريته إن فعل كذا وكذا فيفعل ذلك، ويكون ما حلف عليه، فذلك كله باطل لا يلزمه.
وقال من خالفنا: وإذا أكره على أن يهب أمته وعلى أن يدفعها إلى الموهوب ففعل فأعتقها الموهوب أو دبرها أو أولدها فذلك ماض، ولربها تضمينه قيمتها، ثم لا يرجع الغارم بشيء على متولي الإكراه، ولربها طلب الذي أكرهه بذلك ثم يرجع بما ودي على الموهوب.
[10/ 289]

(10/289)


قال سحنون: ذلك كله باطل ولربها أخذها، وإن أولدها الموهوب فهو زان ولربها أخذ الولد معها رقيقا، وله في التي ولدت خاصة تركها وتغريم/المكره له قيمتها لأن الولادة تنقصها وليس له ذلك في العتق والتدبير لأنه لم ينقصها، وكذلك المشتري على الإكراه يولدها إذا علم بالإكراه فهو كالغاصب، وليس له في العتق والتدبير تضمين واحد منها لا متولي الإكراه ولا الموهوب إلى المشتري، وللمكره في البيع إجازة البيع وأخذ الثمن وله أن يضمن من أكرهه قيمتها إذا ولدت ثم يرجع إذا ودي القيمة على المبتاع بالأقل منها أو من الثمن، ويرد الثمن أو يقاصه به. قال سحنون: والإكراه علي البيع والهبة غير مزيل للملك، فما أحدث المشتري في ذلك فهو في غير ملكه، وقد جامعونا فيما أحدث من بيع أو هبة أو صدقة: أنه مردود وإن قبض بذلك وفرقوا بين ذلك وبين من أحدث من عتق وتدبير وإيلاد، ولا فرق ببين ذلك، وما جامعونا فيه حجة لنا فيما خالفونا فيه من ذلك.
وفي باب الإكراه علي البيع تمام القول في هذا والحجة فيه.
فمن أكره على أن يفعل شيئا فيفعل
غيره، مثل أن يكره على أن يبيع فيهب
أو يبيع على غير الوجه الذي أكره عليه،
أو على أن يهبه فيتصدق عليه، أو يحله،
أو على الصدقة فوهبه ونحو هذا
قال ابن سحنون: قال سحنون: ومن أكره بوعيد بقتل أو قطع وما فيه تلف أو يقيد أو بسجن على أن يبيع أمته من فلان/فوهبها له إن ذلك باطل، لأنه فعل مكره، وكذلك لو أكره على أن يقر له بألف درهم فوهب له ألف درهم فذلك باطل حتى يهبه وهو آمن.
[10/ 290]

(10/290)


وقال من خالفنا في الوجهين: إن ذلك جائز، وجامعونا على أنه إن أكره على أن يبيع أمته ولم يسم له أحد فباعها أن البيع باطل، ويلزمهم أن يجيزوا البيع لأنه لم يكره على البيع من هذا بعينه كما قالوا: إذا أكره على أن يقر له فوهب له أن ذلك لازم قالوا: وإن أكره على أن يبيعها من فلان بألف درهم فباعها منه بألف دينار: إن القياس إجازة البيع، وفي الإستحسان إبطال البيع لأن الدنانير والدراهم شيء واحد في البيوع، قال محمد: وإذا كان شيء واحد فهو نقص لما قالوا إذا أكره على أن يقر له بألف درهم فأقر له بمائة دينار إن ذلك حائز ولا فرق بين هذا.
وقال سحنون: لا يجوز البيع في جميع هذا وكذلك لو أخذ بمال ظلما أو كره على أدائه ولم يكره على بيع شيء فباع شيئا ليؤدي ذلك: إن البيع باطل وغيرنا يجيزه، وذلك باطل لأن الإكراه سببه وقد تقدم هذا في باب آخر. قال سحنون: وإذا أكره على أن يهب الرجل فيتصدق عليه أو على أن يتصدق عليه فوهبه فذلك غير لازم.
وقال أهل العراق: إن ذلك يلزمه لأنه غير ما أكره عليه.
قال سحنون: وهذا فاسد/إلا أن يكون قادرا على إمساك سلعته والامتناع من الأمر الذي يزيلها عن ملكه فهو إن أخرجها من ملكه بأي معنى كان قادرا ألا يفعله فهذا يلزمه ما فعل.
وقد جامعونا على أنه إن أكره على أن يهبها له ويدفعها إليه فنحلها له أو أعمره إياها: إن ذلك باطل قالوا: لأن الهبة والعمرى والنحل بمعني واحد والصدقة غير ذلك وقلنا: وإنما بطل ذلك لأنه فعل عن إكراه.
قال سحنون: ولو شهد شاهدان على رجل لرجل فقال أحدهما: إنه نحله هذه الدار وقبضها، وقال الآخر: إنه أعمره إياها كانت الشهادة مختلفة وإن
[10/ 291]

(10/291)


ادعى المدعي شهادتها بطلت كلها، وإن ادعى شهادة أحدهما حلف معه وقضي له، لأن العمري عندنا راجعة بعد موت المعمر إلى صاحبها بخلاف الهبة.
ولو شهد أحدهما بالهبة لغير ثواب، وشهد الآخر أنه نحله أياها أو تصدق بها عليه فهذا معنى واحد ويقضي بها للمدعي.
ولو قال: إنه تصدق بها عليه وقال الآخر: إنه وهبها له للثواب فالشهادة مختلفة، وإن ادعى أحدهما حلف مع شاهده بذلك، فإن ادعى هبة الثواب غرم الثواب، وإن ادعى شهادتهما جميعا بطلت دعواه.
قال سحنون: وإن أكره على أن يهب ويدفع فوهب على عوض ودفع وقبض العوض فذلك غير لازم له.
قال: ومن خالفنا يلزمه ذلك لأن هذا كالبيع.
قال سحنون ولو/أكره على أن يهب على عوض فوهب على غير عوض فلا يلزمه، لأنه إنما أكره على إزالة الملك، وقال أهل العراق: ذلك يلزمه.
قال محمد: وقد جامعونا إنه إن أكره على أن يهب على عوض ويدفع فباع ذلك ودفع وقبض: أن ذلك باطل، وكذلك إن أكره على البيع فوهب على عوض، وهذا دليل أن الإكراه إنما على إزالة الملك، قالوا جميعا: وإن أكرهه على أن يهبه ويدفع ففعل ثم عوضه الآخر بغير إكراه فقبله، فذلك إجازة منه لهبته.
قال سحنون: وذلك إذا قبض العوض آمنا في موضع لو قام المكره على هبته لأخذها، فإن قال المكره: لا أسلم العوض وقد سلمت أنت الهبة حين رضيت بالعوض فلا أدفع أليك العوض، فليس له ذلك لأنه إنما أسلم الهبة على العوض فهو كإشتراط العوض، قالوا جميعا: ألا ترى لو وهب رجل جاريتي وقلت له: عوضني منها فعوضني عوضا قبضته كان هذا إجازة للهبة، وإن أبى هو من
[10/ 292]

