النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات

بسم الله الرحمن الرحيم عونك اللهم

كتاب الأرحية
في إحداث الأرحية والضرر فيها
وما يحدث في الأنهار من السداد مما يضر بالناس
وغير ذلك من نفي الضرر (1)
/ من العتبية (2) من سماع يحيى بن يحيى من ابن القاسم وقال ابن عبدوس سئل بعض أصحابنا. وقال ابن حبيب: سألتُ أصبغ عن الرجل يكون له الرحى المتقادمة فيريد رجل أن يحدث فوقها أو تحتها رحىً، قال: إن كان ذلك يضر بالقديمة في بعض طحين أو يكثر بذلك مؤنة عملها أو شيء مما يضر بصاحبها ضرراً يتبين لأهل المعرفة بالأرحاء مُنع الذي أراد أن يحدث الرحى أن يحدثها.
قال وفي كتاب ابن حبيب عن أصبغ فإن قالوا: لا يضر ذلك بالرحى القديمة تُرك ذلك فإن أشكل ذلك عليهم قيل له اعمل فإن أضررت برحاه منعناك وأبطلنا عملك قال: وإن قالوا لا ضرر على الأول من إحداثها فحُكم له بالعمل فلما تم عمله تبين الإضرار بالأول نُقض الحكم ومُنع، ولو عمل على غير حكم وصاحب الرحى الأول ينظر إليه فلا يغير حتى تم عمله ثم تبين ضرره وقال الأول ما ظننتُ أن ذلك يضر بي قال: ينظر: فإن كان مثله لا يخفى عليه ولا على غيره أن ذلك يضر فلا كلام له وتبقى (3) الرحى المحدثة، وإن كان يشبه أن يخفى
__________
(1) تضاف إلى نسخة الصادقية نسخة باريس فيما يتعلق بمقابلة بعض الأبواب من كتاب الأرحية.
(2) البيان والتحصيل، 10: 319.
(3) في ب، وتقر الرحى.

(11/69)


عل مثله أحلف ما سكت وهو يرى أن ذلك يضر به ثم أزيل عنه الضرر، قال ابن وهب وابن نافع مثله.
قال في العتبية (1) وكتاب ابن عبدوس قلت: فإن كان لعدوتي نهر موضع رحاءين وكل عدوة لرجل وهما متقاربتان أن أعمل المنصب الذي بهذه العدوة ينفذ سده إلى العدوة الأخرى بطل المنصب الآخر وإن عمل الآخر كذلك بطل هذا قال: إن تشاحَّا (2) فليس لكل رجل إلا نصف النهر/ فإن كان في نصفه ما يعمل عليه رحاه فذلك له وليس له أن ينفذ سده إلى برية غيره إلا أن يأذن له أهل تلك البرية أضر ذلك بهم أو لم يضر لأن نصف الماء لهم إن تشاحوا إن شاؤوا سقوا به أو حولوه إلى منبعهم وإن لم يكن في نصف الماء ما يحمل عمل رحىً مُنعا جميعاً من العمل حتى يتراضيا على ما يحمل.
[ومن العتبية (3) قال محمد بن خالد عن ابن القاسم] (4) فيمن له رحىً فنصب رجل تحتها رحىً فنقصت الأولى من طحينها قال: ليس له ذلك ويُمنع
قال في المجموعة قال بعض أصحابنا فيمن له رحىً فيحدث رجل تحتها رحىً فقال صاحب القديمة أخاف أن يضر برحائي فيبعث القاضي من ينظر ذلك من أهل النظر فيقولون: لا فساد على رحائه من ذلك فيأذن له بالبنيان فإذا فرغ أضر ذلك بالرحاء العليا وخنقت الماء عليها فلم تدُر قال: إذا اجتهد السلطان أولاً ثم أمره بالبناء فهو حكم مضى ولا يُرد ولا تركه صاحب العليا حتى بنى وطحنت رحاه ثم قام وذكر إضرارها به لم أر للسلطان أن يهدمها عنه لأنه قد تركها حتى أنفق فيها النفقة العظيمة، وقال غيره: لا يمضي الضرر فيها على أحد كان بأمر السلطان أو بغير أمره وأرى أن يُقلع الضرر إذا تبين، وقال غيره: إذا رآه بنى __________
(1) البيان والتحصيل، 10: 312.
(2) تشاح الخصمان في الجدل أراد كل منهما أن يكون هو الغالب وتشاحا على الشيء أراد كل منهما أن يستأثر به.
(3) البيان والتحصيل، 10: 319.
(4) ما بين معقوفتين ساقط من ص.

(11/70)


وسكت حتى طحنت فلا قيام له كانت رحاه قائمة أو قد خربت لأن النهر موات.
وقد قال عمر لا تحجروا على الناس فيمن أحيا مواتاً ثم تركه فأحياه غيره فهو لغيره فإن قال إنما تركته وأنا لا أعلم أنه يضر رحائي فإن كان لا يخفى على أحدٍ أنه يضر فلا قول له وإن كان يخفى ذلك حلف وكان له أن يقلع. وسُئل عن سداد الأرحية إذا تقادمت بيد أهلها فأراد قوم أن يمروا بخشبهم في النهر قال: أرى أن يُوكل السلطان من يهدم ما أضر بالمسلمين من تلك السدادات في ممرهم بخشبهم وسفنهم ويترك ما لا يضر بهم.
قال ابن حبيب: سألت أصبغ عما يفعل أهل سداد الأرحية عندنا من منعهم ممر الخشابين فخشبهم والخرق لهم فيها حتى يأخذوا منهم على ذلك غرماً قال: ليس [ذلك لهم لأن الأنهار التي لم يستقها الناس هي ضرر للعباد] (1) ليس لأحد منعها ولا أن يحدث فيها ما يضر بالناس في مسالكهم وليأمر الإمام بخرق ما حُبس من السداد ومؤنة ذلك ومؤنة إعادتها على أصحاب السداد دون الخشابين كانت السداد محدثة أو قديمة، وقاله ابن القاسم.
قال ابن حبيب سألت أصبغ عن الرجلين يبتدران (2) عمل رحاءين في أرضيهما معاً أو بدأ هذا قبل هذا فلما فرعا أضر أحد الرحاءين بالآخر قال: إن بدأ أحدهما قبل صاحبه بالعمل الذي له قال وقدر من النفقة ثم عمل الآخر بعده فسبقه بالفراغ أو لم يسبقه فهو المحدث فإن كان هو المضر مُنع وإن كان هو المضر به تُرك، وهو كمن حفر بئراً في داره ثم حفر جاره بئراً في حقه يستنزف ماء الأخرى مُنع [مِنْ] ذلك.
قال: وإن بدآ جميعاً ولم يسبق أحدهما الآخر بالأمر البين ولا بالإنفاق الكثير فلا يمنع واحد منهما لصاحبه إذا تباينا/ بموضعيهما [فإن تقاربا] (3) __________
(1) ما بين معقوفتين ساقط من ص.
(2) يبتدران: يبادر بعضهم بعضاً أيهم يسبق الآخر وفي ب، يبتدئان.
(3) ما بين معقوفتين ساقط من ب.

