النوادر
والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام
علي سيد المرسلين وعلى آله وصحبه
كتاب الوديعة
باب في الوديعة وما يكون من دفعها وإيداعها وما لا يكون تعديا؟
وهل له إيداعها لعذر أو غير عذر؟
وكيف إن هلكت عن تفريط فيها ونسيان؟
ومن أودع لرجلين كيف يقبضانها؟
من العتبية: روى أصبغ عن ابن وهب فيمن استودع وديعة في المسجد أو في المجلس
فجعلها على نعليه فذهبت، قال: لا ضمان عليه، قلت: ألم يضيع إذ لم يربطها؟
قال: يقول: لا خيط معي. قلت: في طرف ردائه، قال: لا يضمن كان عليه رداء أو
لم يكن.
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك في المودع يودع الوديعة أنه ضامن إلا أن
يكون لا أهل له، أو يريد سفرا أو يخاف على موضعه أو لحرابة أو نحوه.
قال فيه وفي العتبية من سماع ابن القاسم: وإذا دفن الوديعة في أهله واشهد
عليها. أو خلفها عند أهله أو استودعها أحد إخوانه يريد: عند السفر، فلا
ضمان عليه. قال ابن المواز: وإن لم يكن شيء من هذا ودفعها عند غير من يكون
عنده ماله والقائم له به، ضمن.
[10/ 429]
(10/429)
قال أشهب في كتبه: إذا أودعه الوديعة لغيره
من عبد أو خادم أو أجير ممن في عياله أو في غير عياله، فهو ضامن، وأما في
وضعه إياها في بيته، أو صندوقه، أو غير ذلك من بيته أو بيت غيره إذا لم
يأمنه عليه ويخلي بينه وبينها، فإنه لا يضمن.
قال أشهب: ومن استودع وديعة وهو في/خراب، فخاف عليها فأودعها لغيره في أعمر
من مكانه، فإن كان ربها قد علم بخراب موضعه وخوفه، ولم يزد خرابه إلى ما هو
أخوف منه فالمودع ضامن، وإن ازداد خراب موضعه وخوفه على ما كان في وقت
الوديعة، فلا شيء عليه في إيداعه لغيره، قال: لا بأس أن يستودعها من أحب
إذا أراد سفرا ولم يكن صاحبها حاضرا. قال ابن القاسم وأشهب: وإن سافر بها
ضمنها، وإن ردها ولم يضع، فلا يضمن إن ضاعت بعد ذلك، قال: وإن أودعها في
السفر فأودعها لغيره في السفر ضمن، وإن استرجعها ثم ضاعت عنده فلا يضمن،
وأما المسافر يخرج عليه لصوص فيعطي البضاعة لمن يرجو نجاته فلا شيء عليه.
وهذه في الوكالات مذكورة.
قال سحنون في كتاب أبنه: ومن كانت عنده وديعة فحضرته الوفاء فله أن يودعها
ولا يضمن.
قال ابن حبيب، قال ابن الماجشون ومطرف فيمن عنده وديعة فأخذها يوما فأدخلها
في كمه وخرج بها يظنها دراهم فسقطت فإنه يضمن، وإن نسيها في موضع دفعت إليه
وقام لضمنها، وهذه جنايات منه، وليس ذلك كسقوطها من كمه أو من يده في غير
نسيان لأخذها، هذا لا ضمان عليه، وقاله أصبغ.
قال سحنون في كتاب آخر: ومن أودع وديعة فصرها في كمه مع نفقته، ثم دخل
للحمام فضاعت ثيابه بما فيها، فإنه ضامن. وقال ابن القاسم في المدونة، في
المال يودع لرجلين، أن يكون عند أعدلهما كالوصيين، وقاله/
[10/ 430]
(10/430)
أشهب في كتابه، وقال أشهب: وكذلك البضاعة
أنها تكون عند أعدلهما، فإن اقتسماها شطرين أو الثلث أو الثلثين أو كانت
عند أدناهما في العدالة ما لم يكن بين الحال في الفجور فلا ضمان على من كان
المال في يديه ولا من لم يكن.
وقال سحنون في المودعين لا يكون عند أعدلهما. ولا ينزع منهما، بخلاف
الوصيين.
قال سحنون: وإذا اقتسم المودعين المال أو العاملين في القراض ولا يضمنان،
قال يحيى: ولا يضمن الوصيان إذا اقتسماه، وقاله أشهب وابن عبد الحكم.
وقال علي بن زياد: إذا تشاح الوصيان قسم بينهما. وقد تقدم في البضائع في
المبضع معه يودع أو يبعث مع غيره.
باب فيمن أودع وديعة وقيل له: اجعلها في تابوتك، ولا تقفل عليها، أو اجعلها
في كذا، وجعلها في غيره، ونحو هذا
قال محمد بن عبد الحكم فيمن أودع رجلا وديعة وقال له: اجعلها في تابوتك ولا
تقفل عليها، فجعلها فيه وأقفل عليها فتلفت فإنه يضمنها، لأن السارق إذا رأى
التابوت مقفولا كان أطمع فيه. ولو قال: اجعلها في التابوت ولم يقل غير ذلك
لم يضمن إن أقفل عليها، ولو قال له: أقفل عليها قفلا واحدا، فأقفل عليها
قفلين لم يضمن، لأن السارق يطمع فيما يقفل بقفل وقفلين، ولو قال له: اجعلها
في سطل نحاس، فجعلها في قدر فخار، فضاعت لم يضمن./ولو قال له: في قلة فخار،
فجعلها في قلة نحاس لضمنها، ولو قال له: في قلة نحاس فجعلها في قلة فخار لم
يضمن.
[10/ 431]
(10/431)
باب في المودع ينقل الوديعة إلى بلد آخر،
أو يحولها من موضع في بيته إلى موضع آخر فتهلك، أو يبعثها إلى ربها، أو
تسقط من يديه، أو يقع عليها شيء في يديه
من العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم عن مالك فيمن عنده طعام وديعة فنقله
إلى بلد آخر، فوجده ربه، فليس له أخذه هناك، وعليه أن يأخذه منه بالبلد
الذي أودعه إياه، وكذلك السارق ينقل الطعام، وقال عيسى: إذا كان الطعام
المسروق بعينه، فله أخذه حيث وجده، وهذا في كتاب الغصب مستوعب.
وقال اصبغ عن ابن وهب في المودع يبعث بالوديعة إلى ربها، فياخذها لصوص أو
تهلك، ويدعي أن ربها أمره، وينكر ربها ذلك، فالباعث ضامن وربها مصدق، يريد:
مع يمينه، قال: ولو قال: سقطت مني أو سرقت أو رددتها إليك، كان مصدقا.
