النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه

كتاب الأراضي والشعاري وأحياء الموات
في صفة أرض الصلح وأرض العنوة، والتي أسلم عليها أهلها، وما يصلح فيه القطائع والحمى، وشيء من ذكر إحياء الموات/
من المجموعة ونحوه في كتاب ابن سحنون: روى عروة بن الزبير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أحيى أرضا ميتة فهي له، وليس لعرق ظالم حق، ومن أسلم على شيء في يديه فهو له وروت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من اقتطع شبرا من الأرض بغير حق طوقه يوم القيامة.
قال سحنون: فالأرض على ثلاثة أوجه: إما عنوة، أو صلح، أو أرض أسلم عليها أهلا، ولكل واحدة منهن حكم، فحكم العنوة: أنها لا تقسم ولا تباع، بل توقف وتكون خراجًا للمسلمين. كما فعل عمر في مصر والعراق وغيرها. ولا تكون فيها القطائع.
[10/ 489]

(10/489)


قال في كتاب ابن سحنون: عاب مالك على من قال: القطائع في أرض مصر، قال: فأما التي صلاح عليها أهلها ولم يغلبوا عليها، فهم أحق بها، يصنعون فيها ما شاءوا من بيع أو غيره، وأما التي أسلم عليها أهلها فلم يغلبوا عليها ولا صولحوا بشيء: فهي على رجلين، وذلك يرجع إلى أنهم يتركون فيها على حد ما أسلموا عليها. فما كان منها مما أسلموا عليه وهو معمور محوز محدود معروف، فهو ملك لربه يصنع فيه ما شاء من بيع وعطية وغيرها، وأما ما أسلموا عليه من جبالهم ودمنهم ومراعيهم التي لا معمل فيها إنما هي مراعي وعفى، كذلك كانت قبل إسلامهم حتى أسلموا عليها، فهي الأرض التي لا تقسم في المواريث، قال في موضع آخر: ولا تملك حقيقة الملك فألفيت هنا، وهي التي جاء فيها: لا يمنع فضل المالك ليمنع به الكلأ.
وقال ابن الماجشون نحوه، قال: وكذلك بقيت/مذ كان الإسلام، ولم تكن مما يقسم ولا يباع، بخلاف الحقوق المملوكة بأوجه الملك. قال غيره: وليست مما يأخذه الحدود، إنما هي تجاوز أحياء العرب لمرافقهم ومرعاهم ما دام المرعى قائما والمنافع موجودة، فإذا لم يكن ذلك انتقلوا منها يطلبون الكلأ، وتبقى أوديتهم معروفة بأسمائهم عفى، على هذا كانت في الجاهلية، وعليه تبقى، على أن ملكهم فيها ليس بالتام، وبهذا الأرض كانت الأحمية والقطائع.
ومن كتاب ابن سحنون: فكل أرض لم تملك في الجاهلة بإحياء أو زرع، أو أرض لم يعرف بحي من أحياء العرب أنها منتجعهم ومرعاهم، فتلك من الموات، وهي لمن أحياها، وما كان من أرضهم مما نزلوا فيه، وعرف بأسمائهم من بطون أوديتهم ومرعاهم، إنما حازوها بالمرعى والسكن لا معتمل من غرس ولا زرع، إنما هي مرعى وعفى، فهذه التي لا تملك ملك المواريث، وهي التي
[10/ 490]

(10/490)


روي فيها: لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ. وإنما يملكونها ملك المنافع والمراعي، فلا تجري فيها المواريث والاقتسام، ولا تملك كملك من أحيي بالعمارة، أو اشتري، أو ورث ولا يحيي فيها أحد شيئا إلا بعطية من السلطان، وفيها كانت الأئمة تحمي وتقطع، وما كان من أرض الأعراب من فيافيهم لم تملك بعمارة، ولا عرفت بمرعى ومنتجع، فمن أحيى هذه فهي له. وأما أرض الصلح فما كان منها من عفى لم يعتمل ولا حيز بعمارة كان لمن أحياه أيضًا، وأما أرض العنوة فعامرها موقوف للمسلمين، ولا تكون فيها القطائع، وما كان فيها من موات وشعاري/لم تعتمل ولا جرى فيها ملك لأحد، ولا ميراث، فهو أيضًا لمن أحياه.
ومن المجموعة وكتاب ابن حبيب: قال مالك: لا أرى لأحد من الأئمة والولاة أن يقطعوا لأحد من أهل أرض العنوة.
قال في كتاب ابن حبيب: أرض العنوة العامرة، قال في الكتابين: بمعنى واحد، واللفظ لكتاب ابن حبيب. قال في كتاب ابن حبيب: قال ابن القاسم: وذلك أن العنوة في الأرض المعمورة، لأنها كانت قرى عامرة افتتحت عنوة، وإنما الإقطاع في الأرض الموات، وفيها الخطط ثم أفنية الفسطاط التي بقرب المصلى بالموضع عندنا حيث تشاح الناس، فلا أرى لأحد أن يبني فيها إلا بعطية من الإمام، وموضع الفسطاط إنما كان فلاة لم يكن فيه إلا الحصن فاختط المسلمون ما كان صحة فنزلوه، وبقي الحصن والعمران لم يكن لأحد فيها خطة، لأن الخطط لا تكون في المعمور، قال ابن حبيب: وقاله لي ابن الماجشون وسحنون وأصبغ.
[10/ 491]

(10/491)


ومن المجموعة: قال ابن القاسم: لا أرى أن يحييها أحد بقطيعة من سلطان.
قال ابن حبيب قال ابن الماجشون: قرى العنوة التي لم تقسم، إذا أذن السلطان باختطاطها نظرا منه لم لانقطاع ذلك البلد عن أهل الإسلام مثل أهل الأندلس، وهو لو لم يفعل ذلك لم يأتها أحد، ولم يبن بها أحد، وغلب عليها العدو، وقال: لا يفعل ذلك، وليقرها كما أقرها عمر، وقاله ابن القاسم وأصبغ.
قال ابن الماجشون: ولو فتحت البلاد فهرب/أهلها وتحصن بعضهم في حصونهم فصولحوا على أن تبقى الأرض الأحياء لهم حتى يقروا فيها ويؤدوا الجزية على أن أرض من مات فيء قال: ذلك جائز، ولمن امتنع حتى صولح ملك أرضه ببيعها إن شاء، ولو حقه في شعرائها، وإن أسلم كانت له، وكل من هرب أو قتل صارت أرضه عنوة، وإن ردوا من الهاربين من رجع في منازلهم على الجزية، فذلك كله عنده لا حق لهم فيها ولا في شعرائها. ... ... شعاري
ومن المجموعة: قال سحنون: وأما أرض أفريقية فكشفت عن أصلها، فلم أقع منها على حقيقة من عنوة أو أصلح، وكاشفت عنها علي بن زياد فلم يصح عنده أمرها، ولكن كان يقال لغلمان العرب لما فتحوا البلاد، قيل للوالي، أظنه موسى بن نصير: اختر أن تأخذ الخمس من حيث شئت فأخذ هذه الصوافي مثل طالس، وقمس وغيرها فهذا ما عندنا منها، وقد ذكرنا حكم بلاد الأعراب، وأما منازل البربر التي نزلوا فيها، وهذه السواحل التي على البحر مثل سيمه وغيرها فإنها كانت محرمة كلها حتى فتحت العرب أفريقية، فلما كثر الظلم
[10/ 492]

(10/492)


خربت البلاد وزالت العمارة منها، وكانت إذا دخلها العرب عامرة، فلا أدري صالح عليها أهلها ثم جلوا عنها من غير صلح، فهذا الذي نظن أنه كان من شأنها، فإن كانوا جلوا عنها وهي عامرة حين دخلوا العرب من غير صلح فصارت عنوة، ثم عطلها المسلمون حتى صارت شعري ومواتا، فهي لمن أحياها/قال: لا، والسلطان يرى فيها رأيه، ثم سمعته بعد ذلك يقول: وهذا الشعاري التي على سواحل البحر التي عمرها الناس بعدما كانت غياضا، فأرجو أنها أسهل من غيه من لتعط إفريقية التي كانت عامرة، فأما الشعاري العامرة التي لا يتبين أن أحدا ملكها، فمن عمر فهيا فهي أخف عندي وأحب إلي إذا كانت في بعد من العمران، وقد قال المغيرة: إذا قطع رجل بقرب العمران فإن لم يكن ذلك حقا لأحد فكأنه تسهل فيه وبالسلطان أحب إلي.
قال سحنون وسئل عن أرض لقوم حلوا فيها وصارت شعري وطال زمانها، أيجوز لأحد أن يعمرها؟ قال: لا، ولكن السلطان ينظر في ذلك، وكان إذا سئل عن أحمية حصون المرابطات بأفريقية يقول: أخبرني عن البلاد أصلح أم عنوة حتى أخبرك بحكمها؟ قيل له: إن ابن غانم هو الذي حددها وذب عنها، قال: أما الذي نعرف أن ابن غانم قال للمرابطين: لم تضيقون على أنفسهم الحدود، ولو احتجتم ما ها هنا إلى موضع كذا كنتم أ؛ ق به؟ وكأني رأيته لو صح عنده أن ابن غانم حدد ذلك وبينه وأوقفه لقلده وحمله منها ما تحمل، وكان كثيرا مما يقف عنها ولا يتكلم فيها بشيء.

في القطائع والأحمية وما دخل فيه من إحياء الموات
من المجموعة وكتاب ابن سحنون: روى ابن وهب أن النبي صلى الله عليه وسلم حمى البقيع وهو قدر ميل في ثمانية أميال حماه لخيل المهاجرين/ثم زاد فيه الولاة بعد
[10/ 493]

(10/493)


ذلك، وحمى أبو بكر الربذة لما يحمل عليه في سبيل الله، وهي خمسة أميال في مثلها، وحمى ذلك أيضًا عمر لإبل الصدقة يحمل عليها في سبيل الله، وحمى أيضًا الشرف وهو نحو حمى الربذة، واستعمل على الحمى مولاه هبب وقال له: أدخل رب الصريمة والغنيمة وإياك ونعم ابن عوف وابن عفان، فإنهما إن تهلك ماشيتهما يرجعان إلى زرع ونخل، وأن رب الصريمة والغنيمة يأتي ببينة فيقول: يا أمير المؤمنين، يا أمير المؤمنين أفتاركهم أنا لا أبالك. وفي الحديث غير هذا، وقال: والذي نفسي بيده لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله ما حميت عليه من بلادهم شيئا، وقال لرجل من العرب عاتبه في الحمى، فقال: بلاد الله حميت لمال الله.
[قال سحنون: وهذه الأحمية] إنما هي بلاد الأطراف العفى التي لا عمارة فيها بغرس ولا بناء حيث لا يضيق على ساكن، وكذلك الأودية العفى التي لا ساكن بها إلا ما فضل عن منافع أهلها من المسارح والمراعي لسقيها، وفي ذلك تكون القطائع أيضًا لمن رأى الإمام من أهل القرى وغيرهم، وقد أقطع النبي صلى الله عليه وسلم الزبير أرضا فيها نخل من أموال بني النضير، وأقطع له أبو بكر أرضا مواتا يقال لها الجرف. وأقطع الناس العقيق أجمع.
[10/ 494]

(10/494)


قال ربيعة: وما أحياه الأعراب من مال في الجاهلية فأحرزوه لماشيتهم، وأسلموا عليه، فلا يدخل/عليهم فيه ضرر أو ضيق عطن أو وطن أو مسرح، قال ابن شعبان وما سبق القطائع من حوز الجاهلية فهو أولى منها، كان في سهل أو جبل أو ظهر أو بطن في شيء من حريمها، ولا حجة لمن ادعى شيئا من هذا. فلم تكن له بيع أو ميراث أو قطيعة أو سلم، وليس لعرق ظالم حق، والعرق أربعة، فذكر نحو ما قال ربيعة في باب إحياء الموات، وكان سحنون يعجبه قول ابن شمعان هذا، قيل لعبد الملك فكيف حوزهم في أوديتهم؟ فقال على الجوار بهم وما عرفوا فهم على ما حازوا، وما سمي لهم لهؤلاء واد.
قال عبد الملك: ولو انجلى قوم عن واديهم ثم له آخرون بقطيعة أو غيرها. ثم رجعوا أو بضعهم فهم أحق به إذا كان من رجع يضر بهم بقي من حل فيه باعتهم في مرافقهم وحريمهم، فأما إن كان من حل فيه لا يضر بهم في حريم ولا موضع شرب ولا سانية فلا يمنع، ويصير كأنهم منعوهم في غيبتهم، وهذا شبه منع فل الماء يمنع به الكلأ. فليس لهم ذلك.
من كتاب ابن سحنون قال: وهذه الأرض التي لا عمارة فيها لا تمنع من أرض الأعراب، إنما هي لهم مرعى من بطون الأودية وجبال هي التي جاء فيها: لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ، فهم في الكلأ والناس سواء، وهم أولى بمائهم حتى يرووا، ولا يمنعوا ما فضل.
[10/ 495]

(10/495)


قال ابن كنانة: ولا يغرس أحد على ماء الماشية غروسا، ولا يحيى عليها حقا، وفي الباب الأول من معنى الأول من معنى هذا الباب./

في إقطاع المعادن وميراثها وبيعها
من المجموعة وغيرها: روى مالك وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث المربي معادن القبلية. وفي رواية ابن وهب: أقطعه ما بين الصحر والبحر ومعادن القبلية نحورها وجلسها.
روى ابن نافع وعلي عن مالك فيما وجد أهل الذمة من المعادن؟ قال: إن كانت في أرض من عفا الأرض فلا يدعهم الإمام يعملون فيها إلا على شيء معلوم يقاطعهم عليه، يكون عليهم للمسلمين، وإن كانت لبعض المسلمين فذلك لربها على ما راضاهم عليه، فإن كانت من جزيرة العرب فلا يقروا فيها كما جاء في الحديث وقد أجلاهم منها عمر، قال سحنون: لا يقرهم فيها إلا على شيء يقاطعهم عليه فلا أعرف هذه المقاطعة، وإنما أرض الموات أرض العرب التي أسلم عليها أهلها. ولهم النفع بها، وليس لهم بيعها. وفيها كانت تقطع المعادن، فلا يؤخذ منها إلا الزكاة، وهي التي لا يمنع فيها فضل الماء ليمنع بها الكلأ، وهي التي حمي عمر فيها وقال: لولا ما أحمل عليها في السبيل ما حميت منها شيئا. وأما فيافي الأرض فهي لمن أحياها، وروي عن مالك: ما ظهر في أرض البربر من المعادن، أنها لا تكون لأهلها، والسلطان يقطعها لمن يرى ومثل ما ظهر في أرض العرب فكان الناس يقطعونها للناس، وكذلك ذكر ابن القاسم: قال:
[10/ 496]

(10/496)


