النوادر
والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات بسم الله الرحمن الرحيم
عونك اللهم
كتاب الغصب
فمن اغتصب دارا أو عبدا [أو من فيه بقية رق فمات عنده، وذكر ما يضمن به من
الفوت والتغيير]
وما لا يضمن به في الغصب والتعدي
من المجموعة: روى ابن وهب عن مالك فيمن غصب عبدا فمات عنده من ساعته لغير
تباعد ولا تعب من عمل، فإنه ضامن له ممن أخذه بغير حق تعديا وقاله ابن
القاسم فيمن غصب دارا فلم يسكنها حتى انهدمت إنه ضامن لقيمتها وكذلك في
كتاب ابن المواز وقاله مالك في العبد والدابة يموت عنده بعد يوم موتا
ظاهرا، قال ابن عبدوس وقاله أشهب في ذلك كله في العروض وغيرها، وإن هلك
بأمر من الله سبحانه.
قال ابن القاسم فيه وفي العتبية من رواية عيسى فيمن اغتصب أم ولد رجل فماتت
عنده: أنه يضمن له قيمتها على أنها أمة لا عتق فيها، وقال سحنون في
المجموعة: إنه لا يضمن كالحرة لو غصبها فماتت عنده من غير سببه، وكان يرى
أن ولد أم الولد مخالف لها في هذا، قال: ولأن أم الولد إذا حرم فرجها عتقت،
وأنها لا تتعب في الخدمة ولا تؤاجر ولا تسلم في الجناية، وولدها يخارج
ويسلم في الجناية يختدم فمغتصبه يضمنه، لأنه حبس منافعه/عن السيد فهو ضامن
له.
[10/ 315]
(10/315)
ومن كتاب ابن المواز: ومن غصب عبدا فأدركه
ربه بعينه فإن لم يتغير في بدنه فليس له غيره، ولا أنظر إلى نقص قيمته
واختلاف سوقه بنقص أو زيادة طال زمانه أو كان ساعة واحدة أو سنين كثيرة،
وإنما أنظر إلى تغير بدنه فإن تغير خير بين أخذه ناقصا لا شيء له غيره، وإن
شاء قيمته ما بلغت، وسواء غصبه أو سرقه، وكذلك في المجموعة عن مالك من
رواية ابن القاسم في الرقيق والحيوان وغيره لا يراعى فيه حوالة سوق، وكذلك
إن سرقة دابة أو حلها من دار رجل أو من الربيع وكذلك البعير يحبسه السنة
والسنتين ثم وجده بحاله، فليس له إلا بعيره إلا أن يستعمله فنقص أو مات،
وقاله كله أشهب: إنه لا فوت في حوالة الأسواق ولا يضمن حتى يتغير في بدنه.
قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: وإذا لم تلد الأمة ولا حالت إلا أن
الغاصب غاب عليها ولا يعلم أوطئها أو لم يطأها؟ فذلك فوت يوجب له الخيار في
أخذها معها بقيمتها أو تضيمنه قيمتها، ولو وجدها في يد مبتاع وهي بحالها أو
أحسن: فهو مخير إما أن يأخذها بعينها وإن شاء أخذ من الغاصب الثمن، وإن شاء
أخذ منه قيمتها إن كان قد عيب عليها كذا وكذا وقاله كله أصبغ. قال: وهو قول
مالك وجميع أصحابنا، قال: ولسنا نقول ذلك في الرقيق الذكور ولا في الدواب
إلا أن يسافر على الدابة/سفرا بعيدا فنرى أن ربها مخير في أخذها أو أخذ
قيمتها، وقاله أصبغ وقال ما ذكرنا في الجارية إذا كانت رائعة.
وقال مالك من رواية ابن القاسم وابن وهب في المتعدي في حبس الدابة من مكتر
أو مستعير يأتي بها أحسن حالا فربها مخير في أخذ الكراء أو تضمينه القيمة
يريد: يوم التعدي لأنه حبسها عن أسواقها إلا في الحبس اليسير الذي لا يتغير
في مثله في سوق أو بدن.
[10/ 316]
(10/316)
قال ابن القاسم وكل ما أصله أمانة فيتعدى
فيه فأكراه أو ركبه من وديعة أو عارية أو كراء فهذا سبيله، قال سحنون:
والفرق بينهم وبين الغاصب والسارق: اختلاف الأصلين: أن الغاصب له ربح المال
وليس كذلك المقارض والمبضع معه يتعدى.
قال ابن القاسم: وإذا تغيرت الأمة بيد الغاصب بنقصان يسير أو كثير فربها
مخير في أخذها أو تضمينه القيمة. قال هو وأشهب: ولو باعها فلم تحل بيد
المبتاع فليس لربها تضمين الغاصب وليس له إلا جاريته أو دابته إن أخذ ثمنها
من الغاصب، قال أشهب بخلاف من تعدى عليها فقطع لها أنملة أو إصبعا أو فقأ
عينها فليس له أن يضمنه إلا ما نقصها وخالف الغاصب، لأن الغاصب ضمنها كلها
بالغصب، قال ابن القاسم: والهرم في الجارية عند الغاصب فوت يوجب القيمة إن
لم يرد أخذها، قال أشهب: كان ما أصابها عنده من الكبر والهرم يسيرا أو
كثيرا، وكذلك لو كان ما صارت إليه من السن أمرا يسيرا مثل انكسار الثديين
ونحو ذلك: أن له تضمينه قيمتها إن شاء، قال محمد: وأما إن كبرت وهرمت عند
المشتري فلا خيار له عليه وإنما له إن شاء جاريته فقط ويرجع المبتاع بثمنه
ولا يرجع ببقيته على أحد، وإن شاء ربها تركها وأخذ الغاصب بالثمن أو القيمة
يوم الغصب كما وصفنا في الاستحقاق. قال أبو محمد: وبعد هذا باب فيما يجب به
ضمان المتعدي فيه تمام هذا المعنى.
قال ابن المواز: وإذا ضمنت الغاصب العبد في تغييره ولا شيء له غيره: بيع
عليه في القيمة فما نقص ابتع به دينا وما زاد للغاصب، ولغرماء الغاصب
الدخول في ثمنه مع ربه إلا أن يشاء أو يأخذه ناقصا ولا شيء له من نقصه.
[10/ 317]
(10/317)
قال ابن المواز: قال مالك في الشريكين في
الأمة فجحد أحدهما الشركة حتى تلد أولادا فباع منهم وأعتق ومات بعضهم، ثم
ثبت عليه الحق فله نصف قيمته، وإن كان بعدما تمسك بنصيبه منه وما باع فله
نصف الثمن إن شاء وإن شاء الرأس ن ولا شيء له فيمن مات ممن أعتق وممن لم
يعتق ولم يبع.
قال محمد: هو كالغاصب إن وجد الأمة فتمسك بها فله حقه في الولد، ولا حق له
له فيمن مات منهم إلا من بيع فقله نصف الثمن.
في الطعام أو الحيوان أو العروض ينقله الغاصب أو المتعدي من بلد إلى بلد/
من المجموعة والعتبية: روى سحنون عن ابن القاسم، قال محمد في العروض
والرقيق والطعام يسرق فيجده ربه في غير بلده، فأما الطعام فليس له أخذه
وإنما له أن يأخذ السارق أو الغاصب بمثله في موضع سرقه، وأما العبيد: قال
في المجموعة: والدواب: فليس له إلا أخذهم حيث وجدهم ليس له غير ذلك، يريد:
إن لم يتغيروا وأما البز والعروض: فربها مخير بين أخذه بعينه وإن شاء قيمته
بموضع سرق منه، قال سحنون في المجموعة: البز والرقيق عندي سواء إنما أخذه
حيث وجده إذا لم يتغير في بدنه وكأنه رأى اختلاف البلدان كاختلاف الأسواق،
فإنما حال منه بغير السوق وهو لو انحط سوقه ببلده لم يكن له غيره وليس
بمنزلة أن لو لقيه ربه وقد عاد إلى بلده، والمال الذي نقله إليه هذا له أن
يضمنه قيمته لأنه حال بينه وبينه.
ومنه ومن كتاب ابن المواز: وقال أشهب في الطعام يجده ببلد آخر هو مخير بين
أخذه، أو يأخذه بمثله في موضع غصبه. قال أشهب في المجموعة: ويحال بين
[10/ 318]
(10/318)
الغاصب وبين نقل حتى يوفى المغصوب حقه، قال
سحنون: ولا أعرف قول أشهب هذا من قول الرواة أن يأخذ الطعام وإنما له أخذه
بمثله في موضع غصبه، وكذلك روى أصبغ عن أشهب في العتبية وكتاب ابن المواز:
قال: وابن القاسم لا يرى له إلا مثله في بلد الغصب، قال أصبغ في الكتابين:
وأنا أرى إن كان البلد البعيد فالقول ما قال ابن القاسم ويتوثق له بحقه قبل
أن يخلى بينه وبينه، وإن كان بعيدا كبعض الأرياف والقرى فله أخذه ويحمل على
الظالم بعض الحمل.
وذكر ابن المواز: اختلاف ابن القاسم وأشهب في الطعام وقول أصبغ هذا، وذكر
في العروض والحيوان أن أشهب يقول: إذا أصابها ببلد آخر فإن له أخذها، وإن
شاء تركها وأخذه بقيمتها يوم الغصب ببلد الغصب يأخذ ذلك منه حيث لقيه، وقال
أصبغ: وقال ابن القاسم: يأخذه بالقيمة حيث وجده قيمة ذلك ببلد الغصب يوم
الغصب، قال محمد: قول أشهب صواب لأن اختلاف البلدان البعيدة كتغيرها عن
حالها.
قال ابن القاسم: وأما الطعام والإدام وما يوزن أو يكال من غير الطعام: فليس
له أن يأخذه حيث وجده، وإنما له أخذه بمثله بموضع غصبه، قال محمد: بعد أن
يتوثق منه قبل أن يخلى بينه وبين هذا الطعام، قال ابن القاسم: ولو اتفقنا
على أن يأخذ منه فيه ثمنا نقدا جاز بمنزله بيع الطعام القرض قبل قبضه،
وقاله أصبغ.
قال ابن القاسم عن مالك في العتبية والمجموعة: ولا يجوز أن يأخذ منه طعاما
يخالف في جنس أو صفة لأنه بيع طعام بطعام فيه تأخير.
وقال مالك في المودع قمحا ينقله إلى بلد آخر فيبيعه ثم يأتي ربه فيريد أن
يجيز البيع ويأخذ الثمن فليس ذلك له، إنما له عليه مثله بموضع أودعه إياه،
قال: ولو تراضيا أن يعطيه الثمن أو مثل طعام ببلد بيع أو تغيير طعامه إن لم
يبع فذلك جائز. ولو/ابتاع منه طعاما في بيت أو مطمر ببلد آخر فلا خير في أن
[10/ 319]
(10/319)
يعطيه مثل ببلد آخر وهذا بيع طعام بطعام
مؤخر. ولو نقله البائع إلى بلد فتراضيا أن يأخذه بها فذلك جائز، وقد ضمنه
بنقله له فهذا قضاء، وقال غيره: لا بأس به في الوجهين لأن الأول معروف.
ومن العتبية: قال أصبغ عن أشهب في العروض: لربها أخذها بغير البلدان إن شاء
وإلا فقيمتها، قال أصبغ: وإن أخذها فلا كراء عليه ولا نفقة ولا على الغاصب
ردها وله القيمة كالعين تتغير، وما هو بالقوى، وأرى البلدان المتباعدة
كالتغير في الأبدان. ... ... غصب1
ومن المجموعة: قال المغيرة فيمن تعدى على خشب رجل فحمله من عدن إلى جدة
بمائة دينار فأدركه به، فإن كان متعديا بلا شبهة فرب السلعة مخير إن شاء
كلفه ردها إلى حيث كانت وإن شاء أخذها بعينها، وإن نقلها بوجه شبهة اشتراها
أو بغير ذلك مما يعذر به نظر، فإن كانت قيمتها هاهنا أفضل من قيمتها ببلد
نقلها منه: قيل لربها: أرني الكراء ما بينها وبين أن تحيط بفضل ما بين
القيمتين وقال ابن القاسم وأشهب في المكتري على حمل حمل بعينه فيخطئ فيحمل
غيره إلى البلد المكترى إليه، فربه مخير أن يضمنه قيمته بموضع حمله منه
يأخذها حيث لقيه أو يأخذه، قال ابن القاسم: ويعطيه الكراء. وقال أشهب: لا
كراء له: قالا: وليس له أن يكلفه رده ولا للحمال أن يفعل ذلك إذا شاء ربه
أخذه والكراء الأول قائم عليه أن يرجع فيحمل الحمل الآخر/.
[10/ 320]
(10/320)
في المغصوب منه يجد متاعه قد خلط بغيره، أو
غيره عن حاله بصنعة أو بغير صنعة، وفي المودع يخلط شيئا بغيره أو يخلطه
غيره، ما الحكم؟؟
ومن المجموعة: قال ابن القاسم فيمن غصب قمحا فخلطه بشعير له أنه ضامن
لمثله. قال أشهب: ولو غصب من آخر شعيرا ثم خلطه فطلب أحدهما تضمينه مثل
طعامه، وقال الآخر: أخذ طعامي بعينه فأكون معك شريكا في هذا المختلط فليس
ذلك له، قال: ولهما أن يضمناه كل واحد مثل طعامه، وكذلك لو قالا في حنطة
وديعة فخلطها صبي بشعير للمستودع فإنه يضمنه لكل واحد مثل طعامه، قال أشهب:
فإن لم يكن له مال بيع المختلط ويشتري منه لهذا بقدر قيمة قمحه، ولهذا بقدر
قيمة شعيره، فما فضل فللصبي وما نقص فعليه إلا أن يشاء صاحب الطعامين أن
يتركا الصبي والغاصب ويأخذا القمح والشعير المختلط فيكون فيه شريكين
بالسواء إن كان مكيلتهما واحدة ولا يجوز أن يقتسماه على أقل فيكونا فيه
شريكين بالسواء إن كان مكيلتهما واحدة ولا يجوز أن يقتسماه على أقل أو أكثر
من نصفين، لأنه يصير الشعير بالقمح متفاضلا، وقال ابن القاسم: إن تركا
الصبي ليكونا في المختلط شريكين هذا بقيمة قمحه وهذا بقيمة شعيره فذلك لهما
ولم يجز هذا أشهب، وقال أشبه: ولو قال أحدهما: أنا آخذ الطعام كله وأغرم
لصاحبي مثل طعامه لم يجز وكأنه أخذ بما وجب له على الغاصب/من القمح قمحا
ومن الشعير شعيرا يعطيه عن الغاصب صاحب الشعير، وذلك لا يصلح قال سحنون:
هذا أصح من الأولى كأنه يقول: ليس لهما أن يتركا الغاصب ويأخذا فيقسماه لا
على تساو ولا على تفاضل قيمة الطعام لأن أحدهما لو اتبع الغاصب بمثل طعامه
لم يكن للآخر أن يقول: أنا آخذ من هذا الطعام مثل طعامه [مثل مكيلتي لأنه
ليس بعين طعامه فصار]
(10/321)
لا حكم لهما على الطعام ويتبعا الغاصب وليس
لهما أخذ المختلط كمن غصب خشبة واغتصب نجارا عملها بابا لم يكن لهما أخذ
الباب ليشتركا فيه هذا بقيمة خشبه وهذا بقيمة عمله لأن ذلك تغير وإنما
تلزمه القيمة.
ومن المجموعة: قال أشهب: إذا قال أحدهما للآخر: أنا آخذ المختلط مثل طعامك
برضي الآخر فذلك جائز على التراضي منهما، وأما في القضاء فليس ذلك له، قال
يحيى ين عمر: إذا أعطاه ذلك على التراضي قبل التفرق وإلا لم يجز، وروى أبو
زيد عن ابن القاسم: يبيعان المختلط ثم يقتسمان الثمن على قدر قيمة ما لكل
واحد، وقال أشهب: لا يكونان شريكين ولكن يباع على الصبي ثم يشترى لكل واحد
من صنف ماله فما فضل فللصبي وما نقص أتبع به.
ومن العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم فيمن خلط قمحا بشعير لآخر ثم ذهب فلم
يعرف؟ قال: يباع فيقتسمان ثمنه على قدر قيمة القمح وقيمة الشعير ولا أحب أن
يقسماه على الكيل.