(10/292)


العوض فليست بإجازة، وكذلك لو أكره على بيع عبده بألف درهم وعلى دفعه وقبض الثمن ففعل ثم قال له: زدني في البيع كذا على أن أجيز البيع فلا تكون إجازة حتى يزيده الآخر، وإن لم يزده فله رد البيع.
قال سحنون: ولو أكرهه على أن يبيع منه بيعا فاسدا فباعه منه بيعا صحيحا فإن كان قادرا على أن لا يبيعه منه فبيعه يلزم، وإن كان لا بد أن يخرجه من ملكه بهذا البيع أو بغيره فلا بلزمه البيع.
وكذلك على أن يبيعه منه بيعا فاسدا أو يدفعه إليه فباعه بيعا صحيحا ودفعه إليه.
وقال/من خالفنا: البيع لازم، لأنه غير ما أكره عليه.
قال محمد: ويدل على ما قلنا أنا وإياهم مجمعون على أنه إن أكرهه على أن يبيعه منه بيعا صراما أو يدفعه إليه فباعه منه بيعا فاسدا ودفعه إليه ففات عند المشتري فإن ضمنه لم يرجع على من ولي الإكراه، وإن ضمن من ولي الإكراه رجع على المبتاع إذا أكرهه على بيع جائز فباعه بيعا فاسدا ودفع فلم يخالفه لأنه باعه بيعا دنه ما أمره به.
قالوا جميعا: وإن أمره أن يبيعه بألف نقد بيت المال فباعه بألف غلة فلا يلزمه هذا حجة عليهم.
وقالوا في المكره على هبة نصف دار مقسوم ويدفعه، فوهبه جميع الدار ودفعها فالهبة جائزة ولا ضمان على من أكرهه، وكذلك لو أمره أن يبيع منه نصفها مقسوما ويدفع إليه فباعه جميعها فذلك جائز في القياس، ولا يضمن من أكرهه شيئا، ولو قسم كما أمره في إكراه البيع أو الهبة ثم باع أو وهب نصفا مقسوما فالذي أكرهه ضامن، وهذا القياس ولكنا نستحسن فلا نجيز هبته ولا بيعه في
[10/ 293]

(10/293)


شيء مما أكرهه عليه من مقسوم ولا غيره، وكذلك إن أكرهه على أن يبيعه أو يهبه شيئا من هذه البيوت فباعه البيوت كلها أو وهبها له كان ذلك باطلا في الإستحسان، لأنه أكرهه على بعضه.
قال محمد: وهذا رجوع إلى قولنا وليس باستحسان ولكنه قياس.

فيمن أكره على فعل شيء فيفعله أو أكثر منه، أو يفعله وشيئا غيره أو على البيع فباع ودفع، أو على إقرار بشيء فأقر بأكثر منه أو بأٌقل أو به وبغيره؟
قال ابن سحنون: قال سحنون وغيره ممن لقيت من علمائنا فيمن أكره بوعيد بقتل أو قطع أو ما فيه تلف أو بقيد أو سجن على أن يهب نصف دار شائع أو غير شائع، وأن يدفعه، فوهب الدار كلها ودفعها، إن ذلك باطل لا يلزمه منه شيء لأنه عن إكراه.
قال سحنون: ولو أكره على بيع عبده من رجل بألف درهم ولم يأمره بدفع فلا ضمان على الذي أكرهه إن هلك العبد وكان المبتاع عديما.
وقال صحابنا وأهل العراق: لأنه لم يأمره بالدفع إنما أمره بالبيع.
قال سحنون: ولو هلك العبد بيد البائع فلم يقبضه المبتاع فهو من البائع.
قال أهل العراق: وينبغي أن يجوز إذا كان هو الدافع من غير إكراه وقال سحنون: ينظر إلى دفع المكره: فإن دفعه وهو آمن لو شاء أن لا يدفعه أمكنه فهو إجازة للبيع، وأما إن دفعه وهو لا يقدر فليس بإجازة.
قال أهل العراق: وإذا أكرهه على بيع عبده بوعيد بقيد ونحوه وقال: قد حلفت لتبيعنه منهم فباعه منهم، فقد خرج الذي أكرهه من يمينه، فإن دفعه البائع إلى المشتري على ذلك البيع بغير إكراه وقبض منه الثمن جاز البيع وخرج من الإكراه.
[10/ 294]

(10/294)


قال سحنون: إن دفعه يقدر أن لا يدفعه على ذلك البيع فذلك إجازة للبيع وخرج/الحالف من يمينه، وإن دفعه على غير ما وصفت لم يكن بإجازة للبيع ولم يخرج الحالف من يمينه.
قال سحنون: ولو أكوهما على بيعه ولم يذكر دفعا فوهبه ودفعه إلى الموهوب فقبضه فهلك عنده، فإن دفعه وهو قادر على أن لا يدفعه فلا ضمان على الذي أكرهه، لأن هذا متطوع بالدفع، وإن دفعه وهو قادر على أن لا يدفعه فالذي أكرهه ضامن لقيمته، وقال من خالفنا: إذا ملك عنده كان الذي أكرهه ضامنا لأمن أمره بالهبة ولم يأمره بالدفع فقد أمره بالدفع قالوا: ولا بشبه البيع لأن البيع يتم قبل القبض، والهبة لا تتم إلا بالقبض، وإذا قبضه في الهبة فليس للواهب منعه، وإذا قبضه في البيع بمحضر البائع ولم يأمره بقبضه فله أن لا يأخذه منه حتى يدفع الثمن.
قال سحنون: البيع قد يفارق الهبة، وأما ما فوق فيه هذا بينهما فلا يفترق وإذا قبضه بمحضر من البائع فليس له أن يسترده وقال من خالفنا: وإذا اكره على أن يهب لرجل جاريته أو ألفا وقال له: وادفع ذلك أو لم يقل ففعل ودفع ذلك وقبض منه، فالهبة باطل وكذلك إن أكره على البيع والدفع.
قال محمد: وقد ناقضوا في هذه لأنه إذا دفع ولم يكره على الدفع فهو متطوع على أصلهم إذا أقر بأكثر مما أكره عليه، وكذلك قالوا: لو أكره على هبة جارية لزيد فوهبه الجارية وأخرى دفعها إليه: إنه يلزمه/في غير المسماة ويبطل في الأخرى، وكذلك لو وهب المسماة لزيد لزيد ولخالد معه جازت حصة خالد منهما وبطلت حصة زيد عندهم، ولو أكرهوه على أن يهب لزيد ألفا بعينها فوهبه ألفا وخمسمائة ودفع إليه ذلك فقبضه، جازت الهبة في الخمسمائة وبطلت في الألف، ولو لم يهبه إلا خمسمائة لبطلت.
قال سحنون: ويبطل الإقرار كله ولا يصح ما زاد على ما أكره عليه ولا غيره، وكذلك هبته لجارية لزيد ولخالد لزيد وذلك كله باطل، وقول مخالفنا في المكره
[10/ 295]