ولغني ذلك عن مالك، قال سحنون: ورواية ابن نافع وعلي عن مالك أحب إلي إن كانت في أرض مسلم. وكانت مملوكة فذلك إليه/وأما ما شبهها به ابن القاسم من أرض العرب فليست مثلها، لأن تلك لا يملكها أهلها ملكا تاما. إنما لهم الانتفاع بها، وقال ابن القاسم وأشهب: ما ظهر منها في أرض الصلح أو يأذنوا لهم في العمل فيها دون السلطان، وأما ما ظهر منها في أرض العنوة، فذلك إلى السلطان.
قال ابن القاسم في معادن النحاص والرصاص والقزدير والكحل والزرنيخ والجوهر: إنها مثل معادن الذهب والفضة، والسلطان يقطع ذلك لمن يعمل فيه.
قال سحنون: إنما كان السلطان يلي معادن الذهب والفضة لينظر في زكاتها ويحوطها، قال ابن نافع: فأما هذه الأشياء فليس فيها زكاة، ولو كان يلي هذا لكان له أنه ينظر فيما يخرج من البحر من العنبر واللؤلؤ.
قال مالك في رواية ابن القاسم: ولا يجوز بيع المعادن، لأنه إذا مات الذي عملها أقطعها الإمام لغيره، وقال عنه علي: لأنه لا يدري ما تحت ما ظهر به، قال سحنون: هذه العلة، وأما هذا الذي ذكر ابن القاسم أنه إن مات أقطع لغيره، فكيف يكون هذا إن لم تكن فيه بينة؟ ينفق النفقة العظيمة فإذا أدرك النيل مات فيذهب عمله باطلا، وقد قالوا في المجعول له على حفر بئر، يحفر بعضها ثم يدعها: أنه إن أتمها رب البئر وانتفع بما عمل فللأول بقدر عمله، وقال في موت العامل في القراض أن لورثته أن يتموا العمل فيه إن كانوا أمناء، أو أتوا بأمين، وهذا يشبه الجعل، وقال في المساقاة: وهي سنة الإجارة. يقال لورثته: إن شئتم أن تعملوا لتمام ذلك فذلك لكم، وإلا رجع/الحائط إلى ربه، وقال بعضهم: بل يلزمهم ذلك في ماله.
[10/ 497]

(10/497)


وقال بعض أصحابنا: إذا مات صاحب المعدن فهو لورثته، كبئر الماشية يموت صاحبها أن لورثته أن يسقوا منها بقدر سهامهم فيها، ولا يجوز بيع المعدن ولا بيع بئر الماشية له ولا لورثته، وإن أحق بالبئر حتى يروا.
ومن أسلم مصابته من الورثة من أو المعدن فإن مصابته لعامة الناس، ويقطع ذلك الإمام من يراه، يريد: في المعدن. وقال غيره: إن مات صاحب المعدن فلير الإمام فيه رأيه، فإن كان ورثته يقومون على العمل. يتركه لهم، وإلا أعطاه لغيرهم، قال: وقال لي مالك: إن عمر قال لهم في معادن القبلية: أقطعتم ما لم تقووا على عمله فتركتموه، فأخذ منهم بعضه. فترك لهم ما يقوون على علمه.
قال ابن نافع: سئل مالك عن معدن بني رجلين تركاه وعطلاه نحوا من أربعة أشهر ثم جاء أحدهما إلى والي المعدن يسأله أن يقطعه إياه ففعل، ولأهل المعادن في ذلك سنة، قال: لا أدري ما سنتهم، أرى إن قام عليه شريكه بحدثان ما أقطع لشريكه أو بعد أن عمل فيه بئرا، فله الدخول فيه معه، وأما إن تركه وهو ينظر إليه حتى عمل وكثر عمله ثم أدرك خيلا، ثم قام عليه فلا شيء له، كما لو أقطع لغيره. وهذه المسألة من أولها في العتبية من سماع أشهب عن مالك.
في بيع الأعراب مسلماتهم وقسمتها
من المجموعة: قال مالك في واد بين مسلمات الأعراب أرادوا قسمتها بغير محاكمة إلى سلطان فليس لهم ذلك كله، إنما ذلك لهم فيها يجوز لهم بيعه فيه كمصرف العيون والمسيلات الصغار، يعنى ببيع المسيل والسيلات: جمع مسيل، ومصرف العيون: بعض الوادي، قال: (إلا) أنهم يبيعون ما لا يستأصله كله على من لم يأت من المسيل أو على من يعود من الغيبة، لأن ملكه إياها كالعمري ولا يقتسمونه على المواريث ولم يقسم منه لكان الإسلام واد من أودية العرب، قلت:
[10/ 498]

(10/498)


فإن باع القوم من مسلماتهم وحيث امتنع أن يقطع مما قاربهم وفي أوديتهم، وهل ينتظر الغائب؟ وهل يتبع بعضهم دون بعض من رجال أو نساء؟ قال: البيع في هذا أفسخ منه في حقوق الملك المشترى والموروث، لأن تلك مسلمات الإعراب إنما هو نفي الضرر عنهم من داخل يدخل عليهم ولا هو مما تجرى فيه المواريث ولا تدخل فيه الزوجات ولا مهور النساء ما لم بيع أو يحييه أهله بعمارة أو بئر غير بئر الماشية أو من زرع، فإذا أحيي أو بيع أو وهب فقد صار ملكا لغيره من ملك العروض، فإذا باع ذلك الحاضرون وقد جلا آخرون وقطعوا فلا شيء لهم فيه إلا من خرج على أن يرجع لحاجة أو حج أو غيره إلا أن يبيعه الحاضرون والرجال منهم. فإذا بيع دخل فيه مع الرجال النساء والصغير مع الكبير، ولا يفضل فيه أحد على أحد، ولا يسلك به سبيل المواريث ولا شيء فيه للنساء قبل البيع، فإذا بيع دخلوا في الثمن، ولا يدخلون في دية العمد، ولا شيء لهم في الدم، ولا شفعة فيما بيع من هذا الطارئ، يريد: ممن قد يحلا، ولا لمن ولد من الآن، لأن الملك فيه ليس كسائر الأملاك. وفي باب الكلأ مسألة من هذا الباب مستوعبة.

باب في إحياء الموات من الأرض، وشيء من ذكر القطائع
من المجموعة وكتاب ابن حبيب: روى ابن وهب وغيره، عن هشام بن عروة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أحيى أرضا ميتة فهي له، وليس لعرق ظالم حق قال ابن سحنون عن أبيه: وقد وصله محمد بن عبد الرحمن عن عروة عن
[10/ 499]

(10/499)


عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن وهب. قال هشام بن عروة في هذا الكتاب: العرق الظالم هو أن يغرس في أرض غيره. قال مالك: هو أن يغرس أو يحتفر أو يتخذ بغير حق، قال عنه مطرف وابن الماجشون في هذه الكتاب: أو ابتنى، قالا: وقال ربيعة: العروق أربعة: عرقان فوق الأرض: الغرس والبناء، وعرقان في جوفها: المعادن والمياه، فكل بناء بني أو غرس غرس أو معدن احتفر أو ما انبسط في حق امرئ مسلم فهو من ذلك، قال عروة في كتاب ابن سحنون نحوا من قول ربيعة إلا أنه قال في الباطنين: البئر والعين. قال مالك في هذه الكتب: ومعنى الحديث في فيافي الأرض وما بعد من العمران.
قال ابن سحنون عن أبيه: قال مالك وأهل العلم: ما علمت اختلافا بينهم أن من أحيى أرضا ميتة في فيافي الأرض وأطرافها في بعد من العمران والقرى بغير إذن الإمام أن ذلك له ملكا تاما كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبه قضى عمر بن الخطاب، واختلفوا فيمن أحيى فيما قرب من العمران والقرى: فقال كثير من العلماء من أصحابنا وغيرهم: له ذلك بغير إذن الإمام، وقال آخرون: ليس له ذلك إلا بأمر الإمام ونظره.
قال مطرف وابن الماجشون: إن من أحيى أرضا ميتة لاحق فيها لأحد ولا ضرر فيها على أحد مما بعد من العمران، وحيث لا يتشاح الناس فيه من الفيافي والصحاري ولا ماله أهل القرى المسكونة بمراعيهم ومحطبهم، فهي له، وإن كنا لا نأمر أحدا أن يحيى مواتا إلا بإذن الإمام، ولكن إن فعل في هذه الفيافي فهي له، وأما إن أحيى مواتا بقرب المدائن والقرى ونحو العمارة بغي قطيعة الإمام. فليس ذلك له، ولينظر فيه الإمام. فإن رأى إبقاءه له، فذلك له، وإن رأى أن يزيله ويقطعه غيره، أو يبقيه للمسلمين، فعل، ويعطيه قيمة ما عمر منقوضا إن شاء ذلك الإمام أو من يقطعه إياه، وإلا أمره بقطعه.
[10/ 500]

(10/500)


قال أصبغ: له إحياء البعيد من العمران بغير إذن الإمام، فأما ما قرب فلا، فإن فعل بغير إذنه أمضيته ولم يتعقبه - قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: أحب إلي أن ينظر فيه الإمام بما رأى، وقاله ابن القاسم، ورواه عن مالك، وقاله ابن نافع.
ومن المجموعة: قال أشهب: من أحيى مواتا فهو له على ما جاء في الحديث، قرب من العمران أو بعد، واستحب له فيما قرب من العمران أن يسأذنه فيأذن له ما لم يكن فيه على أحد ضرر، ولا يستأذنه فيما بعد من المعمران، لأنه لو منعه من ذلك لكان ذلك ظلما.
قال ابن سحنون: وقرأت على سحنون من الشعري المذكور، عن ابن القاسم أن ما كان قريبا من القرى مما تلحقه الماشية بالرعي في غدوها ورواحها، وهي لهم مسرح ومحطب، فلا يدخل ذلك في هذا الحديث. قال: ولأهل القرى قسمة الشعري بينهم على عدة القرى بالسواء لا تفضل قرية كبيرة على صغيرة، ويكون لكل واحدة ما يقع لها من تلك الشعري مما يليها، وقد يغل ما يقع لها يكرم ما يليها من الشعري، وقد يكثر لدناتها، فأنكر سحنون قوله: تقسم الشعري وقال: المعروق لمالك وابن القاسم خلاف هذا: إن ما قرب من العمران لا يحييه إلا بقطيعة، فإذا جعله في هذه الرواية عن ابن القاسم ملكا لأهل القرى يقتسمونه، فكيف يقطعه الإمام لمن يرى؟ فالمعروف لابن القاسم غير هذا وعلى ما قلت لك، وهو قول ابن كنانة وأشهب وغيرهما: إن الشعري والمسارح إن لم يكن لها مالك حتى يغير المرعى والمحتطب فهي كالموات، فما كان منها بقرب العمران فلا يجوز لأحد أن يحييه إلا بأمر الإمام ينظر فيه، فما كان على أهل القرى فيه ضرر من مرعى ومسرح ومحتطب ونحوه منع منه. قال سحنون في المجموعة: وسواء كانت أرض صلح أو عنوة، أو أرض أسلم عليها أهلها.
[10/ 501]

(10/501)


قال ابن كنانة في أرض متقاربة أو متباعدة بينهم مسارح تجمع فيها مواشيهم، هل لبعضهم عمارة تلك المسارح بالغرس والحرث؟ وهل ملك المسارح بينهم بالسواء، أو لبعضهم دون بعض، فمن قرب منها كان أكثر أرضا وعمارة؟ فقال: لا يقسم ذلك بينهم، لأن لكل واحد منهم أن يرعى في جمعه، ولو قسم لكان من بيع الكلأ المنهي عنه، فلا يجوز أن يحيى من ذلك بالغرس إلا ما لا يضر من ذلك بأهل القرى في مسارحهم وأمورهم تسعه البلاد وبعد ذلك من العمارة، فأما ما قرب من العمران فلا يحيى إلا بإذن الإمام.
ومن المجموعة: قال سحنون: وقد أقطع عمر العقيقة وهو قرب المدينة، فلم يؤخذ إلا بإقطاعه لقربه، قال: ومسافة يوم عن العمارة بعيدة.
ومن الكتاب ابن سحنون: قلت: فهل لما قرب من العمران أو بعد حد معلوم؟ قال: ما رأيت من وقت فيه من أصحابنا. وأرى ما كان من العامر على اليوم وما قاربها مما لا تدركه المواشي في غدوها ورواحها، وما نتقطع فيه الحجة بضيق المسرح، فأراه من البعيد ومن الفيافي، وأما ما تدركه المواشي في غدوها ورواحها، أو في غدوها ثم تروح، أو أبعد من ذلك قليلا مما فيه المرفق لأهل الغامورة فذلك يدخله نظر السلطان. فلا يحيى إلا بإذنه بعد اجتهاده ونظره ومشورته أهل الرأي.
ومن المجموعة: قال سحنون: وإن أتى قوم من قرية بعيدة من العمران فأحيوا فيها وعمروا، ثم أتى آخرون فأرادوا أن يحيوا معهم وبقربهم فلا يفعلوا إلا بإذن الإمام، لأنها قد صارت عمارة، فلا يعمر أحد بقربهم فيما عليهم فيه ضرر، ولكن يكون بإذن الإمام واجتهاده فيما لا ضرر فيه على الأولين.
قيل لعبد الملك في أرض أسلم عليها أهلها: أيقطع فيها الإمام؟ قال: أما في أطرافها حيث لا يبلغه المرعى والمسرح فيقطعه لمن يرى فيما لا يضر بأهل
[10/ 502]

(10/502)


العمران، قلت: فهل يكون ذلك لحي من العرب يدخلون به في اسم غيرهم؟ قال: ما سمعت أنه يكره ذلك لدخول/بعض أحياء العرب على بعض، وإنما تكون القطائع في ذلك لغير المواشي، ويدخلون غير المرعى ماء العيون، والمعادن والازدياد من حي في أطرافه مسلماتهم لمواشيهم، فلا بأس به، ولا أعلم ذلك يكون لحي من العرب على حي، وقال بعض أصحابنا: إنما ذلك في الحيين من العرب يتجاوران فيضيق بأحدهما حيزه، ويكون حيز الآخر واسعا، فيريد أن يقطع له من أطراف مسلم الآخر فيزاد في مسلمه للمرعى، فهذا ليس لهم، ولا فيما مضى من شأنهم أن يدخل حي على حي إلا يريدوا أن يجروا العين تحت الأرض ما مسلم غيرهم وليس مما يضر به، فلا بأس به.
قال ابن الماجشون: وقال بعض أصحابنا فيمن حفر بئرا على طريق مسلوكة في مسلمات الأعراب فتصدق بها: أنه نافذ وإن لم يكن بقطيعة، وإن كان على غير الطريق لم يجز إلا بقطيعة من السلطان، وليردم إلا أن يكون بأطراف البلاد حيث لا يتكلم فيه أحد.
وروى ابن وهب أن عمر بن عبد العزيز قضى بين بني حارثة وهوبالربذة وقد تشاجروا في المنازل، فحكم أن ينزل بعضهم على بعض على مائتي ذراع، بحيث لا تتبين امرأة ولا يسمع كلام لحي.
قال ابن سمعان: سمعت رجالا من أهل العلم يقولون: كانت أحياء أهل البادية إذا نزل بهم القول يريدون المقام معهم ميلا في ميل لمراتع بهمهم ولقاحهم ومرابط خيولهم ومخرج نسائهم إذا كانت الأرض مهمه، وإن كانت قفرة فحريم القلب العلوية خمسون ذراعا، وحريم النواي خمسة/وعشرون ذراعا وتصرف حمامتان لهم لماشيتهم، وماشيتهم إلى ناحية على حده شرقا أو غربا أو غير ذلك،
[10/ 503]

(10/503)


فإن ضاقت الأرض فهي بينهم بالحصص إلا أن يكون لأحدهم حق ثابت فيمنع له حريمه، ولا يمنعه فضل الماء ليمنع به الكلأ، فكان سحنون يعجبه حديث ابن سمعان هذا.
في أهل إذا أحيوا أرضا ميتة
ومن المجموعة: قال ابن القاسم: ومن أحيى أرضا ميتة من أهل الذمة في أرض موات الإسلام، فذلك لهم، لقوله صلى الله عليه وسلم: من أحيى أرضا ميتة فهي له إلا أن يكون ذلك في جزيرة العرب لقوله صلى الله عليه وسلم: لا يبقن دينان في أرض العرب ولذلك أجلاهم عمر.
قال مالك: وجزيرة العرب: الحجاز ومكة والمدينة واليمن. وقال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون مثله، قالا: أن عمر نفى بين مكة والمدينة وجزيرة العرب والحجاز كله والحرد واليمن، أعطي قيمة عمارته وأخرج، فإن عمر في غير ذلك في بعد من العمران فذلك لهم، فأما في قرب العمران فإنه يخرج ويعطى قيمة ما عمر منقوضا، لأن الذمي ليس ممن يقطعه الإمام، لأن ما قرب من العمران كالفيء، ولا حق لهم في الفيء.