ومن كتاب ابن المواز: ومن اغتصب من رجل حنطة ومن آخر شعيرا فخلطهما فعليه
لكل واحد مثل طعامه، فإن لم يكن عنده شيء بيع المختط واشتري من ثمنه لكل
واحد مثل طعامه، وإن لم يبلغ قسم الثمن على قدر قيمة القمح وقيمة الشعير ثم
يشترى لكل واحد بما وقع مثل طعامه وما بقي أتبعاه به دينا، فإن رضيا بقسمة
الثمن على هذا جاز، وإن اختلفا: فمن شاء أخذ حصته من الثمن أخذها ويشتري
للآخر مما وقع له من جنس طعامه، قال محمد: ومن رضي بالثمن نليس له أن يتبعه
بما بقي له، ولا يجوز أن يصطلحا على أن يقسما ذلك بينهما على قيمة
الطعامين. وأما على قدر كيل طعام كل واحد فجائز إذا رضيا جميعا، لأنه ربما
كان الشعير أكثر ثمنا من القمح، ولو رضي أحدهما أن يأخذه كله ويعطي للآخر
مثل طعامه أو قيمته فلا خير فيه، ولو قال أحدهما: أنا
[10/ 322]
(10/322)
آخد بمثل طعامي وقال الآخر: أنا أكون لك
أيها الغاصب في المختلط شريكا لأن فيه عين شيء فليس ذلك له بجائز.
قال سحنون في كتاب آخر: ولو اختلطا من غير عداء من هذين ولا من غيرهما فإنا
نرى أن القمح لم يعب الشعير، والشعير قد أعاب القمح، فيباعا ويكونان شريكين
في ثمنه هذا بقيمة قمحه معيبا وهذا بقيمة شعيره غير معيب.
قال أشهب في كتابه: ولو أودعه هذا جوزا وهذا حنطة فخلطهما ثم تلفا جميعا
فلا يضمن شيئا لأنه يقدر على تخليص ذلك بلا مضرة على القمح والجوز إلا أن
يكون أحدهما يفسد الآخر فيضمن ذلك الذي يفسده ذلك الخلط، وإن كان كل واحد
مفسدا لصاحبه فهو ضامن لهما، وكذلك خلط الجوز بالرمان والرمان بالأترنج
والتفاح بالخوخ لا يضمن شيئا من ذلك إلا أن يكون بعض ذلك يفسده خلطه بغيره،
أو يفسد بعضهما بعضا فيكون كما ذكرنا في ضمانه وإن لم يكونا فسدا حتى تلفا،
قال عبد الله: كيف يضمنهما قبل أن يفسدا والخلط ليس هو الموجب لضمانه؟ قال
أشهب: ولو خلط زيتا بسمن أو سمنا بعسل أو سمن بقر بسمن غنم لضمن ما ضاع منه
وما بقي، وإن خلط نوعا واحدا كزيت وزيت أو سمن وسمن فضاع بعضه فهو ضامن لما
ضاع وما بقي، ولصاحبي ذلك أن يقسما ما بقي شطرين أو يدعاه، وما كان نوعين
كسمن وعسل فلهما أن يصطلحا فيه على الثلث والثلثين، كأن أحدهما باع ثلث
سمنه بثلثي عسل صاحبه، فصار له الثلثان من العسل ومن السمن، وصار لصاحبه
الثلث من العسل والسمن.
ومن المجموعة: قال ابن القاسم وأشهب: ومن اغتصب من رجل درهما فأخلطه
بدراهمه فعليه مثله ولا يشاركه في الدراهم. وذكر مسألة غاصب السويق يلته:
أن عليه مثله. قال ابن القاسم: ولا يكونان شريكين، وكذلك استحب في القمح
يطحنه.
[10/ 323]
(10/323)
وقال أشهب في غير المجموعة: ولرب القمح أخذ
دقيقه ولا شيء عليه في طحينه، وابن القاسم يرى في الثوب يصبغه الغاصب: أن
ربه لا يأخذه حتى يدفع إليه قيمة الصبغ، وإلا ضمنه قيمة الثوب، وقال أشهب
في غير/المجموعة: له أخذ الثوب ولا شيء عليه في صباغه.
ومن المجموعة: قال ابن القاسم وأشهب: ومن سرق حنطة فطحنها سويقا فلته فليس
لربها أخذه، فإن لم يكن للسارق مال بيع السويق عليه فاشترى منه مثل حنطة
هذا، فإن كان فيه فضل فللسارق، وما نقص أتبع به، قال أشهب: وليس كالثوب
يصبغ والثوب يقطع والعمود يدخل في البنيان، لأن اسم ذلك قائم بعد، والقمح
ليس القمح بعينه وقد صار سويقا فعليه مثل الحنطة.
قال ابن القاسم وأشهب: ومن غصب أو سرق فضة فصاغها حليا وضربها دراهم، أو
غصب دراهم فضة فصاغها حليا، أو حليا فكسره وصاغ منه حليا آخر مخالفا، أو
نحاسا ففسخ منه آنية، أو حديدا فعلم منه سيوفا أو آنية فليس لرب هذا أخذ
ذلك، وله مثل وزن فضته ونحاسه وحديده ومثل دراهمه وقيمة الحلي الذي كسر له،
قال أشهب: وليس له أن يعطيه قيمة الصنعة فيكون الفضل بين الفضتين، ولا له
أن يذهب بصنعته باطلا وليس كالحنطة يطحنها ثم يلتها، لأن الحنطة بالسويق
وإن لم تلت يجوز فيه التفاضل للصنعة، والفضة وإن ضربت دراهم لم تحل إلى غير
ذلك ولا يجوز بينهما التفاضل.
قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون في الفضة يصوغها حليا، والثوب يقطعه ويخيطه
ويصبغه، والقمح يطحنه سويقا: أن لربه في هذا كله أخذه إن شاء، وإن شاء أن
يضمنه ويأخذ منه المثل فيما يقضي بمثله، والقيمة فيما فيه/القيمة ولا حجة
له بالصنعة. وقد قال النبي عليه السلام: ليس لعرف ظالم حق وفي
[10/ 324]
(10/324)
كتاب السرقة باب مثل هذا الباب فيه هذه
المعاني مستقصاة وكثير منها مكرر هاهنا.
ومن كتاب ابن المواز: قال أشهب: وإن غصبه كتانا مغزولا أو منفوشا فغزله ثم
نسجه ثوبا فعليه مثل الكتان، فإن لم يجد مثله فقيمته يوم استهلكه.
قال ابن القاسم وأشهب في الخشبة يعملها بابا: فإنما عليه قيمتها قال أشهب:
وليس له أخذ الباب بلا غرم صنعة ولا أن يأخذه ويغرم الصنعة لأنه قد حال إلى
غير ما كان، قال سحنون: كل ما غير حتى يصير له اسم غير اسمه فليس له أخذه
وهو فوت.
قال ابن القاسم وأشهب: ومن غصب أو سرق ثوبا فظاهر به جبة أو بطنها أو جعله
قلانس فلربه أخذه وفتقه وإلا أخذ منه قيمته ولا يتبع السارق بفضل ذلك في
عدمه.
قال ابن القاسم: وإن غصبك دراهم فجعلها في قلادة وجعل لها عرى فلك أخذها
وتدع عراه.
وقال مالك في غاصب العمود والخشب أو شيئا منهما يدخلهما في بنيانه: أن لرب
ذلك تركه وإن أخرب البنيان، وقاله أشهب وقال: بخلاف الخشب يعمل منها بابا
لأنه لا يقدر على أن يعيدها كما كانت.
قال: ولو غصب وديا من النخل أو شجرا صغارا فغرسها في أرضه فكبرت فلربها
أخذها، وكذلك في كبر الحيوان والرقيق بخلاف الحنطة يجعلها خبزا والجلد
خفاقا والخشبة بابا، وقال سحنون: إنما يحكم له بقلع/النخل إذا كانت إذا
قلعت نبتت.
[10/ 325]
(10/325)
وقال ابن القاسم وأشهب: فإن اغتصب من مسلم
خمرا فخللها فلربها أخذها خلا لا غير ذلك، قال أشهب: ولو كانت لذمي كان
مخيرا في أخذها خلا أو قيمتها خمرا يوم الغصب.
فيمن غصب أمة أو حيوانا أو غيره فزاد ذلك في
بدنه أو نقص بجناية أو غيرها
وكيف إن هلك ذلك بعد ذلك بأمر من الله تعالى، أو بجناية جان؟ أو باعه
الغاصب، أو انتفع به؟
ومن المجموعة وكتاب ابن المواز: قال ابن القاسم وأشهب: ومن غصب جارية صغيرة
تسوى مائة فلما كبرت ونهدت وفرهت ماتت بعد أن صارت قيمتها ألف دينار، فإنها
يضمن قيمتها يوم الغصب، قال أشهب: كما لو نقصت لم ينقصن من تلك القيمة،
وكمن جرح عبدا قيمته مائة دينار فيموت وقيمته ألف دينار، فلا يضمن إلا
قيمته يوم الجرح، والأمة إذا طلقت أو مات زوجها ثم عتقت لم تنتقل إلى عدة
الحرائر.
قال غيره: ومن سرق عرفت قيمتها يوم سرقها فلا ينظر إلى ما تؤول إليه قيمتها
قبل القطع، قال: ولو فرهت الجارية عند الغاصب ثم قتلها أو تصدق بها فغابت
لم يضمن إلا قيمتها يوم الغصب مثل لو ماتت. وقال سحنون في المجموعة: إن
القتل فعل ثاني كأنه يقول: وجب عليه الضمان وكل واحد من الفعلين، ألا ترى
المشتري قد ضمن فيها الثمن الذي نقد، ثم لو قتلها لضمنها بالقتل وهو ضامن
بمعنى آخر/وكان لمن استحقها أخذه بقيمتها يوم القتل، ثم رجع إلى قول ابن
القاسم وأشهب في الغاصب، قال ابن القاسم وأشهب: ولو
[10/ 326]
(10/326)
باعها وهي تسوى ألفين بألف وخمس مائة ثم لم
يقدر عليها فلا يضمن إلا قيمتها يوم الغصب.
قال مالك: ولو كان ثوبا فلبسه المشتري فبلي فلربه على غاصبه إن شاء قيمته
يوم الغصب أو الثمن أو يضمن المشتري قيمته يوم لبسه، ولو كانت أمة فقتلها
أجنبي عند الغاصب فعلى الأجنبي قيمتها يوم القتل، فإن كان ذلك أقل من
قيمتها يوم الغصب رجع بتمام قيمتها يوم الغصب على الغاصب. وقال سحنون: لا
يرجع على الغاصب بشيء، ومسألة مالك في لبس الثوب أصح، وأما أخذ قيمتها من
الغاصب فقط، أو قيمتها من القاتل يوم القتل فقط كما لو نقصت لم يأخذها من
الغاصب ناقصة وما نقصها فإنه لو باعها فماتت عند المبتاع لم يكن له قيمتها
يوم الموت، وأما أخذ الثمن أو قيمتها يوم الغصب وليس له أخذ الثمن فيرجع
بتمام القيمة يوم الغصب، ويرجع بتمام الثمن، وخالفه ابن المواز وقال: له أن
يرجع على الغاصب بتمام قيمتها يوم الغصب لأن أخذه ما أخذ من القاتل لأنه
غريم لغريمه.
قال أشهب: إذا قتلها أجنبي فبخلاف قتل الغاصب الذي قتل ما قد كان ضمن،
والأجنبي قتل ما في ضمان غيره، فإن أخذ منه الغاصب قيمتها أخذ ربها بالأكثر
من ذلك أو من قيمتها يوم الغصب، وإن لم يأخذ قيمتها فلربها استيعاب أوفر
القيمتين، فإن أخذ من الغاصب قيمتها يوم الغصب وهي أكثر أخذ/ [على القاتل
بتمام القيمة يوم القتل وأخذ] الغاصب قيمتها من القاتل يوم القتل، وإن كان
ما أخذ من الغاصب أقل رجع على القاتل بتمام القيمة يوم القتل، وأخذ الغاصب
من القاتل باقيها وإن أخذ ربها من القاتل قيمتها يوم القتل وهي أوفر، لم
يرجع القاتل على الغاصب بشيء، ولا يرجع عليه ربها بشيء، وإن كانت أقل رجع
ربها على الغاصب بتمام قيمتها يوم الغصب، وقال ابن المواز: إذا أخذ من
القاتل قيمتها يوم القتل وهي أقل من قيمتها يوم الغصب، رجع على الغاصب
بالفضل
[10/ 327]
(10/327)
لأنه يقول: إنما أخذت من قاتلها ما وجب
لغاصبي عليه فهو غرم غريمي، وأنا آخذ تمام حقي من غريمي، ولو كان إنما أخذ
قيمتها يوم الغصب من الغاصب فكانت أقل من قيمتها يوم القتل، فلا رجوع له
على القاتل بشيء، وللغاصب طلبه، وزعم أشهب إن ربها يرجع على القاتل بفضل
القيمة، ولم يعجبنا هذا إلا أنه لما ضمنه قيمتها يوم الغصب فقد ملكه إياها
يومئذ، فتمامها ونقصها له وعليه، وأما لو أخذ من القاتل القيمة فلم يختلف
ابن القاسم وأشهب أنه يرجع بتمام قيمتها يوم الغصب على الغاصب على ما
ذكرنا، قال: وجعلت على المشتري قيمتها يون القتل كالأجنبي وإن كان الثمن
أقل، لأنه لم يضمنها إلا يوم القتل، وجعلت الغاصب إذا قتلها لم يضمن إلا
قيمتها يوم الغصب وإن كانت أقل من القيمة يوم القتل، لأنه من يوم الغصب
ضامن، وقد اجتمع ابن القاسم وأشهب في القتل واختلفا في جنايته عليها دون
القتل وذلك عندنا سواء.
ومن المجموعة: قال أشهب: وإذا غصب/ثوبا فوهبه أو باعه ممن لبسه حتى أبلاه
فلربه أن يأخذ الثمن من الغاصب فيتم البيع، فإن أبى فله تضمين الغاصب قيمته
يوم الغصب، أو تضمين اللابس يوم اللبس، فإن ضمنه الغاصب قيمته يوم الغصب
مضى البيع أيضًا ثم لا يرجع الغاصب منها على الموهوب أو المشتري بشيء كانت
أكثر من الثمن أو من قيمته يوم اللبس أو أكثر، ولكن يرجع رب الثوب على
اللابس إن كانت قيمته يوم اللبس أكثر بفضل القيمة، وإن أخذ القيمة من
اللابس لم يرجع الموهوب على الغاصب منها بشيء كانت أكثر من قيمته يوم الغصب
أو أقل، ولكن يرجع رب الثوب على الغاصب إن كانت قيمته يوم الغصب أكثر بفضل
القيمة، وأما في البيع فإذا غرم المشتري القيمة رجع بثمنه على الغاصب إلا
أن يكون أكثر مما في يدي البائع من الثمن أو من القيمة يوم الغصب أيهما
أكثر، وأنكر قول من قال: إنه إن شاء ضمن المشتري قيمته يوم لبسه ولم يرجع
على الغاصب بشيء، وإن شاء ضمن الغاصب قيمته يوم الغصب ولم يرجع على اللابس
بشيء، وأنكر روايته عن مالك وقال: فلو كان طعاما فهو إن أجاز البيع وأخذ
الثمن جاز البيع وإن أخذ الغاصب بالمثل جاز البيع ولم يرجع
[10/ 328]
(10/328)
على اللابس بشيء، وإن أخذ المثل من الآكل
وكان مشتريا رجع بالثمن على الغاصب، وإن كان موهوبا لم يرجع وقد ذكرنا
اختيار ابن المواز في القتل.
قال أشهب: والأمة يفقأ/عينها أجنبي فلربها أخذها وما نقصها يوم الفقء من
الفاقئ في عدمه وملائه ثم لا شيء له على الغاصب لأنه لو كان هو الفاقئ لم
يتبعه بما نقصها، وإن شاء تسلمها وأخذ قيمتها من الغاصب يوم الغصب إذ كان
ذلك أكثر مما نقصها يوم الفقء، وإن كان الغاصب أخذ ما نقصها من الفاقئ وهو
أكثر من قيمتها يوم الغصب، أخذ منه الأكثر، قال سحنون: لها تفسير وكأنه لم
يعجبه تفسير أشهب.
قال ابن عبدوس: وتفسيرها: ينظر، فإن كان الغاصب قد أخذ من الفاقئ ما نقصها
وذلك أكثر من قيمتها يوم الغصب لأنها زادت فله أخذ جاريته ويتبع الغاصب بما
أخذ، فإن كان عديما طلب بذلك الجارية ورجع الجاني على الغاصب، وإن كانت
قيمتها يوم الغصب أكثر فله طلب الغاصب بالقيمة وتبقى الأمة للغاصب وما أخذ
في نقصها، وإن شاء أخذ الأمة وابتع الغاصب بما أخذ من الجاني ويتبع به
الجاني ثم يرجع به الجاني على الغاصب، قال أشهب: وإن لم يأخذ الغاصب من
الجاني شيئا فإن لربها إن أخذ قيمتها من الغاصب وهو أكثر فللغاصب طلب
الجاني بما لزمته، وإن كان ما أخذ من الغاصب أقل رجع على الجاني بما فضل له
مما بين القيمتين، وأخذه الغاصب بما ودى من القيمة يوم الغصب إلى الغاصب،
وهذا مما أنكره ابن المواز وقد تقدم. قال أشهب: ولو كان إنما أخذ من الجاني
أولا ما نقصها وهو الأكثر فلا/طلب له على الغاصب، وإن كان هو الأقل رجع على
الغاصب بما بقي له من قيمتها يوم الغصب، وعلى قول سحنون: ليس له إلا أخذ
جاريته وما نقصها من الجانب كان أكثر من قيمتها التي تلزم الغاصب أو أقل
ولا شيء له على الغاصب، أو يأخذ من الجاني قيمتها يوم الغصب، وتسلم إلى
الجارية، وما يلزم الجاني يأخذه منه الغاصب لأنه لما ضمنه القيمة يوم الغصب
صارت الجناية إنما هي على الغاصب.