ومن كتاب آخر: قال أشهب وعبد الملك فيمن استودع جرارا فيها إدام، أو قوارير
فيها دهن، فنقلها من موضع في بيته إلى موضع، فتكسرت في ذلك فلا يضمن، ولو
سقط عليها من يده شيء فانكسرت، أو رمي في بيته وهو يريد إصابة غيرها
فأصابها فتكسرت، ضمن، لأنها جناية لم تتعمد. قال أشهب في كتابه: ولو سقطت
من يده فانكسرت لم يضمن.
[10/ 432]
(10/432)
باب في الوديعة يتسلف منها شيئا/ثم يرده أو
لا يرده، وهل له ذلك؟
أو يخلطها بماله ثم تذهب أو بعضها، أو لا يدري أذهب منها أو من غيرها؟
وكيف إن قال رب الطعام: كان لي فيه مال؟
من كتاب ابن المواز: ومن استودع كيسا فتسلف منه عشرة دنانير ثم سرق، فلا
يضمن إلا ما أخذه، ولو قال: رددت فيه ما أخذت قبل أن يذهب فهو مصدق مع
يمينه، ولم يذكر في المدونة، وذكر أشهب في كتبه: أنه مصدق مع يمينه.
وقال محمد في كتاب الإقرار فيمن استودع دناني فتسلف منها دنانير ثم ردها
فضاع ذلك أنه لا يضمن، فإن كان تسلفها بغير بينة فالقول قوله، وإن كان
ببينة فلا قول له إلا ببينة.
قال يحيى بن عمر: اختلف قول مالك في الذي ينفق من وديعة عبده شيئا ثم يرده
فقال: لا شيء عليه، وأخذ بهذا ابن القاسم وأشهب وابن عبد الحكم وأصبغ، وقال
أيضًا مالك: إن رده بإشهاد وإلا لم يبرأ، وبهذا أخذ ابن وهب. وقال أيضًا
مالك: لا يبرأ وإن أشهد، لأنه دين ثبت في ذمته، وهذا قول أهل المدينة من
أصحاب مالك وروايتهم عن مالك، ورواه المصريون ولم يقولوا به.
قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون: إذا استودعها مصرورة فحل صرارتها ثم تسلف
منها شيئا، فقد ضمنها كلها إن تلفت بعد أن رد فيها ما تسلف أو قبل، وكذلك
لو حلها ولم يتسلف منها لضمنها حين تعدى فحل وثاق ربها وأفضى إليها/، ولو
استودعها منثورة ثم تسلف منها ثم تلفت لم يضن غير ما تسلف، وهو مصدق في رد
ما تسلف منها. ولو تلفت بعد أن رده لم يضمن شيئا. وقال ابن القاسم وأشهب
وأصبغ: المصرورة والمنثورة سواء، والأول أحب إلي.
[10/ 433]
(10/433)
ومن كتاب ابن شعبان: ومن أودع وديعة وقيل
له: تسلف منها إن شئت، وتسلف منها وقال: رددتها، فهذا لا يبرئه رده إياها
إلا إلى ربها.
ومن العتبية: روى عيسى بن دينار عن ابن القاسم فيمن أودع ثلاثين دينارا
فجعلها بقرب دنانير له مثلها فذهب منها عشرة لا يدري من أي المالين ذهبت؟
فعليه أن يدفع ثلاثين كاملة إلى من أودعه.
وروى عن يحيى بن يحيى فيمن معه عشرة دنانير لنفسه، فأودعه رجل دينارا، فذهب
من الجميع دينار، قال: يأخذ صاحب العشرة تسعة، ويقتسمان الدينار العاشر
نصفين، ويكون الذاهب منهما، ولم يأخذ بقول مالك: أن العشرة بينهما على أحد
عشر جزءا، وكذلك الذاهب بينهما على هذا.
ومن سماع أشهب: قيل لمالك فيمن بيده مال: أليف له أن يستلف منه؟ قال: ترك
ذلك أحب إلي. وقد أجاز بعض الناس فروجع فقال: إن كان له مال فيه وفاء وأشهد
فأرجو أن لا يكون به بأس. وعن من أودع طعاما فاستنفقه فجاء ربه فطلبه به
فأخبره ليعطيه مثله، فقال ربه: قد كان لي فيه دينار في صرة، فليحلف المودع
ويبرأ ويحلف: ما أخذت لك شيئا، ولا علمت لك فيه شيئا.
قال أصبغ في كتاب آخر في جابية زيت وديعة بيد رجل فتسلف منها قسطا من
زيت/ثم ذهبت الجابية فليس عليه إلا ما تسلف منها. قال أشهب في كتبه: وكذلك
إن كان عنده حنطة وديعة فأكل بعضها فلا يضمن إلا ما أكل، وإن رد في الحنطة
مثل ما أكل منها سقط عنه الضمان، وهو مصدق في رد ذلك مع يمينه، قال أشهب:
وكذلك كل ما يقدر على رد مثله إذا تسلف بعضه أو جميعه، ثم رد مثل ما تسلف
سقط عنه الضمان، وصدق في رد ذلك مع يمينه.
[10/ 434]
(10/434)
باب
في المودع يقر بركوب الوديعة أو لباسها
ثم يقول: هلكت بعد ذلك، ويقول له ربها:
بل في حين تعديك، أو تهلك في الركوب
ويدعي أن ربها أذن له في ذلك
قال ابن المواز في كتاب الإقرار: ومن استودع دابة أو ثوبا، فأمر المستودع
بركوب الدابة ولباس الثوب فهلك ذلك فقال ربه: إنما هلك ذلك بيدك قبل أن
ترده إلى موضعه، وقال المستودع: رددتها حين نزلت عنها وحين فرغت، قال: هو
مصدق مع يمينه إذا كان مقرا بالفعل، وأما إن لم يقر وقامت بذلك بينة، فلا
يصدق أنه رد ذلك إلى موضعه إلا ببينة، وهو قول أصحابنا.
ومن كتاب الإقرار لابن سحنون: وإذا أقر أنه لبس ثوبا وديعة عنده أو كانت
دابة فركبها ثم قالت: هلكت بعدما/نزلت عنها، فإنه ضامن، لأنه لما ركبها ضمن
بالتعدي، ولو قال: ركبتها بإذن ربها فأنكر ذلك رب الوديعة، فالراكب مدع في
الإذن [ويحلف في الإذن] وهو ضامن، ويحلف رب الدابة: أنه ما أذن له، ولو
أقام بينة [أنه نزل عنها وهي سالمة ثم نفقت، برئ من ضمانها، وقول بعض
أصحابنا ومن خالفنا، وفي قول آخرين من أصحابنا: ضامن حتى يردها بحالها،
وكذلك إن أقام بينة] أنه أذن له في الركوب لم يضمن.
