بداية
المجتهد ونهاية المقتصد ط الحلبي
كتاب بيع العرية
اختلف الفقهاء في معنى العرية والرخصة التي
أتت فيها في السنة فحكى القاضي أبو محمد عبد
الوهاب المالكي أن العرية في مذهب مالك هي أن
يهب الرجل ثمرة نخلة أو نخلات من حائطه لرجل
بعينه فيجوز للمعري شراؤها من المعرى له
بخرصها تمرا على شروط أربعة أحدها أن تزهى.
والثاني أن تكون خمسة أوسق فما دون فإن زادت
فلا يجوز.
والثالث أن يعطيه التمر الذي يشتريها به عند
الجذاذ فإن أعطاه نقدا لم يجز.
الرابع أن يكون التمر
(2/216)
من صنف تمر
العرية ونوعها فعلى مذهب مالك الرخصة في
العرية إنما هي في حق المعرى فقط والرخصة فيها
إنما هي استثناؤها من المزابنة وهي بيع الرطب
بالتمر الجاف الذي ورد النهي عنه ومن صنفي
الربا أيضا أعني التفاضل والنساء وذلك أن بيع
ثمر معلوم الكيل بثمر معلوم بالتخمين وهو
الخرص فيدخله بيع الجنس الواحد متفاضلا وهو
أيضا ثمر بثمر إلى أجل.
فهذا هو مذهب مالك فيما هي العرية وما هي
الرخصة فيها ولمن الرخصة فيها وأما الشافعي
فمعنى الرخصة الواردة عنده فيها ليست للمعري
خاصة وإنما هي لكل أحد من الناس أراد أن يشتري
هذا القدر من الثمر أعني الخمسة أوسق أو ما
دون ذلك بتمر مثلها وروي أن الرخصة فيها إنما
هي معلقة بهذا القدر من التمر لضرورة الناس أن
يأكلوا رطبا وذلك لمن ليس عنده رطب ولا تمر
يشتري به الرطب.
والشافعي يشترط في إعطاء التمر الذي تباع به
العرية أن يكون نقدا ويقول إن تفرقا قبل القبض
فسد البيع.
والعرية جائزة عند مالك في كل ما ييبس ويدخر
وهي عند الشافعي في التمر والعنب فقط ولا خلاف
في جوازها فيما
دون الخمسة الأوسق عند مالك والشافعي وعنهما
الخلاف إذا كانت خمسة أوسق فروي الجواز عنهما
والمنع والأشهر عند مالك الجواز.
فالشافعي يخالف مالكا في العرية في أربعة
مواضع أحدها في سبب الرخصة كما قلنا.
والثاني أن العرية التي رخص فيها ليست هبة
وإنما سميت هبة على التجوز.
والثالث في اشتراط النقد عند البيع.
والرابع في محلها.
فهي عنده كما قلنا في التمر والعنب فقط وعند
مالك في كل ما يدخر وييبس.
وأما أحمد بن حنبل فيوافق مالكا في أن العرية
عنده هي الهبة ويخالفه في أن الرخصة إنما هي
عنده فيها للموهوب له أعني المعرى له لا
المعري وذلك أنه يرى أن له أن يبيعها ممن شاء
بهذه الصفة لا من المعري خاصة كما ذهب إليه
مالك.
وأما أبو حنيفة فيوافق مالكا في أن العرية هي
الهبة ويخالفه في صفة الرخصة وذلك أن الرخصة
عنده فيها ليست هي من باب استثنائها من
المزابنة ولا هي في الجملة في البيع وإنما
(2/217)
الرخصة فيها
عنده من باب رجوع الواهب في هبته إذا كان
الموهوب له لم يقبضها وليست عنده ببيع وإنما
هي رجوع في الهبة على صفة مخصوصة وهو أن يعطى
بدلها تمرا بخرصها.
وعمدة مذهب مالك في العرية أنها بالصفة التي
ذكر سنتها المشهورة عندهم بالمدينة قالوا وأصل
هذا أن الرجل كان يهب النخلات من حائطه فيشق
عليه دخول الموهوب له عليه فأبيح له أن
يشتريها بخرصها تمرا عند الجذاذ.