[10/ 329]
(10/329)
قال أشهب: وإذا غصب أشياء مختلفة فنقصت في
يديه فلربها أن يضمن الغاصب قيمتها يوم الغصب، وإن شاء أخذها ناقصها ولا
شيء له، وإن شاء أخذ قيمة نقصها أو يأخذ منها ما شاء بنقصه ولا يرجع في
نقصه بشيء.
ذكر ما يلزم الغاصب أو المتعدي فيه القيمة أو المثل فيما استهلك أو جنى
عليه، وجامع جناية الغاصب، وجناية المتعدي، وكيف إن شاء رب السلعة أخذها
وأخذ ما نقصها في الوجهين؟
من المجموعة: فقال مالك: ما استهلك من الحيوان والرقيق والعروض فالقيمة فيه
أعدل، ومستهلك الطعام عليه مثله، وكذلك ما يوزن أو يكال من غيره من نحاس
وحديد وكتان والقصب والتبن وغيره.
قال بعض البغداديين من أصحابنا: وأوجبنا القيمة في غير الكليل والموزون
لقول النبي صلى الله عليه وسلم من أعتق شركا له في عبد قوم نصيب شريكه فجعل
فيه القيمة وهي أعدل لتعذر/إدراك المماثلة فيه، وما كانت فيه مدركة مما
يكال ويوزن فهي فيه أعدل والله أعلم فهي تقارب الذهب والورق في إدراك
المماثلة، وغيرنا يقر بذلك فيه ويخالفنا في العروض، وقول الله سبحانه:
(فجزاء مثل ما قتل من النعم) قد علم أنه أريد المثل في الصفة والمقاربة لا
حقيقة المقدار في الوزن لأن ما ذكر من النعم لا يقابله الصيد في المقدار،
ليست البدنة مثلا للنعامة، وبذلك يحكم فيها فيعلم أنه أراد مماثلة الصفة
والمقاربة في الخلقة والله أعلم.
[10/ 330]
(10/330)
قال مالك فيمن تعدى بوطء أمة رجل قيمتها
مائة دينار فحملت، قال في موضع آخر: أو لم تحمل ثم قال صاحبها وقيمتها
خمسون دينارا فعليه قيمتها يوم الوطء وهي في ضمانه من يومئذ، وكذلك في
الغصب قيمته ذلك يوم الغصب لا ينظر إلى ما بعد ذلك زاد أو نقص. قال مالك:
ومغتصب الطعام والإدام يلقاه ربه ببلده آخر فليس له عليه المثل هنالك ولا
القيمة، ولكن عليه المثل ببلد غصبه فيه، ولو كانت تلزمه القيمة أخذه ربها
حيث لقيه قيمة ذلك بموضع الغصب في يوم الغصب أو التعدي، وقاله ابن القاسم
وأشهب: إلا أن تعرض عليه القيمة بموضع غرر إن أخذها خيف أن تؤخذ منه أو
يغصبها. فله أن لا يأخذها منه إلا أن يشاء ويرضى بالتغرير فعلى الغاصب
حينئذ دفعها إليه.
ومنه ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم: ومن استهلك لرجل عسلا أو/سمنا
في بلد فلم يجد له بذلك البلد عسل ولا سمنا، قال: لا بد أن يأتيه بمثله وله
أن لا يأخذ قيمته إلا أن يصطلحا على أمر يجوز، وقال أشهب: رب الطعام مخير
إن شاء صبر عليك وألزمك أن تأتيه بالمثل من أي بلد كان، وإن شاء ألزمك
القيمة الآن. قال ابن عبدوس: واختلفا في هذا كما اختلفا في الذي يسلم في
الفاكهة فيفرغ إبانها وقد بقي منها، فالصبر حتى يؤتى بالطعام من بلد آخر
كالصبر حتى يأتي إمكان الثمرة إلى عام قبل، فقال ابن القاسم: يلزم الطالب
التأخير حتى يؤتى بالطعام وحتى يأتي قابل في الفاكهة. وقال أشهب: يرد إليه
رأس ماله في السلم ولا يجوز أن يؤخره، وقال في الطعام: يأخذ قيمة الطعام إن
شاء، ثم قال: وإن شاء أخره حتى يأتي المثل، فهذا فسخ دين في دين على أصله
فلا يجوز أن يؤخره بالطعام إذا كان له أخذ القيمة، وإنما ينظر: فإن كان
الموضع الذي يوجد فيه مثل الطعام على يوم ويومين والثلاثة ولأمر القريب
فليس له إلا مثل طعامه يأتي به، وإن كان بعيدا على الطالب في تأخيره ضرر،
أو كان استهلكه في لج بحر أو فيافي بعيدة من العمران فهذا يعزم قيمته حيث
استهلكه يأخذه بها
[10/ 331]
(10/331)
حيث لقيه، وليس هذا مثل مسألة مالك إذا وجد
الطعام المستهلك بعينه بغير البلد فيقضى عليه أن لا يعطيه ذلك بالبلد، لأن
المثل بذلك البلد موجود، وإذا كان الطعام لا يوجد فالقيمة أولى به إلا أن
يجلب من بلد قريب/كما ذكرنا.
من المجموعة وكتاب ابن المواز: قال ابن القاسم في المتعدي يفسد الثوب ففي
الفساد اليسير لا يلزمه إلا ما نقص. قال ابن المواز: ولم يختلف في هذا قول
مالك وابن القاسم وأشهب كانت جنايته خطأ أو عمدا، وفي الفساد الكثير ربه
مخير في أخذ جميع قيمته، أو يأخذه ويأخذ ما نقصه، وإلى هذا رجع مالك في
الفساد الكبير.
وقال أشهب في الثوب والعبد إذا كان له تضمينه قيمته لكثرة الفساد فليس له
أن يأخذه ويأخذ ما نقصه، إنما له أخذه بحاله ولا شيء له غير ذلك، وإما
ألزمه قيمته جميعه وكذلك ذابح الشاة ليس له أخذها لحما ويأخذ ما نقصها، قال
سحنون: وقاله ابن القاسم في غير الشاة أولا ثم رجع إلى ما ذكرنا. قال ابن
المواز: وهو أحب إلي لأنه لما لزمته فيه القيمة لم يكن له أن يأخذ في
القيمة غير العين ولا يأخذ سلعة وبعض القيمة ولا يأخذ غير القيمة إلا
باجتماعها على أمر جائز، والحكم أوجب القيمة إلا أن يرضى رب السلعة بأخذها
وحدها ناقصة بلا شيء فذلك له كذا بح الشاة وكاسر الغضا تعديا وليس بغاصب،
فليس لربها أخذها وما نقصها في قول مالك وأصحابه، وما احتج به محمد فهو حجة
أشهب، قال أشهب: وكذا ليس له أن يضمنه في اليسير فكذلك ليس له الفساد
الكثير أن يحبس ويأخذ ما نقص، قال محمد: ولم يختلف قول ابن القاسم وأصحاب
في جناية غير الغاصب: أن لا يلزم الغاصب ما نقصه.
قال/سحنون في المجموعة: وقد قالا في أحد الشريكين في الأمة يطؤها ولا تحمل
فإن شاء صاحبه ألزمها قيمتها أو يتمسك بنصيبه قال ابن القاسم: فإن تمسك
بنصيبه فلا رجوع به عليه بما نقصها ولا بصداق لتركه القيمة التي وجبت
[10/ 332]
(10/332)
له، ومن كتاب ابن المواز: قال: وكذلك
الصانع أو المستعير كالمتعدي يفترق في الفساد اليسير والكثير بخلاف الغاصب
والسارق لأنهما يوم الغصب ضمنا، والآخران لو أقاما بينة بشيء من فعل غيرهما
لم يلزمهما شيء فافترق ضمانهما من ضمان الغاصب. وقال في الغاصب للثوب أو
المتعدي بشقه أو يقطعه أو يفسده بعد الغصب، فأما في الغصب فيتفق الفساد
اليسير والكبير فلربه أخذ قيمته يوم الغصب، وإن شاء يأخذ ثوبه ولا شيء له
النقصان وسواء كان غاصبه الجاني عليه أو غيره وقد خالف ابن القاسم بين
جناية الغاصب وجناية غيره وهما عندنا سواء، وأما في المتعدي فليس عليه إلا
ما نقصه، وأما في الكثير فعليه قيمته يوم الجناية، قال في موضع آخر: أو
يأخذه ربه ويأخذ ما نقصه، قال ابن المواز: ولو كانت أمة ففقأ الغاصب عينها
عمدا أو خطأ أو قطع يدها فليس لربها إلا قيمتها يوم الغصب، أو يأخذها ولا
شيء له من نقصها. وقال ابن القاسم فيه وفي المجموعة وغيرها: أن لربها أن
يأخذها ويأخذ ما نقصها يريد: يوم/الجناية. قال ابن حبيب: وقال مطرف وابن
الماجشون: وقاله ابن كنانة في سارق الدابة يصنع بها ما ينقصها من ركوب أو
غيره، قال سحنون: هذا خلاف لما قال ابن القاسم في القتل: أن عليه قيمتها
يوم الغاصب لا يوم القتل، وقد يزيد قيمتها يوم القتل، وقد يكون فيما نقص
القطع منها مثل قيمتها وأكثر فيأخذها ومثل قيمتها، فيأخذ في اليد مالا يأخذ
في النفس وإنما له أخذها ناقصة فقط، أو يأخذ قيمتها يوم الغصب كقول أشهب،
وأما جناية الأجنبي: فبخلاف ذلك لأن الأجنبي لم يضمنها كلها فله أخذ جاريته
ويأخذ من الجاني ما نقصها، ولا شيء له على الغاصب، أو يدعها ويضمن الغاصب
قيمتها يوم الغصب ويرجع الغاصب على الجاني بما نقصها.
ومن المجموعة: وقالا جميعا وابن كنانة: لو أصابها ذلك بأمر من الله لم يكن
له أخذها ويأخذ ما نقصها من الغاصب، وإما أخذها فقط أو يأخذ منه قيمتها يوم
الغصب، قال ابن القاسم: ولو قال له الغاصب: خذها وأعطيك ما نقصها ولا تضمني
قيمتها فليس ذلك له، وكذلك لو فعل ذلك بها أجنبي فلم
[10/ 333]
(10/333)
يوجد فلا يؤخذ الغاصب بما نقصها وإما أخذه
بقيمتها وإلا أخذتها ولا شيء لك، قال ابن المواز: واحتج ابن القاسم في
الفرق بين جناية الأجنبي والغاصب: أن يقول ربها للغاصب: أنا أسقط عنك حكم
الغصب وآخذك بالتعدي، فيلزمه أن يقول ذلك/في القتل إذا قتلها الغاصب: أن
لربها أن يضمنه قيمتها يوم القتل وهو لا يقوله ولا مالك ولا أصحابه، ولو
قتلها أجنبي فإنما عليه قيمتها يوم القتل وقيمتها من الغاصب فإذا أخذها
وأخذ ما نقصها فكأنه إنما أخذ ببعض القيمة عرضا وليس له أن يأخذ في القيمة
عرضا وإنما طلبه لما نقص طلب لتمام القيمة يوم الغصب، وكذلك لو أصابها أمر
من السماء، أو جني عليها أجنبي فلم يقدر عليه لم يلزم الغاصب ما نقصها،
وإنما لربها أخذها منه ناقصة أو قيمتها يوم الغصب، ولو أخذها ناقصة فله طلب
الجاني بما نقصها.
ومن العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم في غاصب العبد يقطع يده عمدا أو خطأ
فربه مخير إن شاء ضمنه قيمته يوم الغصب أو أخذه وما نقصه، يريد: يوم القطع،
وإن قطعه أجنبي فله أخذ قيمته من الغاصب، أو يأخذه وعقل جرحه إن كان له
الغاصب عقلا، وإن كان عفا عنه فلربه أتباع الجاني بما نقصه، ولو وجده ميتا
لم يتبع الغاصب بشيء من نقصه، وله تضمين قيمة العبد ولو أصابه ذلك من أمر
من السماء، فإما أخذ قيمته أو أخذه ولا شيء له، ولو قطعه مشتري ففي العمد
فله أخذه مع ما نقصه من المشتري فيرجع المشتري بالثمن على الغاصب، أو يضمن
الغاصب قيمته أو ثمنه/وإن كان خطأ فإما أخذ قيمته من الغاصب أو أخذه مقطوعا
ولا شيء له في القطع على الغاصب ولا المشتري.
قال محمد ابن المواز: ومن اغتصب حليا فكسره ثم أعاده كما كان فلربه أخذه
ولا شيء له غيره، ولا غرم عليه، ولو صاغه على غير صياغته لم يكون له
[10/ 334]
(10/334)
أخذه وله قيمته، وقاله ابن القاسم وأشهب:
قال محمد: هذا إن صاغهما غير صياغتهما فأما إن أعادهما مثل صياغتهما فليس
لربهما إلا قيمتهما التي ضمن ولو كان هذا فعل متعدي غير غاصب أو سارق
لأخذهما ربهما مصوغين.
ومن المجموعة: قال ابن القاسم وأشهب: ومن غصب خلخالين فكسرهما فرضي ربهما
أخذهما مكسرين فذلك له وقد كان له أن يلزمك صياغتهما إن قدر على ذلك أو
يأخذهما وما نقص الكسر منهما أو يأخذهما ويقنع عنك ذلك، ولو صغتهما بعد
الكسر [خلخالين فله أخذهما ولو صغتهما] سوارين أو دملجين فليس له أخذهما
وعليك قيمتهما يوم كسرتهما.
جامع القول فين تعدى على شيء فاستهلكه أو جني عليه جناية فنقصته من عبد أو
دابة أو عرض أو حلى أو غيره
من كتاب ابن المواز والمجموعة: قال ابن القاسم عن مالك فيمن استهلك سوارين
فعليه قيمتهما مصوغين يوم جنايته يقومان بخلافهما بين ذهب أو فضة مسكوك.
قال أشهب في المجموعة: إلا أن يكون فيه الجوهر المربوط به ما تراه يقع له
فلا بأس أن يأخذ قيمته ذهبا وهو من ذهب، أو نقصه وهو من فضة.
قال في كتاب ابن المواز في مستلك سواري ذهب: إن لم يكن له شيء جاز أن يؤخذ
بقيمهما من الفضة وقد قيل: واجب له أن لو أبقي الذهب بحاله سوارين حتى يجد،
وإن كانت القيمة إنما تجب يوم الاستهلاك.
[10/ 335]
(10/335)
قال ابن القاسم في الكتابين: ولو كسرهما أو
هشمهما فإنما عليه قيمة الصياغة من ذهب أو فضة. وليس كالفساد الفاحش في
العروض لأنه إنما أتلف الصيغة، قال ابن المواز: وهو لم يغصبها فيضمن بالغصب
قيمتهما، وقال أشهب في الكتابين: عليه أن يضوغهما له وهو أحب إلي من
قيمتهما وما نقصهما وقد قاله مالك فيهما وفي الجدار يهدمه، فإن لم يقدر أن
يصوغهما فعليه ما نقص ما بين قيمتهما مصوغين ومهشمين أو مكسورين ولا أبالي
قوما بذهب أو بفضة قال ابن المواز: عليه قيمة ما نقصتهما الصيغة بخلاف كاسر
العصا أو ذابح الشاة لأن ذلك لا يمكن اعادته، قال أشهب: ولم ألزمه في
الاستهلاك مثلهما لأني لا آمن أن يكون في ذلك أكثر من ذهبه أو أقل في الكسر
إنما يصوغ ذهبهما بنفسه وقال في هاشم الدينار: عليه مثله لأنه عين فلو أخذه
وما نقصه كان فضل بين الذهبين، قال ابن القاسم: الحلي ليس بعين وإنما أتلف
فيه صياغته وقول ابن القاسم وأشهب فيمن كسر قصعة أو سرجا أو قمقما أو شق
ثوبا: إن في ذلك النقص الكثير قيمته، وقي اليسير ما نقصه، قال أشهب: بعد
خياطة الثوب، ورواه عن مالك، وقال ابن القاسم: بعد رفوه.
