النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات

بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه
الجزء الثاني من كتاب الجنايات (1)

في جناية العبد المخدم والمؤاجر، وكيف إن
جنى عليه سيده
من كتاب ابن المواز، قال أصبغ: اختلف قول مالك، في العبد المخدم، يجني، ومرجعه إلى سيده، فقال: يبدأ بالمخدم، فيخير (2)، فإن فداه خدمه باقي الجل، ثم أن شاء سيده أخذه، ودفع إليه ما فداه، وإلا أسلمه إليه رقاً.
قال أصبغ في كتاب ابن حبيب: فإن أسلمه المخدم، خير لسيده؛ فإما أسلمه فرق للمجروح بتلا، وإما فداه، فبقي لسيده رقاً.
قال أصبغ في كتاب ابن المواز: ثم رجع مالك إلى أن يبدأ سيده؛ فإما فداه، فبقي على خدمته، أو أسلمه فخير المخدم، فإن فداه، لم يكن لسيده أخذه بعد الأجل، حتى يدفع إليه ما فداه به هو أو ورثته (3) إن مات.
ورواه أشهب، وروى القول الأول، وقال: أنا أرى أن يقوم مرجع رقبته، فإن قيل عشرة، فيقوم خدمته، فإن قيل عشرة، صارا فيه كالشريكين؛ فإما فدياه جميعا نصفين، فكان على حاله، وإن أسلماه رق مكانه لأجل الجناية، وإن شاء
__________
(1) قابلنا هذا الجزء بالنسختين السابقتين في مقابلة الجزء الأول.
(2) في الأصل (فيجبر) وقد أثبتنا ما في ص وت.
(3) في الأصل (وريثه) وأثبتنا ما في ص وت.

(13/347)


أحدهما (1) فدى ماله فيه، أو أسلمه، فإن فداه أحدهما بنصف الدية، وأسلم الآخر، فإن فدى (2) صاحب الخدمة، لم يكن [لسيده عليه مرجع، وإن أسلم صاحب الخدمة، لم يكن لسيده عليه غير بقية الخدمة، وإن أسلمه صاحب الرقبة، كان] (3) للمجني عليه بعد الخدمة.
قال أصبغ: وروايته عن مالك أحب إلى، وهو الذي قاله ابن القاسم، وفي رواية ابن وهب: يبدأ المخدم.
قال ابن المواز: وأحب إلينا أن يبدأ السيد، وهو الذي رجع إليه مالك، وقاله ابن القاسم، وأصبغ، وهو: لو قيل: كانت له قيمته، وإذا كان مرجعه إلى حرية، فهو كالعتق إلى أجل يخير المخدم، فإن فداه اختدمه، فإذا تم الأجل، خرج حرا، ولم يتبع (4) بشيء، لا هو، ولا سيده، وإن شاء أسلم خدمته (فاختدمه المجروح) (5)، وحسبت/ قيمة الخدمة (أو أجرها) (6)، واستوفي ذلك من جنايته، وما فضل اتبعه به، وإن استوفى، وبقي شيء من الأجل، عاد إلى سيده.
وقال ابن حبيب عن عبد الملك نحوه، إلا في قوله: فأسلمه، فاختدمه المجروح، فيتم الأجل، ولم يف فإنه قال: يعتق ويتبعه بما بقي في ذمته.
ومن كتاب ابن المواز، قال أصبغ: قال ابن القاسم: وإذا كان مرجعه إلى رجل آخر [ملكا دية] (7) المخدم، كالذي مرجعه إلى حرية، فإن فداه، اختدمه باقي
__________
(1) في الأصل (فإن شاء آخرهما) وأثبتنا ما في ص وت.
(2) في ص (فإن سلم صاحب الخدمة).
(3) ما بين معقوفتين ساقط من ص وت.
(4) في ص وت (لم ينتفع).
(5) العبارة في الأصل (فخدم المجروح) ومع كون المقصود واحدا فقد آثرنا ما في ص وت لملاءمة الاستثناء الذي سيذكره فيما بعد.
(6) في ص وت (وحسبت قيمة الخدمة وإلا وأجره).
(7) ما بين معقوفتين كتب واضحا في ت وهو محرف في ص والأصل.

(13/348)


الأجل، ثم أسلمه إلى من له مرجع الرقبة، (وما فداه به لا يكون له عليه شيء) (1). وكذلك روى عيسى عنه في العتبية (2).
قال في كتاب ابن المواز: وخالفه أصبغ، وقال: ما أراه إلا وقع رجع عن هذا!، وليس كمن مرجعه إلى حرية، بل كمن مرجعه إلى السيد، وخير من له المرجع أولاً، والمخدم في هذا؛ في فدائه، لا يأخذه من له المرجع إلا بدفع ما فداه به، كأنه إنما أحيا بالفداء خدمته، كما أحيا الراهن رهنه فما افتكه به ثابت في رقبته مبدأ، قبل دين المرتهن، وقبل صاحب البتل، والذي مرجعه إلى حرية، كمعتق إلى أجل، إن فداه سيده، لم يتبعه بشيء.
قال ابن المواز: وقول ابن القاسم أحب إلى؛ لأن صاحب المرجع لم تصر له رقبته (3) بعد، فلو مات لم يرثه، ولو قتل (لم يأخذ قيمته) (4).
وإن أخدمته رجلا سنة، ثم هو لآخر يخدمه سنة، ثم هو لفلان بتلا، أو ثم هو حر فجنى عند الأول، فقال ابن القاسم: يبدأ الأول، فإن فداه خدمه باقي أجله، ثم لا شيء له على المخدم الثاني، [ولا على من المرجع إليه وإن أسلمه خير المخدم الثاني] (5) مثل الأول إن فداه اختدمه بقية خدمة الأول، وجميع خدمته، ثم أسلمه إلى صاحب المرجع، ولا شيء عليه، وإن أسلمه للثاني (6) أيضاً ومرجعه إلى حرية، اختدمه المجروح وحسب ذلك في جرحه، فإن وفي، أو بقيت من خدمة الأول بقية، رجع إليه يخدمها، ثم خدم الثاني سنة.
__________
(1) العبارة عوضت في ص وت بقوله (بلا شيء يكون له عليه).
(2) البيان والتحصيل، 16: 137.
(3) في الأصل (لم تصر له رقبة) بدون اتصال الرقبة بالضمير.
(4) (لم يأخذ) مطموسة في الأصل أثبتناها من ص وت.
(5) ما بين معقوفتين ساقط من الأصل مثبت من ص وت.
(6) في الأصل (وإن أسلمه الثاني) عوض وإن أسلمه للثاني.

(13/349)


قال: إن لم تف الخدمة الأولى بالأرش، اختدمه السنة الثانية، [فإن استوعبت وبقيت بقية، اختدمه الثاني/، ولا يتبعه الأول فيه] (1)، وإن لم تف خدمة السنة الثانية بما بقي له، فهو حر، ويتبعه بما بقي له من الأرش، إن بقي شيء، وإن كان مرجعه لثالث بتلا قيل لثالث يوم: أسلمه المخدومان، إن فديته كان لك بتلا، وإن أسلمته كان للمجروح بتلا.
وقد قيل: إذا فداه المخدوم الثاني، وأسلمه الأول، ولم يختدمه الثاني إلا سنة فقط، ثم رجع إلى ما أرجعه إليه سيده.
قال محمد بعد هذا الفصل: ومن قول ابن القاسم: إن فداه أحد المخدمين، وأسلمه الآخر، اختدمه الذي فداه الخدمتين جميعاً، ثم رجع إلى صاحب البتل بلا غرم.
محمد: ومذهب أصبغ، إن كان مرجعه إلى رجل أن يبدأ من له مرجع الرقبة، كسيده، فإن فدا بقي في خدمة الرجلين إلى تمامها، ثم أخذه، وإن أسلمه، خير المخدمان (2)، فإن أسلماه، كان للمجروح بتلا، وإن افتدياه اختدماه، ثم لم يأخذه من له الرقبة، حتى يعطيهما ما فدياه به.
ومن كتاب ابن سحنون، وذكر مثله ابن حبيب لابن الماجشون، في الذي أخدم عبده سنة [ثم آخر سنة] (3)، ثم هو حر، فجنى: أنه يخير الأول، فإن فداه بالأرش اختدمه فيه، ووقف المجروح، فإن استوفاه، وبقيت في المدة بقية، اختدمه في باقيها، ثم سلمه إلى الثاني بغير غرم، وإن تمت المدة قبل تمام الأرش، قيل للثاني: ادفع إليه باقي الأرش، واختدمه فيه مدتك، فإن استوفيت قبلها، اختدمت باقيها بالعطية، وعتق العبد، وإن تمت سنتك قبل أن تستوفي كان ما بقي لك في
__________
(1) ما بين معقوفتين جاء في ص وت على الشكل التالي (فإن استوفى وبقي منها شيء اختدمه الثاني ولا شيء للأول فيه).
(2) في النسخ كلها (كان المخدمين) والصواب ما أثبتناه.
(3) ما بين معقوفتين ساقط من الأصل مثبت من ص وت.

(13/350)


ذمة العبد، وعتق، فإن أبى الثاني أن يدفع للأول ما بقي له، قيل للأول: اختدمه في مدة الثاني، فإذا استوفيت، فادفعه إلى الثاني يختدمه ما بقي، ويعتق، وإن لم يستوف الأول حتى تمت خدمة الثاني عتق، وأتبعه الأول بما بقي له ولو أن الأول/ أبى أن يفتكه، فليسلمه إلى المجروح يختدمه في جرحه، فإن استوفى، وبقي من مدة الأول شيء، عاد إليه، فاختدمه ما بقي، ثم خدم الثاني وعتق، فإن تمت مدة الأول عند المجروح، ولم يستوف، قيل للثاني: إن شئت فأعطه ما بقي له من أرشه، وقف موقفه في الخدمة، فإن استوفيت وبقي من مدتك شيء، خدمك فيها، وعتق.
قال في كتاب ابن حبيب: وإن تمت المدة قبل أن يستوفي، عتق، وأتبعه بما بقي. قال في الكتابين: وإن أبيت أن تعطيه ما بقي له، اختدمه المجروح في مدتك، فإذا تم ما بقي له، وقد بقي شيء من مدتك، عاد إليك يخدمك فيها، وإن تمت ولم يستوف، عتق، وأتبعه المجروح بما بقي له.
وقال ابن القاسم: إذا فداه الأول اختدمه سنة، ثم أخذه الثاني بلا غرم، فاختدمه سنة [ثم هو حر وإن أبى الأول أسلمه إلى المجروح فاختدمه سنة] (1) في الأرش، فإن استوفى قبل تمامها، رجع إلى الأول يخدمه باقيها، فإن تمت ولم يستوف، قيل للثاني: افده، واختدمه مدتك، فإن أبى، خدم المجروح فيما بقي له، فإن استوفى قبل [مدة الثاني رجع إلى الثاني فخدمه باقيها وعتق، وإن تمت ولم يستوف عتق واتبعه] (2) بما بقي.
ومن كتاب محمد، مالك: وإن جنى على العبد المخدم، ومرجعه إلى حرية، فإن أرش جرحه للذي كان له رقبته أولا، وكذلك قيمته إن قتل، وميراثه إن مات.
قال ابن القاسم: وإن جعل مرجعه لرجل بتلا، بعد خدمة سنة لآخر، فمات العبد قبلها أو قتل، فمرة قال مالك: ميراثه وقيمته إن قتل للأول. ومرة
__________
(1) ما بين معقوفتين ساقط من الأصل مثبت من ص وت.
(2) ما بين معقوفتين ساقط من الأصل مثبت من ص وت.

(13/351)


قال: لصاحب المرجع. وأخذ ابن القاسم بأن ذلك للأول. وقاله أصبغ؛ لأن مرجعه إلى حرية. وقاله أشهب. وكذلك أرش جرحه في قولهم.
قال مالك في الموصى بخدمته لرجل سنة، ثم هو لفلان بتلا إن قيمته إن قتل في السنة لمن له المرجع، وقال أصبغ: لم يصر بعد لصاحب المرجع، ولا يثبت له فيه حق إلا بعد الخدمة، وإن جعلت حيازته حيازة لمن له المرجع في الهبة. وقال أشهب: تكون قيمته مقام رقبته يشتري منها من يخدم مكانه بقية السنة،/ ثم يصير لمن له المرجع، وإن كان مرجعه إلى سيده، كانت قيمته لسيده؛ لأن رقبته له بعد، وهو لو أحدث دينا لبيع في دينه، وكان أولى بمن له المرجع، لأنه لم يجزه بعد السنة قبل موت سيده أو فلسه.
قال محمد: أما إذا كان مرجعه إلى سيده أو بتل لرجل عبده بعد سنة، فلم يختلف فيه قول مالك وأصحابه، وإنما اختلفوا إذا أخدمه رجلا سنة، ثم قال: هو لفلان بتلا فقيل في السنة، واختلف فيه قول مالك، واختلف فيه قول ابن القاسم، وأشهب، واختلف فيه قول أشهب؛ فقال ابن القاسم وأصبغ: ذلك للسيد الأول. وقال أشهب: قد خرج عن ملك ربه وحيازته المخدم حيازة للمبتل له، ولا يضره الدين المحدث، ولا موت سيده، فيختدمه من قيمته تمام السنة، وما بقي فلصاحب البتل.
قال أصبغ: ولا يتم لصاحب البتل شيء، والمخدم حائز لنفسه، وإنما تكون حيازة للمبتل إذا بقيت الحيازة حتى يأتي وقت الإبتال، وقد قال أيضاً أشهب ما قلت؛ أن قيمته للأول، وقاله ابن وهب.
ومن أخدم رجلا عبده أجلا أو حياته، ثم قتله السيد، فإن كان خطأً، فلا شيء عليه، وعليه في العمد غرم قيمته، توقف بيد عدل، فيؤاجر منها، فيخدم بقية الأجل أو العمر، فما بقي (1)، فللسيد، وما عجز، فلا شيء عليه. وكذلك روى عيسى عن ابن القاسم، وقال: إن قتله أجنبي، فقيمته لسيده.
__________
(1) في ص وت (فما فضل فللسيد).