[10/ 435]
(10/435)
باب
في الوديعة يتعدى فيها ببيع أو شراء، وكيف إن باعها ثم اشتراها؟
أو كانت عارية، وكيف إن انتفع بها ثم ردها ثم هلكت؟
من كتاب ابن المواز: قال مالك في المال الودعية يشتري به المودع لنفسه
جارية أو غيرها فليس عليه إلا مثل المال والربح له والخسارة عليه، فإن حملت
منه فليتبع ذمته. محمد: ولو كان طعاما أو سلعة فباعه بثمن: أو ابتاع به
جارية أو سلعة، فلرب الوديعة أخذها وقيمة الولد أو قيمتها فقط، ولو كانت
الوديعة أو البضاعة عرضا فباعه بثمن فلربه أخذ الثمن إن شاء وإن شاء أخذ
عرضه إن لم يفت، فإن فات وهو مما لا يوزن ويكال، فله أخذ الثمن إن شاء، وإن
شاء قيمته يوم تعدى فيه، وإن كان طعاما أو إداما فله أن يجيز البيع ويأخذ
الثمن أو يضمنه مثل طعامه أو إدامه، ولو أن المشتري للسلعة باعها بأكثر مما
اشتراها فلربها إجازة بيع المشتري وأخذ الثمن، ويرجع المشتري على
بائعه/بالثمن، وإن شاء أسلم ذلك له واتبع المستودع أو المبضع معه بالثمن
الذي باعها به، وإن شاء أخذ منه قيمتها يوم التعدي، ولو كانت دارهم فصرفها
بدنانير أو دنانير فصرفها بدراهم لنفسه، فليس لربها إلا ما كان له، وليس له
أن يأخذ ما صرفها به إلا برضى المودع، وإن صرفها لربها فلا يحل لربها أن
يأخذ ما صرف، وإن رضيا بذلك، ولكن يصرف هذه إن كانت دراهم بمثل دنانيره،
فما كان من فضل فلربها، وما كان من نقص ضمنه المتعدي، بخلاف التعدي في
العروض الذي يكون ربها مخيرا في التعدي عليه، ولو تعدى عليه في العروض
فباعها بثمن إلى أجل، فإن لم يفت من يد المبتاع فلربها الرضا بالثمن، وإن
فاتت لم يجز أن يرضى بذلك، ولكن يباع ذلك الدين بعرض، ثم يباع العرض بعين،
فإن كان أٌل من قيمة السلعة ضمنه المتعدي، وإن كان أكثر فلربها. ولو باعه
بطعام إلى أجل أغرم المتعدي القيمة، فإذا قبض الطعام بيع ثم كان الفضل
لربها إن كان فضلا. ومن
[10/ 436]
(10/436)
أو دع حمارا أو استعماره فتعدى فيه فباعه
بعشرة، ثم ابتاعه بخمسة، فلرب الحمار أن يأخذه، ثم ينظر إلى المتعدي فإن
كان شراؤه إياه لنفسه فالخمسة الفاضلة له، وكذلك إن اشتراه لمن أمره
بشرائه، فإن كان ربه رضي ببيع المتعدي فليس له إلا العشرة، ويصير كمتعد على
عين اشترى به سلعة، فلا خيار لرب العين فيه، يريد: وإن لم يرض ببيع المتعدي
أخذ حماره فقط، قال: وإن كان إنما اشتراه ليرده على صاحبه، فها هنا يكون
فضل الثمن لرب الحمار، يريد: مع/الحمار، وإن شاء أن يأخذ عشرة ويدع الحمار.
ومسألة الحمار هذه مذكورة في العارية قد كتبتها هناك من العتبية، وقال ابن
حبيب عن مطرف وابن الماجشون في شراء المودع المال الوديعة تعديا مثل ما
تقدم، وفي السلعة الوديعة يبيعها بعين أو بعرض، فإن شاء ربها أخذ ما بيعت
به، وإلا قيمتها، قال مطرف: ثم لو باع العرض الذي أخذ فيها بدنانير كان
لربها إن شاء أخذ قيمة سلعته، أو قيمة السلعة المأخوذة فيها، يريد: في
قولهما، وإن شاء فالثمن المأخوذ في الآخرة، يريد: وإن لم يفوتا. ولو ابتاع
بالدنانير الآخرة سلعة فليس لرب الوديعة أخذها كالتعدي على مال أودعه وديعة
يبتاع به سلعة، وقاله مالك وابن القاسم.
قال مطرف وابن الماجشون في المال البضاعة لشراء شيء فيشتري به غيره، بخلاف
الوديعة، وربه مخير في أخذ ما ابتاع به أو مثل ماله، يريد: في البضاعة،
لأنه مأذون له في حركة المال كالمقارض، فلربه نماء ما حركه فيه، وأما العرض
فسواء كان وديعة أو بضاعة في تخيير ربه في التضمين، وأخذ العوض المأخوذ
فيه، لأنه عن شبيه، وقاله ابن القاسم وأصبغ، وقال ابن عبد الحكم: إن
البضاعة في الوجهين مثل الوديعة، ولا يعجبنا.
[10/ 437]
(10/437)
باب فين تجر في الوديعة أو في مال يتيمه
لنفسه
ومن قول مالك وأصحابه: أن من تجر في وديعة عنده أو في مال يتيمه لنفسه: أن
الربح له إلا ما روى ابن حبيب عن ابن الماجشون/. فإنه قال: إن تجر في
الوديعة ونحوها تعديا وهو ملئ أو مفلس، فالربح له بضمانه إلا أن يتجر في
مال يتيمه لنفسه وهو مفلس، فإن مالكا قال فيه قولا مستحسنا قال: إن ربح فيه
فالربح لليتيم لأنه المدبر لماله، فلم يكن من النظر له أن يتجر به لنفسه في
عدمه، وإن ملك فهو له ضامن، قال: وإن تجر به لنفسه وهو ملئ، فالربح لولي
اليتيم، قال ابن الماجشون: وأنا أقول به، وأبى المغيرة وغيره من أصحابنا،
وقالوا: المفلس والموسر في ذلك سواء وولي اليتيم في ذلك كغيره، وبهذا قال
المصريون وهو قول العامة. قال أشهب في كتبه فكان مالك يكره لولي اليتيم أن
يتجر في مال يتيمه لنفسه أو في مال عنده وديعة، ويرخص فيه بعض الإرخاص إذا
كان له به وفاء، والغالب عليه في ذلك الكراهة.
باب
فيمن امتنع من دفع الوديعة، ثم ادعى تلفها قبل ذلك أو بعد أو جحدها، ثم
أقام بينة بردها
من العتبية: روى أصبغ عن ابن القاسم فيمن له عند رجل مال وديعة فطلبه منه
فاعتذر بشغل وأنه يركب إلى موضع كذا فلم يقبل عذره، وتشاحا فحلف: لا يعطيه
ذلك الليلة، فلما كان في غد قال: قد ذهب، فإن قال: ذهبت قبل أن تلقاني ضمن،
لأنه أقر بها، وإن قال: لا أدري متى ذهبت حلف ولا ضمان عليه، قال أصبغ:
ويحلف: ما علم به ها هنا حين منعه، قال ابن القاسم: وإن قال: ذهبت بعدما
حلفت وفارقته ضمنها، لأنه/منعه إياها إلا أن يكون كان على أمر لا يستطيع
فيه أن يرجع أو يكون عليه فيه ضرر فلا
[10/ 438]
(10/438)
يضمن. قال ابن القاسم: لا يضمن كان في أمر
حفره فيه عليه ضرر أو لم يكن عليه ضرر إذا لم يكن الأمر يمكنه بما لا يطول
عليه فيه عند نمائه أو في يده. وما ليس فيه بحث ولا فتح ولا غلق ولا
استخراج ولا أمر ينتظر فيه رجوع، فإن جاء مثل هذا فهو ضامن لمنعه، وإلا لم
يضمن، وقد تعوق الناس عوائق، وقد يثقل عليه في وقت، ويرد الناس مثل هذا من
شغل وكسل، وما يعذرون به فليحلف ويبرأ.