ومن الحجة له في أن الرخصة إنما هي للمعري
حديث سهل بن أبي حثمة "أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم نهى عن بيع التمر بالرطب إلا أنه
رخص في العرية أن تباع بخرصها يأكلها أهلها
رطبا" قالوا فقوله يأكلها رطبا دليل على أن
ذلك خاص بمعريها لأنهم في ظاهر هذا القول
أهلها.
ويمكن أن يقال إن أهلها هم الذين اشتروها
كائنا من كان لكن قوله رطبا هو تعليل لا يناسب
المعرى وعلى مذهب الشافعي هو مناسب وهم الذين
ليس عندهم رطب ولا تمر يشترونها به ولذلك كانت
الحجة للشافعي.
وأما أن العرية عنده هي الهبة فالدليل على ذلك
من اللغة فإن أهل اللغة قالوا العرية هي الهبة
واختلف في تسميتها بذلك فقيل لأنها عريت من
الثمن وقيل إنها مأخوذة من عروت الرجل أعروه
إذا سألته ومنه قوله تعالى :{ وَأَطْعِمُوا
الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ } وإنما اشترط مالك
نقد الثمن عند الجذاذ أعني تأخيره إلى ذلك
الوقت لأنه تمر ورد الشرع بخرصه فكان من سنته
أن يتأجل إلى الجذاذ أصله الزكاة وفيه ضعف
لأنه مصادمة بالقياس لأصل السنة.
وعنده أنه إذا تطوع بعد تمام العقد بتعجيل
التمر جاز وأما اشتراطه جوازها في الخمسة
الأوسق أو فيما دونها فلما رواه عن أبي هريرة
"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص في بيع
العرايا بخرصها فيما دون خمسة أوسق أو في خمسة
أوسق" وإنما كان عن مالك في الخمسة الأوسق
روايتان لأن الشك الواقع في هذا الحديث من
الراوي.
وأما اشتراطه أن يكون من ذلك الصنف بعينه إذا
يبس فلما روي عن زيد بن ثابت " أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم رخص لصاحب العرية أن
يبيعها بخرصها تمرا" خرجه مسلم.
وأما الشافعي فعمدته حديث رافع بن خديج وسهل
بن أبي حثمة عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنه
نهى عن المزابنة التمر بالتمر إلا أصحاب
العرايا " فإنه
(2/218)
أذن لهم فيه
وقوله :" فيها يأكلها أهلها رطبا".
والعرية عندهم هي اسم لما دون الخمسة الأوسق
من التمر وذلك أنه لما كان العرف عندهم أن يهب
الرجل في الغالب من نخلاته هذا القدر فما دونه
خص هذا القدر الذي جاءت فيه الرخصة باسم الهبة
لموافقته في القدر للهبة وقد احتج لمذهبه بما
رواه بإسناد منقطع عن محمود بن لبيد أنه قال
لرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
إما زيد بن ثابت وإما غيره ما عراياكم هذه قال
فسمى رجالا محتاجين من الأنصار شكوا إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم أن الرطب أتى وليس
بأيديهم نقد يبتاعون به الرطب فيأكلونه مع
الناس وعندهم فضل من قوتهم من التمر فرخص لهم
أن يبتاعوا العرايا بخرصها من التمر الذي
بأيديهم يأكلونها رطبا وإنما لم يجز تأخير نقد
التمر لأنه بيع الطعام بالطعام نسيئة.
وأما أحمد فحجته ظاهر الأحاديث المتقدمة أنه
رخص في العرايا ولم يخص المعري من غيره.
وأما أبو حنيفة فلما لم تجز عنده المزابنة
وكانت إن جعلت بيعا نوعا من المزابنة رأى أن
انصرافها إلى المعري ليس هو من باب البيع
وإنما هو من باب رجوع الواهب فيما وهب بإعطاء
خصرها تمرا أو تسميته إياها بيعا عنده مجاز
وقد التفت إلى هذا المعنى مالك في بعض
الروايات عنه فلم يجز بيعها بالدراهم ولا بشيء
من الأشياء سوى الخرص وإن كان المشهور عنه
جواز ذلك وقد قيل إن قول أبي حنيفة هذا هو من
باب تغليب القياس على الحديث وذلك أنه خالف
الأحاديث في مواضع منها أنه لم يسمها بيعا وقد
نص الشارع على تسميتها بيعا.