(10/295)


على أن يقر لزيد بألف فأقر بها لزيد ولآخر غائب: إن ذلك باطل كله: رجوع منهم عن هذا ولا فرق بين ذلك.
قال بعضهم: لو أكره على أن يعتق نصف عبده فأعتقه كله فهو حر في القضاء وفيما بينه وبين الله، ويغرم له الذي أكرهه جميع قيمته، وفي هذا رجوع منهم إلى قول سحنون في المكره على أن يقر بألف فأقر بألف وخمسمائة: إن ذلك كله باطل.
قال سحنون: ومن أكره على أن يقر لفلان بألف درهم فأقر له بخمسمائة درهم أو بأكثر من ألف أو بمائة دينار أو بجارية أو بعروض فهذا كله باطل، وكذلك لو أكره على أن يطلق امرأته واحدة فطلقها اثنتين أو ثلاثا لم يلزمه شيء لأنه عن إكراه خلص به نفسه، قال: ولو أكره على أن يقر بصنف فأقر بصنف آخر وهو آمن غير خائف، فهذا يلزمه، وكذلك ما زاد من عدد الطلاق وهو آمن فإنه يلزمه أو بعتق نصف عبد فأعتق/جميعه، وأما إن كان لا يخرجه من العقوبة إلا إقراره بما سمي له أو بغيره فلا يلزمه شيء مما أقر به وكذلك الطلاق.
وقال غيرنا: إن أكره على الإقرار بمائة درهم فأقر بمائة دينار فذلك يلزمه، وكذلك إقراره بغير الصنف الذي أكره عليه لأنه لم يكره على ما أقر به، ولو أكره على أن يقر بألف فأقر بألف وخمسمائة لزمته الخمسمائة الزائدة فقط، قالوا: ولو أكره على أن يقر له بألف فأقر بألف له ولآخر غائب فلا يجوز من ذلك شيء أنكر الغائب أن يكون الحاضر شريكه أو أقر.
قال بعضهم: إن قال الغائب: صدق المقر والمال بيننا نصفين، بطل جميع الإقرار إذا لا يصح للغائب شيء إلا دخل معه الآخر، وإن قال الغائب: لي عليك نصف المال ولا شركه بيني وبين الحاضر جاز إقراره للغائب وبطل للحاضر.
[10/ 296]

(10/296)


في الإكراه على أبراء من الحق، أو تسليم الشفعة ن أو على الصلح من الدم، أو على العفو عنه
قال ابن سحنون: أجمعنا ومن خالفنا على أن من له حق على رجل من مال أو كفالة بنفس أو بمال فأكره بوعيد بقتل أو سجن على أن أبرأ المطلوب من ذلك: إن البراءة باطل، وكذلك على تسليم الشفعة بعدما طلبها: أن التسليم باطل، ثم نقض ذلك من خالفنا فقالوا: إن أكره على العفو مما وجب له من القصاص من نفس أو جرح: إن العفو يلزمه ولا شيء على الذي أكرهه.
قال محمد: ولا فرق/بين هذا وبين الأول وقالوا معنا: لو قيل للشفيع: إن طلبت شفعتك لنقلنك أو لنعذبنك أو لنسجننك فسكت ولم يطلب فلا تبطل شفعته، ولا فرق بين هذا وبين العفو عن الدم، قال سحنون: ولو قال: إنما كففت عن طلب الشفعة للإكراه، وقال المشتري: لم يكف للإكراه ولكنه لم يرد أخذها فالقول قول الشفيع إذا ظهر الإكراه قال: ومن له على رجل دم عمد فأكره على أن يصالحه منه على ألف درهم، والآخر غير مكره، فالصلح باطل إلا أن لولي الدم أن يجيز ذلك فإن أجازه لزم ذلك من قبله الدم، وودي الألف درهم وليس له أن يأبى ذلك، لأنه غير مكره على الصلح، وكذلك لو أقر ولي الدم: أنه كان وقت الإكراه راضيا بالصلح على الألف لزمه ذلك ولزم الذي قبله الدم، غرم الألف ولا شيء لصاحب الدم على الذي أكرهه، ولا شيء للذي قبله الدم عليه لأنه لم يكرهه.
[10/ 297]

(10/297)


في الإكراه من القاضي أو غيره على الإقرار بالحدود، وكيف إن سجنه في شيء من ذلك فأقر به في السجن؟ ومن قتل رجلا في داره ثم ادعى أنه كابره على ماله، أو أنه أكثر من تعرض زوجته؟
قال ابن سحنون: قلت لسحنون: قال أهل العراق: من أكرهه قاض بضرب أو تهديد أو بسجن أو قيد حتى أقر بحد أو قصاص أو غير ذلك من الحدود فذلك باطل، ولا يؤخذ بشيء منه، ولو أكرهه حتى أقر بذلك ثم خلى سبيله ثم أخذ بعد ذلك فجيء به فأقر بذلك/بغير إكراه محدث، فإنه يؤخذ بذلك كله، ولو أنه لم يخل سبيله أولا ولكن قال له: إني لا آخذك بهذا الإقرار ولا أعرض لك، فإن شئت فأقر وإن شئت فلا تقر وهو في القاضي بحاله، فذلك باطل وكونه في يدي القاضي كالسجن، ولو خلى سبيله فلم يتوار عنه حتى رده فأقر بمثل ذلك بغير إكراه فذلك سواء، ولا يلزمه وهو كما لو خلاه وبعث معه من يحفظه وذلك باطل.
قال سحنون: القاضي الذي يكره الناس حتى يقروا بالحدود ظلما وتعديا وليس المكره من أهل التهم فلا يقع عليه اسم قاض، وهو بأن يسمى باللصوصية أقرب، وإقرار المقر باطل، ولو رفع إلى القاضي رجل يعرف بالسرقة والدعارة مأبون بذلك فادعي ذلك عليه فحبسه لاختبار ذلك فأقر في السجن بما ادعي عليه فهذا يلزمه وهذا الحبس خارج من الإكراه، لأن القاضي إنما فعل ما هو له لازم وقد تقدم الحبس على الجوار يحبس رجلا حتى يقر وليس من أهل الدعارة والتهم فإقراره باطل.
[10/ 298]