وقال محمد بن عبد الحكم في كتاب آخر: إذا طلبه في وديعة فقال: أنا مشغول
إلى غد ترجع، فرجع إليه فقال: تلفت قبل مجيئك الأول أو بعده، فلا ضمان
عليه، ولو قال له: لا أدفعها إليك إلا بالسلطان، فترافعا إلى السلطان فضاعت
بين سؤاله إياه وبين إتيانه إلى السلطان، فلا ضمان عليه، لأن له في ذلك
عذرا أن يقول: خفت شغبه وأذاه.
ومن العتبية: قال أصبغ: قال ابن القاسم: ومن طلبت منه وديعة فقال: ضاعت منذ
سنين إلا أني كنت أرجو أن أجدها وأطلبها، ولم يكن يذكر هذا وصاحبها حاضر
قال: هو مصدق ولا ضمان عليه إلا أن يكون قد طلبت منه فأقر أنها عنده ثم
قال: قد ضاعت قبل ذلك فيضمن، وكذلك القراض، قال أصبغ: بل هو ضامن إذا لم
يعرف منه طلب لها ولا ذكر لصاحبها ولا لغيره ولا سماع بطرق ولا غرق. وحضور
ربها آكد. وكل سواء إذا طال ذلك ولم يكن له ذكر، وقال محمد بن عبد الحكم/:
أصحابنا يقولون: إن سمع ذلك منه قبل ذلك الوقت الذي سُئِلَها فيه قبل منه،
وإن لم يسمع ذلك منه إلا ذلك الوقت لم يقبل منه، قال محمد: وأنا أرى أن
يحلف ولا شيء عليه.
وروى أبو زيد عن ابن القاسم في رب الوديعة يطلبها، أو الرهن يطلب فكاكه،
فيأبى الذي ذلك في يديه أن يدفعه حتى يأتي السلطان فيقضي عليه
[10/ 439]
(10/439)
بالدفع فهلك ذلك قبل القضية وبعد طلب أرباب
ذلك، فإن كان دفع إليه الوديعة والرهن بلا بينة فهو ضامن.
قال ابن حبيب: قال ابن القاسم وأشهب ومطرف وابن الماجشون وأصبغ: ومن استودع
وديعة ببينة، ثم جحدها، ثم أقر أنه ردا، وأقام البينة بردها، فإنه ضامن،
لأنه أكذب ببينته إذ قال: لم أجحدها، يريد: إن قال: ما أوعتني شيئا، وأما
إن قال: مالك عندي من هذه الوديعة شيء، فالبينة بالبراءة تنفعه، وكذلك من
أخذ قراضا أو بضاعة فجحد ذلك، ثم ذكر أنه رده، وهذا مذكور في كتاب البضائع.
في المودع لا يدري: أرد الوديعة أم ذهبت، أو لا يدري أين دفنها؟ أو لا يدري
لأي الرجلين هي؟ أو قال: دفع إلي فلان كذا، لا يصدق به ثم قال: بل لغيره
من العتبية: قال أصبغ في الوديعة يطلبها ربها فيقول المودع: لا أدري أضاعت
مني أم رددتها إليه؟ فلا ضمان عليه لأنه ذكر أمرين هو مصدق فيهما، إلا أن
يأخذها ببينة فلا يبرأ حتى يقيم ببينة: أنه ردها إليه، وإلا ضمن.
قال عبد الله بن عبد الحكم: ولو قال/المودع لربها: إن كنت دفعت إلي شيئا
فقد ضاع، وقد قبض الوديعة ببينة فليس عليه إلا يمينه.
قال أصبغ في العتبية: ولو قال: دفنتها فضل عني موضعها فهو ضامن، لأن فرط
إلا أن يقول: دفنتها في بيتي أو حيث يجوز له دفنها فزعم أنه دفنها هناك
وأحاط بالموضع علما، وأما إن قال: لا أدري أين دفنتها فهو ضامن.
ومن كتاب ابن المواز: ومن استودع مائة دينار فأتاه رجلان تداعياها فقال: قد
رددتها إلى أحدكما، فإن لم يثبت أيها هو، يريد: محمد: ويقول: إنه
[10/ 440]
(10/440)
ربها، فإنه يضمن لكل واحد منهما مائة. قال
محمد: لأن كل واحد منهما يدعي أنه أودعه فلم يقطع بذكر فيه، ولقوله للمودع:
لا أدري هل أودعتني؟ وهو كالنكول، فليحلف المدعي ويضمنه، وكذلك لو كانوا
عشرة، قال ابن عبد الحكم: أما في الدين فيغرم لكل واحد مائة، وأما في
الوديعة فلم أره مثل الدين. قال محمد: وذلك عندي سواء.
ومن العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم فيمن بيده مائة دينار وديعة فيأتي
رجلان كل واحد يدعي ولا يدري لم هي منهما، قال: تكون بينهما بعد أيمانها،
فمن نكل منهما فلا شيء له وهي كله لمن حلف، وأما في الدين فيغرم لكل واحد
مائة.
وقال ابن المواز في كتاب الإقرار: إذا قال: دفعها إلي أحدكما ولا أدري من
هو، فادعى كل واحد منهما أنه لم يدفعها إليه، فإنه يلحف كل واحد منهما
ويحكم له بمائة، ومن نكل لم يكن له شيء وكانت لمن حلف/، فإن نكلا جميعا لم
يكن على المقر إلى مائة واحدة يقتسمانها بينهما ولا يمين عليه، لأنه هو
الذي أبى اليمين وردها بعد أن ردت عليه. قال محمد: فإن رجع المودع فقال:
أنا أحلف أنها لهذا لأحدهما فذلك له لأنه إنما قال أولا: لا أدري، فإن رجع
فقال: أنا أحلف أنه ليس لواحد منهما شيء، فلابد من غرم مائة واحدة فيقتسمها
الرجلان بعد أيمانهما، لأنه قد أقر أنها عليه ثابتة ولا حجة له في إسقاطها،
ولا حجة لأحدهما في طلب تمام المائة لنفسه. وكذلك لو كانت المائة عليه دينا
فيما ذكرنا.