وقال أشهب في الكتابين فيمن قطع يد عبد غيره أو فقأ عينه: إن عليه ما نقصه،
قطع اليد من فقء العين وكل ليس فيه إلا ما نقصه، وأما قطع اليدين والرجلين،
أو فقء العين: فيضمن قيمته العبد كله ويعتق على الجاني، وقاله ابن كنانة عن
مالك وابن أبي الزناد عن أبيه، قال أشهب في كتاب ابن المواز: إلا أن يرى
فيه بعد العمى أو قطع اليدين ما لم يذهب أكثر منافعه، قال في الكتابين: أما
في الدواب والبهائم: فإن قطع اليد الواحدة يبطل منافعها أو جلها، وتجب عليه
[10/ 336]
(10/336)
قيمة الدابة، وأما فقء عينها وقطع أذنها أو
كسرها كسرا تنجبر فيه فإنما عليه في نقصها وقاله عمر بن عبد العزيز ومالك
وأبو الزناد، وقال ابن القاسم، وذلك في الدواب مثل الثوب في الفساد اليسير
والكثير، وقد قيل في غير كتاب ابن المواز: إن العبد الصانع إذا قطع يده
يوجب قيمة جميعه لأنه أبطله، وقيل في مفقوء العين أو مقطوع ليد: يفقأ عينه
أو يقطع يده جان: إن عليه قيمة جميعه.
من المجموعة: قال أشهب: قال ابن كنانة عن مالك فيمن قطع يد عبد أو فقأ عينه
عمدا: إن ربه مخير بين أخذه ما نقصه أو تضمينه قيمة جميعه فإن ضمنه قيمته
عتق على الجاني، قال أشهب: إذا كان قطع يده الواحدة أذهب أكثر منافعه فليس
لسيده إلا قيمته، وإن لم يذهب أكثر منافعه: فربه مخير كما قال مالك، وهو
استحسان وليس بالقياس.
قال ابن عبدوس: وإذا جني عبد على عبد فقطع يديه أو فقأ عينيه خطأ أو كان
عمدا وترك السيد القصاص، فقد صار الثاني مرتهنا بجميع قيمة المجني عليه
فيسلمه أو يفديه.
قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: ومن تعدى على شاة بأمر قل لبنها به
فإن كان عظم ما يراد له اللبن ضمن قيمتها إن شاء بها وإن لم تكن غزيرة
اللبن فإنما يضم ما نقصها، وأما الناقة والبقرة: فإنما فيهما ما نقصهما وإن
كانت غزيرة اللبن، لأن فيهما منافع غير ذلك باقية، وقال أصبغ قالا: وإن قطع
يد رجل فإن كان صانعا وعظم شأنه لصنعته فقد ضمنه، وإن لم يكن صانعا فإنما
فيه ما نقصه، [وإن كان تاجرا نبيلا، وأما فقء العين ففيه ما نقصه] كان
صانعا أو غيره، وأما إن قطع يديه أو رجليه أو فقأ عينيه فقد لزمته
[10/ 337]
(10/337)
قيمته كلها إلا أنه لا يعتق عليه لأن مثل
بعبد غيره، وليس لسيده أن يختار إمساكه وأخذ ما نقصه، وكذلك غير العبد من
عرض أو غيره، وأما إن عدا على فرس أو دابة غيره ففقأ عينها أو قطع أذنها:
فإنما له ما نقصها، فإن قطع ذنبها وهو فرس أو حمار فاره أو بغل ضمن جميع
قيمته لأنه أبطل الغرض فيه من ركوب من يركب مثله من ذوي الهيئات، بخلاف
العين والأذن، وقاله كله أصبغ إلا في قطع يدي العبد وفقء عينيه، فإنه قال:
يعتق عليه، قال عبد الملك: وهو استحسان. وذكر من تعدى على عبد/رجل فأخصاه
في كتاب الجنايات.
فيمن اغتصب أرضا أو عدا عليها أو أحدث فيها بناء أو غرسا أو زرعا أو هدم
وبنى أو رم أو أصلح في الدار أو في المركب والغلة في ذلك
ومن المجموعة: قال ابن وهب عن مالك فيمن بنى في أرض قوم بغير إذنهم فلهم أن
يكفوه هدمه إلا أن يعطوه قيمته نقضا فلا يكون له غير ذلك، وقال ابن القاسم
وأشهب فيمن غصب أرضا بقي منها أو بناها، فإذا كان ما يقلع ويهدم منها لا
قيمة له فليس للغاصب قلعه، قال ابن المواز: وإذا شاء ربها أن يعطيه قيمة
ذلك ملقى أو مقلوعا إنما ذلك بعد أن يطرح من ذلك أجر من يهدمه أو يقلعه،
قال ابن القاسم: وليس له فيما حفر من حفرة أو طمس مطمورا شيئا لأنه شيء لا
يقدر الغاصب على أخذه ولا في تراب ردم به في حفرة، قال سحنون: أما ما ردم
به الأرض من تراب فله أخذه، لأن من غصب ترابا فلربه أخذه، وكذلك في مسألة
أشهب في الذي حبس الأرض: أن له أخذ التراب وهو كالطوب عين قائمة بخلاف
الحفر، والحفر كالبنيان في الطوب إنما له قيمة الطوب
[10/ 338]
(10/338)
فقط إلا أن لرب الأرض في الحفر إن شاء أن
يكلفه ردمه فعل ويقول: لا أريد في أرضي مطمرا ولا بئرا، وكذلك قال عيسى بن
دينار، وفي العتبية: إن له أن يأمره بردم الحفر التي حفر وهي تضر به في
أرضه.
ومن كتاب ابن المواز: ومن غصب دارا فهدمها ثم استحقها رجل فإن شاء أخذ منه
قيمتها يوم الغصب وإن شاء أخذ العوصة والنقض على أن لا يتبع الغاصب بشيء،
ولو هدمها ثم بناها بنقضها نفسه ثم أعادها كما كانت قال: فللغاصب قيمة هذا
النقض المبني منقوصا اليوم وتكون عليه قيمة النقض منقوصا يوم هدمه
فيتقاصان، هذا مذهب أشهب ومالك وهو أحب إلي، وقال ابن القاسم: يحسب على
الهادم قيمة ما هدم قائما وتحسب له قيمة ما نبي منقوضا.
وروى عيسى عن ابن القاسم في العتبية فيمن ضرب طوبا أو عمل تلالا في أرض رجل
بغير إذنه، قال: الطوب والتلال لمن عملهما ولا شيء عليه لرب الأرض إلا أن
يكون عليه فعليه قيمة ما أفسد من الأرض، قال: وإن حفر فيها بئرا فعليه ردم
ما حفر فيها وللحافر نقضها إلا أن يشاء رب الأرض أن يعطيه قيمة نقضه مقلوعا
فذلك له وهو قول مالك.
ومن كتاب ابن المواز والمجموعة: ابن القاسم عن مالك فيمن تعدى على أرض رجل
فزرعها، فإن قام ربها وقد نبت الزرع فإن قام في إبان يدرك فيه الحرث فله
قلعه، يريد: يلي قلعه المتعدي، وإن فات الإبان فله كراء أرضه، قال ابن
القاسم وأشهب: وكذلك في غاصب الأرض، قالا في كتاب ابن المواز: وإن كان
الزرع صغيرا إذا قلع لا منفعة فيه للعلف قضي به لرب الأرض بلا ثمن ولا
زريعة/ولا شيء، فإن كان ينتفع به للعلف لم يكن بد من قلعه، [وإن مضى
[10/ 339]
(10/339)
الإبان فله الكراء وليس له قلعه]. قال ابن
المواز: ولو كان صغيرا جدا في الإبان فأراد رب الأرض تركه ويأخذ الكراء لم
يجز ذلك لأنه يحكم به لرب الأرض فكأنه بيع زرع لم يبد صلاحه مع كراء الأرض،
قال ابن القاسم: وقال لي من أثق به: إنه إذا لم تكن فيه منفعة للعلف قضي به
لرب الأرض.
ومن المجموعة: قال عبد الملك عن مالك، والمغيرة وابن دينار: إن الزرع إذا
أسبل لا يقلع لأن قلعه من الفساد العام للناس. كما يمنع من ذبح الفتي مما
فيه الحمولة من الإبل [وذات الدر من الغنم، وفي موضع آخر] وما فيه الحرث من
البقر لما في ذلك من مصلحة العامة، قال غيره من أصحابنا في غير المجموعة:
كما نهي عن تلقي الركبان واحتكار الطعام لمصلحة العامة فيمنع الخاص من بعض
منافعه لما فيه من الضرر بالعامة، قال عبد الملك: وإن كان الزرع صغيرا حين
شرط أو حين سقى فإنه يقلع ويلزم المتعدي ما ألزم نفسه، وإذا لم يكن فيه علف
ولا له ثمن [كان لرب الأرض بلا شيء] وليس للزرع قلعه، ولا يوجد زرع بقيمته،
لأنه يبيع له قبل بدو صلاحه، وكذلك قال ابن القاسم إذا كان في الإبان فلرب
الأرض أن يأخذ منه الكراء أو يأمره بقلعه إلا أن يتراضيا على أمر يجوز، فإن
رضي الزارع بتركه لرب الأرض جاز إذا رضي رب الأرض، وإذا لم يكن فيه قلعه
نفع ترك لرب الأرض إلا أن يأبى فيؤمر/الزارع بقلعه.
ومن المختصر الكبير: ومن غصب أرضا فزرعها فإن قام ربها وقد بلغ الزرع فله
الكراء، وإن كان لو لم يكن فيها زرع لزرع كان ذلك له، يريد: الزرع بلا ثمن
قال: وقد قيل: إن من اغتصب أرضا فزرعها فلا يعطى شيئا لأنه ليس لعرق ظالم
حق، فهو أهلك ماله، والأول أحب إلينا، والذي في كتاب الأبهري عن
[10/ 340]
(10/340)
ابن عبد الحكم: وقد قال مالك: إن له أن
يقلع الزرع سواء قدر أن يزرع أرضه أم لا، والأول أحب إلينا. وفي المجموعة
والعتبية من سماع يحيى بن يحيى: قال ابن القاسم: وإذا تعدى بزرع أرض رجل ثم
ينصف صاحب الأرض فتعديه على حقه في أوان لو شاء أن يزرع أرضه أمكنه ذلك ولم
يمنع فترك الزرع حتى إذا أمكنه تنازعا فيه، فأراد رب الأرض أخذه ويغرم
للمتعدي بذره أو قيمته، قال، فالزارع أحق به وعليه كراء الأرض، ولو دعاه رب
الأرض لقلع الزرع حين قام فترك الغاصب زرعه مؤيسا من منفعته وبرئ إلى رب
الأرض منه، وقال له: اصنع به ما شئت، لا حاجة لي به، فقال رب الأرض: فأنا
أقره لنفسي فلما بلغ تنازعا فيه، فأراه لرب الأرض.
ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم: قال مالك: ولو زرع الأرض بشبهة من
شراء أو كراء فقام ربها في الإبان فله كراء عامه، قال ابن القاسم: وإن فات
فلا كراء له، وكذلك إن كان المكتري لا يعلم ما مكريه: غاصب أو مشتري؟ فهو
كالشراء حتى يعلم أنه غصبها، ولو استحق بعضها واستشفع/فله كراء حصته في
الإبان ولا كراء له فيما استشفع فيه.
ومن المجموعة: قال ابن القاسم: ولو غصب قمحا فزرعه فعليه مثله؛ قال عبد
الملك: إذا أراد أن يخرج مما دخل فيه ورده إلى أهله فليس عليه إلا مكيلة ما
غصب ويستغفر الله.
ومن كتاب ابن المواز: ذكر النفقة على الحيوان والعبيد والنخل وغلات ذلك
وقال: وكذلك لو اغتصب مركبا خربا فأنفق في قلفطته وزفته واطراقه وحوائجه ثم
اغتل غلة كثيرة فلربه أخذه مقلفطا مصلوحا بجميع غلته ولا غرم عليه فيما
[10/ 341]
(10/341)
أنفقه إلا مثل الأرجل والصاري والحبال وما
إذا أخذ وجد له ثمنا، قال محمد: ولو استحقه ربه بموضع لا يجد فيه صاريا غير
صاري هذا الغاصب ولا أرجلا ولا أحبلا ولا بموضع ينال حمله إليه إلا بالمشقة
والمؤنة العظيمة، وهو مما لا بد له منه مما يجري به المركب حتى يرده إلى
موضعه، فربه مخير بين أن يعطيه قيمة ذلك بموضعه كائن ما كان، وأن شاء أسلم
ذلك إليه، وكذلك منغصب دارا خرابا لا يقدر على سكناها حتى يصلحها فسقف فيها
وحفر وردم وأصلح حتى سكن وأغلت غلة كثيرة فلربها أخذها مصلوحة وأخذ ما اغتل
منها، وكراء ما سكن، فلم يكن عليه مما أصلح شيء إلا قيمة ما لو تركه كان له
قيمة فيعطيه ثمنه نقضا على قدر ما يظن أنه يصفو من ثمنه بعد أن يطرح منه
أجرة قلعه، أو يشاء المستحق. أن يكلف نقضه، قال أبو محمد: كان ابن المواز
فيما ذكر/من هذا يفرق بين ما رم وأصلح في الدار وبين أن يغصب أرضا فيبنيها
دارا، هذا ينبغي أن لربها أن يعطيه قيمة البناء مطروحا ثم يغرم له ما يقع
للأرض من الكراء فيما سكن، وإن أكراها مبنية نظر ما وقع للأرض من الغلة
فوداه، وكذلك فيما غرس في الأرض من الشجر فاعتلها مدة الغلة للغاصب وعليه
كراء ما أقامت تلك الأصول في الأرض لرب الأرض، ولربها أن يعطيه قيمة ذلك
ملقى أو يأمره بقلعه، وقد رأيت لأصحابنا ما يدل على هذا الجواب.
[10/ 342]
(10/342)
فيما يحدث عند الغاصب من ولد، وما يغتل من
غلة في الحيوان وغيره، وكيف بما أنفق على ذلك أو أصلح أو عمر، أو سقى
وعالج؟
قال ابن القاسم وأشهب في المجموعة: إن ما ولدت الأمة المغصوبة من الغاصب أو
غيره ممن ليس بمغرور بنكاح أو شراء فرقيقه لسيدها معها، قال أشهب: فإن شاء
تركها وأخذ من الغاصب قيمتها يوم الغصب، لأن الولادة تنقصها، ومن مات من
ولدها فإنه يضمنهم عند أشهب بقيمهم يوم ولدوا وإن ماتوا وماتت الأم لزمه
عنده قيمتها وقيمة الولد يوم ولدوا، وإن ماتت الأم وحدها أخذ الولد مع
قيمتها وابن القاسم لا يضمنه من مات الولد، والأشهب قول يشبه قول ابن
القاسم في الولد يموت، وذلك أنه أنكر قول من قال في الأمة تلد من المشتري:
إن المستحق يأخذ قيمتها يوم أحبلها وقيمة ولدها، فأعاب هذا وقال: إذا لزمه
قيمتها يوم الوطء صار الولد له/بعد أن لزمته القيمة. قال ابن القاسم: وإذا
هلكت وبقي الولد ولدته عند الغاصب: فإما أخذ ربها الولد ولا شيء له، أو
يأخذ قيمتها يوم الغصب ولا شيء له في الولد، وكذلك إن ماتت وقد انتقع منها
بغلة من صوف ولبن وما تولد منه، فإنما له إما قيمتها يوم الغصب فقط وإلا
أخذ ما وجد من غلتها فقط، فإن فات ذلك بانتفاعه أخذ ما فيه القيمة والمثل
فيما يجب فيه المثل فقط، وذكر ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون مثل قول ابن
القاسم في ذلك كله.
ومن المجموعة: قال أشهب: وغاصب الدابة إذا أكراها فإن شاء ربها أخذه
بقيمتها يوم الغصب ولا كراء له وإن شاء أخذ كراءها فقط، قال ابن عبدوس:
وهذا يدل من قوله: إنه إذا أخذ القيمة يوم الغصب لم يكن له شيء في ولد ولا
غلة، ولو كان إنما مات الولد لم يضمنهم لدخولهم في حكمها فهم كعضو منها لو
ذهب لم يضمنه، ويأخذها ناقصة أو قيمتها يوم الغصب.
[10/ 343]
(10/343)
فإن قيل: إنه لما احتبس الولد يوم ولدوا
فهو كما لو غصبه يومئذ. قيل له: وكذلك كان محتبس العضو التالف منها فضمنه
قيمته وقد أبى من ذلك أشهب إذ أوجب جميع تضمين الكل، قال أشهب: إذا وجد
الأمهات أخذها وضمنه ما أكل مت غلتها وذهب وتلف على يديه وكذلك تمر النخل.