(11/71)


بالموضعين بما يتبين أن فيه الضرر البين فليُمنعا جميعاً لأنهما استبقا الضرار حتى يفترقا ويتباعدا بأمر بين أو متشابه. قال أصبغ: ولو خربت رحى رجلٍ فأراد غيره أن ينشئ فوقها رحىً في أرض نفسه أو تحتها وهي تضر (1) بالأولى إن أُعيدت قال: إن كان خراباً طويلاً قد عفا (2) ودرس وتُركت على التعطيل حتى طال الزمان فليس له منعه فإن كان أمرها قريباً ولم يتقادم الزمان ولا درس الأمر ولا يتبين للناظر فيها أن يتركها على التعطيل فله أن يمنع من إحداث ما يبقي ضرره إذا دعي الآن إلى العمل وإعادة رحاه فأما أن يمنعه وهو لا يريد أن ينشئ رحاه القديمة الآن فليس ذلك له، لأن هذا من التحجير على الناس.
ومن المجموعة قال بعض أصحابنا فيمن له رحىً فمات عنها فضعف ورثته فبطلت ثم أتى من اتخذ تحتها رحىً ثم قام الورثة فأرادوا هدم ما أحدث قال إنما ذلك لهم إذا قالوا نحن نبني فيتلوم لهم في ذلك وإن قالوا لا نبني لأنا لا نقدر قيل لهذا ابن في حقك ما شئت وكذلك إن لم يكن لكل واحد منهم عليه رحىً فأراد أحدهم أن يعمل في موضعه رحىً فقال صاحبه رحالك يضر بي إن أردتُ أن أحدث رحىً فليس له أن يمنعه إلا أن يقول أنا أبني رحىً في حقي أو أبيع ممن يبني. فإن قال ذلك وكان كل واحد منهما يضر بصاحبه مُنع من ذلك حتى يتراضيا. وقد سمعت مالكاً يقول في العين للرجل تهور (3) ثم أراد رجل أن يتخذ بئراً أو عيناً فإن قال صاحب القديمة أنا أبني/ [أو (4) أبيع ممن يبني تُلوم له وإن قال لا أبني لم يُمنه هذا من اتخاذ ما أراد، قال وكذلك الرحى عندي، وما أحدث في منع من أحدث رحىً تحت رجل، وهو على الاستحسان، وقد ضعفه بعض العلماء ولكن أخذنا به.
__________
(1) كذا في ب وفي النسختين الآخريين وهو يضر بالأولى.
(2) عفا المنزل: أمحى ودرس وبلي.
(3) في ص، تغور.
(4) ابتداء من هذه المعقوفة سقط من النسخة الأصلية ما يقرب من ثلاث صفحات أثبتناها من ص وب وسننيه على نهاية ما أثبتناه عند الوصول إلى ذلك.

(11/72)


وكتب شجرة إلى سحنون في الواد (1) يتخذ فيه القوم سدوداً بالخشب قطعوا بها عرصة يصيدون منها الحيتان، فشكا قوم أن بعض تلك السدود يضر بهم في أرضهم ويُميل الماء عليها فهدّم أجوافها (2) وتخرق أرضهم، ومن السدود شيء قديم منها عند مورد قوم وسقيهم للماشية والشفة يخدمهم ونساءهم فقد منعوا النساء من الاستقاء للزومهم الصيد أو تعديهم فكتب إليه: امنع الضرر حيث كان ولا أعرف الخطط في الأودية ولا في البحر ولا يمنع الناس بالأمر الذي لا يدخل به على أحد ضرر ومن أراد أن يختط فيه ويمنع من تخطية من يصيد فلا أعرف هذا.
وسئل بعض أصحابنا عن الذي يتخذ سدّاً في النهر ولعل أرضه من حافيته ويجعل في السد مصيداً للحيتان ويتقادم في يده حتى يصير ميراثاً فيأتي قوم من أهل القرية أو غيرهم يريدون عادة مثل ذلك الصيد فيمنعهم الأولون؟ قال ليس لهم أن يمنعوا أحداً من ذلك ولا من الاصطياد بشباكه وقواربه.
وسئل عن رجلين غرساً شجراً في أرض ليس بينهما إلا حد فأضر أحدهما بالآخر؟ قال يقران على حالهما لأن كل واحد عمل في أرضه ما أحب، ولو كانت واحدة قبل صاحبتها مُنع المحدثُ من الضرر على صاحبه.
ومن العتبية (3) قال أصبغ في رجل كان يبني رحى أو بيتاً في جوار مُغتسل (4) أو مُستقىً فأرادوا منعه لغاشية الرحى وما يردها من الناس، وكيف إن كان على المغتسل طريق سابلة عامرة هل لهم بذلك حجة عليهم؟ قال أصبغ إن كان يضر بهم وبغاشيتهم (5) ومستقاهم وممرهم أو ينقص منها شيئاً أو يعور طريقهم إلى __________
(1) كذا في ص بدون ياء بعد الدال وكتب في ب الوادي بالياء وهو في اللغة منفرج بين جبال وآكام يكون منفذاً للسيل والاستعمال المغربي غالباً ما يطلق الواد الذي استغنى فيه عن الياء على النهر. فيقال مثلاً واد سبو وواد أم الربيع وهكذا.
(2) في ص، فهدم أطرافها وما أثبتناه من ب.
(3) البيان والتحصيل، 10: 326.
(4) المُغتسل المكان الذي يغسل فيه ويطلق أيضاً على الماء الذي يغسل به ومنه قوله تعالى: (هذا مُغتسل بارد وشراب) (الآية 42 من سورة ص).
(5) في ص، يضرهم في معاشهم.

(11/73)


غيرها، لم يكن له ذلك، إلا أن يكون تحويل الطريق الذي ذكرت، الأمر اليسير ليس فيه عطب عليهم في ممرهم ولا عوج إنما هو يمنة أو يسرة وشيء لا يتباعد ولا يلحقهم به ضرر (1) ولا إذاية في طريقهم إذا أقبلوا أو أدبروا من طريق هم الأولى في غاشيتهم ولا في حشونة (2) مستقاهم فلا أرى به بأساً. وما كان عليه في وكف (3) فعلى السلطان نفي الضرر في ذلك.
وسئل عيسى بن دينار عن ساقية بين قوم أعلين وأسفلين، وللأعلين نصفها يسقون بها يومين [ثم يسرحون إلى الأسفلين فيسقون بها يومين] (4)، فهذا فعلهم ما احتاجوا إلى السقي، [فإذا استغنوا سرحوا الماء إلى الأسفلين حتى يقع في النهر الأعظم فأنشأ الأسفل على الساقية] (5) رحى فطحنت زماناً في غير أيام السقي ثم أراد الأعلون إنشاء رحى عندهم وذلك يضر رحى الأسفلين فمنعوهم وقالوا سبقناكم إلى العمل؟ قال فللأعلين أن ينشئوا الرحى ثم يقتسموا الماء كما كانوا يفعلون يومين يومين فإن كان يوم الأعلين طحنوا بمائهم ثم] (8) أرسلوا على الأسفلين فطحنوا في يومهم، فسقوا وصنعوا ما شاؤوا، وإن أراد الأعلون والأسفلون قسمة الساقية نصفين وكره ذلك الآخرون لم يكن لهم أن يقسموها إلا باجتماعهم لأن ذلك عليهم لأنه يضر عليهم ما كانوا يستقونه في يومين لا يستقون إلا في أربعة فيكثر عناؤهم، ويضر ذلك بهم، وذكره ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون من أول السؤال إلى قوله حتى يقع في النهر الأعظم، ثم قال فهل للأعلين أن يُنشئوا في حقهم رحى يطحنون عليها في يوميهم وفي أيام استغنائهم جميعاً عن السقي فإذا احتاجوا إلى السقي يسرحون الماء كله إلى الأسفلين في يومهم وعلقوا أرحاءهم؟ فقال ليس ذلك لهم لأن الأمر يتقادم والعلمُ يدرس فيصير ذلك حقاً لهم على الأسفلين فليس ذلك لهم إلا برضاء الأسفلين.
__________
(1) في ص، ولا تلحقهم به ضرورة.
(2) في ص، حسونة بالسين المهملة ولم يتضح لنا معناها إلا أنه يوجد في اللغة في مادة حشن ما يأتي حشِنَ السقاءُ: حشناً أبتن لكثرة حقنِ اللبن فيه وعدم تعهده بالغسل وأحشن السقاء جعله ينتن.
(3) الوكف هنا الظلم والجور أي من حصل له ضرر يقال وكِف يوكف وكفا إذا أتم إو إذا مال وجار.
(4) ما بين معقوفتين ساقط من ص. مثبت من ب.
(5) ما بين معقوفتين ساقط من ص.