وقال سحنون في كتاب آخر فيمن استودع وديعة ثم مات فادعاها رجلان، كل واحد
منهما لنفسه، ولا بينة لهما، وقال ابن الميت: لا أدري إلا أن أبي ذكر أنها
وديعة، فإنه يوقف أبدا حتى يستحقها من يستحقها بالبينة، وقال أيضًا في رجل
أودع رجلا مائة دينار، وآخر خمسين، فنسي من صاحب المائة منهما، وادعى كل
واحد منهما المائة، قال: يتحالفان على المائة ثم يقتسمانها، والخمسون
الباقية
[10/ 441]
(10/441)
الأخرى بيد المستودع ليس لها مدع، فأرى أن
يقستماها، قال بعض أصحابنا: يغرم لكل واحد منهما مائة بعد أيمانهما.
وقال ابن المواز في كتاب الإقرار: ومن قال: دفع إلي فلان مائة دينار لأتصدق
بها وفعلت ثم قال: بل هو فلان دفعها إلي لأتصدق بها وفعلت، فادعى كل واحد
منهما أنه الآمر، فقال بعض أصحابنا: إن الصدقة نافذة لمن هي منهما، ولا
تباعة عليه/، وهو قول أشهب، وذهب ابن المواز إلى أنه يغرم لكل واحد منهما
مائة. وفي كتاب الإقرار شيء من معنى هذا الباب.
باب فيمن ادعى رد الوديعة أو تلفها، وكيف إن أقر بها ثم مات وطلبها ربها؟
وغير ذلك من الدعوى فيها، وكيف إن ادعى أنه ردها إلى وصي المودع
قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون: وإذا أخذ الوديعة بإشهاد فقال: رددتها إلى
ربها بلا إشهاد فهو مصدق مع يمينه.
ومن كتاب آخر: روى عن مالك فيمن دفع عنده ثوب ثم طلبه ربه منه فقال له: قد
خيل إلي أنك أخذته مني أو رسولك، فإن كن على وجه فليحلف بالله: لقد اجتهدت
وما ضيعت، ولقد ذهب إن لم يكن أخذته ويبرأ.
وقال أصحاب مالك في المودع يدعي ضياع الوديعة وقد أخذها ببينة أو بغير
بينة، فأكذبه ربها وقال له: أكلتها فالمودع مصدق إلا أن يتهم فيحلف، قال
محمد بن عبد الحكم: فإن نكل ضمن ولا ترد اليمين ها هنا على ربها. وروى ابن
نافع عن مالك: أن يحلف المودع وإن لم يكن من أهل التهم.
[10/ 442]
(10/442)
قال ابن المواز في كتاب الإقرار: ومن كان
لميت عنده وديعة أو إقراض فقال: قد رددته على الوصي والورثة صغار، فإن أقر
له الوصي بقبضه، برئ المستودع والعامل، وكذلك في الدين وما عند الصناع، وإن
أنكر الوصي كان ذلك ثابتا على العامل والمستودع وغيرهما، سواء أخذوا ذلك
ببينة أو بغير ببينة وليس قولهم: رددنا على الوصي مثل قولهم/رددناه على
الميت ولم يأخذوه منه ببينة، والحكم: أن كل من دفع إلى غير اليد التي
أودعته فعليه البينة، ومن رد إلى اليد التي أعطته فالقول قوله في الرد بلا
بينة إذا لم يأخذ ذلك ببينة.
ومن العتبية: روى يحيى بن يحيى عن ابن وهب في المستودع يأذن له ربها أن
يدفعها إلى من جاءه بأمارة ذكرها له، فجاء رجل بالأمارة فدفع إليه المال ثم
مات ربه وقام ورثته على الرسول فقالوا: ما صنعت به؟ قال: صنعت به ما أمرني
ربي، قالوا: ما أمرك به؟ قال: ليس علي أن أخبركم، قال: يحلف: لقد صنع ما
أمره ربه ويبرأ، أو قاله ابن القاسم.
ومن كتاب ابن الماجشون: فيمن في يديه مال وديعة أو كان عليه دين فأشهد بذلك
على نفسه قوما، ورب المال لا يعلم إشهاده ثم ادعى رد الوديعة وقضاء الدين
وكذبه الورثة، فعليه البينة فيها جميعا، يريد: أنه ردها إلى الورثة وهم غير
من أودعه.
ومن العتبية وكتاب ابن المواز: روى ابن ابن القاسم عن مالك فيمن استودع
وديعة فيقر بها عند نفر من غير أن يشهد عليه بها، قال مالك: هذه أمور لها
وجوه، أرأيت لو تقادم هذا منذ عشرين سنة؟ قال في موضع آخر: عشر سنين، ثم
مات فقام بها، فهذا لا شيء له، قال ابن القاسم: وكأني رأيته إن كان قريبا
أن يكون ذلك له، قال ابن القاسم في العتبية: ولو كان إنما ذلك الأشهر
والسنة وما أشبه ذلك ثم مات وقام ربها، إن ذلك في مال الميت.
[10/ 443]
(10/443)
وقال أشهب في كتبه فيمن لرجل عليه ألف
وديعة وألف قرض فدفع/إليه ألفا ثم قال: هي القرض وتلفت الوديعة وقال بها:
هي الوديعة فإن دفع الألف إلى ربها ببينة قبل قوله: إنها القرض، وإن دفعها
بغير بينة صدق ربها ولا يخرجه من الدين إلا البينة، وابن القاسم يقول:
القول قول الدافع كما يصدق في ذهاب الوديعة.
باب في المودع يستهلك الوديعة ويدعي أن ربها وهبها له، أو ينفقها على أهل
المودع، أو يدفعها إلى رجل ويقول: أمرتي بذلك ربها صلة له وخالفه ربها
قال ابن المواز: ومن أودعك وديعة فادعيت أنه وهبها لك وقد استهلكتها
والمودع منكر فربها مصدق، يريد: مع يمينه.
وقال أشهب في كتبه: ولو قال المستودع: أنفقتها على أهل المودع وولده في
غيبته، فإن قال ربها: تركت لهم النفقة، أو كنت أبعث بها إليهم ووصلت إليهم
فليحلف على ذلك وعلى وصولها إليهم ثم يضمن المودع ولا يرجع على أهل ربها
بشيء إن كان قد قال لربها لم يفعل، أو قال: أمرني بالدفع إليهم، وإن كان لم
يفعل فله الرجوع على من كان منهم يلي نفسه قدر حصته من النفقة، وإن أقر
القادم أنه لم يترك لهم نفقة ولا بعث إليهم يومئذ نفقة هذا إن كان مثل نفقة
مثلهم فأقل، ولا يلزمه ما زاد على نفقة مثلهم ويغرمه المستودع لربها، وهذا
كله إذا
[10/ 444]
(10/444)
لم يكن السلطان قضى على هذا الغائب
بالنفقة، فأما إن قضى عليه بهذا فلا يصدق في قوله: بعثتها أو تركتها/لههم،
وإن لم تقم بينة وقد قضى عليه فالجواب كما قلنا في إقراره: أنه لم يبعث ولا
ترك لهم شيئا.