(10/298)


وفي كتاب السرقة: باب في الإقرار بالسرقة عن سجن أو محنة وقيد: روى عيسى عن ابن القاسم: أنه أقر بعد عشرة أسواط أو حبس ليلة فلا يلزمه إقراره.
وقال ابن المواز: قال مالك: إذا أقر بشيء من الحدود بعد سحن أو تهديد ثم رجع فإنه يقبل رجوعه.
قال ابن القاسم وأشهب: لا يقطع ولا يغرم رجع أو لم يرجع وإن ثبت على إقراره إلا يجيز بأمر تتبين به حقيقة إقراره أو بعين السرقة، قال أشهب: ويعرف أنها للمسروق معه، أو بقي بعد ذلك آمنا. ثم عاد الكلام/إلى كتاب ابن سحنون.
قال سحنون: وليس قول من خالفنا: ما دام لم يتوار عن نظر القاضي وما دام في حبسه بصواب، والصواب أنه إذا أقر من طريق الخوف الذي أصله ظلم وجور فإقراره باطل، ثم إن أقر بعد ذلك آمنا مطمئنا قد علم أن الخوف والتهديد قد أمن منه فإقراره لازم.
قال سحنون: فإن أقر عند القاضي من طريق الإكراه والظلم فأقام القاضي ذلك الحد من قطع يد أو ضرب، فعلي القاضي القصاص فيما فيه القصاص، والأرش فيما لا يقص فيه من الجراح، ولا أرش عليه في ضرب الحدود وعليه فيه الأدب.
وقال من خالفنا: إذا أقام عليه القاضي ما أقر به من ذلك، فإن كان المقر في الإكراه من أهل التهم: فالقياس أن يقتص من القاضي فيما فيه القصاص، وما كان لا قصاص فيه من ضرب ونحوه جعل عليه أرش ذلك في ماله، ولكنا نستحسن فنجعل عليه أرش ما يستطاع فيه القصاص أو لا يستطاع في ماله، وإن كان المكره لا يعرف شيئا من ذلك فإنا نأخذ فيه بالقياس فيقيد فيما يقدر على القصاص فيه، ويؤخذ منه الأرش فيما لا يستطاع فيه القصاص. وقال مثله إبراهيم النخعي في قتيل يوجد في دار فيقول: كابرني على مالي فقتلته
[10/ 299]

(10/299)


بالسيف: إنه ينظر فإن كان المقتول دارعا معروفا بالشر بطل دمه، وكان على القاتل الدية، وإن كان لا يتهم بذلك قتل به.
قال سحنون: وقال أصحابنا: المغيرة وغيره: إن كان القاتل قد أشهد قبل ذلك أذى هذا المقتول، وأشهد على ذلك وشكاه، والمقتول/متهم في نفسه بما ذكر عنه فدمه هدر، ولا قود على القاتل ولا دية.
قال ابن القاسم: كتب إلي والي المدينة في رجل تأذى برجل في امرأته وأشهد عليه وحذره نفسه، ثم أصابه مع امرأته فقتلهما، وأتى برجال فأراهم الحال قال: وكان القاضي يومئذ يحيى بن سعيد، وكان ربيعة حاضرا فكتب يعني الوالي: إن كان قد أشهد عليه وحذره فدمه هدر، وذلك إذا أشهد عليه بحضرته أو يكون قد تأذى به فبلغه ذلك وبلغه الإشهاد عليه خوفا أن يقتل رجلا لم يحذره ولم يشهد عليه.

في إكراه الخوارج المتأولين وغير المتأولين، ومن دخل عليك من لص هل تقتله ولا يعلم؟
قال ابن سحنون: قال أصحابنا وأهل العراق: وإذا غلب خوارج متأولين على بلد فأكرهوا رجلا على فعل شيء كغير المتأولين من اللصوص، فما جاز له فعله بالإكراه من اللصوص جاز له بإكراه الآخرين وكذلك أهل الحرب إكراههم إكراه ويبيح له ما أبيه في اللصوص، أكره بوعيد بقتل أو تلف، قال أصحابنا: أو بقيد أو بسجن، قال غيرنا: ولو رأيت من ينقب عليك بيتا أو دخل عليك من نقب أو غير نقب وخفته إن أنذرته أن يضربك بالسيف وكان على ذلك أكبر منك فلا بأس أن تقتله قبل أن يعلم إذا خفت إن أعلمته قتلك.
[10/ 300]

(10/300)


وقال سحنون: لا يجوز أن تقتله لظنك، ولكن لو/وقف عليك بالسيف فقال: إن تحركت أو تكلمت قتلتك، فلك أن تحتال حتى تضربه أو تقتله من حيث لا يعلم.
قال محمد: قال أصحابنا ومن يخالفهم: وما أكره أهل الحرب الرجل المسلم بما لو أكرهه اللصوص أو الخوارج عليه لم يسعه فعله من قتل مسلم أو قطع يده فلا يسعه فعله بإكراه أهل الحرب.
قال سحنون: وقال أصحابنا جميعا: إن ما يضمن فيه اللصوص بإكراههم من أكرهوه على مال استهلكه، أو قتل أمره به، أو قطع أوجب به القصاص، أو قتل خطأ أوجب الدية على عواقلهم، أو عمد لا يستطاع فيه القصاص، فوجب الأرش في أموالهم بإكراههم، فكل ما أكره على مثل هذا الخوارج المتأولون أو أهل الحرب المشركون أكرهوا مسلما حتى فعل ذلك ثم تاب المتأولون أو أسلم المشركون فلا ضمان عليهم في ذلك.
قال مالك: الدماء موضوعة عن الخوارج، ولا يؤخذ من الأموال إلا ما وجد بعينه، وتوضع عنهم الحدود في وطء النساء.
قال محمد: وقال أصحابنا وأهل العراق: ولا ضمان على من أمروه بذلك، ولو غنموا لنا إماء فاقتسموهن على التأويل وأولدوهن ثم ظهرنا عليهم، فإنهم يرددن إلى ساداتهن ولا حد على من وطئهن، وكذلك ما وطئوا من الحرائر على وجه الملك بالتأويل لا حد عليهم فيها ولا مهر ولا ما نقص الأمة، وأولادهم من الإماء أحرار لاحقون بهم.
وفي الباب الذي هذا عقبه مسألة من/قتل رجلا في داره ثم ذكر أنه كابره على ماله أو أكثر من أذاه في زوجته.
[10/ 301]