قال ابن القاسم: وإذا أخذ منه تمرة النخل فلا شيء له فيما سقى وعالج، وقال
أيضًا: ثم يأخذ ما سقي وعالج ما بينه وبين قيمة الثمن/وقال أشهب فيه وفي
غلة الغنم: يحسب فيها ما أنفق في رعاية ومؤنة، وأما فلا الولد فلا نفقة له
فيه لأنه ليس بغلة، وذكر تفريق ابن القاسم بين الدور والأرض وبين العبد
والدابة فيما زرع أو سكن أو أكرى أواغتل أو استحق أنه لا شيء له من ذلك في
الحيوان وإنما له في الدور والأرض، ولو جعلت له ذلك فيهم لقوصص فيه بما
أنفق عليهم ولكنت أقول في الصغير يكبر: أن يطلب ما أنفق عليه، ورواه عن
مالك؛ قال سحنون: وقد روي عن مالك أنه يغرم له غلة الحيوان والعبيد، وقال
أشهب: إن الدور والأرض والعبيد والحيوان سواء ويرد كلما اغتل في ذلك كله من
كراء وقيمة ما عمل له إن كان عملا لمثله كراء ما أكرى من ذلك ويقاص في ذلك
كله بما أنفق وعمل وعلف، وإنما الذي فيه الحديث كان الخراج بالضمان إنما هو
لمن ضمن بغير تعدي فأما المتعدي الظالم فليس من ذلك.
[10/ 344]
(10/344)
قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: إن
للمستحق طلب الغاصب في العبيد والحيوان بأجر ما ركب واستخدم وأكرى، وكذلك
الدور والأرضين، وإن علم أنه أغلق الدار وبور الأرض وأوقف الدابة والعبد
فلم ينتفع بشيء من ذلك في سكن ولا خدمة ولا كراء: قالا: فعليه كراء ذلك
لأنه منعه ذلك منها. ويرد كل ما أكل من الثمرة المكيلة إن عرفت وإلا
فالقيمة، والغاصب مصدق/في صفة ذلك مع يمينه، قال سحنون في العتبية: وإذا
غرم لرب الدابة غلتها قاصة بما علفها وإذا كانت عنده واقفة لم يستعملها فلا
كراء عليه. وأخذ ابن المواز بقول أشهب في رد الحيوان والعبيد والمقاصة فيها
بالنفقة والمؤنة، وناقض أشهب ومحمد ابن القاسم في حجته بالصغير يكبر وينفق
عليه: أنه لا يرجع بذلك ويرجع بما أثر في الدار فقالا: إنما يرجع في الدار
في عين قائمة وليست النفقة في الصغير نعين قائمة. قال أشهب: ويلزمه أن يقول
إذا ركب الدابة غير الغاصب واستخدم: إن كراء غلة ذلك للغاصب بضمانه، وهذا
قول العراقيين، قال محمد: وهو قول ابن القاسم عن مالك، وروايته: أن ما اغتل
في الحيوان لا يغرمه الغاصب، قال أصبغ: أما الذي استأجر فلا شيء عليه إذا
لم يعلم، لا اختلاف بيننا فيه، وأما قبض الغاصب في غلة الحيوان فقول أشهب
أحب إلي، وقاله محمد، ولم يختلف مالك وأصحابه فيما تولد عن الحيوان من صوف
ولبن وشبهه: أن يرده الغاصب مع الأمهات ومع الولد، ويرد غلة النخل، ويرد ما
تلف من علتها وما تلف منه بسببه وبغير سببه فليرده وكل ما انتفع به من ذلك
أو وهبه، وبحسب ما سعى وعالج وما أنفق في رعاية الغنم ما بينهما وبين
استيعاب الغلة فلا يزاد الغاصب على ذلك، وهذا قول أشهب في غرم القيمة،
وقاله ابن القاسم ثم رجع عنه وقال: لا شيء له من النفقة وإن كانت/بسبب
للغلة ولا مما علف الدابة، وقاله مالك. وبه قال ابن المواز قال: إذ ليس
بعين قائمة ولا يقدر على أخذه ولا مما له قيمة بعد قلعه فيودى، كما لو غصب
مركبا مخربا فأنفق في قلفطته
[10/ 345]
(10/345)
وزفته وتزجيجه وأطرافه وحوائجه ثم اغتل فيه
غلة كثيرة فلربه أخذه مقلفطا مصلوحا بجميع غلته ولا غرم عليه فيما أنفق
عليه إلا مثل الصاري والأرجل والحبال وما يوجد له ثمن إذا أخذ فللغاصب
أخذه، وإن كان موضع لا عناية عنه: فقد ذكرنا القول فيه قبل هذا وقال: وكذلك
لو غصب دارا لا يقدر أن يسكنها إلا بأصلاح فسقف فيها وأصلح وردم وحفر حتى
سكن، فلربها أخذها وأخذ غلتها بلا غرم شيء إلا ما لو نزع كان له قيمة، فله
أن يعطيه قيمته مطروحا بعد أجر قلعه، وهذا قد كتبته وزيادرة فيه في باب
تقدم فيما عمر فيه الغاصب وبنى.
فيمن تعدي فبني أو سكن أو غرس في أرض بينه وبين رجل بميراث أو غيره، ومن
غرس في أرض غيره وهو يراه مثل الزوج في أرض زوجته أو غيره
من العتبية من سماع ابن القاسم: ومن غرس أو بنى في أرض بينه وبين شريكه
فليقسماها، فإن صار بناؤه فيما وقع له فهو له وعليه كراء حصة صاحبه فيما
خلا، وإن صار الغرس والبناء في نصيب شريكه خير شريكه بين أن يعطيه قيمة ذلك
مقلوعا وبين أن يأمره بقلعه، وله على الباني من/الكراء بقدر نصيبه.
وروى عيسى عن ابن القاسم في إخوة ورثوا منزلا فيعمل أحدهم في الأرض أو
المنزل قبل أن يقسم بيننا أو يغرس، فذكر ما ذكر مالك وزاد: فإن استغل من
ذلك شيئا قبل القسم: قال: إن كانوا حضورا فلا شيء لهم لأنهم بمنزلة أن لو
أذنوا له، وإن كانوا غيبا فلهم بقدر كراء الأرض البيضاء، وعليه لهم ما
ينوبهم صارت له أو لغيره.
[10/ 346]
(10/346)
قال ابن حبيب: قال مطرف فيمن هلك عن أرض
وبقر وغنم ودواب فاستعملت ذلك كله زوجته زمانا وورثة الميت صغار أوغيب، فإن
عليها قدر حصتهم من كراء الأرض وما استعملت من البقر والدواب بعد أن تقاص
بالعلف، وما مات من ذلك في علمها فهي ضامنة لقيمتهم، وما دخلهم من نقص أو
عيب فإنهم مخيرون بين أخذه وما نقص، أو يضمنوها قيمة ذلك يوم تعديها وما
مات أو نقص في غير عملها أو سببها لم يضمنه إذا تركته على حاله وكلما حلبت
من لبن وأصابت من رسل مما فيه فضل عن مؤناتها ورعايتها فعليها ذلك الفضل،
وإن لم يكن فيه فضل فلا شيء عليها، وما رفعت من زرع فلها، وعليها كراء
البقر ومكيلة البذر إن أقرت أنها من بذرة زرعت وكراء بقره وتحلف: ما زرعت
إلا لنفسها وإن قالت: البذر من طعامي صدقت مع يمينها، وقاله أصبغ.
ومن العتبية من سماع ابن القاسم في من بني في أرض رجل أو غرس وهو حاضر يراه
فلمل فرغ قام عليه: أن للعامل قيمة ما أنفق. قال ابن القاسم/: وذلك في
فياقي الأرض وحيث لا يظن أن تلك الأرض لأحد، فإذا بنى في مثل ذلك المكان
وصاحبه ينظر ثم طلب إخراجه فلا يخرجه إلا بقيمته مبنيا، ولو بنى في مثل
المكان الذي يجوز استحياء مثله ولم يعلم ربه لم يكن له إخراجه إلا أن يغرم
القيمة مبنية، وأما من دخل بمعرفة متعديا: فله أن يهدم بناءه ويقلع غرسه
إلا أن يريد أن يغرم له قيمة ذلك مقلوعا فليس للمتعدي أن يأبى ذلك.
وروى يحيى عن ابن القاسم فيمن بنى أو غرس في أرض امرأته أو في داره، ثم
يموت أحدهما فقيمة ذلك البناء عليها أو على ورثتها للزوج أو للورثة قيمته
مقلوعا، وإنما حاله فيما غرس من مال امرأته حال المرتفق به كالعارية يغرس
فيها ويبني إلا أن يكون للمرأة أو لورثتها بينة أنه إنما كان ينفق في عمارة
ما عمر من ذلك من مالها ولها كان يصلح، فتكون أحق بأرضها وما فيها بغير
شيء، وإلا فكما ذكرنا
[10/ 347]
(10/347)
وإنما يعطى القيمة، فأما من عمر بميراث أو
بشراء ثم استحق واستشفع فأما إن أسكن أجلا أو عمري أو إلى غير أجل، ثم
خرجوا طوعا أو خرجوا عند الأجل، فهؤلاء يعطون قيمته منقوضا.
وذكر مطرف وابن الماجشون في كتاب ابن حبيب أن من بنى في أرض بينه وبين
شريكه فإن كان شريكه حاضرا لا ينكر فهو كالإذن ويعطيه قيمة البناء قائما،
قال ابن القاسم واصبغ: قيمته ملقى، وقال مطرف وابن الماجشون عن مالك: إن
بنى بعلمه فلم ينكر عليه فليعطه قيمة البناء قائما كالباني بشبهة، وهذا
مذكور في كتبا الصدقة/والهبة بأكثر من هذا المعنى وأتم.
وفي كتاب الدعوى: ذكر الزوج يبني في أرض زوجته ثم تدعي هي أو ورثتها أن ذلك
من مالها.
فيمن غصب بيضة فحضنها، أو غصب دجاجة فحضن تحتها بيضا منها أو من غيرها،
والحكم فيما توالد من ذلك في الدجاج أو في الحمام
ومن المجموعة: قال أشهب فيمن غصب بيضة فحضنها تحت دجاجة فخرج منها دجاجة
فعليه بيضة مثلها والدجاجة للغاصب، كالغاصب القمح فزرعه فله الزرع وعليه
مثل القمح، قال: وأحب إلي لو تصدق بالفضل وليس بواجب عليه للضمان.
وقال سحنون في العتبية: من غصب لرجل بيضة له من دجاجة حية أو من دجاجة ميتة
فحضنها تحت دجاجة فخرج مها فرخ: فالفرخ لرب البيضة وللغاصب عليه قدر إكراء
ما حضنت دجاجة كانت البيضة من ميتة أو حية.
[10/ 348]
(10/348)
ومن كتاب ابن المواز والمجموعة ونسبة في
المجموعة إلى أشهب قال: ومن اغتصب دجاجة فباضت عنده فحضنت من بيضها فما خرج
من الفراريج فلربها أخذهم مع الدجاجة كالولادة، وأما لو حضن الغاصب تحتها
بيضا من غير بيضها فخرج من ذلك فراريج، أو حضن بيضها تحت دجاجة له أخرى
فليس للغصوب منه إلا دجاجته وحدها إن شاء ولاشيء له مما خرج عن البيض الذي
حضنت لا من بيض غيرها ولا مما حضنه غيرها من بيضها ويغرمه للمستحق بيضا مثل
بيضها.
قال في كتبا ابن المواز: ويكون له فيما حضنت من بيض غيرها كراء مثلها، يعني
محمد: على قول أشهب، قال في كتاب محمد: وما نقصها ذلك وهذه الكلمة التي في
كتاب محمد فيها نظر، قال: إلا أن يكون نقصانا بينا فله، يريد محمد: إن شاء
قيمة الدجاجة يوم غصبها ثم لا شيء له من بيضها لا من فراريجها ولا من كراء
حضانتها شيء أذا أخذ قيمتها يوم غصت منه، قال في الكتابين: وكذلك الحمامة
بعينها ولا شيء للغاصب فيما أعانها به الذكر الذي له، قال في كتاب ابن
المواز: ويكون للمغصوب منه قيمة حضانتها، قال في الكتابين: ولا شيء له من
فراخ ما حضن غيره من بيضها وإنما له في الغاصب بيض مثل بيض حمامته إلا أن
يكون عليه في أخذ البيض ضرر في تكلف حمام تحضنهم فله أن يأخذ الغاصب بقيمة
ذلك البيض.
[10/ 349]
(10/349)
في الغاصب يكري ما غصب فيعطب، أو يعتدي فيه
المكتري بأمر، وشيء من ضمان الغاضب، وضمان من غصب السكنى دون الدار
من كتاب ابن المواز: ومن غصب دارا فأكراها فأخرب الساكن بعضها قال ابن
القاسم: فعليه قيمة ما أخرب وليس عليه أن يبني له، ولو انهدمت من غير فعله
لم يلزمه شيء، ولو كان غاصبا لزمه ما أنهدم بغير سببه يخير ربها بين أن
يسلم إليه ما أخرب فيها بأصله وأخذ قيمته وإلا أخذه بلا غرم نقصان إلا أن
يكون هدم/أكثر الدار فله أن يسلم العرصة ويأخذ قيمتها مبنية أو يأخذها ولا
يرجع بنقصانها، ولو أكرى الغاصب دابة فعطبت تحت المكتري: قال ابن القاسم:
إن ربها لا يتبعه بشيء ويتبع الغاصب بقيمتها إلا أن يموت من فعل فعله بها
المكترى بخلاف ما أكل المشتري ولبس وقد قال مالك في الذي واجر عبدا لم يدر
أنه عبد ليبلغ له كتابا إلى بلد فعطب أنه ضامن مثل ما يتلف المشتري من
السلع، وكذلك ما عطب في عمله. وفرق ابن القاسم بين هذا العبد والدابة التي
اكتراها فعطبت وما بينهما فرق، كذلك لو لم يركبها وبعثها مع غيره إلى بعض
القرى، قال محمد: وهما سواء وفيها الضمان قيل: فقد قال مالك في المشتري
يهدم الدار: أنه لا يضمن الهدم قال: قد قال في قطعه للثوب: إنه ضامن، قال
محمد: والفرق: أن الدار يقدر على إعادتها ولا يقدر على إعادة الثوب، وكذلك
كسره للحلي كهدم الدار إذ ليس يختلف قاطع الثوب كذابح الشاة وكاسر العصا
وكذلك بعثه للغلام إذا هلك فيه فهو تلف له، وكذلك عندي راكب الدابة والباعث
بها يهلك في ذلك.
قال ابن القاسم: ومن سكن دارا غصبا للسكنى لا للدار فانهدمت من غير فعله
مثل ما سكن المسودة حين دخلوا فلا يضمن إلا قيمة السكنى إلا أن
[10/ 350]
(10/350)
ينهدم من فعله، وأما لو غصبه البنيان، يريد
برقبة الدار ضمن ما أنهدم وكراء ما سكن وقاله أصبغ إذا لم يعطه الرقبة لم
يضمن إلا الكراء حتى تنهدم من فعله، ولا يضمن إلا ما يضمنه/المكتري من
التعدي في الأمور.
قال ابن القاسم: وإذا نزل سلطان على مكتري فأخرجه وسكن: إن المصيبة على أهل
الدور ويسقط عن المكتري ما سكن السلطان، وقاله مالك وأصبغ وكذلك روى عيسى
عن ابن القاسم في العتبية وقال: قضى به محمد الحرمي بمصر حين قدم المسودة
قال ابن المواز: فإن تاب لم يضمن ما أنهدم بغير فعله وضمن الكراء إلا أن
يغصبه الرقبة كما ذكرنا.
ومن المجموعة: قال ابن القاسم وعبد الملك فيمن اكترى دارا أو أرضا فاغتصبها
منه رجل فسكن أو زرع: إن الكراء على المكترى إلا أن يكون سلطان ليس فرقه
آخذ يمنع منه إلا الله سبحانه وليس السلطان كغيره.
قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: ومن غصب سكنى الدار دون أصلها
فانهذمت من غير فعله فليس عليه إلا كراء ما سكن، وإن انهدمت من فعله فعليه
كراء ما سكن وربها مخير بين أن يضمنه قيمة الدار يوم انهدمت من فعله فعليه
كراء ما سكن وربها مخير بين أن يضمنه قيمنه الدار يوم انهدمت من فعله وإن
شاء قيمه ما هدم وأخذ البقعة، ولو غصب رقبتها فانهدمت من غير فعله فربها
مخير إما أخذ منه قيمتها يوم الغصب ولا كراء له وإن شاء فله كراء ما سكن
وله البقعة ولا شيء له من قيمة الهدم، وإن شاء فله البقعة وقيمة الهدم ولا
شيء من الكراء، وإن هدمها الغاصب فربها مخير إن شاء قيمتها يوم الغصب وإن
شاء أخذ البقعة وكراء ما سكن وقيمة الهدم، قال أبو محمد: وقوله في الغاصب:
فتهدم بغير فعله إن لربها أن يأخذ قيمة الهدم والبقعة ولا كراء له،
ليس/بأصلهم لأن الغاصب لا تؤخذ منه وما نقصها إذا نقصت من غير فعله.