(11/74)


قال: ولو أحب الأسفلون أن ينشئوا رحىً في حقهم يطحنون عليها في يومهم وفيما أتاهم من فضل الماء عن السقي فليس ذلك لهم وليس للأعلين منعهم ولا حجة لهم بمثل ما احتجبه الأسفلون عليهم لأن الأسفلين لا يملكون من الماء إلا ما يأتيهم من الأعلين من شرب يوميهم ثم إن أحب الأعلون أن ينشئوا رحىً عندهم بعد إنشاء الأسفلين فذلك لهم ويقتسمون الماء بينهم على قدر حقهم فيه فيطحن كل قوم بمائهم أو يسقون به إن أحبوا ولو أراد الأعلون أو الأسفلون قسمة الساقية نصفين وأبى ذلك الآخرون فليس ذلك لمن أراده حتى يجتمعوا/ ثم ذكر مثل ما ذكر عيسى إلى آخر المسألة (1)
ومن العتبية (2) قال عيسى بن دينار في الساقية تشق أرض رجل إلى ناس تحته يسقون بها وله منها شرب أو لا شرب له منها ويريد أن يشق الساقية في أعلاها حيث يمر في أرضه فيخرق منها ساقية أخرى تصب عليها رحىً ثم يرد الماء من تحت الرحى إلى الساقية [فيمضي الماء كله إلى القوم الذين إليهم تجري الساقية] (3) وذلك لا يضرهم أذلك له (4)؟ قال: إن كانت هذه الساقية الله أجرى الماء فيها من غير أن يعملها الذين يسقون بها فذلك له، وإن كانوا هم الذين عملوا حتى أجرى الله الماء فيها (5) فليس له أن يغرقها عليهم. وذكرها ابن حبيب عن ابن الماجشون وقال في جوابه: إن كانت هذه الساقية التي أُجري الماءُ فيها من غير أن يعملها الذين يسقون بها والذي يبقى فيها من الماء بعد الذي يسبق هذا فيها كثير لا يخاف نضوبه ولا انقطاعه في وقت من الأوقات فذلك له وإن لم تكن كثرته على هذه الصفة أو كانوا هم الذين أجروا الماء فيها وسقوها فليس ذلك لهم، وقال لي مطرف وأصبغ: ليس ذلك له على كل حالٍ، وقول ابن الماجشون أحب إلي.
__________
(1) هنا تنتهي الزيادة التي أضفناها من ص وب انظرا لكونها ساقطة من الأصل.
(2) البيان والتحصيل، 10: 261.
(3) ما بين معقوفتين ساقط من الأصل.
(4) في الأصل وص، أذلك لهم والسياق يقتضي أذلك له؟ وهو ما أثبتناه من ب.
(5) في ص وب، الذين عملوا حتى جرى الماء فيها.

(11/75)


ومن العتبية (6) روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فيمن له في أرضه مخاضة نهر (7) فيريد أن ينصب في موضعه رحىً وذلك يعور المخاضة أو ينصب الرحى تحتها فيفرق المخاضة ويقطعها قال: ليس ذلك له أن يحدث ما يجر به ضرراً على الناس في المخاضة التي هي طريق العامة. قلت فإن كانت المخاضة منها على قدر رحيل أو ميلين أو الغلوة (8) والغلوتين هل له/ أن يرد الناس إلى بعض تلك المخائض لينتفع هو بما أحب أن يصنع في أرضه؟ قال: لا يجوز له أن يحول الناس عن طريقهم وليس للناس منعه مما لا يضرهم فإن كان يقدر أن يعمل الرحى ولا يضر بالمخاضة لم يُمنع قيل له إن الضرر لا يتبين إلا بعد فراغه من العمل قال: يقال له إن شئت أن تعمل فإن تبين ضرر عملك أبطلناه عليك فاعمل على ذلك إن شئت.
قال ابن حبيب قال ابن الماجشون فيمن أراد أن ينشئ رحىً في أرضه تحت رحاءٍ لغيره أو فوقها وذلك مضر فليس ذلك له ويُمنع لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس على الأول من الآخر ضررٌ (9) وقال أصبغ: لا يُمنع من ذلك. وإن كان فيه بعض الضرر على من الساقية فوقه أو تحته ما لم يكن ضرراً مُفسداً أو مبطلاً، وأما ما فيه الانتفاع والاعتمال فإن كان فيه بعض الضرر فلا يُمنع إلا أن يجاوره في العمل والبناء ويشرف على [سده أو قربه جدارٌ ليس فيما بينهما للماء منفسحٌ فيُمنع من ذلك قال: وليس الانتفاع] (10) بالأنهار وحوز منافعها بحق ثابت كحق ذي الخطة إذا أوتي عليه في ركحه (11) ومستراحه ومدخله ومخرجه إنما النهر كالموات
---------
(6) البيان والتحصيل، 10: 298.
(7) المخاضة موضع الخوض في الماء والجمع مخائض ومخاضات من قولهم خاض الماء يخوضه خوضاً وخياضاً إذا دخله.
(8) الغلوة مقدار رمية السهم.
(9) تقدم تخريج هذا الحديث فيما سبق.
(10) ما بين معقوفتين ساقط من ص.
(11) الركح: جمع أركاح ورُكوح: ساحة الدار وله معان أخرى في اللغة منها أنه الأساس وأنه ركن الجبل أو ناحيته، وأنه بيت الراهب.

