النوادر
والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات بسم الله الرحمن الرحيم
الجزء الثاني من أحكام الدماء/
[وهو كتاب القصاص من النوادر] (1)،
ذكر العاقلة، وكيف تحمل دية الخطأ؟ وكيف
توظف عليهم؟ وهل تحمل العمد والإقرار؟
من كتاب ابن المواز، روى ابن وهب أن ابن عباس، وغيره؛ من الصحابة،
والتابعين، قالوا: إن العاقلة لا تحمل عمدا، ولا عبدا، ولا صلحا، ولا
اعترافا. وبهذا قال مالك؛ إلا أنه في الإعتراف ربما جعله كشاهد على العاقلة
يوجب القسامة. وأما في الجراح فلا، إذ لا قسامة فيها.
ومن كتاب آخر: إن حمل العاقلة الدية أمر قديم، كان في الجاهلية، فأقره
النبي- صلى الله عليه وسلم-.
والعاقلة: عشيرة الرجل وقومه، فإن حملوا ذلك بغير أقداح، وإلا ضم إليهم
أقرب القبائل إليهم حتى يرتفقوا.
ومن كتاب ابن سحنون: وإذا وقعت على أهل إبل، فرضت على جميعهم، ولا يقدحون
حتى يشترك البقر في البعير. وأنكر قول الشافعي: لا يزاد فيها على نصف
دينار، ولا ينقص من ربع دينار. وقال: ما أعلم أحداً من أصحابنا وقت في ذلك
توقيتاً.
__________
(1) ما بين معقوفتين ساقط من ع.
(13/481)
ومن المجموعة، ونحوه في كتاب ابن المواز:
ولم يحد مالك كم يؤخذ من كل رجل، وليس المكثر كالمقل. ومنهم من لا يؤخذ منه
شيء لإقلاله. قال ابن القاسم، عن مالك: قد كان يؤخذ منهم عمن معهم في ديوان
يؤخذ في العطاء، من كل مائة درهم، درهم ونصف. قال مالك: والمجتمع عليه
عندنا، أنها على أحرار الرجال البالغين. ولا عقل على النساء، والصبيان. قال
ابن القاسم: ولا على مديان. قال ابن الماجشون: ولا على معدم.
قال ابن وهب،/ عن مالك، في الكتابين: ليس في أموال العاقلة حد إذا بلغته
لزمتهم، وإذا قصروا عنه لم تلزمهم. وليس هذا عند أحد علمته. إنما يجعل على
كل رجل، مقدار ما يحمل، وإذا لم يكن ديوان، فإنما يجعل على فخد الجاني إن
كان فيهم محمل لذلك، وإلا؛ ضم إليهم أقرب القبائل إليهم، فإن لم يحملوا ضم
أيضا أقرب القبائل إليهم هكذا أبدا حتى يحملوا إذا كانوا أهل بلد واحد؛ مثل
مصر، والشام، ولا يعقل مصري مع شامي، ولا شامي مع مصري. وإذا كان في القوم
سعة لم يضم إليهم غيرهم، وقد فعل الناس في العقل، يطلبون فيه، فيعطى كل أحد
بقدره، وأكره أن يبعث (1) فيه السلطان من يأخذه، فيدخل فيه فساد كبير.
قال سحنون، في كتاب ابنه: ويضم عقل أهل إفريقية بعضهم إلى بعض من طرابلس
إلى طيبة.
ومن كتاب ابن المواز، وبعضه من المجموعة: مالك: ويؤدي معهم الجاني، وعلى
الموسر بقدره، والمقتر بقدره، ومنهم من لا يؤخذ منه شيء؛ لإقلاله، وأنه ليس
بشيء. وقاله أشهب.
قال عبد الملك: وإنما تجب على من كان من العاقلة يوم يقسم عليهم الدية،
وتوظف حيا بالغا؛ ليس يوم مات، ولا يوم جرح، ولا يوم يثبت الدم، ولكن يوم
__________
(1) في الأصل (أن ينفذ).
(13/482)
تفرق؛ فيجعل على الملئ بقدره، وعلى المقتر
بقدره، ثم لا يزول عمن مات بعد ذلك، أو أعدم، ولا يدخل فيها بعد ذلك من
يبلغ من صغير، ويقدم من غائب أو منقطع، ولا يزاد على من أيسر منهم.
وقال أصبغ: من مات منهم؛ ممن جعل عليه بقدره، قبل أن يحل؛ فلا يكون ذلك في
ماله، ويرجع ذلك على بقية العاقلة. قال: ولا يزاد في التوظيف على بني عمه،
دينه أكثر مما يجعل على/ باقي العاقلة، ولكن ذلك سواء، على قدر المال
والوجد.
قال أصبغ: ولا يدخل مع العاقلة صبي، ولا مجنون. وأما السفيه فيؤخذ من ماله
بقدره، من قدرهم. قال ابن القاسم، وابن نافع: ويعقل السفيه البالغ مع
العاقلة. ابن نافع: ولو كان نصرانيا سفيها لا يلي مثله ماله، وضعت عنه
الجزية.
ومن العتبية (1)، قال أصبغ، عن ابن القاسم: يعقل السفيه، مع العاقلة، ويعقل
معهم موالي القاتل. يريد من أسفل. قال سحنون في كتاب ابنه: لا يعقل المولى
الأسفل مع العاقلة. وروى أصبغ عن ابن القاسم أنه يعقل معهم.
قال سحنون: وإذا جنى الرجل، وهو وقرابته معتقون، حمل العقل على قرابته إن
حملوا، فإن لم يحملوا، حملها موالي الجاني. قال سحنون: في كتاب ابنه: ومن
استحق بملك بعد توظيفها، رجع ما كان عليه على بقية العاقلة.
ومن المجموعة، ومنه ومن كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم: وإذا وضعت وفرض
على الرجل بقدره، فمات قبل الأداء فذلك في ماله. وقال عبد الملك: وهي على
من حضر الحكم فيها؛ من حر بالغ، وحاضر حين الحكم، فإن كان كما بلغ أو قدم-
يريد يوم الحكم- بتوظيفها؛ لا يوم ثبت الدم. وقد تقدم ذلك.
قال: ولا ينظر إلى من كان غائبا حينئذ؛ غيبة انقطاع، بخلاف من خرج لحج، أو
لحاجة. فإذا وضعت، ثم بلغ صبي، أو أعتق عبد، أو قدم منقطع الغيبة بعد الحكم
فيه، لم يلزمهم شيء، ثم لا سقط عن من مات، أو أعدم بعد ذلك.،
__________
(1) البيان والتحصيل، 16: 68.
(13/483)
وقال أصبغ، في الميت: يرجع ما عليه، على
بقيتهم.
ومن العتبية (1)، روى يحيى بن يحيى/ عن ابن القاسم، قال: في عاقلة الرجل،
من أهل المدينة، يقع عليهم العقل، قبل أن يقسم عليهم، أو يرتحل إليهم رجال
منهم، من مصر. فلا ينظر إلى من قدم أو ظعن، أو إلى من مات، ونحوه قبل أن
يوظف عليهم. وإنما ذلك على من حصل يوم يوظف عليهم، لا يوم الحكم- يريد يوم
الحكم بتوظيفها، لا يوم ثبت الدم- قال: إذ ليس بدين لازم، إلا من ظعن فرارا
من الدية، فإنه يلحقه حكمها، حيث كان حيا، إذا قسمت على من حضر، لزمتهم، ثم
لا يزول عن منتقل، ولا يلزم من قدم. والغرماء مبدون على طالب الدية. ولا
يحاص بها الغرماء.
قال عنه سحنون: ومن مات بعد أن وظفت، كانت في ماله، كدين ثابت، ومن كان
منهم مديانا فلا شيء عليه. قال سحنون: إذا رتبت صارت كدين ثابت يحاص بها.
وقال يحيى، عن ابن القاسم، فيمن مات منهم بعد التوظيف: لم يكن في ماله، ولا
على ورثته، ورجعت على بقية العاقلة.
فأنكر هذا سحنون، وقال إذا قسمت، صارت كدين ثابت. وعبد الملك يقول له: إنها
لا تكون كدين ثابت حتى تفرق على من تقطع عليه، فتلحق بالذمم في الموت،
والفلس، ولا يؤتنف فيها حكم، لعدم يحدث من ملاء، أو يسار معدم، أو قدوم
غائب، أو عتق عبد، أو احتلام صبي؛ لا يدخل فيها من لم يكن دخل، ولا يزول من
دخل.
قال ابن حبيب: وإنما يوظف على قدر المال والسعة والاحتمال. وليست على الصبي
والمجنون، ولا على المرأة. وهي على السفيه المولى عليه بقدر ملائه يوم
القسم، لا يوم القتل.
__________
(1) البيان والتحصيل، 16: 8.
(13/484)
قال يحيى، عن ابن القاسم: وأعدل ذلك؛ أن
تجعل على أهل الغني منهم،/ ولا يؤخذ ذلك إلى الجزء الذي يقتضى في عام قابل.
ومن كتاب ابن حبيب، قال ابن الماجشون: ومن أسلم من البربر ولم يسبوا، فإنهم
يتعاقلون كالعرب. فأما من سبي، وعتق، فعقله على مواليه. وقاله مطرف، وابن
كنانة، وابن القاسم، وأصبغ.
قال ابن المواز: قال مالك: ومن أسلم، ولا قوم له، فالمسلمون يعقلون عنه،
ويرثون عقله.
ومن العتبية (1)، روى عيسى، عن ابن القاسم، في الذي يقتل باطرابلس خطأً،
وبعض عاقلة القاتل بها، وبعضهم بإفريقية، وهم كثير، والذين بأطرابلس نفراً
يسير. قال يضم بعضهم إلى بعض.
ومن العتبية، قيل لمالك: ربما لم يكن في القرية إلا رجل واحد؟ قال: يضم بعض
ذلك إلى بعض.
ومن المجموعة، وكتاب ابن المواز، قال مالك: ويدخل الجاني مع العاقلة في
القوم، كرجل منهم. قال عنه أشهب: وتؤخذ العاقلة بالدية، وإن كرهها، وكره أن
يبعث فيهم رسولاً؛ يجبى إلى ذلك؛ لما يخشى من الفساد في ذلك. قال أشهب:
ولكن بعدهم على العاقلة وتكره العاقلة، على أداء ذلك إليهم.
ومن المجموعة، قال مالك: ومصر، والشام، أجناد قد جندت، فكل جند عليهم
جرائرهم، دون من سواهم؛ لا يعقل أهل مصر مع أهل الشام. ومنه ومن كتاب ابن
المواز، قال مالك: ولا يعقل أهل البدو مع أهل الحضر. وإذا انقطع بدوي، فسكن
قرية من أمهات القرى، ضم عقله إلى قومه، من أهل القرى. قال، في كتاب ابن
المواز: وإن لم يكن هناك من قومه، ععد يحمل ذلك، ضم إليهم
__________
(1) البيان والتحصيل، 15: 486.
(13/485)
من أهل القرى أقرب الناس بقبيلتهم. وكذلك
القروي يوطن البادية؛ أهل العمود، فليعقل معهم. قال- يعني مالكا- في كتاب
ابن عبدوس: وكذلك/ الشامي يوطن مصر، فإن لم يكن من قومه بمصر، من يحمل ذلك
لقلتهم، أو ليس منهم بها أحد، فليضم إليه أقرب القبائل من قومه حتى يقووا
على العقل.
ولا يعقل بدوي مع أهل القرى. ولا يجتمع في دية عن أشهب، وعبد الملك، في
الجاني، في عاقلته أهل إبل، وأهل ذهب؛ أن الأقل في ذلك يتبع للأكثر، ولو
كان ذلك متناصفا حمل كل فريق من ذلك ما هو أهله. ورواه ابن وهب، عن مالك.
وهو خلاف مذهب ابن القاسم. وقال أشهب: أهل القرى، وأهل باديتهم يحملون
جميعا العقل، عن الجاني إذا كان شاميا. وأرى أن لا يكلف البادي منهم
الدنانير، ويقبل منه الإبل؛ بقيمتها دنانير.
ومن المجموعة، ونحوه في كتاب ابن المواز، قال- يعني مالكا-: وإذا جنى مصري،
فلم يقم عليه حتى أوطن العراق، فجنايته على أهل مصر. قال ابن المواز: وقال
عبد الملك غير هذا؛ زعم أنه لا يراعى المنتقل، وإنما ينظر إلى قومه، فإن
كانوا أهل بادية فعليهم الإبل، وإن كان الجاني من أهل القرى. وإن كان بعضهم
بادية، وبعضهم في القرى وهم متناصفون، أو يقرب بعضهم من بعض؛ فعلى البادين
ما يصير عليهم إبلا، وعلى أهل القرى ما يصير عليهم عينا. وإن كان احد
الصنفين فقيرا لا مال له، فيجعل الأقل تبعا للأكثر. وإن كان أهل العمود
الأكثر، كانت الدية إبلا؛ يؤدي معهم منها أهل القرى ما عليهم إبلا. وإن كان
أهل القرى أكثر، فالدية عين، يؤدي بدوي مع قروي. قال عنه ابن القاسم: إذا
كانت قبيلة الجاني بادية، وقراراً (1)، لم يحمل أهل البادية، مع أهل
القرار. وقال أيضا مالك: لا يحمل البدو جناية/ أهل الحضر، ولا أهل الحضر
جناية أهل البدو.
__________
(1) المراد بأهل القرار اهل الحضر وسيفهم ذلك من قول مالك الأتي.
(13/486)
ومن الكتابين، قال بكير بن عبد الله: وإذا
قتل أعرابي قرويا فديته مائة بعير. وإن قتل قروي أعرابيا فديته ألف دينار،
أو اثنا عشر ألف درهم، يريد على الغالب من أموالهم. قال: وقال مالك: وأعجب
هذا سحنونا، وقال: إذا كان طائفة من عاقلته، بالبدو، وطائفة، بالقرى. فلا
يجمع في دية صنفان، ولكن إن كان الجاني من أهل العمود؛ فالدية كلها إبل.
وإن كان من أهل القرى؛ فالدية ذهب أو ورق. ويضم إليه أقرب القبائل إليه، إن
لم يكن في موضعه محمل لذلك.
ومن كتاب ابن المواز، قال: واضطراب قول أشهب في ذلك؛ فقال: إذا اجتمعت
البادية، والقرار، من بلد واحد؛ أخرج أهل البادية ما يلزمهم إبلا وإن كان
الجارح ليس منهم. ويخرج أهل القرار حصتهم عينا وإن كان الجارح ليس منهم.
وإنما تؤخذ الإبل من البدوي، بقيمتها إلا أن يشاء البدوي ذلك. وإنما لا
يحمل القروي مع البدوي إذا كانت بادية غير بلد الجاني، أو حضر غير حضري.
فأما إذا اجتمع ذلك كله في بلد الجاني فهو عليهم، كما ذكرنا. وقال به ابن
عبد الحكم. وقال أصبغ بقول ابن القاسم.
وروى أصبغ، عن أشهب، في الدية تقع عن قتل بالفسطاط؛ أيدخل في ذلك قبيل
القاتل من جميع عمل مصر؟ قال: لا. بل من ثوى بالفسطاط منهم. فإن لم يكن لها
من يحمل ضم إليهم أقرب القبائل ممن بالفسطاط خاصة.
قال أصبغ: وقال في كتبه غير هذا. وهذا أحب إلينا. وهو قول قاله ابن القاسم؛
أن لا يعقل حضر مصر مع بدوها، ولا بدوها مع حضرها. ولا أهل مدينة مع بدوها؛
لأنهم أهل إبل، وأصل المدينة أهل ذهب.
قيل: فأهل الأجواف/ مثل بليس، وشبههم؟ قال: هم أهل حضر؛ من أهل ذهب.
قال مالك: أهل البدو، وأهل الحضر؛ لا يعقل بعضهم مع بعض. قال أصبغ: يعني
وإن كانوا أهل مصر واحد. قال أصبغ: وكذلك أهل القرى، والكور؛ لهم الحضارة،
بمنزلة بدوها. والكورة العظيمة؛ عندي حضارة وحدها،
(13/487)
إن كان فيها من يحمل ذلك. وإن كان أهل
ديوان، والعقل على تلك العرافة التي تأخذ معهم، وإن كانوا من غير قبيلته.
وقال أشهب: وإن كان منهم من ليس في الديوان؛ لا يدخلون مع من في الديوان،
وإن كانوا كلهم من أهل الفسطاط. قال: وإن لم يكن في أهل الديوان منهم من
يحمل ذلك، لم يدخل معهم الخارجون من أهل الديوان، وليضم إليهم من أهل
الديوان، أقرب القبائل إليهم. وقاله أصبغ.
وقال أشهب: وهذا في ديوان عطاء، ودينار. وأما إذا انقطعت، فإنما ذلك على
قومه؛ أهل ديوان، أو منقطعين. وقاله مالك، في كتاب ابن المواز، والعتبية
(1)؛ من رواية أشهب؛ إذا كان العطاء قائما قائما دائما، فليعقل معه من معه،
في الديوان؛ من قومه، أو غير قومه؛ إذا كان فيهم محمل. ويؤخذ منهم؛ من كل
مائة درهم ونصف.
قيل: أفيعينهم من قومه من ليس معه في الديوان؟ قال: ما يفعلون ذلك. وإني
لأرى ذلك. قال محمد: وليس ذلك عليهم.
ومن المجموعة، ذكرعن مالك نحوه؛ من تعاقل أهل الديوان، بعقل مع غير قومه.
قال: وقد فعل ذلك. قال: وقد تأخر العطاء، وقل الديوان، حتى ضاعت العقول.
وإن اضطروا إلى من ليس معهم في الديوان، من قومهم، أعانوهم. وقاله أشهب؛
إذا در العطاء، وأما إن كانت منقطعة فليحمل عنه قومه؛ كانوا في ديوان، أو
منقطعين،/ وقد تعاقل الناس قبل الديوان.
وقال أشهب: وإذا جنى الساكن بمصر، وليس بها من قومه أحد، حمل جنايته أقرب
القبائل إليه ممن بمصر، أو البلد الذي أوطنها، إن كان في عددهم محمل، وإلا
ضم إليهم، أيضا، أقرب القبائل إليهم. وقال ابن القاسم مثله كله.
__________
(1) البيان والتحصيل، 15: 473 وقد ورد ذلك في هذا الرسم بعموم الحكم لا
بتخصيص الألفاظ.
(13/488)
قال ابن حبيب: قال أصبغ: معاقلة أهل
الحاضرة وما حولها من القرى والبادية معاقلة واحدة، إلا أن تكون باديتها
أهل انتجاع، وبدو، فتكون معاقلتهم بينهم الإبل، ولا تضم إليهم الحاضرة، وإن
قربوا. ولا يجتمع في دية إبل، ومال. وأما من لم يكن أهل إبل، وإن بعدوا من
الحاضرة، وإذا كانوا مصر واحد، مثل القرى، وأشباهها؛ فهي معاقلة واحدة.
وقاله ابن القاسم.
ومن المجموعة، قال عبد الملك في عشرة رجال، قتلوا رجلا خطأ، ومن قبائلهم
أهل عمود، فلتقسم الدية على قبائلهم أعشارا، فأخرج أهل القرى منهم، ما يخرج
أهل القرار، وعلى أهل العمود ما يخرج أهل العمود.
ومن كتاب ابن المواز، المجموعة، قال ابن القاسم: قال مالك: عقل الموالى
تلزمه العاقلة؛ أهل ديوان، أو منقطعين. والولاء نسب ثابت.
قال: ولا يعقل ابن المرأة عنها، ولا زوجها، ولا إخوتها لأمها، إن لم يكونوا
من قبيلتها. وميراثها لهم، وميراث مواليها لولدها، وعقلهم على قبيلتها، وهي
السنة منذ زمن النبي- صلى الله عليه وسلم- إلى اليوم. قال ابن وهب: وقضى به
النبي- عليه السلام (1).
ذكر قول الله- تعالى، فيمن قتل من كافر
معاهد، أو مؤمن، لم يهاجر، ومن قتل الآن
من الصفين، من كافر بارز غير القاتل/
ومن كتاب العتبي، وكتاب ابن المواز، وغيره، قال مالك، في قول الله- سبحانه:
{فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ
رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ} (2): ولم يذكر دية؛ فهو من أسلم، ولم يهاجر من مكة؛
فلا دية له؛ لقول الله-
__________
(1) رواه في الموطإ كتاب العقول باب عقل المرأة وابن ماجة في السنن كتاب
الدية باب عقل المرأة على عصبتها والنسائي في كتاب القسامة.
(2) الآية 92 من سورة النساء.
(13/489)
تعالى- {مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن
شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ} (1)، وأما قوله: {وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ
بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ}
(2)، فهذا في هدنة النبي- عليه السلام-؛ أنه من أصاب منهم ممن أسلم، ولم
يهاجر ففيه الدية؛ إلى أهله الكفار الذين كانوا بين أظهرهم. ألا ترى رد
إليهم أبا جندل، بعد أن أسلم؟! فلذلك.
قال ابن المواز: قال ابن القاسم، في علج دعا إلى المبارزة، بين الصفين؛
فبرز إليه مسلم، ثم رماه آخر؛ لم يبارزه؛ فقتله: فإن ديته على الذي رماه؛
لأنه تأول فأخطأ. وليعتق رقبة. وقال أشهب: لا بأس أن يعينه، ولا دية عليه.
فيمن يعقل عن الذمي جرائره، وتأجيل
ديته، وجناية الحربي المستأمن
من كتاب ابن المواز، قال- يعني مالكاً-: وعاقلة النصراني، واليهودي،
والمجوسي؛ هم الذين يؤدون معه الجزية؛ أهل إقليمه الذين يجمعه، وإياهم أداء
الجزية. فإن لم تحملهم؛ ضم إليهم أقرب القرى منهم؛ من كورهم كلها، حتى
يتبعوا. وإن كانوا أهل صلح، فالدية على أهل ذلك الصلح، وهي مؤجلة عليهم،
كتأجيلها على عواقل المسلمين؛ كانت إبلا أو عينا؛ ثلثها في سنة، وثلثاها في
سنتين.
قال أشهب في العتبية، من رواية البرقي إبراهيم بن أبي العاص، عنه، في
الحربي؛ يدخل إلينا بأمان، فيقتل مسلما خطأ؛ قال: يحبس، ويرسل إلى أهل
موضعه، وكورته التي هو منها، فيخبرونهم/ بما صنع، وما يلزمهم في حكمنا. فإن
ودوا عنه، وإلا لم يلزمه إلا ما كان يؤديه معهم. وروى عنه سحنون؛ أن الدية
في
__________
(1) الآية 72 من سورة الأنفال.
(2) الآية 92 من سورة النساء.
(13/490)
مالك الجاني، وليس على أهل بلده فيها شيء.