قال ابن القاسم وأشهب وابن نافع وابن الماجشون: وإن قال المستودع: أمرني
ربها بدفعها إلى فلان وقد فعلت وأنكر ذلك ربها فالدافع ضامن إلا أن يأتي
ببينة: أنه بذلك. قال أشهب في كتبه: سواء أودعه ببينة أو بغير بينة.
ومن كتاب الإقرار لابن سحنون: ومن بيده دابة وديعة فدفعها إلى غير صاحبها
فضاعت وقال: أمرني بذلك صاحبها وصاحبها منكر، فهو ضامن لأنه مدع ويحلف رب
الدابة، فإن نكل حلف المستودع وبرئ.
ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم وابن وهب عن مالك: ومن بعث مع رجل
بمال إلى ربه فقبضه منه وقال: تصدق علي به ربه وصدقه الرسول، والباعث منكر
للصدقة يقول: بل هو إيداع، فالرسول شاهد يحلف معه زيد ويكون له، وقاله عبد
الله بن عبد الحكم وابن المواز. قال ابن المواز: هذا أحب ما سمعت فيها إلي،
لأن الرسول لم يتعد في الدفع لإقرار ربها أنه أمره بذلك، فشهادته جائزة،
وذلك إن كان للرسول بينة على دفعه، وقال أشهب في كتبه: لا تجوز شهادة
الرسول لأنه يدفع عن نفسه الضمان، يريد أشهب: أن المتصدق عليه عديم وقد
أتلف المال ولا بينة للرسول على الدفع، وأما وهو مليء فشهادة الرسول جائزة
على الصدقة مع يمين زيد، وكذلك إن قامت للرسول بينة: فالدفع في عدم زيد.
وفي كتاب الوكالات باب في/شهادة الرسول فيما أمر بدفعه فيه من معنى هذا
الباب مستوعب.
(10/445)
باب فيمن بيده مال
ذكر أن من دفعه إليه أمره بدفعه إلى ورثة فلان، ما
يصنع الحاكم في ذلك؟
من كتاب ابن سحنون: كتب شجرة إلى سحنون فيمن أتى الحكم فقال: إن فلانا دفع
إلي أو بعث إلي بدنانير. ذكر أنه لورثة فلان وأن أدفعها إليهم بأمر الحاكم،
كيف يجري أمر الحكم في هذا؟ فكتب إليه: إذا ثبت عند الورثة وأقر هذا أن
الغائب أمره بدفعها إليهم، كتب له الحاكم: إنك ذكرت أن فلانا أمرك بدفع ذلك
إلى ورثة فلان بأمري، وأني أمرتك أن تدفعها إليهم، يريد: بعد أن ثبت عندي
أنهم ورثة فلان.
باب في المودع يخلط الودائع العين ثم يهلك منها
شيء
قال ابن الماجشون فيمن أودعه رجل ثلاثة دنانير وآخر دينارين وآخر دينارا
فخلطها المستودع ثم ذهب منها دينار، قال: يأخذ صاحب الثلاثة من الخمسة
الباقية ثلاثة إلا ربع، وصاحبه الدينارين اثنتين إلا ربع، وصاحب الدينار
نصف دينار، وذلك أنه يقال لصاحب الدينار: أنت لا تدعي من الخمسة إلا دينار
فتعزل وتبقى أربعة، فصاحب الاثنين يدعي منها اثنين فتعزل وتبقى اثنين لا
يدعيها إلا صاحب الثلاثة فيأخذها، ثم يرجع إلى الثلاثة المعزولة فتجد صاحب
الدينار لا يدعي منها إلا دينارا فيعزل ويبقى دينار لا مدعي له إلا صاحب
الاثنين فيأخذه ثم ترج إلى/الدينارين المعزولين، فصاحب الدينار لا يدعي
منهما إلا دينارا ويبقى دينار فيقسم بين صاحب الثلاثة وصاحب الاثنين نصفين
لأن كل واحد منهما يدعي جميعه ويبقى الدينار فيقسم بينهم، يكون لصاحب
(10/446)
الدينار الواحد نصفه لأنه يدعيه كله، ويكون
لصاحب الثلاثة والاثنين نصفه بينهما جميعا لأنهما إنما يدعيانه كله، وهذا
الذي ذهب إليه ابن الماجشون وأبوه عبد العزيز وابن القاسم، قال ابن القاسم:
وذهب مالك: أن الدينار الثالث يقسم بينهم على الأجزاء يكون لصاحب الثلاثة
ثلاثة أجزاء، وعلى صاحب الاثنين جزآن، وعلى صاحب الدينار جزء، وأخذ بقول
مالك: الليث بن سعد وابن كنانة وابن وهب ومطرف وأشهب وأصبغ وابن حبيب، وهذا
كله إذا لم يعرف الدينار الثالث، فأما لو عرف لمن هو كانت مصيبته منه.
باب فيمن أودع حيوانا فأنزى عليها أو أكراها
قال ابن القاسم في المدونة وغيرها فيمن استودع نوقا أو أتتا أو بقرا فأنزى
عليها، أو كن جواري فزوجهن فمتن من الولادة أو عطبن تحت الفحل فهو ضامن في
ذلك كله، وقال أشهب في كتبه: لا ضمان عليه في شيء من ذلك. قال أشهب: وإن
نقص ذلك كله الولادة فلا شيء عليه لأن الولادة في الجواري ليس من فعله إنما
زوجهن فكان الحمل من غيره فلا يضمن، ولو سألني في البهائم: هل ينزيها قبل
أن يمزيها؟ /لرأيت أن لا يدعها من الإنزاء لأن ذلك مصلحة، ولو أضمنه في
الجواري ما نقصهن شيئا لأن للسيد أن يجيزه فلا يضمنه وقد أجاز فعله، وإن
فسخه رجع العبد إلى حالته من غير نقص، ولو أكرى البقر في الحرث أو الدراس
أو سقي الأجنة، أو أكرى البغال والحمير على حمل طعام أو حجارة، ضمن البهائم
لأن ذلك يتلفها وإن تلفت أو نقصت فرب الدابة مخير إن
[10/ 447]
(10/447)
شاء في كرائها، ولا شيء له من قيمتها إن
كانت ماتت أو ما نقص ذلكم من قيمتها إن لم تمت ولا كراء له.
باب في العبد يودعه رجل وديعة فيستهلكها
قال ابن القاسم في العبد يودع فيتعدى فيها فتضيع فهي في ذمته، فإن لم يكن
مأذونا فلسيده فسخ ذلك عن ذمته ثم لا يتبعه إن عتقه، وأما المأذون فلا
يفسخها عن ذمته.