(13/352)


ومن كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم: يشترى منها من يخدمه، والإجارة عندي أبين. وهو نحو قول مالك. ومن قول ابن القاسم- فيما أعلم-: ولو اشترى عبداً لجاز. قال أصبغ: كل ذلك حسن، ولا حجة للسيد، ولا للمخدم، والقياس أن يؤاجر له، كان يرجع إلى حرية أو إلى سيده، ومن اخدم أمته أمداً (1)، ثم هي حرة، فجرحته، فليخدمها بالجناية، فإن استوفى رجعت، تخدم المخدم، وإن انقطعت الخدمة ولم يستوف، أتبعها بما بقي، وكذلك إن جنت على عبده؛ كقول مالك في مدبر/ جنى على سيده، ولكن المدبر يتبع بعد العتق بما بقي: إن حمله الثلث أو بقدر ما حمل منه يتبع تلك الحصة بما بقي عليها، وتسقط حصة ما رق، وإن كان له مال، أخذ منه، وإلا فما كان من الأيام يبقى له فيما فضل من عيشه، اتبع في ذلك الفضل، وإلا فعيشه أولى.
ابن حبيب، قال ابن الماجشون: ولو أخدمه رجلا سنة، ثم لآخر سنة، ثم يرجع إلى سيده، فجنى عند الأول، خير الأول في فدائه، أو إسلامه، فإن أسلمه خير الثاني، فإن أسلمه خير سيده، فإن أسلمه صار للمجروح رقاً، لا خدمة فيه، ولا مرجع، وإن فداه سيده كان لا خدمة فيه، وإن فداه المخدم الثاني كانت له خدمته إلى مدته، ولا يقاصه فيها مما فداه بشيء، وقيل لسيده: إن شئت فافده منه بما فداه به، وإلا فأسلمه إليه عبداً له. وإن فداه المخدم الأول، فله جميع خدمته إلى مدتها، ثم قيل للثاني: إن شئت أخذه بخدمتك، فأعطه ما فداه به، واختدمه، ثم لا يأخذه سيده إلا أن يعطيك ما وديت. وإن أسلمته إلى الأول، قيل لسيده: أعطه (2) ما أدى، وخذه قنا (3) لا خدمة فيه (أو أسلمه رقا إلى الأول) (4).
__________
(1) في ص وت (ومن أخدم أمته رجلا).
(2) في ص وت (قيل لسيده ادفع إليه ما أدى).
(3) القن بكسر القاف: العبد إذا ملك هو وأبوه يستوي فيه الإثنان والجمع والمؤنث وربما قالوا (عبيد أقنان) ثم يجمع على أقنة، وهذه الكلمة ساقطة في ص وغير واضحة في ت.
(4) العبارة في ص وت (أو أسلمه إليه رقا).

(13/353)


ومن كتاب ابن سحنون، وعن العبد يؤاجره سيده، ثم يعتقه في الإجارة، ثم يجني؛ سئل السيد، فإن قال: أعتقته لأحرز (1) الإجارة، وأخلصه من الرق، حلف، وكانت له الإجارة، وخير، فإن افتكه كانت له (2) الإجارة، وعتق بعد وفائها، ولا يتبعه بما فداه به، وإن أسلمه خير المستأجر في أن يفتك أو يسلم، فإن افتك خدمه بالإجارة، وإن أسلمه المستأجر عتق، وكانت الجناية في ذمته، ويرجع المستأجر بالإجارة، أو ما بقي منها [على المؤاجر، وإن نكل سيده عن اليمين، كانت الإجارة للعبد- يريد ما بقي منها-] (3) ولم يخير السيد في شيء؛ لأنه لم يبق له فيه رق [ولا تصح له إن افتك، ولكن يخير المستأجر فإن افتكه خدمه] (4) بالإجارة، فيعتق بتمامها، واتبعه بما افتكه به، والإجارة للعبد، فإن أسلمه كان حرا مكانه، واتبعه أهل الجناية بدية جنايتهم، ورجع عليه المستأجر بالإجارة، أو ما بقي عليه منها.
ومن العتبية (5)، قال عيسى عن ابن القاسم في العبد يخدمه سيده رجلا سنة، ثم هو لفلان بتلا، فجرح العبد رجلاً في الخدمة أو يجرح، فقد اختلف قول مالك؛ فقال: ذلك للأول. وقال: هو لصاحب المرجع. وأرى أن دية جرحه (6) وقتله لسيده الأول.
وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في العبد يؤاجره سيده، ثم يعتقه، فيخرج العبد رجلاً، أو تكون أمته (7)، فتلد بعدما عتقت، وقبل ما تجني، فأما (8)
__________
(1) في ص وت (أعتقه لأحُوز).
(2) في ص وت (فإن افتكه تمت له الإجارة).
(3) ما بين معقوفتين ساقط من ص وت.
(4) ما بين معقوفتين أثبتناه من ص وت وجاء في الأصل على الشكل التالي (لأنه لم يبق له فيه رق ولا حيازة يصح له أن يفتدي به) والظاهر أن ما أثبتناه أوضح.
(5) البيان والتحصيل، 14: 373.
(6) في الأصل (إن قيمة جرحه).
(7) في الأصل أو تكون (أمة) من غير ان تتصل بضمير الغائب.
(8) في الأصل (أبى العبد).

(13/354)


العبد، فيخير سيده؛ إما أن يفديه، ولا غرم عليه بجميع ما أخذ من إجارته، ويكون عتيقا بعد السنة، فإن لم يفده خير المستأجر، فإن شاء فداه، واختدمه بقية الإجارة، وعتق بتمامها، وإن شاء فسخ، الإجارة، وحاسب سيده بما مضى منها، وقبض ما بقي، وعتق مكانه، وذلك أن المستأجر إن شاء فسخ الإجارة، ويعجل عتق العبد ورد السيد ما بقي من الإجارة، ويتبع العبد بعقل جنايته. قلت: وإذا فداه السيد هل يتبعه بما غرم عنه من عقل الجناية؟ فلم يأت يحيى فيها بجواب. وقد ذكرنا قول سحنون في الأول (1) أنه لا يتبعه إذا اراد بالعتق إحراز الإجارة مع العتق.
ومن كتاب ابن حبيب، قال أصبغ فيمن أخدم عبده عشر سنين، فجني على العبد في الأجل، فإن كانت الجناية تنقص خدمته، استعان المخدم من أرش الجناية بما يتم به الخدمة حتى يتم الأجل، أو ينفد الأرش، فإن كان ذلك لا ينقص من خدمته مثل الموضحة وشبهها فالعقل للسيد.

في جناية العبد الرهن، والجناية عليه،/
وفي جناية العبد المبيع في أيام
الخيار، في العهدة
من كتاب ابن المواز، وإذا جنى العبد الرهن، فإن فداه ربه، بقي رهنا، وإن أسلمه خير المرتهن في ثلاثة أوجه؛ إما أن يسلمه إلى الجاني، ويتبع الراهن بديته، وإما أن يفديه بدية الجاني فقط، فيكون العبد وماله رهنا بما فداه به، إن لم يكن سيده انتزعه قبل ذلك، وهو بالدين الأول رهن بغير ماله، إن لم يكن اشترطه في أول الرهن.
قال ابن القاسم: لا يباع حتى يحل الدين، فإن لم يفده بالدين والأرش، بيع، فبدى بالأرش، وما بقي كان في الدين، وإن فضل شيء بعد الأرش والدين
__________
(1) في الأصل: (في الأهل).

(13/355)


كان لسيده. قال مالك: فإن عجز ثمن رقبته وماله عما فداه به، لم يكن على سيده من ذلك شيء، ولا على غيره.
والوجه الثالث أن المرتهن إن ابى هذين الوجهين، فله أن يأخذه لنفسه ملكا بزيادة على الجناية ما كانت. قلت: أو كثُرت فيسقط مثلها من دينه، ويتبع السيد بما بقي من الدين بعد إسقاط ما ذكرنا من الزيادة، وليس لسيده أن يأبى ذلك؛ لأنه كان أسلمه بأقل، فهو مضار بإبائه.
قال ابن عبد الحكم: واختلف قول مالك في ماله إن لم يكن مشترطاً في أصل الرهن، هل يكون بالأرش رهنا مع الرقبة،؟ فقال مرة: يكون رهنا. وقال أيضا: لا يكون رهناً. وبهذا أخذ ابن القاسم، وابن عبد الحكم.
محمد: وهذا عندنا إذا كان السيد انتزع ماله قبل ذلك، وأما إن لم يكن انتزعه قبل ذلك، قول مالك، ومن يرضى من أصحابه، أن ماله ورقبته فيما فداه به. قال: وأما إن لم يفده السيد، ولا أسلمه، ولكن قال للمرتهن: افده؛ ففداه، فقال ابن القاسم، وأشهب: فذلك يكون دينا على الراهن. قال أشهب: ولا يكون العبد،/ لم يلزم السيد شيء من ذلك إلا الدين القديم، وكما لو كان وديعه عنده، أو بإجازة ففداه بغير أمره، ثم مات العبد، لم يلزم السيد من ذلك شيء، ولو قال: أحدهما أولاً لسيده قد فديته، فإما أن يلزم ذلك نفسه، وإلا فأسلمه إلى بذلك. قال: فليس ذلك له، ولكن يباع العبد، فيؤخذ من ثمنه ذلك بدءاً، وما بقي لسيده، فإن كان مرهوناً، كان ما فضل للمرتهن من دينه، وإن لم يف ثمنه بالأرش، لم يتبع السيد بشيء مما فداه به، إلا بالدين؛ لأنه فداه بغير أمره.
قال: ولو فداه أحدهما أولا، فلم يفده السيد حتى جنى على آخر، فهو رهن بالجنايتين، فإن كانتا سواء، فإن شاء سلم نصفه للمجني عليه آخرا، وإلا فداه بجنايته، ويكون النصف الآخر مرهونا بالدين والجناية، والقول فيه حسبما تقدم من القول في العبد الرهن، يجني.

(13/356)


قال: وإذا أسلمه السيد، ففداه المرتهن، بدية الجناية، أو فداه بأكثر منها ليأخذه ملكاً، ثم جنى. قال: إن فداه بزيادة ليأخذه، فهو قد ملكه، فليفده إن شاء، أو يسلمه، [ويتبع السيد بديته] (1)، إلا ما أسقط عنه الزيادة، وأما إن فداه بالأرش فقط بعد أن أسلمه سيده، فإنه يخير سيده أيضا في هذه الجناية الثانية بين فدائه، أو إسلامه كله، فإن فداه بقي رهنا بحاله، وإذا بيع، فقد قيل، يأخذه مرتهنه من ثمنه ما افتداه السيد بالجرح الآخر يأخذه في دينه؛ لأن الجناية الآخرة أولى برقبته من الجرح الأول، والجرح الأول من المرتهن، فيأخذ ذلك المرتهن، فيستوفي [منه دية] (2) الجناية الآخرة. فما فضل أخذ منه الجناية الأولى، فما فضل أخذ منه المرتهن في دينه الأول، ولو عجز ذلك عن الجناية الآخرة، لم يتبعه المرتهن بها، وأتبعه ببقية الدين الأول.
وقد قال أشهب: إذا بيع أخذ المرتهن ما كان له فيه من الرهن؛ لأن الجرح الآخر أولى به من الأول، وإن فضل فضل، كان فيما فداه به من الجرح/ الأول، ثم [إن كان فضل، فللسيد. قال محمد: وأحب إلي أن يكون الجرح الثاني أولى به من الرهن، فما بقي، ففي الأول، وما] (3) بقي، ففي الثاني.
قال أشهب: فإن أسلمه سيده في الجرح الثاني، خير المرتهن بين أن يزيد على الجناية الآخرة، أو يأخذه ملكا، وتسقط الزيادة من الدين بشيء مما فداه من الجنايتين، وإلا فداه من الجناية الآخرة لا يزيد شيئا، ولا يبقى رهناً بالجنايتين والدين، فإذا بيع استوفى منه ما أدى في الجنايتين، ثم بقي في الدين، وإن فضل (4) شيء فلسيده.
قال محمد: ومحمل قول مالك عندنا في مال العبد الجاني الرهن، إن لم ينزعه سيده قبل الجناية، أن ماله رهن فيما فدي به [دون الدين فإن بقي بيع بماله فإن
__________
(1) ما بين معقوفتين كتب في الأصل على الشكل التالي (ويتبع السيد بديته) عوض بديته.
(2) (منه دية) ساقطة من الأصل أثبتناها من ص وت.
(3) ما بين معقوفتين ساقط من ص.
(4) في الأصل حذفت النون من قوله (وإن) فاضطرب بسبب ذلك الكلام.

(13/357)


استوفي منه ما فداه به] (1)، ثم لا يكون بجميع ما بقي أولى في الدين من الغرماء، ولكن يقسم ما بقي على قيمة العبد بماله، وقيمته بغير مال، فإن زاد ماله في القيمة الثلث، قسم ما بقي على ثلاثة؛ فثلثاه (2) للمرتهن، وثلث يحاص فيه مع غرمائه بما بقي له.
قال: ولو قال المرتهن: خذوا من مال العبد دية الجناية، ودعوه رهنا بيدي. فليس له ذلك إلا بإذن السيد، وللسيد إسلامه بماله، وإن كان فيه أضعاف الأرش، إلا أن يشاء المرتهن أن يفديه بزيادة، [أو بالمثل، أو يسلمه، فيكون على ما ذكرنا أولا. وفداه بالأرش بغير زيادة] (3) كان بماله في ذلك رهناً.
[قال أشهب: ويكون مال العبد بيده، ينفق منه، ويكتسي بالمعروف.
قال ابن القاسم: ولو جرح العبد، وأخذ فيه أرش، كان رهنا] (4) معه، وهو كبعضه، لا يجعل له من دينه. وقال في العبد المبيع بالخيار يجني في أيام الخيار: فليختر البائع، فإن فداه فالمبتاع بالخيار في العمد والخطأ، وإن أسلمه، فالمشتري مخير؛ إن شاه فداه، ودفع للبائع باقي الثمن، وإن كان الخيار للبائع ففداه، والجرح خطأ، فله أن يمضي البيع ويلزم المشتري، [ولو كان عمداً، فليس له ذلك إلا برضى المشتري] (5)؛ لأنه عيب حدث في أيام الخيار، وإن أسلمه، فلا مقال للمشتري، ويصير إسلامه نقضا/ (6) [لبيعه كما لو وهبه أو باعه، وإن كان العبد هو المجروح والخيار للمشتري أو في أيام العهدة أو الأمة في المواضعة فإن شاء المبتاع أخذه مجروحاً بالثمن كله والأرش للبائع وإن شاء رده إلا أن يعلم به إلا أن يبدأ جرحه على غير علم فيلزمه ويكون أرش جرحه للبائع إن كان من الجراح
__________
(1) ما بين معقوفتين ساقط من ص وت.
(2) في الأصل (فثلثه) بالإفراد وما أثبتناه من ص وت.
(3) ما بين معقوفتين ساقط من ص وت.
(4) ما بين معقوفتين ساقط من ص وت.
(5) ما بين معقوفتين ساقط من ص وت.
(6) سقطت اللوحة رقم 19/ 7 و7ظ من النسخة المصورة فعوضنا محتواهما من ص وت ويوجد المحتوى بين هذه المعقوفة الأخرى التي شنبه عليها عند الوصل إليها.