وروى أبو زيد عن ابن القاسم، قال: ديته على أهل دينه الحربيين.
ومنه، ومن المجموعة رواية ابن نافع، وأشهب، عن مالك: وما جنى النصراني على
مسلم، من قتل أو جرح؛ تحمله العاقلة، فإنه يحمله أهل جزيته، وهم أهل كورته؛
الذين خراجه معهم، وهم الذين إذا جرح نصرانيا؛ وداو عنه.
ومن المجموعة قال أشهب: عاقلتهم أهل قراهم؛ الذين يجاورونهم، ويؤدون معهم
الجزية، إن حمل ذلك أهل قريته، وإلا جعل على أهل الكورة؛ التي هو منها.
وقال عبد الملك: أهل إقليمه ومجرى جزيته.
قال المغيرة: إن كانوا أهل صلح، فعليهم وإن اختلفت قبائلهم، وإن كانوا أهل
جزية، فوجدت لهم معقلة يتعاقلون عليها، ويحملها بعضهم دون بعض، فأحملهم
عليها، وإن لم يجد لهم ذلك، فحمل الجاني عقل ما جنى، في ماله. قاله ابن
القاسم، وأشهب: يحمل جنايته بعضهم على بعض؛ عواقلهم، ما بلغ الثلث.
ومن كتاب ابن سحنون، قال ابن سحنون، عن أبيه: ويعقل عن الذمي أهل إقليمه؛
من أهل جزيته؛ على كل رجل بقدره، وينجم في ثلاث سنين، والنصف في سنتين،
فإذا لزم رجلا منهم في ذلك خمسمائة درهم في دية، ودى ثلثها في كل سنة، ولا
شيء على الفقير، ولا النساء، والصبيان، ولا يؤخذ من أحد شيء، حتى يتم سنة
من يوم الفرض.
وإذا ألزمهم بمدينة قيروان إفريقية، دخل فيها من بإفريقية؛ من اليهود الذين
يحملون معهم الجراح، ويحمل في ذلك الجراح بعضهم عن بعض، فكل من كان حمل معه
الجراح، فكان جراحهم يؤخذون به، فهم يعقلون عنه. فإن لم يكن فيمن يحمل معه/
الجراح قوة على أداء العقل، أسلفهم الإمام من بيت المال، ولا يقد حدا.
(13/491)
في تأجيل الدية على
العاقلة، وتأجيل دية ما دون النفس
من كتاب ابن المواز، روى ابن وهب، أن عمر وصف الدية على العاقلة في ثلاث
سنين، وثلثيها في سنتين، ونصفها كذلك، وثلثها في سنة. وبذلك أخذ مالك.
وقال: نصفها في سنتين؛ لما جاء؛ أن الدية في ثلاث سنين أو أربعة، والثلاث
أحب إلي. وبه أخذ أصحابه إلا أشهب؛ فإنه استحسن في النصف أن يؤخذ الثلث إذا
مضت سنة، والسدس الباقي، في السنة الثانية. قال مالك: ولا ينجم أقل من
ثلثها، وينجم الثلث سنة.
قال ابن المواز: ثم يؤخذ كله عند انقضائها، ويؤخذ ثلاثة أرباعها في ثلاث
سنين. وكذلك قال ابن القاسم، في المدونة إلا أنه قال: في خمسة أسداسها،
يجتهد الإمام في السدس الباقي.
قال ابن المواز: إذا جاوزت الثلثين بأمر بين؛ فهي كالكاملة، إلا أن يجاوز
ذلك باليسير؛ فهي كلا شيء.
قال أشهب، في المجموعة: إذا جاوز الثلثين بما له بال، فالقطع في ثلاث سنين؛
في كل سنة ثلاثة، وإن لم يكن لما زاد بال فالقطع في سنتين، وأستحسن أن ما
زاد على الثلاث في السنة الثانية، وإن كان ثلثها، وزيادة يسيرة، ففي سنة،
فإن كان للزيادة بال؛ ففي سنتين؛ يؤخذ في السنة الأولى الثلث، وفي الثانية
ما بقي. وهذا الذي قال أشهب كله، ذكر مثله ابن سحنون، عن أبيه.
وفي كتاب ابن حبيب، عن أصبغ، ومن كتاب ابن المواز: وإذا نجمت الدية، في
ثلاث سنين، فلا يتعجل منهم شيء، فإذا تمت سنة أخذ ثلثها. وكذلك ذكر ابن
حبيب، عن أصبغ، وزاد فيمن مات قبل السنة؛ ممن وضعت عليه، لم يكن ذلك في
ماله، ورجع ذلك على بقية العاقلة.
وفي باب ذكر العاقلة، قول عبد الملك في هذا؛/ أنه في مال من مات.
(13/492)
ومن كتاب ابن المواز، قال: وإذا لزمت الدية
عواقل عشرة رجال، لزم قبيل كل رجل عشرها، في ثلاث سنين. وكذلك لو لزم
رجلين، أو أكثر ثلث الدية، على عواقلهم، قسم ذلك عليهم، وأحلوا به سنة.
وكذلك لو وجبت على عدد دية كتابي، أو مجوسي، لحملت عاقلة كل واحد منها، ما
عليه في ثلاث سنين؛ كان القاتل مسلما أو غيره. قال أصبغ: فإذا انقضت سنة من
يوم الحكم، أخذ منهم ثلثها.
ومن المجموعة قال أشهب: تقطع الدية في ثلاث سنين؛ كانت إبلا، أو عينا.
وثلثها في سنة، وثلثاها في سنتين، ونصفها في سنتين. وقال: يجتهد فيه.
وبالحولين أخذ ابن القاسم. وتنجم دية المسلمة أو دية الكافر أو الكافرة،
على العاقلة في ثلاث سنين ...
فيما تحمله العاقلة من جراح الخطإ، وهل تحمل من
جراح العمد شيئا؟ وهل تحمل دية الكافر؟ وجناية
الصبي، والمجنون، والسكران، وشبهه، والعبيد
من كتاب ابن المواز، ونحوه في المجموعة، قال مالك: والأمر المجتمع عليه
عندنا؛ أن لا تحمل العاقلة من جراح الخطأ إلا قدر ثلث الدية فأكثر، وما كان
دون الثلث، ففي ماله حالا، فإن لم يكن له مال اتبع به. وكذلك المرأة
والصبي.
[قال ابن شهاب: فبعد السنة، أن لا يحمل من العمد] (1) إلا ما تطيب به نفسا،
قال أشهب: وعلى هذا جميع العلماء، إلا من خالف من أهل العراق. قال ربيعة:
مضت السنة أن العاقلة لا تحمل إلا الثلث فصاعدا. وقد عاقد النبي- عليه
السلام- بين قريش، والأنصار، فجعل العقل ينتهي إلى ثلث الدية (2).
__________
(1) ما بين معقوفتين ساقط من ع مثبت من الأصل.
(2) من كتاب الموطإ للإمام مالك كتاب العقول باب ما جاء في دية أهل الذمة.
(13/493)
وقضى به عمر بن الخطاب، وعمر بن عبد
العزيز. وقاله ابن المسيب، وسليمان، وعروة، وكثير من التابعين.
قال مالك: ولا تحمل العاقلة دية العمد؛ لقول الله تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ
لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ
بِإِحْسَانٍ} (1)، وأما من الجراح، فأما كل جرح لا يقدر على القود منه
لخوفه، وهو قائم من الجاني، فالعاقلة تحمل ديته إن بلغ ثلث الدية.
قال ابن المواز: وقد قال مالك، في الجائفة، والمأمومة، والمنقلة؛ عمداً،
قولين؛ فقال: يبدأ بمال الجاني، فإن عجز فعلى العاقلة. ثم رجع، فقال: بل
كله على العاقلة. وكذلك كل ما لا يستفاد منه لخوفه فبلغ الثلث. وعلى هذا
أصحابه أجمعون.
قال: وما أصاب من لم يبلغ من صبي أو صبية من المسلمين؛ فالعاقلة تحمله،
وتحمل ما أصاب المجنون في حال جنونه، وجناية المعتوه. فذلك كله في العمد
والخطأ سواء؛ في النفس وفيما بلغ ثلث الدية من الجراح، وما جنى المجنون في
إفاقته، فهو مأخوذ به، لا يختلف في ذلك، وما كان في حال جنونه فهو كجناية
المعتوه الذي لا يفيق. وأما السكران، والسفيه؛ فعليهم؛ القود؛ في القتل،
والجراح.
وإن جن القاتل استؤني به، فإن أفاق قتل، وإن أيس منه؛ فالدية في ماله. وأما
جناية النائم، فكا لخطأ فيما تحمله العاقلة.
قال أشهب: وما قيل عن عثمان، فيمن جلس إلى أعمى، فأصابه بشيء: أنه هدر غير
معمول به. ولعل عثمان لم يقله. ولم يصح، بل عليه القود في العمد، وتحمل
عاقلته الخطأ؛ من مبلغ ثلث الدية، فأكثر.
__________
(1) الآية 178 من سورة البقرة.
(13/494)
قال أشهب: ولا تحمل العاقلة ما جنى العبيد،
ولا من فيه بقية من رق من أم ولد، أو مدبر، أو غيره. ولا تحمل ما جنى حر
على عبد، ولا عبد على حر. ومن فيه بقية رق، كالعبد في ذلك. وإنما تحمل ما
جنى الحر على الحر. وذهب بعض الناس أنها تحمل ما جنى الحر على العبد، إن
بلغ نفسه ثلث قيمته، أو كثرت في ثلاث سنين، ولكن لا يبلغ به دية الحر. وأما
ما كان/ دون قيمته؛ من حر، فلا تحمله العاقلة. وهذا خطأ من القول لا سلف
له.
ومن المجموعة، والعتبية (1)، روى أشهب، عن مالك، في العاقلة تحمل ثلث
الدية، فأكثر، فقال: إنما ينظر إلى ثلث دية المجني عليه، فتحمله العاقلة،
ومن أصيب بجرح يبلغ ثلث ديته، وهو يهودي، أو نصراني، أو مجوسي، أو امرأة من
أحد منهم، أو كانت مسلمة. فعاقلة الجاني تحمل ذلك في سنة.
ولو جنى مجوسي، أو مجوسية على مسلم؛ ما يبلغ ثلث دية الجاني، حمل ذلك عنهم
أهل معاقلهم؛ وهم الذين يؤدون معهم الجراح؛ فحمل ذلك رجالهم دون النساء
والصبيان، والمماليك.
ولو ضرب مجوسي أو مجوسية بطن مسلم، فألقت جنينا ميتا؛ حملته عاقلة الضارب.
وفي سماع أشهب، من العتبية (2)، قال ابن كنانة لمالك: الذي عرفنا من قولك؛
أن العاقلة تحمل دية المجروح؛ كان الجاني أو المجني عليه، رجلا أو امرأة.
وقد حمل عنك في امرأة أصابت رجلا بجرح قدر ثلث ديتها؛ أن عاقتها تحمله.
قال: كذب من قال هذا على، وحمل قولي، على غير وجهه. وقال ابن الماجشون:
إنما يراعى ثلث دية المجروح.
__________
(1) البيان والتحصيل، 16: 21.
(2) البيان والتحصيل، 16: 21.
(13/495)
ومن العتبية (1) روى يحيى بن يحيى، عن ابن
القاسم؛ أنه إنما ينظر إلى ثلث دية المجروح؛ كان رجلا أو امرأة. فإذا بلغ
ذلك، حملته عاقلة الجاني.
قال: فإن جنى مسلم على يهودي، أو نصراني، أو مجوسي؛ لم تحمله عاقلة المسلم،
بلغ ثلث دية هذا الكافر، أو أكثر، وإن بلغ النفس؛ لأنهم عندنا كالعبيد، إلا
أن السنة مضت بدياتهم.
وروي عنه في موضع آخر؛ أن عاقلة المسلم تحمله إذا بلغ ثلث دية المجني عليه.
ومن المجموعة، قال مالك، في النصراني؛ يقتله المسلم خطأ: إن عاقلته تحمل
ديته في رأي. وهو أمر لم يكن ببلدنا، وأرى أن يسأل عن ذلك البلدان الذين
هذا بين أظهرهم عما مضى في/ ذلك. وقاله المغيرة، وأشهب، وعبد الملك؛ تحمله
العاقلة.
ومن كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم، وأشهب: وإن جنى مسلم، على نصرانية،
قدر ثلث ديتها، فذلك على عاقلته إن كان خطأ، وكذلك إن جنى مسلم على مجوسية
جريحا يحمل ثلث ديتها فذلك على عاقلته. وإذا قطعت امرأة لرجل أصبعين، أو
جرحا يكون قدر ثلث ديتها، حملته عاقلتها. واختلف في هذا قول مالك. وهذا أحب
إلينا. وقاله ابن القاسم، وأشهب.
وقال عبد الملك: لا تحمل العاقلة إلا ما بلغ قدر ثلث دية الرجل. يكون
الجاني من كان، والمجني عليه من كان. ولقد قيل له: والمرأة يقطع كفها، وفي
ذلك أقل من ثلث دية الرجل؟ فقال: إنما ذلك بعد أن بلغت دية الرجل، ثم بعد،
رجعت، فذلك على العاقلة. وإذا جنت مجوسية على مسلم أو مسلمة، أو كانت
موضحة. واختلف فيه؛ فقال ابن القاسم: تحمل ذلك عاقلة المجوسية، أو المجوسي.
وقال أشهب: لا تحمله؛ لأن ذلك لم يبلغ ثلث دية المجني عليه، ولو
__________
(1) البيان والتحصيل، 16: 21.
(13/496)
كانت هذه الموضحة بالجاني، لم تبلغ ثلث
ديته، فإذا كانت لا تبلغ ثلث دية الجاني ولا المجني عليه لو كان ذلك به،
فلا تحمله العاقلة.
ومنه، ومن المجموعة، قال مالك، في الرجل يصيب امرأة، بقدر ثلث ديتها،
فتحمله عاقلته، مثل أن يقطع لها أصبعين؛ لأن لها في ذلك أكثر من ثلث ديتها،
في النفس، وكذلك في جائفتها، وكذلك إن أصابت امرأة امرأة، فإن أصابت امرأة
رجلا بقدر ثلث ديتها، حملته عاقلتها؛ قال مالك: والأول أبين، وإن كانت
الجناية قدر ثلث دية الجاني، أو ثلث دية المجني عليه، حملته العاقلة. قال
يحيى بن عمرو: وهو قول أشهب.
ومن كتاب ابن المواز: وإن رمى رجل بحجر أو غيره؛ فشج ناساً شتى؛ كل واحد
منهم موضحة، أو ملطاة، أو شجاجا مختلفة، إلا أن جميعها يبلغ ثلث الدية فقط،
فإن العاقلة تحمل ذلك، وذلك بمنزلة/ رجل واحد يصيب ذلك في فور واحد.
ومنه، ومن المجموعة، قال مالك: ومن شج رجلا ثلاث منقلات؛ في ضربة، أو موضحة
ومأمومة؛ في ضربة؛ فالعاقلة تحمل ذلك. وكذلك إن كان عن الضرب مواضح تبلغ
ثلث الدية.
قال ابن القاسم، وأشهب: وكذلك لو أوضحه؛ فأذهب مع ذلك سمعه وبصره، أو سمعه؛
وعقله؛ فعلى العاقلة ديتان، وعقل موضحه. ولو شجه ثلاث منقلات؛ في ثلاث
ضربات. فإن كان متتابعاً؛ لم يقلع عنه، فهو كضربة واحدة، وإن كان مفترقا؛
لم تحمله العاقلة.
قال مالك: وإن قتل عشرة رجال رجلا خطأ؛ فعلى قبيلة كل رجل عشر الدية في
ثلاث سنين، ولو جنوا قدر ثلث الدية حملته عواقلهم في سنة.
قال ابن القاسم: وإن جنى أحرار وعبيد ما فيه دية الخطأ، فإن كان ما على
الأحرار مثل ثلث الدية، حملته عواقلهم، وإن كان دون ذلك، ففي أموالهم.
(13/497)
قال ابن عبدوس: وقال سحنون: تحمله عواقلهم،
وإن نقص عن الثلث- يريد: نقص عن الثلث منابة الأحرار خاصة- وفي الجميع ثلث
الدية، فأكثر. ورواها؛ قال سحنون وابن القاسم، عن مالك. وقال: وما لزم
العبيد؛ ففداهم السيد؛ فهو منجم عليه كالعاقلة.
وبعد هذا باب فيما تحمله العاقلة، من جراح العمد التي لا قصاص فيها. وفي
باب الرجلين يقتلان الرجل؛ أحدهما عمدا، والآخر خطأً، شيء من ذكر ما تحمله
العاقلة، وكذلك، في باب تنامي الجراح. وبعد هذا باب؛ في جناية الصبي،
والمجنون.
في العاقلة؛ تؤدي شيئا؛ تظن أنه يلزمها،
وهو غير لازم لها
والولي؛ يضمن عن صبي، ما ظن أنه يلزمه
من كتاب ابن المواز، قال: وإذا حملت العاقلة شيئا؛ ظنت أنه يلزمها؛ ثم
رجعوا؛ فلهم الرجوع، ما لم يطل الأمر بعد الدفع السنين الكثيرة،/ التي يرى
فيها أن قد علموا ذلك.
قال ابن وهب؛ عن مالك، في صبي؛ رمى صبيا بحجر، فبرئ من جرحه، فمات، فضمن عم
القاتل الدية، ثم رفع إلى الإمام؛ فضمن العاقلة الدية، وودوا بخمسين، ثم
أرادوا طلب العم بما ضمن. قال: ليس لهم ذلك، إذا كانوا قد رضوا.
قال مالك: في العتبية (1) من سماع ابن القاسم-: إذا كانوا قد رضوا، واقتضوا
(2). قال ابن المواز: ولو لم يرضوا؛ نظر في العم، فإن ضمن وهو يعلم أن
__________
(1) البيان والتحصيل، 15: 454.
(2) كتبت في الأصل وع (اقتصوا) بالصاد المهملة وكتبت في البيان والتحصيل
(اقتضوا) بالضاد المنقوطة وهي التي أثبتنا في النص.
(13/498)
ذلك على العاقلة لزمه ذلك. وإن ظن أنه لا
يلزمهم، وأنه على ابن أخيه، لم يلزمه شيء، وهو إنما يلزمه ما ضمن، حتى يعرف
أنه عمل على أن ذلك عنده كان لازما، لابن أخيه، أو له. فإما إذ قد رد ذلك
على العاقلة، فقد نقد عليهم.
ذكر ما تحمله العاقلة، من العمد الذي لا قصاص فيه،
وهل تحمل العاقلة جناية
المرء على نفسه؟ أو إقراره بالقتل خطأً؟ وذكر ما
لا قصاص فيه من العمد. وقد تقدم في باب ذكر العاقلة؛
أنها لا تحمل عمداً، ولا اعترافاً، ولا صُلحاً، ولا عبداً
ومن كتاب ابن المواز، والمجموعة، قال مالك: المجتمع عليه عندنا؛ أن من قبلت
منه دية العمد في نفس أو جراح؛ أنه في ماله وذمته دون العاقلة، إلا أن
يتطوعوا؛ لقول الله سبحانه: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} ...
الآية (1).
ومن قطع يمين رجل عمدا، ولا يمين له؛ فدية ذلك في ماله وحاله. ويؤدب.
قال ابن المواز: ومن قول مالك؛ أن العاقلة لا تحمل من الجراح، إلا كل جرح،
يمنعها من القصاص منه، أنه متلف؛ كالجائفة، والمأمومة، والمنقلة، وكسر
الفخذ والصلب والضلع، وقطع الحلقوم.
قال عبد الملك: ما بلغ من ذلك ثلث الدية.
قال ابن المواز: بخلاف/ من جنى على عين، أو يد، وليست هي منه باقية، ولقد
روي عن مالك، في المأمومة، والجائفة عمدا؛ أن يبدأ بمال الجاني فيها، فما
عجز، فعلى العاقلة. م قال: ما ارى بأسا أن يكون على العاقلة. قيل: والجاني
ملئ؟ قال: ما أرى من أمر بين.
__________
(1) الآية 178 من سورة البقرة.
(13/499)
قال عنه أشهب: ما سمعت فيه سنة ماضية. وما
يكون إلا على العاقلة، والجاني كرجل منهم. وإلى هذا رجع مالك، وثبت، وأجمع
عليه أصحابه.
قال ابن عبدوس: إلا المغيرة؛ فأخذ بقوله الأول.
قال في الكتابين: وعاب (1) ابن الماجشون قوله الأول؛ أنه إن لم يكن للجاني
مال؛ فذلك على العاقلة. فقال: لو لزمه شيء، لم يخرجه منه عدمه، ولما امتنع
فيه القصاص، لزم العاقلة، كما جعل عمد الصبي عليهم حين امتنع فيه القصاص.
قال مالك: والمجتمع عليه عندنا؛ أنه لا قود في الجائفة، والمأمومة،
والمنقلة. قيل: فما روي عن ابن الزبير؛ أنه أقاد من منقلة؟ قال: لم يمض
عليه الأمر، ولم أرهم يأخذون به.
قال ابن المواز: وروى ابن وهب، أن النبي- عليه السلام- دفع القود في
المأمومة، والجائفة، والمنقلة (2).
قال ابن شهاب: مضت السنة بذلك. وقاله أبو بكر، وعمر؛ في كل ما لا يقدر على
القود منه.
قال مالك: واللسان إن كان متلفا، لم يقد منه، وإن لم يكن متلفا أقيد منه.
وليس في الصلب والفخذ قود. قال ابن القاسم: ولا في الضلع. وذلك مما تحمله
العاقلة. وليس في البصر أو السمع يصيب بعضه قود.
ومن المجموعة، قال أشهب: ويفرق بين المأمومة والجائفة، وبين اليد المفقودة
من الجاني؛ أن اليد لو كانت باقية أقيد منها وهذه باقية، والقود مرتفع، ولو
أصيب الجاني، في رأسه في ذلك الموضع بمثل ذلك، لم يبطل دية المأمومة. ولو
أصيبت يده؛ بأمر من الله- يريد: بعد جنايته- بطل القود والدية.
__________
(1) في الأصل (وأعاب) والصواب ما أثبتناه من ع.
(2) كتاب الموطإ للإمام مالك كتاب العقول باب ما جاء في عقل الشجاج.
(13/500)
قال أشهب: ومثله المسلم يقتل الذمي، أو
يقطع يده عمدا أن العاقلة تحمله. وكذلك/ عمد الصبي والمجنون.
وقال ابن القاسم: لا تحمل العاقلة من جنايته على النصراني، إلا جائفته
ومأمومته، وقد أجمع الناس أن العاقلة لا تحمل العمد، ولم يكن عند مالك حمل
العاقلة المأمومة والجائفة، كالسنة القائمة، ولكنه استحسنه. ولو أوضح رجلا؛
فترامى ذلك إلى ذهاب عين أو غيرها؛ اقتص من الموضحة، فإن لم يترام إلى مثل
ذلك؛ عقل له ما بقي في مال الجاني.