(10/301)


في الإكراه فيما يجعل الرجل على نفسه لله، أو يحلف به، وفيما يكفر به عن ظهاره أو غيره.
قال سحنون: قال أصحابنا فيمن أكره على أن جعل على نفسه شيئا من أعمال البر من صدقة أو صيام أو حج أو عمرة أو غزو أو غير ذلك من البر أنه لا يلزمه، وكذلك على أن يحلف بذلك: ليفعلن فعلا من البر أو المعصية فذلك كله لا يلزمه، وقال غيرنا: يلزمه النذر بالإكراه واليمين به من حج أو غيره، ويلزمه ما ألزم نفسه، قالوا: وذلك عندنا كالطلاق والعتاق، وكذلك لو أكره على اليمين بالله على أن لا يفعل شيئا ثم فعله فعليه الكفارة.
قال محمد: وأصحابنا لا يلزمونه يمينا ولا كفارة، وكذلك المكره على الظهار عندنا، وغيرنا يرى أن يلزمه ذلك ويلزمه ذلك ويلزمه الكفارة، قالوا: ولو أكرهه على الكفارة لم يجرع بها عليه لأنها تلزمه، قال سحنون: له أن يرجع عليه بالكفارة إذا أكرهه على إخراجها لأنها لا تلزمه، يريد: في ظهار أو يمين.
قال محمد: ثم نقضوا هذا فقالوا: إن أكرهه بوعيد بقتل أو ما يخاف منه التلف على عتق عبده من ظهاره فالعبد حر، ويرجع عليه بقيمته. ولا يجزيه عن ظهاره، ولو قال: أنا أبرئه من القيمة حتى يجزيني عن ظهاري لا لإكراهه، فذلك يجزيه ولا يرجع عليه بشيء، فإن قال: لم يخطر هذا ببالي وأوردت به عتقا عن ظهاري: فلا يجزيه ويرجع قيمته، ولو أكرهه بحبس أو قيد أجزأ عنه ولا يضمن من أكرهه، قال محمد: وإبطالهم لكفارة الظهار دليل على كفارة الطعام وهذا كله لا يلزمه عندنا ولا يمين الإيلاء لو أكره عليه، وكذلك لو أكره على أن يقول: إن قربتها فهي طالق، أو فعبدي حر: أو أم ولد حر، فذلك كله ساقط، ولو أكرهه على أن يكفر عن ظهاره بعتق وهو ملي، فأعتق عن ظهاره لا يريد الكفارة وإنما فعله من أجل الإكراه فلا يلزمه العتق، ولو كان مريدا بذلك كفارة الظهار أجرأه ولزمه ولا شيء له على من أكرهه، وإن أكرهه على عتق عبد من عبيده بعينه فأعتقه كان مثل ما وصفت لك، وإن أعتقه للإكراه وهو غير مريد للكفارة لم
[10/ 302]

(10/302)


يلزمه العتق، وإن كان حيا أعتقه مريدا للكفارة به عن ما لزمه من الظهار أجزأه ولا شيء له على من أكرهه، وكذلك لو أكرهه على التكفير عن يمين كان حانثا فيها فيكفر بعتق أو صدقة أو كسوة وهو مريد للكفارة أجزأه، ولا يرجع على من أكرهه بشيء، ولو أكرهه على أن يعتق عبده بهذا ففعل ولا يريد الكفارة فلا يلزمه العتق، ولو قال المتظاهر: قد كنت غير مريد للعتق ولا للكفارة، ولكن الآن أمضي ذلك العتق ويريد به الكفارة وهو الآن آمن، فإن ذلك جائز ويجزئه لأن العتق الأول لم يكن/يلزمه ولا شيء له على من أكرهه.
قال سحنون: ولو أكرهه على كفارة اليمين بوعيد بقتل أو سجن أو غيره على الصدقة أو على يكفر عن ظهاره بالطعام وهو لا يقدر على عتق ولا صوم فكفر مكرها، فإن أراد الكفارة أجزأه، وإن لم ينو ذلك لم يجزه، وله رد الصدقة ممن أخذها إن قدر، وإن أكلوها وهم يعلمون أنه مكره يضمنوها إن كان لهم مال، فإن لم يكن لهم مال رجع بالكفارة على من أكرهه، فإن وداها لم يرجع بها على المساكين ولو أكره على أداء كفارة اليمين فواداها فليس له على من أكرهه شيء إذا لم يكن يكرهه على صنف بعينه، وإنما أكرهه على التكفير منهما فكفر بما أراد، ولو سمى له صنفا فكفر به ثم قال: ما كنت أريد أن أكفر إلا بغيره، فهاهنا يقع الضمان على ما ذكرنا إن كان المساكين عالمين بذلك أو غير عالمين، وأما العتق فلا يلزمه ولا ضمان على المكره في العتق، وكذلك في كفارة الظهار إذا لم يسم له في الإكراه نوعا بعينه، فلا يضمن، وأما إن أكرهه على عتق عبده فقال المتظاهر: ما أردت عتقه عن ظهاري وإنما أردت غير، فلا يلزمه العتق والعبد رقيق.
وإذا أجبره على أن يكفر بالطعام فهو كما وصفنا في كفارة اليمين، ولو أكرهه في الطعام على أن يعتق ولم يسم له عبدا بعينه وه ملي، فلا ضمان على من أكرهه، فإن أعتق هذا يريد: الكفارة فهو يجزئه، وإن قال: أعتقت غير مريد للظهار لم يجزه، ولو لزمه نذر صدقة للمساكين فأكره على أن يتصدق به ففعل فذلك يجزئه ولا شيء على المكره، ولو أكرهه على إخراج زكاة وجبت عليه ففعل فلا شيء على الذي أكرهه وكذلك في صدقة الفطر لأنه أمر واجب.
[10/ 303]

(10/303)


/باب في الإكراه على الهبة وعلى قبولها
ومن أكرهه لص على أن يهب ماله لرجل فأبى الرجل من قبول فأكرهه على قبول الهبة وعلى قبضها ففعل وضاعت عنده فلا ضمان عليه، لأنه إنما قبضها مكرها إلا أن يقر أنه إنما قبض الهبة لتسلم له فيضمن، ويخير الواهب فإن شاء ضمنه وإن شاء ضمن اللص الذي أكرهه، فإن ضمن الموهوب لم يرجع الموهوب على اللص بشيء، وإن ضمن اللص رجع اللص على الموهوب بذلك، وإن قال الموهوب: أخذته ليكون بيدي وديعة على الإكراه لأرده على ربه فهو مصدق مع يمينه لأنه مكره لا يقدر أن يتكلم [بهذا، والضمان على اللص ولو كان يقدر أن يتكلم] بذلك عند الهبة فلم بفعل فهو ضمان، قال سحنون: لا يمين عليه والقول قوله بظاهر الإكراه، وقالوا جميعا: لأن المكره على الكفر إذا قال بعد أن أمن: إن قلبي كان مطمئنا بالإيمان صدق بل يمين ولم تبن منه زوجته.
قال محمد: ويلزم مخالفنا أن يحلفه كما حلف الموهوب: أنه لم يأخذ الهبة ليسلم له، وقد تقدم في غير باب شيء من ذكر الهبات.