(11/76)


فحيث ما وضع فيه الإحياء كان ذلك له ولا يُراعى من الضرر [في هذا إلا ما فيه إبطال الجميع مثل أن يُغلق عليه ماء النهر أو جُله أو يشرف فوق رابية] (1) أو على سده على ما أعلمتك ألا ترى سيل مهزور ومذينب في إمساك الأعلى في حائطه كله حتى يروي ثم يرسله على الأسفل فقد كان منشأ تلك الحوائط/ متفاوتاً بعضٌ بعد بعض فوق وأسفل فلم يكن يمنع من إنشائه فوق الأسفل مخافة حبس الماء عنه.
قال أصبغ: وكذلك إذا كان في إنشاء المنشئ الثاني منفعةٌ لهما واعتمال لرحييهما جميعاً. وإن كان عليهما فيه بعض الضرر أو على أحدهما فلا يُمنع المنشئ ما لم يكن في ذلك إبطال العمل الأول وفساد فاحش يبطل عمله أو جله فيُمنع، وكذلك المصائد من شاء أن يصنع مصيدة فوق مصيدة صاحبه أو دونه فليس للسابق منعُ من بعده بأن يقول تُنفر الصيد أو تصرفه عن مصيدتي ما لم يضع مصيدته على رأس مصيدة الأول بحيث يقطع عنه الصيد كله أو أكثره وإنما هذا في المصايد فيما يبدو فيه أهل المصايد لحاجيتهم، فأما ما فضل عن حاجتهم فليس لهم منعُه للناس أو يتحجرونه عليهم (2).
قال ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون فيمن له المنصبُ في نهر يصيد فيه الحيتان أعواماً ثم شكا جيرانه أن ذلك يضر بهم قال: لهم أن يمنعوه وليس هذا مما يستحق بالحيازة على أحد ولا يضر به أحد، وقاله أصبغ، وهذه المسألة في العتبية لعيسى ابن دينار في مثل هذا الجواب فيها.
__________
(1) ما بين معقوفتين ساقط من ص.
(2) في ب، أو يحجرونه عليهم.

(11/77)


في مناصب الأرحية ومياهها هل تُقسمُ؟
وكيف بما لا ينقسم منها وهل فيها شُفعةً؟
وكيف إن اختلفت حاجتهم إلى مائها إذا اتفقت؟
من العتبية (1) روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم عن مناصب الأرحية في الأنهار أتقسمُ؟ قال: نعم إذا انقسمت فكان فيما يصير للسهم/ مُنتفع ومعتملٌ قلت: فإن لم تنقسم وأراد أحد الشريكين أو أحد الورثة العمل وضعف الآخرون ما الحكم على من ضعف؟ قال: يُخير بين أن يقاويه (2) شريكه فيُجعل لأحدهما أو يبيع معه إن ادعى (3) أحدهما إلى البيع يُخير (4) على أحد الأمرين وإن دُعي الضعيف إلى البيع وأبى المقاواة إذ لا ثمن معه قال: يُجبر شريكه على البيع معه كان طالب البيع قوياً على العمل أو ضعيفاً واجداً للثمن أو معدماً، قال: ولو باع أحدهما نصيبه وهي مما لا ينقسم فلا شفعة في ذلك.
قال ابن حبيب: سألتُ مطرفاً وابن الماجشون عن أنهار الأندلس وتشاح أهل الأرحية عند نضوب مائها في أيام نضوبها وتقلصه هل يُساوى بين الأعلين والأسفلين في ذلك فقالا: إن الأنهار التي لم ينشئها الناس وإنما أخرجها الله سبحانه ليست ملكاً لمن جاورها فتكون لهم المساواة فيها في قسمة مائها عند الحاجة إليه وإنما كغياث المطر أولاهم به أقربهم من عنصره فهو المبدأ بالانتفاع في الطحين والسقي حتى يروي شجره ويعمل أرحيته ثم يرسله إلى من تحته على ما بين النبي صلى الله عليه وسلم في سيل مهزور ومُذينب على إرسال ما جاوز الكعبين إلى من __________
(1) البيان والتحصيل، 10: 278.
(2) أن يقاويه شريكه: أن يغاليه في الثمن ليشتري الرحى من دفع منهما الأكثر يقال قاويته إذا غالبته في القوة فقويته أي غالبني فغلبته.
(3) في ب، أي دعا أحدهما.
(4) في الأصل، سقطت بعض النقط من الكلمة فصارت تحتمل يجبر ويخير وآثرنا كتابتها على ما هو موجود في ب.

(11/78)


تحته (1) قلت لهما: فإن كان الأعلى إنما حاجته إلى الماء ليسقي الشجر دون الأرحاء أو الأرحاء دون السقي والذي يليه مخالفٌ له أو موافق قالا: إن استوت حاجتهما فالأعلى أحق به قبل أن تكون/ حاجتُهما إلى الطحين جميعاً أو للسقي جميعاً أو حاجة الأعلى للسقي والأسفل للطحين. والأعلى في هذا كله مبدأ (على الأسفل) (2).
وإن كانت حاجة الأعلى للطحين والأسفل للسقي وكانت الشجر يأتيها من الماء بعد تبدئة الأعلى لطحينها ما يحيا به شجر الثاني [ويُؤمن معه موتُها فالأعلى مُبدأ وإن كانت الشجرة لا يأتيها] من الماء شيءٌ إذا بدأ به الأعلى وفي حبس الأعلى إياه للطحين يبس شجرات الأسفلين التي إنما حييت على ذلك النهر في أيام كثيرة فالأسفلون أحق بالماء في هذا من أرحية الأعلين ويُمنع الأعلون من حبس الماء وهذا في أصول حييت بذلك الماء قبل نضوبه وليس فيما يُبتدأ عمله من غراس الشجر ولا فيما يُنشأ كل عام من المباقل والمباطح وشبه ذلك.
قال: ومن كان من الخلج والسواقي التي تجتمع أهل القرى في إنشائها وإجراء الماء فيها لمنافعهم من طحين أو سقي فقل الماء فيها ونضب في وقت نضوبه فالأعلى والأسفل فيها بالسواء ويُقسم ذلك بينهما على قدر حقوقهم فيها بالغ ذلك ما بلغ ليس من قرب من عنصرها أولى ممن في أسفلها الأعلى قدر حقه منها استوت حاجتُهم فيها أو اختلفت، وقاله كله أصبغ، وبلغني أن ابن وهب وابن القاسم وابن نافع سُئلوا عن بعض ذلك فذهبوا هذا المذهب، وفي باب من أذن لرجل أن يُجري الماء في أرضه إلى رحىً يحدثها معنى من هذا الباب وبالله التوفيق.
__________
(1) سبق التعريف بذلك عند ذكر هذين الواديين الموجودين بالمدينة وعند تخريج حديث إمساك الماء حتى الكعبين الذي أخرجناه من سنن ابن ماجة كتاب الرهون.
(2) زيادة من ص.

(11/79)