قال سحنون: إلا يترامى إلى ما لو افتدى فعله، كان على العاقلة؛ لأنه متلف،
فيكون ذلك عليها.
قال مالك، فيمن أقر بقتل الخطأ، ولا بينة على ذلك: فإن لم يتهم على غنى
ولده، وهو ثقة لا يخاف أن يكون أرشي، فالدية على العاقلة بقسامة في ثلاث
سنين.
قال ابن القاسم: فإن لم تقسم ولاته، فلا شيء على المقر، في ماله. وقاله
أشهب.
قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون، في المقر؛ أنه قتل فلانا خطأً: إنه يضمن
الدية في ماله؛ إذ لا تحمل العاقلة اعترافا، ولا عمداً، ولا عبداً، ولا
صلحا. ولا يطل الدم. وقاله أصبغ؛ قالا: وذلك إن مات بعصا، فأما إن أربت،
فلابد من القسامة في الخطأ، والعمد. وذكر قول ابن القاسم.
ومن المجموعة، قال مالك: ولا تحمل العاقلة ما جنى المرء على نفسه؛ من عمد
أو خطأ؛ لقول الله تعالى: {وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً} (1)، ولم يذكر
قتله نفسه.
__________
(1)
(13/501)
قال ابن القاسم: وإن أقر رجلان أنهما قتلا
فلانا خطأً أو عمداً، وفلان معنا، فليقسم ولاتُه خطأً، إن كانا عدلين، ولا
يقتلان في العمد؛ لأنهما مجرحان، وقولهما في الخطأ لوث بينة، وليس لهم أن
يقسموا على المقرين خاصة. ويأخذا ثلثي الدية، لكن على البينة يقسمون.
قال أشهب: وأما اعترافه بالجراح الخطأ، فلا تلزم العاقلة؛ إذ لا قسامة
فيها.
قال سحنون في موضع آخر: اختلف عن مالك في الإقرار/ بالخطأ؛ فقيل عنه: على
العاقلة بقسامة. وقيل عنه: على المقر في ماله.
وقال ابن دينار: ليس عليه إلا ما يلزمه مع العاقلة.
وفي باب ضمان الطبيب، شيء من ذكر ما تحمله العاقلة من العمد.
وفي باب القصاص بين العبد والحر، والمسلم والكافر شيء من ذلك.
وفي باب صفة العمد والخطأ، في القتل والجراح؛ في الجزء الثاني.
وفي باب ما أصاب الكلب العقور ونحوه. وأبواب بعده من هذا الكتاب شيء من ذكر
ما تحمله العاقلة.
في كفارة القتل، وفيماذا تجب، وذكر ما يحمل
محمل الخطأ في الكفارة
من المجموعة، وكتاب ابن المواز، بمعنى واحد قال ابن القاسم، وابن وهب،
وغيره، عن مالك: ذكر الله- سبحانه- الكفارة في قتل الحر خطأ، فقال:
{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ}، إلى قوله: {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ} (1). وأنا
أستحسن في العبد الكفارة.
__________
(1) الآية 92 من سورة النساء.
(13/502)
قال في كتاب ابن المواز: قتله عمداً او
خطأً. وقال في الكتابين: وكذلك الذمي كالعبد. واستحب في جنينها الكفارة.
قال أشهب: هي في العبد أوجب من الذمي؛ لأن الله ذكر الدية، والكفارة في نفس
مؤمنة. والعبد مؤمن، وقيمته ديته. ولا أحب تركها في الذمي؛ لأن فيه دية،
والله سبحانه قرنها مع الدية.
قال مالك: ومن ضرب عبده؛ بمعنى الأدب، فمات، فليكفر. وكذلك في أجيره
النصراني.
قال مالك: في جماعة قتلوا رجلا خطأً: فعلى كل واحد منهم كفارة.
وقال عنه ابن القاسم، فيمن ضرب بطن امرأة؛ فألقت جنيناً ميتاً: أحب إلي أن
يكفر. قال ابن المواز: وقاله عنه أشهب: لا كفارة عليه.
ولم يرها عليه أشهب، وقال: ليست بنفس، وكأنها جرحها جرحاً. ولو استهل كانت
فيه كفارة.
وروى أشهب، عن مالك؛ أن كفارة على من قتل جنينا/ في بطن أمه؛ فألقته ميتاً.
قال عنه ابن نافع في الكتابين، ورواه أشهب في العتبية (1)، فيمن قلع لمولى
له صغير، قد أثغر، سنا بقي له تتحرك؛ قال في العتبية: فقال له: أنزعها لك؟
فقال: نعم. فنزعها له بخيط.
قال في هذه الكتب: فأقام ثلاثا، ثم مات، وقد كان في رجله قرحة. فأمره أن
يكفر. وقال: ما أدري؛ هل ذلك عليك؟ فإن كان عليك، فقد وديته، وإلا أجرت.
وعن التي تشرب الدواء؛ فسقط؛ قال مالك: ما أرى بأسا، إذا كان دواء يشبه
السلامة.
__________
(1) البيان والتحصيل، 16: 108.
(13/503)
وقد يركب الرجل الدابة؛ فتصرعه. وقد كوى
النبي- عليه السلام- أسعد ابن زرارة، فمات (1).
وقال في التي أسقت ولدها دواء؛ فشرق] (2) فمات، فما الكفارة بواجبة عليها،
فإن فعلت، فهو خير (3). وكذلك الطبيب يسقى رجلا دواء؛ فيموت. فإن كفر،
فحسن، إن كانا مليين. وليس بواجب.
قال عنه أشهب: لا كفارة في هذين، ولا دية.
ومن العتبية (4)، روى أشهب؛ عن مالك؛ في امرأة توجر (5) ولدها أو تسعطه
(6): فلا عقل عليها فيه، ولا على العاقلة، ولا كفارة. وكذلك الطبيب؛ يداوي
رجلاً؛ يموت؛ فلا دية على عاقلته.
ومن المجموعة، وكتاب ابن المواز، قيل لمالك: فقاتل العمد؛ يعفى عنه.
أيُكفر؟ قال: إن فعل فهو خير له.
ومن كتاب ابن المواز، وعن السيد يؤدب عبده أو أمته؛ فتموت؛ فليكفر أحب إلي.
قال محمد: وكذلك المعلم يؤدب الصبي، أو الزوج زوجته. وعن المرأة؛ نامت على
ولدها؛ فأصبح ميتا؛ فخافت أن تكون قتلته. قال تكفر. فقيل: فالدية على
عاقلتها؟ قال: ومن يعلم أنها قتلته. زاد في كتاب ابن عبدوس: فإن تبين به
حمرة؛ فديته على عاقلتها.
__________
(1) جاء في سنن الترمذي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كوى أسعد بن
زراة من الشوكة وذكره الحافظ ابن حجر في الفتح في كتاب الطب باب من اكتوى
أو كوى غيره.
(2) لفظة (شرق) ساقطة من الأصل.
(3) في الأصل (فإن فعلت فهو ذلك).
(4) البيان والتحصيل، 16: 108.
(5) توجر ولدها: تشقيه الدواء عن طريق الفم وسمي الدواء المسقي عن طريق
الفم بالوجور.
(6) كتبت في الأصل خطأ تسقطه بالقاف لا بالعين والصواب ما أثبتناه يقال
أسعطه الدواء إذا أدخله في أنفه وسمي الدواء الذي يدخل عن طريق الأنف
بالسعوط.
(13/504)
[وكذلك في العتبية (1)، من سماع ابن
القاسم، قال أشهب، فيمن أعطى صبيا دابة فمسكها؛ فقتلته: فعلى عاقلته الدية،
ولا كفارة عليه. ولست أرى الكفارة إلا فيما خرج عن/ يده؛ من عمد أو خطأ.
فأما بئر يحفرها، حيث لا يجوز له، أو يربط دابة بموضع لا يجوز له؛ فيموت
بذلك واحد؛ فالدية على العاقلة، ولا كفارة في هذا.
ومن أمره رجل؛ أن يضرب عبده، فضرب به أو أعانه على ضربه؛ فمات، فلا ضمان
عليه، وليكفره.
وقال مالك، في غلام محتلم أحدثت أخته، فجنى، فقتلها؛ فسأل مالكا، وقال: قد
عفا عني، وكنت جاهلاً. قال: تكفر بعتق، أو صيام شهرين متتابعين، وتكثر
الإستغفار، وتتقرب إلى الله- سبحانه- بما قدرت عليه من الخير. وقال له: أما
الصوم، فهو عليك ههنا شديد؛ فأخره إلى بلادك. فقال: لي عبد ببلدي. أفأعتقه
الآن؟ فقال له: وما يدريك ما حاله؟ قال: إن لم يكن حيا؛ أعتقت غيره. قال:
أصبت.
في جناية الصبي، والمجنون، والنائم، والسفيه
والسكران، وجرح العجماء
ومن كتاب ابن المواز روى أن أبا بكر، وعمر، وعثمان، وعلياً، جعلوا عمد
الصبي كالخطأ.
قال أشهب: وبذلك مضت السنة، وبذلك قال العلماء، إلا ما كان دون الثلث؛ ففي
ماله. وفي ذمته، إن لم يكن له مال. وبه حكم عمر بن عبد العزيز برأي
الفقهاء. وقاله مالك.
وكذلك المجنون؛ كان ذلك؛ لسيف أو غيره.
__________
(1) البيان والتحصيل. لم يتيسر تحديد ذلك.
(13/505)
وعمدهُمُا كالخطأ.
قال أشهب: ومثله في المجموعة، عن ابن القاسم، عن مالك، في كتاب ابن حبيب،
ورواية عن علي، في المجنون.
ومن كتاب ابن المواز، قال: وإن كان رجل يفيق (1)، في رأس الهلال، فما أصاب
في خبلة، فعلى عاقلته؛ فيما كان الثلث، فأكثر. وما أصاب في إفاقته؛ من عمد؛
أقيد منه.
وما جنى غلام لم يحتلم، أو صبية لم تخص؛ من عمد؛ فهو الخطأ، وما كان بعد
الحيض والإحتلام، أقيد منهما وإن كانا في ولاء.
قال ابن المواز: عمد الصغير كالخطأ. وإنما الصغير الذي يعرف ما يعمل،/ وله
قصد.
وأما الرضيع، فلا شيء فيما أفسد، وكسر. قال ابن القاسم: وفي الرضيع، يفسد
شيئا، أو يكسره؛ لؤلؤا، أو غيره، أو يرميه في بئر وشبهه؛ إنه لا شيء عليه،
ولا يتبع بشيء. قيل: فقأ عين رجل؟ فوقف، ثم قال: تكلم الناس في هذا. وما
كسر عندي أبين.
قال: ويؤدب الصبي، إذا كان يعقل ما صنع.
وإذا رُجئ من أدب المعتوه أن يكف، ولئلا يجعله عادة، فليؤدب.
وإذا كان صبي يحبو أو صغير، فجنى؛ فليس عليه عقل ولا غيره، كالبهيمة.
ومن كتاب ابن المواز، والعتبية (2)، قال ابن القاسم: وما أفسد الصبي، أو
كسر من قارورة أو استهلك لؤلؤة، ففي ما له إن كان ابن سنة فصاعداً قد جنى.
__________
(1) كلمة (يفيق) كتبت محرفة في الأصل وآثرنا استعمالها لمناسبة سياق
الكلام.
(2) البيان والتحصيل، 16: 144.
(13/506)
قال في العتبية (1) فأكثر ينتهي إذا زجر،
وأما ابن ستة أشهر ونحوها لا يزدجر إن زجر، فلا شيء عليه.
وقال في المجنون أو المعتوه لو وقف على [إنسان] (2) فخرقة ثيابه أو كسر له
شيئا، فلا عرم عليه.
قال أشهب، قضى غلي في مجنون قتل رجلا؛ أن ذلك على عاقلته.
ومن المجموعة ذكر نحو ما تقدم كله عن مالك، وابن القاسم وقال: قال ابن
القاسم: وما جنى المجنون في إقامته من حد فلم يقم به حتى زال عقله، فليسلم
إلى ولاة المقتول، وأما لو ارتد ثم تجنن فلا اقتله حتى يصح، لأني أدرأ حداً
بالشيهة، ولا أفعل مثله في حقوق الناس.
وقال ابن القاسم: القتل والجراح والحدود سواء لا تقام عليه حتى يفيق، فإن
أيس منه، كان العقل في ماله متى أفاد مالا.
قال ابن نافع، عن مالك، وهو في العتبية (3)، من رواية أصبغ؛ في المجنون
يكسر شيئا في السوق، أو يفسده: إنه يتبع به في ماله مثل جرحه.
قيل: فالصبي يسرق الشيء، فيستهلكه؟ قال: أشبه ذلك أن يتبع/ به، وما هو
بالبين، ومن الأمور ما لا يتبين. أيضا وكذلك ما كان دون الثلث من جراحاته.
وأما الصغير المملوك، فذلك في رقبته، وهذا مثله، وليس بالبين. قال ابن
نافع: هو لا شك دين عليه.
قال عنه ابن القاسم: ما أفسد الصغير، ففي ماله، وذمته؛ يتبع به. وقال أشهب:
فيه وفي المجنون والمولى عليه.
__________
(1) البيان والتحصيل، 16: 144.
(2) (إنسان) ساقطة من الأصل.
(3) البيان والتحصيل. لم يتيسر تحديد موقعه في الأصل.
(13/507)
ومثله في العتبية (1)، من رواية عيسى، عن
ابن القاسم، قال ابن القاسم، وأشهب: وما أصاب النائم في نومه؛ من جرح بلغ
الثلث فعلى عاقلته. قال أشهب: ودون الثلث ففي ماله، كالمجنون، والصبي؛
لايعقل.
وروى مالك؛ أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «جرح العجماء جبار» (2)،
وفي الحديث غير ذلك. وبه أخذ مالك.
ومن العتبية (3)، روى عيسى، عن ابن القاسم؛ وكل شيء يلزم العبد في رقبته من
غير النفس والجراح فهو في مال الصبي، والسفيه، وفي ذمتهما إن لم يكن لهما
مال. ويقطع المولى عليه في السرقة.
وكل ما أصاب المجنون المطبق، والصبي الذي لا يعقل؛ ابن سنة ونصف ونحوها؛ من
فساد في أموال الناس، فهو هدر لا يتبع به.
ومثل أن يشعل المجنون ناراً في بيت، أو يهدم بنيانا، أو يكسر آنيه. أو
الصبي يكسر لؤلؤة، أو يلقي جوهرا في النار؛ فذلك هدر.
وما أصابا من قتل، أو جرح؛ يبلغ ثلث الدية، فأكثر؛ حماله عواقلهما. وما كان
دون الثلث، يتبعان به، في المال وفي الذمة. وأما الكبير المولى عليه؛ فيقاد
منه في العمد في النفس والجراح، وأما الخطأ؛ فعلى العاقلة، إلا ما نقص عن
الثلث ففي ماله.
قال ابن القاسم: ويقاد من السكران. قال أشهب: بخلاف المجنون. وفي باب
السائق، والقائد شيء.
وفي باب آخر من جناية العجماء، وهي الدابة/.
__________
(1) البيان والتحصيل. لم يتيسر تحديد موقعه في الأصل.
(2) أخرجه الجماعة من حديث أبي هريرة بلفظ العجماء جرحها جبار والبئر جبار
والمعدن جبار وفي الركاز الخمس وجاء في الموطإ الإمام مالك في باب جامع
العقل من كتاب العقول.
(3) البيان والتحصيل، 16: 144.
(13/508)
فيما يحدث؛ عن فعل الطبيب، والخاتن،
والبيطار، ومتولي القصاص، والأدب، والمعلم
وشبهه، ومن عنف في وطء امرأته؛ فأفاضها،
أو قتلها، أو كسرها، ومن أذهب عذرة امرأته بضربة
ومن المجموعة، قال ابن القاسم: لا ضمان على الطبيب، والحجام، والختان،
والبيطار؛ إن مات أحد مما صنعوا به، إن لم يخالفوا.
قال مالك: ومعلم الكتاب، أو الصنعة؛ إن ضرب صبيا ما يعلم أنه من الأدب؛
بعصا، أو أدبه، فجاوز به الأدب؛ ضمن ما أصاب من ذلك.
وكذلك الطبيب؛ يعالج إنساناً، فيوتى على يديه، فإن لم يكن له بذلك علم، أو
دخل فيه جرأة، وظلما، وإن مثله لا يعمل مثل هذا، ولا يعرفه، فليستاد عليه،
وليقدم إليهم الإمام في قطع العروق وشبه ذلك؛ أن لا يتقدم أحد منهم، على
مثل هذا إلا بإذنه، وينهوا عن الأشياء المخوفة التي يبقى منها الهلاك ولا
يتقدموا فيها إلا بإذن الإمام، وأما المعروف بالعلاج؛ فلا شيء عليه.
قال ابن نافع، عن مالك: ولينذرهم ويقول: من داوى رجلا؛ فمات؛ فعليه ديته،
وأرى ذلك عليهم إذا أنذروا، مثل أن يسقي صحيحا؛ فيموت مكانه؛ فهذا سم. أو
يقطع عرقاً؛ فلا يزال يسيل دمه حتى يموت.
فأما من يعالج؛ فمنهم من يعيش، ومنهم من يموت؛ فليس من ذلك. وقد أسقى رجل
جارية بها بهق (1) شيئا؛ فماتت من ساعتها، فهل هذا إلا سم؟ ولا يضمنون قبل
التقدم إليها.
ومن العتبية (2) قال عيسى: من غر من نفسه، لم يغرم. ودية ذلك على عاقلته.
__________
(1) البهق: بياض يعتري الجلد يخالف لونه، ليس من البرص.
(2) البيان والتحصيل. لم يتيسر لنا تحديد النص من المرجع المذكور.
(13/509)
قال أشهب، عن مالك، فيمن سقاه طبيب دواء؛
فمات، وقد سقى أمة قبله؛ فماتت: أيضمن؟ قال: لا. ولكن لو تقدم إليهم في
ذلك، وضمنوا؛ كان حسنا. ويقال لهم:/ أي طبيب سقى أحداً، أو بطة (1)؛ فمات؛
فعليه ضمان.
وروى أصبغ، عن ابن القاسم؛ في طبيب مسلم أو نصراني؛ سقى مسلما دواء؛ فمات؛
فلا شيء عليه، إلا أن يقر أنه سقاه سما؛ أراد به قتله.
قال ابن حبيب: روى عن علي ابن أبي طالب- رضي الله عنه- في البياطرة
والحجامين والمتطببين؛ أن من تقدم منهم على صبي أو مملوك؛ بغير إذن وليه،
فقد ضمن.
ومن المجموعة قال مالك؛ في الحجام يقطع حشفة صغير، أو كبير، أو يؤمر بقطع
يد قصاصا، فيقطع غيرها، أو زاد في القصاص: فهو من الخطأ؛ على عاقلته، إلا
دون الثلث؛ ففي ماله. عمل ذلك بأجر، أو بغير أجر. وإن أمره عبد؛ أن يختنه،
أو يحجمه، أو يقطع عرقه، فهو يضمن ما أصاب العبد من ذلك؛ إن فعله بغير إذن
سيده. علم أنه عبد أو لم يعلم.
وكذلك لو بعثه إلى سفر؛ بغير إذن سيده، فعطب، ثم استحق.
قال عنه على وابن وهب: ومن ضرب عبده فعجز عنه؛ فأمر غيره؛ فضر به؛ فمات. لم
يضمن، وليكفر. قال عنه ابن وهب؛ فيمن دخل ببكر إلى الصغر، فعنف في وطئها،
فلم يقم إلا يسيرا، حتى ماتت. فإن علم أنها ماتت؛ من ذلك؛ فعليه الدية،
وليجلد أهلها (2)، وليكفر.
قال عبد الملك: إن كان فيها محمل للوطء؛ فلا شيء عليه. وإن كان مثلها لا
يحمل ذلك؛ فعليه العقل كالحجام، والبيطار. وهو كالخطأ.
__________
(1) بطه بيطه بطا: شق جرحه وبط الجرح شقه.
(2) في ع (وليحد أهلها).
(13/510)
قال سحنون: إنما تجلدهم؛ على قول من يرى أن
إقراره بالخطأ؛ في ماله.
قال عبد الملك: ولو اغتصبها، فلو علم أنها لم تمت من الوطء؛ لم يلزمه إلا
ما يلزم المغتصب، الذي لم يمت من فعله. ولكن لعل ذلك؛ من غصبه إياها، وهو
متعد عليها؛ فعليه العقل، وذلك كالخطأ.
قال: ومن أسلم في كبره، فأمره رجل أن يختتن، ولم يرد هو ذلك. فاختتن؛ فمات؛
فمات؛ فلا شيء على الآمر،/ ولا على الخاتن، إذا لم يخطئ؛ لأنه فعل ما يلزم.
قال ابن المواز، عن ابن القاسم، فيمن وطئ امرأته؛ فأفاضها. فهو كجرح،
وحكومته في ماله. فإن بلغ الثلث، فعلى عاقلته. ولو فعله بأجنبية، كان في
ماله، وإن جاوز الثلث، مع صداق المثل، والحد.
ومنه، ومن العتبية (1)، من سماع ابن القاسم: ومن دفع امرأة؛ فأذهب عذرتها؛
فعليه قدر ما شأنها، في ماله، كالجراح. قال في العتبية (2): وكذلك لو صنع
ذلك بها، بأصبعه، أو صنعته امرأة، أو غلام.
قال ابن القاسم: ومن أذهب عذرة زوجته؛ بأصبعه، ثم طلقها؛ فعليه قدر ما
شانها، مع نصف الصداق، وينظر ما شانها عند الأزواج؛ في حالها، وجمالها.
قال أصبغ: فإن فعلته بها امرأة؛ بأصبعها؛ فعليها ذلك. وقال في صبيان؛
أمسكوا جارية لصبي؛ حتى افتضها؛ فعليه، وعليهم قدر ما شانها. وعليه الأدب-
يريد وعليهم- وإن كانت ثيبا، فلا شيء لها، وعليها الغسل واجب، وعلى الصبي،
وليس ببين في الصبي. قال أبو محمد: لعله يريد: عليها الغسل، إن كانت كبيرة؛
فأنزلت، فإن لم تنزل؛ فذكر الصبي كالأصبع، إلا أن يستحب لها ذلك.
__________
(1) البيان والتحصيل، 16: 95.
(2) البيان والتحصيل، 16: 95.