باب في الإكراه على التخيير
/قال ابن سحنون: قال سحنون: ومن أكرهه لص أو غيره من بين أن يطلق زوجته أو يعتق عبده خيره في أحد الوجهين ففعل أحدها فلا يلزمه ذلك، ولو أكرهه على هذا بين أن يكفر بالله أو يقتل رجلا مسلما: فله أن يكفر وقلبه
[10/ 304]

(10/304)


مطمئن بالإيمان، فإن أبى الكفر حتى قتل فهو أعظم لأجره، ولا يسعه أن يقتل المسلم بالإكراه، فإن قتله قتل القاتل ولا شيء على من أكرهه.
ولو قال: لأقتلكن أو لتأكلن هذه الميتة أو لتقتلن هذا المسلم فإن صبر على القتل فهو أفضل له، وإن أكل الميتة فلا شيء عليه إن شاء الله، وإن قتل المسلم ولم يأكل الميتة قتل به، وكذلك لو ترك الكفر وقتل المسلم فذلك سواء ويقتل به، ولا قتل على الذي أكرهه، ولو أكرهه على أن يقتل هذا المسلم أن يزني بهذه المرأة لم يسعه أن يفعل واحدا منهما حتى يقتل، فإن فعل أحدهما فقد أثم وإن لم يفعل حتى قتل فهو مأجور ويقتل به الذي قتله، وإن زنى كما أكره فعليه الحد، ولو قتل المسلم قتل به، وقتل الذي أكرهه في قياس قول سحنون، وأما في قول غيره من أصحابنا فلا قتل على المكره وإنما القتل على القاتل، لأنه ولي القتل، ولو أكرهه على قتل أحد هذين الرجلين فقتل أحدهما فالقود عليهما عند سحنون، وقال غيره: لا يقتل إلا الذي ولي القتل.
قال: ويحك المكره على الزنا ولا تحد المكرهة على الزنا، وعلى الذي زنى بها الحد والصداق، ولو قيل له: لتقتلن هذا الرجل أو لتأخذن ماله هذا وهو أكثر من الدية، فلا بأس أن يأخذ ماله ويستهلكه ويضمنه كان أكثر من الدية أو أقل، فإن قتل الرجل قتل متولي القتل، ولو صبر حتى قتل ولم يفعل شيئا من ذلك فلا إثم عليه عندنا.

في الإكراه على اليمين أو يتبرع باليمين بعد أن ضغط في شيء
من كتاب ابن حبيب: روى ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تبارك وتعالى وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه.
[10/ 305]

(10/305)


قال مطرف وابن الماجشون وابن نافع وإسماعيل بن أبي أويس: من أكره على أن يحلف بيمين وهدد بضرب أو بسجن وجاء من ذلك وعيد بين تقع فيه المخافة أو خاف ذلك وإن لم يوقف عليه مثل ما يفعلون في البيعة وأشباها، فلا يمين عليه وكأنه لم يحلف، ورواه عن مالك وعن كثير من أصحابه، وقال مثله ابن عبد الحكم وأصبغ وهو قول ابن القاسم وابن وهب وأشهب.
قال ابن وهب: وكان عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن عباس وابن مسعود وعمر بن عبد العزيز وعطاء بن أبي رباح ومجاهد وعبيد بن عمير وبريد بن قسيط وغيرهم لا يرون يمين المكره ولا طلاقه شيئا، قال شريح: القيد كره والسجن كره والوعيد المخوف كره لا يلزمه معه يمين، وقاله النخعي وغيره، قال مطرف: وكذلك سمعت مالكا يقول: قال ابن حبيب: وقاله ابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ.
قال ابن الماجشون: وسواء أحلف فيما هو لله طاعة أو فيما هو لله معصية إذا أكره على اليمين، وقاله أصبغ وفرق بين ذلك مطرف وقال: إن أحلف فيما هو لله عز وجل معصية أو فيما ليس فيه طاعة لله/ولا معصية فاليمين موضوعة، وإن أحلف فيما هو لله طاعة مثل أن يأخذ الوالي رجلا شاربا فيكرهه أن يحلف بالطلاق، أو أن لا يشرب الخمر أو لا يفسق أو لا يغش في عمله أو لا يتلقى الركبان، والوالد يحلف ولده مكره له على اليمين في أشباه هذا من تأديبه إياه فإن اليمين تلزمه، وإن كن قد تكلف منه المحلف ما ليس علم وما هو منه خطأ. قال ابن حبيب: وقول مطرف استحسان وبه أقول، وقول ابن الماجشون وأصبغ هو القياس: لأن اليمين إنما يسقط بالإكراه كانت في طاعة أو معصية.
قال مطرف وابن الماجشون: ومن أحلفه الساعي على عدد غنمه ليأخذ منها الصدقة، وأكرهه على اليمين بوعيد أو ضرب فاليمين تلزمه إن حلف، وإن كان
[10/ 306]

(10/306)


الساعي قد تعدى في إحلافه، وكذلك إن حلفه في غير الغنم مما يأخذ فيه الزكاة من الحبوب والثمار والماشية والعين إذا كان الوالي لا يتعدى فيما يأخذ، وإنما يتعدى في الإحلاف والإكراه عليه، أو كان والي سوء لا يضعها مواضعها لأنه يأخذها على فرائضها باليمين فهي لحالفها لازمة يحنث بحنثها ويبر ببرها، وقال مثله ابن عبد الحكم وأصبغ.
وقال مطرف: وإذا كان يجوز فيما يأخذ على اسم الصدقة والزكاة فأخذ ما لا يؤخذ ويزيد على ما افترض ويأخذ في غير أوان أخذ، أو يكون قط وظف الصدقات على أهل القرى ويأخذ في تلك الوضعية فأحلف رجلا على بعض ما يزيد، إما أن يكون قال له/: لم أزرع أو قال: مالي ماشية ونحو ذلك فقال له: احلف لي على ما تقول فإنه إن كن لم يحلف أمن من العقوبة في نفسه بضرب أو سجن أو مغرقة تصيبه منه فحلف فاليمين تلزمه فيما حلف به يحنث بحنثها ويبر ببرها ولتصدقه ولا يحلف، وإن علم أنه إذا صدق أخذ ماله بغير حق فلا يبقى عن ماله بيمينه، وإن هو إن لم يحلف عاقبه في نفسه إما بضرب أو سجن ونحوه فقد دخل عليه الإكراه الذي لا يلزمه معه اليمين، وأحب غلي ألا يعجل باليمين حتى يرى موضع الشدة، فكلما اشتد عليه الأمر اتسعت عليه اليمين ثم لا يلزمه إن حلف كاذبا، وقال ابن الماجشون: لا يحنث وإن درأ عن ماله بيمينه، وبقول مطرف أقول وقاله ابن القاسم وابن عبد الحكم وأصبغ ورواه ابن القاسم عن مالك.
وقال مطرف وابن الماجشون: وإن بدر الحالف بيمينه للوالي الظالم قبل أن يسألها منه ليذب بها عن ما حلف عليه من بدنه أو ماله فحلف سلسلا بها فإنها تلزمه وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ.
[10/ 307]