(13/358)


الأربعة التي يرتفع فيها القصاص، وكذلك روى عيسى في العتبية عن ابن القاسم في الجناية عليه وفي الثلاث أو ذهاب ماله وقال وإن كان هو الجاني فإن افتكه البائع فالمبتاع على بيعه إلا أن تكون الجناية عمداً فيصير مخيراً في رده أو قبوله، وإن أسلمه فالمشتري مخير أن يفديه أو يسلمه فإن فداه بدية الجرح وذلك أقل من الثمن ودى بقية الثمن إلى البائع وإن كان مثله فأكثر ولا شيء عليه للبائع.

العبد يجني فيوصي سيده بفدائه وعتقه (1)
من كتاب ابن المواز: وإذا جنى الموصى بعتقه بعد موت السيد، فهو كالمدبر إن ترك الموصي مالاً مأموناً فهو كالخر فيما يلزمه من قود ودية على العاقلة، أو في ماله، وإن لم يكن له مال مأمون فهو كالعبد، فإن خرج من الثلث اتبع بالجناية وإن نافت على الثلث، فإن جنى قبل الموت، فترق من المدبر، فهذا يسلمه السيد إن شاء عبداً أو يفديه ويبقى على الوصية إن لم يرجع عنها، والمدبر يسلم خدمته وإن لم يسلم الموصي بعتقه حتى مات السيد فقال أشهب لورثته ما كان له أن يسلموه رقا، بعد أن يحلفوا ما علمنا أنه أقره تحملا للجناية، فإن نكلوا أخرجوا من الدية من رأس المال وأعتقوا العبد من ثلث ما بقي. وقال ابن القاسم إن شاء أسلموه عبداً للمجروح، وإن شاء فدوه، فكان على الوصية، فعلى قول ابن القاسم يسقط العبد من التركة، فإن فدوه بثلث ما بقي فأقل، عتق، وإن كان بأكثر عتق منه محمل الثلث. قال محمد كأنه استحق وكأنه حين أقره كموصى يعتقه مكانه عبدا آخر يشتري بثلث ما بقي من ماله بعد العبد إذا استحق بالجناية. قلت فلو أوصى بشراء عبد بعينه فيعتق واشتروه فجنا قبل العتق؟ قال هو مثل ما ذكرنا في هذا العبد بعينه، وفي المدبر يجني ولو كان عبدا بغير عينه فهو بخلاف ذلك. قال محمد وهذا بمنزلة لو مات بعد الشراء قبل يعتق فهو كمال الثلث ينقص فإن شاؤوا اشتروا غيره (2) من ثلث ما بقي فكان
__________
(1) هذا جزء من عنوان لم يتيسر لنا نقله كله نظرا لعدم وضوح محتواه في كل من ص وت.
(2) في ص وت (غير) بغير ضمير ولعل الصواب إثباته.

(13/359)


كالشراء ويعتق. ولو أوصى بعتقه بعد سنة فجنى بعد موته، فيخير الورثة في فداه خدمته على أن لا يتبعوه بما بقي [أو إسلامها فيختدمه من المجني عليه في ذلك ويتبعه بما بقي. قال محمد وأما الجناية على المدبر والمعتق إلى أجل والموصى بعتقه بعد أجل، فبخلاف جنايتهم والجناية عليهم للسيد أو لورثته لا يكون كأموالهم وهو ثمن الرقبة، وليس مثل ما كسب أو وهب له بعد موت السيد هذا. ولورثته انتزاع ما لهما ما لم يقرب الأجل.
ومن أوصى بعتقه إلى شهر فجنى بعد السيد قبل النظر في النظر في الثلث، والثلث لا يحمله خير الورثة فإما أنفذوا الوصية وتكون الجناية في خدمته ويتبعه المجني عليه بما بقي] (1) إلا أن يفدوا الورثة] (2) خدمته بالأرش، على أن لا يتبعوه بعد العتق بشيء، فذلك لهم، وإلا عجل (3) عتق ما حمل الثلث منه، واتبع ما بقي (4) منه قدر ما يقع عليه من الجناية، ويخير الورثة في فداء ما رق منه، أو إسلامه.
قال: وأما المعتق بتلا في المرض، يجني فيه، فقد اختلف فيه؛ فمرة قال ابن القاسم، وقاله أشهب: هو كالمدبر؛ يجني في المرض، وقد دبره في المرض أو في الصحة؛ إما فداه سيده، أو أسلم خدمته إلى موت سيده. ومرة قال ابن القاسم: ليس له أن يسلمه. محمد: وأحب إلي أن ليس له أن يسلمه (5)، وهو بخلاف المدبر الذي استثنى خدمته، والمبتل لا خدمة فيه، إلا أنه يخدمه العبد، حتى ينفذ عتقه، إلا من له مال مأمون [وقال أشهب لا يعتق وإن كان للسيد مال مأمون] (6) حتى يموت، فاختلف أيضا فيه قول أشهب.
__________
(1) ما بين قوسين ساقط من ص مثبت من ت.
(2) هنا ينتهي ما عوضنا به اللوحة الساقطة من صورة الأصل.
(3) في ص وت (وإلا عجلوا عتق ما حمل الثلث).
(4) في الأصل (واتبع ما عتق منه).
(5) في ص وت (وأحب إلي أن يسلمه).
(6) ما بين معقوفتين ساقط من الأصل مثبت من ص وت.

(13/360)


ومن كتاب أمهات الأولاد لابن سحنون، وقال المغيرة في عبد جنى موضحة، وأوصى سيده؛ يفدى ثم يعتق: فإن كانت قيمته مثل دية الموضحة خمسين، فعلى الورثة شراؤه من رأس المال، ثم يعتق في ثلاثة أو ما حمل منه، وإن كانت قيمته ثلاثين، أدوا عنه عقل الموضحة كما أوصى، وتكون عشرون وصية للمجروح، استتماما لحق العبد (1)، ففداؤه في الثلث، ويعتق الزائد على العشرين فيما بقي من الثلث؛ لأنها من الوصايا، وكأن العشرين اشترى بها العبد، فأعتقه؛ لأنه مرتهن بثلاثين.
ومن العتبية (2)، وقال فيمن حلف بحرية عبده؛ ليضربنه ضربا يجوز له، فجنى قبل الضرب جناية خطأً خير، في إسلامه أو فدائه، وإن أسلمه، رد وعتق عليه كالبيع، [ويرجع المجروح على سيده بالأقل من قيمة العبد، أو قيمة الجناية] (3).
وقال ابن سحنون عن أبيه: (إن افتكه ضربه) (4)، وخرج عن يمينه، وإن أسلمه قيل للمجني عليه: اختدمه بقدر جنايتك، فإذا استوفيت، رجع العبد إلى سيده؛ فضربه، وخرج من يمينه.
قال ابن عبدوس: قال بعض أصحابنا:/ فإن أسلم خدمته، ثم ضربه سيده وهو في الخدمة سقطت الخدمة، فأسلمه رقا، أو فداه، وليس عليه أن يسلمه رقبته (5) قبل أن يضربه، وإن مات السيد قبل ضربه، وهو في الخدمة، فإن حمله ثلثه، عتق فيه، أو ما حمل منه، واتبع بما بقي من الجناية، وخير الورثة في فداه ما رق منه أو إسلامه.
__________
(1) في ص وت (استماما لعتق العبد).
(2) البيان والتحصيل، 16: 189.
(3) العبارة الموجودة بين معقوفتين جاءت في البيان والتحصيل على الصورة التالية: (ويرجع المجروح على السيد بقيمته إلا أن تكون القيمة أقل فليس له إلا الأقل من قيمة العبد أو الجناية).
(4) في الأصل (أن ابتله من ضربه) وما أثبتناه من ص وت.
(5) في ص وت (وليس عليه أن يسلم رقبته).

(13/361)


ومن كتاب ابن المواز: وإذا جنى المعتق إلى أجل، فهو كالمدبر، فإن شاء سيده فدى خدمته، ولا يتبعه بشيء أو يسلمها فيخدم فيما لزمه، أو يؤاجر فيها (1)، فإن وفى رجع إلى سيده، وإن تم الأجل ولم يف أتبع بما بقي [وعتق؛ كان سيده حيا أو ميتا، ولو جنى في الخدمة على آخر بعد إسلامه، دخل الثاني فيما بقي من الخدمة] (2) بما يجب له، والأول بما بقي له.
وإذا جنى المعتق نصفه، فلم يختلف قول مالك وأصحابه؛ أنه يخير سيده أن يفدي نصفه بنصف دية الجناية، أو يسلمه، ويتبع العبد بنصف الجناية في ماله، أو يتبع به إن لم يوجد له شيء.
وإذا جنى عليه، فاختلف فيه قول مالك؛ فقال: أرش ذلك بينه وبين سيده. قال أشهب: ثم رجع؛ فقال: جميعه لسيده. وبه أقول استحساناً. وروى القولين ابن القاسم، وأخذ هو، وابن وهب بأنه بينهما. محمد: وهو القياس أن له مثل ما عليه. قال أشهب: وهو القياس، وأستحسن أنه للسيد؛ لأنه بعد عبد في أحكامه، ألا ترى لو قتل كانت قيمته لسيده، وكذلك ما قطع منه، وأما إذا جنى، فهو المخدم (3) لها، فلذلك لم أحمل على سيده من حصة الحرية شيئاً، ولا أعري العبد من ذلك، وهو المعتدي، وتصير ذريعة إلى تجرؤ العبد على الجنايات.
قال محمد: وهو قول حسن لا يعيبه./
ومن قول العلماء، ولكن أقيس القولين ما ذكرت لك، وهو قول ابن القاسم، وابن وهب، والمغيرة وابن دينار، وابن الماجشون.
وذكر ابن حبيب أن مظرفا روى عن مالك ثلاثة أقوال؛ فذكر القولين اللذين ذكر ابن المواز، والقول الثالث أن يكون ما يجب فيه موقوفا بيده مع ماله
__________
(1) في ص وت (ويؤاجر فيها) عوض أو يؤاجر فيها.
(2) ما بين معقوفتين ساقط من ص وت وجاءت العبارة فيهما مختصرة على الشكل التالي (اتبع بما بقي من الخدمة التي تجب له).
(3) في الأصل وت (فهو المحرم) والصواب ما أثبتناه من ص.

(13/362)


[وآخر أقواله أن يكون بينهما، فما صار للعبد بقي بيده موقوفا مع ماله] (1). وبه أقول، وقاله ابن الماجشون، والمغيرة، وابن دينار.
في جناية العبد المغصوب والجناية عليه
وهذا الباب أكثر مسائله مستقصاة (2) في كتاب الغصب، من كتاب ابن المواز، وذكرنا منه هنا شيئا من العتبية (3). روى العتبي عن سحنون، فيمن غصب عبداً، وعند الغاصب جارية وديعه لربه، فجنى العبد عند الغاصب، فقتل رجلا خطأً، ثم قتل تلك الجارية، ثم قام أهل الجنايتين، فلرب العبد أن يضمن الغاصب قيمته فارغا بلا جناية، ثم يخير فيه الغاصب إن كانت قيمة الجنايتين سواء ألفاً ألفا، فإن شاء أسلمه [وإن شاء فداه] (4)، وإن شاء فدى نصفه من إحدى الجنايتين بألف.
ولو جنى العبد على رجل خطأً، ثم جنت تلك الجارية على العبد خطأً، [قال] (5)، فإن أخذ رب العبد قيمته من الغاصب [فارغا] (6)، بلا جناية، فإنه يقال لرب الجارية: أسلم جاريتك بما نقص العبد، أو أفتك، فإن أفتك- هكذا: في الكتاب، وهو غلط، وإنما هو: فإن أسلم- قال: فيقال للغاصب: قد صار إليك العبد والجارية، وهما مرتهنان بجناية الحر، فإن شئت، فأسلمهما إلى أوليائه، وإلا فافتكهما بدية الحر، فإن أفتك رب الجارية الجارية بما نقص العبد، وقيمة نقصه ألف دينار، قيل للذي له العبد: ادفع الدية إلى أولياء الجناية، فتصير/ كأنك افتككت العبد بالدية، فإن كان ما نقص العبد أقل من ألف دينار، قيل لرب العبد: إن شئت فافتك العبد بالدية، وإن شئت [فأسلم العبد، وأرشه، في الجناية] (7).
__________
(1) ما بين معقوفتين ساقط من ص مذكور من الأصل وت.
(2) في ص وت (وهذا الباب أكثره مستقصى).
(3) البيان والتحصيل، 16: 175.
(4) ما بين معقوفتين ساقط من الأصل مثبت من ص وت.
(5) لفظة (قال) ساقطة من الأصل.
(6) كلمة (فارغا) ساقطة من الأصل وعوضها سهوا بلفظة (قيمته).
(7) جاءت العبارة الموجودة بين معقوفتين في ص وت على الشكل التالي (فأسلم العبد أرشه والله أعلم).

(13/363)


جامع القول في جناية أم الولد، والجناية عليها
من كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم: كل ما جنت أم الولد، أو غصبت، أو كل ما لزم رقبتها (1)، فعلى سيدها- عاش أو مات- الأقل من ذلك، أو من قيمتها يوم الحكم، ويحاص بذلك غرماءه في الفلس والموت. مالك: ويقوم بغير مالها. [وقال المغيرة، وعبد الملك: تقوم بمالها، وإن جنت وسيدها مريض، فلم ينظر في ذلك حتى مات، فذلك في ماله، دون أم الولد] (2)، [قال مالك] (3)، وإن جنت فأعتقها في صحته، وهو عديم] (4)، اتبع به دونها- يريد بالأقل- كان لها مال أو لم يكن؛ لأن قيمتها تلزمه، وإن كره، وذلك بدل من إسلامها؛ لأنها ليست بحرة؛ فيلزمها ما يلزم الحرة، ولا خدمة فيها فتسلم.
ومن المجموعة، قال سحنون: إذا عتقت أم الولد بعد أن جنت، وهو عالم بالجناية، أو جاهل بها، فإن كان غير عالم، فهي حرة، والجناية في قيمتها، وإن كان عالما، فالأقل من الأرش أو من قيمتها يتبع به سيدها، وهي حرة، وليس له أن يزيل عن نفسه (5)، ما كان يلزمه بالعتق، [ولو ماتت بعد العتق لزمه الأقل لأنه حقا لزمه حين أعتقها] (6)، ولو أعتقها قبل أن يعلم (7)، ثم ماتت، لم يلزمه شيء، لأنه لم يتعمد (8) إتلاف ما كانت به مرهونة، وهي كالعبد يعتقه بعد الجناية، فإن كان عالما خير على أداء (9) الأرش في قول المغيرة، ومن قال بقول ابن القاسم في العبد، فإن السيد إن أعتقها وهو عالم، حلف؛ ما أعتقها يريد حمل الجناية، فإن حلف كانت في ذمتها.
__________
(1) في ص وت (أو غصبت أو قتلت فكل ما لزم رقبتها إلخ).
(2) ما بين معقوفتين ساقط من ص وت.
(3) (قال مالك) ساقطة من الأصل مثبتة من ص وت.
(4) (عديم) حرفت في الأصل إلى (عبد ثم) ولا معنى لذلك.
(5) في ص (وليس له أن يرد عن نفسه) وفي ت (أن يريد على نفسه) وأثبتنا ما في الأصل.
(6) ما بين معقوفتين ساقط من الأصل مثبت من ص وت.
(7) في الأصل (ولو عتقها ولم يعلم) ونحن أثبتنا ما في ص وت.
(8) في ص (لأنه يتعمد) بالإثبات لا بالنفي.
(9) لفظة (أداء) ساقطة من الأصل.