[10/ 351]
(10/351)
قال عيسى بن دينار في ظالم أسكن معلما دار
رجل ليعلم له فيها ولده ثم مات الظالم والمعلم فربها مخير أن يأخذ ذلك من
مال الظالم أو من مال المعلم.
وقاله ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون وأصبغ.
في جناية العبد المغصوب
قبل الغصب أو عند الغاصب
من كتاب ابن المواز: قال: إذا جنى العبد المغصوب عند الغاصب قد اختلف في
ذلك ابن القاسم وأشهب فقال ابن القاسم: إن شاء سيده أخذ من الغاصب فيمته
يوم الغصب وسلمه إلى المجروح وإن شاء أخذه بلا شيء على الغاصب فيسلمه إلى
المجني عليه أو يفديه، فإن أخذ قيمته من الغاصب كان للغاصب أن يفديه أو
يسلمه وهذا الصواب لأن كل نقص يحدث به فليس لربه أن يأخذ من الغاصب ما نقص
إن أخذه، وقال أشهب: يسلم العبد إلى ربه يسلمه أو يفتكه، فإن أسلمه أو
افتكه رجع على الغاصب بالأقل من جنايته أو قيمته لأنه إذا أسلمه وكانت قيمة
رقبته يوم الغصب أقل [قال الغاصب: ليس علي غيرها وإن كانت الجناية أقل] قال
له الغاصب: قد كان لك أن يفديه بدية الجناية فقط فأسلمته بما لم يكن يلزمك
ولا يلزم غيرك قال: ولو أسلمه الغاصب قبل أن يستحق سيده فلسيده أن يتم
إسلامه ويرجع بقيمته يوم الغصب على الغاصب، وإن فداه رجع على الغاصب
بالأقل، ولو كان الغاصب/قد كان فداه فلربه أخذ عبده ولا خيار له فيه إن
كانت جنايته خطأ كان أو عمدا وكان يفعل ذلك عند سيده، وإن لم تكن فعالا
لذلك وهي عمد فربه مخير إن شاء أخذه ولا شيء له أو يتركه ويأخذ قيمته من
الغاصب يوم الغصب، قال ابن المواز: ومحمل جواب أشهب في هذه المسألة على
الخطأ.
[10/ 352]
(10/352)
وقال في المجموعة: قال أشهب: إن كانت
الجناية خطأ فإن فداه الغاصب فله رده على سيده، وإن كانت جناية عمدا فليس
له رده عليه وإن فداه إلا أن يشاء سيده، لأنه عيب حدث به إلا أن يكون عند
سيده يفعل مثل ذلك فله رده عليه إذا فداه، وإذا لم يكن فعالا لهذا عند ربه
فأبى سيده أخذه فله قيمته على الغاصب يوم الغاص أن يفديه خير ربه بين أن
يسلمه ويرجع بقيمته على الغاصب، وإن شاء فداه ورجع على الغاصب بالأقل مما
فداه به أو من قيمته. قال سحنون: كنت أقول بقول أشهب هذا ثم تبين لي أن قول
ابن القاسم أشبه بالأصل لأن جنايته لا تعدو أن تكون نقص فيه وكل نقص حدث
فيه فليس لسيده أن يأخذ العبد ويرجع بما نقص، وإنما له أخذ قيمته من الغاصب
يوم الغصب أو أخذ عبده ناقصا ثم يسلمه إن شاء أو يفديه، وقال ابن المواز
مثل قول سحنون. واحتج بنحو حجته.
ومن كتاب ابن المواز: قال: ولو قتل العبد رجلا قبل الغصب وآخر بعد الغصب
قال: روي لنا أن أشهب/قال: يخير سيده فإن شاء أسلمه إليهما ثم رجع على
الغاصب بنصف قيمته يوم الغصب إلا أن يكون ذلك أكثر من دية جنايته على
الثاني، وإن شاء فداه بدية الجنايتين ورجع على الغاصب بدية الآخرة منهما
إلا أن يكون أكثر من نصف رقبته يوم الغصب، قال محمد: ولم يعجبنا هذا
والصواب عندنا أنه إذا أسلمه سيده إلى المجني عليهم فلا يرجع على الغاصب
بشيء لأنه كان مرتهنا بجرح الأول فعليه وقع تعدي الغاصب فتلف عند العاصب
نصف العبد الذي صار مرتهنا بجناية الثاني، وإنما يرجع بذلك المجروح الأول
على الغاصب [والعبد بين أولياء القتيلين ويرجع ورثة الأول علي الغاصب] بنصف
قيمة العبد إلا أن تكون دية القتيل الآخر أقل من نصف القيمة فعلى الغاصب
[10/ 353]
(10/353)
الأقل، فيصير لأولياء الأول نصف العبد مع
نصف قيمته إلا أن يدفع سيده لأولياء الأول جنايتهم فكون له ما كان للأول،
ويصير له نصف العبد ويرجع على الغاصب بنصف قيمة العبد لأن الغاصب لم يتلف
عنده إلا نصف العبد، قال: ولو قتل عند سيده فتيلا ولم يقتل عند الغاصب أحدا
حتى باعه فقتل عند المشتري قتيلا ثم قام الولاة والسيد فإن ودي السيد
لأولياء الأول دية وليهم كان له نصف العبد ويرجع على الغاصب إن شاء بنصف
الثمن، وإن شاء بنصف قيمة العبد الذي صار مرتهنا بيد أولياء الثاني، وإن
شاء سيده أن يدع العبد فلا يفديه ولا يكون له فيه حق ويكون لأولياء الأول
نصفه ويأخذوا من الغاصب نصف قيمة العبد أو نصف ثمنه فيرجع المشتري على
الغاصب بنصف الثمن الذي استحق أولياء الأول قال: فإن فداه السيد منهما
جميعا فلا شيء على الغاصب ولا على غيره، وإن أسلمه إلى أولياء القتيلين لم
يكن له على الغاصب طلب ويكون لأولياء الأول على الغاصب قيمة ما صار لأولياء
الآخر عن العبد وهو النصف، لأن ذلك الذي أتلفه الغاصب على الأول، فيصير لهم
نصف قيمة العبد ونصف وقبته، ولورثة الآخر نصف العبد ويرجع المشتري على
الغاصب بنصف الثمن.
ومن العتبية: روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في العبد يجنى عند الغاصب
فربه مخير أن يسلمه إلى المجروح ويأخذ من الغاصب قيمته يوم الغصب وإن شاء
أفتكه بالعقل فأخذه وينظر إلى ما يرى أن الغاصب كان يغرمه لرب العبد من
قيمته لو أخذه بذلك وما يلزمه من غرم [عقل إن فداه فيغرم لربه أقل الغرمين
إذ لا بد للغاصب من غرم] أحدهما مع إسلام العبد لربه أو للمجروح إن شاء ربه
أخذ قيمته، فإن قال الغاصب: أنا أفتكه حتى يصير غير معيب ولا مأخوذ بعقل
جنايته ولا يتبع بها ويأخذه ريه سليما قال: ذلك له، وهذا سند القول الأول
ألا تراه زالت الرقبة من يده وغرم المجروح عقله فما حجة من
[10/ 354]
(10/354)
قال: إنما لربه أن يأخذه معيبا ويغرم عقل
الجناية أو يدعه ويأخذ قيمته فقط؟
وهو إن أخذ القيمة لم يسلم الغاصب من غرم/العقل للمجروح وهو قد غرم قيمته
لربه أو يسلمه بجنايته، فقد زالت من يده رقبته، وغرم القيمة للسيد، فربه
أحق بعبده وبأقل الغرمين اللذين لا بد للغاصب من غرمهما.
قال سحنون في العبد يجني عند الغاصب ثم أخذه ربه ولم يعلم بجنايته ثم جنى
عبده على آخر ثم قام الرجلان والجنايتان سواء، فإن شاء سيده أخذ من الغاصب
نصف قيمة العبد ويصير كعبد بين رجلين جنى فيخيران في فدائه أو إسلامه، فإن
شاء فدياه أو أسلماه أو يفتك أحدهما ويسلم الآخر، فإن أفتكه السيد
بالجنايتين لم يضمن الغاصب شيئا، كذلك قال ابن القاسم، وقال غيره: يرجع على
الغاصب بالأقل من نصف القيمة أو نصف الجنايتين.
فيمن غصب مالا يحل بيعه أو أتلفه
من المجموعة: قال ابن القاسم وأشهب فين اغتصب جلد ميتة غير مدبوغ لزمته
قيمته كما أن كلب الصيد لا يباع ويلزم قاتله قيمته. قال أشهب: وكزرع لم يبد
صلاحه استهلك وكبئر الماشية الذي لا يجوز بيعه يغصبه وكل فيسقى به زرعه
فعليه قيمة ما سقى منها. وقال أبو الفرج البغدادي: إن مالكا قال فيمن
استهلك لرجل جلد ميتة غير مدبوغ: إنه لا شيء عليه. قال إسماعيل القاضي: إلا
أن يكون لمجوسي، وقاله ابن القاسم فيمن سقى من بئر غصبها.
قال مالك: ولا شيء على من قتل كلاب الدور/، وإنما يضمن من قتل كلب صيد أو
ماشية أو زرع، قال أشهب: وكلب الصيد والماشية ثبت في الحديث، وقد جاء الإذن
في كلب الزرع وعلى قاتله قيمته.
[10/ 355]
(10/355)
قال مالك في مسلم غصب خمرا لنصراني فعليه
قيمتها يقومها من يعرف القيمة من المسلمين. قال سحنون في كتاب ابنه: حديث
عهد بالإسلام. وقال ابن المواز: لا تخفى قيمتها على المسلمين، وقال ابن
الماجشون: لا شيء عليه، لأنه لا قيمة للخمر ولا للميتة، وقاله أحمد بن
المعدل.
قال ابن القاسم عن مالك في العتبية في الزرع تأكله الماشية، فإنه يقوم على
ما يرجى من تمامه، ويخاف من هلاكه اللا جاز بيعه، واحتج بقضاء النبي عليه
السلام بالغرة في الجنين، فهذا مثله.
فيمن تعدى بإرسال ماء أو نار بقرب أرض غيره
فأفسد بذلك شيئا
من المجموعة: ذكر مسألة ابن القاسم فيمن أرسل نارا في أرضه وهي بعيدة فيما
يرى الناس أنها لا تصل إلى جاره، فتحاملت النار، أو حملتها الريح إليها
فأفسدت. لم يضمن، وإن كانت قريبة يعلم الناس أنها لا تكاد تسلم منها فهو
ضامن، ومن مات منها فديته على عاقلته، وقاله مالك. وقاله أشهب، وقال: أما
الماء فإن كانت أرضا يسير الماء فيها قالا له: وكنت أنت تلي تسريحها فأغفلت
حسن تسييرها فأنت ضامن، وإن كان قيمك الذي يلي ذلك هو الضامن، وإن كان ما
يظهر على الأرض فموجبه فيها على احتفاظ منك بجسورها لمالك من المرفق/يحبس
الماء على أرضك، فتحامل الماء على الجسور بغير إحراف منك في إرساله، ولا في
عمل الجسور، فلا ضمان عليك لما أفسد، وإن كنت إنما أرسلت الماء في أرضك على
قرب من أرض جارك، وذلك مخوف عند الناس على زرعه، لتركك للمرفق في الحبس
فأنت ضامن لزرعه، وإن كان زرعه بعيدا عنك مما
[10/ 356]
(10/356)
لا يخاف عليه بما أرسلت من الماء، ولم يكن
على أرضك جسور، فتحامل الماء بسوق الريح أو بزيادة زادها الله فيه، فأتت
على الزرع فلا شيء عليك، قال: وإذا أحرقت هذه النار ناسنا فجأتهم فدياتهم
على العاقلة.
قال سحنون: ينظر في هذا على ما يجوز وعلى ما لا يجوز، وإن كانوا لما خافوا
على زرعهم قاموا في دفعها فأحرقتهم، فهذا هدر لا دية فيه على عاقلة ولا
غيرها.
في الدعوى في الغصب، والدعوى في قيمة الشيء المغصوب منه، وكيف إن ودى قيمته
ثم ظهر عنده
من المجموعة: قال ابن القاسم فيمن أثبت بينة إن رجلا غصبه جارية، ولا
يعلمون قيمتها، وقد هلكت، فليصفها الغاصب ثم يقومها المقومون، قال أشهب:
بقيمتها يوم الغصب، فإن لم يصفوها بصفة، جعلت من أوضع الجواري. قال ابن
القاسم: وإذا ادعى هلاك الأمة واختلفا في الصفة فالقائم يقبل قوله مع
يمينه، وإن لم يأت بما يشبه صدق الآخر مع يمينه، كما قال مالك: يقبل قول
منتهب الصرة مع يمينه فيها.
ومن العتبية: ابن القاسم عن مالك فيمن انتهب صرة من رجل وناس ينظرون إليه
قد أخذها. فطولب فطرحها في متلف، فادعى ربها عددا، وأكذبه الآخر ولم
يفتحها، ولا يدري المنتهب كم فيها، أو لم يطرحها، ثم يختلفان قال: القول
قول المنتهب مع يمينه، وقال مطرف وابن كنانة وأشهب: يقولون في هذا أو شبهه:
إن القول قول المنتهب منه إذا ادعى ما يشبه. ومن المجموعة: قال
[10/ 357]
(10/357)
أشهب: القول قول الغاصب في الصفة، وإن وصف
أدن صفة تكون مع يمينه، ولو قال عميا بكما صما، يحلف على ذلك، وقيل: قوله
وقول من قال: إذا أتى بما لا يشبه صدق المغصوب من مع يمينه، فقد غلط، إنما
يدخل هذا في اختلاف المتبايعين في قلة الثمن وكثرته، والسلعة قائمة معروفة
الحال، فيصدق من يشبه أن يكون الحق في قوله مع يمينه مما يتغابن الناس
بمثله، وأما الغاصب فلا يعرف للجارية حالا إلا ما يقر به الغاصب.
قال ابن القاسم: فإن ضمنته القيمة ثم ظهرت عنده، فإن علم أنه كان أخفاها
عند المغصوب فله أخذها، وإن لم يعلم ذلك فليس له أخذها إلا أن يكون أحلف
الغاصب على صفة، وغرم قيمتها، فظهرت على غير تلك الصفة خلافا بينا فليزاد
ربها تمام القيمة على صفتها، وإنما جحده بعض القيمة [على صفتها] وقاله كله
أشهب، قال: ويحلف: أنه ما أخفاها. قال أشهب: ومن قال: إن له أخذها إذا ظهرت
مخالفة لتلك الصفة، فذلك خطأ لأنها لو ظهرت مثل الصفة لم يأخذها، لأنه لم
يبعها طائعا/وإنما وجبت للغاصب بالقيمة حين أخذه بها فإنما يطلبه مما جحدك
من قيمتها. ألا ترى لو نكل عن اليمين في صفتها وحلفت على صفتك، ثم ظهر خلاف
ذلك، كنت قد ظلمته في القيمة، فيرجع عليك بما حبسته عنه من ذلك، ولم يكن له
أن يقول لك: رد الجارية علي.
قالا في الغاصب الثوب يقول: كان خلقا، وقال ربه: كان جديدا، فالقول قول
الغاصب مع يمينه؛ قال أشهب: لأنه مدعى عليه. قال ابن القاسم: فإن حلف على
الخلق فغرم قيمته، ثم وجد الآخر بينة أنه جديد، فليقم بها إن لم يكن علم
بها في اليقين. قال أشهب: البينة العادلة أولى من اليمين الفاجرة، وقاله
عمر: فإن شاء تمسك رب الثوب بثوبه، وإن شاء أخذه بقيمته يوم الغصب، ورد
الثوب
[10/ 358]
(10/358)
عليه إن لم يفت، وإن باعه قاصصه في القيمة
بالثمن، وإن وهب فلا شيء عليه فيه، لأن الغاصب أباحه ذلك ظلما، وليتبع الذي
صار له الثوب فيأخذه منه أو قيمته إن لبسه يوم لبسه إن كان أبلاه، وإن تلف
عنده فلا شيء عليه.
في المغصوب منه العبد يأخذه ربه وقد حدث به عيب
ولم يعلم، والمكتري يزيد على الدابة ما تعطب فيه ولا يعلم وبها
من المجموعة: قال سحنون في غاصب العبد يحدث له عنده عيب، ثم أخذه من ربه
ولم يعلم، ثم حدث به عنده عيب آخر، أو مات في يديه، أو وهبه، أو باعه، فإن
باعه بقيمته/يوم غصبه فأكثر، فلا شيء له، وإن باعه بأقل من القيمة فله
الأقل من تمام القيمة أو من قيمة العيب، وإن وهبه رجع بقيمة العيب على
الغاصب، وإن حدث به عنده عيب ولم يبعه ولا وهبه، وده وقيمة العيب الحادث
عنده، ويأخذ من الغاصب قيمته يوم غصبه، وإن شاء حبسه ورجع على الغاصب بقيمة
العيب الذي حدث عنده.