(13/511)
قال ابن حبيب: روي عن علي بن أبي طالب- رضي
الله عنه- أتي في رجل؛ أبرك امرأته، فدسرها دسرا (1)، فألقاها على وجهها،
فبدرت (2) ثنيتاها. فقال: هي مطيته يرتحلها كيف شاء.
فيما أصاب الكلب العقور، والجمل الصؤول،
والحائط المائل، والإبل العوادي على
الزرع، وما أفسدت المواشي
ومن قول مالك، وأصحابه: إن ما روي (أن جرح العجماء جبار) (3)، إذا جنت، من
غير تعد. من مالكها، في ذلك.
ومن المجموعة، ونحوه في كتا ابن المواز، من قال ابن القاسم، وما ذكر عن
أشهب، في الكتابين، ولفظ المجموعة أتم./
قال ابن القاسم: وأخبرت عن مالك؛ في الحائط المائل المخوف، إن أشهد على
ربه، ضمن ما عطب به. قال ابن القاسم: وإن لم يشهدوا عليه، لم يضمن. وقاله
أشهب؛ إن بلغ من شدة الميل، والتغرير به، فلم يهدمه، وقد أمكنه هدمه، ضمن
ما أصاب به؛ أشهد عليه، أو لم يشهد؛ لأن ترك الإشهاد لا يزيل لازما، ولا
يوجب عليه غير واجب، كإيقاف دابته بموضع لا يجوز له. ولكن إن تقدم إليه
السلطان، في هدمه، وإيقاف دابته؛ باجتهاد منه، فهذا يضمن ما كان عن ذلك،
وليس نهي الناس يوجب عليه أمراً.
قال ابن القاسم: وليس إشهاده، على من الدار بيده برهن أو كراء، بنافع، إن
كان ربها حاضرا. وإن غاب، رفع إلى الإمام.
__________
(1) دسرها دسرا: دفعها دفعا.
(2) كذا في الأصل وكتبت في ع قدرت وذلك غير مناسب لسياق الكلام والظاهر أن
اللفظتين معا حرفتا عن قوله (فكسرت) ثنيتاها.
(3) سبق تخريجه عن أبي هريرة بلفظ العجماء جرحها جبار والبئر جبار والمعدن
جبار وفي الركاز الخمس.
(13/512)
وقال أشهب: لا شيء على ربها، ولا على من هي
بيده؛ بكراء أو رهن، إذا لم يكن مخوفاً بحضرة ربها، ثم غاب. فإن كان هذا؛
فهو ضامن دون من هي بأيديهم، ولو أمرهم السلطان بالهدم، والبناء، فلا شيء
عليهم.
قال محمد بن عبد الحكم: وينبغي للقاضي، إذا كان الحائط مخوفا، أن لا يهمل
أصحابه، إن حضروا، حتى يهدم على السكان، فإن لم يحضروا، أمر بهدمه، وأنفق
في ذلك، من بعضه، إن لم يجد لهم مالا.
فإن كان لصبي؛ في ولاية أب، أو وصي؛ فإليهما يتقدم السلطان، فإن لم يفعل من
قدم ذلك إليه، حتى يسقط؛ فما أفسدوا، أو قتل؛ كان ذلك في ماله؛ من أب، أو
وصي، دون مال الصبي؛ إذا أمكنهما الهدم فتركاه.
ومن الكتابين، روى ابن وهب، عن مالك، فيمن اقتنى كلبا في داره؛ لماشية،
وعقر أحدا، وهو يعلم أنه يعقر الناس؛ ضمن ذلك.
وقال عنه ابن القاسم، بلاغاً: إنه إن تقدم إليه؛ ضمن. قال ابن القاسم:
يعني: إن اتخده بموضع لا يجوز له اتخاذه؛ فإنه يضمن. وإن اتخذه بموضع يجوز
له؛ لم يضمن، إلا أن يتقدم إليه.
ومن العتبية،/ روى عبد الملك بن الحسن، عن ابن وهب؛ في البادية الصؤؤل،
تعدو على الصبي المملوك، فتقتله، وهي مربوطة، أو أفلتت من رباطها، وقد كان
أعذر إليه جيرانه فيها، أو السلطان، قبل ذلك؛ قال: لا يضمن حتى يقدم إليه
السلطان بعد المعرفة بالصؤل أو العقر، فلم يحبسها، أو يضربها، فعقرت؛ فهذا
يضمن؛ في قول مالك؛ دون الثلث؛ في ماله. وإن كان الثلث فأكثر؛ فعلى
العاقلة. هذا في الحر، فأما في العبد؛ ففي ماله جميعه. وقال أشهب: لا يضمن
رب الدابة على كل حال؛ تقدم إليه السلطان، أو اشتكاه (1) جيرانه.
__________
(1) في النسختين معا كتبت على شكل (أو اشتبهاه) ولعل ما أثبتناه هو الصواب.
(13/513)
قال ابن المواز: قال ابن القاسم: إلا أن
يكون مما له اتخاذه، في داره، مثل كلب يصيد به لا لحراسة داره؛ فلا يضمن من
عقر؛ دخل بإذن، أو بغير إذن، إلا أن يكون ربه علم أنه يعقر، فيضمن.
قال محمد: أصل هذا إن اتخذه فيما لا يجوز له، أو لحراسة الناس. ضمن. وكذلك
إن كان بموضع يجوز له، إلا أنه قد عرف، أنه يعقر، وإنما اتخذه لمن يسرق.
فأما إن اتخذه؛ لما لا يجوز له اتخاذه، وفي موضع يجوز له، فلا يضمن. قال
ابن وهب، عن مالك: إن اقتناه في داره؛ للماشية، ضمن إذا علم أنه يعقر.
قال محمد: لأنه للناس اتخذه؛ لأن الماشية في النهار، لا يخاف عليها، إلا من
الناس. ولو اتخذه لغيرهم. وحيث أذن الرسول- عليه السلام- باتخاذه (1)، لم
يضمن، حتى يتقدم إليه، وهو قول أشهب.
ومن الباب الثاني، من هذا مسألة من هذا المعنى.
قال مالك: إذا تقدم إلى رب الكلب الضاوي، والبعير، والدابة؛ ضمن ما أفسدوا
بعد ذلك؛ ليلاً أو نهاراً.
قال مالك، في الجمل الصؤول؛ صال على رجل؛ فخافه؛ فقتله: إنه هدر، إذا ثبت
أنه صال عليه. فإن لم تقم بينة، ضمن الجمل.
قال عنه علي: إذا تقدم إلى ربه؛ ضمن فيه، وفي الكلب؛ عقرا في دار أهلهما،
أو غير دارهم.
قال ابن القاسم: وكل ما ضمنه بسبب/ الكلب العقور، والجمل الصؤول؛ فهو في
ماله، حتى يبلغ الثلث، فيكون على العاقلة. وإن لم يشهد على
__________
(1) رواه الإمام مسلم في صحيحه في كتاب المسافاة باب الأمر بقتل الكلاب
وبيان نسخة وبيان تحريم اقتنائها إلا لصيد أو زرع أو ماشية.
(13/514)
قتله إلا شاهد واحد، حلف ورثة الميت يمينا
واحدة، وأخذوا الدية. ولا قسامة فيما أصابت العجماء، إلا مع قول الميت، ولا
بشهادة شاهد.
وكذلك، في كتاب ابن المواز، في ذلك كله، وكذلك في الثور العقور، والكلب،
والجمل الصؤول، وغيره من العجماء، إذا عرف بالعدي على الناس، فليقدم إلى رب
ذلك، فما عقر بعد التقدم، ضمنه في ماله، إلا ما بلغ الثلث؛ فعلى العاقلة.
وكذلك روى عيسى، عن ابن القاسم، في ذلك كله من أوله. إلا أنه قال: يحلفوا
(1) يمينا واحدة، ويأخذوا ذلك من ماله؛ كان ذلك، الدية كاملة أو أقل.
ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: إذا كانت الإبل تعدو على الزرع؛ قد عرفت
بذلك، فلتبع (2) بغير موضع زرع. وما أفسدت المواشي والدواب، بالليل ضمنه
أربابها؛ من زرع أو حوائط، وإن لم يحل معه، يقوم على الرجاء، والخوف، فيقوم
ذلك. وإن كان أكثر من قيمة الماشية، كان على ذلك حارس، أو لا حارس له، أو
عليه حظيرة (3)، أو لا تحظير عليه. وما أفسدت بالنهار، لم يضمنه، ولو وطئت
على رجل إنسان بالليل؛ فقطعتها، لم يضمن ربها. وإنما الغرم في الزرع،
والحوائط، والجرون (4) كلها.
__________
(1) في ع (يحلفون) بإثبات نون الرفع وقد حذفت في الأصل باعتبار كون الفعل
مجزوما بلام أمر محذوف مع أن حذف اللام في هذه الحاله قليل والقاعدة
المتبعة في ذلك أن لام الأمر إذا جاءت بعد صيغة الأمر من صريح القول فإن
حذفها مطرد كقول الله تعالى {قل للمومنين يغضوا من أبصارهم} أي (ليغضوا)
وإذا جاءت بعد مادة القول وهي ليست أمرا كما هو الحال هنا فإن حذفها قليل،
وإذا لم تجئ بعد مادة القول فحذفها لا يجوز إلا في الشعر فقط كقول الشاعر:
فلا تستطل مني مقامي ومدتي ولكن يكن للخير منك نصيب
أي ليكن، فحذف اللام هنا للضرورة الشعرية.
(2) في الأصل (فلتباع) بإثبات حرف العلة والصواب حذفه لأن الأجوف إذا سكن
آخره حذف وسطه.
(3) الحظيرة: كل ما حال بينك وبين شيء وتطلق على المواضع الذي يحاط عليه
لتأوى إليه الماشية فيقيها البرد والريح والجمع حظائر.
(4) الجرون والجرن بضم الجيم والراء جمع جرن بسكون الراء وجرين وهو البيدر
وموضع تجفيف النمر ونحوه يقال أجرن الحب جمعه في الجرين وأما جرنه فمعناه
طحنه.
(13/515)
ومنه ومن المجموعة، قال مالك: ومن اتخذ
كلبا عقورا في حائطه أو حوزه؛ فمن دخل ثار عليه؛ فعقره. فقال ربه: اتخذته
لإحراز مالي. فلا ينفعه ذلك، ويضمن.
وقاله أشهب، فيمن احتفر في داره، أو أرضه؛ لغير ضرر بأحد؛ لكن لينتفع؛ فلا
يضمن من أصيب به. ولو اتخذه؛ ولو اتخذه؛ ليسقط فيه سارق أو طارق. فإنه يضمن
من أصيب به، من سارق أو طارق، وغيره.
ومن كتاب ابن حبيب، قال مطرف، وابن الماجشون: وما أصاب الكلب العقور،
والفرس الصؤول، والجدار المائل قبل تقدم السلطان؛/ فهو هدر. وأما بعد
تقدمه؛ فما تبين فيه التفريط، في تأخير قتل الكلب، وتنحية الفرس، وهدم
الجدار؛ فذلك عليه. وينبغي للسلطان أن يعجل قتل الكلب، وليس تقدمة الجيران
في هذا بشيء.
وأما الضواري، فبخلاف هذا إذا عرف ضرارها، وتبين له وللجيران؛ فهو ضامن؛
قدم إليه السلطان، أو لم يقدم.
قال أصبغ، عن ابن القاسم: قال ابن القاسم: وذلك في الكلب؛ باتخاذه بموضع
يجوز له. فأما لو اتخذه في داره، وحيث لا يجوز له، وهو يعلم أنه عقور؛
فيدخل الصبي، والجار، فيعقره؛ فهو ضامن، وإن لم يتقدم إليه.
قال ابن القاسم: وإشهاد الجيران عليه؛ في الجدار، والفرس، والكلب العقور،
[بحيث له أن يتخذه] (1)، كتقدمة السلطان.
قال ابن حبيب: وبه أقول، إن كانوا بموضع؛ لا سلطان فيه.
__________
(1) العبارة في الأصل (يجب له أن يتجنبه) وقد أثبتنا ما في ع.
(13/516)
فيمن حفر حيث لا يجوز له، أو أوقف دابة
أو رش فناء، أو نصب سيفاً، أو أخرج ظلة، أو ميزاباً
حيث لا يجوز له. وما هلك بذلك. هل تضمنه العاقلة؟
من المجموعة، وهو في كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم، وغيره، عن مالك؛ في
حافر البئر، على الطريق، أو يربط فيها دابة، مما لا يحق له: فهو ضامن لما
أصيب؛ من ذلك بجرح أو غيره؛ في ماله. إلا ما بلغ الثلث؛ فعلى العاقلة، لا
يضمن فيما كان، عما يجوز له صنيعه؛ من بئر للمطر، ودابة ينزل عليها؛
للحاجة، فتقف بالطريق.
قال ابن القاسم: ومرحاض يحفره إلى جانب حائطه، ونحو هذا.
قال، في كتاب ابن المواز: وكذلك ما يخرجه من ظلة، أو عسكر، أو ميزاب، فسقط؛
فيعطب به أحد؛ فهو هدر.
قال مالك: وكذلك إن أوقف دابة بباب المسجد أو باب الحمام،/ وباب الأمير، أو
السوق، وموضع يجوز له؛ للحاجة؛ فلا يضمن ما أصابت.
وقال أشهب، في حافر البئر، والمرحاض: هذا إن لم يضر بالطريق، فلا يضمن؛
لقول النبي- عليه السلام-: «البئر جبار» (1). فأما إن احتفر بئراً لمطر، أو
مرحاضاً، بقرب جداره، وذلك مضر بالطريق، فإنه يضمن ما أصيب فيهما.
قال أشهب: يجوز للرجل إيقاف دابته، في طريق المسلمين، ينزل عنها؛ للحاجة،
ونحوه. أو يقف عليها، ولا يضمن ما أصابت بفم أو برجل، أو بذنب،
__________
(1) تقدم تخريج هذا الحديث عند ذكر قول الرسول العجماء حيار فقد أخرجه
الجماعة من حديث أبي هريرة بلفظ العجماء جرحها جبار والبئر جبار والمعدن
جبار وفي الركاز الخمس وهو في موطإ الإمام مالك في باب جامع العقل من كتاب
العقول.
(13/517)
مثل أن ينزل عنها، ويدخل المسجد، أو دار
رجل. فأما إن جعله لها مربطاً، ضمن ما أصابت، وهو نحو قول ابن القاسم.
قال أشهب: وليس على الناس، إذا نزلوا؛ لحوائجهم أن يردها، ثم يؤتي بها عند
ركوبها. وليس يحرج إن وقف عليها. وهذا يخالف سعة الإسلام، ويسره.
وقال أشهب: ومن حفر بئر ماشية، بقرب بئر ماشية لرجل، بغير إذنه؛ فعطب بها
رجل؛ فلا يضمن؛ لأنه يجوز له أن يحفر، كما جاز للأول، وإن قرب منها، إذا
كان لا يدري؛ أيضره بها البئر الأول، أم لا؟ فأما إن علم أنه مضر بها، قيل
له: اردم. فإن أصيب أحد بعد أن قيل له: اردم. ضمن.
ومن الكتابين أيضا، قال ابن القاسم، عن مالك: وما أشرع من ظلة، أو ميزاب،
أو عسكر، فلا يضمن ما عطب به، وكذلك لو سقط جناح، فعطب به أحد.
ومن المجموعة: وأنكر مالك قول أهل العراق: إنه يضمن في هذا.
قال ابن القاسم: وإن بناه في أسفل الطريق؛ مما يضر بالناس؛ منع منه.
ومن الكتابين، قال ابن القاسم: قال مالك، فيمن حفر بئرا، أو سرباً للماء أو
للريح؛ مما يعمل مثله في أرضه، أو داره؛ فيعطب فيه أحد؛ يضمنه. وإن حفر في
داره، أو جعل فيها حباله ونحوها؛ ليلتف بها سارق؛ ضمن.
قال ابن القاسم: يضمن السارق، وغيره. وقاله ابن/ وهب، عن مالك؛ قال: وإن
حفره، أو جعل الحبالة للسباع، فيقع فيه سارق، فهلك، فلا يضمن إذا كان ذلك
مما له أن يجعله في حائطه.
وقال عنه أيضا ابن وهب، فيمن حدد قصبا أو عيداناً، فجعلها عند الباب، أو
النقرة؛ لتدخل في [رجل الداخل في] (1) حائطه من سارق، وغيره: أنه ضامن ما
أصيب فيه.
__________
(1) ما بين معقوفتين ساقط من الأصل مثبت من ع.
(13/518)
قال أشهب، فيمن احتفر في داره، أو أرضه؛
لغير ضرر بأحد، لكن لينتفع؛ فلا يضمن ما أصيب به، فأما إن احتفره؛ ليسقط
فيه إما سارق، أو طاق، أو عدو؛ فإنه يضمن من أصيب به من هؤلاء، وغيرهم؛
لأنه تعد.
وكذلك من جعل على حائطه شركاً، أو تحت عتبته مساميرا؛ ليصيب بها من دخل،
فهذا ضامن ما أصيب بذلك.
وكذلك من رش فناء يريد بذلك أن يزلق من يمر به من إنسان، أو دابة، فهذا
يضمن ما انكسر فيه أو عطب. ولو رشه تبردا، وتنظيفا، أو لا يريد إلا خيراً،
لم يضمن ما عطب فيه.
وكذلك إن ربط كلبا بداره؛ لعقر من يدخل، ضمن. وإن كان ربطه للصيد فعقر من
دخل لم يضمن. ولو ارتبطه في غنمه؛ ليذهب عنها السباع، لم يضمن من عقر من
سارق، وغيره. وإن ربطه؛ لكي إن أرادها أحد، عدا عليه. فهذا يضمن.
ومن المجموعة، قال ابن القاسم: ومن وضع سيفا في طريق أو غيرها؛ يريد به قتل
رجل، فعطب به ذلك الرجل؛ إنه يقتل به، وإن عطب به غيره، فالديةعلى عاقلة
الجاعل.
قال ابن القاسم، وأشهب: وإن حفر في دار رجل بغير إذنه، فعطب بها إنسان،
فالحافر ضامن. قال أشهب: لأنه بغير إذن رب الدار. فإن علم، فأجاره له؛ لم
يضمن هو، ولا رب الدار، إذا احتفرها لنفسه.
فأما إذا كانت بينة، وبين ربها صداقة، أو كان مما عليها، فرأى ذلك، ولم
يؤمر، فلا يضمن؛ لا هو، ولا ربها.
ورب الدار مخير أن يعطي الحافر ما أنفق، إن تطوع رب الدار. وإلا فهي/ له
بلا غرم، وليس للحافر ردها، إلا أن يكون له فيها نقص، له فيه منفعة؛ من آجر
وخشب، وغيره. فإما أعطاه ربها قيمة النقض منقوضا، أو أمره بفعله.
(13/519)
ومن كتاب ابن المواز: وكل ما ضمنه الرجل،
في حفر ما لا يجوز له؛ قال مالك: فذلك في ماله، إلى بلوغ ثلث الدية؛ فيصير
على عاقلته.
قال ابن المواز: وأما ما ضمن من عبد، أو دابة، أو غير الديات؛ ففي ماله.
وفي باب (الكلب العقور) ما اختلف فيه، في هذا، الأصل.
قال مالك: ومن احتفر حمالات للسباع، فعطب به إنسان، فلا شيء عليه إذا كان
ذلك في ملكه، أو فيما يجوز له أن يصنعه فيه.
قال ابن المواز: ما لم يتخذه لمن يسرق.
قال ابن القاسم: فإن اتخذها؛ لسارق، ثم بدا له، فتحول من تلك الدار،
فليردها. كأنه يقول: إن لم يفعل، ضمن. ثم قال: يضمن إن لم يفعل. وقاله
أصبغ.
ومن العتبية (1) روى محمد بن خلف، عن ابن القاسم؛ في رجل يعمل السكر، فجعل
حول قدره التي يطبخ فيها قصبا يستره به من الناس، فقام صبي خلف القصب، ولم
يعلم به، وهو يطبخ، ففارق القدر؛ فأصاب ذلك الصبي؛ فمات؟ قال: لا شيء عليه.
في ضمان القائد والسائق والراكب، وما أصابت الدابة وحدها
من المجموعة قال ابن وهب، عن مالك: وما وطئت بيد أو رجل، أو أصابت بيدها أو
بفمها، وعليها راكب، فإن كان الراكب يحركها، أو يشيلها، أو يضربها؛ فترمح؛
فهو ضامن. وما كان من قبلها خاصة؛ فهدر.
__________
(1) البيان والتحصيل، 16: 58.
(13/520)
ومنه، ومن كتاب ابن المواز، قال ابن
القاسم، وغيره: قال مالك: القائد والسائق والراكب، كلهم ضامن لما أصابت
الدابة بيد أو رجل. قال أشهب، في كتاب ابن المواز: وإن اجتمعوا في ذلك، كان
على كل واحد ثلث الدية. يريد أن الراكب شركهم في فعل بها، كان عنه فعلها.
قال في الكتابين: إلا أن ترمح/ من غير فعل أحد، وقد فعله عمر؛ في مجرى
الفرس.
قال ابن القاسم: والفرس مثل الدابة، إذا كدمت من شيء، فعله بها الراكب؛
ضمن. وما أوطئت بيد أو رجل؛ يضمنه.
وقال في المجموعة: وقال أشهب مثله، في السائق والقائد والراكب.
قال ابن القاسم وأشهب: وإن اجتمع سائق، وراكب، وقائد؛ فما وطئت عليه
الدابة، لم يلزم الراكب وضمنه القائد والسائق.
قال أشهب: في الكتابين: وما بعجت أو كدمت، من غير رمح من أحد منهم؛ فأحراهم
بالضمان السائق، إن كان سوقه يدعوها؛ لأنه خلفها؛ تخافه ساعة تخويفه إياها،
فهي تداري، ذلك وتخافه؛ فما أصابت في حين سوقه، فهو ضامن إن ساقها بزجر، أو
ضرب تخس.
وكذلك الراكب، لو استحثها برجله، فكدمت، أو ضربت، ضمن الراكب.
وكذلك القائد لو نهرها بمقودها، أو صاح عليها، ففعلت هذا؛ لضمن.
وإن كان اجتمع فعلهم في ذلك، أشركوا في الضمان، قال: ولو فعل بها أحدهم ما
ذكرنا، فرفعت رجلها؛ لضربه، ففعل بها الآخران ما وصفنا مما
(13/521)
يضمن به، فضربت. قال: هم في الضمان شركاء،
ولعلها لولا ما أحدث الآخران لردت رجلها. فقد زاداها هيجا.
وقال، في كتاب ابن المواز: وقلت: فإن كان الراكب صغيرا، لا يضبطن مثله ولا
يحرك، أو نائما، أو مريضا، فوطئت الدابة؟ قال: ذلك عليه، إلا أن يكون لها
سائق أو قائد، فيبرأ الراكب، ويكون ذلك على القائد والسائق.