/في نهر عليه أرحاءٌ لقوم فأزالها والٍ غاصب
وبنى جنبها مثلها ثم أنصف أهلها والٍ بعده
فابتاعوا النقض من ورثة الغاصب وأبقوها
من العتبية (1) سُئل أصبغ عن سلطان اغتصب أرحاءً قديمة على نهر وبنى تحتها قريباً منها أرحية بنقضها (2) فأقامت نحو خمسين سنة أو أكثر منها يتداولها الأمراءُ ثم قام ورثة المغصوب منه بحقهم فأنصفوا فقُضِيَ لهم به وأمر القاضي من كانت الأرحاءُ في يديه بقلع نقضهم من الموضع الذي أحدث فيه الغاصب الأرحية إذا لم يقم لورثة المغصوبين بينة على نقضهم وإنما قامت لهم بينة على أصل أرحيتهم فأمر القاضي بهدم المحدثة لقربها من الأولى فيشُق على أهل الغاصب قلعُ نقضهم لما يلحقهم فيه من المؤنة فباعوا ذلك النقض من المغصوبة منه فلما صار له رأى أن يُقره بحاله ويبني بذلك الموضع أرحية من قبلِ أنه ليس لأحد أن يبني فيد رحىً لمكان ضرورته لموضع الأولى وأن هذا الموضع ليس لأحدٍ وإنما هو نهر للمسلمين فبنى المغصوب منه أرحية بذلك الموضع وأنفق فيها أموالاً والإمام والقاضي وجميعُ الناس ينظرون إليه يبني ويعمل حتى فرغ وأعملها سنيناً ثم أراد الإمام اليوم أن يُخرب عليه ما عمل فقال: هذا الموضع ليس لك فأقررت فيه أرحيتك بوضعها فوق هذا فقال له: لو شئتُ قبل الغصب إلى ها هنا فعلتُ إذ ليس/ ذلك بمملوك لأحد ولم يكن لأحد أن يبني بهذا الموضع أرحاء لموضع الضرر بأرحيتي وأنا أحق بهذا الموضع ومع هذا إنك تراني أبني فلم تنهني.
قال أشهب: ليس لهذا الإمام نقضُه عليه ولا التعرض له وقد أخطأ أولاً حين فسخه وعرض فيه لأنه لم ينقضه لنقض المغصوب منه بعينه إذ لم تثبت له بينة على النقض بعينه وقد صار هذا الثاني كمن أحيا مواتاً فلا يماتُ حيٌّ بموات قد مات لا يقدر على إحيائه لأنه قد استعذر وصار مواتاً قد امتنع من الإحياء __________
(1) البيان والتحصيل، 10: 330.
(2) في ص، ببعضها.

(11/80)


وإنما كان يجوز له أخذ النقض لو ثبت للأول فيه نقض معروف فيوجد قائماً لم يغير فيقوم ربه فيه، فأما ما بلي فأكله الماءُ فلا يُنزعُ وإن كان غصباً لأن لا يُنتفعُ به وموضعه ليس لصاحبه فينازعه وإنما كان ينبغي للإمام أن يقضي في هذا للمغصوب بقيمة بنيانه ورحائه يوم هدمها الغاب إن كان قد بليت الحجارة والنقض وفي مسألتك لم يثبت لهم نقضٌ قد حول فيقضى لهم بقيمتها على الفساد والقلع والنقض فإن كان قد ذهب مع ذلك بحجارتها بأمر مشهود عليه قضى له بالقيمة قائمة على أصولها وإن لم يذهب بما قُضي له بما بين القيمتين ما نقض الهدم والفساد منها حية إلى وقت قلعها ميتة. فإن جهل هذا وأطأ العمل به وفسخ وأمر بالقلع وقضى به فاشتراه المغصوب وأقره وزاد فيه عملاً وبناءٌ فلا يعرض له ولا ينقض عليه.
ولا ينقض الإمام حكمه الماضي له به أنه وجه شبهة وإنما هذا بمنزلة ما/ ما لو قضى له فاشتراه غيره وأرضى صاحبُه المنقوض له وأقره لنفسه وزاد فيه فلا يُفسخ ذلك على هذا المشتري لأجنبي ويصير كمُحي مستأنفٍ لأنه كان له أن يحييه لو كان معطلاً بغير إذن الإمام لأن ذلك سُنتُهم في أنهارهم من أول الإسلام لأنها لهذا ولمثله من المنافع من قصائدهم وأرحيتهم ليست حمايةً ولا مساقي لغيرها من الأرضين ولا مصرف لها إلا لهذه المنافع فذلك لهم فيها وإن قرُبن من العمران.
قيل له: فإن كان القاضي جهل وجه الصواب فأمر ورثة الغاصب بقلع النقض وإخراب الأرحاء ولم يثبت عنده أن النقض للمغصوب منه وذلك بعد أن استعذر موضع الأول وطال زمان ذلك أو لم يطل فشق على أهل الغاصب قلعُه وباعوا ذلك النقض من المغصوب فأقره ورأى أنه أحق بذلك الموضع إذ ليس لأحد أن يبني فيه لقربها من الأرحية الأولى وأنفق في ذلك المشتري نفقة عظيمةً ثم أراد الإمامُ منعه من ذلك وقال هذا الموضع النظر فيه إلي. وقال ورثة الغاصب خُذ نقضك وانقله عن مكاننا الذي نحن أولى به؟

(11/81)


قال أصبغ: إن كان ذلك المكان في برية الغاصب وفي أرضه فلورثته أن يدفعوا عنه المشترى ويؤمر بنقل نقضه، وإن كان ذلك الموضع ليس مِلكاً للغاصب ولا لغيره وإنما هو كالموات ولا قول فيه للغاصب ولا لورثته وقد أخطأ هذا القاضي فيما قضى به لأنه لم يقض النقض فيقضي للمغصوب فيه بعينه وإنما نقضه لموضعه المحدث عن الموضع/ الأول لأن الأول قد مات ما كان أحياه وصار الثاني كمن أحيى مواتاً بعده وإنما كان الصواب ما أعلمتك فوق هذا، فإذا جهل القاضي وفعل ما ذكرتُ فليفسخ قضيته ما كان قائماً في سلطانه فإن زال عن سلطانه ثم ولي هو بعد ذلك أو غيره فلا سبيل إلى رده.
قال: وإنما يرجع في الذي حكم فيه ما كان في سلطانه ما لم يفت ذلك النقض ببيعٍ فإذا فات ببيع من المغصوب أو من غيره وحال الاعتمال فلا سبيل إلى فسخه ويمضي على حاله لأن قضاءه الأول بنقضه لم يكن بالجور المحض ولا الخطأ الشاذ وإنما هو مأخوذ بالاجتهاد والرأي فلا يُرد رأيٌ إلى رأيٍ وإن كان الآخر أحسن منه إذا فات الأول وزال من حكم به عن سلطانه.
وذكر ابن حبيب عن أصبغ هذه المسألة وفي سؤاله وأقامت في يدي ورثة الغاصب حتى أنصف ورثة المغصوب من حقه وثبت في ذلك البينة العدول (1) ما الحكم في ذلك؟ قال: إن كان العهد حديثاً لم يطل زمانه ولم يندرس وكان المغصوب يمكنه إعادة أرحائه المهدومة فليحكم له أو لورثته بموضع أرحائهم ويُخرق عنهم سد هذه المحدثة حتى ينسرح الماء عن موضع المهدومة فيمكن إعادتها قال: وإن كان زمان ذلك قد طال ودثر أثر الأولى واستعذر وحال عن الإحياء الذي كان فلا أرى أن يُخرق سدّ المحدثة ولا يُمات إحياء ما تم لموات [ما حال] (2) عن الإحياء وطال زمانه ولا أرى في الوجهين أن تُنقض هذه المحدثة وتُخرب إنما يُخرق في سدها لينسرح الماءُ/ ويستمر عن مواضع الأولى ليمكن أهلها إحياءها. ولو ثبتت المحدثة بنقض الأولى وكان النقض قائماً فأهل الأولى أحق __________
(1) في ب البينة العادلة.
(2) ما حال ساقطة من ب.