فيما يكون من العمارة إحياء، وما قطع بقرب من العمران هل يحتاج إلى إحياء؟
من المجموعة وكتاب ابن سحنون: قال مالك: وإحياء الأرض أن يحفر/فيها بئرا أو يجري عينا.
[10/ 504]

(10/504)


ومن الإحياء: غرس الشجر والبنيان والحرث، فما فعل من ذلك فهو إحياء وقاله ابن القاسم. قالا: وكذلك لو سبل عنها.
قال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون: الإحياء في الموات البعيد عن العمران: حفر الآبار، وشق العيون، وغرس الشجر، وبناء البنيان، وتسييل الماء عن الردعة من الأرض، وقطع الغياض، والفحص عن الأرض مما تعظم مؤونته، وتبقى منفعته حتى يصير مالا يعتد به، وتبقى منفعته، فهذا وشبهه إحياء.
ومن كتاب ابن سحنون: قال ابن القاسم وأشهب وجميع أصحابنا لا يكون الرعي إحياء، قال ابن القاسم: ولا حفرهم بئرا لماشيتهم إحياء، وهم أحق بمائهم، وما فضل فالناس فيه سواء. وقد قال أشهب: إذا نزلوا أرضا فرعوا ما حولها فهم أحق بها من غيرهم، وذلك إحياء، لأنهم قد راعوا وينظرون أن يزرعوا فلم يعجب سحنون قول أشهب.
ومن المجموعة: ذكر عن أشهب مثله وقال: ألا ترى المعدن إذا حازه فعمل فيه كان أحق به ما أقام عليه؟ كذلك هذه، ذلك إحياء لها ما اقاموا عليها غير معطلين لها، فإن عطلوها فالناس أحق بها.
قال ابن كنانة: سبب أن له ثمرة بموضع كذا إلى موضع كذا، فليس هذا بشيء. قال ابن القاسم: وليس التحجير إحياء. قال أشهب: وقد روي عن عمر أنه ينتظر به ثلاث سنين وأنا أراه حسنا، ثم من أحياها بعد فهي له. قال: ولو أخذ غيره في إحيائها فقام عليه يحجرها فأراهما فيها شريكين.
[10/ 505]

(10/505)


ومن العتبية م رواية يحيى بن يحيى عن ابن القاسم وذكره ابن عبدوس فقال: وقال غيره: ومن أقطعه الإمام/أرضا بقرب العمران كانت له وإن لم يعمرها، ويبيع ذلك إن شاء ويورث عنه.
ومن المجموعة: قال أشهب: ومن تحجر أرضا بعيدة من العمران، فلا يكون أولى بها من أحد، حتى يعلم أنه تحجرها ليعملها إلى أيام يسيرة حتى يمكنه العمل، ولو لم يتحجره حتى يقطعه من الناس ليعمله يوما ما، ولو تحجر كثيرا وعمل فيه يسيرا، فهو كمن تحجر يسيرا وأخر عمله، فإن كان قويا عليه وإنما أخره لأيام تتبين فيه الأرض، أو أخره لغلاء الأجر أو نحوه من العذر الذي يؤخر له الناس أعمالهم، فذلك له، إن رأى أنه إنما تحجره وهو لا يقوى عليه، فله منه ما عمر، ويشرع الناس فيما لم يعمر. وروى ابن وهب أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث ما بين الصخر والبحر، ومعادن القبلية، فقال له أبو بكر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطعك ما لا تطيق، فخل بيني وبينه أقطع فيه، فقال: اقطع ما بدا لك، فأقطع فيه، وبقي لبلال. وفي حديث آخر: أنه أقطعه من العقيق ما يصلح فيه المعتمل، فلم يعمله، فقال له عمر: إن قدرت عليه فاعمله، فما عملته فهو لك، وإلا أقطعته للناس. فقال: قد أقطعنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم اشترط عليك فيه شرطا، فأقطعه عمر ولم يكن اعتمل فيه بلال شيئا.
قال ابن كنانة فيمن نزل منزلا فلم يعمر فيه غير منزله، فأراد رجل أن ينزل إلى جانبه فمنعه، قال: ليس له أن يمنعه، وليس للباني أن يضر به فيما عمر، وليس للحريم حد إلا ما يمنع من الضر.
قال ابن القاسم وأشهب: وليس حفر بئر الماشية إحياء/، ولا يمنع فضل مائها، وهو الذي جاء فيه: لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ. قال أشهب:
[10/ 506]

(10/506)


وهذا في ارض الأعراب حيث المراعي، فإذا كانت البئر لا تملك وله النفع به فليس بإحياء، وأما من حفر بئرا بفلاة من العمران، ثم جاء آخرون فنزلوا قربه، فإنهم يمنعون مما يضر به.

فيمن أحيى أرضا مواتا ثم استحقت، أو أحياها ثم عطلها فدثرت، فأحياها غيره، ومن أقطع أرضا فتركها حتى عمرها غيره بإقطاع أو غيره
من كتاب ابن حبيب وغيره: ذكر حديث حميد بن قيس فيمن أحيى أرضا مواتا لا يظنها لأحد، ثم أتى من يستحقها بالبينة، فقضي عمر أن لرب الأرض إن شاء أعطى الذي عمر قيمة ما أحدث فيها، وإلا أعطاه الآخر قيمة أرضه. ومن رواية مطرف أن الصديق قطع لرجل أرضا فأحيى فيها وعمر وغرس، ثم جاء آخر بقطيعة من النبي صلى الله عليه وسلم ثم اختصما إلى عمر فقضى للأول أن يعطيه فيه ما عمر وأحيى ويخرجه، فقال: لا أجد، فقال للآخر: أعطه قيمة أرضه بيضاء، فقال: لا أجد فقضى أن يكون ذلك بينهما، هذا بقيمة الأرض، وهذا بقيمة العمارة، وبهذا الحديث أخذ ابن القاسم.
قال مطرف وابن القاسم: إن قول مالك والمغيرة وابن دينار وغيرهم من علمائنا أن ليس للذي عمر أن يعطي لرب الأرض قيمة أرضه إذا أبى رب الأرض أن يعطيه قيمة عمارته، ولكن إذا أبى رب الأرض أن يعطيه قيمة العمران كانت الأرض بينهما، هذا بقيمة/أرضه براحا وهذا بقيمة عمارته قائمة، وتفسير ذلك أن تقوم الأرض اليوم براحا، ثم تقوم الأرض بعمارتها، فما زادت قيمتها بالعمارة كان العامل به شريكا لرب الأرض، وهذا مستوعب في كتاب الاستحقاق.
[10/ 507]

(10/507)


ومن المجموعة: قال ابن القاسم: بلغني عن مالك فيمن أحيى أرضا بالعمارة فتركها حتى عفت آثارها وهلكت أشجارها، وطال زمانها ثم أحياها بعد ذلك غيره، إن الثاني أحق بها إذا أحياها. قال ابن القاسم: وهذا فيمن أحيى في الموات فيما ليس بأصل ملك له بخطة أو شراء، فأما ما كان له فيه أصل ملك: فهذا ليس لأحد إحياؤه، وهو الذي جاء فيه حديث حميد بن قيس.
قال سحنون: من عمر أرضا مواتا فقد ملكها لا تخرج من يده بتعطيله إياها. وإن عمرها غيره فالأول أحق بها. قال ابن عبدوس: قلت له: ولا يشبه الصيد الذي صاده رجل ثم نذ واستوحش فصاده آخر؟ قال: لا.
ومن العتبية: قال أشهب عن مالك: وسأله رجل فقال: إن عاملنا أقطعني أرضا أربع مائة ذراعا من حد كذا إلى كذا، فغيب عنها فوثب عليها رجل يعمرها وبنى فيها، فقدمت فقمت في ذلك، فقال: لا أراك حزت ما أقطعك بعمارة ولا نماء حتى عمرها غيرك، فأمرك ضعيف. قال: كنت غائبا. قال: كم غبت؟ قال: ثلاثة أشهر، قال: فما أعلمه أحد بقطاعك؟ قال: ما أدري، قال: فلعمارته مؤنة؟ قال: نعم بنى فيها حوانيت. قال: من أقطعك؟ قال: والينا. قال: فمن أذن له أن يقطعك، أمرك ضعيف، فارفع ذلك إلى/السلطان.
قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: ومن أحيى مواتا بما يحيى به مثله ثم تركه حتى عفت آثاره، ويبست أشجاره، وغاضت مياهه، وعاد مواتا كما كان، وأحياه غيره، فإن كان بحدثان ترك الأول إياه وبحوالة عمارته، فهو للأول، ثم ينظر للثاني، فإن عمر عن جهل بالأول فهي شبهة، وله قيمة عمارته قائمة، فإن كان عن علم بالأول، فإنما له قيمة نقضه، قالا: وإن عمرها عن طول ترك الأول لها، وكان تركه كالإسلام لها وترك إعادتها فهي للآخر، غير أنه ينبغي للإمام أن ينهي أن يفعل مثل هذا دونه لأنه ذريعة إلى إدخال الشبهة في عمرانهم وقطائعهم، قالوا: وسواء أحياها الأول بإذن الإمام أو بغير إذنه. قال: وإن ادعى الأول تركه لها لم يكن إسلاما لها، وأنه كان على إحيائها، فلينظر، فإن كان بعد العهد وطال
[10/ 508]

(10/508)


جدا بعد أن عفت، فلا قول له، وإن قرب العهد فذلك له، قالا: وإن أقطعه الإمام أرضا ولم يقدر على عمارتها فليس له أن يحجرها عن الناس، وللإمام أن يقطعها غيره ممن يقدر على عمارتها، كذلك لو تحجر أرضا حيث يجوز له الإحياء بغير إذن الإمام، فلا يجوز له أن يحجر ما يضعف عن عمارته، وللإمام أن ينظر فيه، فإن رأى أن له قوة على عمارته فيما قرب من عامين وثلاثة خلاه، وإلا أقطعه لغيره. قال: والذي يقطعه الإمام أرضا فلم يقو على عمارتهما فله أن يبيعها ويهب ويتصدق ما لم يكن في عجزه عنها فيقطعها لغيره. ومن هذا في باب ما يكون في العمارة إحياء.

في الشعري والبور يكون بين القرى أو قريبا منها/هل لهم قسمة ذلك؟
وكيف يقسم؟
ابن حبيب: اختلف أصحابنا في قسمة الشعري والبور بين أهل القرى المحيطة والشارعة إليها، ولم يجتمعوا على القضاء بقسمته، فقال ابن وهب وأشهب: لا يقسم بينهم، اجتمع رأيهم على قسمتها واختلفوا، لأن البور والمسرح ليس لهم، وهو من أعفا الأرض، وفيه لكل المسلمين حق في مناخ لهم لإبلهم ومرعى دوابهم من المارة وغيرهم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ فإذا قسموه فقد منعوا الكلأ يجوز كل واحد منهم حظه إلى قريبه، وكذلك قال اصبغ إنه لا يقسم البور بين تلك القرى لأن فيه منفعة المارة في الرعي، وهو كالكلأ في الفيافي، لا يجوز منعه، إلا أن يكون البور في داخل حوز كل قرية قد أحاطت به حدودها، فهذا يقسم بين أهل القرية إن شاءوا، فأما الذي أحاطت به القرى وحد كل قرية ينتهي إلى البور ثم يقف، والبور بائن من القرى فلا يقسم، وإن اجتمعوا على ذلك، فأما الذي في داخل حدود القرية فلهم قسمه كالساقية للدور، قال:
[10/ 509]

(10/509)


فإن أحبوا قسمه فلا يقسم بمراد بعضهم حتى يجتمعوا كلهم وقسم بتراض منهم، أو يجتمع على قسمه رؤساء القرية ومن إليه أمرهم فيقسم على قدر ما لكل واحد من أهل القرية، وقال داود بن سعيد بن دينر صاحب مالك: نحو قول أصبغ، وقال ابن الماجشون في البور الذي أحاطت به القرى فلهم قسمه إن أحبوا، ومن دعا منهم إلى قسمه قضي له على الباقين بالقسم، وليس ترك من كان قبلهم يمنعهم قسمه، وقاله مطرف وابن القاسم، وقد وصف محمد بن يحيى النسائي لمالك شعري الأندلس، وسأله عن ذلك فقال: يقسم إذا طلب ذلك بعضهم ثم لمن شاء أن يبور سهمه، ومن شاء اختزنه.
وقال ابن نافع مثله.
قال ابن حبيب: وقسمه الشعري بين أهل القرية إذا تداعوا إلى ذلك لأنها أفنيتهم. وإنكاح قريتهم، ومحطهم، ومسارب ماشيتهم، ألا ترى أنه ليس للسلطان أن يقطع منه لأحد شيئا، لأنه حق لهم كالساحة للدار أو الدور فهي لهم إذا أحبوا قسمها أو دعي إلى ذلك بعضهم، وكانت تحمل القسم لسعتها، فلتقسم بخلاف العفاء فيما بعد من القرى مما لا تناله الماشية من الغدو والرواح، ولا ينال منه الاحتطاب إلا بالكلفة. فذلك لا حق فيه للقرى التي تجاوره إلا بقطيعة من الإمام يقطعه أهل القوة على إحيائه منهم أو من غيرهم إن رأى ذلك أرفق بالناس، وإن رأى أبقاءه عفاء أبقاء، وكذلك فسره مطرف وابن الماجشون، وقيل: ومثله عن ابن القاسم.
قول ابن حبيب: ليس للسلطان أن يقطع منه أحدا شيئا.
لا يصلح، لأن ما قرب من العمران لا يحيى إلا بقطيعة من السلطان، هذا قول أصحاب مالك، وقال بعضهم: يجوز أن يحييه بغير إذن الإمام، وأما قوله: فيما
[10/ 510]