(10/307)


قال ابن الماجشون فيمن أخذه ظالم فحلف له بالطلاق ثلاثا من غير أن يحلف فصدقه وتركه وهو كاذب وإنما حلف له خوفا من قتله أو ضربه أو أخذ ماله، قال: إن كان تبرع باليمين رجاء أن ينجيه من ظلمه فقد دخل في الإكراه ن ولا شيء عليه، وإن لم يحلف على رجاء النجاة فاليمين تلزمه.
قال مطرف في ولاة يحلفون الناس أنهم لم يكتموا شيئا من متاعهم وتجارتهم وإنما يحلفون لهم لأنهم إذا ظهر له أخذه منه ما أحب/بالثمن، وقد يرجو العمل فيه عند غيره، قال: إن كان إن لم يحلف يناله سجن أو ضرب أو معرة تصيبه منه فلا يلزمه اليمين، وإن كان آمنا من هذا فاليمين تلزمه.
وقال ابن الماجشون: لا تلزمه اليمين في الوجهين.
قال ابن عبد الحكم وأصبغ مثل قول مطرف وبه قال ابن حبيب: وقال لي مطرف في الذين يحلفون الناس على ما معهم من ناضهم ليأخذوا منه زكاة فيما يزعمون وذلك في غير إبانها، ولعل الرجل قد أداها منذ قريب، فيحلف الرجل على أدنى ما معه ولعه قد دس ماله من غيره، فيحلف أنه ما غيب شيئا، قال: إن كان إن لم يحلف لم يزره إلا أن يرده ولا يجيزه فاليمين تلزمه فإن شاء فليحلف صادقا وإن شاء فليرجع.
قلت: وإن كان صرورة يريد الحج، قال: لا رخصة له بهذا إلا أن يخشى - إن لم يحلف - العقوبة منه فذلك يدرأ عنه حنث اليمين.
قال ابن الماجشون: وإن حلف لم يحنث وذلك أن يرى الدراية باليمين عن البدن والمال:
قال ابن عبد الحكم وأصبغ مثل قول مطرف.
[10/ 308]

(10/308)


قال مطرف وابن الماجشون في عريف العامل على عدد من رفع إليه من أسمائهم أو على بعض ذلك فيحلف صادقا أو كاذبا، قال: إن كان يخشى عقوبة إن لم يحلف فلا شيء عليه، وإن كان آمنا من عقوبته فاليمين تلزمه.
قلت لهما: فالرجل يستخفي عند الرجل من السلطان الجائر الذي يريد دمه أو ماله أو عقوبته في بدنه فيسأله السلطان عنه فيجحد أن يكون عنده فيحلفه على ذلك فيحلف ليدفع بذلك/ما خشي عليه؟ فقالا: إن خالف إن لم يحلف على نفسه فلا شيء عليه، وإن كان آمنا على نفسه وإنما أراد أن يقيه بيمينه فقد أجر ولزمه الحنث، وكذلك قال مالك، وقال ابن عبد الحكم وأصبغ مثل ذلك في المسألتين ورويا الآخرة عن ابن القاسم.
وفي باب ما يكون إكراها: قول أصبغ فيمن حلف دراية عن ولده: إن اليمين تلزمه وإنما يعذر في الدراية عن نفسه.
قال عبد الملك بن حبيب: وحدثني علي بن معبد عن المسيب بن شريك عن أبي شيبة قال: سألت أنس بن مالك عن الرجل يؤخذ بالرجل هل ترى أن يحلف ليقيه بيمينه؟ فقال: نعم لأن أحلف سبعين يمينا وأحنث أحب إلي من أن أدل على مسلم. وقاله ميمون بن مهران.
وقال المسيب عن شريك عن سليمان بن ميسرة [عن النزال بن سيده] قال: التقى عثمان وحذيفة عن باب الكعبة فقال له عثمان: أنت القائل الكلمة التي بلغتني؟ فقال: لا والله ما قلتها فلما خلونا بحذيفة فلنا له: يا أبا عبد الله حلفت له وقد قلت ما قلت؟ قال إني أشتري ديني بعضه ببعض مخافة لئلا يذهب كله قال: وكان الحسن يقول: أعطهم بلسانك ما شاءوا إذا خفتهم.
[10/ 309]

(10/309)


قال ابن الماجشون في السلطان يحلف أصحاب الطعام أن لا يجهزوا إلا إلى المدينة، فيحلفون له بالطلاق خوفا من عقوبته، لأنهم إن لم يحلفوا حبسهم وضربهم، ثم وجد بعضهم قد جهز إلى غير المدينة أو وجد رجلا لم يكن حلف له وقد جهز إلى غيرها فحلف/له بالطلاق خوفا من عقوبته: أنه ما جهز إلى غيرها، قال: لا ينبغي لهم أن يعصوا السلطان في صلاح العامة، فإذا وقع ما ذكرت من المعصية واليمين عليها قبل وقوعها أو بعدها فرقا من العقوبة أو الحبس إن لم يحلف فقد دخل في الإكراه الذي يسقط الحنث، وعليه المأتم فيما أضر بالعامة، قال عبد الملك: وذلك أنه لم ير النهي عن التجهيز إلى غير المدينة بالأمر اللازم للسلطان أن يلزمه الناس، وإنما هو يستحسن، فلذلك رأى الإحلاف على ذلك من الإكراه لخوف العقوبة، ولو كان مما يجب النهي عنه ويحرم فعله على من فعله للزمت فيه اليمين وإن أخافهم عليه إن لم يحلفوا، وكذلك سمعته يقول في مثل هذا، وقاله مالك بن أنس.