(11/82)


بنقضهم يأخذونه وإن كان في ذلك هدم المحدثة وخرابُها، فإن كان النقض قد بلي وأكله الماءُ حتى لو نُقض لم يُنتفع به كبير منفعةٍ لا يُنقضُ ولا يُخرب فيه عملُ الغاصب وتكون عليه قيمتُه كشيء قد فات.
قال: وإن لم يكن في خرق السد وحده إذا خُرق ما ينسرح به عن موضوع الأولى [إذا كان لعهد حديث يمكن المغصوب إعادة] (1) الأولى ولا يمكنه ذلك إلا بهدم المحدثة فإنها تُهدم كان نقضها للمغصوب أو للغاصب ويُنظر في الأرحية المهدومة فإن كان الغاصب حين هدمها نقل بعضها وذهب به ثم استعذر موضعها حتى لا يمكن إعادتها في قرب العهد أو بُعده فعلى الغاصب قيمة الأرحاء يوم هدمها قائمة على أصولها لو بيعت يومئذٍ وإن كان حين هدمها وعذرها (2) وأفسدها للأبد ترك نقضها ولم ينقله لنفسه فعليه ما بين قيمتها قائمةً ومهدومةً متروكاً نقضها بمكانه لصاحبها وإن كان يوم هدمها لم يعذر مكانها وقضى لصاحبها بإعادتها فإنما له ما بين قيمتها قائمةً ومهدومةً قيمة البنيان وحده لا يعتبر فيه بالقائمة.
وجه المعاملة بالأرحية
وفي الرحاء بين الرجلين تُخربُ
فيدعو أحدهما الآخر إلى العمل فيأبى
أو يتعاملان فيها على ما يجوز أو لا يجوز
من العتبية (3) قال يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في رجل كان له موضع/ رحىً فأعطاه لرجل يعمل فيه رحىً على أن للعامل غلة يومٍ وليلةٍ من كل جمعةٍ يعمل على ذلك نحو ثلاثين سنة ثم علم بفساده قال: تكون الغلة كلها للعامل __________
(1) ما بين معقوفتين ساقط من ص.
(2) عذّر الدار: طمس آثارها.
(3) البيان والتحصيل، 10: 289.

(11/83)


ويغرم صاحب الأصل كل ما أخذ من الغلة يغرم في الطعام مثل مكيلته وفي العين مثل وزنه فإن لم يعرف مكيلة الطعام غرم قيمة خرصه ولا يغرم مكيلة الخرص ويغرم العامل لصاحب الأرض كراء ذلك الموضع لجميع السنين التي انتفع بها فيها فينظر كراء كل عام بقدر رغبة الناس فيه أو زهادتهم على النقد، ويقال لصاحب الأصل إن شئت أمرته بخلع النقض وإلا فأعطه قيمته مقلوعاً وتكون الرحاء لك، وبعد هذا في آخر الباب خلاف هذا أراه من قول عيسى بن دينار.
قال يحيى: قلت: وإن كان للعامل في الموضع شركٌ فأحب أن يُقر عمله ويأخذ الغلة كلها حتى يستوفي قيمة العمل، قال إن كان الموضعُ ينقسم قيل له قاسم صاحبك فإن عملك في حظك زاقلع ما صار في حظ شريكك وإن لم ينقسم قيل له إن اتفقتما على العمل وإلا أُجبر صاحبُك على البيع ممن يعمل معك إن كره العمل فإن باع ممن يعمل معك أو أراد هو العمل غرم لك قيمة ما يصير عليه في حظه من نقضك مقلوعاً ثم يكونان شريكين في الموضع [والعمل وتقدر حقوقها] (1) من الأصل.
قال سحنون: إنما يجوز هذا البيع بحال الضرر إذا كان البائع لا مال له ولو كان له مال جاز بيعُه ممن يليه (2) باشتراط ولكان يُجبر على العمل على ما أحب أو كره، وكذلك الجارية يأذن لها سيدها/ بالإحرام فتحرم ثم يطؤها أن عليه أن يُحجها فإن فلس باعها وجاز ذلك للضرر تُباع ممن يُحجها ويُحط بذلك عن المشتري وكذلك ما يُشبه هذا.
ومن ذلك الأمة لها الولد الصغير يعتق السيد أحدهما فلا يجوز له بيع الرقيق منها إلا في فلس أو ضرورة فيباع في قول ابن القاسم ويُشترط على المبتاع ألا يُفرق بينهما، والبئر بين الشريكين إذا انهارت وعليها حياة فإن أبى أن يعمل يُجبر على أن يبيع أو يعمل.
__________
(1) كذا في ب والعبارة في الأصل جاءت على الشكل التالي والعامل وتقدر حقوقها.
(2) في ب، ممن ينيه.

(11/84)


قال عيسى بن دينار عن ابن القاسم في رحىً بين ثلاثة قد خرجت فقال الورثة لرجل منهم اعملها مناصفةً فإذا صلحت فلك النصف ولنا النصف ففعل قال: إن أرادوا نصف الغلة لم يجز وإن أرادوا أن للعامل نصف الأرض ونصف البنيان فذلك جائزٌ إذا كان عمل الرحى محدوداً معروفاً، قال عيسى: إذا انهدمت الرحى فدعا أحد الشركاء إلى عملها وأبى الباقون فإن من أبى يُجبر على أن يعمل أو يبيع ممن يعمل، كذلك قال مالك وكذلك قال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون عن مالك.
قال عيسى: فلو عمل بعضهم فلما تمت وطحنت (1) قال من لم يعمل خُذ نصف ما أنفقت وأكون على حظي معها قال: ذلك له فإن كان العامل قد اغتل منها غلةً قبل أن يأخذ ممن أنفق فقد اختُلف في ذلك فقال محمد بن إبراهيم بن دينار: يكون للعامل فيها بقدر ما أنفق وما كان له فيها قبل أن ينفق ويكون للذي لم يعمل بقدر ما بقي له من قاعتها وبقية سدها وحجارتها وما كان فيها من صلاح.
وقال لي ابن القاسم مرة: الغلة كلها للعامل حتى يعطي قيمة ما عمل كالبئر/ تغور فيقال لمن أبى العمل اعمل أو بع ممن يعمل فإن أبى وخُلي بينه وبين العمل وحده كان الماء كله له حتى يأخذ من الأجرة حصته من النفقة، وبهذا قال ابن بشير ثم قال لي ابن القاسم في الرحى خاصة له اما اغتل فيما أنفق فإن اغتل جميع نفقته رجع هذا في حظه ولا شيء عليه.
قال عيسى: والذي أقول أن تكون الغلة كلها للعامل وعليه للذي لم يُرد كراء نصيبه من القاعة وما كان باقياً فيها من عملٍ أراد أن يدخل معه فيما بنى دفع إليه ما ينوبه من قيمة العمل الذي عمل في الرحى قيمته يوم يدخل معه لا يوم عمل ولا قدر ما ينوبه من النفقة التي أنفق، وبلغني عن ابن وهب أنه قال __________
(1) في ب، وصلحت.