(10/510)


بعد مما لا تناله الماشية في الغدو والرواح، فإنه لا حق فيه للقرى التي تجاوره إلا بقطيعة من الإمام، فإن كان يريد قرى غير هذه تجاوره في الشعري التي أحاطت بها القرى أن ذلك يقسم، لأنه ليس للسلطان أن يعطيه لأحد، فقد نقض قوله: أن ذلك كساحة الدار، وإن دعا أحد/إلى قسمتها فذلك له، فهذا لا يصح ولا يقسم إلا باجتماعهم وتراضيهم، ولو قسمت بالسهام وقع نصيب هذه قبالة باب هذه، كذلك قال سحنون، قال سحنون: وفيها قول أنها تقسم إذا اجتمعوا بغير سهم، ويعطى كل واحد منهم نصيبه قبالة بيته، وروى ذلك عن مالك.
ومن كتاب ابن سحنون: قرأت على سحنون من كتاب الشعري من القرى مما تلحقه الماشية في الغدو والرواح فهو لهم مرعى ومحتطب ن فلا يكون لمن أحياه، ولأهل تلك القرى قسم تلك الشعري بينهم على عدد القرى، لا ينظر إلى صغر قرية ولا كبر أخرى، فتأخذ كل قرية منابها مما يليها بالسواء، وقد يقل ما يقع لقرية لكريم ما يليها من الشعراء وقد يكثر لدناءتها، فأنكر هذا سحنون وقال: المعروف لمالك وابن القاسم وغيره خلاف هذا، وذلك أن الناس لم يختلفوا فيما بعد من العمران أنه يحيى بقطيعة من الإمام، واختلفوا فيما قرب فقال كثير منهم من أصحابنا وغيرهم: أن للرجل أن يحييه دون إذن الإمام، وقال الآخرون: لا يحييه إلا بقطيعة من الإمام، وهذا خارج من هذين القولين، فإذا كان لهم أن يقسموه فلا معنى لنظر السلطان وإقطاعه.
ومن العتبية: روى محمد بن خالد عن ابن القاسم في مسرح أراودا قسمته قال: ليس ذلك لهم ولا تقسم المسارح، إنما تقسم الأرضون.
وروى عنه أصبغ في قرئ أحاطت بفحص عظيم أكثره بور يرعى فيه ويحتطب، أرادوا قسمه، قال:/ليس ذلك لهم، ويبقى مرعى لهم ولمن بعدهم، وللمارة.
قال ابن سحنون: قرأت عليه من هذا الكتاب: وإذا كانت الشعري بين القرى، والقرى يسرعون إليها بمواشيهم واحتطابهم، وبعضهم أقرب إلى الشعري من

[10/ 511]

(10/511)


بعض، فأرادوا قسمتها، فإنها تقسم على عدد القرى، وذكر مثل ما تقدم، قال: كذلك الشعري يكون للقرية القريبة منها مثل ما يكون للبعيدة من هذه القرى، وإن كانت على ثلاثة أميال ونحوها، ومبناهما متصل بتلك الشعري، فلها في القسم حصتها على عدد القرى يأخذه من ناحيتها، وإنما قسمته على عدد القرى، وجعلت حد الصغيرة والكبيرة سواء لما جعلت لمن بقي منهم ولعلها لبعضهم دون بعض وكلهم يدعيها، فيعطى أهل كل قرية ما يقع لهم مما يليها إن كريما فبقيمته، أو لئيما فبقيمته، قال: لو كان يقطع بين أرض هذه القرى البعيدة وبين الشعري نهر عظيم، أو جبل صخر لا نفع لهم فيه، فلا يدخل أهل القرية في قسم الشعري إلا أن يقيموا بينة أن لهم فيها حقا.
قال سحنون: قد أعلمتك بقول ابن كنانة وأشهب وابن وهب وابن نافع أنها لا تقسم وإن اجتمعوا على قسمها، ابن نافع إلا أن تكون الشعري لهم بوراثة، أو شراء، أو ملك بوجه من الوجوه، فله قسمتها بقدر ملكهم فيها، وإن كانت على غير ذلك فهي إلى الإمام وله أن يقطع فيها من يرى.
قال سحنون: وإذا لم يكن لهم فيها إحياء إلا بالمرعى والمسرح والمحتطب/فليس ذلك مما يوجب الملك الذي يوجب القسم، ولكن يبقى على ذلك، ومن أراد الإحياء فيها بالعمارة فيأذن الإمام على اجتهاده مما لا يضر بأهل القرية في مرافقهم منها. قال سحنون: وفي بعض ما ذكر ابن القاسم في القرية التي حال بينها وبين الشعري صخرة أو نهر ما يدل على صحة قول ابن كنانة ومن معه، لأن ابن القاسم لم يجعل لتلك القرية المرعى والمحتطب في الشعري حظا في قسمتها، وكذلك قوله: وقبسمتها بينهم، إذ لا أدري لمن هي منهم وكلهم يدعيها، فهذا يدل على أنها لهم بملك غير الإحياء بالرعي والمحتطب، ولو كان ذلك بإحياء الرعي والمحتطب ما ساوى بين القرية الصغيرة والكبيرة في القسم.
وقال عبد الملك: يقسم بينهم، ويدخل معهم أهل القرية التي قطع بينهم وبين الشعري نهر أو جبل أو صخرة. قال عنه ابن حبيب: نهر أو محجة أو
[10/ 512]

(10/512)


جبل، أوصخرة أو حرة لا تحرث، ويعطي كل قرية ما يقطع لهم مما يليهم كان لئيما أو كريما بالقيمة لأن أخذ ما يليهم أرفق بهم.
قال في كتاب ابن حبيب: ويعطى أهل كل قرية منفردة حظهم مما يلي نهرهم أو حرثهم القاطعة بينهم وبين الشعري، وذكر ابن حبيب قول ابن القاسم: أنهم لا يدخلون معهم، واختار قول ابن الماجشون. قال سحنون: فلو قال عبد الملك: إن السلطان يقطعهم ذلك بينهم لئلا يضر بهم من يحييه من غيرهم لكان وجها، وقد خلط في بعض قوله فقال: فادعى أهل القرية التي خلف النهر أو الصخرة أن لهم في الشعري حقا معهم،/وقال أهل القرى: إن الذي يصل لهم منا ناحية منزلهم صادف كرما أو دناءه. قال سحنون: فصار هذا كإقرار منهم أن للمنفردة منهم في الشعري حقا.
قال ابن القاسم في كتابة هذا: وإذا كانت قرية تلي أرضها الشعري وقرى خلفها قد انقطعوا من الشعري بأرض هذه القرية، أو بحور معروف، أو بجبل صخرة فأهل القرية التي تليها أحق بها ولا يدخلون معهم فيها، وإن يرعون فيها، ولا يوجب المرعى حقا فيها إذا لم تتصل أرضهم بها، ويقسمها أهل هذه القرية على قدر أملاكهم في القرية، فكذلك تقسم بينهم الشعري بالقيمة والسهم، ولم يجعل ذلك مثل القرى حول الشعري فيدعونها فتقسم بينهم بالقيمة بلا سهم يأخذ كل واحد مما يليه.
ومن المجموعة وكتاب ابن سحنون: وسئل أشهب عن الشعري يكون مسرحا لماشية ومحتطبأ ولبعض القوم حرفه في بعض ذلك المسرح بيعده من القرى لها بياض يسير هل يعطى من المسرح بقدر بياضها في القسم؟ قال: لا تقسم الشعري وإن اجتمعوا على ذلك؛ لأن هذا من العفاء، ولعامة المسلمين فيه حق في الرعي والمراح والمادة وغيرها، وقسم ذلك مع الكلأ فأشبه ما نهي عنه
[10/ 513]

(10/513)


من منع فضل الماء ليمنع به الكلأ، ولو أجزت قسمتها جعلت لصاحب القرية الخربة بقدرها من قراهم، ولم أر القسمة فيها قسمة مضرة من تضييق الواسع وخراب العامر إلا باجتماع منهم، ولكن لا يجوز قسمتها لأنها ليست لهم وهي من العفاء. قال:/قال نحوه ابن وهب.
وقال ابن وهب في قرى أهل يريدونهم أو من اشترى منهم أو من غيرهم أن يمنعوا في شعراهم ما أحيوا أو غرموها. قال: لا يمنعوا من ذلك.
قال سحنون: سألت ابن نافع عن قول أشهب وابن وهب قال: إن كانت الشعري لأهل القرى بوراثة أو شراء أو بوجه من الوجوه، فلهم قسم بورها، وإن لم يكن ذلك فذلك للإمام يقطعه من شاء، قال ابن سحنون: فرأيت سحنون ينحو إلى معنى ما روي عن ابن القاسم في قسم الشعري: أنه بمعنى ما ذكر ابن القاسم.
نافع: إنه إذا ذكر أهل تلك القرى أن الشعري بينهم بملك أو وراثة أو أمر قد سمع وتقدم عهده فقدت فيه البينة. قسم ذلك على دعواهم من الملك وهو وجه ما ذكر. عبد الملك أنه قال في الشعري بين القرى: إذا كان أهل القرى يدعونها لا ينازعهم فيها أحد، وكان قد تحقق أنها لهم دون غيرهم بسماع من الناس يترجح بذلك فأراها لهم دون غيرهم، فإن قسموها فإنما تقسم على عدد القرى الكبيرة والصغيرة سواء مما يقع عليها اسم قرية، ويعطى أهل كل قرية نصيبهم مما يليهم، ولا ينقص هؤلاء لكرم ما يليهم، ولا يزاد هؤلاء لدناءة، وكذلك قال ابن حبيب عنه من أول المسألة وزاد من كتاب ابن حبيب بغير تقويم وإن اختلفت في الكرم والدناءة، والشعري بين القرى كالأفنية بين الدور، قال في
[10/ 514]

(10/514)


الكتابين: لأن ذلك لو عدل بالقيمة والزرع لاستفاض ودخل بعضهم على بعض. قال في كتاب ابن حبيب: إلا أنه لا يضر بهم/ولا يدخل بعضهم على بعض بالتعديل لسعته، فيعدل بالقيمة. ويزاد في اللئيم، وينقص في الكريم ما كان فيما يلي كل قرية ما ينتفع به، ولم تدخل واحدة على الأخرى بالتعديل ضررا، فإذا خيف ذلك أمسك عن تمام التعديل ولم يكن للأخرى غير ذلك.
قال في كتاب ابن سحنون: ولو باعوا جميع هذه الشعري لكانت حقوقهم منها على ما وصفنا.
قال في الكتابين وأما إن كانت هذه الشعري بناحية من النهر لا يضرهم أن تكون حقوقهم منها حيث كانت، فهذه تقسم بالتعديل في القيس عن تساوت، وعلى القيمة إن اختلفت في الكرم والدناءة فيزاد في الزهيد على الكريم في القيس، قال في كتاب ابن حبيب: ثم يضرب بالسهم بينهم، يقع ذلك حيث وقع، وسواء كانت القرى في القرب من الشعري بمنزلة سواء، أو كانت لاصقا بها، وأخرى على الميل والميلين إلا أن بعضهم متصلا بها، فإنما تقسم بالاجتهاد.
قال في كتاب ابن سحنون: إلا أن يكون في ذلك ضرر فيعدل بالدنانير والدراهم.
قال سحنون: قد قارب هنا عبد الملك قول ابن نافع، قال سحنون: فإذا ثبت الملك فيها قسمت على سبيل الأملاك فيفضل الكريم بالقيمة، وقولي قول ابن كنانة وأشهب وغيرهما: إن المسالك والشعارى إذا لم يسبق فيها إحياء بغير الرعي ولاحتطاب، فإنها لا تباع ولا تقسم، لأنها من الموات، فما كان منها بين القرى وقرب العمران فلا يحيى إلا بإذن الإمام، وما بعد من العمران فهو لمن أحياه/بغير إذن الإمام، فإن تعدى ذلك هذين الصنفين، أو يكون قوم اختطوا فتركوا ما اختطوا مسرحا بعد أن ملكوه بالخطة، فلا يجوز أن يقسم لأنه تضييق عما ترك له، إلا أن يجتمعوا على ذلك، إلا أن يكونوا اختطوا ما قرب من المسرح،
[10/ 515]

(10/515)


وتركوا المسرح لم يجر فيه معتمل، تركوه مرعى، فهذا الذي قال أشهب: هذا موات فمن أحيى فيه شيئا فهو له، إلا أن يقرب من العمران فلأهل الخطة منعه، وينظر فيه السلطان، فيعطيه لمن يرى من أهل تلك القرية وغيرهم. قال ابن حبيب: وقال مطرف في ذلك مثل قول ابن الماجشون، وقال أصبغ مثله. أرى اصبغ تأول في قول عبد الملك: إنه رأى أن الشعري ملك لهم. قال سحنون: لأن ابن حبيب قال في غير موضع من كتابه: إن أصبغ يرى أن تقسم الشعري إلا أن تكون في داخل القرية وحدودها.
قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون: وإذا كان البور بين قريتين فأرادا هنا قسمه، فليقسم شطرين لا تفضل الكبرى وإن كثر أهلها على الصغرى وإن كانت الصغرى قرية وليست تتبع الكبرى ويجعل نصيب كل قرية مما يليها بغير قرعة، لئلا يقع تصيب هذه قبالة الأخرى، فإن كان ما يلي هذه كريما وهذه لئيما: فليقسم بينهما طولا لتنال كل قرية حقها من الكرم بالقيمة إذا صار ما يلي كل قرية ما ينتفع به ما لم يدخل بتعديل ذلك بالقيمة ضرر على إحداهما، فإذا بلغ ذلك إلى ما يدخل به الضرر على إحداهما أمسك عن بقية التعديل إلى منتهي الضرر، ولم يكن للأخرى غير ذلك، ثم إن طلب أهل/كل قرية قسم ما وقع لهم، كرهت لهم ذلك وأحبيت لهم إبقاءه مرعى ومسرحا ومحتطبأ وطريقا للمارة، فإن أبوا إلا القسم أو بعضهم ليزرعوا، قسم بينهم على قدر أصل أملاكهم من القرية بشراء أو ميراث أو هبة على قدر أصل سهامهم فيها، لا على قدر البياض والعمران، ولا على عدد الجماجم كان بعضهم قويا على العمل أو ضعيفا؛ لأن العمران بينهم على أصل ملكهم لعامرها، وليس للرجل معهم بقطيعة أرض اشتراها أو بمسكن منهم إذا لم يكن له في أصل القرية شيء، وقال مثله مطرف وابن الماجشون.
قال أصبغ: لا تقسم البور وما يكون داخل حوز القرية وملكها.
[10/ 516]