فيمن فدى متاع رجل من اللصوص أوفى مكس أو ودي لمن عرض الطريق خوفا منه، أو خلص له آبقا بمغرم، أو خلص شيئا من يد سلطان بمغرم، أو حمل له حملا من مفازة، أو نفق على رقيق له
من كتاب ابن سحنون: وسأل حبيب سحنونا عن الرجل يغرم الغرم في الطريق من خوف السلب هل يلزم صاحب الظهر الذي أكرى منه من ذلك شيء؟ قال: يكون الغرم على قيمة المتاع وقيمة الظهر بمنزلة حرم المركب.
قال أبو بكر بن محمد: رأيت في كتاب حماد بن يحيى السجلماسي: قلت لسحنون: أرأيت الرفاق في أرض المغرب يعرض/لهم اللصوص فيريدون
[10/ 410]

(10/310)


أكلهم، فيقوم بعض أهل الرفقة فيصانعهم على مال عليه وعلى جميع من دفعه وعلى من غاب من أصحاب الأمتعة، فيريد من غاب أن يدفع ذلك عن نفسه؟ قال: إن كان مما قد عرف من سنة تلك البلاد: أن إعطاءه المال يخلصهم وينجيهم فإن ذلك لازم لمن حضر ولمن غاب ممن له أمتعة في تلك الرفاق وإن كان يخاف أن لا ينجيهم ذلك وإن أعطوا وكان فيهم موضع رباع فما أحب لهم إلا أن يدفعوا عن أنفسهم وأموالهم، فإن أعطوا في هذه الحال لم يلزم من غاب من أصحاب الأمتعة.
قال محمد بن عبد الحكم في قوم في رفقة معهم أحمال ليسوا عليه بوكلاء فجاء لصوص ليأخذوا متاعهم فصالحوهم عن جميع ما معهم على شيء دفعوه إليهم؟ قال: أرى على الأحمال التي ليس معها أربابها حصتهم من ذلك.
ومن العتبية من الودائع: قال عيسى بن دينار فيمن عنده وديعة لرجل فعدا عاد فأغرمه على ذلك المتاع غرما فلا يلزم رب المتاع منه شيء.
قال ابن القاسم عن مالك فيمن مات بعيره بفلاة من الأرض فترك حمله فأتى رجل فحمله إلى منزله، فلربه أخذه بعد أن يغرم لهذا أجر حمله، وكذلك من وقف بغيره فتركه فأنفق عليه رجل حتى صلح فليدفع إليه ما أنفق عليه ويأخذه ولا أجر له في قيامه عليه.
وروى حماد بن يحيى عن سحنون فيمن معه رقيق في سفره إلى أرض الشرك فنفد ماله وطعامه وهو في مخافة، فطرد الرقيق وتركهم فأخذهم/رجل ممن سلك الطريق فأخبأهم وخرج بهم إلى بلد الإسلام، قال: لربهم أن يأخذهم إذا أعطاه قيمة ما أنفق عليهم في الموضع الذي وجدهم فيه، فإن لم يفعل فهم له دون الأول.
[10/ 311]

(10/311)


وقال علي بن جعفر فيمن ودى عن رجل عن أحماله غرما للسلطان عن شطر الطريق، أو برطيل ونحوه، فقال ابن القاسم: لا يجب عليه من ذلك شيء ولو تسلف ذلك الغرم سلفا على هذا الوجه، ولو باعه ثوبا وداه في هذا المغرم لم يلزمه من ذلك شيء إلا أن يدفع المؤدى عنه الظلم إلى الدافع ما دفع عنه متطوعا وهو يعلم أن ذلك لا يلزمه.
والذي قال سحنون في الرفقة يخافون اللصوص فيعطوا المال: إنه يلزم من غاب ممن له في الرفقة متاع فقال: إن كان شيء قد عرف أنه لا يخلصهم إلا ذلك فهو يلزم من غاب ومن حضر، فكذلك يلزم على هذا أن كل ما يؤدى في المراصد وفي المدن مما أقامه السلاطين مما قد عرف واستفاض مما لا يخلصهم إلا غرمه، فإنه يلزم أرباب الأموال ممن أبضع بضاعة أو أعطى قراضا، لأنهم كأنهم على هذا خرجوا وكالإذن لهم لأنه أمر قد عرف، وأما ما حدث مما لم يخرج على معرفته من لصوص أخذوا المتاع، أو سلطان جائر ففداه منه العامل أو المبضع معه فقد أختلف فيه فقال ابن المواز في كتاب الجهاد: من فدى مال رجل من اللصوص، أو فدى دابته ممن التقطها أو متاعا فأنفق عليه في حمولة فليس لربه ولا لغرمائه إليه سبيل حتى يستوفي/من ذلك حقه، [وقال في كتاب الإقرار: من فدى متاعا من اللصوص فليس على ربه شيء مما فداه به ويأخذه ربه بغير شيء] وقال في أول كتاب الإقرار: في أحد الشريكين في الدار يقر بمنزل منها لرجل: أنا لدار تقسم فإن وقع المنزل في حظ المقر أسلمه إلى المقر له.
قال: قلت: جعلته له مسلما وهو فداه ببعض الدار؟ قال: غرم ما غرم بسببه كمن خلص مال رجل من أيدي أهل الحرب، أو فداه من أيدي اللصوص، قال: لا يلزمه ما فداه من أيدي اللصوص ويلزمه ما فدى من العدو لشبهة ملكهم بخلاف ما فداه من أيدي العدو لأن لهم فيه شبهة ملك.
[10/ 312]

(10/312)


وقال محمد بن عبد الحكم: ما تقدم ذكره إذا عرض لصوص في الطريق فصودروا على شيء: إنه يلزمه ذلك أمتعات الناس ممن غاب أو حضر.
ومن كتاب الإكراه لابن سحنون: وقال من خالفنا: وإذا أرق لرجل عبد فأراد رجل أخذه ليرده على ربه فلم يمكنه إلا بشراء أو بهبة فاشتراه، أو طلب أن يوهب له فوهب له: إنه لذلك ضامن حتى يشهد أنه إنما يشتريه أو يقبله على الهبة ليرده إلى ربه، فإن لم يشهد على ما ذكرنا لم يصدق ويضمنه، وكذلك الموهوب في الإكراه إلا أنه يصدق بيمينه بلا بينة.
قال سحنون: أما إذا أخذه بهبة وأشهد فإنه ضامن عليه، إن هلك العبد فلربه إجازة البيع وأخذ الثمن من البائع والمصيبة من المشتري.
تم كتاب الإكراه من النوادر
بحمد الله وعونه
وبتمامه تم الجزء الثالث عشر
وصلى الله عليه محمد وآله
[10/ 313]

(10/313)