(13/364)


قال: وإن جنى عليها فلم يأخذ السيد ذلك حتى مات، فقال مالك مرة: ذلك لورثته مثل العبد يعتق بعد أن/ وجبت له جناية أنها لسيده، ثم قال: هو لأم الولد. لما تقدم فيها من حرمة العتق، وكذلك ذكر ابن القاسم عن مالك في العتبية (1)، قال: واستحسن مالك هذا القول الذي رجع إليه، ونحن نستحسنه.
قال في كتاب ابن المواز: وقوله الأول هو القياس، ونحن نستحسن ما رجع إليه، وكذلك لو أعتقها قبل تؤخذ دية الجناية، كانت لها. وقال أشهب: بل ذلك للسيد.
ومن المجموعة قال سحنون: وقال غيره (2): إذا جنت أم الولد على رجل، فلم يقم حتى مات السيد، فذلك عليها. وقاله عبد الملك، وروى مثله ابن القاسم عن مالك، وقال غيره: إن قوم جرحها على السيد، ثم مات ولا مال له، فلا شيء عليها؛ لأن ذلك قد ثبت في حياته (3). وقال سحنون: يحكم على سيدها، وإن كان عديما مثل ولد المغرور، يموت بعد الحكم فيه.
ومن كتاب ابن المواز [قال ابن القاسم] (4): قال مالك: وأما العبد يعتقه بعد أن جنى عليه، وهو يعلم بالجناية، أو يهبه، فذلك للسيد، وإن لم يستثنه، قال: ولو جنت فلم يقم (5) حتى جنت [ثم جنت] (6)، فليس عليه إلا قيمة واحدة يتحاصون فيها، وللسيد أن يعطي بعضهم دية جرحه، وبعضهم ما كان يصير له من قيمتها.
ومن كتاب ابن المواز، والمجموعة عن أشهب وهو في كتاب ابن سحنون: ولو جنت على رجلين، فعلم السيد بأحدهما فأعطاه دية جرحه [أو قيمتها، ثم
__________
(1) البيان والتحصيل، 16: 91.
(2) في ص وت عوض (وقال غيره) جاء فيهما (وقال المغيرة).
(3) في ص وت (قد ثبت في جناية) عوض (قد ثبت في حياته) التي أثبتناها من الأصل.
(4) (قال ابن القاسم) ساقطة من ص وت.
(5) في الأصل فلم يقض عوض (فلم يقل) الموجودة في ص وت.
(6) (ثم جنت) ساقطة من ص وت.

(13/365)


قام الثاني فعلى سيدها أن يعطيه إن شاء دية جرحه] (1)، بقدر ما كان يصير له مع الأول في قيمتها لو تحاصا اليوم، ويرجع السيد على الأول، ولا يكون له مما كان أخذ إلا قدر ما كان يصير له قيمتها، [يوم قام أولاً، أو تحاصا] (2) يومئذ، مثل أن يخرج الأول والثاني موضحة موضحة، فيدفع إلى الأول أرش جرحه/ ولم يعلم بالثاني، ثم قام الثاني، [وقيمة الأمة الآن] (3) أقل من الموضحتين، فليدفع للثاني نصف قيمتها اليوم، ويرجع السيد، فيقول للأول: [إنما أعطيتك دية جرحك] (4)، وأنا أظن أن ليس معك شريك، فله ذلك، ويدفع له مما قبض (5) قدر نصف قيمتها يوم كان قام إلا أن يكون نصف قيمتها يوم قام أكثر مما كان قبض، فإنما له الأقل من دية جرحه، أو من نصف قيمتها يوم قيامه، فإن اختلفت الجراح، فكذلك له الأقل من أرش جرحه (6)، أو مما كان يصير له من قيمتها مع صاحبه لو قام يوم قام الأول، وإنما يتبع الثاني بما يجب له السيد، إلا أن [يشاء] (7) أن يتبع الأول فيما بيده، بما كان يجب لسيدها أن يرجع عليه؛ لأنه غريم غريمه، ثم يرجع على السيد بما بقي له، إن كان يبقى له شيء، ولو لم يعلم بالثاني، حتى جرحت ثالثا، وقد كان غرم للأول قيمتها يوم قام الباقيان، فللسيد أن يرجع على الأول، فيأخذ منه نصف تلك القيمة، إن ساوى جرحه جرح الثاني، وعليه الثالث نصف قيمتها اليوم إن كان ذلك أقل من نصف دية جرحه؛ لأنها جنت على الثاني، وقد فديت من الأول، وتم الأمر فيه، وإنما كان يستحق منها الأول نصفها؛ فذلك النصف منها، الذي كان فداه من الأول لا يدخل فيه ثانية، [وبقي نصفها
__________
(1) ما بين معقوفتين ساقط من ص وت.
(2) ما بين معقوفتين أثبتناه من ص وت وهو في الأصل جاء على الشكل التالي (وقد قام الأول وتحاصا).
(3) العبارة في ص وت (وقيمة الأمة الأولى) والصواب ما أثبتناه من الأصل.
(4) في الأصل (أنا أعطيك دية جرحك) والصواب ما أثبتناه من ص وت.
(5) في ص وت (ويدع له مما قبض).
(6) في ص وت (له الأقل من أرشه).
(7) (يشاء) ساقطة من ص وت.

(13/366)


الذي كان ينبغي للثاني وحده] (1)، حين لم يكن له شريك غير الأول، ولم يقع فيه فدي ولا غيره، حتى دخل فيه الثالث ببقية جرحه، فيخرج السيد قيمة نصفها هذا الذي كان للثاني، فيدخل فيه الثاني بدية جرحه [كله، والثالث بنصف جرحه لأنه استوفى نصف جرحه] (2) في النصف الذي كان فداء من الأول، فيصير للثاني ثلثا هذا النصف الآخر، وللثالث نصفه، فيصير للثالث ثلثا قيمة أم الولد، وللثاني ثلثها، وإن شاء السيد دفع إلى من شاء منهما دية جرحه، وحسن ما ذكرنا أنه يصير له/ من القيمة، وذلك أن على السيد إذا فدا أم ولده بقيمتها، [ثم جنت أن يستأنف فداءها بقيمتها، هكذا أبداً، ولم يفدها بكل جناية تجتمع عليها يشترك أهلها في قيمتها] (3)، وكذلك إن فدا بعضها حتى خرجت، فإن يأتنف الفداء في الجرح المحدث، وذهب أبو حنيفة إلى أنه إذا أدى قيمتها فكل جرح حدث منها بعد ذلك، فلا شيء عليه فيها، ويدخلون في القيمة الأولى كلهم، إلا أن تكون قيمتها قد زادت، وهذا فاسد؛ أن يأخذ سيدها ما جنى عليها، ويؤدي غيره جناياتها، وزعم أن ما أدى من قيمتها أولا، كإسلامها، ليس بسوي؛ لأن الأمة إذا أسلمها لم يبق له فيها نفع، وهذه منافعها قائمة، [وما أعطى يكون فدى به عبده] (4).
وذكر سحنون في العتبية (5) مسألة أم الولد تجني على رجلين، ففدى من أحدهما، ثم تجني على الثالث، مثل ما ذكر ابن المواز، ولكن كلام سحنون أقيس (6)، وهذه المسألة كتب بها إلى طرابلس.
__________
(1) ما بين معقوفتين أثبتناه من ص وت وجاء في الأصل على الشكل التالي (وبقي نصفه الذي كان مع الثاني وحده) وما أثبتناه أوضح وأبين.
(2) ما بين معقوفتين ساقط من الأصل مثبت من ص وت.
(3) ما بين معقوفتين ساقط من ص وت أثبتناه من الأصل.
(4) ما بين معقوفتين من الأصل وجاءت العبارة في ص وت على الشكل التالي (فصار ما أعطى كأرش فدى به عبده).
(5) البيان والتحصيل، 16: 172.
(6) في ص وت (أظهر) عوض أقيس الموجودة بالأصل.

(13/367)


ومن المجموعة أيضاً، قال سحنون، في أم الولد تجني على رجلين، موضحة موضحة، فقام أحدهما، فأسلم السيد إليه قيمتها، ولم يعلم بالآخر، وكانت قيمتها يومئذ مثل أرش الموضحة سواء، فلم يقم الثاني حتى خرجت ثالثا أيضا موضحة، ثم قام هو والثاني: فإنه يرجع السيد على الأول بخمسة وعشرين؛ لأنه إنما كان له يوم قام نصف الجناية، ثم ينظر قيمتها اليوم، فإن كانت ستين دينارا، قيل للثالث: قد جنى عليك نصفها المفتك وهو فارغ، ونصفها الآخر وهو مرتهن بجناية الثاني، فنصف موضحتك في النصف الفارغ، فيفتكه منه السيد بخمسة وعشرين؛ لأن نصف جنايتها أقل من نصفها الآن، والنصف الثاني بينك وبين الثاني على ما بقي؛ لك وله فلك ثلثه، وهو عشرة، وله ثلثاه، وهو/ عشرون؛ يريد: لأن هذا بقي له نصف جرحه، وهذا له جرحه كله، والجرحان سواء، فصار على الثلث والثلثين.
ومن المجموعة، قال أشهب: وإذا جنت جناية بعد جناية، فلم يقم عليها حتى قيم، فإنما تفدى بالأقل من ديات ذلك، ومن قيمتها يوم قيامها، ولو كان يعطى المجني عليه قيمتها يوم جنت، لكان يكون لكل واحد من هذين الأقل من أرشه، ونصف قيمتها يوم جنت. وما علمت من قال ذلك إلا المغيرة، وابن القاسم، فأما ابن القاسم، [فرجع، وأما المغيرة] (1) فراجعته، حتى خيل إلي أنه رجع، لشدة انكساره (2).
ومن كتاب محمد، والمجموعة: وإذا ماتت أم الولد بعد الجناية، فلا طلب على سيدها، وهي لو اعورت بعد الجناية، لم يود إلا قيمتها عوراء وما تقدم من هذه المسائل فهو لأشهب في المجموعة، قال في المجموعة: وقاله ابن القاسم، وأشهب، وعبد الملك، وقال أشهب في كتاب ابن المواز، ومن ذلك ما روي عن عمر، وعثمان، في ولد الأمة القارة أن على الزوج أمثال الولد، وروى أسنانهم، فدل أن ذلك على ما هم به يوم الحكم، وذلك يرجع إلى القيمة، وقد كان خالفني
__________
(1) ما بين معقوفتين ساقط من ص وت والصواب ذكره.
(2) في الأصل لشدة إنكاره والمناسب للمقام ما أثبتناه من ص وت.

(13/368)


المغيرة، وابن القاسم؛ فقالا في أم الولد: إنما عليه قيمتها يوم جنت. فرجع ابن القاسم، وتمادى المغيرة (1) فيما علمت- حتى قال في الأمة القارة: للحر أن عليه قيمة ولده يوم ولدوا، وإن ماتوا بعد ذلك. وهو خلاف أهل الحجاز من العلماء.
ومن العتبية (2) روى محمد بن خالد، عن ابن القاسم في أم ولد النصراني، تسلم، فتجني قبل أن تعتق عليه: أنها تتبع بجنايتها، دون سيدها. وكذلك روى عنه يحيى ابن يحيى، وزاد، فقال: لا ينبغي أن تعتق عليه، ويؤدي الجناية عنها؛ لأن عتقها أمر ثابت لازم.
قال ابن حبيب: قال أصبغ في أم ولد النصراني، تجني، قال: له أن يسلمها كالأمة، أو يفديها. لابد له من ذلك./ فإن أسلمت قبل الحكم، قال: فكذلك يقال له: إفدها، وتعتق عليك، وإلا فأسلمها؛ لأنها كانت مرتهنة بها قبل إسلامها. فإن أسلمها وفي ثمنها فضل عن جنايتها، بيع منها لذلك، وعتق ما بقي، وإن كان كفافاً، أو كانت الجناية أكثر، أسلمت في الجناية، وكذلك إن كان رهنها (3) في حق عليه، ثم أسلمت، فإنه إن كان له مال عتقت، وكان حق المرتهن في مال النصراني، وإن لم يكن له مال، بيع منها لوفاء الدين، وعتق ما بقي، وإلا بيعت كلها.
قال: ولو أسلمت، ثم جنت قبل الحكم بعتقها، فإنها تكون حرة، وعلى السيد الأقل من جنايتها أو قيمتها، كأم ولد المسلم؛ لأنه لم يكن يقدر على بيعها، ولا على إسلامها، ولأنها لو ماتت قبل الحكم عليه بعتقها، لورثها بالرق، ولو قتلت أخذ قيمتها قيمة أمة، وإن أسلم كان أحق بها، وإن جني عليها، فجنايتها جناية أمة، وأرش ذلك في القياس لسيدها، وإن لم يسلم،
__________
(1) في الأصل (وتمادى المخزومي) والصواب ما أثبتناه من ص وت.
(2) البيان والتحصيل، 16: 181.
(3) في الأصل (وكذلك إن كان رهنا) والصواب ما أثبتناه من ص وت.