وقال أشهب في كتبه في العبد المحجور عليه يتلف الوديعة قد أو دعها فإن كان
مثله يستودع فهي في ذمنه رق أو عق. وإن كان مثله وغدا لا يستودع فلا شيء
عليه في رقه رد ذلك عنه السيد أو لم يرد حتى يلي نفسه بالعتق، يريد: فيتبع،
وأنكرها سحنون. قال أشهب: وقد قال مالك في العبد غير المأذون يتاجر الناس
بغير إذن سيده، فإن كان فارها مثله يتاجر الناس فذلك في ذمته، قال أشهب:
وأما المأذون يتلف الوديعة فهي في ذمته لا في رقبته، قال/: وإذا استتجر
عبده الوغد فلسيده أن يبطل عنه ما أتلف من أمانته لأنه لم يأذن له في أخذ
الودائع، ومثله لا يودع.
وقال أشهب في العتبية: ومن أردا أن يودع رجلا وديعة فقال له: ادفعها إلى
عبدي ففعل، فاستهلكها العبد فهي في ذمته، قلت: وإن غره السيد من العبد؟ قال
لا شيء على السيد بكل حال. قال محمد بن عبد الحكم: ولا يكون في ذمته
بإقراره أنه استهلكها حتى تقوم بينة باستهلاكه إياها.
[10/ 448]
(10/448)
باب في المودع يأتيه من يذكر أن ربها أمره
أن يأخذها فيدفعها إليه، وكيف إن أقر المستودع أن الذي أودعه قال: الوديعة
لهذا؟
قال ابن القاسم في المودع يأتيه من يزعم أن ربها أمره بأخذها، وصدقه ودفعها
إليه فضاعت منه: أن الدافع ضامن لها ثم له أن يرجع على الذي قبضها فيأخذها
منه، وقال أشهب في كتبه: لربها أخذها من أيهما شاء ثم لا رجوع لمن أخذها
منه فهما على الآخر لأن الدافع صدق الرسول: أنه مأمور بأخذها فلا يرجع عليه
إن غرمها.
قال ابن المواز في كتاب الإقرار: ولو جاءه بكتابه بأمارة يدفعها إليه وهو
يعرف خطه ويعرف أمارته فدفع إليه وصدق كتابه فأنكر ربها فليحلف: أنه ما
أمره ولا كتب بذلك إليه وأنه لا حق له عليه، ثم يغرم له الدافع، ثم يرجع
بذلك على القابض فيه أولا ولا يمنعه من ذلك تصديقه فيما أتى به/، ولا ما
عرف من صحة ما جاء به، وأنه يشهد بذلك، فلا يمنعه من الرجوع بذلك. قال ابن
المواز: والذي جاءه الكتاب وإن عرف خطه وأمارات فيه: أنه لا يدفع إليه ما
أودعه الغائب أو حق الغائب عليه. ود 5
قال محمد بن عبدوس في الذي قال للمودع: بعثني ربها لآخذها منك فدفعها إليه
ثم اجتمع مع ربها فذكر له ذلك فسكت ثم طلبه بعد ذلك، قال: يحلف: أنه ما أمر
فلانا بقبضها وما كان سكوته رضا بقبضه ثم يغرمه، ولو أن رب المال علم بقبض
القابض فجاء إلى المودع فقال: كلم فلانا القابض يحتال لي في المال فقال:
هذا رضا بقبضه فليطلبه به ويبرأ الدافع. قال: ولو طلبه ربها فجحد الدافع
فقال ربها: أحلف: ما أودعتك، قال: يحلف له: ما لك علي شيء. قال أبو محمد:
يريد: على قول أبن الماجشون، ويعني أيضًا أن الدافع
[10/ 449]
(10/449)
أيقن بأمر رب الوديعة. وفي كتاب الوكالات
في باب المسائل المختلفة: معنى من هذا الباب.
ومن كتاب ابن الموز ومحمد بن عبد الحكم: قالا: ومن أودعته وديعة ثم أقر رب
الوديعة أنها لزيد الغائب ثم طلبت أنت قبضها فلك ذلك بالحكم: وليس إقرارك
أنها لزيد يمنعك من قبضها في غيبة زيد لأنك أنت الذي أودعتها، وكذلك ما أو
دعت عند سفرك من وديعة أو مال أنت فيه وكيل وأنت مقر: أن ذلك لفلان فلك
أخذه، وكذلك ما أنت وكيل على بيعه فبعته فلك قبض الثمن، ولو قدم مالك
الوديعة فطلب أخذها منك وأنت مقر أن ذلك لفلان فلك أخذه، وكذلك ما أنت وكيل
على بيع أن من أودعها عندك ذكر: أنها لهذا الطالب فلك منعها من ربها إلا
بشاهدين على إقرار مودعها بذلك لأنك لا تبرأ منه إن جحد إلا بهذا، أو يقوم
شاهد معك فيقضي له السلطان بهذا، أو يستأذنك مع يمين طالبها فإن لم يقضي له
بشيء ثم قدم م أو دعكها وقد غاب ربها فعليك دفعها إليه وإن علمت أنها
لغيره، وكذلك لو كانت دارا فبعتها إليه فهدمها أو أتلف نقضها فلا ضمان عليك
إن جاء ربها، لأنك غير متعد فيما فعلت، وكذلك لو أقررت أنه أمرك بدفعها
إليه أو بدفع حق له عليك.
ومن هذا في كتاب الوكالات، وفي كتاب الإقرار الأول، في باب من أقر أن الدين
الذي له على فلان لفلان وفيه قول آخر.
[10/ 450]
(10/450)
باب في المدعى عليه الوديعة ينكرها هل يحلف
إذا ادعى ربها أنها نقصت؟
فقال له المودع: احلف وأنا أغرم، ثم نزع
قال ابن المواز في كتاب الإقرار: ومن ادعى أنه أودع رجلا مالا فأنكره فله
أن يحلف على البت: أنه ما أودعه شيئا لا على العلم، فإن قال: لا أدري لم
يقبل منه ذلك وكان ذلك منه نكولا عن اليمين فيحلف الطالب ويحكم له بما حلف
عليه، فإن نكل هو أيضًا لم يكن له شيء.
وقال في العتبية فيمن يقدم بلدا فيدعي أنه أودع رجلا مالا فأنكره فله أن
يحلفه وإن لم تقم بينة بخلطة فإن نكل حلف وأغرمه، وكذلك في/سفره يدعي ذلك
على رجل وليس في هذا تراد خلطة ولا بد للناس من هذا وله اليمين وعليه بكل
حال وإن لم تثبت خلطة، وكذلك في دعوى المسافر للشراء والبيع والأيمان لهم
وعليهم وما يبايعون إلا من لا يعرفون.
وروى عيسى عن ابن القاسم في الذي عنده الوديعة يأتي بها فيقول ربها: قد
نقصت ويأتيان إلى القاضي، وقال المستودع: لا تنقص وأنا على سفر فلا يشغلني،
فإذا رجعت فما حلفت أنها نقصت أعطيتكه، فإذا رجع قال: لا يلزمني شيء إنما
قلت لك: لا تشغلني، قال: يلزمه غرم ما يحلف عليه أنها نقصته، وقاله أصبغ
وذكر أن أهل المشرق يخالفوننا فيه.