قال ابن القاسم في المجموعة وكتاب ابن المواز والعتبية في المكتري يزيد على
الحمل ما يعطب في مثله، ثم رد البعير على ربه وقد أنقضه، فلما رآه صاحبه
كذلك نحره، ثم علم أنه بزيادة الرجل وعطب البعير من ذلك، أنه ينظر إلى
قيمته يوم أتى، وقيمته يوم تعدى عليه، فإن شاء رجع بفضل ما بين القيمتين
وإن أحب أن يكون له كراء الزيادة فذلك له.
[10/ 359]
(10/359)
في الجماعة يغصبون
الشيء
قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون في قوم أغاروا على منزل رجل والناس
ينظرون، فينتهبون ويذهبون بما كان فيه من مال أو حلي أو ثياب أو طعام
وماشية، والشهود لا يشهدون على معاينة ما يذهبون به، لكن على أنهم أعاروا
ونهبوه. قال مطرف: فليحلف المغار عليه على ما ادعى فيما يشبه أن مثله يملكه
ولم يأت بمستنكر، ثم يصدق، وقال ابن الماجشون: لا يقضى بقول ويمينه وإن
ادعى ما يشبه حتى يقيم البينة، وقال اصبغ عن ابن القاسم مثل قول ابن
الماجشون، واحتج بمسألة مالك في منتهب الصرة يختلفان في عددها: إن القول
قول المنتهب مع يمينه/. وقول مطرف أحب إلي، وقاله ابن كنانة: ويحمل على
الظالم. قال مطرف: وإذا أخذ من المغيرين واحد ضمن جميع ما أغاروا عليه مما
تثبت معرفته أو ما حلف عليه المغار مما يشبه ملكه، لأن بعضهم عون لبعض
كالسراق يحملون الخشبة لا يقدرون عليها إلا بتعاونهم، وثمنها ثلاثة دراهم،
فكلهم يقطع، وكل واحد ضامن لجميعها إن كان له مال. ولو كان لا يضمن إلا ما
ينوبه من ثمنها لم يقطع فيه، وكذلك اللصوص المحاربون. ولو أخذوا كلهم وهم
أملياء لم يضمن كل واحد إلا ما ينوبه، وقاله ابن الماجشون واصبغ في الضمان.
قال مطرف: وهؤلاء المغيرون كاللصوص إذا أشهروا السلاح على وجه المكابرة كان
ذلك على أصل نائرة بينهم أو على وجه الغياثة، قاله ابن الماجشون وأصبغ.
وقالوا في والي البلد يغير على بعض أهل ولايته وينسف أموالهم ظلما: مثل ذلك
في المغيرين.
وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن أقر أنه غصب عبد رجل هو ورجلان معه سماهما،
وصدقه رب العبد. قال: هذا يضمن جميع قيمة العبد، ولا يلتفت إلى من غصب معه،
إلا أن يقوم عليهم بينة أو يقروا، ولو أقروا أو قامت عليهم بينة
[10/ 360]
(10/360)
في البينة تشهد غصب الأرض ولا تحفظ الحدود،
وفي البينة بالغصب وبينة بالشراء/
ومن العتبية: قال يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في الأرض تستحق بشهادة
العدول. ولا يثبتون حوزها يريد: حدودها. فيشهد على حوزها من الجيران غير
عدول، قال: لا يقبلون ولا يتم استحقاقها إلا بالعدول. قلت: فإن الغاصب ربما
خلط دورا ويجوز حوزها حتى لا يثبت أحد ممن كان يعرفها لأهلها حوزها لهم،
يريد: حدودها، قال: يحوز المدعى عليه ما أقر به من ذلك ثم لا شيء عليه
غيره، يريد: يقال له: خذ منها ما شهدت به البينة، قلت: فإن قال ذلك حدا،
قال: أما إن لم يقر إلا بموضع الباب وما يرى أنه ليس بشيء فلا يقبل منه،
وأما أن يقر بالبيت ونحوه فيقبل ذلك منه مع يمينه إلا ما يجوزه العدول
لمدعي الغصب. قال: وإذا أبى أن يقر إلا بموضع الباب مثل الجدار ونحوه، أكره
الغاصب، يريد: على أن يقر بأمر لا يستنكر، فإذا شهدوا أن الغاصب يكتم
الحدود بما يستنكر من أمر حاز المدعي، ويستحق ما حاز بيمينه مع ما شهد له
من البينة على أصل الغصب.
وروى عيسى عن ابن القاسم في البينة تشهد للرجل أن فلانا غصبه أرضه من قرية
كذا، ولا يعرفون موضع الأرض منها والغاصب ينكر، فشهادتهم باطل، لأنهم لم
يذكروا أرضا معينه ولا محدودة. قال أصبغ عن ابن القاسم: إذا شهدوا للمغصوب
أن هذه أرضه ولا يعرفون الحدود. فإنه يسجن المشهود عليه ويضيق
[10/ 361]
(10/361)
عليه حتى يبين له حقه، ولا يقضى له بشهادة
أو بإقرار، فإن أقر له بشيء/وقال: هذا حقه حلف عليه. قال اصبغ. أو يشهد
غيرهم على الحدود فيقضى بذلك، فإن لم يكن وضيق على الغاصب فاستبرأ بالسجن
فلم يقر بشيء، حلف على الجميع كما يحلف المدعى عليه بغير بينة، ولا يكون
عليه شيء بتلك الشهادات، وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن أقام بينة أن فلانا
غصبه أرضا له، وأقام فلان هذا بينة أنه اشتراها منه ولم تدر البينة: أكان
الشراء بعدما ادعى من الغصب أو قبل، أو ثبت أن الغصب قبل؟ فبينة الشراء
أولى، علم أن الغصب قبله أو لم يعلم، لأنه إن كان الغصب قبل فقد صححه
الشراء بعده. وإن كان الغصب بعد الشراء فشهادة الغصب باطل والشراء حق.
في المتداعيين في الأرض فيزرع أحدهما فيها، ثم يزرع الآخر على بذر الآخر،
ثم يثبت لأحدهما
من العتبية: روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في رجلين تداعيا في أرض، فبذر
فيها أحدهما فولا، ثم أعقب الآخر فبذرها قمحا على فول الآخر، وقلب ما نبت
منه فاستهلك الفول، ثم ثبت استحقاقها لباذر الفول، فإن قضي له بها في إبان
الحرث فله كراؤها على باذر القمح، لأنه غير غاصب وزرع القمح لباذره، ويؤدي
للآخر أيضًا قيمة فوله الذي استهلكه، يريد: على الرجاء والخوف، وإن استحقها
بعد الإبان فلا كراء له على باذر القمح، والقمح لباذره، وعليه قيمة الفول
بكل حال، ولو كان غاصبا كان لمستحقها في/إبان قلع الزرع إلا أن يشاء أن
يقره ويأخذ كراء أرضه.
[10/ 362]
(10/362)
فيمن باع على ابنته الثيب ربعا مع زوجها
وقالا: وكلتنا، وبائع الشيء يقول: ابتعته لفلان، أو قال: ابتعته من فلان،
أو وكلني على بيعه هل للمشتري منه الغلة؟
من العتبية من سماع أشهب: قال مالك فيمن وقع له ولابنته ميراث في دار، وقد
تزوجت وبنى بها الزوج. فولي الأب والزوج بيع نصيبها في الدار وقالا:
وكلتنا، فحاز المشتري ذلك أربعة عشرة سنة يبني ويهدم، ثم قامت وأنكرت
الوكالة وقالت: ما علمت بالبيع، وكانا يقولان لي: هي مكتراة، قال: إن لم
تكن تلي نفسها فلها مقال وإن كانت ممن لا يولى وممن لا يجوز عليها فعلهم،
فلتحلف هي بالله: ما علمت بذلك، ورد البيع إلا أن تقول البينة: إنها
وكلتهما.
[وفي كتاب آخر: قال سحنون فيمن باع سلعة تعرف برجل، وزعم أنه وكله على
البيع وغاب ولا يعرف ذلك إلا بقوله، فاشترى منه رجل على هذا وهو يعلم أن
الدار للغائب، ثم قدم فأنكر، وقد اغتلها المبتاع، فإن كان الوكيل يقوم في
الدار ويعمد وينظر حتى تثبت له شبهة الوكالة: فالغلة للمبتاع، وإن لم يتقدم
على شبهة كما قلنا، فالمشتري كالغاصب، وكذلك من هلك عن أطفال معهم أمهم وهي
غير وصية، فتبيع حقا لهم من رجل فيغتله، ثم يبلغ الأطفال فإن كانت الأم
تقوم وتحوط وتنظر/في الدار، فباعث وهي كذلك، فالغلة للمشترى].
[10/ 363]
(10/363)
في أحد الورثة يبيع
نصيبه ونصيب غيره في غيبة بعضهم وحضرته
من العتبية: روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في امرأة وإخوتها ورثوا منزلا
عن أبيهم، فباع أحد أخواتهم جميع المنزل دالة على إخوته وتعدى، فحازه
المبتاع زمانا ومات عنه، وأخت البائع يوم البيع بكر فتزوجت ثم أقامت زمانا
طويلا، أو هي يوم البيع متزوجة، والمنزل في جوارها أو على أميال يسيرة مثل
ثلاثة ونحوها، فادعت حقها من المنزل بعد عشر سنين أو خمسة عشر. أو أكثر.
وقالت: لم أعلم بالبيع، أو قالت: علمت ولم أجد من يتوكل لي بالطلب، أو
قالت: زوجي ممن لا يمكنني ممن يشهد على وجهي بالوكالة لشرفه وشدة غيرته،
وهو ممن لا يتوكل لي مثله، ولا يلتفت إلى مالي. قال: فأما التي قالت: لم
أعلم بالبيع وهي بكر أو غير بكر فلتحلف: أنها ما علمت بالبيع إن جاءت بما
يدل على صدقها، ثم هي على نصيبها إلا أن يأتي المبتاع بالبينة على علمها
بالبيع وطول سكوتها على الطلب زمانا طويلا، وهي قادرة على أن تطلب أو توكل،
ليست في حجاب يمنعها من اتخاذ وكيل، ولا ممنوعة من الخروج أو الإرسال إلى
من شاءت، فإن كانت بهذه الحالة، وطال تركها لطلب حقها، فلا شيء لها إلا أن
يكون سكوتها زمنا يسيرا أو لا عذر لها في العشر سنين، وأما التي ذكرت/من
شرف زوجها وشدة حجابه وتهاونه بالنظر لها، فإن بلغ من شأنه ما يتبين للناظر
في ذلك عذرها، نظر لها، وإن طال الزمان لم يضرها وإن علمت، إذا بلغ من حجاب
الزوج ما ذكرت وعرف بذلك.
[10/ 364]
(10/364)
في السلطان المعروف بالغصب يدعى عليه بعد
عزله شيء مما في يديه: أنه غصبه منه، أو حبس ثمنه
من العتبية: روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في رجل من ذوي السلطان
والولاية المعروف بالظلم والتعدي في أمولا الناس يدعي عليه رجل: أنه إليه
على أرض أو غيرها من الأموال، ولا يجد بينة عدولا، ولكن من لا يعرف بعدالة
ولا سخطة حال. قال: لا يقبل في شيء إلا العدول كما قال الله سبحانه، قلت:
فقوم عرفوا بالغصب لأموال الناس من ذوي الاستطالة بالسلطان، ثم جاء الله
بوالي أنصف منهم وأعدي عليهم، فلا يجد الرجل من يشهد على معاينة الغصب،
ويجد من يشهدون على حق أنهم يعرفونه ملكا للمدعي، ثم رأوه بيد هذا الظالم
لا يدرون بماذا صار إليه إلا أن الطالب كان يشكو إليهم ذلك أو لا يشكوه،
قال: إذا كان من أهل القهر والتعدي أو ممن يقدر على ذلك، والبينة عادلة.
فذلك يوجب للمدعي أخذ حقه منه إلا أن يأتي الظالم ببينة عادلة على شراء
صحيح أو عطية/ممن كان يأمن ظلمه وتعديه، أو يأتي بوجه حق فينظر له فيه،
قال: فإن جاء ببينة عادلة على شرائه، فزعم البائع أن ذلك البيع من خوف
سطوته وهو ممن يقدر عليه قال: يفسخ البيع إن ثبت أنه من أهل الظلم
والاستطالة، قال: وإن زعم البائع أنه باع وقبض منه الثمن ظاهرا ثم دس إليه
سرا من أخذه منه، ولو لم يفعل له ذلك لقي منه شرا، قال: لا يقبل هذا منه،
وعليه رد الثمن إليه بعد أن يحلف الظالم: أنه ما ارتجعه ولا أخذه معه بعد
أن دفعه إليه.
وقال سحنون في الأمير الغاصب لأموال الناس يعزل فيقوم من يدعي شيئا مما في
يديه، قال: إذا أثبتوا شيئا من أموالهم كلف الظالم البينة بماذا صار إليه،
فإن لم تقم بينة فلا شيء له فيه، ولو أقام بينة أنه كان يجوزها منذ عشر
سنين أو
[10/ 365]
(10/365)
عشرين سنة بمحضر المدعين، ولم تقم بينة
بالشراء، قال: فلا يقضى له بهذا في الحيازة وهو معروف بالظلم، قال: وإن لم
يشهد المظلوم سرا أنه إنما يترك القيام خوفا منه لم يضره في هذه الحيازة،
ولو أشهد في السر لكان أقوى، قال: وإن مات في ولايته فقام وارثه على ورثته،
فأثبتوا البينة أن هذه الدور كانت لهم، قال: لا يكلف ورثته البينة بأي شيء
صارت لأبيهم كما كلف أبوهم، وعلى الطالب البينة أن هذا السلطان كان غصب ذلك
منه بعد أن يقيم بينة أن هذا الشيء كان/له، ولو أثبت المدعي بينة أن ذلك له
ولم يأت ببينة قضى بذلك لمدعية، ثم لا يكون حال الأمير حال الغاصب في الغلة
وفيما غرس حتى يقيم المدعي بينة الغصب، وإلا لم تكن عليه غلة، ويأخذ قيمة
ما غرس قائما حتى يقيم بينة أنه غصبه ذلك فيعطيه قيمته مقلوعا فيرجع عليه
بالغلات.
في طول حيازة الغاصب بمجضر المدعي
قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون عن الرجل في يديه المنزل أو غيره
سنين مثل عشر سنين يبني ويغرس ويفعل ما يفعل المالك، ثم يقيم جاره البينة
أنه كان اغتصبه ذلك، أو على إقرار الغاصب بالغصب، هل يضره ترك القيام هذه
المدة وهو عالم ببينته، قالا: لا يضره ذلك، لأنه قد عرف أصل هذه الحيازة
بيد هذا الغاصب، وإن عاد بعد السلطان إلى حال السومة ومن ينتصف منه وهو
كالكتاب بالكراء والإسكان، وإن أورث ذلك ورثته واقتسموه بحضرته، فهو على
حقه إلا أن يحدثوا فيه بيعا أو أصداق نساء أو عطايا وربه عالم بذلك قادر
على حقه. لا عذر له في تركه، فذلك إن طال زمانه من بعد هذا يقطع حجته وحقه.
قلت: شهادة شهدائه له وهم يرون الغاصب يحوز حقوقه ولا يقومون بشهادتهم،
وإلا فإن كان ربه عالما بهم لم يضرهم ذلك، وإن لم يكن عالما بهم ولم يعلموه
بما عندهم من علمهم له فشهادتهم ساقطة، إلا أن يكون/الغاصب أو وارثه ممن لا
ينتصف منه من ذوي السلطان، فلا يسقط شهادتهم تركهم إعلام المغصوب بها، لأن
لهم عذرا ومقالا، وقاله أصبغ.
[10/ 366]
(10/366)
فيمن أخذ من بستان
رجل غرسا فغرسه في أرضه
قال ابن حبيب: قال أصبغ فيمن دل على رجل فأخذ من بستانه غرسا من أصله
فيغرسه في أرضه فينكر ذلك المأخوذ له ولا يرضى قال: إن قام بحدثان ما عرسه
المدل في أرضه وقبل طول زمان فله قلعه وإن كان قد نبت وعلق، وأما إن طال
زمانه فليس له أخذه وأرى دالته عليه شبهة إذا كان من أهل الدالة عليه وتكون
له عليه قيمته قائما يوم اقتلعه، وإن لم يكن دالا ولكن غاصبا متعديا فلربه
قلعه وإن طال زمانه وكبر كالصغير يكثر سواء كان مما ينبت بعد قلعه أو لا
ينبت إلا أن يشاء ربه أن يدعه ويأخذ من الغاصب قيمته ثانيا فذلك له وإن لم
يكن غرسا ولكن امتلاخا امتلخه من شجرته غاصبا متعديا غير دال إن قام بحدثان
ما أخذه الآخذ وإن كان قد علق فليأخذه، وإن كان بعد طول زمان ونما زيادة
فليس له أخذه ولكن له قيمته يوم امتخله من شجرة قيمته عودا ميتا مكسورا إذا
كان ذلك لم يضر بالشجرة، وإن أثر بالشجرة فعليه مع قيمة العود ما نقص
الشجرة وأوهاها، والأمتلاخ بخلاف الغرس/لأن الغرس عرق حي فأخذ وهو حي فهو
كصغير يغتصب فتكبر، وأما الامتلاخ فغصب ميت كمن اغتصب حيا فزرعه فإنما عليه
مثل مكيلته قال: وعليه في ذلك كله العقوبة قال: ولو كان في الامتلاخ مدلا:
قال يتحلله فإن حلله وإلا غرم له قيمته عودا مملوخا مكسورا قام بحدثان ذلك
أو بغير حدثانه.