(13/369)


والاستحسان (1) أن يكون لها إن لم يسلم سيدها وقتها. ذلك إن مات بعد أن جنت.
وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم [في العتبية] (2) في أم الولد إذا جنت، ثم ظهر أنها أخت السيد من الرضاعة، قبل القيام عليه بالجناية، وقبل أن تعتق عليه، فعلى السيد إخراج قيمتها، ولا يتبعها بذلك؛ لأنه قد لزمه فداها. وإنما تعتق عليه للحرية التي ثبتت لها حرم عليه الوطء، ولم يكن له في غيره، فلهذا عتقت عليه، ولو قال قائل: إنها لا تعتق. لم يقل إنه ترك سنة مضت، ولا أثرا مجتمعاً عليه. وقال سحنون: (الجناية عليها، تبع لها مثل أم الولد) (3) النصراني. يريد إذا أسلمت.
وقال في كتاب ابنه: تتبع بالأقل. وذكر ابن سحنون لسحنون، أن أبا زيد روى عن ابن القاسم، في أم الولد تجني على رجلين، فيعلم السيد أحدهما، فيعطيه قيمتها، إذ هي أقل من جرحه، (ثم تجرح ثالثا) (4). وجراحهم سواء، ثم قام الثاني والثالث: أنه/ يرتجع نصف ما أعطى للأول، وليعط هذين- إن شاء- دية جرحهما كاملا. (وقال: هذا خطأً وأبو زيد؛ لا يقوم لهذه المسألة) (5)، وإنما يؤدي قيمتها الآن، إن كان ذلك أقل من جرح الثاني، ومن نصف جرح الثالث، فتكون هذه القيمة بينهما على الثلث للثالث، والثلثين للثاني؛ لأن الثالث جني عليه أيضا نصف فارغ، وهو النصف الذي فدا السيد
__________
(1) في الأصل عوض (والاستحسان) والاستحقاق وما أثبتناه من ص وت.
(2) (في العتبية) ساقطة من الأصل ويشير بذلك إلى الجزء 16: 154.
(3) العبارة في البيان والتحصيل، جاءت على الشكل التالي (والجناية عليها دين تتبع به مثل إن الولد) وهي أوضح وأبين.
(4) في الأصل (ثم يخرج ثالث) والصواب ما أثبتناه من ص وت.
(5) العبارة في الأصل (وقال قد أخطأ أبو زيد لا يقوم بهذه المسألة) ولعل الصواب ما أثبتناه من ص وت.

(13/370)


من الأول [ونصف شريكه فيه الثاني] (1)، ويأخذ الثالث أيضا من سيدها الأقل، من نصف قيمتها الآن، أو من نصف دية جرحه على ما ذكر سحنون قبل هذا، وابن المواز.
وذكر ابن عبدوس أن أشهب قال: يقال للسيد: إنما عليك لهذين (2) الآخرين الأقل من قيمة أم الولد الساعة أو من دية جرحهما جميعا. فأنكر سحنون هذا، ثم ذكر شرحها، فذكر المسألة التي كتب بها إلى طرابلس، التي قدمنا ذكرها.
ومن العتبية (3)، ومن كتاب ابن المواز، قال: وإذا جنت أمة رجل، فأولدها السيد بعد الجناية، فقيل: إن لم يعلم الجناية، فهي كأم الولد، وعليه الأقل في عدمه وملائه وإن وطئها عالما، فعليه دية الجناية ما بلغت.
محمد: فأحب إلي إن كان عالما بها، وهو ملي، أن يحلف: ما كان ذلك منه رضى، بحمل الجناية، إن كانت الجناية أكثر، وودى قيمتها، وإن نكل أدى قيمة الجناية، وإن كان عديماً (4)، ثم وطئ بعد العلم على المبادرة، فلا تكون أم ولد، وله أن يسلمها دون الولد، ولا يتبع بشيء من قيمة ولدها؛ لأن ولدها لو كان عبدا لم يتبع بشيء من جنايتها.
ومسألة الأمة تجني، فباعها، ولم يعلم، فأولدها المبتاع. في باب مفرد قبل هذا.
__________
(1) ما بين معقوفتين كتب عوضه في الأصل ما يأتي (ونصف من شركه فيه الثالث) ولا معنى لذلك والصواب ما أثبتناه من ص وت.
(2) حرفت (لهذين) في الأصل إلى (لها دين) ولا معنى لذلك والصواب ما أثبتناه من ص وت.
(3) البيان والتحصيل، 16: 117.
(4) في الأصل (إذا كان عدما) والصواب ما أثبتناه من ص وت يقال أعدم الرجل يعدم إذا افتقر فهو معدم وعديم وسمي الفقر عدما وعدما وكثيرا ما تتناوب هاتان الصيتغتان في اللغة العربية مثل قولهم الحزن والحزن والرشد والرشد والجحد والجحد.

(13/371)


قال: وإن جنت أم ولد، فوطئها الأب، فحملت، فعلى سيدها الأقل من قيمتها يوم الحكم أو الأرش، على أبيه يوم وطئ، وتكون حرة مكانها، ولو وطئ أمة ولده، فحملت، ثم جنت، فعليه قيمتها يوم الوطء للابن، وعليه للمجني عليه الأقل من قيمتها يوم الحكم، أو من الأرش.
محمد: وذلك إذا أحبلها قبل الجناية، فجنت، وهي حامل، فعليه قيمتها للابن، ثم عليه ما على من جنت أم ولد، فأما إن جنت قبل الوطء، ثم وطئها، فإنما عليه قيمة واحدة؛ لأنه إنما أفات ما صار للمجني عليه، أو لابنه، إلا أن يفديها الابن، فإن فداها فهو أولى بقيمتها التي يؤدي الأب قيمتها يوم وطئ، وإن أسلمها الابن، فعلى الأب للمجني عليه الأقل من قيمتها يوم الحكم، أو دية الجناية، وليس عليه للابن شيء؛ لأنه قد أسلمها بدية ما جنت عنده، إلا أني أحلف الأب للمجني عليه، إن كانت دية الجناية أكثر مما يدفع إليه من قيمة رقبتها، يوم يريد أن يدفع أنه ما كان وطؤه إياها رضى بحمل جنايتها، فإن نكل غرمها ما بلغت.
ومن كتاب ابن حبيب (1)، قال ابن الماجشون: ومن قول المغيرة في أم الولد تجني، فلا يحكم على سيدها، حتى تجني على آخر: أن عليه الجنايتين، فكذلك جنايات كثيرة؛ لأنه لا ينتظر بها إسلام، ولا افتكاك. ويرى في أم القارة قيمتهم، يوم ولدوا. قال ابن الماجشون: ونحن على قول مالك في الوجهين.
قال مطرف، وابن الماجشون: وإذا جنت أم الولد على رجل جناية، أو جنايات، أو على واحد بعد واحد، فإنما عليه. وإن كثرت قيمتها يوم الحكم. قاله مالك، وقال المغيرة: إنما عليه قيمتها يوم جنت، فإن ماتت قبل الحكم، فذلك عليه. ويقول: إن جنت جناية بعد جناية، على واحد أو جماعة، فإن عليها تلك الأروش كلها، وإن جاوز قيمتها أضعافها، فلا يجزئه إخراج قيمتها رفي هذا، وإنما ذلك إذا كانت جناية واحدة، على رجل واحد. وبقول مالك نقول. وقالا:
__________
(1) في ت نسب القول إلى كتاب ابن المواز وما أثبتناه مأخوذ من الأصل وص.

(13/372)


إن مات السيد، قبل يقام في جنايتها، فذلك في ماله،/ [وإن لم يكنله شيء] (1)، فليس عليها هي شيء من ذلك في مالها، ولا يؤخذ في ذلك من مالها في حياة السيد، إلا أن يشاء هو، فإذا جني عليها هي، فلم يأخذ ذلك السيد، حتى مات، فذلك لها دون ورثته. قاله ابن القاسم، وابن عبد الحكم.
ابن سحنون: قال سحنون في أم الولد، إذا صارت في سهم رجل من المغنم، فلم يقم ربها حتى جنت، ففي قول مالك: يؤدي سيدها (ما وقعت به لا الأقل) (2)، فيأخذ منه المجني عليه الأقل من قيمتها، أو من أرش الجناية، وما بقي للذي صارت في سهمه، وإن كان ما يجب في جنايتها من الأقل أكثر مما بقي للذي صارت في سهمه، وإن كان ما يجب في جنايتها من الأقل أكثر مما صارت به في المقاسم، فليتم سيدها تمام الأقل للمجني عليه، ولا شيء لمن وقعت في سهمه. ألا ترى لو وقعت ثانية في سهم آخر، بأكثر مما وقعت [بالأول، أن سيدها ودى لهذا الآخر الأكثر، ويأخذها، ولا شيء للأول؟] (3) ومذهب المغيرة يرى أن ما عليه للذي صارت في سهمه، الأقل من قيمتها، أو ما وقعت به في سهم هذا، فعلى هذا القول، يغرم الأقل من قيمتها، أو ما وقعت به في السهمان، [يأخذ من ذلك المجني عليه الأقل من قيمتها] (4)، ومن أرش جنايته، وصاحب السهمان ما بقي، وإن لم يكن فيه، فعلى السيد أن يتم للمجني عليه تمام الأقل من الجناية، أو القيمة، ولا شيء لصاحب السهمان، وإن كان إنما جنت قبل أن تسبى، فليغرم السيد الأقل من قيمتها، أو من الجناية، ويأخذ منه الذي صارت في [سهمه وقعت به في السهم وللمجني عليه ما بقي فإن كان ما وقعت له في السهم] (5) أكثر أداه للسيد، ولا شيء [للمجني] عليه، وفي قول المغيرة: يغرم
__________
(1) ما بين معقوفتين ساقط من ص وت مثبت من الأصل.
(2) كتبت هذه الجملة مضطربة في مختلف النسخ فآثرنا اختيار الصيغة التي وضعناها عليها لانسجامها مع الحكم الفقهي.
(3) ما بين معقوفتين ساقط من ص وت.
(4) ما بين معقوفتين ساقط من ص وت.
(5) ما بين معقوفتين ساقط من الأصل مثبت من ص وت.

(13/373)


الأقل؛ فيأخذ صاحب السهمان منه الأقل من قيمتها، أو مما وقعت (1) به، فإن لم يف به، أتمه سيدها، ولا شيء للمجني عليه.

في الأمة بين الرجلين، يطؤها أحدهما
فتحمل، ثم تجني، أو مثل بعبده، فلم
يقم عليه العبد حتى جنى/
من كتاب ابن سحنون، في أمة بين رجلين، وطئها أحدهما، ولا مال له، ثم جنت، فنصف الواطئ، بحساب (2) أم الولد، ويقال للآخر: افد، أو أسلم، فإن فدى، كان له نصف قيمتها على الواطئ يتبعه بها، ويباع فيه هذا النصف المفتك، وإن أسلمه كان للمجني عليه مثل ذلك، يتبعه بمثل ذلك، وتباع له فيه، إلا أن يشاء السيد إن افتدى، أو المجني عليه إن أسلم الأمة، أن يتمسك بهذا النصف رقا (3)، ولا يتبع الواطئ بشيء، إلا أن للشريك اتباع الواطئ بنصف قيمة الولد، ويعتق على الواطئ نصفه ويتبع المجني عليه ذلك النصف بالأقل من نصف [الجناية أو نصف قيمة الرقبة، وكذلك من مثل بعبده فلم يقم عليه العبد حتى جنى فإن يعتق ويتبع بالجناية كانت أقل من] (4) قيمته أو أكثر، وليس فيه فدى، ولا إسلام؛ إذ لا يفتكه لرق، وليس ما أحدث يزيل عتق ما وجب له من العتق، ولكنه إنما يعتق بالمثلة يوم الحكم بذلك، وكذلك نصف الواطئ، إنما يعتق عليه يوم الحكم.
وكذلك أم الولد تجني، ثم يعلم أنها أخت السيد من الرضاعة، فإنها تعتق وتتبع هي بالأقل، ولا يكلف السيد فيها فداء، إذ لا نفع له فيها، ولا تطل جناية مسلم.
__________
(1) في الأصل (مما بقيت) وأثبتنا ما في ص وت.
(2) في ص وت (فنصف الواطئ لسبيل أم الولد).
(3) في الأصل (أن يتمسك بها النصف ربها).
(4) ما بين معقوفتين ساقط من الأصل مثبت من ص وت.

(13/374)


وكذلك أم الولد، لا يعلم جنايتها حتى يموت سيدها، فإنها تتبع بالأقل، ولا يكون على عاقلتها؛ لأن جنايتها قبل عتقها وتمام حرمتها، وقد قيل غير هذا، وبهذا أقول.
وإذا أحبل (1) الأمة أحد الشريكين، وهو ملي، ثم جنت، قيل للذي لم يطأها: افد نصفك، أو تمسك. [فإن تمسك، أو افتدى] (2)، رجع من صار له ذلك النصف منه، أو المجني عليه على الواطئ [في ملائه بنصف القيمة، يوم وطئ، وتصير له أم ولد، ورجع المجني عليه على الواطئ] (3) بالأقل من نصف الأرش، أو من نصف قيمتها.
وكذلك إن وطئ، ولم تحمل، ثم قام ولي الجناية والشريك؛ فالشريك مخير أن يسلم، أو يفتك. فإن افتك، فهو مخير أن يضمن الواطئ نصف/ قيمتها، أو يتماسك، وإن أسلمها فليس للمجني عليه خيار؛ لأنها بهذا (4) الوطء جنت عليه، وقد ضمنها بوطء التعدى، ولم يزل بذلك ملك شريكه، فصار المقدم بالتخيير قبل المجني عليه.
ولو جنى عبد عند الغاصب، لكان سيده مبدأ قبله بالتخيير، وإن ضمنه الغاصب، فإما فداه سيده أو أسلمه، وإن شاء ضمن الغاصب قيمته، ثم الغاصب أن يفديه، أو يسلمه.
في جناية المدبر، والجناية عليه
من كتاب ابن المواز: وإذا جنى المدبر؛ فإما فدى سيده خدمته، ولا يتبعه بشيء، وإما أسلمه، فاختدمه المجروح بأرشه، فإن وفي عاد إلى سيده، وإن
__________
(1) حرفت في الأصل إلى قوله (وإذا أجل الأمة).
(2) ما بين معقوفتين كتب في الأصل (فإن تمسك أو أسلم) وكتب في ص وت (فإن أسلم أو افتدى) ولعل الصواب ما ارتأيناه لأنه مناسب لما قبله ومتفرع عن مقابلته.
(3) ما بين معقوفتين ساقط من ص وت.
(4) في ص وت عوض (بهذا الوطء جنت) كتب (بعد الوطء جنت).