قال مالك: وأما المرتد فإنه كالمقدم ضامن، إلا فيما يشبه من المؤخر؛ حركها
أو ضربها/، فيكون عليهما.
قال ابن القاسم: أو يأتي من سبب المؤخر ما لا يقدر المقدم على دفع شيء منه،
فيلزم المؤخر وحده؛ مثل أن يضربها، وهذا لا يعلم، فترمح؛ فتضرب رجلا؛
فتقتله؛ فذلك على عاقلة المؤخر.
قال، في المجموعة لأنه يعلم أن المقدم لا يعيثها شيئا، ولا يشد لها لجاما،
ولا يحركها برجل، ولا غير ذلك فيكون شريكا فيما فعل. وذلك يكون على
الاجتهاد فيما نرى عند مالك.
قال أشهب، في كتاب ابن المواز: فأما إن رمحت من غير فعل واحد منهما، فلا
شيء على واحد منهما. وقاله مالك.
قال ابن القاسم، في المجموعة: إذا صنع بها الرديف شيئا، من غير علم المقدم،
فهو الضامن، إذا صنع بها الرديف شيئا، من غير علم المقدم، فهو الضامن، إذا
علم أن المقدم، لا يقدر على حضها. وقاله أشهب.
قال في الكتابين: وإن كان الصبي مقدما والرجل رديفا؛ فما وطئت؛ على الصبي
إن ضبط الركوب، إلا أن يكون الرديف صنع بها ما أهاجها؛ فذلك عليهما.
وقال أشهب: إن كان الصبي مما لا قبض له، ولا بسط، وإنما هو بين يدي الرجل
يمسكه كالمتاع، فذلك على الرجل دون الصبي.
(13/522)
قالا: وما كدمت، أو بعجت، ولم يكن من تهيج
أحد، فذلك هدر، ولا شيء على المقدم، وإن كان اللجام بيده، وقد تكدم وهو
غافل، إلا أن يكون لتهيج منه، فيضمن أو منهما، فيضمناه.
ومن الكتابين، قال ابن القاسم، وأشهب، في قائد القطار: يضمن ما وطئ عليه
بعير من أول القطار أو آخره.
قال أشهب: لأنه أوطأه؛ بقوده، وقد يضمن أعذر منه من يرمي طائراً؛ فيصيبه؛
فيخر على إنسان؛ فيقتله؛ فيضمنه. يريد على عاقلته.
قال مالك: ولا يضمن الراكب ما كدمت الدابة، أو ضربت بيد أو رجل، إلا ن
يحثها أو يحركها. وكذلك/ السائق، والقائد. بخلاف ما أوطأت. وقاله كله أشهب.
قال أشهب، في كتاب ابن المواز: ومن نزل عن دابته، فوقعت في الطريق فلا يضمن
ما أصابت بوطء، أو نفخ، أو كدم، أو ذنب؛ لأن ذلك لا يجوز له، وله أن يقف
عليها في الطريق لحاجته، أو ينزل ويوقفها، ثم لا يضمن، وإذا جمحت دابة
براكبها، فعلم الناس أنه مغلوب، فتصدم، إنسانا، فذلك على عاقلة الراكب؛
صبيا كان أو غيره، ما بلغ الثلث، فأكثر، وما نقص من الثلث، ففي ماله، ولو
كسرت ما على دابة، أو ما يحمل إنسان، ففي مال راكبها. محمد: ما بلغ، وقد
ضمن عمر مجري الفرس، فهو أحرى، ولا يصدم إلا مغلوبا.
ومن الكتابين، قال أشهب: ومن نخس دابة؛ فوثبت على رجل، فقتلته، فإن كانت
هملا أو مساقة، أو مركوبة، أو مقودة، فنخسها رجل، فضربت أو كدمت رجلا بيد
أو رجل، أو سقطت عليه؛ فقتلته، أو أعيبه، فلا يضمن إلا الناخس، وما بلغ
الثلث، فعلى عاقلته. ولو لم ينخسها أحد، فضربت بيد أو رجل أو كدمت؛ لم يضمن
ذلك ضامن، ولا قائد، إلا أن يفعل بها ما أهاجها لذلك، فيضمن. وقاله كله
ربيعة. وقاله ابن مسعود؛ في ضمان الناخس.
(13/523)
قال المغيرة: ومن نخس دابة فطرحت راكبها،
فقتلته، فديتها على عاقلة الناخس. وكذلك ما أصابت برجلها، وما دون الثلث،
ففي ماله.
قال أشهب: ومن ركب دابة فطارت من تحت يدها حصاة، ففقأت عين رجل، فلا شيء.
قال ابن المواز: هذا إن طارت من تحت الحافر بحفرة وقع الحافر من غير أن
تدفعها بحافرها، فأما لو دفعتها بحافرها؛ فضربت بها حتى اندفعت، فطارت
بضربها إياها؛ ففي ذلك الدية.
قال: ومن قاد دابة عليها سرج، أو متاع، فوقع السرج، أو المتاع على إنسان.
قال يضمن قائدها.
ومن الكتابين قال مالك، في حامل عدلين على جمل فسار به،/ فانقطع الحبل،
فوقع أحد العدلين على رجل فقتله، والقائد أجير، والحمل لغيره، فإن كان حرا،
فعليه، وما بلغ الثلث، فعلى عاقلته. وإن كان عبدا، ففي رقبته، ولا شيء على
رب الدابة.
قال أشهب في كتاب ابن المواز: وذلك إن كان قائدها حمل المتاع عليها، وإن
كان غيره حمله، فذلك على حامله، إلا أن يكون من قوده ما يطرح المتاع في
جوفه، فيكون ذلك عليه. وكذلك لو كان قطار، فسقط ذلك من على آخرها، أو من
وسطها على أحد، أو وطئ البعير عليه، فعطب، فالقائد ضامن.
ومن الكتابين، قال ابن القاسم، في قائد الدابة تمر به جارية، فصاح لها:
إياك، فوطئتها الدابة، فقطعت أنملتها: فهو ضامن لما أصابت. أتحملها، وتقول
إياك؟!
قال ابن القاسم: ومن انقلبت دابته، فنادى رجلا ليحبسها له، فذهب ليحبسها،
فضربته فقتلته، فهو جبار.
(13/524)
[قال ابن المواز: إلا أن يكون المأمور عبدا
لغيره، أو حر صغير، فإن دية الحر على عاقلته، وقيمة العبد في ماله].
ومن كتاب ابن حبيب، قال مطرف، وابن الماجشون: وما أصاب الفلو (1)، وهو يتبع
أمه، رمحا، أو وطيا، فهو هدر، وليس على راكب أمه شيء، ولا شيء على السائق،
والقائد. وقاله أصبغ، عن ابن القاسم،.
قال ابن المواز: ولم يرض أن يتعرض لمسكها حتى صدمته، فقتلته، فإن أفلتت من
يد رجل، فديته على عاقلة الرجل. وإن أفلتت من مذودها (2) فذلك هدر.
وقد أفتى أصبغ، في رجل أخرج دابته؛ ليمرغها، فجذبت الرسن من يده، وشردت،
فصدمت رجلا فقتلته، فعلى عاقلة ربها الدية، كما لو كان راكبها، فغلبته،
فصدمت، فقتلت.
ومن المجموعة، قال ابن نافع، عن مالك، في صبي جمح به فرس، وعلم الناس أنه
مغلوب، لا يقدر على حبسه: إن ما أصاب غرم عليه. قال/ ابن نافع: فيما دون
الثلث، وما بلغ الثلث، فعلى العاقلة.
قال عنه ابن القاسم: يضمن من جمحت به الدابة، ما وطئت.
قال أشهب: وقد ضمن عمر مجري الفرس، ما صدم، وقد وطئ، وهو مغلوب، وبإجرائه
إياه ضمن.
وليس له من العذر فيه مثل ما أصابت السفينة، ولا يجد من السفينة بداً من
سيرها، وإلا لم يبلغ أبداً، والفرس لو تقدم في حبسه لقدر على ذلك. قال ابن
القاسم: وكذلك الفرس، في رأسه اعتراض بحمل، فيصدم. فراكبه ضامن.
__________
(1) الفلو والفلو والفلو: الجحش والمهر قطما أو بلغا السنة.
(2) المذود يراد به هنا معتلف الدواب.
(13/525)
قال وجمح الفرس من سبب فارسه، ومما فعله
به، إلا أن ينفر من شيء مر به، لا من سبب فارسه فلا يضمن، ويكون ذلك على من
فعل به ما أهاجه. والسفينة لا يذعرها أحد، والريح، غالبة عليها، فافترقا.
قال ابن القاسم في المار بحمله، فخرق ثوبا على حبل قصار أنه ضامن دون
القصار؛ لأنه عرف أنه من غير فعله.
وكذلك من كسر قلالا في الطريق من المارين ضامن لها، أو كسرها على دابة، أو
قتلها في جوازه، لضمن لذلك.
ومن كتاب ابن المواز، قال ابن شهاب، فيمن جاء فحمل متاعا على دابة، فنظرت
إليه دابة رجل، فنفرت براكبها، فطرحته، فقتلته؛ قال: يضمن من نفرها ما
أصابه، إن كان خطأ، فالدية على عاقلته، وفي عمده القود.
وقال ربيعة، فيمن رقد على قارعة الطريق، فنفرت منه دابة براكبها، وهو نائم:
فهو ضامن، وإن كان على غير الطريق لم يضمن، إلا أن يتحرك.
قال ابن المواز: وجدت لبعض أصحابنا؛ أنه هدر، لا شيء عليه. وإن كان في
الطريق، إلا أن ينفر من تحركه، فيلزم عاقلته. ولو تعمد تنفيرها، فعليه
القصاص.
كان ابن نافع: سئل مالك عن رجلين؛ مرادي، وخولاني؛ اصطدما، وهما على فرسين،
فوطئ فرس الخولاني على رجل صبي، فقطع أصبعه، فقضي بالعقل على مراد، وخولان.
أذلك صواب؟ قال: نعم.
ومن العتبية (1)، من سماع ابن/ القاسم: وعن حمل سقط من دابة على جارية؟
قال: يضمن الحمال، إن كان حراً. وإن كان عبداً فذلك في رقبته. قال عيسى، عن
ابن القاسم، في الذباب يقع على الدابة، فتنفخ إنسانا. قال لا يضمن راكبها
ذلك.
__________
(1) البيان والتحصيل، 15: 459.
(13/526)
ومن المجموعة، قال المغيرة في فرسين عدا
(1) أحدهما رجلا في ذلك، فإن كان عليها راكبان، وكان الذي أصابا به صدورهما
مما يلي الراكب ضبطه، والذي إذا صنعه الراكب كف ذلك، وحملها على ما لا
يعلم، فصارت تصيب شيئا بصدرها، فهو ضامن، وهو من خطإ الراكب، لا من الدابة،
وإن كان الذي أصابا، ما لا حيلة للراكب فيه، وما يرتفع عنه، ولا يعد منه،
وذلك مؤخر الدابة قضت برجلها ما لم يتبدعه الراكب، ولا حيلة له فيه، فذلك
جبار. وإن لم يكن عليها راكب، فذلك جبار.
وجرى في باب من استعمل صغيرا، أو كبيراً، مسألة من أعطى لصغير أو عبد دابة،
او سلاحا، فعطب به، أو أوطأ الدابة أحداً، فأصابه.
وفي باب اصطدام الفارسين، ذكر إذا اصطدما، فأصابا أصبع صبي.
في الفارسين، أو السفينتين، أو الحاملين يصطدمان،
فيهلكان. أو حر وعبد. وفي حافري البئر يقع عليهما
فيهلكان، أو يأخذ الأعلى بيد الأسفل، فيقعان جميعا
من كتاب ابن المواز، والمجموعة، قال ابن القاسم، عن مالك، في السفينتين،
تصطدمتان، فتغرق إحداهما بما فيها، فلا شيء في ذلك، على أحد؛ لأن الريح
يغلبهم، إلا أن يعلم أنهم لو أرادوا النواتية صرفها، قدروا، فيضمنوا، وإلا
فلا شيء عليهم.
ابن القاسم: ولو قدروا على حبسها، إلا أن في ذلك هلاكهم، فلم يفعلوا،
فليضمن عواقلهم دياتهم، ويضمنوا الأموال، في أموالهم. ولكن لو غلبت الريح،
ففعلوا.
__________
(1) في النسختين معا (عدم) وجاء في ع تعليق يقول فيه كاتبه (لعله عدا)
فأثبتنا ما توقع هذا المعلق لأنه الصواب.
(13/527)
قال في المجموعة: ولم يروهم/ بمظلمة الليل،
ولو رأوهم فقدروا على صرفها، لم يكن عليهم شيء.
قالفي كتاب ابن المواز: قال أشهب: وإن عرف أن ذلك في غلبهم، ولم يغلبهم؛ من
خرق كان منهم، فلا شيء عليهم. وإن لم يعلم ذلك، فذلك على عواقلهم.
ومن الكتابين، وقال اصطدام الفارسين؛ يهلكان وفرساهما، فعلى عاقلة كل واحد
دية الآخر، وقيمة فرسه في ماله. قاله ابن القاسم، وأشهب.
قال أشهب: وقال بعض العراقيين: على عاقلة كل واحد نصف دية الآخر، لإشراكه
في نفسه، ولو لزم هذا لزم إذا عاش أحدهما، لم يلزم عاقلته إلا نصف دية
الآخر، ولكان الذي يهوى في البئر قاتلا لنفسه مع حافرها، ولكان الواطئ على
الحسك، وقد نصبها رجل فيما لا يملك، ولا يجوز له قاتلا لنفسه، مع ناصبها.
وقد روي عن علي ابن أبي طالب، وغيره من صاحب وتابع، مثل ما ذكرنا.
قال في كتاب ابن المواز: قال مالك: فإن اصطدم حر وعبد، فماتا فقيمة العبد،
في مال الحر، ودية الحر في رقبة العبد، ويتقاصان. وإن زاد ثمن العبد على
الدية، فلسيده الزيادة، في مال الحر، وإن كانت دية الحر أكثر، لم يلزم
السيد من ذلك شيء.
قال محمد: إلا أن يكون للعبد مال، فالفضل في ماله.
ومن العتبية (1)، قال أصبغ، في اصطدام الحر والعبد: فقيمة العبد، في مال
الحر؛ يأخذ السيد، ويقال له: افتك قيمته بدية الحر، أو أسلمها فإن أسلمها
فإن أسلمها؛ فليس لولاة الحر غيرها. وإن فداها، بجميع الدية، ونحو هذا في
باب بعد هذا.
__________
(1) البيان والتحصيل، 16: 71.
(13/528)
ومن المجموعة، ومن كتاب ابن المواز، وإذا
اصطدم رجلان أو راكبان، فوطئ أحدهما على صبي، فقطع أصبعه، فهما له ضامنان.
ومن المجموعة: وقال أشهب في حافري البئر، يهوي عليهما، فمات أحدهما، فعاقلة
الباقي تضمن نصف ديته، والنصف الآخر هدر؛ لأن المقتول شريك في قتل نفسه،
ولا تعقل العاقلة/ قاتل نفسه، وإن ماتا فعلى عاقلة كل واحد نصف دية الآخر؛
لشركة كل واحد منهما في قتل نفسه.
وذكر عن ابن القاسم، في حامل الجرتين، كما في المدونة.
وقال ابن القاسم وغيره، عن مالك، فيمن ارتقى في البئر، فأدركه آخر في أثره،
فجبذه، فخرا، فهلكا، فعلى عاقلة الأسفل الدية.
في السفينة تربط إلى السفينة. ومن تعلق برجل في بئر
أو فيما يخاف فخلاه، أو قطع الحبل، وفيمن يسقط
من يده شيء، أو يقع رجل على شيء فيهلك، أو يدفع
أحد، فيؤتى عليه أو على من وقع عليه وشبه هذا
من المجموعة، ونحوه في كتاب ابن المواز، والعتبية (1)، روى ابن القاسم عن
مالك، في مراكب ثلاثة أصابها ريح، فربط أحدهما مركبه إلى صخرة، ثم ربط
إليها أصحاب الثاني، ثم حط أهل الثالث قلعه؛ ليربطوا مركبهم إلى أحد
المركبين، فأبى أهلها، وخافوا الغرق، ثم احتسب صاحب أحدهما، فربطه له، فجره
المركب الثالث، حتى كادوا أن يغرقوا، فلما خافوا، سرحوا المركب الثالث فهلك
بما عليه، فلا شيء على الذين سرحوه؛ لأنهم خافوا الهلاك.
ومن الكتابين، ونحوه في العتبية (2)، من رواية أبي زيد، عن ابن القاسم،
فيمن طلب غريقا، فلما أخذه خشي الموت على نفسه، فسرحه، فلا شيء عليه.
__________
(1) البيان والتحصيل، 15: 447.
(2) البيان والتحصيل، 16: 76.
(13/529)
قال ابن المواز: قال مالك: هذا يشبه مسألة
السفينة؛ لأنه إنما أراد نجاته من خوف قد نزل، وليس كمن ابتدأ نزول بئر أو
بحر، بسبب مسكه.
قال فيه، وفي المجموعة: وقد قال ابن القاسم: ولو ذهب يعلمه العوم، فلما خاف
على نفسه الموت سرحه، فمات، فهو ضامن لديته.
قال ابن المواز: ثم روي عنه في بعض مجالسه خلافه، فيما يشبه، فلم يعجبنا.
قال فيمن تردى في بئر، فصاح برجل؛ يدلي له حبلا، فدلاه له، ورفعه، فلما خاف
على نفسه، وأعجزه، خلاه، فمات:/ إن ذلك عليه ضامن، وهذه في المجموعة.
قال ابن المواز: في هذه شيء، وهي عندي تشبه مسألة السفينة؛ لأن أصله كان
على الخوف، فرجا السلامة، فلم يتم، ولم يكن أصله على السلامة.
ومن هوى في بئر، فأمر رجلا يدلي له حبلا، ففعل، فجر، فلما خشي على نفسه
سرحه، فهو ضامن.
ومن العتبية (1)، من سماع ابن القاسم، وفي كتاب ابن المواز، وابن عبدوس،
قال مالك، فيمن دلى رجلا بحبل في بئر؛ ليطلب حماما، فتدلى فيه، وربط حبلا
آخر في خشبة، وانقطع حبل الخشبة، فجر الأعلى هابطا، فخاف أن يذهب معه، فخلى
من يده الحبل- يريد: فهلك الأسفل-: فإن عليه الدية بخلاف السفينة.
ومن كتاب ابن المواز؛ ومن نزل بئرا، ثم نزل في إثره آخر، فجبذ الأسفل
الأعلى، فخرا، فماتا. فعلى عاقلة الجابذ دية الأعلى.
__________
(1)
(13/530)
ومن الكتابين، قال ابن وهب، عن مالك، فيمن
أمسك لرجل حبلاً يتعلق به في البئر، فإن انقطع، فلا شيء عليه، وإن انفلت من
يد المعين له، فسقط، فمات، فهو ضامن.
ومن كتاب ابن حبيب، روى عنه ابن المسيب، في خمسة فرسهم أسد، فتعلق الذي يلي
الأسد بالثاني، وتعلق الثاني بالثالث، والثالث بالرابع، والرابع بالخامس؛
فقضى علي ابن أبي طالب؛ أن الأول فرسه الأسد، وإن الأول عليه دية الثاني،
وعلى الثاني دية الثالث دية الرابع، وعلى الرابع دية الخامس.
قال ابن حبيب: يريد: على العواقل.
ومن كتاب ابن المواز، والمجموعة، قال ابن القاسم، وأشهب: ومن سقط من يده شي
على وديعة عنده، فتنكسر؛ إنه ضامن لها، ولو سقطت الوديعة من يده، فانكسرت،
لم يضمنها.
قال أشهب: وإن سقط ابنك من يدك، فهلك، لم يلزمك شيء. ولو سقط شيء من يدك
على ابنك، أو على ابن غيرك، فقتله؛ إن ديته على عاقلتك. وإن ناله أقل من
الثلث، ففي مالك.
قلا: ومن سقط من دابته على/ رجل، فمات، فديته على عاقلة الساقط
قال أشهب: وهو من الخطأ.
وقد قضى شريح في غلام سقط على غلام، فانشج الأسفل وأنكر الأعلى؛ أن يضمن
الأعلى شجة الأسفل.
قال ابن المواز: وهو قول أصحابنا.
ومن المجموعة، قال ربيعة: إذا سقط عليه، فأصابته سنة، فشجه، فعليه دية
الشجة.
(13/531)
قال أشهب: وهذا مثل الذي خر على الآخر.
ولكن لو أصيب الخار، وسلم الأسفل، كان ذلك هدرا، ولا شيء على الأسفل.
قال ربيعة، في كتاب ابن المواز: فأصابت سنة رأسه، فشجه موضحة، وانكسرت سن
الساقط؛ فعلى الساقط دية الموضحة، وعلى المشجوج دية السن.
قال ابن المواز: وهذا خلاف قول أصحابنا: بل السن هدر، ودية الموضحة على
الساقط. وروي عن علي بن أبي طالب.
ومن كتاب ابن حبيب، قال: قال إبراهيم النخعي، في غلامين كانا يلعبان، فوقع
هذا على هذا، فشج أحدهما، وانكسرت ثنية الآخر؛ فقال: الأعلى ضامن للأسفل،
ولا شيء على الأسفل للأعلى.
ومن كتاب ابن المواز: ومن دفع رجلا، فوقع على آخر، فقتله؛ فعلى الدافع
العقل دون المدفوع.
ومن مر بجزار، وهو يكسر لحما، فزحمه آخر، فطرحه، فوقعت يده تحت فأس الجزار،
فطرح أصابعه؛ فقد قيل: إن ذلك على طارحه. وقيل: بل على عاقلة الجزار، وترجع
به عاقلته على عاقلة الطارح.
ومن الكتابين، قال ابن وهب، عن مالك، في بصير نادي أعمى، فوقع البصير في
بئر، ووقع عليه الأعمى، فمات البصير: إن ديته على عاقلة الأعمى. وروي عن
عمر بن الخطاب- رضي الله عنه-.
(13/532)
في المرمي بحجر، فاتقاها، فرجعت، فأصابت
أحداً
وفيمن كدم يد رجل فنثرها، فوقع سن الكادم،
ومن عبث بسقاء، فسقطت عليه قلة، على كتف السقاء
ومن طلب رجلا بسيف، فعثر الرجل، فمات/
من المجموعة، روى على ابن زياد، عن مالك، فيمن رمى رجلا بحجر، فاتقاها
بيده، فرجع الحجر، فأصاب رجلا، فعلى الذي ردها العقل، وهو من الخطأ. وقال
ابن القاسم: إن رده، حتى أوقعه على رجل، فديته على المرمي دون الرامي. وإن
كان إنما اتقى على نفسه، ولم يرد الحجر بشيء، ففعله على الرامي.