(11/85)


في الغلة كقول ابن دينار، وتفسير ذلك أن تُقوم الرحى غير معمولةٍ فيقال عشرة فتقوم بعد العمل فيقال خمسة عشر فيكون ثلث الغلة للعامل وثلثاها بينه وبين شريكه وعلى الذي لم يعمل ما ينوبه من أجر العمل في قيامه بغلتها ثم إن أراد الذي لم يعمل أن يدخل مع الذي عمل في الرحى أعطاه ما ينوبه من قيمة ذلك يوم يدفع ذلك إليه، وقال يحيى ابن محمد مثل ذلك كله. وقد سمعتُ ابن القاسم يقول مثل ذلك.
وسُئل عيسى بن دينار عمن له رحىً قد خربت أو منصبُ رحىً فيُريدُ أن يعامل رجلاً على عملها ما الذي يجوز من ذلك؟ قال: الذي يجوز فيه أن يقول ابنِ لي رحى في هذه على صفة كذا بصخر كذا [أو أحجار كذا وخشب كذا فيصف جميع بنائها فإن تمت فنصفها لي ونصفها لك من أصلها أو جُزءٍ يذكرانه أو يقول له/ ابن لي رحاي هذه على صفة كذا] (1) أو أنفق عليها كذا وهي لك بذلك كذا وكذا سنة، فقال حسين بن عاصم مثله إلا أنه قال: ولا يجوز ذلك إلا في النهر المأمون. قلت انظرا؟ يعني يحيى بن يحيى وعيسى بن دينار.
قلت: فلو قال: اعمل رحاي هذه على صفة كذا فإذا تمت فغلتها بيني وبينك أو لك من غلتها يوم وليلة كل جمعةٍ فعملا واغتلاها على ذلك زماناً ثم علم بفساده قال: يكون للعامل قيمة ما أدخل في الرحى من شجر وأحجار وخشب قيمته يوم جعله فيها وله أجره فيما استغل في ذلك وقيمة عمل الآخر فيها وتكون الغلة كلها لرب الرحى ويرد إليه العامل ما أخذ منها من العين ومكيلة الطعام فإن لم يعرفوا مكيلة غرم قيمة خرصه لا مثل خرصه لأن ربها واجر العامل على عملها واشترى منه أداتها (2) بقدر كما لو قال له اعمل لي رحىً في هذه فإذا تمت فلك نصف غلة رحاي هذه أو يومٌ من غلتها في كل جمعةٍ أو لك ثمرةُ جناني هذه قبل أن يحل بيعُها.
__________
(1) ما بين معقوفتين ساقط من ب.
(2) في الأصل وص، أدناها وفي ب، أداتها وهو ما أثبتناه.

(11/86)


قال يحيى بن محمد: سألتُ ابن القاسم عن ذلك فقال لي: تكون الغلة كلها للعامل وعليه كراءُ قاعة الرحى وله (1) قيمة عمله منقوصاً. قال يحيى: والذي آخذ به أن يُعطى قيمة عمله قائماً تاماً.
قال ابن حبيب قلتُ لمطرفٍ وابن الماجشون في الرحى بين الشريكين تخرب أنه يقال لمن أبى العمل اعمل أو بع ممن يعمل قلت لهما: فإن عمل أحدهما بعلم صاحبه أو بغير علمه بعد أن أبى من العمل معه؟ فقال مطرف: تكون الغلة/ كلها للعامل وعليه لصاحبه كراءُ حصته من القاعة وباقي ما كان فيها من مصلحة ومؤنة فإذا دخل معه دفع إليه الأقل من قيمته اليوم ثابتاً (2) أو قيمة ما أنفق، وقال ابن الماجشون: يحاص نفسه بما اغتل فإذا تقاضى مثل نصف ما أنفق كانت بينهما نصفين قال: وهي عندي كالبيت (3) بينهما يخرب فيبنيه أحدُهما فذلك سلفٌ منه لصاحبه إن شاء صاحبُه أعطاه نصفَ النفقة وقاصّه بالغلةِ والكراء وإن شاء أقر ذلك بيده حتى يستوفي من غلته مثل نفقته ثم يكون بينهما.
ولو كانت الرحى أو البيت حُبُساً لم يُؤمر الذي يأبى العمل بالبيع وقيل للآخر اعمل واستغل وحدك فإذا أعطاك شريكك مثل ما أنفقت كان شريكاً معك وإذا أمر بالعمل جُعل معه أمين يعرف قدر (4) النفقة، قال ابن حبيب وقال دينار وابن وهب: يكون للعامل من الغلة بقدر ما أنفق فيها وما كان لها منا وللذي لم يعمل بقدر ما كان له من قاعتها وما كان يعمل ثم ذكر مثل ما تقدم من التفسير، قال: ولابن القاسم فيها قولان أحدهما كقول ابن الماجشون والآخر كقول مطرف، وقال أصبغ كقول مطرفٍ، وقول ابن الماجشون أحبُّ إليَّ ولو حكم فيها حاكمٌ بأحد القولين ما أخطأ وكلاهما يحتمل القياس والله أعلم.
__________
(1) كذا في ص وب والعبارة في الأصل، وله قيمة عمله منقوصاً.
(2) كذا في ب ووردت في الأصل ثانياً ولم تنقط في ص.
(3) في ص، والأصل كالثلث.
(4) في الأصل وص، يعرف هذا النفقة.

(11/87)


فيمن بنى رحىً فأخرج [طرف] (1) سده (2)
في أرض جاره على شرط له من الطحين
وكيف إن وقع ذلك على ما لا يجوز؟
/ من العتبية (3) قال عيسى بن دينار فيمن أنشأ رحى ماءٍ فأخرج طرف سده في أرض جاره على أن يطحن لجاره فيها مُدياً (4) كل شهر قال: ذلك جائزٌ وإن لم يوقت للطعام أجلاً فلا يجوز فإن ترك ذلك فلصاحب الأرض قيمة ما ترك له من نصف الماء وإخراج السد في أرضه وعليه لصاحب الرحى أجر ما طحن له على هذا الشرط إذا كان إنما تركه يبني ويُخرج سدّه في أرضه على أن يطحن له قال: ويسأل أن يقاسمه الماء لأن له نصفه وللعامل نصفه.
ولو باع صاحب الرحى رحاه قبل أن يفسخ هذا الشرط واشترط على المشتري أن يحمل شرط صاحب الأرض أو علم المشتري بذلك فاشترى ولم يشترط عليه ليعلمه بذلك قال: يفسخ شراءه ويكون العمل بين مشتري الرحى وصاحب الأرض على ما فسرتُ لك إلا أن يفوت الرحى فتلزمه القيمة، قال: فإن لم يعلم المشتري بذلك ولم يشترطه، قال: فالبيع جائز ويكون العمل بين المشتري وصاحب الأرض كما فسرنا.
قال عيسى: وإذا تشارحا فأخرج طرفٌ سدّه في أرض قوم على أن لهم أياماً معلومةً من الشهر فإن جعلهم شركاءَ في الرحى بعد أن يتم بقدر تلك الأيام من الشهر وشرطوا للرحى عملاً موصوفاً ويكونون فيها شركاء وعليهم من إصلاحها إذا خربت والقيام بها مثل ما لهم من تلك الأيام فذلك جائز، وإن كان إنما لهم [غلة] (5) تلك الأيام فقط دون شيء من أصل الرحى لم يجز، فإن فات ذلك بإخراج السدّ فيه فلهم قيمة أرضهم وعليهم أن يردوا ما أخذوا من الغلة.
__________
(1) (طرف) ساقطة من ب.
(2) السدة جمع سُدَد: باب الدار وما حول الدار من الرواق وتطلق على ما يجلس عليه كالمنبر.
(3) البيان والتحصيل، 10: 279.
(4) المُدي بضم الميم وسكون الدال: القفيز الشامي وهو غير المد ويجمع على أمداء.
(5) سقطت من ب سهواً من الناسخ.