(13/375)


مات السيد قبل ذلك، وثلثه يحمله، عتق واتبع بما بقي، وإن حمل نصفه، اتبع ما عتق منه بنصف ما بقي، وخير الورثة فيما رق منه؛ في افتدائه، بحصته أو إسلامه رقا، وإنما خيروا فيه [وقد كان أسلمه السيد لأنه إنما أسلم خدمته، فلما صار بعضه رقا خيروا فيه] (1) فإن قيل (2)، فإذا استوفى الجريح ديته من خدمته، لم كان (3) ما بقي للسيد من خدمته دونه؟
ولو مات المدبر لم يضمن له سيده ما بقي. فكما لا يضمن، فلم كان أحق بفضل الخدمة؟ قلت: لو كنت أجعل للمجروح غير الخدمة، لكان ما قلت. ولكن جعلت له تضمين المدبر، واتباعه بما بقي له، مع ما يضمن الوارث من ذلك فيما رق منه.
قال: وإذا كان على السيد من الدين ولو درهم، لم يعتق حتى لا يبقى عليه شيء من الدين، ولا من الجناية، وإذا كان الدين، ودية الجناية قد أحاطا برقبته، وهما أكثر من قيمته، أو لا فضل في قيمته عنهما، لم يبع منهما شيء، وكان المجروح أولى برقبته ملكا؛ كان الدين أكثر من الجناية أو أقل، فقد أبطل الدين التدبير، وصارت الجناية أملك به من الدين، إلا أن يفديه الغرماء من المجروح بدية الجرح، أو بزيادة، فإن فدوه بدية الجرح فقط، بيع لهم./
وإن عجز ثمنه عما فدوه به، لم يكن لهم غيره، ويبقى دينهم بحاله، وإن كان فيه فضل عما فدوه به، حسب الفضل عليهم في دينهم (4)، وإن باعوه بمثل الأرش والدين، وفضل، استوفوا الأرش والدين، وما بقي لورثة الميت.
قال محمد: وهذا في العبد، وأما المدبر؛ فيعتق منه ثلث الفضل، ويرق ثلثاه. قال: وإن أحب الغرماء أن يفدوا المدبر بدية الجناية وزيادة، يحطونها (5) من
__________
(1) ما بين معقوفتين ساقط من الأصل مثبت من ص وت.
(2) كذا في ص وت وكتبت في الأصل (فإن فدى).
(3) كذا في ص وت وكتبت في الأصل (ثم كان).
(4) في الأصل (في ديتهم) عوض ما أثبتناه من ص وت.
(5) جاء في الأصل عوض يحطونها (يجعلونها) مع الإشعار بأن نون الرفع محذوفة في الفعلين معاً.

(13/376)


ديتهم، على أن يكون العبد لهم بعضه وزيادته، فذلك لهم. وإن أحب الورثة أن يفدوه [بدية الجناية، على أن يباع في دين أيهم فقط؛ فما فضل عتق ثلثه، ورق ثلثاه، ولا يحسب لهم شيء مما فدوه] (1) به، فذلك لهم، ولأن الورثة في هذا كالميت.
ولو كان فيه فضل عن الجناية، فالدين لم يكن فيه يخير، ويبيع منه الدين والجناية، وفدي بالجناية ثم الدين، وما فضل منه عتق ثلثه، ولو لم يكن دين، لم يبع منه للجناية شيء، وعتق ثلثه إن لم يدع غيره، واتبع بثلث الجناية، ورق ثلثاه للورثة، وخيروا في فدائه أو إسلامه، وكذلك يعتق، محمل الثلث منه إن ترك غيره، ويرق ما بقي، ويتبع حصة ما عتق منه بحصته، ويخير الورثة فيما رق منه.
ولا يباع مدبر بعد موت سيده؛ بجنايته، ولكن بسبب الدين، وإن قل، فإن كان فيه عن الدين فضل بيع لها، عتق ثلث الفضل، وإن لم يكن رق، وصارت الجناية أملك به إلا أن يريد أهل الدين على ما ذكرنا، [قال] ولو أسقط الغرماء دينهم عن الميت، كان كمن لا دين عليه، ويعتق ثلث المدبر، أو ما حمل الثلث منه، ويتبع من الجناية بقدر ما عتق منه، ويخير الورثة فيما رق منه.
قال ابن القاسم، وأشهب، وبه أقول. وقيل: إن المجني عليه أحق برقبته؛ لأن ذلك وجب له بعد موت السيد، فلا يلزمه (2) إسقاط الدين. والأول أحب إلي.
كذلك قال فيمن أعتق في مرضه،/ أو بعد موته رقبته (3)، وعليه دين محيط، ثم ترك أهل الدين دينهم: أنه لا يجوز على الورثة إلا عتق ثلثهم، كمن مات، ولا دين عليه، فإذا كان عليه دين محيط، فبيع المدبر فيه، ثم طرأ له مال، فخرج من ثلثه المدبر؛ أنه يرد البيع، ويعتق فيه، ولو ترك مالا فخرج فيه، فلم يعتق حتى
__________
(1) ما بين معقوفتين ساقط من ص وت.
(2) كذا في ص وت وكتبت في الأصل (فلا يرى له).
(3) كذا في ص وت وكتبت في الأصل (رقيقة).

(13/377)


هلك المال، فإنه لا يعتق إلا ثلثه، ولو كان قد قوم، وأعتق في الثلث، لم يضره شيء.
قال فيه، وهو في المجموعة لابن القاسم: وإذا جنى المدبر، وأسلم، فخدم المجني عليه، ثم جنى، فإن الآخر يدخل مع الأول، في خدمته من الآن؛ الأول بما بقي له، وهذا بدية جنايته كلها، ولا يخير الأول (1) في فدائه؛ لأنه لم تسلم إليه رقبته، إذ لو وهب للمدبر مال، لأدى منه الجناية، ورجع المدبر إلى سيده.
قال في المجموعة: ولا يخير من أسلم إليه، ولكن من يدخل معه، وإذا مات السيد، وهو بيد المخدم حين (2) يختدمانه، وترك مالا، يخرج المدبر من ثلثه، وثلث بقيته عتق، واتبعه كل واحد من هذين بما بقي، وإن خرج نصفه، اتبع كل واحد نصف ما بقي له، وخير الورثة في فداء نصفه، أو إسلامه رقا. ولهم أن يفدوا من أحدهما، ويسلموا للآخر، ولكل واحد من الورثة فداء حصته، أو إسلامها.
وما ولدت المدبرة بعد أن جنت، وقد أسلمت للمجني عليه، أو لم تسلم، فلا يدخل ولدها في ذلك، وإن بلغوا الخدمة وهم مدبرون، وليس بإسلام ملك، ولو شاء السيد متى أحب أن يعطيه ما بقي له من الأرش، ويرتجع مدبرته، كان ذلك له. وفي آخر كتاب المدبر باب في جناية المدبرة الحامل بأتم مما ها هنا.
وإذا ولدت المدبرة، ثم جنت هي، ثم مات السيد، وعليه دين، فينظر إلى الجناية، فتجعل في المدبرة وحدها، فإن أحاطت بنصفها، جعل الدين على نصفها الآخر، وعلى جميع ولدها، وبيع منه ومنها بقدر ما وقع عليه الدين منه ومنها، ويعتق ثلث ما رق منه ومنها.
وبعد ذلك قال ابن القاسم: ولو أحاط الجرح بالأم أو أكثر لأسلمت/ وحدها للمجروح. قال محمد: [يريد] (3). وكان دينه في ولدها وحدهم.
__________
(1) في الأصل (ولا يجبر الأول) وأثبتنا ما ف ص وت.
(2) في ص وت (وهو بيد المجروح).
(3) (يريد) ساقطة من الأصل.

(13/378)


ومن ومن العتبية (1)، قال مالك: وإذا جنى المدبر الصغير الذي لا عمل عنده، لم يسلم حتى يبلغ الخدمة، فإن مات قبل ذلك سقط حق المجني عليه، وكذلك المدبرة، لا عمل عندها ولا صنعة.
قيل لمالك في سماع أشهب: فلم ترجأً المدبرة الكبيرة، لا عمل عندها؟ قال: قد يموت سيدها، أو تصيب مالاً، أو يكون شيء.
ومن كتاب ابن المواز: وإذا كان للمدبر مال، لم تسلم خدمته، ولا يوقف ماله، فإن بقي بيده شيء من ماله، أقر فيه، إلا أن ينزعه سيده، وإن لم يف ماله بالأرش اختدمه فيما بقي، أو فدي به، ثم إن جنى ثانيا، وقد أسلم، تحاصا في خدمته، الأول بما بقي (2) له تمام ما فضل من مال أو خدمة، والثاني بجراحته كلها وحدها، ولو لم يسلم ماله إلى الأول، ولا نظر في ذلك حتى جنى لدخلا في ماله، فإن لم يف بجنايته (3)، كانا في خدمته بقدر ما تبقى لهما إن أسلمه سيده، وإذا أسلمت خدمة المدبر إلى المجروحين حتى يختدماه، فجني عليه، فابن القاسم يرى ذلك للسيد، ولا يعجبنا، وأراه للمجروحين في بقية جرحيهما، فإن فضل من ذلك (4) شيء، فهو للسيد [مع] (5) مرجع المدبر، وإذا جرح المدبر سيده، فليختدمه في العمد والخطأ ويقاصه بذلك، لو قتله عمدا لم يعتق، ورق للورثة [إن عفوا عنه، ولو جرح سيده ثم انتزع ماله فليحسب في جرحه إن لم يكن على المدبر دين فإن وفى بجرحه رجع كما] (6) كان في خدمة التدبير، وإن لم يف اختدمه فيما بقي، فإن وفى خدمة بالتدبير، فإن لم يف حتى مات سيده، فإن خرج من ثلثه عتق، وأتبعه الورثة بما بقي لهم.
__________
(1) البيان والتحصيل، 16: 125.
(2) في النسخ كلها (بما بقي له) ولعل الصواب (بما يفي له) لمناسبة السياق والله أعلم.
(3) في ص وت (فإن لم يف بجنايتها).
(4) في الأصل (فإن فعل من ذلك) والصواب ما أثبتناه من ص وت.
(5) (مع) ساقطة من الأصل.
(6) ما بين معقوفتين ساقط من الأصل مثبت من ص وت.

(13/379)


وإذا قتل المدبر سيده خطأ، عتق في ثلث ماله دون ثلث الدية، وأخذ منه الدية، أو اتبع بها دينا أو بما عجز ماله عنها، وإن لم يخرج من ثلث ماله، عتق منه ما حمل منه ثلث المال، دون ما بقي واتبعه بحصته ما عتق منه، من الدية، إلا أن يكون مال، فيؤخذ منه مكانه ما لزمه من ذلك، وكذلك في العتبية (1) رواية عيسى عن ابن القاسم: وإذا خرج المدبر من الثلث. ومن قول أصبغ: إذا خرج/ بعضه نحو ما ذكر، وقال: ولا يدخل فيما يؤخذ منه؛ من الحصة، العتيقة من الدية. قال ابن القاسم: وإن قتله عمداً، قُتل به، فإن استحيي بطل تدبيره، وإذا جنى المدبر، وأخذت الجناية من مال المدبر، فإن لم يكن له مال، فإن وفى بها خرج حرا، وإن لم يف اختدمه المجروح، فيما بقي، ولا يضره ما استحدثه سيده من الدين بعد ذلك، ومتى وفى عاد إلى سيده في جنايته خرج حرا مكانه، وإن يرجع حتى مات سيده، لم يخرج إلا من الثلث، فيرد ما استحدثه سيده من الدين؛ لأن أحكام التدبير عليه، ولم يتم له حرمة العتق في حياة سيده، وتكون الجناية أولى به من الدين، إلا أن يكون فيه فضل عن الجناية والدين فيعتق ثلثها.
قال: ولو نكل السيد عن اليمين أنه لم يرد حمل الجناية، لزمته الجناية في ماله، وعجل عتق المدبر. وإن لم يكن للسيد مال لم يحلف، ولابد من إسلام المدبر؛ يخدم في الجناية، وكان كما ذكرنا إذا حلف، إن وفى في حياة السيد، خرج حرا، وإن مات سيده قبل ذلك، رجع إلى أحكام الثلث.
قال سحنون في المجموعة: وإنما لم يخير الورثة فيما رق منه؛ لأن سيده أعتقه، وتبرأ من رقه، وأسلم الخدمة التي كانت فيه، فلم يكن لهم فيه خيار، كما لم يكن للميت. قال: وإن لم يرد حتى مات سيده، وله مال، يحمله ثلثه، عتق واتبع ما بقي.
__________
(1) البيان والتحصيل، 16: 125.

(13/380)


وإن كان عليه، دين يغترق المدبر، استحدثه السيد بعد عتقه، قال سحنون: فإنه يعتق ثلثه، ويتبع ثلث بما بقي من الجناية، ونظر إلى ما بقي منه، فإن لم يكن فيه فضل عن الجناية-[يريد على ثلثه من بقية الجناية- رق ثلثاه] (1)، للمجني عليه، وإن كان في ثلثه (2) فضل، ولم يجد من يعينه، فيؤدي عنه ما وقع على ثلثيه من الجناية، ويعتق، فليبع من ثلثيه بقدر ما لزمها/ مما بقي من الجناية، وعتق ما بقي.
قال سحنون: وإنما أعتقت ثلثيه، وعلى السيد دين يغترقه استحدثه؛ لأن الذي رد من أجله عتقه هو الجناية قبل العتق، فلا حجة لأهل الدين، لأنه قد أعتق قبل دينهم، ويقال لأهل الجناية: قد كان يعتق ثلثه، لو لم يكن قد أعتقه، فلا يضره ما أحدث له من العتق.
ومن كتاب ابن المواز، وقال في المدبر يجرح امرأته الحرة، ثم مات سيده، وعليه دين محيط، ولا مال له غيره: فإن كان في رقبته فضل عن الدين والجراح، بيع منه للجرح والدين، وعتق ثلث ما فضل، ورق باقيه للورثة، ولا يفسخ النكاح، فإن اغترق الدين والجرح والرقبة، فالجرح أولى به، إلا أن يريد أهل الدين أن يدفعوا الفضل للمرأة، فذلك لهم. (فإن لم يفعلوا) (3)، أسلم العبد إليهم، وحرم عليها؛ لأنها ملكته، ولو افتداه أهل الدين الأرش ثبت نكاحها، وكان عبداً يباع لغرماء سيده.
[ومن العتبية (4)، روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم، في عبد مدبر، جنى، وأسلم سيده] (5) خدمته، ثم بدا له أن يفديه بديه الجناية، أو بما بقي منها فذلك
__________
(1) ما بين معقوفتين هو الصيغة الموجودة في ص وت وأما في الأصل فقد كتبت العبارة على الشكل التالي (- يريد ما على ثلثيه من بقية الجناية- رق ثلثه) ولعل الصواب ما أثبتناه.
(2) في الأصل (في ثلثيه) وما أثبتناه من ص وت.
(3) في الأصل (فإن يفعلوا) بدون أداة النفي.
(4) البيان والتحصيل، 16: 98.
(5) ما بين معقوفتين ساقط من ص وت.

(13/381)


له، كإسلام العبد؛ لأنه لم يسلم الرقبة إلى المجروح، وإنما أسلم الخدمة، وهي كمال يأخذه شيئا بعد شيء، فإذا وجده نقداً، فلا حجة له.
ومن العتبية (1)، روى أشهب عن مالك، في المدبر يسلم خدمته في جناية، فيموت المدبر قبل استيفاء المجروح حقه، ويترك مالا: فإنه يأخذ المجروح من ماله ما بقي له، وما فضل دفع إلى سيده] (2).