وكذلك روى يحيى، في العتبية (1)، عن ابن القاسم سواء، وقال: فإن دفع الحجر
بشيء حتى أوقعه على غيره، فذلك على المرمي. وذكر ابن حبيب قول ابن القاسم
هذا. وقال أصبغ: بل ذلك على الرامي، دون المرمي، وإن دفع الرمية، إذ لا
تبقى الرمية، إلا بدفعها.
وكما لو طلبه بسيف، فهرب منه، فوقع على صبي، فقتله، أو على شيء فكسره؛ فذلك
على طالبه، وهو من الخطأ، إلا أن يعثر المطلوب نفسه، فيموت؛ فيكون فيه
القود.
وكذلك دافع الحجر عن نفسه بشيء، بيده، أو رجع الحجر عنه لشأنه، فأصاب رجلا
غير المرمي، فذلك من الخطأ، وهو على الرامي. وإن أصاب المرمي، فهو من
العمد، إلا أن يكون الحجر، قد كان في مقره، وانكسر حده قبل، فرده، فيكون
على المرمي.
قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون، فيمن طلب رجلا بسيف، فعثر المطلوب، فمات
قبل أن يدركه الطالب: إن على الطالب العقل. وقاله أصبغ.
__________
(1) البيان والتحصيل، 15: 520.
(13/533)
وروى عيسى في العتبية (1)، عن ابن القاسم
مثله، وروى غيره عن المخزومي مثله.
قال ابن حبيب: قال مكحول، في قوم رموا المنجنيق، فرجع على أحدهما، فقتله:
إن عليهم الدية، ويحط عنهم قدر نصيبهم منها، ويعتق كل واحد رقبة.
ومن المجموعة، قال على، فيمن عض يد رجل، فجبذ المعضوض يده من فمه، فنزع
أسنانه؛ فروى ابن وهب في هذا، عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه أهدر
أسنانه (2).
وذكر ابن المواز وغيره، عن أصحاب مالك؛ أن دية أسنانه على المعضوض.
وذكر ابن المواز/ حديث ابن وهب هذا؛ قال: وقاله يحيى بن سعيد، وذكر أن أبا
بكر الصديق قضى به.
قال يحيى بن عمر: وبهذا الحديث أقول لا بما روي عن مالك، وغيره من أصحابه؛
أن الجابذ يضمن. والحديث لم يروه مالك، ولو ثبت عنده لم يخالفه.
ومن المجموعة قال ابن القاسم، في صبي عبث بسقاء، على عنقه قلة، حتى سقطت
القلة على الصبي، فمات، فلا شيء على السقاء. ولو سقط على غير الصبي، فقتله،
فديته على عاقلة الصبي.
فيمن استعمل كبيرا أو صغيرا، أو حراً أو عبداً،
فعطب أو عطب بسببه أحد
من المجموعة، وفي كتاب ابن المواز نحوه، قال ابن وهب، عن مالك: إن المر
الذي عليه الفقهاء، أن من استعان صغيراً أو عبداً في شيء له؛ قال: فهو
__________
(1) البيان والتحصيل، 15: 520.
(2) أخرجه البخاري في الديات والإمام مسلم في القسامة وجاء في صحيح الترمذي
في باب ما جاء في القصاص من أبواب الديات.
(13/534)
ضامن لما أصابهما، إذا كان ذلك بغير إذن،
كمن يأمر صبيا صغيراً، أن ينزل في بئر، أو يرقى نخلة، فيهلك فيه، فالآمر
ضامن. ولو استعان كبيرا حرا عاقلا، فأعانه، فلا شيء عليه إلا أن يستغفل أو
يستجهل، أو يقرب له فيما لا يعلم منه ما يعلم من قربه إليه.
ومن المجموعة وقال غيره عن مالك، في استعان عبدا، في نزول بئر أو صعود
نخلة، وهما صغيران أو كبيران، أو كبير وصغير: قال: ذلك كله سواء؛ هذا من
الخطأ، وهو مثل الحر، وذلك في رقبة العبد.
قال ابن وهب، وعلي عن مالك؛ في العبد يستأجر، فلا يضمن من استأجره، وإن قال
ربه: لم آمره أن يؤاجر نفسه، إلا أن يستأجره في عمل مخوف، يزيده على إجارته
أضعافاً؛ لمعنى الغرر، من ذلك البئر ذات الحمأة (1) والهدم تحت الجدران،
فهذا يضمن إن واجره، بغير إذن ربه. قال سحنون: هذا أحسن من رواية ابن
القاسم، إلا أن يكون سيده، قد حجر عليه، أن يؤاجر نفسه، وأبان ذلك، وأشهد
عليه.
قال عنه ابن وهب: ومن استعمل عبدا، عملا/ شديداً، فيه غرر بغير إذن أهله،
فعمله، فأصيب فيه؛ يضمنه. وإن كان قد أذن له في الإجارة؛ لأن هذا غير ما
أذن (2) له [لما] (3)، فيه من الغرر البين.
قال: ولمن خرج به في سفر بغير إذن ربه، فهو ضامن.
ومن كتاب ابن المواز، من رواية ابن وهب، مثل هذا.
قال عبد الملك: إذا استعمله ما لا يعمل مثله، فهو ضامن، وليس طوع العبد
يدرأ به عمن استعمله شيئا. وإن كان مما يعمل، وكان بغير إذن ربه، لم يضمن.
__________
(1)
(2)
(3)
(13/535)
وقال ابن القاسم، عن مالك: ومن استعان
عبداً بغير إذن ربه، فيما له بال: ولمثله إجارة؛ فهو ضامن لما أصابه. وإن
سلم، فلسيده إجارته. هذا أحسن ما سمعت.
ومن استعان كبيراً حرا فأصيب فلا شيء عليه.
ومن الكتابين، قال أشهب: وضمان ما أصاب الصبي والعبد؛ فيما استعينا فيه
بإجارة، بغير إذن أهلهما من؛ ركوب دابة، ونزول في بئر، ورمى نخلة، وهدم
حائط، وشبهه من المخوفات أمر قديم اجتمع عليه أكثر العلماء.
قال عمر بن عبد العزيز: وإن استعانهما بغير إجارة فيما أذن لهما فيه،
بالإجارة، فهو ضامن.
قال أشهب: لأن ذلك تعد إن لم يؤذن لهما، في العمل، بغير أجر. وهذا كله في
كتاب ابن المواز.
قال ابن القاسم، في الإبن يستأجره رجل في عمل، أو تبليغ كتاب، فيعطب، ولم
يعلم مستأجره. بإباقه فإنه يضمنه. وقاله مالك، في الكتاب. وقال أشهب: لا
يضمن إن لم يعلم بإباقه وإنما يضمن من استعمل عبدا أو مولى عليه عملا
مخوفا، ولم يعلم بالرق أو بالولاء.
قال ابن نافع، عن مالك، في أجير في إبل في السفر أخذ/ يسقى من غدير، فقال
له رب الإبل: خض الغدير إلى موضع كذا وكذا منه، فاستق. فأبى، فعزم عليه،
فخاضها لذلك، فوقع، فآنكسرت ثناياه. فلا يضمن الآمر، ولو شاء لم يعطه.
(13/536)
وفي باب: (القائد والسائق) ذكر من انقلبت
دابته، فأمر من يأخذها، فأصابته.
ومن المجموعة، ومن العتبية (1)، من سماع ابن القاسم: ومن دفع دابته أو
سلاحه إلى صبي يمسكه، فعطب به، فديته على عاقلته. وقال مالك، فيمن أعطى
دابته لصبي ابن اثنتي عشرة سنة، أو ثلاث عشرة سنة؛ يستقيها، فعطب، أو كان
ابن أخيه: إن ديته على عاقلته، ويكفر. وإن كان كبيرا فلا شيء عليه. وأما
العبد، فيضمنه؛ صغيرا كان أو كبيراً.
ومن كتاب ابن المواز، ذكر مثله، في الصبي الحر، في إمسال الدابة.
قال: وما كان دون الثلث، ففي ماله. قال: وأما السلاح، فإن كان مثله يمسك
ذلك السلاح، ويقوى عليه، ويعرف ما يضره في إمساكه، وما ينفعه، لم يضمن. وإن
كان على غير ذلك ضمن.
كما لو صبيا أن يناوله حجراً، لا يثقل على مثله، فذهب ليناوله إياه، فسقط
على أصبعه، فعطبه فلا يضمن هذا.
ولو أمره أن يحمل له حجراً، لا يثقل على مثله، فذهب ليناوله إياه، فسقط على
أصبعه، فعطبه فلا يضمن هذا.
ولو أمره أن يحمل له حجرا، يثقل على مثله، [فيناله ذلك منه] (2)، لضمن؛
لأنه خطر.
وكذلك إمساكه الدابة- يريد: هو خطر.
والعبد الكبير كالحر الصغير؛ إن أعطاه دابة يركبها في مثل الإجارة (3)، أو
يسقيها، فيهلك بذلك، فهو ضامن لقيمة العبد، في ماله وذمته؛ صغيراً كان أو
كبيراً، قل ذلك أو كثر، إن كان بغير إذن ربه.
__________
(1) البيان والتحصيل. لم يتيسر ربط النص بأصله.
(2) في الأصل (فناوله ذلك منها لضمن) وقد أثبتنا ما في ع.
(3) في الأصل (في مثل الجنازة) وقد أثبتنا ما في ع.
(13/537)
وكذلك إن فعل ذلك بالحر الصغير، بغير إذن
أبيه، فديته على عاقلته، ودون الثلث، في ماله وذمته. هذا كله قول مالك،
وأصحابه.
وكذلك في العتبية (1)، من سماع ابن القاسم، وقاله أيضا في صبي ابن اثني عشر
عاما، أو ابن أخيه، أو يتيم عنده، فأمره بركوب دابة رجل أو رقي نخلة، فعطب.
ومن كتاب/ ابن المواز: ولو أوطئا الدابة رجلا، في إمساكهما إياها، وركوبهما
عليها، فقتلت رجلا، فذلك على عاقلة الصبي، وفي رقبة العبد. قلت: أفترجع
العاقلة وسيد العبد، بما وديا على المستعين بهما؟ قال: أما ابن القاسم،؛
فقال: لا يرجعا بشيء. قال: وإنما يضمن هو ما أصيب به العبد أو الصبي الحر،
في أنفسهما، على ما ذكرنا. قال: وبلغني ذلك عن مالك.
قال ابن القاسم: كما لو بعث العبد فيما لم يؤذن له فيه، أو الحر الصغير،
فركبا في الطريق دابة بغير إذن، فوطئا رجلا، فقتلته؛ أكان يضمنه الباعث؟
وكذلك ذكر عنه ابن عبدوس.
قال ابن المواز، وقال أشهب: في المسألة الأولى، ترجع عاقلة الصبي بما ودوا،
على عاقلة الذي حمله على الدابة. ويرجع عليه أيضا بما أخذ من مال الصبي-
يريد: دون الثلث- ويخير سيد العبد؛ في فداه، أو إسلامه. فإن أسلمه، رجع على
مستعينه بالأقل من قيمته، يوم أسلمه، ومن عقل الجناية- يريد: فإن فداه رجع
بما فداه به-.
قال أشهب: وإن شاء المجني عليه أن يتبع المستعين، بما كان يرجع به عليه
الصبي، وسيد العبد، فعل.
__________
(1) البيان والتحصيل. لم يتيسر ربط النص بأصله.
(13/538)
قال ابن المواز: وقول أشهب أحب إلى. وقاله
من أرضاه (1) لأن المستعين كما ضمن العبد والصبي، كذلك يضمن ما جر ذلك؛ من
ذهاب مال الصبي، ومال عاقلته، وما ودى ذلك إلى هلال العبد، وما انتهى ذلك
إليه.
وما احتج به ابن القاسم؛ لو أرسلهما، فركبا دابة بغير أمره، وأوطآ بها
أحداً، لم يضمن فواضح (2). ويشبه المسألة الأولى؛ لأن هذا فعل حادث؛ لم
يأمره به الباعث، وليس أصله غصبا؛ فيضمن جناياته، ولو أنه لو نزل عن الدابة
التي ركبها، وركب غيرها برأيه، فسقط، فمات، لم يضمنه. ولو كان غصباً ضمنه،
وكذلك لو نزل عن النخلة التي أمره بطلوعها، ثم طلع أخرى برأيه، فهلك؛ لم
يضمنه، لو سقط من التي أمره بها، لضمنه. وكذلك إن سقط منها، أو الدابة التي
أمره بركوبها/ على أحد، فقتلته، لضمنه عاقلة المستعين.
وبقول أشهب أخذ أصبغ، وقال: إن قول ابن القاسم، إنما بلغه عن مالك.
قال أشهب: وأخبرت عن ابن شهاب، فيمن أمر عبد عبده؛ أن يدخل البئر، فيسقي،
ففعل، فخر فيه على عبد آخر، فماتا، أو مات أحدهما؛ أنه ضامن.
وعن ربيعة، فيمن حمل عبداً- بغير إذن سيده- أو صبيا- بغير إذن أبيه- على
فرس؛ أن عليه ما أصابت الدابة، وعليه ضمان العبد، والصبي. فإن استأذنهما،
فلا شيء عليه، وذلك على أبي الصبي، وسيد العبد. فهذا يرد ما قال صاحبنا،
وذكر أنه بلغه، عن مالك.
وما علمت أحدا، كان أشد استقصاء لقول مالك، ولا استخباراً عنه في حياته،
وبعد وفاته مني؛ فما علمت ما بلغه عن مالك.
__________
(1) كذا في ع وحرف في الأصل إلى قوله (وقاله ابن أرضي).
(2) كذا في الأصل وعوضت في ع بقوله (قول صحيح).
(13/539)
قال ابن المواز: ويشبه قول ربيعة قول ابن
القاسم؛ فيمن كان له ولد يجري الخيل، فسأله رجل أن يجري له فرسه، فإذن له،
فوقع عنه، فمات؟ قال: فلا شيء على الذي حمله، إلا عتق رقبة. وأرى أن الأب،
كالعفو عن ديته، وأما غير الأب، فلا يجزئ إذنه؛ مثل اليتيم للرجل، أو ابن
أخيه. فذلك على عاقلته، فلا ينفعه إذنه.
وكذلك هذه المسألة، عن ابن القاسم، في العتبية (1)، من رواية أبي زيد.
وفي المجموعة، ومن كتاب ابن المواز: وإن استعنت صبيا؛ يجري لك فرساً، فصدم
رجلا، فقتله، فدية الصبي على عاقلتك. وأولياء المصدوم بالخيار؛ إن شاؤوا
أخذوا ديته من عاقلتك، ثم لا طلب لعاقلتك على عاقلة الصبي، وإن شاؤوا
أخذوها من عاقلة الصبي، ثم يرجع بها عاقلة الصبي، على عاقلتك، مع عقل
الصبي، فذلك ديتان.
ولو كان موضع الصبي عبدا، كان عليك غرم قيمته مرتين؛ لأن سيده يضمنك قيمته.
فإن كانت مثل الجناية، لم يلزم السيد غيرها، فيؤديها، ثم يرجع بها عليك
ثانية؛ لأنك أتلفتها عليه؛ بتعديك. وإن كان فيها فضل عن الجناية، لم يرجع
عليك إلا بما/ ودي منها.
ومن المجموعة، قال ابن القاسم، فيمن حمل عبداً على فرس، بغير إذن سيده،
فوطئ على أحد، فقتله أو جرحه، فذلك في رقبته، يسلمه سيده، أو يفتديه. ثم لا
يرجع على حامله شيء؛ افتك أو أسلمه. ولو اصطدم هذا العبد، وحر؛ فماتا، فعلى
الذي حمل العبد على الفرس غرم قيمته لسيده، وبطل المصدوم. إن زادت الدية
على قيمة العبد؛ لأن دية الحر في قيمه العبد، وقيمة العبد في مال الحر، فلا
شيء على السيد من زيادة الدية على قيمة عبده، وإن ناف عليها ثمن العبد، كان
الفضل في مال الحر، ويكون ذلك لحامل العبد على الجناية؛ لأنه غرم قيمته
كلها لسيده.
__________
(1) البيان والتحصيل، 16: 75.
(13/540)
ومن كتاب ابن المواز، والعتبية (1)، قال
مالك، في عبد له امرأة حرة، وله منها ولد ابن عشر سنين، فحمله في البحر،
بغير إذن أمه، فغرق؛ فمات، ونجا الأب، فقامت عليه الأم؛ فلا شيء لها عليه،
في حمل ابنه في البحر.
وهذه المسألة مكررة، قد تقدمت في باب آخر.
في القود بين الرجال والنساء، والعبيد والإماء، وبين الكافر والمسلم،
والعبد والحر، وبين أهل الكفر. والحكم بين أهل الذمة.
من المجموعة، وكتاب ابن المواز، قال أصحاب مالك: إن أحسن ما سمع في تأويل
قول الله- سبحانه-: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ
وَالأُنثَى بِالأُنثَى} (2)، أن القصاص بين الحرتين، كما هو بين الحرين،
وكذلك بين الأمتين، والعبدين فإن الأمر عندهم أن القصاص بين الرجل والمرأة
الحرين، في النفس والجراح، وبين العبد والأمة كذلك؛ لقول الله- سبحانه-:
{أن النفس بالنفس} إلى قوله: {والجرح قصاص} (3).
قال أشهب: فيقتص من الرجل للمرأة، في النفس وجميع الأعضاء، والجراح التي
فيها القصاص، وكذلك منها له، وما علمت من خالف ذلك إلا بعض العراقيين؛
فرأوه في النفس، وأبوه في الجراح بين الرجل والمرأة. ولا فرق بينهما. وقد
قال/ الله- سبحانه-: {والجروح قصاص}، كما قال: {النفس بالنفس}.
وعليه مضى صدر السلف، وحكم به عمر، وغيره من الصحابة، وحكم به عمر بن عبد
العزيز، وقاله فقهاء تابعي أهل المدينة.
__________
(1) البيان والتحصيل، 15: 448.
(2) الآية 178 من سورة البقرة.
(3) الآية 45 من سورة المائدة.
(13/541)
قال أبو الزناد: هو قول كل من أدركت، من
التابعين. وقاله ابن شهاب وعطاء، وربيعة، وعمرو بن دينار، ومن يكثر عدده،
ومالك، وعبد العزيز، فيمن اتبعهما.
قال ابن المواز: وكذلك لو اجتمع رجال على قتل امرأة، أو صبي، أو صبية؛
لقتلوا. وعلى قطع يد أو فقء عين؛ إنهم يقطعون، وكذلك تقطع يد الرجل؛ بيد
المرأة، وكذلك ما قل أو كثر من الجراح.
قال مالك، في الكتابين: ولا يقاد من المرأة الحامل؛ في النفس، حتى تضع. قال
ابن المواز: وكذلك القصاص- يريد: في الجراح المخوفة-.
قال ابن المواز: وإن قتلت؛ ففي قتل قاتلها، ولا شيء في جنينها.
قال، في الكتابين: والسنة؛ أن يقتص من عبده لعبده؛ في النفس والجراح، ولكن
لا يلي ذلك إلا السلطان، وبعد ثبات البينة عنده بذلك.
ومن كتاب ابن المواز وإذا لزم المرأة قصاص، في نفس أو جرح، فلزوجها وطؤها،
وإن كانت حاملا. ولو أنها أمة له لزمها قصاص، لم يطأها؛ لأنها مرتهنة
بجناية، حتى يفديها. وقاله أشهب.
ومن المجموعة قال ابن وهب، عن مالك: لا يقاد عبد من حر، ولا أمة من حرة.
وليس بين الحر المسلم، وبين عبد أو كافر في الجراح قود. وقد ذكرنا مذهب عبد
العزيز؛ أنه إن شاء الحر أن يقتص من العبد في الجراح؛ أن ذلك له.
وقال مالك: ليس له ذلك، إلا في النفس. وقال: هذا من الضرر. وقاله أشهب.
قال مالك: وهي السنة.
قال مالك: وليس بين العبد المسلم، والذمي قود.
قال سحنون: لا في نفس، ولا جرح؛ لأن في هذا حرية، وفي هذا إسلام.
(13/542)
وقال ابن وهب: ومن قتل عبده، فليكفر، وعليه
العقوبة؛ من الإمام.
ومن الكتابين، قال مالك: ويقتل العبد بالحر المسلم، ولا يقتل به الحر. ولا
قصاص بينهما فيما دون/ النفس.
قال غيره في كتاب آخر: ولم يختلفوا؛ أن من قتل عبده لا يقتل به، وفيه دليل
على أنه لا يقتل حر بعبده.
ومن المجموعة، قال علي، عن مالك: لا يحكم بين أهل الذمة إلا فيما فيه
الفساد؛ من القتل، والجراح، والسرقة، ونحو ذلك، وأما غير ذلك، فليردوا إلى
أحكامهم؛ ويقتل اليهودي بالنصراني، ويقتل بهما المجوسي، ويقتلان به.
ومن العتبية (1) روى عيسى، عن ابن القاسم؛ وإذا تحاكم النصرانيان بقتل
أحدهما ولي الآخر، وقال القاتل: ليس في ديننا قود. لم يقبل منه، وقيل: إن
شهد عليه ذو عدل. قال عيسى: يسلم إلى أولياء النصراني، فإما قتلوه، وإما
عفوا. ويضربه الإمام مائة، ويحبسه سنة.
ومن المجموعة، وكتاب ابن المواز، قال مالك وأصحابه: لا يقاد كافر من مسلم؛
في نفس، ولا جرح، وإذا قتل كافر مسلما عمداً، قتل به، وإن جرحه، فلا قود
بينهما. وقاله أشهب، وعبد الملك.
ومن كتاب ابن المواز، قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: «لا يقتل مؤمن بكافر
(2) ولا ذو عبد؛ في عبده، والمؤمنون تتكافأ دماؤهم».
وقال ابن القاسم: ويحكم بين النصارى في جراحهم كلها، وإن كرهوا؛ في القتل
وغيره؛ عمده، وخطئه وفي الغصب، والسرقة، وإنما لا يحكم بينهم؛ في الطلاق
والمواريث، ويحكم بينهم في مبايعتهم، إلا في الربا- يريد في تحاكمهم
__________
(1) البيان والتحصيل، 15: 501.
(2) أخرجه البخاري في كتاب العلم وكتاب الجهاد وكتاب الديات وأبو داود في
الديات في باب ولي العمد يرضى بالدية وابن ماجة في كتاب الديات باب لا يقتل
مسلم بكافر.
(13/543)
إلينا- وأما في الرهون، وضمان الصناع؛ فيما
بينهم، فيحكم بينهم بحكم الإسلام.