وقال محمد بن عبد الحكم: يحلف المودع ويبرأ، فإن نكل حلف رب المال وأخذ
تمام وديعته.
[10/ 451]
(10/451)
باب في الإنفاق على
الوديعة، وهل يرجع بالثمن أو بمثل الطعام؟ ومن أغرم
على وديعة عنده مالا، وفي الوديعة توهب هل يتم الحوز فيها بحوز المودع؟
ومن بيده صك وديعة هل يدفعه إلى وارث المودع؟
من العتبية من سماع ابن القاسم: ومن بيده جارية وديعة فأنفق عليها ثلاثين
صاعا منتمر، فأراد ربها أن يغرم تمرا، وقال المنفق: كان يوم أنفقت أغلى من
اليوم فآخذ بذلك السعر، قال مالك: له بسعر يوم أنفقه. قال ابن القاسم: وهذا
إذا اشترى التمر فليرجع بالثمن، وأما إن أنفق تمرا من عنده فلا يرجع إلا
بمثله لأنه/سلف منه.
قال عيسى بن دينار فيمن أودع عنده متاع فعدا عليه عاد فأغرمه عليه مالا فلا
شيء على رب الوديعة من ذلك.
وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن له وديعة بيد رجل فقال: اشهدوا أني قد تصدقت
بها على فلان، ولم يأمره بحوزها له، ثم مات المعطي فإن علم من بده الوديعة
أنه تصدق بها فهي حيازة ثانية لأن ربها لا يقدر أن يأخذها منه بعد علمه ولو
دفعها إليه بعد علمه لضمنها.
ومن العتبية: قال أشهب عن مالك في امرأة أودعتك ذكر حق على زوجها ثم ماتت
ولا يرثها غيره وهو مولاها قال: يسأل فإن كان عليها دين فلا يعطه إياه، وإن
لم يكن عليها دين فادفعه إليه بإشهاد، قيل: قد أوصت بوصايا، قال: فادفعه
إليه بإشهاد.
[10/ 452]
(10/452)
باب فيمن مات وبيده ودائع وقراض فيقر بذلك،
ويوجد اسم رب الوديعة عليها أو خط الميت
من العتبية: روى عيسى بن دينار عن ابن القاسم فيمن بيده ودائع للناس وهو
يعلم أنه ينفق منها فيوصي بودائع، فيوجد في تابوته كيس فيه دنانير مكتوب
فيه: أنها لفلان وأن عددها كذا فيوجد العدد أقل، فإن ثبت أن ذلك خطه ببينة
كان ما نقص في ماله، وإن لم يشهد على خطه أحد حلف الورثة: أنهم ما يعلمون
من ذلك شيئا ولا شيء عليهم، وروى أو زيد عن ابن القاسم فيه: إذا ترك ودائع
ولم يوص فتوجد صرر عليها مكتوب: هذه لفلان وفيها كذا ولا/بينة على إيداعه
فلا شيء له إلا ببينة أو بإقرار الميت ولعله صانع أهل البيت.
ومن كتاب التفليس: روى عيسى عن ابن القاسم فيمن مات فوجد في تابوته كيس فيه
مال عليه مكتوب: لفلان بن فلان فإن شهدت بينة أنه خط الميت دفع إلى من ذكر
فيه وإلا يدفع إليه، وكذلك قرطاس مكتوب فيه حساب: لفلان عندي كذا وكذا شهد
بأنه خط الميت كان ذلك لفلان في ماله، وإلا فلا شيء له.
وقال أصبغ: أو خط صاحب المال على الكيس مع وجدانه في حرز المستودع حيث
أقره، فإنه يقضى له به، قال أصبغ: وهذا في قول من يقضى له بالخط والخط
عندنا ثابت صحيح، وقد بلغنا أن عمر بن عبد العزيز قضى بالخط في شهادة
الشاهد وهو أشهده، وأما على خط المقر بعينه فهو الإقرار الصراح، وقد
[10/ 453]
(10/453)
قال مالك: إذا شهد على الخط شاهدان لم يكن
على صاحب الحق يمين لأن ذلك إقرار، وإن كان شاهدا حلف معه واستحق، فإن كان
شاهدا على الحق وشاهدا على الخط تمت الشهادة.
وقال أشهب في كتبه: وإن قال عند موته: قراض فلان ووديعة فلان في كذا فلم
يوجد حيث قال فلا ضمان عليه.
باب فيمن لك شيء فظفرت له بمال أو أودعك هل تحبسه؟
والوصي يقر عنده الميت لأحد هل يعطيه ذلك من التركة؟ /
من العتبية: روى ابن القاسم عن مالك فيمن له على رجل دين بلا بينة فهلك
المطلوب ولا دين عليه لأحد غيره وقد دار للميت على الطالب حق مثله بلا بينة
فأراد حبس ذلك بدينه وعرف أنه إن أقر ودي ولم يجد بينة بالدين له، وعرف أن
لا دين على الميت، ما أرى إلا أن يخير ورثته وينتهي الأمر إلى ما انتهى
ويحتسب ماله. قال عنه سعد بن عبد الله: ومن جحدك فلا تجحده. قال أبو بكر بن
محمد فيمن جحد مالا وقدرت له على مثله فقد اختلف فيه، فروى أشهب عن مالك
قال: لا آمرك بذلك، ولا آمرك إلا بطاعة الله، فإن أردت أن تفعله فأنت أعلم.
وروى عنه ابن وهب: إن لم يكن على الجاحد دين إن قيم به لم يقع له ذلك في
المحاصة فلا يأخذه، وإن علم أن لا ين عليه فليأخذه، وروى ابن نافع مثله
وزاد: وأمن أن يحلف كاذبا فليأخذ قدر حقه. قال محمد بن عبد الحكم: لا بأس
أن يأخذ وإن كان عليه دين ما لم يفلس.
[10/ 454]
(10/454)
وقال ابن المواز في كتاب الإقرار: ومن غصبك
شيئا ثم حلا لك أخذه بعينه فلا بأس بذلك. قيل: فإن لم أجد الشيء الذي غصبني
بعينه وظفرت له بغيره من ماله قال: لو أعلم أنه لا دين عليه يحيط بماله لم
أر عليه شيئا.
قال ابن المواز: قال مالك في ميت أوصى لصغير بدنانير ولم يشهد على ذلك إلا
الوصي، فإن خفي له دفع ذلك حتى لا يتبع به فله ذلك دون السلطان، وكذلك لو
دفعه فلم يقبل شهادته السلطان ثم خفي له دفع ذلك/قيل: فإن غصبني رجل شيئا
ثم خفي له أخذه قال: ذلك جائز، قال مالك: وهو بخلاف من جحدك لما جاء فيه.
[10/ 455]
(10/455)
|