(10/516)


ومن العتبية: روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم وذكر ابن حبيب محمد بن بشير: كتب به إلى ابن القاسم في قريتين إحداهما في جهة المشرق، والأخرى في جهة المغرب، وبينهما ميل أو أميال، يريد أهل كل قرية قرب العامل، ويدعونه من حوز قريتهم خاصة، ولا بينة لهم، وجوز كل قرية ينتهي إليه، وهو بائن عن القريتين، قال: يقسم بين القريتين نصفين، ولا ينظر إلى قلة عمارة إحداهما وإن قل، ولا إلى كثرة عمارة الأخرى وإن كثر، ثم يقسم أهل كل قرية نصفهم على قدر سهامهم في قريتهم، فإن ادعاه كل واحد دون أصحابه قسم بينهم أجمعين، ولو كانت القريتان في شق واحد متحاذيتين، والعامر مقابلهما، فلا تقسم بينهما نصفين، ولكن لكل قرية حد، وعامرها من الغامر قل ذلك أو كثر، كالفناء حول الدارين يدعيان فيه،/فليأخذ كل واحد ما كان حدا فناء داره، قل ذلك أو كثر، قال عنه ابن حبيب، وهذا إذا كان في تعديله بينهما في القسم دخول إحدى القريتين على الأخرى أو من إحدى الدارين على صاحبتها، وقاله مطرف وابن الماجشون.
ومن العتبية: قال يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في المسرح لقوم من دون منزلهم، أراد بعضهم حرثه وأبى بعضهم قال: فليقسم، ثم يصنع كل واحد في نصيبه ما شاء، قال يحيى: فإن أراد بعضهم أن يقر نصيبه مسرحا ومنع كلأه، فقد كره ذلك بعض أصحابنا، وأجازه آخرون، وكراهته أحب إلي، لأنه من منع الكلأ الذي نهي عنه، فلا أري أن يمنعه ولا يبيعه. وقال: أربعة لا أرى أن تمنع: الماء لشق، والحطب، والكلأ، والنار.
قال ابن القاسم في مسارح في بعض القرى أرادوا قسمتها. وقد كان ينتجعها من حولها من أهل القرى للرعي فيرعى كل من كانت ماشيته تسرح فيه، فأما من كان يحظى إليه فلا حق له فيه، [وقد يسرح قوم عند قوم فلا يوجب لهم الرعي حقا، والمسرح لأهل القرية التي هم حيزها، فإن تداعى فيها أهل قريتين أو
[10/ 517]

(10/517)


ثلاثة أو أربعة، وكلهم حول أهل المسرح، وهو في وسطهم، ولا بينة لهم فليقسم بينهم على عدد تلك القرى، لا على قدر عمارتها، وقال عنه محمد بن خالد في المسرح بين القوم أرادوا قسمه، قال: ليس ذلك] لهم ولا تقسم المسارح إنما تقسم الأرضون، قال عنه اصبغ في منازل أحاطت بفحص عظيم، ولكل منزل/منها فيما بينهما أرض تحرث، وأكثر ذلك الفحص بور يرعى فيه أهل تلك المنازل وغيرهم ويحطبون، ولا يزال بعضهم يزيد إلى أرضه العامرة فيه من المنافع للمارة من رعي ومناخ واحتطاب، فإن قسموه فلا أرى لمن يرعى معهم يدخل معهم في ذلك، قال أصبغ: ويترك على حاله كالماء المورود وسطهم، فهو لهم ولغيرهم، ليس لهم اقتطاعه ولا رده.

في القرية لبعض أهلها فيها أكثر من بعض، ولهم بور تشاحوا في قسمته، وكيف إن اختلف تداعيهم فيه؟ وكيف تقسم؟
روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم، وذكر ابن حبيب أن محمد بن بشير كتب إلى ابن القاسم في قرية لبعض أهلها فيها أكثر من بعض، ولهم عامر أرادوا قطعه وقسمه وحوزه. كيف يقسم بينهم أعلى أصل سهامهم، أم على أصل ما في أيديهم اليوم منها، أو على عددهم؟ قال: إن ادعوا ذلك لأهل القرية، وبذلك يجاورون جيرانهم من أهل القرى، قسم ذلك بينهم على أصل ملكهم من القرية، ومن ليس له من أصل سهامهم شيء بميراث أو شراء أو عطية، وإنما أعطي حقولا
[10/ 518]

(10/518)


بأعيانها أو حوزا من أرض معينة أو دارا منفصلة وشبه ذلك من المعينات، وليس بسهم شائع، فلا حق له في العامر، وإنما يقسم على كل ذي سهم من أهل الميراث، ومن اشترى أو أعطي سهما شائعا فله أن يقاسم به، فإن ادعى/العامر كلهم لأنفسهم ومن مشتري سهم ومعطاه ووارث غير سهم، وكل يدعي أن العامر له، فإنه يقسم على جميع أهل القرية كالشيء يدعيه رجلان يقسم بينهما بعد أيمانهما.
قال ابن حبيب: قيل لمطرف: إذا تشاحوا في بور قريتهم، واختلفوا في دعواهم فيه، عرف أن أصل القرية كان لثلاثة نفر لا يدري كم كان لكل واحد منها، وهؤلاء أبناؤهم، كيف يقسم بينهم؟ قال: على قدر الدعوى بعد أيمانهم، فإن ادعاه كل واحد لنفسه دون غيرهم، قسم بينهم على عددهم بعد يمينه قلوا أو كثروا، وكذلك يقسم البور بينهم على عددهم إذا جهل أهل الأصول منهم، وجهلت قيمتهم، وكان كل من في القرية من ذكر أو أنثى ممن له فيها شرب يدعي حقا في البور فليقسم بينهم على عدد الجماجم، وكذلك قال ابن الماجشون وابن القاسم.
قال ابن الماجشون: فإذا كانت القرية في وسط شعري لثلاثة نفر لكل واحد منهم ناحية معروفة في أرضها البيضاء، لا يدخل بعضهم على بعض، فقال بعضهم: تقسم الشعري بالسهم، وقال آخرون: بل على النواحي يأخذ كل واحد ما يلي ناحيته. [قال: فليقسم بينهم على أرفق شيء بهم وأقربه إلى منافعهم، والأرفق بهم عندي أن يأخذ كل واحد مما يلي ناحيته] من الشعري، وكذلك إن كانت قرى، فلكل قرية ما يليهم، فإن كان الملك لثلاثة: أخذ كل واحد ثلث الشعري مما يليه بلا تقويم ولا تفاضل درع الكريم على اللئيم يضر بهم التقويم في/دخول بعضهم على بعض، ويعذل ذلك بينهم على القيمة، وكذلك قال
[10/ 419]

(10/519)


مطرف، وذكر ابن سحنون عن ابن القاسم في الكتاب المنسوب إليه: أنها إن كانت قرية واحدة فليقسموا شعراءهم بالقيمة بالسهم لأنه حريم واحد، وإن كانت قرى قسمت بالقيمة بلا سهم، يأخذ كل واحد مما يلي قريته من الشعري، وكذلك قال ابن سحنون، قرأت عليه من كتب المدنيين، وقال فيه: لأن للقرى لكل واحد منهن حريما لا يدخل بعضهم على بعض، قال سحنون: جواب ابن القاسم وعبد الملك قريب بعضه من بعض، وما أرى أتوا إلا من السائل، وإنما الأمر على أن الشعري إن كانت ملكها لهم بميراث أو غيره. أو بما يحيى به الموات فلتقسم بالسهم والقيمة، وإن لم يملكوها إلا بالرعي وشبهه فبالقيمة، فإن لم يملكوها نظر فيها الإمام، يجتهد فيه فيما قرب من القرية التي يقرب منها مع ما يضر بأهلها ما قطع فيها من رأى بما لا يضر بأهل العمارة.
ابن حبيب: قيل لابن الماجشون في قرية فيها ثلاث حارات، كل حارة تسمى باسمها والقرية تجمعهم، وقد أحاطت الشعري بها، كيف يقسمونها؟ فقال: على ما أعلمتك من أرفق ذلك بهم. قيل: فقوم أرادوا قسم شعري قريتهم، فجحد بعضهم بعضا أصل القرية، ولا بينة لهم، أو كان لبعضهم بينة. قال: إن عرف أهل الأصل فالشعري لهم دون غيرهم، فإن كان أهل الأصل ثلاثة أو أربعة، ثم تفرقت بعدهم، وسكنها قوم آخرون، فأهل الأصل أحق بالشعري أو بما أغنم منها على حال الاختطاط من غيرهم من/أهل القرية، وإن كانت في أيديهم أرض بيضاء، فقال لأهل القرية: اثبتوا أنكم اشتريتم عامرا وغامرا، أو أنه وهب لكم في الشعري شيء، فمن أثبت شيئا أعطيه من حظ الذي باعه أو وهبه بعد أن يقاسم أصحابه، ويأخذ حظه، فيصير في حظ هؤلاء ما اشتروا منه أو
[10/ 520]

(10/520)


وهب لهم، وإن لم تثبت بينة لأصحاب الأصل. وجهل أمر القرية فلم يعرف كيف كان ولمن أصلها، وادعى هؤلاء كلهم أن لهم حقا في الشعري، قسمت بينهم على عدد جماجمهم على كل من بلغ أن يكون له كسب من الذكور والإناث شرعا سواء، لا يلتفت لمن كثر بياضه أو قل، ومن عرف أنه القرية بسكنى فقط أو بابتياع بياض بعينه فقط، وشبه ذلك ممن يجهل سببه، فلا حق له في الشعري، وقاله ابن القاسم ومطرف.
وقال أصبغ: لا تقسم الشعري إلا أن تكون في داخل القرية.
في الشعري بين القرى يسرعون فيها بعمارة أو بعضهم، أو يحيى فيها غيرهم، ثم يتخاصمون في ذلك، وكيف فيمن عمر باشتراء؟
والتداعي في ذلك كله
من المجموعة: سئل أشهب عن قوم نزلوا بلادا فاختطوا وسكنوا، وبقيت شعري بينهم وبين البحر، وعلى البحر مدائن غير مسكونة يرابط فيها، إنما هي جزائر، وكان الولاة يمنعون أن يزيدوا في الخطط خوفا عليهم من الروم، ثم تراخت الحال فأخذوا يتقدمون في الشعري ويختطون حتى/اختطوا على ساحل البحر، فهل لهم ذلك، أو ترى للبحر حريما لما يخاف من الروم، أو لما ينفع به المرابطون لدوابهم؟ قال: لا يمنعون مما يريدون من الشعري إلا أن تكون قرب العمران فيضر ذلك بأهل العمارة فيمنعوا من ذلك، ولا أرى للبحر حريما. وفي آخر باب قسمة الشعري مسألة من هذا.
ومن الكتاب ابن سحنون: وقرأت على سحنون من كتاب ابن القاسم في قريتين لكل قرية أرض محدودة مفردة من الأخرى بهدف منصوب، لا يتجاوز أحدهما إلى حد الأخرى، وخلف إحداهما مما يلي أرضها شعري يرعى فيها أهل
[10/ 521]

(10/521)


القريتين ويحتطبون. فإن أراد أهل القرية التي يليها الشعري أن يحموها دون القرية الأخرى فمنعهم أهل تلك القرية؟ قال: ذلك لأهل القرية التي تليها دون الأخرى، لأن الهدف المنصوب فاصل قاطع بينهم وبين الأخرى وما يليها من الشعري، وليس رعيتهم واحتطابهم فيها يحق لهم حقا.
قال: ولو عمروها معهم بالعمارة، وتقادم عمرانهم نحو عشرين سنة، ثم قام عليهم التي يليها الشعري فقالوا: إنما تركناكم ونحن نظن أن ذلك لكم لرعيكم معنا. فإنهم يحلفون على ذلك وعلى أنهم لم يدعوهم ليكون لهم أصلا لتركهم، ثم لهم أن يعطوهم قيمة عملهم، وذكر مثله سواء ابن حبيب عن ابن الماجشون، وفي سؤاله: قرية عليا وسفلي، وبين أرضهما حد معروف، والشعري من وراء العليا.
قال ابن القاسم في كتاب ابن سحنون: ولو هلك الذين عمروها من أهل القرية الأخرى وورثها بنوهم/وطال زمانهم، واصدق ذلك النساء أو بيع، فإن كانت تلك الشعري مما يورث أو يباع ويوهب، فذلك لمن هي بيده بما ذكرت من ميراث أو بيع، فإن كانت تلك الشعري مما يورث أو يباع ويوهب فذلك لمن هي بيده بما ذكرت من ميراث أو بيع أو إصداق أو هبة. حتى يقيم أهل القرية التي صارت لهم البينة أن آباءهم إنما عملوا على ما ذكروا فيعطوا.
قال سحنون: إن ابن القاسم في جوابه هذا رجع على قول المغيرة وأصحابه، ويدل على أن الملك المتقدم بغير الجواز، ألا ترى إلى قوله: إذا كانت مما يباع ويورث ويوهب، وضعف الحوز بالمرعي، وجعل الحوز بالجوار والملاصقة لا بالمرعي، وهذا رجوع عن ما تقدم.
وهذا الكتاب إنما أتي فيه من قبل سائله وناقله عنه، والأمر في هذا أن ينظر: فإن كان لم يكن للقرية التي تلي الشعري فيها إحياء إلا بالمرعي والجوار،
[10/ 522]

(10/522)