وفي كتاب ابن المواز: قال إذا قتل مسلم ذميا عمداً، أو خطأ، فإن الخطأ على
عاقلته، لم يختلف فيه، واختلف في العمد؛ فقال أشهب: ذلك على العاقلة.
وقال ابن القاسم، وعبد الملك، وابن عبد الحكم، وأصبغ:/ ذلك في ماله. وبه
نقول. وجعله أشهب كالعمد الذي لا قود فيه، كالجائفة، وعمد الصبي والمجنون،
وكذلك عنده من قتل نصرانياً، او جرحه.
قال ابن المواز: لو كان هذا، لجعلت جرح الذمي إياه عمداً، على العاقلة. ولو
لم يعلم بقتل المسلم النصراني، إلا شاهد واحد، ففيه قولان؛ فالذي أخذ به
أشهب، وابن عبد الحكم؛ أن المشهود عليه يحلف خمسين يمينا، ويبرأ من الدية،
ويضرب مائة، ويحبس عاماً.
وأخذ ابن القاسم، وأصبغ، وعبد الملك بقوله الذي قال: يحلف ورثة النصراني
يميناً واحدة، على كل واحد منهم؛ لأنه مال لا قصاص فيه، ويأخذون ديته،
ويضرب القاتل مائة، ويحبس عاما.
وإن فقأ نصراني عين مسلم، أو قطع يده، فطلب المسلم القصاص، ورضي به؛ قال
مالك: يجتهد السلطان في ذلك، ولا أراه كالعبد؛ لأن العبد يؤخذ في ذلك
أحياناً رقيقاً.
وكذلك في العتبية (1)، من سماع أشهب: إنه توقف فيه.
وقال ابن نافع: المسلم مخير؛ إن شاء استقاد، وإن شاء أخذ العقل.
ومن كتاب ابن المواز: وقال أيضا مالك: ليس له إلا الدية، في الجراح بينه،
وبين الكافر، والعبد.
__________
(1) البيان والتحصيل، 16: 95.
(13/544)
قال مالك وإذا جرح الذمي أو العبد مسلما؛
عمداً، فبرئ بغير شين، فليس فيه غير الأدب. وإن برئ على شين من جرح العبد،
فهو في رقبته.
محمد: قال ابن القاسم: وإذا قتل الذمي عبداً مسلما، فقد اختلف فيه، وأحب
إلى أن يقتل به. وكذلك روى يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم، في العتبية (1).
قال سحنون: إنما عليه قيمته، وهو كسلعة.
وروى عبد الملك بن الحسن، عن ابن القاسم؛ قال: يقتل به. قال أشهب: قال: وإن
قال سيده: لا أريد قتله، وآخذ قيمة عبدي. فذلك له.
ومن كتاب ابن المواز: واختلف فيه قول ابن القاسم؛ فقال: يضرب،/ ولا يقتل.
وقاله أصبغ.
قال ابن القاسم: وليس لسيده أن يعفو عن الدية، وهو كالحر يقتل الحر، فليس
فيه إلا القتل، أو يصطلحان على شيء.
قال أصبغ: لا عفو فيه، إن كان على حد الحرابة، والغيلة، وإلا ففيه العفو،
والصلح جائز، ويصير كالنصراني، يقتل الحر المسلم؛ على العداوة، والثائرة،
فلأوليائه العفو على الدية، أو القتل.
قال ابن المواز: وأحب إلينا أن يخير سيد العبد؛ فإن شاء قتل النصراني، وإن
شاء أخذ منه قيمة عبده؛ لأنه ماله، أتلفه عليه. وقاله أصبغ.
قال: وإذا قتل العبد المسلم ذميا عبداً، لم يقتل به. وكذلك ذكر يحيى بن
يحيى، عن ابن القاسم، وقال: يخير سيده؛ في أن يفتكه بديته، أو يسلمه؛ فيباع
على أوليائه.
وإذا قتله الذمي، قتل به.
__________
(1) البيان والتحصيل، 15: 502.
(13/545)
وقال غيره: لا يقتل به، ويغرم قيمته،
ويضرب.
ومن كتاب محمد بن المواز: وإذا جرح مسلم ذميا؛ مأمومة، أو جائفة، عمدا، فلم
يختلف فيه أصحاب مالك؛ أنه على عاقلة المسلم.
ولو أن عبداً مسلما، ونصرانياً حراً، قطعا يد حر مسلم، فلا قود بينهم، وعلى
النصراني نصف دية اليد في ماله وعلى العبد نصف ديتها، في رقبته، يسلمه سيده
في ذلك أو يفديه.
ولو كان معهم مسلم حر، لقطعت يده، ويكون على الذمي ثلث الدية، في ماله،
وثلثها في رقبة العبد.
ولو أن نصرانيا، جرح، فأقام أياما، ثم مات، حلف ورثته يمينا واحدة: لمات من
جرحه، أو من ضربه؛ إن كان ضربه، ويستحق ديته.
قال ابن القاسم: وكذلك إن نزى (1) العبد في جرحه، فمات، أو قام على الجرح
شاهد، فيحلف سيده يمينا واحدة، ويأخذ قيمته. فاما القصاص إن قتله عمداً فلا
يقتص. وقاله ابن عبد الحكم؛ إن أثقل مرضه، حتى مات، حلف يميناً واحدة، وأخذ
قيمته. والنصراني مثله./
وقال ابن القاسم، في نصرانية اجتمع عليها عبدان؛ أحدهما مسلم، والآخر
نصراني، فضرباها ضربا شديدا، فعاشت خمس ليال، ثم ماتت، وقامت بذلك بينه؛
فليحلف وليها يمينا واحدة، بالله في كنيسته: لماتت من ضربها، ويستحق
رقبتهما، ولسيد أن يفديها، أو أحدهما.
قلت: وكيف يحلف عليهما، ولا يقسم في العمد إلا على واحد؟ قال ابن المواز:
لأنه ليس مما فيه القسامة، فهو كالخطأ. وقال: قال ابن القاسم في الخطأ،
وشبهه؛ من قتل العبد والنصراني: إنه إنما يحلف على جماعتهم، وإنما الذي لا
يحلف إلا على واحد، لو كان فيه قتل.
__________
(1) (إن نزى) كتبت في الأصل (إن برئ) وهو تحريف واضح.
(13/546)
ومدبر النصراني، وأم ولده، كعبده؛ له
إسلامهما في الجراح. وهذا المدبر إذا أسلم قبل أن يخرج، أو بعد أن جرح، فهو
سواء؛ يخير السيد؛ فإن شاء فداه، بدية الجرح، ثم يؤاجر له من مسلم. وإن شاء
أسلمه إلى المجروح يخدمه. فإن استوفاه (1) في حياة سيده، فيؤاجر من مسلم.
وإن مات السيد قبل وفاء الجرح، عتق في الثلث، وأتبع بما بقي. وإن جرح بعضه،
أتبع بحصة ما عتق منه، ويخير الورثة، فيما رق منه.
وكذلك أم ولده؛ تسلم قبل الجرح، أو بعد، توقف السيد؛ فإن أسلم، فهو أحق
بها، ولزمه فيها الأقل. وإن لم يسلم، أعتقت، وأتبعت بالجناية. ولو جنت بعد
أن أوقف سيدها، فإما أن يسلم، كانت جنايتها جناية حرة مسلمة.
ولو أن عبداً مسلما جرح نصرانيا أو يهوديا، خير سيده في فدائه.
وإذا دخل حربي بأمان، فقتل مسلما خطأً، فديته على أهل دينه، من الحربيين.
قيل: فأحكامنا لا تجري عليهم؟! قال: ليس ذلك إلا عليهم.
وقال، فيمن طلب علجاً، فلما أدركه، أشار عليه بالسيف، فقال العلج: لا إله
إلا الله. ثم قتله، فديته على عاقلة قاتله./
في النصراني، يقتل مسلماً، أوكافراً، ثم يسلم، أو كان
عبدا، فعتق، وانتقل الجارح أو المجروح، من دين إلى
دين، أو إلى ردة، أو من ردة إلى الإسلام، أو
من حرية إلى رق، أو من رق إلى حرية، أو من عهد
إلى نكث، وكيف إن نما ذلك إلى النفس؟ وذكر القسامة في ذلك
وهذا الباب قد جرى كثير منه، في الجزء الأول، في باب تنامي الجراح، في
العبد والنصراني.
__________
(1) كذا في ع وكتبت في الأصل (فإن استوفيا).
(13/547)
قال عيسى بن دينار، في العتبية (1)، عن ابن
القاسم، في نصراني؛ يقتل نصرانيا عمدا، ثم أسلم- يريد: القاتل-. وقاله
المغيرة، في المحموعة.
وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم، وهو عنه في المجموعة، في نصراني قتل
نصرانيا عمداً، ولا ولي له إلا المسلمون (2)، ثم يسلم؛ قال: العفو عنه أحب
إلي، إذا صار أمره إلى الإمام؛ لأن حرمته الآن أعلم من المقتول.
ولو كان للمقتول أولياء، كان القود لهم.
ومن كتاب ابن سحنون، قال ابن القاسم، في النصراني؛ يسلم بعد أن جرح، ثم
يموت: إن فيه دية حر مسلم؛ في مال الجاني حالة.
وقال أشهب: إنما عليه دية نصراني؛ لأني إنما أنظر إلى الضربة (3)، في
وقتها، لا إلى الموت، ألا ترى لو قطع مسلم يد مسلم، ثم ارتد المقطوعة يده،
فمات على ردته، أو قتل؛ أن القصاص قد ثبت على الجاني، فتقطع يده بيده، وليس
لورثته أن يقسموا على الجاني، فيقتلوه؛ لأن الموت كان وهو مرتد؟
ولو أسلم الحربي، في يد سيده المسلم، ثم مات عبدا، فلا قصاص له على الذمي
الجارح له في النفس؛ لأنه مات عبداً، ولورثته القصاص في يده.
ولو كان الجارح له مسلما، فعليه دية يد نصراني، ثم تكون تلك الدية على ما
ذكرنا من الإختلاف فيها.
قال: ولو عتق بعد إسلامه، فورثته بالخيار؛ إن أحبوا، اقتصوا من النصراني،
فقطعوا يده،/ وإن شاؤوا القصاص في النفس، أقسموا: لمات من جرحه. ثم قتلوه؛
في غير قول ابن القاسم.
__________
(1) البيان والتحصيل، 15: 477.
(2) كذا في ع وكتبت في الأصل (إلا المسلمين).
(3) كذا في ع وكتبت في الأصل (إنه إنما انظر إلى الضرية).
(13/548)
وإن كان الجاني على المستأمن مسلماً، فقطع
يده، فورثه المستأمن- في قول غير ابن القاسم- بالخيار؛ إن شاؤوا، فلهم دية
نصراني، وإن شاؤوا، أقسموا: لمات من الجرح. وكان لهم ديته؛ دية مسلم.
ويقوله ابن القاسم أيضاً، إلا أنه يقول: إن اقتسموا أخذوا ديته؛ دية مسلم،
في مال الجاني، وإن نكلوا، فليس لهم أخذ دية اليد؛ لأنها كانت وجبت
للمسلمين فيئاً. وإنما لم يكن للمسلمين من دية يده شيء؛ في قوله: إن أقسم
ورثته؛ لأنه يقول في العبد تقطع يده، ثم يعتق بعد ذلك: إن دية اليد للمعتق؛
لأنها ثبتت له قبل العتق، فإن برئ من جرحه، فمات؛ أقسم أولياء العبد
المعتق، وأخذوا ديته، من الإبل.
ولو أن المسلم أوضح المعاهد، ثم نقض العهد، ثم غنمناه، فأعتقه من صار في
سهمه، ثم ترامت الموضحة إلى ذهاب عينه، أو إلى منقلة، فهذا عند ابن القاسم
تكون موضحته موضحة عبد فيئا للمسلمين. وما تنامت إليه المنقلة للعبد
المعتق. وإن ذهبت عينه، اخذ دية العين كاملة؛ دية حر.
وغير ابن القاسم لا يرى هذا.
قال سحنون، وقال أشهب، من غير رواية سحنون، في نصراني حر، قتل عبداً
مسلماً: أن يقتل به. ولو قتل العبد النصراني نصرانيا، ثم أسلم القاتل: إنه
يقتل ولا ينفعه إسلامه في القود.
قال: ولو جنى مسلم جناية تلزمه في ماله، ثم ارتد، ولحق بأرض الحرب، فقتل،
أو مات، أو فقد؛ فالجناية في ماله، ولا يغنم في ماله الذي بأرضنا شيء، حتى
يؤخذ ذلك منه.
وإذا جنى مسلم على ذمي نصراني، فتمجس الذمي، ثم نزى فيها، فمات، فعلى
الجاني دية نصراني؛ في قول أشهب.
وفي قول ابن القاسم، دية مجوسي.
(13/549)
ولو جنى عليه نصراني، فلورثة المجوسي القود
منه؛ لأنهم كلهم أهل ذمة.
وأما مسلم/ جرح مسلما، فارتد المجروح، ثم نزي فيه، فمات؛ فاجتمع الناس على
أنه لا يقاد منه؛ لأنه صار إلى ما حل فيه دمه، والذمي لم يصر إلى ما يبيح
دمه.
ولو جنى مسلم، على مجوسي، ثم تهود المجوسي، ثم نزي جرحه، فمات؛ فاجتمع
الناس على أنه لا يقاد منه؛ لأنه صار إلى ما حل فيه دمه، والذمي لم يصر إلى
ما يبيح دمه.
ولو جنى مسلم، على مجوسي، ثم تهود المجوسي، ثم نزي جرحه، فمات؛ ففي قول
أشهب على المسلم فيه دية مجوسي، وفي قول ابن القاسم، وعبد الملك؛ دية
يهودي. قال سحنون: وإذا قطع نصراني يد نصراني، ثم تهود الجاني، فبرئ
المجروح، فمات، وأقسم ولاته: لمات منه. فإنه تفرض ديته على أهل الدين الذي
ارتد إليه، ولا ينبغي أن تفرض دية جرح أو يد، قبل البرء، وذلك خطأً، ومردود
إن فعل.
قال: وإذا شجه مأمومة خطأ، وسألني النصراني؛ أن أفرض ديتها على عاقلة
النصراني، فذلك له، وأجعل له ذلك، ثم إن مات المجروح من جرحه، حلف ورثته:
لمات منها، وحملت العاقلة باقي الدية. هذا قول أشهب؛ في المسلم، وفي
النصراني، وبه أقول، وابن القاسم لا يرى ذلك له، حتى ينظر ما تؤول إليه.
وأنا أرى أن يعجل له. وكذلك كل جرح تحمله العاقلة.
وكذلك في قطع الحشفة خطأً، وأما الموضحة، فلا إلا مواضح، أو مناقل خطأً؛
تبلغ ثلث الدية، على قوم النصراني؛ على هذا القول. ثم نزى في ذلك. فمات
فحلف ورثته: لمات منه، وقد ارتد الجاني، إلى اليهودية، فرض ثلثا الدية على
أهل الدين الذي ارتد إليه، وثلث الثلث الأول على النصارى.
وأما في قول ابن القاسم؛ فجميع الدية على اليهود؛ لأنه لا يفرض في المأمومة
وشبهها على العاقلة، إلا بعد التناهي.
قلت لسحنون: قال بعض الناس: إذا جنى نصراني على مسلم، أو ذمي موضحة، ثم
أسلم الجاني، ومات المجني عليه، فليضمن عاقلة الجاني في النصارى
(13/550)
أرش الموضحة، ويضمن الجاني في ماله، ما زاد
على أرشها، ولا يضمن النصارى، ما زادت جنايته وهو مسلم، وكذلك/ لو أسلم هو،
وعاقلته، لم يلزمهم إلا ما لزمه وهو على دينهم.
قال: هذا خطأً، لأن ما لزم عاقلة النصراني، إذا حكم به ثبت بثبوت الدين؛ لا
يدخل فيه من عتق، أو أيسر من عدم. وما حدث له من جناية بعد إسلامه، أو تولد
على الجناية الأولى، فيؤتنف فيه النظر، يوم الحكم، فيلزم عاقلته من
المسلمين، ولو لم تفرض الدية في جنايته على النصارى، وتترتب حتى أسلم، لم
يلزمهم، ولزمت عاقلته من المسلمين، يوم النظر فيها.
وقد كان قال: هي على النصارى كأم الولد لا ينظر في جنايتها، حتى يموت السيد
فقال ابن القاسم: هي على السيد. ثم اختار سحنون؛ أن لا شيء على السيد، وذلك
عليها.
ولو لم ينظر في جناية المسلم، حتى ارتد، فإنه يستتاب، فإن تاب (1): حملتها
عاقلته، وإن قتل، فذلك في ماله؛ في قول سحنون، وقال: لأنه لو جنى على مسلم،
في ردته، ثم تاب، أخذ في عمده بما يؤخذ به المسلم، وأما في الخطأ؛ ففي
قولي: ذلك في ماله؛ لأنه يوم جنى، لا علاقة له. وابن القاسم يرى عاقلته من
يرثه فيرى أن تحمل ذلك عاقلته في هذا وإن كان نصرانيا؛ حكم فيه كالحكم بين
مسلم ونصراني. وإن قتل، فالقتل يأتي على ذلك كله إلا الفدية.
قال ابن سحنون: وقال سحنون بقول ابن القاسم. وهي رواية عيسى، عنه؛ أنه إن
جنى في ردته؛ قتلا خطأً، فذلك في ثلث المال، إن قتل على ردته، وإن أسلم،
فعلى عاقلته.
__________
(1) حرفت في الأصل إلى قوله (فإن قلت).
(13/551)
قال يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم: وإن جنى
عليه، في ردته، ففعل ذلك، إن قتل لبيت المال، والعمد فيه كالخطأ؛ لا قود
فيه، ولو كان الجارح نصرانيا؛ لأن المرتد لا دين له يقر عليه، فمات عليه.
وروى المصريون، عن ابن القاسم، في المرتد يعدو عليه رجل، فيقتله؛ قال: على
عاقلته/ الدية، والعقوبة الشديدة. وإن قتل هو رجلا خطأً، فديته على
المسلمين.
قالوا: فإن كان عمداً، وله ها هنا مال، وهرب إلى أرض الحرب، فلا شيء لولاة
المقتول في ماله.
قلت: قال بعض الناس- يعني الشافعي- في المرتد، رمى بسهم، فأصاب به رجلاً
خطأً، ولم يقع فيه السهم حتى أسلم المرتد: إن هذا في ماله؛ لا تحمله
العاقلة؛ لأن الرمية خرجت، ولا عاقلة له.
وقال: أصاب في أنه لا عاقلة للمرتد. إلا أني إنما أنظر إلى الجناية، في وقت
تفرض على العاقلة، وهذه لم يحكم فيها حتى أسلم، وله الآن عاقلة، فذلك
عليهم، كالخطأ.
وقد قال أصحابنا؛ ابن القاسم، وغيره: إن جنى خطأً، ثم أسلم، وله الآن
عاقلة، فذلك، عليهم كالخطأ؛ أن عاقلته تحمل ذلك وكذلك هذا عندهم أجمعين.
قال سحنون: وفي قوله الأول؛ هي في ماله على أن ينظر إلى الجناية، يوم وقعت،
لا يوم الحكم. وذلك كقول الشافعي.
ألا ترى أن سحنوناً يقول، في عبد رمى رجلاً بسهم، فأعتق قبل وصول سهمه: إن
الجناية في رقبته؛ لأنه عبد يوم الرمية؟. فجعل الحكم بخروج الرمية، لا
بوقوع السهم؛ في هذا القول. وقال في مسلم رمى مرتداً، فلم يصل إليه السهم
حتى أسلم، ثم وصل إليه؛ فقتله، أو جرحه؛ فلا قصاص على الرامي؛ لأنه يرميه
في وقت لا قود فيه، ولا عقل.
(13/552)
في قول ابن القاسم؛ إن مات؛ الدية حالة في
ماله، وإن لم يمت، فدية الجرح في ماله حلال؛ لأنه جرح، وهو مرتد، ثم نزى
(1) من جرحه، فمات بعد أن أسلم: إن ولاته يقسمون؛ لمات منه. وتكون ديته في
ماله. ألا تراه لو رمى صيدا، وهو حلال، فلم تصل إليه الرمية، حتى أحرم، ثم
وصلت إليه، وقتلته؛ أن عليه جزاءه.
قال ابن سحنون: هذا قول جماعة من العلماء، واختلفوا في دية هذا المرتد؛ فمن
أصحابنا من قال: ديته دية من على الدين الذي ارتد إليه. وقال/ ابن القاسم:
ديته دية مسلم. وبه قال سحنون، وكذلك لو كان المرمي نصرانيا، فأسلم قبل
وصول الرمية إليه؛ إنه لا قصاص فيه، وفيه دية مسلم؛ في قول ابن القاسم. وفي
جرحه؛ إن لم يمت دية جرح مسلم. وفي قول أشهب؛ ديته دية نصراني. وينبغي على
قوله إن لو كان مرتدا، فأسلم قبل وقوع الرمية؛ أن لا قود فيه، ولا دية؛
لأنه يوم الرمية مباح الدم. وقد قاله سحنون، في عبد رمى رجلا، ثم أعتق قبل
وصول رميته؛ أن جنايته جناية عبده.
وقال أصحابنا أجمع، في مسلم قطع يد نصراني، ثم أسلم، ثم مات: إنه لا قود
على المسلم. فإن شاء أولياؤه، أخذوا دية يده؛ دية يد نصراني، فعلوا، وإن
أحبوا أقسموا، ولهم دية مسلم؛ في مال الجاني حالة؛ في قول ابن القاسم، وقول
سحنون.
وقال أشهب: دية نصراني؛ لأني أنظر إلى وقت الضربة.
وإن كانت الجناية خطأَ، ولم يقسم ورثته، فلهم دية نصراني على عاقلة الجاني.
وإذا أقسموا، فلهم دية يد نصراني، على عاقلة، في ثلاث سنين.
وفي قول ابن القاسم، وسحنون؛ دية مسلم على عاقلته.
__________
(1) حرفت كلمة (نزى) في الأصل إلى (برئ).
(13/553)
قال سحنون: وإن قطع رجل يد عبد، ثم أعتقه،
ثم برئ في القطع، فمات؛ إنه لا شيء على القاطع منه؛ لأنه صار مباح الدم،
يوم مات.
وفي قوله: الأول إن عليه لسيده ما نقصته الجناية، يوم القطع.
وروي عن سحنون، عن أشهب؛ أن عقل المرتد، عقل المجوسي؛ في العمد والخطأ؛ في
نفسه أو جراحه. رجع إلى الإسلام، أو قتل على ردته، وذكر مثله عن ابن
القاسم، وأصبغ، وروى سحنون، عن أشهب، قال: عقله عقل الدين الذي ارتد إليه.