في جناية المُكاتب، والجناية عليه
من كتاب ابن المواز، قال مالك: إذا جنى المكاتب، فلم يقم المجروح حتى أدى الكتابة، وعتق، فإنه إن أدى الآن الأرش، وإلا نقص كتابته، وعتقه، ثم خير سيده بين أن يفديه رقيقا، أو يسلمه رقيقا، ويرد معه ما اقتضى منه/ من يوم الجناية.
قال أشهب: وكذلك عجزه عن قضاء [دين، فإنه تنتقض بذلك كتابته، ويتبع به في ذمته. قال محمد: ليس عجزه عن قضاء] (3) دينه، كعجزه عن أداء دية ما جنى؛ لأنه يجوز له أن يكاتب عبده، وعليه دين، ولا يكاتبه وفي عتقه جناية، وإن قلت؛ لأنها في الرقبة، والدين في الذمة لا يأخذه من جراحه وكسبه ودية ما يجنى عليه، وهذا كله يؤخذ فيما يجني، وله أن يؤدي من مثل هذا كتابته، ولا حجة لأهل دينه. وقاله ابن القاسم، عن مالك، إذا أوفى الكتابة، ثم قام غرماؤه فلا حجة لهم، إلا أن يعلم أن ذلك من أموالهم، ويجوز إقراره بالدين؛ لأنه كالمأذون، ولا يجوز إقراره بالجناية.
قال ابن القاسم، وأشهب: وإذا جنى أحد المكاتبين في كتابة، فإن لم يؤد هو أو أحد ممن معه الأرش، وإلا عجزوا أو أسلم الجاني وحده، أو فدى. قال
__________
(1) البيان والتحصيل، 16: 98.
(2) ما بين معقوفتين ساقط من ص وت.
(3) ما بين معقوفتين ساقط من ص وت.

(13/382)


أشهب: وكذلك في عجز أحدهما عن دين عليه، قالا: وإن أدى عنه الجناية، وهو أحق، لم يرجع عليه بشيء كالكتابة يؤديها. قال أشهب: وكذلك لا يرجع على كل من بينه وبينه رحم- بخلاف ابن القاسم (1) وإن لم يتوارثا بها. قال محمد: بل يرجع على كل من لا يعتق عليه بالملك. وقاله ابن القاسم، وعبد الملك، وابن عبد الحكم، وأصبغ.
وإذا لم يؤد المكاتب جنايته حتى جنى ثانية، أو أكثر، وإن تباعد ما بين كل جناية، فقد عجز به، ولكن إن قال: ما عندي الآن، فأنا أؤدي إلى أيام. فلا يعجزه إلا السلطان؛ فيقول له: إن أديت من يومها، وشبهه، وإلا فأنت رقيق. ثم يخير سيده كالعبد.
قال أشهب في المجموعة: ولا يضرب له السلطان من الأجل فيما عليه من الجناية، إلا قدر يوم ونحوه، فإن أدى، وإلا رق. وقال نحوه عبد الملك؛ قال: ولا يكون له من الأجل (والنفس) (2) في ذلك ما يكون له من نجومه من فسحه التلوم.
قال أشهب: ولو طلب المجني عليه أولياء القتيل في عمد أو خطأ أن يسلم/ إليهم المكاتب مكاتبا (3) كما هو، أو فداه، أو طلب ذلك السيد، فلا يكون ذلك إلا برضى من الفريقين.
ومن كتاب ابن المواز: وإذا جنت مكاتبة ولها ولد حدثوا في الكتابة، أو كاتبت عليهم، أو كانوا أجنبيين، فإن أدوها حالة، وإلا عجزوا، ولو ماتت هي سقطت الجناية عليهم، ولم يلزمهم أداؤها، ولدتهم (4) بعد الجناية أو قبل، أو كاتبت عليهم، أو كانوا أجنبيين، ولا على السيد إلا أن يدع الجاني مالاً، فللمجني عليه أخذ الجناية منه، وهو أولى به ممن معه في كتابة، ومن السيد، فإن لم تف بها، لم
__________
(1) (بخلاف ابن القاسم) ساقطة من ص وت.
(2) (والنفس) كلمة ساقطة من الأصل أثبتناها من ص وت.
(3) في الأصل (أن يسلم إليهم المكاتبة مكاتبا) والصواب ما أثبتناه من ص وت.
(4) حرفت في الأصل إلى (ولزمهم).

(13/383)


يكن له غيره، وكذلك لو قتل الجاني، فما أخذ فيه، فللمجني عليه فيه أرشه، إلا أن يفدي عن ذلك منه السيد أو المكاتبون معه؛ لأن ذلك محسوب على السيد في آخر كتابتهم.
وإذا جنى المكاتب على مكاتب لسيد، معه في كتابة واحدة، فإن أدياها، وإلا عجزوا، ومن وداها منهما، عتقا بذلك، كانت عمدا أو خطأ، ولو أداها الجارح كلها، فإنه يرجع عليه المجروح بقدر ما دخل له من هذه الدية في الكتابة كاملا. قلت: وإن كان خطأً؟ قال: نعم، سواء كانوا إخوة، أو أقارب، أو أجنبيين؛ لأنه إن لم يرجع على الجاني بذلك، وهو المؤدي، كان قد رجع إليه بعض ما أدى من الدية.
قال: ولو اداها المجروح كلها عن الجارح، عتقا بذلك (1)، وهذا إن كان خطأً، فإنه يرجع على من لا يعتق عليه بالمال إذا كان هو الجارح، فيأخذه بالأمرين بدية الجناية، وبما يقع عليه من الكتابة، وإن كان [ممن يعتق عليه فلا يرجع عليه إلا بالخيانة وحدها إن كانت خطأ، وإن كانت عمداً فذلك سواء عليه بالدية والكتابة وإن كان] (2) وارثا، [أديا له ويقولون] (3) التهمة أن يتعمد جرحه لتعجيل العتق بماله.
محمد في كتاب المكاتب: وهذا غلط لا ينبغي أن يعتق بذلك الجاني، إذا جرحه عمدا، ولا يتعجل بجناية عمد عتقه بمال المجروح، وهو متهم في ذلك، [فإن كان أحد ممن معه مليئا] (4) فلابد من عجزه، ونص جملة كتابتهم عليهم، بقدر كل واحد، فيرق الجاني وحده، وتكون رقبته للمجروح يأخذه السيد، ويحسب/ قيمته له ولأصحابه، في آخر كتابتهم، أو قيمة الجناية، فإن وفي ذلك
__________
(1) حرفت في الأصل إلى قوله (فيعفى بذلك).
(2) ما بين معقوفتين ساقط من الأصل مثبت من ص وت.
(3) هكذا في ص والعبارة في الأصل وت وردت مضطربة وغير واضحة.
(4) ما بين معقوفتين مثبت من ص وت وكتب في الأصل مضطربا.

(13/384)


بما بقي عليهم، خرجوا أحرار، واتبع المجروح من عتق معه بحصة ما عتق من ذلك، وإن لم يكن ممن يعتق عليه، فإن كان في قيمة الجارح فضل عن باقي الكتابة، فذلك الفضل للمجروح.
[قال: وإن كانت قيمة الجاني أقل من الأرش، قيل للمجروح] (1) ومن معه: أدوا بقيمة الأرش. فإن عجزوا عن ذلك، رقوا، وإن أدوه معجلاً، حسب ذلك لهم مع قيمة رقبة الجاني في آخر كتابتهم؛ لأنهم حُملاءُ بعضهم ببعض، وأما لو قتله عمداً، ولم يجرحه، وقد ترك مالاً، فلا يعتق القاتل فيه، وإن كان ذا قرابة، ويقال له: إن عفا السيد عن قتله (ود دية المقتول) (2)، وإلا عجزت، [فإن أداها وفيها وفاء بالكتابة] (3)، عتق بها، ثم اتبع ثانية بما عتق به منها، يغرمه ثانية.
قال ابن القاسم، وعبد الملك: يتبع بما يصيبه من أداء ذلك في الكتابة. وقال أشهب: يتبعه بالجميع، وإن قتله خطأً، عتق القاتل في تركة المقتول، إن لم يكن في ديته وفاء، كان أجنبيا أو قربت القرابة؛ لأنه خطأً، إلا أنه يتبع الأجنبي بما أدى أولا من ماله، ومن دية الجناية، ولا يتبع القريب إلا بما أدى من الدية.
قال: وإن كان للمقتول مال، والقاتل ملي، فإنما يؤدي الكتابة من الدية وحدها. هذا أحب إلي، وقد اختلف فيه. قال ابن القاسم،: يغرم القاتل قيمته، وإن وفت، عتق بها القاتل، ثم اتبع ثانيه بما كان يصيبه منها، وإن لم يكن فيها وفاء، تمت الكتابة من مال المقتول، وعتق بذلك القاتل، واتبعه السيد بحصته، مما يصيبه من القيمة، وبما أدى عنه من مال المقتول.
محمد: وذلك في الأجنبي، فأما من يعتق عليه، فلا يتبع إلا بما بقي من الدية. وقال عبد الملك: لا تؤدى الكتابة إلا منها؛ من قيمته، ومن ماله
__________
(1) ما بين معقوفتين ساقط من ت.
(2) في الأصل (ودي دية المقتول) والصواب حذف الياء من فعل الأمر وذلك ما قمنا به أثناء التصحيح والتصويب.
(3) في الأصل (فإن أداها وقتها وفى بالكتابة) والصواب ما أثبتناه.

(13/385)


بالحصص، ثم يكون ما بقي من قيمة رقبته لسيده، وما بقي من المال للأخ ثم يرجع السيد عليه بما دفع إليه مما دخل عليه من تلك القيمة عن الكتابة. ولا يعجبنا هذا؛ لأنه قد صيره للسيد مع الأخ في الخطأ ميراثا فيما ترك/ للمقتول من ماله، بعد أن استوعب السيد [القيمة وفيها وفاء بالكتابة وأكثر، ألا تراه قد وفى الدية ببعض ماله حين يفي من الدية بقدر ما دفع من ماله فأخذ السيد] (1) ما بقي من الدية، وإنما ذلك من ماله؛ ليس من الدية، فأحرم الأخ ميراثه؛ مال أخيه، وصيره لسيده، بغير حق، ولو كان هذا، لكان المكاتب إذا قتله أجنبي (2)، وترك مالاً، وعليه دين محيط، أن تكون الكتابة في قيمته، وفيما ترك من ماله، ثم لا يكون لأهل الدين إلا ما بقي من ماله، وليس كذلك، وإنما صار السيد أولى بقيمته من أخيه؛ لأنها ثمن رقبته، ورقبته مال للسيد دونه، إلا أنه لابد أن يحسبها من كتابته؛ لأنه لا يرثه وعليه دين، فالكتابة أولى بقيمة رقبته من الورثة.
قال: إن كان معها أخ ثالث في الكتابة، والقتل خطأً، فإن ما فضل عن القيمة من الكتابة لهذا الأخ، وله ما يرجع به على القاتل، بما يصير له من القيمة التي دفعت عنها في الكتابة، يكون أولى بذلك من السيد؛ لأن السيد تعجل من قيمة المقتول وفاء كتابته؛ لأنه ثمن رقبة عبده، فإن كان فيها فضل، فالفضل وما يرجع به على القاتل منها لهذا الأخ، وأما ما ترك المقتول من سوى القيمة، فبين الأخوين شطرين ميراثا؛ لأن القتل خطأً، فيرث من المال دون الدية، فإن لم يكن في القيمة وهاء الكتابة، تعجلها السيد، فإن كان للمقتول مال، أخذ منه السيد باقي الكتابة، ثم كان ما بقي بينهما؛ لأن القتل خطأً، ويستوفي الأخ الذي لم يقتل، من نصيب الأخ، من هذا المال قدر ما وقع على القاتل من القيمة التي أخذها السيد، فيقاصه بذلك، فيما يصير له من مال المقتول، فإن بقي له شيء أخذه.
__________
(1) ما بين معقوفتين ساقط من ص وت.
(2) حرفت في الأصل إلى قوله (إذا فعله أجنبي).

(13/386)


وإن كان القتل عمداً، وليس فيما غرم القاتل من الدية وفاء للمكاتبة، وترك المقتول مالاً فليستوف (1) منه السيد ما بقي على المقتول والأخ الذي لم يقتل من الكتابة، ويؤدي القاتل من عنده ما بقي عليه من الكتابة، [حتى يصير غارما] (2)، ويعتقوا، ويرجع الأخ الحي (3) على أخيه القاتل بما حسب له من القيمة التي غرمها، فيما عليه من الكتابة، حتى يصير غارما للدية كلها؛ لا ينتفع منها بشيء، وإن لم يكن معها أخ ثالث. والقتل عمداً وترك/ المقتول مالاً أكثر من الكتابة، فهو كله للسيد، ولا يؤدي عن القاتل منه؛ لا دية ولا كتابة. قال أشهب: ولو قتله خطأً، كان ما ترك للمقتول يؤدي منه للسيد الدية، فيعتق بها القاتل، ثم يرجع عليه السيد بذلك ثانية، ولو كان أجنبيا رجع عليه بالدية والكتابة.
ولو جرح أحد المكاتبين الآخر خطأ، وهم ثلاثة إخوة، في كتابة، فإنه يقال لهم: أدوا الجناية. فإن أدوها، وكان فيها وفاء، عتقوا بها، فإن أداها الجاني وحده، رجع عليه المجروح أيضا بعد عتقه بثلث الدية؛ لأنه الذي عتق به، وإذا أدوا كلهم الدية، كان للمجني عليه على الجاني الدية كلها، يتبعه بعد العتق بها، وإن لم يكن للجارح مال، أخذت من ماله شيئا أو أبي، لأنه حميل عنه، والجناية خطأ.
قال أشهب في المكاتب يجني عبده: فللمكاتب فداؤه أو إسلامه، ما لم يحاب (4)، فيرد ذلك عليه السيد. وإذا جنى مكاتب المكاتب، فإن أدى الجناية، بقي على كتابته، ولا سبيل [عليه، وإن كانت أضعاف قيمته، وإن عجز عن ذلك، رق، وخير المكاتب الأعلى في] (5) فدائه وإسلامه.
__________
(1) في الأصل (وترك ما لا يستوفي منه السيد) والصواب ما أثبتناه.
(2) ما بين معقوفتين ساقط من ص وت.
(3) في الأصل (ويرجع الأخ الحر) والمناسب لسياق الكلام ما أثبتناه من ص وت.
(4) كذا في الأصل وكتبت ف ص وت (لم يحط).
(5) ما بين معقوفتين ساقط من ص وت.