فلا حق لهم ولا لأهل القرية الأخرى، وينظر للإحياء، فإن كان في إحيائه ضرر على القرية التي تليها في المرعى والمسرح وغيرهم منع منهم وضم إليهم، وما جاوز ذلك أقطعه لمن رأى باجتهاده، وأما ما عمر أهل القريتين في هذه الشعري: فذلك ماض لهم في قول المغيرة وأشهب، ولكن لم يكن لهم ذلك إلا بإذن الإمام لأنه بقرب العمارة، قال محمد: وقرأتها على سحنون من كتاب المدنيين: فأجاب فيها عبد الملك بنحو قول سحنون.
ومن المجموعة وكتاب ابن سحنون واللفظ له: قال سحنون: كتبت إلى أشهب أسأله عن قوم اختطوا أرضا عندنا يغرس/هؤلاء في ناحية، وبنوا، وحرثوا، وفعل الآخرون مثل ذلك على أميال منهم، وكذلك آخرون، وبقيت سبخة في وسط خططهم يصب فيها ماء أودية تسيل إليها من مسيرة اليومين فأكثر، ثم نبتت تلك السبخة فصارت مرعى لهم ولغيرهم، ثم أتى قوم فأحيوا فيها بقطيعة من الإمام أو بغي قطيعة، وكيف إن كان الذين اختطوا أبقوا تلك السبخة مرعى لهم ومسرحا، هل ذلك إحياء لهم؟ قال السبخة لمن اختط فيها ليس لأحد فيها قول إلا أن يكون ذلك بقرب عمارة فيضر ذلك أهل العمارة فيمنعون، سواء كان أهل الخطط الأول تركوا تلك السبخة لهم مرعى، كان بقطيعة من الإمام أو لم يكن.
قال سحنون: وقال ابن القاسم في كتابه في الشعري فيها قوى فعمر فيها بعضهم، واختط بقدر قوته أو ضعفه، فمستقل أو مستكتر، وآخر يحجر منها شيئا، ومنهم من عمر ولا شيء لهم في القرى، ومن أهل القرى الغائب والصبي والمرأة، وماشية القرى يرعون فيها ويحتطبون. قال: تقسم الشعري بين القرى بالقيمة على عددهم إذا كان عمارة من عمر فيها مبادرة على غير قسم ولا حق، ويعطي لمن عمر قيمة عمارته قائما لأنه بنى بشبهة، ثم يقسم أهل كل قرية ما صار لقريتهم بقدر ملكهم من القرية، ويأخذ في ذلك المرأة والصغير والضعيف
[10/ 523]

(10/523)


حقه، فمن صار له من العمران شيء أدي قيمة العمارة، ولا تكون الخطط فيما حازه المسلمون. وقال المغيرة وأشهب وسحنون: هي من الموات، ومن أحيي منهم فيها شيئا فهو له، ولكنا نكره لهم أن/يحيوا فيها إلا بإذن الإمام، فإن فعلوا مضي ذلك، قال سحنون: قول ابن القاسم هنا: لا يكون الخطط فيما حاز المسلمون، إن كان يعني: لأن ملكا تقدم فيه فكلام صحيح، فإن كانت هذه الشعري مما قد حازه المسلمون عنوة، فكانت تعتمل فيما مضي، فحكمها الوقف، يقرها الإمام في يد الذين غلبوا عنوة يعمرونها، فإن ضعفوا عنها أعطاها غيرهم، وإن كانت صلحا فهي لأهل الصلح ملك: وإن كانت عنوة بغير قتال، فقد وصفت لك الحكم فيها، فكيف يمنع منها الخطط ويقطعها بغير خطط ولا ملك متقدم؟ فكيف يدخل فيها أهل القرى فيما قد ملك؟ وإن منع من الخطط، لأنه قد منع فهذا جواب صحيح، ويكون أهل الجواز أبعد من أن يملكوه بجوارهم، وإن لم يتقدم في هذه الشعري ملك، وكانت مواتا: فلم تمنع فيها الخطط؟
قال ابن القاسم: ولو قضى قاض أن كل من عمر في هذه الشعري فمضي لعمارته عشر سنين فهو له دون إشراكه في القرية، فإن قامت بينة تشهد أنه إنما عمر هذه الشعري كل بقدر قوته، وهم يرون أنهم لهم بعمرانهم، ومن أهل القرى من له فيها حق من صغير وغائب وامرأة في حجلها، فليرد ذلك الحاكم ويعطي كل إنسان حقه منها. قال سحنون: وهذا القضاء خطأ يرد، لأنها إن كانت الشعري قد ثبت عنده ملكها لأهل القرى بخطط مقدمة، فكيف تبيح الخطط لمن اختط وعمر عشر سنين أو مائة سنة فيما تقدم الملك فيه لغيره؟ وإن كان لم يثبت ملكها/لأحد بإحياء أكثر من المسرح والمرعى: فحكمها للإمام يقطعها لمن رأي. قيل لابن القاسم: فلو اتخذ قوم في وسط شعري صبرا لمواشيهم
[10/ 524]

(10/524)


تأوي إليه عند رواحها وتغدو منها، وتطاول ذلك نحو عشر سنين أو عشرين أو ثلاثين، فيموت من ابتني الصبر، وبنى بنوه فيها واتخذوها مساكن وأجنة ويعمرون ما حولها من الشعري، وربما زرع آباؤهم تلك الصبر مثل السلت والقطنية، هل يدخلون مع أهل القرى في تلك الشعري بشيء؟ وهل يترك باقيها لا يقسم؟ قال: إن عرف دخولهم أو دخول آبائهم في الشعري على ما ذكرت، على أن لكل قوم ما اختلطوا فعمره أو سكنه، فهو يستحقه بذلك، فليعطوا قيمة عمارتهم، ثم يقسم ما عمروه منها، وتلك الصبر بين أهل تلك القرى المحيطة بها، وإن لم يعرف كيف دخولهم فيها ولا كيف أمرهم. وادعاها من عمرها أنها له، وأن باقيها مصرف له، وقد حازوا ما عمروه فيها، ولهم فيما خطهم نصيبهم كقرية من القرى لمسرحهم، لأنهم ادعوها وأهل القرى، فلم يثبت لواحد منهم بينة، فرأيت أن يثبت لأهل القرى ولهؤلاء حظهم منها معهم لدعواهم أنها لهم.
قال سحنون: وقد رجع في جوابه هذا إلى أصل مالك والمغيرة وابن كنانة وأشهب وغيره، لأنه قال: فإن لم يعرف دخولهم فيها ولا يعرف كيف أمرها، وادعاها من عمرها أنها لهم، فأرى أن ما عمروه لهم، فدل أن الشعري لا تملك بالجوار، والمسرح [لأنه قطع حق أهل القرى مما عمر هؤلاء، والقرى أقدم من عمارتهم، فدل أن الجوار والمسرح] /لا يوجب الملك، فهذا صواب.
وقرأت عليه من كتب المدنيين: وعن صبر لقوم في وسط شعري هي بين القرى، فباع بعض أهل الصبر منها من رجل، فعمر في تلك الشعري التي تلي الصبر وسرح فيها وأولاده، فتشاح أهل تلك الشعري في الشعر، فهل لأهل الصبر فيها شيء، والصبر مسكونة لا يدري قديمة أو محدثة، أو قبل القرى أو بعدها؟ قال: إذا جهل أمرها فأدركت مسكونة فهي من القرى، ولها حقها من الشعري، وإن ثبت أنها محدثة فلا حق لها في الشعري، وإن عمر أصحابها بشبهة، فهي كما قدمها من المسائل، ولو هلك المشتري وقسم ولده ما عمر أبوهم، وقد
[10/ 525]

(10/525)


عمروا البيوت فيها عمارة أخرى؟ قال: لهم ما ورثوا من آبائهم لما درج من الحجر لآبائهم، وما لم يورث عن آبائهم بالبينة أو بإقرارهم فيما ورثوا، أعطوه وعملوا فيه، فقال: ما وصفته قبل هذا، وقال: إنما رايته لمن هو بيده من الورثة إذا ورثوا عن آبائهم بالإقرار وبالبينة، لأنه يمكن أن يبتاعه آباؤهم أو يملكوه بأمر جائز، وما عمروا مما لم يرثوا عن آبائهم فليسألوا: بن أخذوه؟ فما جاءوا به في ذلك من بينة أو ثبت أعطوا بها، وإلا كان من حقوق القرى، وكان لهم في عمارتها مثل ما ذكرنا من القيمة، وقاله ابن نافع. في جامع مسائل الشعري نحو هذه المسألة من أولها من قول ابن الماجشون.
وفي قول سحنون: لا يحب بالصبر والمرعى في الشعري حق وإن تطاول ذلك، فأما بالإحياء بالعمارة فهو لهم، وإن لم يتطاول، وإن ادعى أهل الصبر أنهم/اشتروها وقد عمروا وأحيوا، لم نكلفهم بينة لأهل القرى، ولا حق لهم بالرعي في الشعري إلا أن يثبت لهم حق قديم واجب، فإني اكلفهم البينة على دعواهم، لأنها تصير إليهم بالعمارة، وأما إذا لم يعمروا فيها شيئا ولا ادعوها بالاشتراء فعليهم البينة، لأنهم اشتروها من مالكين قد ملكوها بإحياء متقدم، وعمل غير المسرح. فأحكم لهم خاصة بالشعري، وأمنع منها من لم يملكها بغير الجوار والرعي.
قال عبد الملك: ولو قضى قاض أن من عمر في هذه الشعري شيئا فبقي في يديه عشر سنين، فهي له دون إشراكه في القرية، وكيف بما باعوا بعد الحكم؟ قال: يرد ذلك كله، ويأخذ من عمر فيها قيمة عمارته ممن تكون له الشعري. قال سحنون: وقد أعلمتك بفساد هذه القضية؛ لأنه إن تقدم له فيها ملك بالإحياء، فلا تبطلها الحيازة وإن لم يتقدم فيها ملك فليس وجه الإقطاع من الإمام أن يقول من أقطعته فلا يتم له إلا بحيازة عشر سنين، فهذا كله خطأ.
[10/ 526]

(10/526)


قال ابن القاسم: وإن أتى أهل الصبر ببينة: أنهم اشتروا [ذلك، وحد البينة ما اشتروه، قضي لهم به. قال سحنون: إذا قالت البينة: إنهم اشتروا] من مالك ملك بالإحياء بالعمارة لا بالرعي فلا شيء لهم، فيرجعون بالثمن على بائعهم.
قيل لابن القاسم: فقوم ليس لهم في القرية شيء إلا ما ورثوا من آبائهم، وبينهم وبين قرى غيرهم شعرى، لا يعرف لمن هي فشرعوا فيها بالعمارة، كل واحد بقدر قوته، وطال زمان ذلك وتوارثه بنوهم؟ قال: إذا/طالت حيازتهم بالعمارة إلى مثل ما يستحق بالحيازة وهم يدعونه، فهم أحق به من بقية أهل القرى إذا لم يعرف أصل عمارتهم لها بأي وجه، فأما إن قامت بينة أو أقر من عمرها: إنما ذلك بالمبادرة بالاختطاط منهم لا بأصل ملك، فليقسم أصل تلك الشعرى بين أهل القرى بالقيمة، تأخذ كل قرية مما يليها، ويغرم من وقعت له العمارة قيمة ذلك لمن عمر، أو يعطيه الآخر قيمة الأرض، فإن وقع المعمور لأهل القرية التي عمر أهلها أو بعضهم، فذلك بينهم مع ما صار لهم منها غير معمور، ولهم قسم ذلك إن شاءوا على أصل ملكهم من القرية، وكذلك إذا جهل أصل عمارتهم وملكهم ولم يطل الزمان بالعمارة، فإنهم يقتسمونها كما ذكرنا، قال سحنون: الجواب صحيح إلا قوله: إن عمروا مبادرة واختطاطا، فهذا في قولنا وقول أشهب وابن كنانة لمن عمره، لأنه من الموات إلا أن تكون الأرض معروفة لهم ملكا، فهذه تقسم ويأخذ من عمر قيمة عمارته.
قال ابن القاسم في قرية فيها حارات كل حارة تعرف باسم، وبني كل حارة وأخرى نصف ميل أو أقل أو أكثر، ولكل حارة أرض معروفة من أرض القرية، فعمر أحد أهل الحارات ناحية من الشعرى، ثم تشاحوا في الشعرى وأرادوا قسمتها أو ردها مسرحا؟ قال: تقسم الشعرى التي أحاطت بها القرى على
[10/ 527]

(10/527)


عدد/القرى بالقيمة، ولكل قرية أخذ ما يليهم مما عمر أو لم يعمر، ويغرم من وقعت له الغرامة قيمة العمارة، أو يسلم الأرض بقيمتها فما وقع للقرية ذات الحارات كان بينهم بقدر أملاكهم من القرية، هذا إن عرف أن عمارتهم كانت على غير أصل ملك، على ما تقدم ذكره، وما فات هذه القرية قسم بينهم بالسهم، وللذي قطع وقلع قيمة عمله فيما قلع من الشعرى أيضًا، لأنه عمل بشبهة يرى أن ذلك له، وقال قبل ذلك: لا شيء له بالقطع والزبر حتى يعمر بالبناء والغرس، ثم رجع إلى هذا.
قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون في قطعه الشجر وإفحاصه الأرض: إنها عمارة وله قيمة ما عمر، قال سحنون: والقول في هذه مثل ما تقدم إن كانت الشعرى مملوكة كما قال، ويأخذ من عمر قيمة ما عمر للشبهة إذا كان أشراكه حضورا يرونه ولا ينكرونه، ولا شيء لمن زبر وقطع ولم يبن وإن لم تكن مملوكة فذلك إحياء، وذلك لمن أحياه.
قال ابن القاسم: ولو سكن معهم أهل الذمة، ومن المسلمين، ومن هو على غنيمة، ومنهم وارث ومبتاع، ومنهم البعيد العهد والقريب، ومنهم من لا حق له في القرية، فعمر الجميع في الشعرى ثم تشاحوا فيها، قال: إن كانت عنوة أخرج منها المسلمون وما عمروا منها، وتكلم فيمن عمر في تلك الشعرى مبادرة على ما تقدم، وهو يرى أن ذلك له، قال: وإن كانت صلحا والذين عمروها يرونها لأنفسهم، فطالت حيازتهم فذلك لهم بطول الحيازة، وإذا لم يعرف أعنوة أم صلح، ولا كيف دخلوهم؟ فلتقسم بينهم الشعرى ويدخل معهم أهل الذمة على ما لهم من القرية، ومن له عمارة يأخذ قيمة عمارته إذا كانت عمارتهم مبادرة، فإن لم يعرف أصل عمارتهم كيف هي، وطال زمانهم، فهم أحق بما عمروا، ويقتسمون ما بقي من الشعرى لمن يعمر على قدر ما لهم من القوة.
[10/ 528]

(10/528)