ففي مذهب أشهب، الذي رواه عنه سحنون؛ على الجاني قيمة العبد؛ عبداً لمعتقه،
يوم الجناية.
وفي قول ابن القاسم؛/ ليست [له] (1) قرابة يرثونه، فيحلفون؛ لاستحقاق ديته
حرا، دية الدين الذي ارتد إليه، فلما لم يكن له من يرثه، بطلت اليمين، ثم
رجعت اليمين على القاتل، ما مات من القطع، ثم يغرم ما نقصه القطع لسيده.
ولو عاد إلى الإسلام، ثم مات من الجرح، فليحلف ورثته، في قولي، وقول ابن
القاسم؛ لما مات من الجرح، ثم تكون دية حر مسلم، في مال الجاني. وفي قول
أشهب؛ تكون قيمته عبداً، يوم الجناية، لمعتقه.
وفي باب بعد هذا؛ في المعاهد يخرج؛ شيء من ذكر أمر ردة المجروح.
ومن المجموعة، قال ابن نافع، وعبد الملك، في عبد جرح عبداً، ثم أعتق: إن
لسيد المجروح القود، إذا كان الجرح في الرق.
قال ابن القاسم، وعبد الملك: وإن جرح حر مسلم عبداً أو نصرانياً، ثم عتق
هذا، أو أسلم هذا، ثم نزى في جرحه، فمات فلا قود فيه، وجميع الدية لورثته؛
لأنه إنما هو مقتول يوم مات.
قال عبد الملك ومن جرح مسلما عمداً، ثم تنصر المجروح، فلا دية في هذا، ولا
قود، وكأنه قتله في كفر، ويؤدب.
__________
(1)
(13/554)
قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون: وقاله لي
أصبغ، عن ابن القاسم، في مسلم جرح نصرانيا، أو عبداً، ثم يسلم النصراني، أو
يعتق العبد، ثم يموت: إن الدية كاملة على الجارح، في ماله.
ومن العتبية (1)، روى سحنون، عن ابن القاسم، فيمن جرح نصرانيا، أو عبداً،
ثم عتق العبد، وأسلم النصراني، ثم قالا بعد ذلك: دمنا عند فلان. فإن كان
للذي أسلم أولياء مسلمون، أو للعبد المعتق أولياء أحرار؛ من ولد أو موالى،
أقسموا، وأخذوا الدية؛ ألف دينار؛ لورثته الذين أقسموا، وهي في مال الجاني.
وإما لو لم يسلم، ثم قال: قتلني فلان. ثم مات، فلا شيء فيه؛ لا بيمين، ولا
بقسامة، إلا أن يقوم شاهد- يريد: على الجرح- فليحلف أولياؤه يميناً واحدة،
ويأخذوا الدية، وهذا خلاف لقول/ له هناك، قبل ذلك.
وقال، فيمن قال: قتلت فلانا خطأ: إنه لوث (2). فإن شهد على إقراره رجل أنه
أقر، أقسم مع شاهده هذا، ثم رجع، فقال: بل حتى يقوم على إقراره شاهدان.
وروى عيسى، عن ابن القاسم، في عبد جرح، فأعتقه سيده، وهو مجروح، ثم نزي
فيه، فيموت؛ قال مالك: فعقله عقل الحر؛ كان عمداً أو خطأً. وذلك بقسامة،
ولا يقبل منه في العمد الشبهة التي فيه، ولو قال قائل: ديته دية عبد، كان
له مطعن. فلذلك رأيت في العمد والخطأ الدية.
قال: ولو أنفذ الجارح مقاتلة، ثم أعتق، فإن هو يورث بالحرية، قسموا؛ أنفذ
مقاتله أم لا. وفيه الدية كاملة.
__________
(1) البيان والتحصيل، 16: 42.
(2) اللوث: هو أمر ينشأ عنه غلبة الظن بصدق المدعي ويعبر عنه باللطخ.
(13/555)
قال أشهب، في كتاب ابن سحنون: قال ابن
الماجشون، في عبد شج موضحة، فترامت إلى منقلة، بعد عتقه: إنه يكون لسيده
نصف عشر قيمته، ويكون في التنامي (1) ما بين منقلة حر إلى موضحته.
قال ابن سحنون: معناه عندي؛ أن يكون الجارح عبدا، فأما إن كان حرا، فليس في
ذلك كله إلا منقلة حر؛ لأن ذلك من الحر، في العبد، كالخطأ. وذلك في الخطأ
راجع إلى ما قلنا.
وبقية هذا الباب، في الجزء الأول.
في العبد يجرح، ثم يعتق، ثم يجرح، ثم يموت
بعد ذلك، والجرحان خطأً، أو عمداً، أو أحدهما
من كتاب ابن سحنون، قال سحنون: وإذا قطع رجل يد عبد خطأ، ثم عتق، ثم قطع
آخر رجله ثم نزي؛ فمات من الجرحين؛ ففي قول ابن القاسم؛ يقسم ورثته؛ لمات
من الجرحين جميعاً، ثم يأخذون دية حر من الرجلين؛ النصف من عاقلة كل واحد
منهما في ثلاث سنين. وإن أبوا القسامة، أخذوا من الثاني نصف الدية في ثلاث
سنين. ومن الأول ما نقصه الجرح يوم الجناية. وهو عبد هذا، كان أولياؤه
أعتقوع.
فأما إن كان له ورثة، كان/ ما نقصته الجناية لسيده، وإن كانت الجناية
الأولى عمداً والثانية خطأً قيل لورثته: إن شئتم، فأقسموا على الجاني
الأول، والثاني، وخذوا من الأول نصف دية حر في ماله حالة، ومن عقل عاقلة
الثاني نصف دية حر في سنتين.
وإن شاؤوا أقسموا؛ لمات من الجرح الثاني، وأخذوا جميع الدية من عاقلته، ومن
الأول ما نقص الجرح من العبد، يوم الجراحة.
__________
(1) كذا في ع وكتبت في الأصل (في التناهي).
(13/556)
فإن لم يكن له ورثة، أخذ جميع قيمة الجرح
السيد.
قال: وإن كان جرحه الأول خطأً، وهو عبد، وجرحه الثاني عمداً، بعد أن عتق،
فإن أقسموا على الأول، أخذوا دية حر من ماله حالة، واقتصوا من جرح الثاني،
وإن لم يقسموا إلا على الثاني، فلهم قتله (1)، ويأخذون من الأول ما نقصه
الجرح، من مال، إن كان ولاته من أعتقه.
وإن كان له ورثة، فأرش الجرح للسيد.
قلت: أليس هذا مثل ما أنكرت على الشافعي، من الحكم، في نفس، بقتل، وأرش؟
قال: لا؛ [لأن هذين جانبان، وذلك جان] (2) واحد.،
فلو قال: قطع رجل يد رجل واحد عمدا، ثم قتله آخر، لكان القصاص في اليد من
هذا، وفي النفس من هذا. ولا يكون هذا في جان واحد.
قال: ولو كان في المسألة الأولى الجانبان عمداً، فلهم أن يقسموا؛ لمات من
الجرح الأول، ويأخذوا من ماله دية حر، ويقتسموا من جرح الثاني.
وإن أقسموا على الثاني، قتلوه، ولهم ما نقص جرح الأول، إن كان ولاته عتقوه،
وإلا فأرش ما نقصه؛ لسيده.
قال سحنون: ولو قطع رجل يد عبد، ثم عتق، فقطع آخر رجله، ثم آخر، يده
الأخرى، ثم نزي في ذلك كله، فمات، فإن كانت جنايتهم خطأً، أقسم ولاته؛ لمات
منها كلها، وأخذوا من عاقلة كل جان من الجانيين، بعد الأول نصف الدية، وعلى
الأول ما نقصه يوم الجناية، للسيد. وإن كانت الجنايتان (3) بعد العتق
عمداً، فلهم أن يقسموا على أحدهما، ويقتلوه، ويقتصوا من الآخر/ جرحه. وعلى
الأول ما نقصته جنايته عبداً (4)، ثم يوم جنى يأخذه السيد.
__________
(1) كذا في ع وكتبت في الأصل (فلهم ذلك).
(2) كتبت في الأصل سهوا من الناسخ (لأن هذين جانيين وذلك جاني) والصواب ما
أثبتناه.
(3) في الأصل (وإن كانت الجنايتين) والصواب ما أثبتناه.
(4) في ع (عمدا) عوض (عبدا).
(13/557)
وإن شاء ولاته، إما ورثته، أو معتقوه، أن
يقسموا؛ لمات من جناية الأول، فعلوا، وأخذوا من ماله دية حر حالة، ويقتصوا
من الثاني والثالث.
وإن كانت الأولى والثانية خطأ، والثالثة عمداً، وأولياؤه عصبة، فلهم أن
يقسموا على الثالث، ويقتلونه. ولهم على عاقلة الثاني نصف دية الحر؛ في
سنتين. وللسيد على الأول ما نقصه، وإن شاء عصبته أقسموا؛ لمات من جرح الأول
والاني، وكان لهم على عاقلتهما الدية؛ نصفها على كل عاقلة، في ثلاث سنين،
ويقتصون من الثالث، فذلك لهم.
وإن كانت الثلاث الجنايات (1) عمداً، فإن شاؤوا أقسموا؛ لمات من جناية
الأول، الذي جنى عليه، في رقه، وأخذوا من ماله دية حر حالة، واقتصوا من
الجانيين عليه، بعد حريته، وإن شاؤوا أقسموا على أحد الجانيين؛ في حريته،
فقتلوه، واقتصوا من الآخر، وكان لمعتقه على الأول ما نقصه، وإن أبى ورثته
أن يقسموا على أحد، فلهم القصاص من الجانيين، بعد حريته، وللسيد في الجناية
الأولى؛ في الرق ما نقصه.
وفي الباب الذي قبل هذا، ذكر قول ابن القاسم، وأشهب، واختلافهما في مثل هذا
المعنى، واختيار سحنون.
في المعاهد الحربي؛ يجرح، ثم ينكث، ثم يؤمن
أو يسبى، ثم ينزى في جرحه
فيموت، وقد جرحه مسلم أو ذمي
من كتاب ابن سحنون، عن أبيه: وإذا قطع الذمي يد معاهد، أو جرحه، في دار
الإسلام، ثم لحق المجروح بأرض الحرب، ناقضا للعهد، فنزي في جرحه، فمات،
فلورثته القصاص من الجرح، وليس لهم القتل، بأيمانهم، ولو أنه رجع،
__________
(1) كذا في ع وكتبت خطأ في الأصل الثلاثة جنايات والصواب ما أثبتناه.
(13/558)
وأعطاه الإمام أيضاً عهداً، ثم نزي في
جرحه، فمات، فلا قود على الجاني في القتل، وليس لهم أن يحلفوا، ويقتلوه؛
لأن وليهم ساقط الدم؛ بنقضه/ العهد، ولا يعود برجوعه، كما لو مات في نكثه،
لم يكن فيه قود، ولورثته إن شاؤوا القصاص من الجاني، في اليد والجراح، واما
في القتل، فلا.
قال في موضع آخر، من الكتاب: وإن حلفوا؛ لمات من الجراح، فلهم ديته، على
الجاني؛ في ماله؛ دية ذمي تامة. وفي قول أشهب؛ يقتل الجاني- يريد:
بأيمانهم-. قال: لأنه إنما ينظر إلى يوم موته، وفي موضع آخر من الكتاب،
قال: وفي قول أشهب؛ يقتل الجاني؛ لأن الجناية كانت في وقت بينهما فيه، فكان
في النفس بينهما أيضا.
قال سحنون: ألا ترى أن قطع مسلم يد مسلم، ثم ارتد المقطوع، ثم رجع إلى
الإسلام، ثم مات؟؛ فغير أشهب يرى أن لورثته قطع يد الجاني، وليس لهم
القسامة؛ لمات من ذلك، ويقتلونه ولهم أن يقسموا؛ لمات من ذلك، ويأخذوا
الدية، وفي القول الآخر؛ لهم أن يقسموا، ويقتلوا، وإن اصطلحوا على الدية،
فهي دية مسلم، لأن الضربة إنما تراعى في وقتها.
قال ابن سحنون: والدية ها هنا دية مسلم؛ في قول عبد الرحمن، وعبد الملك،
وسحنون؛ لأنهم قالوا: لو قطع مسلم يد نصراني، ثم أسلم، فنزي في جرحه، فمات؛
إن لورثة النصراني الذي أسلم، إن كانوا مسلمين، أن يقسموا؛ لمات من جرحه،
ويأخذوا ديته؛ دية مسلم.
قال: ولو أن مسلما أو حربياً، جرح معاهداً، ثم لحق المجروح ببلد الحرب، ثم
سباه المسلمون، ثم مات، فلا قود فيه على الذمي الجاني عليه؛ في النفس،
ويقتص منه في الجرح، وتكون دية يده نصف دية نصراني؛ فيئا للمسلمين؛ في قول
عبد الرحمن، وقال غيره: تكون دية يده لورثته.
قال: ولو أسلم بعد ما صار في يدي من صار إليه، ثم مات عبداً، فلا قصاص له
على الذمي؛ في النفس؛ لأنه مات عبدا، ولورثته القصاص من يده.
(13/559)
فيمن أعتق أحد عبديه، أو أوصى ميت بعتقهما؛
ما حكمهما في الجراح، والقتل، والميراث قبل إنفاذ الحرية؟ /
من العتبية (1)، روى عيسى، عن ابن القاسم، فيمن قال وهو صحيح: أحد عبدي حر.
فقتلهما أو أحدهما رجل، قبل أن يسأل السيد؛ من أراد؟ فقال السيد الآن: كنت
أردت المقتول.
قال: لا يصدق في الدية، وليس له فيه إلا قيمته عبداً، ويصدق؛ أنه الحر،
والباقي الرقيق.
قال سحنون: ويحلف.
وإن قال: أردت الباقي. حلف، وعتق من رأس ماله.
ولو مرض، فقال: لم أكن أردت واحداً منهما بعينه. ففيه تنازع، وأولى أن يعتق
الباقي من أرس المال.
قال عيسى، عن ابن القاسم: إن قال: لم أنو واحداً بعينه. عتق الباقي، وكان
له في المقتول قيمة عبده.
ولو كانت زوجتين، طلقت الباقية. ولو قال: أردت الميتة، فله إمساك الباقية.
ولو قتل العبدين رجل، أو رجلان، فقال السيد: قد كنت أعتقت أحدهما، لم يكن
له إلا قيمتهما؛ عبدين.
ولو قال: لم أكن أعتقت واحداً. فكذلك، ولهما حكم العبيد، بعد قوله: أحدكما
حر. وكذلك لو قال ذلك في وصيته، ومات، فلهما حكم العبيد إن قتلا، حتى ينفذ
في الثلث أحدهما.
__________
(1) البيان والتحصيل، 15: 491.
(13/560)
ولو قال: مات أحدهما، أو قتل. عتق الباقي
في الثلث.
وفي أبواب العتق بالسهم من معاني هذا الباب، وفي الوصايا.
فيمن قتل من لزمه القتل؛ من مرتد، أو زنديق، أو قطع
يد سارق، ونحوه. والمرتد يقتل مسلما، أو نصرانياً
أو يجرحه، ومن قتله الخوارج
من العتبية (1)، قال سحنون، فيمن قتل مرتدا عمدا: فلا دية عليه، ولا قتل؛
قتله مسلم أو نصراني.
وكان عبد العزيز لا يرى استتابة المرتد، ويقتله، ويذكره عن معاذ.
قال: ويؤدب القاتل؛ بما افتات على الإمام.
وقال أبو إسحاق البرقي، عن ابن القاسم، وأشهب: عقل المرتد في العمد والخطأ؛
عقل مجوسي؛ في النفس والجراح؛ رجع إلى الإسلام/، أو قتل. وقاله أصبغ، وأنكر
هذا سحنون، وذكر عن أشهب؛ أن عقله عقل الدين الذي ارتد إليه. وقد تقدم هذا
في باب آخر، في الجزء الأول.
ومن كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم: ومن قتل زنديقا، فلا عقل عليه، ولا
قصاص، ولا دية. وكذلك من قطع سارقا، لزمه القطع، ويؤدب. وذلك أنه حق لابد
أن يقام؛ لا تخيير فيه، ولا عفو. ولو قطع السارق خطأً، ففيه العقل.
قال ابن المواز: كل من أقام حداً، وجب لله- تعالى- فلا شيء فيه إلا الأدب؛
لما افتات على الإمام. وأما ما كان للعباد، وربما سقط بعفو أو غيره، فيأخذه
من ليس له الحق بولاية، فلا يبطل ذلك حق ذي الحق. وإن أخذه من له الحق،
بغير إذن السلطان، جاز له. وعليه الأدب.
__________
(1) البيان والتحصيل، 16: 56.
(13/561)
ومن قتل مرتداً عمداً، فقال ابن القاسم: إن
تنصر، فعلى عاقلة العاقل دية نصراني. وإن تمجس، فدية مجوسي؛ في مال الجاني،
مع الأدب.
ولو أن المرتد قتل مسلما خطأ، فالدية عنه في بيت المسلمين؛ لأن المسلمين
يرثونه، وإن قتله عمدا، وهرب إلى بلد الحرب، وترك مالاً، فليس شيء للولاة
في ماله.
قال ابن القاسم: ولو جرح المرتد نصرانيا أو قتله، اقتص منه بالقتل أو
الجراح. وإن جرح مسلماً؛ لم يقتص منه، وإن قتل مسلماً، قتل به، وإذا جرح
المرتد أو قتل، ثم رجع إلى الإسلام، فانظر؛ فإن كان قتل نصرانيا، لم يقتل
به، وإن قتل حرا مسلما أو جرحه، [اقتص] منه بالقتل أو الجرح إذا أسلم.
قال مالك: وليس على من قتل من الخوارج أحداً؛ على تأويل القرآن قصاص، وأما
إن أخذوا مالاً، أخذ منهم.
تم الجزء الثاني من أحكام الدماء
وبه انتهى الجزء الثالث عشر
من كتاب النوادر والزيادات
يليه الجزء الرابع عشر
وأوله كتاب القصاص:
الثالث من أحكام الدماء
(13/562)
بسم الله الرحمن الرحيم
خاتمة أجزاء
كتاب النوادر والزيادات
... نحمد الله تعالى على أن يسر اخراج هذا الجزء الرابع عشر، الخير من
كتاب النوادر والزيادات لأبي محمد عبد الله بن أبي زيد القيروانى، فتم
بذلك- أول مره- نشر هذا الكتاب الذي مضي على تأليفه زهاء مائه وألف
عام.
إذا كان كتاب النوادر والزيادات يعد بحق من أهم أمهات الفقه المالكي،
والسجل الأمين الجامع لما أنتجه فقهاء المالكيه المجتهدون طوال ثلاثه
قرون في المشرق والمغرب عموماً، وفي بلاد الأندلس وإفريقيه خصوصاً، مما
تحتوي عليه مدونه سحنون، فإن مزيه النوادر الكبرى وأهميتها العظمى
تتجلى في حفاظها على نصوص كثيرة من مصنفات مالكيه ألفت قبلها وضاعت
جمله أو بقي منها نُتفٌ تكفل بالكشف عنها ودراستها دراسه أوليه الستشرق
الألمانى ميكلوش موراني في كتابه دراسات في مصادر الفقه المالكي.
(14/5)
لقد بدأ التفكير في نشر كتاب النوادر من
طرف دار الغرب الإسلامي ببيروت منذ نحو عشرين سنة، فجُمعت في القاهرة
صُور مخطوطات الكتاب وخرومه من جميع الجهات، وهي على العموم ناقصة او
ملفقة أو عبارة عن قطع صغيرة من ابواب مختلفة، ولكنها مع ذلك تغطَي
مجتمعةً نصٌ كتاب النوادر كاملاً. وتتميز من بينها مخطوطة إستنبول
المجَزأة إلى عشرين جزءاً بتسلسل نصها من بداية الكتاب إلى قرب نهايته
(اثناء كتاب القسامه) - على ما فيها من تصحيف كثير وطمس وفقد لوحات- لم
يضع منها سوى الجزء العشرين الأخير في التتجزئه. ووُجد له بديل في
الجزء الخامس من مخطوطة الصادقية بالمكتبه الوطنية بتونس, الاٌ أنه
كثير التصحيف تتخله بياضات في أسفل معظم الصفحات.
وكان مما يشغل البال أيضاً أن معظم النصوص التي وقع العثور عليها تتعلق
بالعبادات, حيث تتكرر نسخ الطهاره والصلاة والصيام والحج الخ فتنيف على
خمس نسخ, لكن يقل العدد في كتب المعاملات حتى لاتوجد احياناً ولونسخة
واحدة للمقابلة كما هو الشأن في كتب الوصايا بالجزء الحادى عشر, ومع
ذلك شُرع في تحقيق كتاب النوادر في مصر, عبد الفتاح محمد الحلو.
ولما كلفتُ بمتابعة عملية التحقيق عملت اولاً على إغناء النسخ التي
جاءتني من القاهره بصور مخطوطات اخرى لكتاب النوادر محفوظه فى الخزائن
المغربية أشرت اليها في مقدمة الجزء الثالث, ثم حرصت على توزيع
(14/6)
الأجزاء السليمة نسبيٌاً بيني وبين الزملاء
الذين قبلوا التعاون معي لتسير عملية تحقيق الكتاب قَدُماً. وتركت
الجزء الأخير علّني اعثر على نصوص خطية اخرى تساعد على المقابلة وملء
الفراغات, وقد اقتنعت بعدم جدوى إخراج هذا الجزء مبتوراً مهلهلاً على
نحو ما هو عليه في مخطوطة تونس. ولحسن الحظ وقفت على مخطوطة جيّد في
مخطوط جيّد في الخزنة العامة بالرباط يشتمل على كتب الدماء ويتوقف
مبتورا أثناء كتاب الأشربة, زمخطوط آخر عتيق في خزنة القروين يستمر إلى
نهايه الكتاب, لكنه ينقصه كتاب القطع في السرقة. واكتمل الحظ بمخطوطة
القيروان المشتملة على هذا الكتاب الناقص وهي عتيقة ربما يرجع تاريخ
نسخها الى عصر المؤلف, لكن الرطوبه عاثت فيها فساداً, فلم يعد بالإمكان
قراءتها الاّ تحت أضواء كاشفة وعدسيات مكبرة قوية.
وأخيراً ها هو الجزء الرابع عشر يصدر منسجماً مع الأجزاء الأ خرى,
ليكتمل به كتاب النوادر والزيادات على ما غي المدونة من غيرها من الأ
مهات الذي طالما تشوّف اليه الفقهاء والمهتمون بالتراث الإ سلامي.
واللهُ ولىّ التوفيق.
سلا في 12 ذي الحجة عام 1419/ 30 مارس 1999
محمد حجي
(14/7)
|