(11/88)


قال ابن حبيب قال ابن الماجشون: إذا أخرج سد الرحى في أرض/ جاره على أن يطحن له أياماً معلومةً من كل شهر فإن سمى لذلك عدداً من سنين أو شهور أو سمى ما يطحن كل شهر فذلك جائز، فإن بطلت الرحى فأحب إعادة السد كما كان وإعادة الرحى فذلك له بما أعطى صاحبه من الثمن الذي وصفتُ، وإن كان بقي عليه منه شيءٌ أتمه له وإن لم يرد إعادته أصلاً كان موضعُ السد من أرض الآذن راجعاً إليه ولم يكن للآخر أبداً، لأنه لم يكن على وجه البيع بل على وجه الارتقاق وجاز فيه الثمن استحساناً إذ هو ثمن غير مجهول. وإن كان بطلان السد وترك العامل إعادة عمله قبل استيفاء ذلك الطحين سقط عنه ما بقي عليه ولم يحملا محمل المبايعة.
وأما إن عامله على طحين مجهول مثل أن يقول أطحن لك ما شئت وشبه هذا فيُحمَلان محمل البيع الفاسد فيُفسخُ قبل العمل ويُرد إلى قيمته إذا فات بالعمل، وقال مطرف [موضع السد للمأذون له أبداً وحمله محمل البيع، قال: وعليه إتمامُ ما بقي من الطحين] (1) قال أصبغ مثله، وقول ابن الماجشون أحب إلي.
قال مطرف وابن الماجشون في قوم لهم مخاضة فأراد رجل إنشاء رحىً تحتها فيشترطون عليه إن متى ما أفسدت رحاه مخاضتهم فعمله مقلوع عليهم هل يجوز [له] (2) بيع رحاه هذه على هذا الشرط فقالا: جائز إذا كان يوم بيعها لا يضر بتلك المخاضة [سواء اشترطوا ذلك عليه أو لم يشترطوا لأن المخاضة] (3) طريق المسلمين وهي لو أفسدت المخاضة ثم رضي القوم بإقرار عمله لم يقر ولأنزل عمله عن المخاضة [لأنها لجميع المسلمين فالبيع جائز ومتى ما تغيرت عن المخاضة] (4) __________
(1) ما بين معقوفتين ساقط من ص.
(2) كلمة له انفردت بها ب.
(3) ما بين معقوفتين ساقط من ب.
(4) ما بين معقوفتين ساقط من الأصل ومن ص وانفردت به ب.

(11/89)


من أجل رحاه وقامت بتلك بينة فسِخَ عمله ورجع مشتريها بقيمة عيب ذلك إن كان لم يُعلمه، وإن كان أعلمه فلا شيء عليه.
/قلتُ وما الذي يُعلمُه؟ قال: يعلمه أنه أنشأ هذه الرحى على هذه المخاضة وهي بالقرب منها على ما يرى، وقال أصبغ مثله.

فيمن أذن لرجل أن يُجري الماء في أرضه
إلى رحىً يحدثها الطالب لذلك في أرضه
ثم يبدو له أو يدع الرجل ينتفع بعينه ثم يبدو له
وكيف إن غرس عليها بعلمه أو إذنه؟
قال ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون فيمن له أرض فيها منصب رحىً ولا ماء له فيها وبينها وبين النهر أرض لجاره فيسأله أن يشق أرضه بالساقية إلى منصبه الذي يريد نصب الرحى فيه فيأذن له فيبني الرحى على ذلك ويجري إليها الماء في أرض جاره ثم يرجع الآذن عن ذلك فقال: ليس له ذلك وهي عطية سماها عطيةً أو لم يسمها ولا رجوع له استغنى عن أرضه أو احتاج إليها أراد بيعها أو لم يرد مات أو عاش. ما لم يُوقت لإذنه وقتاً أو يُسم (1) ذلك عارية. فإن وقت فذلك إلى وقته وإن سمى عارية فله أن يرتجع عاريته إذا شاء بعد أن يكون المعار قد استمتع قدر ما تكون العارية التي مثله في مثل ذلك الشيء.
قالا: وإن كان الماء الذي أجراه في الساقية ليس من النهر ولكنه مما لصاحب الأرض الآذن لشقها بالساقية فإذن له فذلك سواء في إلزامه، قال: نعم هي كالعطية والهبة ما لم يوقت أو يسمِّ عارية قالا: ولو كانت الأرض التي شق فيها الساقية لمنشئ الرحى وكان الماء فقط للآذن فإذن له في ذلك ثم رجع/ أذلك له؟ قالا: نعم (2) ذلك له متى شاء ما لم يُسمه هبةً أو يُسمِّ له وقتاً من الأجل __________
(1) أو يُسم بحذف حرف العلة لأنه معطوف على قوله لم يوقت والتقدير ما لم يوقت لإذنه وقتاً أو لم يُسم عارية وفي النسخ كلها لم تحذف ياؤه.
(2) هنا انتهت المقابلة من نسخة ب.

(11/90)


قلت: ولِمَ وقد قلتما إن من أرفق شيئاً من عينه ليُنشئ عليه عملاً أن ذلك له للأبد ولا رجوع له فيه؟ قالا: إلا ان يشاء الغرس على ما يؤذن فيه من الماء يؤول إذا قطع عنه الماء إلى فساده وإبطال نفقته، وإنشاء بيت الرحى لا يؤول إلى فساد بقطع الماء وإنما تنقطع عنه منفعة كانت مزايلةً للبيت، وقال أصبغ: إذاً له الرجوع في جميع هذا ما لم يكن هبةً تُسمى، وهو قول ابن القاسم، قال ابن حبيب: والأول أحب إلي.
قال أصبغ في عين لرجل في جنانه في سفح جبل لرجل تحته دار قد بناها وأسأل ساقيتها حتى أدخلها داره أو جنانه فكان يشرب منها ويسقي زماناً ثم أراد صاحب العين أن يحولها ويقطعها عنه من غير حاجة إليها. قال ذلك له: وإن غرس عليها هذا منتفعاً بها ما لم يأذن له بذلك صاحب العين إذناً يبينه وليس عمله ونظره إليه بالذي يمنعه من القيام على حقه إذا أراد تحويله وإذا أذن له فأنشأ المأذون عليه غرساً فلا رجوع له فيما أذن فيه، قال ابن حبيب وقاله ابن القاسم وابن نافع، قال أصبغ: بعد أن يحلف صاحب الماء أنه أعلم ما كان تركه على الرضى بالإذن له والتخلية وإن لم يعلم فلا يمين عليه وله صرف مائه إلا أن يكون في ذلك الوقت في الشجر ثمرة يخاف عليها لصرف الماء عنها فيُترك الماء إلى جذاذها/ وإن كان (1) زرعاً فإلى حصاده.
قال مطرف وابن الماجشون في عين في قرية قوم تجري بنهر ومخرجها في أول أرضهم فينشئون عليها أرحية ويسيل الماء إلى من تحتهم من أهل القرى فيغرسون عليه الشجر وينشئون عليه الأرحاء فيكونون على ذلك زماناً طويلاً ثم يقل الماء عن الأسفلين حتى يجف شجرهم ويتساح فيه الأعلون قال: فليسق (2) به الأعلون على ما يملكون من أصل الماء وأما الأسفلون الذين إنما يأتيهم فضل الماء فإنما يسقي الأعلى فالأعلى حتى ينتهي الماء حيث انتهى. قال: وسألتُ عن ذلك أصبغ فقال لي مثله.
__________
(1) في الأصل، وأن يكون زرعاً فإلى حصاده.
(2) في الأصل، فيسقون به الأعلون.

(11/91)


صفحة بيضاء

(11/92)