قال سحنون: إن كنت عنوة نظر إلى تلك الشعرى، فإن كانت مملوكة معمورة حين غلب عليها فهي موقوفة مثل ما هو معمور. ومن له فيها عمرة بشبهة: أعطي فيها قيمة عمارته بقطيعة الإمام، وليس لأحد من مسلم ولا نصراني أن يحيى من هذه الشعرى شيئا إلا بإذن الإمام، ومن كان منهم إنما قطع الشجر وزبر وقطع فلا شيء له في ذلك، واختلف قول ابن القاسم فيه إذا قلع الشجر من أصولها هل له شيء؟ قال سحنون: وإن كانت يوم غلب عليهم شعرى لا معمل فيها لهم إلا بالرعي والاحتطاب، فهي من الموات، ومن أحيى فيها شيئا فهو له إن بعدت عن العمران، وإن كانت بالقرب فلا تحيى إلا بقطيعة، ومن أحيى فيها بغير إذن الإمام مضى ذلك في قول أشهب والمغيرة، وكذلك القول في شعرى أرض الصلح سواء إلا أن تكون معمورة قديما فلهم أخذها، ويعطوا من عمر فيها قيمة عمارته للشبهة، وإنما تقسم هذه بينهم على قدر أملاكهم، وإن لم تكن كان لهم فيها معتمل فهي من الموات، والإمام ينظر فيها قرب من العمران خاصة، وإن لم يعرف أصله أصلح أم عنوة، فحكم الشعرى إذا عمرت حكم الإحياء في الموات فيما قرب من العمران/أو بعد.
قال ابن كنانة في قرية فيها أهل ذمة ومسلمون ولها بور، قال: فإن كانت عنوة فالبور للمسلمين. قال سحنون: هذا فيما ملكه أهل العنوة فأحيوه، قال ابن كنانة: وإن كانوا صالحوا، فالبور لأهل الذمة إلا أن يحوزه المسلمون عنهم الزمان الطويل: فيكون لهم. قال سحنون: هذا في بور ملكه أهل الذمة بالعمارة قبل الصلح، وليس هذا في عفاء الأرض.
ومن كتاب ابن حبيب: قال ابن الماجشون في قرية سكنها المسلمون وسكن أهل الذمة في بعضها، فقال أهل الذمة: نحن أحق بالشعرى لأنا على صلح، وأهل الإسلام على عنوة، قال: أرى لأهل الصلح ما يليهم من الشعرى وأما ما يلي المسلمين من ذ1لك فلجماعة المسلمين، وإن كان ذلك عنوة، البور والمعمور، وإن كان أهل العنوة قد قسموا المعمور ولم يوقفوه كما فعل عمر، فإن لهم من الشعرى ما يليهم منها بقدر ما لهم من القرية، وإنما يعطون منها ما قرب من
[10/ 529]

(10/529)


القرية للمرعى والاحتطاب، لأنها حقوق القرى ومسارحها، وأما ما بعد فهو موات، وإنما الصلح والعنوة في المعمور وما قاربه مما فيه حق. وقاله أشهب وأصبغ، قال ابن الماجشون: وإن لم يعرف في القرية أصلح أم عنوة وفيها المسلمون، وأهل الذمة، ووارث، ومبتاع. وكل يدعي الشعري لنفسه، أو يدعي أن له فيها حقا، فلتقسم بينهم على عددهم من ذمي ومسلم، وذكر وأنثى، وصغير وكبير، ممن بلغ أن يكون له حق شرعا سواء.
قال سحنون: قال ابن القاسم/في قرية بين قوم ولأحدهم فيها أرض على أربعة أميال أو أقل أو أكثر فسكنها أو أعمرها وأتخذ فيها الماشية، وبينها وبين القرية القديمة شعري، فكان هو وأقل القديمة يشرعون فيها بالرعي والاحتطاب، تشاحوا فيها؟ قال: لا قسم للمحدثة فيها، ويقسم بين أهل القديمة على قدر ملكهم فيها، فإن لم يعرف أصل ملكهم فيها على الأجزاء، فلكل قوم ما حازوا إذا كانت حيازة قديمة، قال سحنون: ولا حيازة في الشعري إلا بالعمارة لا بالرعي ونحوه، قال ابن القاسم فإن عمرها بعضهم القوي بقدر قوته، والضعيف بقدره.
ومنهم من لم يعمر فإن ثبت ذلك بالبينة قسم جميعها ما عمر وما لم يعمر، وكان لمن عمر قيمة عمارته على ما قدمناه.
قال سحنون: إن كانت شعري ملكا لهم بميراث أو غيرهم مما يوجب الملك، فهو كما قال، ولا يكون لمن زير وقطع الشجر شيئا وأما من بنى أو غرس الشجر فذلك له حق عمارته وإن لم يعرف أنها ملك لهم، فمن أحيى فيها شيئا بالبناء والغرس فذلك له في قول المغيرة وأشهب، وقال غيرهما: لا يكون له ذلك إلا بإذن الإمام لقرب ذلك من العمارة.
وقال ابن الماجشون في كتاب ابن حبيب في قريتين بينهما شعري عمر أهل قرية ما يليهم حتى أو عبوا الشعري وأقاموا كذلك نحو خمس عشرة سنة وأكثر، ثم
[10/ 530]

(10/530)


أراد بعضهم التعديل في قسمتها قال: فذلك لهم إذا تقاربوا كما ذكرت ذلك، ومن صار من عمارته شيء في حيز آخر أعطي قيمة عمارته على ما تقدر من قولنا.
وذكر ابن سحنون عن ابن القاسم نحوه./وقال في سؤاله: فعمر أهل كل قرية في الشعري مما يليها، أو عمر بعضهم أكثر من بعض، أو بقيت الشعري قائمة، ثم تشاحوا فيما قد عمر وفي المعمور والقاسم، فأحبوا قسمته وإبطاله وتركه مسرحا، وقد مضى لعمارتهم عشر سنين أو عشرون أو أكثر. فأراد بعضهم اتخاذها مزدرعا وأراد بعضهم إبطالها. قال: تقاس الشعراء أو ما عرف منها قديما بورا مما قد اعتمل ثم يجرى على القيمة، فيعطى أهل كل قرية حدها من ناحيتها مما بينهم، ويعطى من عمر قيمة عمارته من صار إليه إذا كان إنما عمر وهو يرى أن من عمر شيئا فهو له، فإن ثبت ذلك وعرف دخوله فيها أخذ فيما عمله، ثم يقسم أهل كل قرية ما صار لهم من تلك العشري، فمن صار له من المعمور شيء أعطى لمن عمر قيمة عمارته، ومن أراد اتخاذها مسرحا وهي شعري بحال ما كانت. فليس له ذلك، ولكن يقاسم أصحابه فما صار في حظه رجعه إن شاء، وقد وصفت لك قسمها أنه إن عرف لكل إنسان جزؤه من القرية أعطي من الشعري على حساب ذلك، وإن لم يعرف قسمت على كل من سكن القرية شرعا سواء ممن له فيها أصل.
قال سحنون: لم يثبت أنها مسرح بملك متقدم ما كان اقتسام المسرح إلا باجتماع أهله. ابن القاسم: في القرى بين كل قريتين منها مثل الميلين أو الثلاثة أو أربعة، وبين تلك القرى شعري فشرع ناس من أهل تلك القرى فعمروا تلك الشعري، ولم يعمر آخرون فيها شيئا، ولا يعرف لأي القرى هي، وجميعهم يسرحون فيها بمواشيهم، قال تقسم بين القرى كما ذكرنا بالقيمة/على عدد ما عمل في تلك الشعري: فإن كانوا يدعونه ويزعمون أنه لهم، ومضى لهم عشر سنين مذ
[10/ 531]

(10/531)


عمروا رأيتها لهم حيازة فيما اعتملوا منها ممن يطلبهم، فقال لمن يطلبهم: أحقوا حقكم فيما اعتمر هؤلاء منها، فإن أثبتوا البينة أنهم إنما عمروا على معنى أن من عمر شيئا فهو له، فإنه يعطى العاملين فيه عملهم، واقتسموا ما اعتمر هؤلاء من الشعري، وما بقي منها بحال ما وصفت لك.
وفي قول ابن كنانة وأشهب وسحنون أن هذه الشعري من الموات، فأحب إليهم ألا يحيى منها شيء إلا بقطعه من السلطان، فإن عمروا بغير قطيعة فذلك ماض في قول المغيرة، وفي ذلك جواب عبد الرحمن ها هنا في قوله: إذا ادعوا أنه لهم وطالت حيازتهم فهو لهم. فيدل هذا من قوله على ملك متقدم صحيح، لا على الجوار المسرح، ألا تراه قطع الملك المتقدم بحيازة عشر سنين. وفي جامع مسائل الشعري مسألة من هذا.

في الخربة القديمة بين الشعري هل لها حظ في الشعري؟
أو في البياض يكون في وسط الشعري، أو الكنائس أو المجاشير، أو الصبر
من كتاب ابن سحنون: قال ابن القاسم في الخربة بين القرى العامرة لم تعمر منذ دخل العرب، ولها بياض أرض مبذر ثلاثين إردبا، ولها بئر قد غار ماءها أو لم يغر، وكان صاحبها ربما انتجعها بالحرث، ثم عمر صاحب القرية الخربة أو من ابتاعها منه وسكنها، وبينها وبين القرى شعري فيشرعون فيها بالرعي والعمارة، وكان ذلك نحو عشرين سنة أو ثلاثين سنة، ثم طلبوا قسمة الشعري، قال ابن القاسم: لا حق لصاحب الخربة في الشعري إن ثبت أنها لم تسكن منذ دخل العرب، ولو كانت مسكونة منذ دخلت البلاد كان لها حظها، فإذا لم يكن ذلك فلا حق له
[10/ 532]

(10/532)


فيها، وما عمر في الشعري وفي الخربة، وهو يرى أن ذلك له، فله قيمة عمارته من أهل القرى، وهذا إذا عرف ما ذكرنا ببينة أو بإقرار منه، ثم يقتسمون الشعري ما عمر منها وما لم يعمر، وإن لم يعرف ذلك ببينة ولا بإقرار، وادعى رب الخربة أن له فيها ما عمر من الخربة بحق، فذلك له إذا حاز ذلك عشر سنين أو أكثر، ويقال لأهل القرى: أقيموا البينة على أصل ذلك.
قال سحنون: أري عبد الرحمن في هذا في آخر كلامه راجعا إلى قولنا، لأنه لم يجعل الملك بالجوار بالجوار والمرعى، وجعل الحيازة حجة ممن له الحيازة على الغائب والصغير ومن لا يحاز عليه.
قال ابن القاسم في كتاب المدنيين: وإن ادعى أصحاب الخربة وهي الآن مسكونة أنها كانت معمورة منذ كانت فهم على قولهم، ولهم حقهم في الشعري حتى يثبت أنها خربة غير مسكونة قديما.
وقال ابن نافع: للخربة حظها من الشعري كما لغيرها من القرى، قال سحنون: قول ابن نافع هنا على أصل ما وصفت لك لا يوجب في الشعري ملكا بجوار ولا مسرح، وهو يرى حق أهل الخربة مثل حق غيرهم، وذلك هو الصواب إن شاء الله، والحكم في هذه الشعري إلى السلطان لقربها من العمارة، لا يحيى فيها إلا بإذنه.
ومن الواضحة: قال ابن الماجشون: ولا أرى لبياض يكون للرجل في وسط الشعري حقا في الشعري مع أهل القرى، وكذلك الخرائب لا حق لها معهم في الشعري وإن كان لها البياض والشجر، وأهلها ينتابونها للحرث، ويجنون الثمر إلا أن تقوم بينة أنها مسكونة في الإسلام، فتكون كأحدي القرى في العشري لا حق له قد ثبت لها، قال: وكذلك الكنائس وسط الشعري لا حق لها فيها
[10/ 533]

(10/533)


[وإن كانت فيها الرهبان والقومة، ويزرعون بياضها، ويتخذون فيها الغنم، وكذلك المجاشير] والصبر تكون وسط الشعري من أهل القرى، ولكن تترك المجاشير والصبر والكنائس والخرائب من الشعري طرقها وأفنيتها ومداخلها ومخارجها إلا أن تقوم بينة أن لها من الشعري شيئا فتعطاه، وليس هذا كله مما بقي للسكنى، وإنما الشعري للقرى الأمهات التي لها الأهل والجماعات، قال: ولو عمر أهل الخرائب خرائبهم وصارت قرى مسكونة مأهولة كغيرها قبل قسم الشعري. ثم أراد أهل القرى قسمة الشعري فلأهل الخراب التي عمرت: حقهم فيها، كما لوا أقطع الإمام في حواشي الشعري مواتا فعمر وصار قرية مأهولة. فيأخذوا حظوظهم في قسم الشعري إذا كانت تجاور الشعري، إلا أن تكون القرية المحدثة إنما فيها الواحد والنفر اليسير، فلا قسم لها من ذلك، ولها طريقها وفناؤها، وكذلك قال مطرف وابن القاسم في ذلك كله، وكان ابن نافع يجعل لهذا كله حقا في الشعري، وتفرد بهذا عن أصحابه.
قال ابن الماجشون في ذمي له قرية/عامرة، وخربة في القرب منها، ولها بياض، وبينهما شعري، فباع الذمي قريته من رجل، ثم باع آخر بعد ذلك من رجل آخر، فسكن المشتري الخربة، ثم تنازع المشتريات في الشعري، قال: أرى أن نعطي الخربة حقها منها، ولا يمنع هذه ولا يخرج ذلك من ملك واحد، وليست عندي كالخربة المجهولة لا يعرف لها في الإسلام عمارة، قال: ولو قامت بينة أن ذلك كان ثم جلا عنها أهلها لها حق في الشعري، قال: ولو قضي قاض في هذه الخربة المجهولة أن لها حقا في الشعري نقضت قضيته لأنه مما قيل بالرأي، قال سحنون في كتاب ابنه: هذا من قول عبد الملك صواب.
ابن حبيب: قال ابن الماجشون: ومن ابتاع خربة فاشترط عامرها وغامرها وعمر وقطع الشجر من الشعري وفحص عن الأرض، وأهل القرى العامرة الشارعة إلى الشعري ينظرون إليه ولا ينكرون عليه، وما سمعوا: أن من أحيى أرضا ميتة
[10/ 534]

(10/534)


فهي له، ثم علموا أن الشعري للقرى العامرة قال: لا أرى أن الشعري إلا للقرى العامرة دون الخربة وللمشتري التماسك بالخربة بما ينوبها من الثمن، ويرجع بما وقع على العامر إن عرف ذلك وأحيط به، وإن شاء رد الجميع وأخذ ثمنه أجمع، وله أخذ عمارته من الشعري فيما قطع من الشجر وفحص عن الأرض، وإن كان قد بنى وغرس في الخربة، كان ذلك له بقيمته من الثمن، وإن بنى وغرس في الشعراء إن كان ذلك عليه بقيمته بلغ ذلك ما بلغ، وكذلك قال ابن القاسم فيه كله. وفي جامع مسائل الشعري أمثلة من هذا الباب فيمن له بياض أحاطت به الشعري.