(13/387)


وقال أشهب في المكاتبة تلد، فيقتل السيد ولدها، فليؤد قيمته، فيعتق فيها الأم، فإن لم تف بالكتابة، تعجلها السيد من أجرها، فإن كان فيها فضل، [فلابنها كله، وإن كانت ابنة فنصفه وللسيد نصفه وهذا في الخطإ، وأما العمد لم يرث السيد منه شيئا، وكان ما فضل لأولى الناس بالسيد، وكذلك لو كاتبهما معا. ولو كانا أجنبيين فقتل السيد أحدهما عمدا فإنه يعتق الثاني (1) في قيمته ويكون ما فضل عن قيمته ومن ماله، وما يرجع به عن صاحبه لأولى الناس بالسيد لو كان السيد ميتا، ولو قتله خطأ كان ذلك كله للسيد] (2) قال: وإذا قتل السيد مكاتبا لمكتبه أو لأمته أو لأم ولده وفي قيمتها وفاء بيعت عليه فيه [كتابة ومكاتبه هذا] (3)، ويدفع إليه الثمن، وهو في ملك غيره.
وإن شج مكاتبه موضحة، وضع عنه نصف عشر قيمته، لو بيع، فيحسب من آخر كتابته.
وإن وطئ مكاتبة غصبا/ وهي ثيب، فلا شيء عليه، وعليه في البكر ما نقصها يحسب في كتابتها. وقال ابن القاسم: عليه ما نقصها. ولم يذكر بكرا، ولا ثيباً. وكذلك الأمة؛ له نصفها، أو أمة لغيره.

في الأمة؛ توهب لرجل، وما في بطنها الآخر،
فتجني، والأمة؛ تجني، فلم تتبع حتى ولدت
من كتاب ابن المواز، ومن العتبية (4)، من رواية عيسى، عن ابن القاسم، ومن وهب أمة حاملا لرجل، وما في بطنها لآخر، فجنت، خير من له الأمر، فإن أسلمها، فهي وما في بطنها للمجروح، فإن فداها بالجناية، فتكون بحالها، ويكون
__________
(1) في النسخ كلها (فإنه يعتق الباقي) ولعل ما أثبتناه أقرب للصواب.
(2) ما بين معقوفتين أثبتناه من ص وت نظرا لاضطراب ترتيبه في الأصل.
(3) هكذا في ص وت والعبارة في الأصل (كتابة نقدا).
(4) البيان والتحصيل، 16: 134.

(13/388)


ما في بطنها لمن وهبت له. قال في كتاب محمد: وإن تأخر النظر فيها حتى تضع، فالولد لصاحبه، ولا تلحقه الجناية، ويخير صاحب الأم؛ فإما فداها، أو أسلمها وحدها.
قال في العتبية (1): وإن أسلمها صاحب الرقبة، وهي حامل، فقال صاحب الولد: أنا أفتكها. قال عيسى: ذلك له. قال ابن القاسم في العتبية (2): ولو لم تجن الأمة، ولحق من له رقبتها دين، لم تبع في دينه، حتى تضع. قال: ولو أعتقت هي خاصة، ثم جنت قبل أن تضع، فالجناية دين عليها، ويأخذ صاحب الجنين [جنينه، إذا وضعته، وليس لصاحب الجرح فيه شيء.
قال في كتاب ابن المواز: ولو أعتق صاحب الجنين جنينه] (3) قبل جرحها فإنها تكون على ما وصفت لك إذا لم يعتقه، ولو كان إنما أعتق صاحب الأمة الأمة، فقد اختلف فيه، وأحب إلي أن يتم عتقه، إلا بعد الوضع. قال أشهب عن مالك: وكل أمةٍ جنت، فلم تبع حتى ولدت أولادا، فلا يلحق ولدها شيء من جنايتها، بخلاف ولد المدبرة، ولكن كالموصى بعتقها تلد قبل موت السيد، فلا يدخل ولدها في الوصية، فإن مات سيدها قبل أن تلد لحق ولدها الوصية. وفي باب: العبد يجني، ثم يجني عليه، من مسائل الأمة؛ تجني، فلم تتبع (4) حتى ولدت.
ومن كتاب ابن المواز: ومن وهب ما في بطن أمته؛ لرجل، فضرب/ رجل بطنها، فألقت جنينها ميتا، فديته للموهوب له، وكذلك لو كان قد وهبها لآخر فالغرة، لمن له الجنين (5).
__________
(1) البيان والتحصيل، 16: 134.
(2) البيان والتحصيل، 16: 134.
(3) ما بين معقوفتين ساقط من ص وت.
(4) في الأصل (فلم تبع حتى ولدت) والصواب ما أثبتناه.
(5) الغرة: العبد والأمة وفي الحديث قضى رسوله الله صلى الله عليه وسلم في الجنين بغرة (من مختار الصحاح).

(13/389)


والموصى له بالجنين إذا أعتقه بعد موت الموصي، ثم ضربت الأم، فألقته ميتا، ففيه ما في جنين الأمة، يرثها الموهوب، دون والده الحر. قاله ابن القاسم؛ قال: ولو خرج حياً، فاستهل، كانت ديته لأبيه، أو من يرثه من الأحرار، ولو أعتقت الأم قبل أن تضع، بطل عتق الموهوب، وكان حرا بعتق الأم.
وقد اختلف في الجنين يعتقه الموهوب، ولم يعتق الأم، ثم ضربت، فألقته، فاستهل، ثم مات، فقال أشهب: فيه قيمته مملوكا؛ لأنه مات بما أصيب به في حال الرق، فذلك لسيده، إذ لا يمسه العتق إلا بالوضع، كالمعتق إلى اجل يجرح قبل الأجل، ويموت بعده من الجرح، ففيه قيمته عبداً، يوم أصابه، ويكون لسيده. وكذلك العبد، يجرح، ثم يعتق، ثم يموت من الجرح، فقيمته يوم جرح، ويكون ذلك لسيده.
وقال ابن القاسم: إذا أعتق الجنين قبل الضرب، ثم خرج مستهلا، ففيه عقل؛ الحر يرثه ورثته الأحرار. قال أصبغ: قال ابن القاسم، في أمة بين رجلين، أعتق أحدهما ما في بطنها: فلا عتق له حتى يخرج فيقوم عليه، ولو أصيب، فخرج مستهلا، ففيه دية عبد؛ إذ لا يعتق إلا بعد التقويم.
محمد: وليس كمن له الجنين كله، فأعتقه. قال ابن القاسم: ولو أعتق أحدهما الجنين، وأعتق الآخر نصيبه من الأم، فعتق الأم لازم، ولا عتق لصاحب الجنين.
محمد: ومن ترك زوجة حاملا، وأخا، وعبدا، فضرب العبد بطنها، فألقت جنيناً ميتاً، فالعبد لها ربعه، وللأخ ثلاثة أرباعه، فقد صار الآن بينهما بالميراث، بسبب الجنين، على الثلث للأم، والثلثين للعم (1)، على أنهما أسلماه؛ لأنهما إما أن يسلماه، فيرجع إليهما على هذا أو يفتكاه، فتخرج في في الربع من الغرة والعم ثلاثة أرباعها، ثم يرثا الجميع على الثلث والثلثين، فيرجع العم ما أخرج إلا
__________
(1) في النسخ كلها (الثلثان للعم) والصواب ما أثبتناه نظرا لعطفه على ما قبله.

(13/390)


قيراطين من أربعة/ وعشرين، يصير منه إلى الأم ربعها الذي أخرجت، فيرجع الجواب كله [إلى تخيير العم] (1)؛ إما أن يفدي من الأم (2) هذين القيراطين، وهو نصف سدسه إلى الزوجة، فيثبت لها ثلاثة أرباعه، أو يسلمه إليها، فيصير لها ثلثاه، ولا يقال للمرأة شيء؛ لأن مصابتها راجعة إليها أسلمتها، أو فدتها، وإنما ثبت لها فيه قيراطان (3) زائدة على ربعها.
ولو استهل الجنين، ثم مات، فإنه يصير للزوجة عشرة قراريط [من العبد، وللأخ أربعة عشر قيراطاً؛ لأن لها عن الزوج من العبد الثمن؛ ثلاثة قراريط] (4)، لما استهل الولد، وبقيت أحد وعشرون قيراطا، مورثة عن الولد، للأم ثلثها؛ سبعة، وأربعة عشر للعم.

مسائل مختلفة من الجنايات والتعدي
وذكر الجناية على الحيوان
من العتبية (5)، روى أشهب عن مالك، في عبد لأيتام، شج رجلا ثلاث مواضح (6)، وملطاتين (7)، فوجب عليه بذلك مائة وخمسون دينارا، فأرادها الوصي- يريد من ماله- وأخذ العبد لنفسه، قال بئس ولي الأيتام هذا فليرجع ذلك إلى السلطان، فينظر فيه.
__________
(1) كذا في الأصل والعبارة في ص وت (إلى أن يخير أخو الميت).
(2) في ص وت (أن يفدي من العبد).
(3) في النسخ كلها (قيراطين) والصواب ما أثبتناه.
(4) ما بين معقوفتين ساقط من ص وت.
(5) البيان والتحصيل، 16: 101.
(6) المواضح: الشجات الموضحات وهي التي تكشف عن العظم وتوضحه.
(7) الملطاة والملطاء والملطى: الشجة التي يبقى بينها وبين انكشاف العظم ساتر رقيق.

(13/391)


قال أصبغ: ومن أمر رجلا بقتل عبده، فقتله، فعلى القاتل قيمته. وقال سحنون: لا قيمة للسيد؛ لأنه عرض ماله للتلف، وعلى سيده وجيع الأدب (1)، ويضرب القاتل مائة، ويسجن سنة- يريد ويعتق رقبة-.
ومن سماع ابن القاسم: ومن قتل كلبا معلما، أو كلب ماشية، أو حرث، فعليه قيمته. قال سحنون: وله أكل ثمنه، ويحج به إن شاء. قال أصبغ: لا يجوز بيع كلب، وإن احتاج صاحبه إلى أكل ثمنه. وقال ابن نافع: إنما الحديث في المنهي عن أكل ثمنه؛ هو الكلب العقور، المنهي عن اتخاذه. ورواه مالك مستحلا (2).
قال مالك فيمن دخل مضيقا بأرض العدو، ورمحه بيده، فأصاب به فرسا، غير متعمد: فلا شيء عليه. ولم يره مثل الإنسان. قال ابن القاسم: إن أصاب/ به إنساناً، فعليه، وإن أصاب به دابة في الحضر، فعليه. قال سحنون: يضمن في الحضر، والسفر.
وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم، فيمن كسر بقرة رجل، أو شاته، فخاف ربها عليها الموت، فذبحها: فأما الكسر المعطب، يوجب قيمتها، فذبح صاحبها رضى، بحسبها، ولا غرم على الجاني، قل أو كثُر. وذلك أن ربها كان مخيرا بين تضمينها بجميع القيمة، ويدعها، أو يأخذها وحدها، ولا شيء له. وإن كان ما أصابها به غير معطب، فله ما نقصها على الجاني، ذبحها أو تركها.
قيل لسحنون فيمن أخذ مائة دينار قراضا، فابتاع بها عبدا، فجنى، وقيمته مائة، فأسلمه رب المال: هل للعامل أن يفتكه؛ لما يرجو من فضل؟ فإن فعل،
__________
(1) كذا في الأصل والعبارة في ص وت (الأدب الوجيع).
(2) الحديث الذي يتضمن نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل ثمن الكلب ورد في مختلف أمهات كتب الحديث وبألفاظ مختلفة من ذلك ما جاء في مسند الإمام أحمد بن حنبل عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثمن الكلب ومهر البغي وثمن الخمر حرام. ومن ذلك ما جاء في سنن أبي داود عن أبي جحيفة أن أباه قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب.

(13/392)


فهل ينفرد بالفضل؟ قال: له أن يفتكه إذا رجا ذلك، ويدخل مع رب المال في الفضل، وإن بيع بنقص، فالخسارة على العامل. والمرتهن قد يفديه. وإن كان فيه فضل، قضي به الدين.
قيل فيمن باع عبدا بدين، فجنى عند المبتاع، فلم يقم فيه حتى حل الدين، وفلس المشتري: من أحق بالعبد؟ قال: البائع إلا أن يكون فيه فضل عن الثمن، والأرش، فيطلب الغرماء الفضل، فذلك لهم، فيباع للجناية، والثمن وما بقي للغرماء، ما يحط عن دين المفلس، فإن أبى الغرماء أخذه، قيل للبائع: إن شئت أن تأخذه بالعيب الذي حدث فيه، بعد ان تدفع أرش الجناية، فافعل. فإن أبى دفع للجرح إلا أن تزيد قيمته على الأرش، فيقال للغرماء: اضمنوا الأرش، وبيعوه، وخذوا ما بقي في دينكم. وإذا فداه الغرماء بالأرش، فمات في أيديهم، لم يرجعوا على المفلس من ذلك بشيء؛ لأنهم متطوعون فيه، وأما الثمن الذي دفعوه عنه إلى البائع، فلهم الرجوع به على المفلس؛ لأنه دين عليه، ولم تكن الجناية ديناً عليه، وهي في رقبة العبد.
ولو رهنه المشتري، ثم فلس، لكان بائعه أولى به إلا أن يكون/ فيه فضل عما رهن فيه، وعن الثمن، فضلب الغرماء ذلك، فإنه يباع منه للبائع وللمرتهن، فما فضل، أخذه الغرماء، فإن أبوا، قيل للبائع: إن شئت فرد ما رهن فيه، وخذه، وإلا فاتركه، واضرب بينك مع الغرماء. ويباع العبد، فيأخذ المرتهن دينه، وما فضل فللغرماء، ومن فداه هنا من المرتهن، كان البائع أو الغرماء فليرجع على المفلس بما فداه، بخلاف ما فدوه به من الأرش؛ لأن هذا دين في ذمته، والأرش في رقبة العبد.
ومن كتاب ابن حبيب، روى عن عبد الله بن عبيد، قال: دخل علينا عبد لأبان بن عثمان، فسرق متاعا، فأدركناه، فكابرنا، فربطناه، فأصبح ميتا، فطلب منا أبان عنه، فعرفنا سرقته، فجعل علينا قيمته؛ على أنه مقطوع اليد في السرقة.

(13/393)


قال محمد بن عبد الحكم: وإذا أرسل رجلان كلابا لهما على ظبي مستأنس لرجل، فقتلاه، أو أرسل أحدهما كلبا، وأرسل الآخر ثلاثة، فقتله الأربعة. فأرى غرم الظبي على الرجلين؛ نصفين، كما لو رماه أحدهما بسهم، والآخر بثلاثة أسهم، فمات كان الغرم عليهما نصفين. وكذلك لو كانت الكلاب بينهما؛ لأحدهما ثلثها، والآخر الثلثان، غرما قيمة الظبي شطرين. وكذلك لو أرسل رجل كلبا، ورجل آخر كلبين على صيد، فأخذته الثلاثة، كان الصيد بينهما نصفين.
قال محمد: والحائط المائل إذا كان بين قوم على أنصباء مختلفة، فأعذر إليهم السلطان في هدمه، فلم يهدموه حتى سقط على شيء، فكسره، كان ضمان ذلك عليهم بالسواء على الأنصباء.
تم كتاب الجنايات

(13/394)