قال: ولو اغتصب رجل غرسا لرجل فباعه فغرسه المبتاع وهو لا يعلم بالغصب
فاستحق ذلك بعد أن نبت وعلق قال: يخير في ثلاثة أوجه: إما أخذ من الغاصب
الثمن وإما أخذ منه قيمته قائما يوم اقتلعه وإن شاء قلعه وأخذه ما لم يطل
زمانه وتتبين زيادته ونماؤه فليس له قلعه، ويأخذ من المشتري إن شاء قيمته
[10/ 367]
(10/367)
يوم غرس في أرضه لا قيمته اليوم لأن له فيه
سقى وعلاج، فإن أخذ ذلك من المشترى رجع المشتري بالثمن على الغاصب.
قال: ولو اغتصب من هذا أرضا ومن آخر غرسا فغرسه فنبت وصار شجرا ثم قام عليه
قام: يأخذ رب الأرض أرضه ورب الغرس غرسه كان ذلك مما إذا قلع وغرس ينبت أو
لا ينبت ويبقى خشبا، لأنه عين شيئة ولا يكون رب الأرض هاهنا كالمشتري الذي
لم يعلم لأنه إنما غرسه غيره فهو كما لو غرسه الغاصب في أرض نفسه إلا أن
يشاء أن يدعه في هذه الأرض ويرجع على الغاصب بقيمته يوم اقتلعه فذلك له، أو
يأخذ الذي هو أرض على ما أحب أو كره من قيمته أو غيرها فذلك له [ولله أعلم]
/.
فيمن تعدى على شجر أرض فقطعها وأفسدها أو أفسد
الثمر
قال ابن حبيب: قال اصبغ فيمن تعدى على بستان رجل أو حديقة أو زيتون أو غيره
من أنواع الشجر فقطع شجر ذلك كله أو أفسدها فإن كان الفساد يسيرا في الشجر
قومت عليه الشجر التي قطع قيمتها قائمة في أصولها يوم قطعها، وإن كان ذلك
كثيرا شاملا فإنه ينظر إلى قيمتها ثانية يوم قطعها وينظر إلى قيمة البستان
أو الحديقة ذلك يوم القطع وغلى قيمتها بعد القطع والفساد فيعرف، فيكون عليه
الأكثر مما بين القيمتين أو من قيمة الشجر قائمة يوم القطع مع العقوبة،
وكذلك ذكر ابن وهب عن ربيعة. قلت لأصبغ: فلم يذكر عن
[10/ 368]
(10/368)
تضعيف القيمة على قاطع الشجر؟ قال: قد سئل
عنه مالك فأنكره وقال: لا يزاد عليه على القيمة شيء.
قال مالك: ومن أفسد ثمرة قبل بدو صلاحها فإنه يغرم قيمتها يوم أفسدها على
الرجاء أن يتم والخوف أن لا يتم كالزرع الأخضر يفسده.
في الحارس يغر أو يفرط، ومن أمر بغلق باب دار، أو تطهير إناء نجس أو غير
ذلك فقال: قد فعلت ولم يفعل فذهب ما في الدار وفسد ما صب في الإناء، ومن
قال لرجل: هذا الظرف صحيح فصب فيه وهو مكسور، أو أمره أن يصب فيه فصب وهو
يعلم بكسره ونحو هذا من التعدي/
من كتاب الإقرار لابن المواز ومثله في كتاب الإقرار لابن عبد الحكم: قال
فيمن قال لرجل: أغلق باب داري فإن فيها دوابي فقال: قد فعلت ولم يفعل تعمدا
لتركه حتى ذهبت الدواب، أو فعل ذلك في قفص فيه طائر أمره بغلق بابه فتعمد
تركه حتى ذهب الطير فلا ضمان عليه في شيء من ذلك، ولو كان هو الذي أدخل
الطائر القفص والدواب الدار وترك الباب مفتوحا وقد قيل له: أغلقه لكان
ضامنا، ولو قلت له: اطرح من هذه الجرة فأرة فيها ميتة لأصب فيها سمنا أو
عسلا أو غيره فقال: قد فعلت فصببت فيها زيتا أو دهنا أو غيره فإذا فيها
الفأر بحاله أو النجاسة بحالها وأقر المأمور: أنه تعمد ذلك أو غره أو نسي
قال: لا غرم عليه في شيء من ذلك لأنه لم يل صبه، ولو كان هو الذي صبه بأمر
صاحبه بعد أن قال له: قد طهرتها لكان ضامنا. ولو قلت له: احرس لي ثيابي هذه
أو طعامي أو دوابي حتى أرجع أو حتى أنام فقال: نعم فقام المأمور وترك
[10/ 369]
(10/369)
الحراسة فسرق ذلك لكان ضامنا له، لأن هذا
من باب التضييع لأمانته كما لو اودعه ذلك فتركه وذهب، فأما لو غلب عليه نوم
مما قهره لم يضمن، ولو أقر الحارس أنه نظر إلى إنسان حتى أخذه فإن كان لا
يخافه فهو ضامن، وإن كان غصبا لم يضمن وهو مصدق في ذلك لو قال: غصب مني أو
أخذ. قال: وهو ضامن في نوم النهار وأما الليل المعروف الذي لا بد منه فلا
شيء عليه. قال: ولو غلبه النوم في النهار حتى لا يقدر على دفعه فلا شيء
عليه سواء في هذا كله جعل له فيه أجرا أم لا. ولو قال: غلبني النوم ولم
أتهيأ له قبل قوله وحلف، قال: ولو حمل لك زيتا أو غيره فقال: أين أصبه؟
فقلت: انظر إلى هذه الجرة فإن كانت صحيحة فصب فيها فإذا هي غير صحيحة وقال:
نسيت أن أنظرها فهو ضامن، لأنه إنما أمره بالصب في صحيحة، ولو أمرته أن
يجعل طيرا في قفص ويغلق عليه فجعله فيه ولم يغلق عليه فذهب الطير فإن تعمد
ضمن، وإن كان ناسيا لم يضمن، ولو أعطيته قيدا وقلت له: قيد هذه الدابة
فقال: قد فعلت ولم يفعل حتى ذهبت الدابة فلا شيء عليه لأنه لم يدفع إليه
الدابة وليس مثل الطير لأن هذا لم يعمل شيئا بيده فيضمن بفعله، والطير هو
جعل في القفص فخلاه من يده في غير حرز ولم يكن له أمر يطلقه، كما لو دفع
إليه دابة فقال له: اربطها فخلافا بغير رباط لكان ضامنا، ولو دفع إليه علفا
فقال له: اعلف به حماري هذا أياما سماها حتى أقدم من سفري وسلم إليه الحمار
فتركه بلا علف حتى مات لكان ضامنا، وأما لو قال له: اسق دابتي أو أعلفها
فقال: قد فعلت ولم يفعل حتى ماتت الدابة عطشا/وجوعا فلا يضمن، وكذلك في كل
ما يقول فيه: قد فعلت، وإن اقر بالتعمد لأنه لم يدفعها إليه وكأنه قال له:
قد سقاها فلان، ولو قال له: اذبح كبشي هذا وتصدق بلحمه على المساكين فذبحه
وأكل لحمه أو بعضه فعليه غرم ما أكل منه إن عرف وزنه غرم وزنه في مثله، وإن
لم يعرف وزنه فقيمته ولا شيء عليه في الذبح، قال ابن عبد الحكم: ولو ذبحه
وتصدق به وقال: اشهدوا أني تصدقت به عن نفسي أو عن رجل آخر فلا شيء عليه
عند
[10/ 370]
(10/370)
أشهب والصدقة عن ربه. ولو قال: سد هذا
الحوض وصب فيه هذه الرواية فصب الرواية ولم يسد الحوض فهذا يضمن لأنه أمره
أن يصب بعد السد فصب قبله، وكذلك إن قال: إن كان صحيحا فصب لي فيه وليس
بصحيح فصب فيه وقال: نسيت أنظره أو تعمدت لأنه إنما أمره بالصب في صحيح،
وكذلك إن قال له: صب في هذه الجرة إن كانت رخاما فصب فيها وهي فخار فانكسرت
فإنه يضمن: وكذلك إن قال: إن كانت نحاسا ولا يضمن الجرة.
قال أبو محمد: وقد قال ابن كنانة في الصيرفي يريه الرجل دينارا ليأخده من
غريم له فيقول له: إنه جيد فيأخذه رديا: أنه ضامن لأنه غره، ولم ير ابن
القاسم تضمينه وإن غره ويؤدب عنده إن غره، كذلك ينبغي فيما تقدم ذكره مما
يغره فيه بلسانه ويكذب له فيتلف بذلك عليه ماله: أن يدخل في هذا الاختلاف
في تضمينه، وقد اختلف قول مالك في تضمين/الصيرفي إذا غر بجهله فقال: يضمن
وقال: لا يضمن ولا اجر له، وهذا في العتبية.
وقال مالك في سماع ابن القاسم: إذا استؤجر صيرقي ينتقد للورثة دنانير فوجد
فيها ذهبا قباح قال: لا يضمن إلا أن يكون غر من نفسه أو يعرف أن ليس من أهل
البصر فيضمن قال سحنون: وهذه أصح من التي تحتها حين قال: أن غرم فلا شيء
عليه ويؤدب.
قال ابن دينار المدني فيمن استأجر رجلا في انتقاد مال فوجد فيه رديا، فإن
كان بصيرا وأخطأ فيما يختلف في مثله لم يضمن، فإن كان شيئا لا يختلف في
مثله لبيان فساده رأيته ضامنا لأنه قصر فيما كان يدركه لو اجتهد، قال أبو
محمد: وأعرف مسالة نزلت أخبر لصوصا بمطمر فلان أو اخبر به غاصبا قاهرا وقد
بحث عن مطمر فلان فدل عليه رجل فأخذه اللصوص أو الغاصب، ولولا دلالة الدال
ما عرفوه فضمنه بعض متأخري أصحابنا ولم يضمنه بعضهم وهذا من هذا المعنى
والله أعلم.
[10/ 371]
(10/371)
ومن أوجه التغرير الموجب للضمان: من صانع
رجلا فارق نفسه له على أن أقر له بالملك [ويبيعه ويقاسمه التمر ففعل وأقر
بالملك] فبيع ثم ظفر به وقد هلك متولي البيع. إن هذا ضامن لأنه اتلف مال
المشتري. وقال مثله ابن المواز في الحر يغنم من العدو فيباع في المغانم وهو
ساكت فيشتريه رجل قال: فإن كان مثل الرجل الأبله الذي يظن أن هذا يرق ونحوه
مما يعذر به فلا شيء عليه، وأما من ليس بمثل هذا الحال فإنه ضامن للثمن
بسكوته حتى أتلف مال المشتري/فهذا من هذا المعنى والله أعلم.
وقالوا فيمن اعتدي على رجل فقدمه إلى سلطان معتد يعلم أنه إذا قدمه إليه
تجاوز في ظلمه وأغرمه مالا يجب له عليه، فقدمه إليه فغرمه مالا ظلما فقد
اختلف في تضمينه، وهو لم يبسط يده فيأخذ شيئا ولا أمر بشيء وإنما مر به إلى
من اعتدى عليه فلم يعتد عليه إلا في تقدمته به إليه على علم من أن يتجاوز
بالظلم إليه، فقال كثير من أصحابنا: إنما عليه الأدب وقد أثم فيما فعل.
جامع مسائل مختلفة من كتاب الغصب
من العتبية من سماع ابن القاسم: قال مالك فيمن تسوق سلعة فيعطيه غير واحد
فيها ثمنا ثم يستهلكها رجل فليضمن ما كان أعطي بها ولا ينظر إلى قيمتها إذا
كان عطاء قد تواطأ عليه الناس، ولو شاء أن يبيع باع. قال سحنون: لا يضمن
إلا قيمتها. قال عيسى: يضمن الأكثر من القيمة أو الثمن.
[10/ 372]
(10/372)
قال سحنون: قال أشهب فيمن اغتصب صرة قمح
فأراد الغاصب أن يصالح منها على كيل من القمح فإن كان قد ألزم الغاصب
القيمة بحكم أو بصلح اصطلحا عليه فلا بأس أن يأخذ منه بتلك القيمة كيلا من
القمح.
قلت: أو ليس القيمة لازمة له بالغصب لأنها مجهولة الكيل فلم قلت: إن كان
ألزم القيمة؟ قال: لأن ربها لو أقام بينة أن فيها عشرين إردبا أن له أخذ
ذلك إلا أن يصالحه من الكيل على ما لا يشك فيه، وكذلك من غصب خلخالي فضة
وشبه/ذلك وهو يلزمه قيمتها من الذهب.
قال سحنون: قال ابن القاسم فيمن غصب عبدا فباعه ثم مات ربه فكان الغاصب
وارثه فله بقض البيع ورد العبد، وكذلك الدار بين رجلين باعها أحدهما كلها
ثم مات الآخر وهذا وارثه فيريد أن يرد النصف ويأخذه بالشفعة فذلك له.
ومن سماع أشهب: قال مالك في الماء ينكشف عن أرض مصر وبعضها لزيق بعض، فإذا
بذر الناس الحبوب فربما تجاوز المرء إلى أكثر من حده من حد جاره الفدان أو
الفدانين فيبذر فيه ثم يتبين بعد ذلك، فيريد رب الأرض أن يعطيه مثل بذره
وكذا بقره فلا يصلح ذلك وما أظنه، قال ويكون على الباذر كراء تلك الأرض
والزرع له.
وروى عيسى عن ابن القاسم في مسلم أو نصراني عدا على سفينة مسلم فحمل فيها
خمرا قال: يؤخذ من النصراني الكراء ويتصدق به وله على المسلم كراء سفينته
فيما أبطلها ولا ينظر إلى كراء الخمر.
قال سحنون فيمن قال لرجل: غصبتك ألف دينار إذ كنت صبيا قال: يلزمه ولو قال:
كنا أقررت لك بألف دينار وأنا صبي للزمه كالأول.
من سماع أشهب: قال مالك في الأمة الفارهة تتعلق برجل تدعي أن غصبها قال:
تصدق عليه بما بلغت من فضيحة نفسها بغير يمين عليها كانت بكرا أو ثيبا،
يريد: في غرم ما نقصها لا في الحد، وقد اختلف في إلزامه نقص الأمة وصداق
الحرة بهذا.
[10/ 373]
(10/373)
وقال سحنون عن رجل من العمال أكره رجلا أن
يدخل بيت فلان/فيخرج منه متاعه فدفعه إليه فأخرج له ما أقره فدفعه إليه، ثم
عزل العامل وقام رب المتاع، قال: له أن يأخذ بذلك من شاء منهما إن شاء
الآمر وإن شاء المأمور، فإن أخذه من المكره على الدخول رجع به الغارم على
العامل الذي أكرهه قال: وإن عزل الأمير وغاب رب المتاع فقام الكره على
الدخول الذي أكرهه ليغرمه إياه ويقول: أنا أو خذ به إذا جاء صاحبي قال: ذلك
له ويعدى له عليه.
قال ابن حبيب: قال مطرف فيمن جلس على ثوب رجل في الصلاة فيقوم صاحب الثوب
المجلوس عليه وهو تحت الجالس فينقطع قال: لا يضمن وهذا مما لا يجد الناس
منه بدا في صلاتهم ومجالسهم، وقال اصبغ: مثله.
وقال ابن الماجشون فيمن واجر مملوكا أبق من سيده في عمل فمات في ذلك أو
انكسر في عمله قال: إن كان لصديقه فآجره على حسن النظر له والتخيف عنه لئلا
تجتمع عليه النفقة، وآجره في عمل مثله مضى ذلك ولا ضمان عليه، وإلا فهو
ضامن.
وقال فيمن غصب عشرة دنانير فتجر فيها حتى صارت مئة، ثم تحلل من ربها في
الربح فأبى حتى يأخذ نصفه قال: الربح للغاصب، فإذا ردها طاب له الربح، وما
لم يردها لم يطب له ربح ولا غيره، قال أشهب في موضع آخر: وأحب إلي لو تصدق
به ولا أراه واجبا، وباب من تعدي على عبد رجل فأخصاه، قد كتبته في كتاب
الجنايات، وهو مما يشبه هذا الكتاب.
تم كتاب الغصب
بحمد الله وعونه
[10/ 374]
(10/374)
|