جامع مسائل مختلفة من مسائل الشعري
قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون فيمن حاز على رجل منزلا كان له ورثه عن آبائه فعمر الحائز الأرض البيضاء، وسكن بيوت القرية، قال: ثم قام ربها فأقام البينة، واحتج هذا بالحيازة عليه. قال: أما ماجاور المنزل المعمور فهو له، وما لم يجز من العامر بالعمارة فهو الذي أثبت أصل المنزل إلا أن يأتي بشراء باطن من عامر وغامر، وهذا إذا كان المنزل بيد من لم يرثه عن أحد، فأما إن كان ورثه فإن الغامر تبع للعامر، ويصير حوزة للعامر حوزا للغامر، ولا يكلف إذا كان ميراثا أن يأتي بوثيقة، إذ لعله كان بيد الميت بوثيقة، وأمر قد درج وانطوى بانطوائه، وإن كان بيد بغير الميراث وقد حازه وحاز بعض الشعري بالعمارة، وباقيها لم يحزه إلا بالاحتطاب والرعي وهي المنزل والمنزل الذي كان أثبت أصله، قال: أما المنزل المعمور وما هو قائم من الحقوق، فإن من حازه
[10/ 535]

(10/535)


على من له أصله العشر سنين ونحوها أحق به إن ادعاه ملكا له، ولا يكون ذلك حيازة لما عمر من الشعري حتى يطول زمانها أكثر من هذا، لأن حيازة عمل العشري لا يشبه عندي حيازة الحقوق القائمة، وأما الشعري التي لم يحز منها شيئا إلا بالاحتطاب والرعي، فليس ذلك بحيازة يوجبها لحائزها وإن طال ذلك جدا. إلا أن يؤخذ ذلك عن ميت بوراثة، فيكون يبقى للمنزل كما ذكرنا.
قال ابن الماجشون فيمن اشترى في قرية من قرى الشعري أجزاء من عامر القرية، ولا يدري ما ملك القرية من الشعري ولا مبلغ حدها، إلا أنه يعرف/أنها تقسم بين أربع قرى أو خمس، ولا يعرف كم تنقسم الشعري بين أهل تلك القرية التي منها اشترى ذلك، قال: لا أحب بيع العامر حتى يقسم، وينهي عن ذلك، فإن وقع ذلك قبل النهي، فذلك مختلف، فإن الشعري بين أربع قرى أو خمس، وكانت تلك الخربة يعرف عدد من بيده منها، وكم لكل إنسان منهم منها، فلا بأس بذلك، لأنه كمن اشترى من رجل سهما مبهما من سهام قد أحاط بعددها، فذلك جائز، وإن كانت جملة سهام القرية لم يجز الشراء ويرد، وإن كان هذا المشتري على ما لا يجوز قد عمر وإبان الأرض وغير الرسوم، فليرد ذلك إلى القيمة، وقال مثله ابن القاسم: قال: وإن فات بعض ذلك بعمارة في الشعري والذي عمر منها يسير، ليس من أجله وقع الاشتراء في الجميع، فإنه يفسخ ما عمل منه وما لم يعمل، ويرد إلى البائع، ويغرم له البائع قيمة العمارة، يريد: قائمة فإن عمر من الشعري الجل، فذلك فوت في جميعه، وعليه قيمة الجميع. قوله: يغرم له البائع قيمة العمارة لعله يريد: إذا اتفقا، والذي ذكر ابن عبدوس عن ابن القاسم فيمن اشترى قاعة فبناها ثم قام بعيب، فله ردها، ويكون بالبناء شريكا للبائع.
[10/ 536]

(10/536)


ابن حبيب: قال ابن الماجشون في الشعري إذا تشاحوا فيها بعد أن اعتمر كل قوم منها ما يليهم، فقام رجل من أهل القرية على إشراكهم أو على أهل القرى هل يأمرهم القاضي بالوقوف عن عمارته حتى يرى رأيه؟ [قال: يأمر بالتوقف عن من لم يعمر حتى يرى فيه رأيه] فأما ما قد عمروا منها فلا يأمر فيه بشيء حتى/يتبين له أنهم على غير حق فيها، فيأمر بقسم الشعري على عدد القرى، ثم يقسم أهل كل قرية ما صار لهم على أصل ملكهم من القرية، فإن لم يجد القاضي من يكتب إليه في قسمها أو إيقافها والنظر فيها إلا وهو جار لنفسه لما له فيها من الشركة، فليمسك عن القضاء فيها، قاله ابن القاسم.
قال مطرف وابن الماجشون عن أهل القرية يجتمعون على تبوير بورهم ويكتبون فيه كتابا يشهدون فيه على أنفسهم، ثم يرجع عن ذلك بعضهم [ويريدون القسمة، قال: إن كان لهم صلاح في تبوير بورهم فقد لزمهم ما رضوا به] ولا رجوع لهم فيه، وقاله أصبغ وقال: سواء كان في داخل حوزهم أو خارجا منه فهو يلزمهم.
وقالا في قوم ادعي عليهم عمروا في الشعري، وأنكر ذلك العامرون أ، يكونوا عمروا في شعري: أنهم على قولهم حتى يقيم أهل القرية البينة أن ذلك الموضع كان شعري، أو يقر بذلك العامرون، فيصير لأهل القرية إلا أن يتقادم عمرانهم، قال مطرف: العشر سنين ونحوها، وقال ابن الماجشون: الزمن الطويل من غير توفيت، فيكونون أحق بما عمروا، وإن ثبت أنه كان شعري إذا ادعى ذلك العمار ملكا لهم، ولا يسألون عن غير ذلك إذا جهل أصل دعواهم فيه وإحيائهم، إلا أن يثبت ببينة أو بإقرارهم أنهم إنما عمروا على وجه الاختطاط
[10/ 537]

(10/537)


والتبادر إليه، فلا يستحقونه بذلك، وتكون عمارتهم وحيازتهم له. وذلك لأهل القرية ويصير من عمر كذلك كمن عمر بشبهة، يرون أن من أحيى ذلك فهو له، فلهم قيمة العمارة، وإنما يؤديه أهل/القرية أو القرى ويقتسمونه، وإن لم يعمروا إلا بقطع الشجر والإفحاص عن الأرض فلهم قيمة ما غادروا فيها بعلمهم من النفقة لمن يقضي بها فيما ينتفع به في مستقبل أمره، وليس على قدر ما تكلف الأولون في ذلك من النفقة، ولا كراء عليهم فيما قد كان يرعى منها لأنه على شبهة، وإنما يؤدي أهل القرية أو القرى قيمة العمارة قبل القسمة، ولا يجوز أن يقتسموا على أنها كلها شعري، على أن من وقع في سهمه العمارة ودي قمتها، هذا لا يجوز إذا قسموا على التعديل والقرعة، وإن قسموا على أن يأخذ كل منهم ما يليهم، فإنما قيمة العمارة على من يقع في ناحيته، ولا يقع السهم في هذه القسمة، وقال مثله كله ابن القاسم، ولم يلخص هذا التلخيص إلا أنه وقت في الحيازة كما وقت مطرف.
وسألت مطرفا عن رجل يقال له مغيرة، ابتاع من رجل ماء ملاصقا والرجل يقال له: حارث والماء في داخل بور، اتباعه مغيرة فقطع عنه الشجر، وغرس فيه أشجارا، وأغلق عليه بحائط، ثم إن حارثا قام بعد عشرين سنين فادعى أنه كان منتفعا بذلك الماء قبل إغلاق مغيرة عليه، وقامت له بذلك بينة، قال مطرف: الحق لمغيرة، ولو كان أصل الماء لحارث دون غيره فأغلق عليه مغيرة، وغرس عليه الثمار، وأحياه وما حوله بالعمران، وحارث عالم بذلك حتى مضى من السنين ما ذكرت، لكان مغيرة أحق به إن ادعاه ملكا له، فيكيف والماء في داخل البور الذي ابتاع مغيرة، وإنما ثبت أن حارثا انتفع به قبل إغلاق مغيرة عليه، ولا تستحق مياه الفلوات ولانتفاع للمأذون في ملك أصلها، وقد ترعى الماشية في مرعى غير أصلها، ويرد ما يعمر ماءهم، وقاله كله أصبغ. وهذه المسألة رواها عيسى من أولها في العتبية عن ابن القاسم.
وسألت ابن الماجشون عن صبرة في وسط شعري أحاطت بها القرى فسكن تلك الصبرة وعمر حولها في الشعري زمانا، وباعها من سكنها، وعمر في
[10/ 538]

(10/538)


تلك الشعري ورعاها فيما لم يعمر منها، ثم تشاح أهل القرى في قيمتها؟ قال: إن كانت الصبر مسكونة لحقت القرى في كثرة من سكنها، فلها نصيب من الشعري كأحد القرى وإن لم يسكنها إلا النفر اليسير والرعاة لم يكن لها شعري كالقرية. ولكن لها الأفنية والمدخل والمخرج والطريق، وما اعتمر صاحب الصبر من الشعري وقال: هو ملكي. وأحتج بأتي أعمرته بعلم أهل القرى لا يغيرون في ذلك يكسى من البينة، على أنه إن قال: لا بينة عليه فيما عمر من الشعري، فإذ ثبت ذلك البينة أو بإقراره نظر، فإن طال زمان ذلك بمحضر هؤلاء بذلك تسمع يمينه أن له حق وملك، ولا حق لها ولا ولاء فيه، وإن لم يطل زمان ذلك لم يجب له ذلك إلا ببينة على شراء أو عطية، وإلا دخلت في الشعري وكان له قيمة ما عمره إلا أن يموت الغامر ويورث ذلك ولده بذلك لهم طالت العمارة أو قصرت، فإن ثبت أن أباهم إنما عمرها لما درج الأب من حجته، وإن كان حيا فقد يأتي ببينة على شراء، أو بما ينبغي من الملك. إلا أن تقوم بينة على إقرار الأب أو بينة تثبت أن عمارته إنما كانت اختطاطا وبدارا كما ذكرنا، فإن كان هذا لم ينتفع بطول زمانها ولا من حيا أو مات، وكان أهلها بقيمة العمارة كما ذكرنا، ولو لم يثبت العمارة، ولكن باع منها وتصدق وأصدق النساء ولم يطل زمان العمارة، وكان من كان بيده ذلك كالوارث لا يخرج من يده طال الزمان أو لم يطل إلا ببينة على أنه إنما عمر على الاختطاط وعلى التبادر أو على إقرار بذلك فيكون أهل القرى أحق بذلك ويؤدون قيمة العمارة، ثم ترجع الزوجة بقيمة ذلك على الزوج، والمبتاع على بائعه بما أدى، ولا يرجع المتصدق عليه بشيء، ولو كان إقراره عند هذه البينة بعد أن صار ذلك بيد من ذكرت من متاع أو معطى، فذلك باطل لأنه مقر على غيره، وعليه لأهل الشعري قيمة ما أتلف عليهم، قال: وكذلك كل ما عمر في العشري بشبهة، ولا تنفع العمارة من الشعري إلا أن يطول الزمان، أو يورث ذلك، وإن لم يطل الزمان فذلك لعامره. ولو ثبت أنه كان من شعري إذا قال: إنما أعمرته بحق لي وملك حتى تقوم بينة أن عمارته اختطاط أو بدار، ويقر هولك فتبطل بذلك الحيازة، وإن طالت وتوسعت بالوراثة، ويصير ذلك لأهل الشعري، وعليهم قيمة العمارة،
[10/ 539]

(10/539)


قال: ولو حكم الحاكم وتقدم إلى الناس بالنهي عن عمارة الشعري الملاصقة للمقر إلا باقتسام أهلها، فعمر أحد بعد هذا قامت عليه بينة إن ذلك بعد علمه بوجه الحكم فيها ولم يتأول الحديث، فهذا كالمتعدي وتؤخذ منه ويعطى قيمة عمارته مطروحا ولا شيء له في قلع الشجر والإفحاص عن الأرض.
قال ابن الماجشون في أرض الشعري وقد أحاطت أرض بعضهم بشيء من الشعري فصارت في أرضه، قال: هو أحق بتلك الشعري التي احتاط بها بياضه من نواحيها كلها.
ولو جعلت لغيره معه فيها حقا، جعلت لهم في أرضه حقا، وأبحث لحريمها وضيقت طريقها، وأما إن كانت الشعري تنال وتدخل من غير أرض هذا، فلا أري لها تماديا منها أرضه فضلا على غيره، والشعري قد تبعد من بعض القرى وتقرب من الأخرى، فلا يزداد حظ القريب بذلك، ولو أنهم عمروا شعري هذا الرجل الذي أحاطت بها أرضه من كل ناحية وهو يراهم ولا ينكر، ثم يزعم أنه تأول الحديث في إحياء الميت قال: فله ذلك، ويعطيهم قيمة ما عمروا قائما [ويخرجهم، وكذلك قال ابن القاسم في ذلك كله قال ابن الماجشون]: ومحمل المروج والأودية والأجما في القرية محمل الشعري إذا أحاطت أرضه [بذلك من كل ناحية فلا حق لغيره في ذلك معه، وكذلك لو كانت الأرض لرجلين] فذلك الوادي أو المراح أو الشعري لهما وبينهما خاصة، وإن كانت أرض هذا من جانب، وأرض الآخر من جانب، وهي بينهما بالسواء، ولا يبالي أيهما كان أخذ للمرج أو الروضة أو الشعري من أرضه من الآخر، وقاله ابن القاسم.
[10/ 540]

(10/540)


ومن العتبية: روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في الذي يسكن القرية وليس له فيها إلا مسكنه أو شيء اشتراه بعينه، وليس ممن ورث، ولا اشترى سهما من وارث، فعمر من بورها أرضا فحرثها وزرعها زمانا بمعاينة أهل القرية، لا يمنعونه ولا يغيرون عليه ثم أرادوا إخراجه؟ قال: ذلك لهم [إلا أن يقيم بينة بشراء أو ميراث أو هبة/أو حق يستوجب به ما عمر وإلا أخرجوه] إلا أن تطول حيازته جدا، قلت: أفمثل طول الحيازة بين الأجانب أو بين القرابة أو الرجل مع مواليه؟ قال: يجتهد فيه الإمام بقدر ما يعذر به أهل أصل الأرض لافتراق سهامهم وقلة حق أحدهم فيقول كل واحد منهم: منعني من الكلام سكوت أصحابي، وقلة حقي، فلما خفت طول الزمان قمت، فهذا أعذر من الذي يستحق عليه من داره أو أرضه شيئا ولا أبلغ به حوز الورثة والموالي في أرض مواليه والصهر في أرض أصهاره إلا أن يكون ذلك البور لرجل أو رجلين أو نفر قليل فلا يغدرون بسكوتهم. ويحملون فيما عمر جارهم من عامر أرضهم ما يحمل على من حاز من أرضه أو داره شيء قال: وهم فيما يعمر بعضهم من عامرهم المشترك أعذر في السكوت وأوجبت حقا وإن طال الزمن جدا.
وسئل سحنون عن قوم يسكنون قرية ويزرعونها وأمام مزرعهم أرض لمواشيهم، فزرع فيه أكثر تلك القرية زمانا قبل أن ترفع إلى الإمام ولم يزرع فيه الباقون، قال: الذين عمروه أحق به دون من لم يعمر.
[10/ 541]

(10/541)


تم كتاب الأراضي والشعاري وإحياء الموات
يليه كتاب القضاء في الكلأ والآبار
والأودية والبرك والأنهار، وفي بيع بئر الماشية
وغيرها من الأبار، وبيع مائها،
وذكر الكلأ ولبيع الكلأ باب آخر
[10/ 542]

(10/542)


النوادر والزيادات
على ما في المدونة من غيرها من الأمهات
لأبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن أبي زيد القيرواني
310 - 386هـ
تحقيق
الأستاذ محمد عبد العزيز الدباغ
محافظ خزانة القرويين بفاس

المجلد الحادي عشر

(11/1)