ومنها أنه جاء في الحديث أنه نهى عن المزابنة
ورخص في العرايا وعلى مذهبه لا تكون العرية
استثناء من المزابنة لأن المزابنة هي في
البيع.
والعجب منه أنه سهل عليه أن يستثنيها من النهي
عن الرجوع في الهبة التي لم يقع فيها
الاستثناء بنص الشرع وعسر عليه أن يستثنيها
مما استثنى منه الشارع وهي المزابنة والله
أعلم.
(2/219)
(بسم الله
الرحمن الرحيم وصل الله على سيدنا محمد وآله
وصحبه وسلم تسليما)
كتاب الإجارات
والنظر في هذا الكتاب شبيه بالنظر في البيوع
أعني أن أصوله تنحصر في النظر في أنواعها وفي
شروط الصحة فيها والفساد وفي أحكامها وذلك في
نوع
(2/219)
نوع منها أعني
فيما يخص نوعا نوعا منها وفيما يعم أكثر من
واحد منها فهذا الكتاب ينقسم أولا إلى قسمين
القسم الأول في أنواعها وشروط الصحة والفساد.
والثاني في معرفة أحكام الإجارات وهذا كله بعد
قيام الدليل على جوازها.
فلنذكر أولا ما في ذلك من الخلاف ثم نصير إلى
ذكر ما في ذينك القسمين من المسائل المشهورة.
إذ كان قصدنا إنما هو ذكر المسائل التي تجري
من هذه الأشياء مجرى الأمهات وهي التي اشتهر
فيها الخلاف بين فقهاء الأمصار فنقول إن
الإجارة جائزة عند
جميع فقهاء الأمصار والصدر الأول.
وحكي عن الأصم وابن علية منعها.
ودليل الجمهور قوله تعالى :{ إِنِّي أُرِيدُ
أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ
عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي} الآية وقوله:{ فَإِنْ
أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}.
ومن السنة الثابتة ما خرجه البخاري عن عائشة
قالت :"استأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأبو بكر رجلا من بني الديل هاديا خريتا وهو
على دين كفار قريش فدفعا إليه راحلتيهما
وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما"
وحديث جابر "أنه باع من النبي صلى الله عليه
وسلم بعيرا وشرط ظهره إلى المدينة".
وما جاز استيفاؤه بالشرط جاز استيفاؤه بالأجر.
وشبهة من منع ذلك أن المعاوضات إنما يستحق
فيها تسليم الثمن بتسليم العين كالحال في
الأعيان المحسوسة.
والمنافع في الإجارات في وقت العقد معدومة
فكان ذلك غررا ومن بيع ما لم يخلق ونحن نقول
إنها وإن كانت معدومة في حال العقد فهي
مستوفاة في الغالب والشرع إنما لحظ من هذه
المنافع ما يستوفي في الغالب أو يكون استيفاؤه
وعدم استيفائه على السواء.
(القسم الأول) وهذا القسم النظر فيه في جنس
الثمن وجنس المنفعة التي يكون الثمن مقابلا له
وصفتها.
فأما الثمن فينبغي أن يكون مما يجوز بيعه وقد
تقدم ذلك في باب البيوع.
وأما المنفعة فينبغي أن تكون من جنس ما لم ينه
الشرع عنه وفي كل هذه المسائل اتفقوا عليها
واختلفوا فيها فما اجتمعوا على إبطال إجارته
كل منفعة كانت لشيء محرم العين كذلك كل منفعة
كانت محرمة بالشرع مثل أجر النوائح وأجر
المغنيات وكذلك كل منفعة كانت فرض عين على
الإنسان بالشرع مثل الصلاة وغيرها واتفقوا على
إجارة الدور
(2/220)
والدواب والناس
على الأفعال المباحة وكذلك الثياب والبسط.
واختلفوا في إجارة الأرضين وفي إجارة المياه
وفي إجارة المؤذن وفي الإجارة على تعليم
القرآن وفي إجارة نزو الفحول فأما كراء
الأرضين فاختلفوا فيها اختلافا كثيرا فقوم لم
يجيزوا ذلك بتة وهم الأقل وبه قال طاوس وأبو
بكر بن عبد الرحمن وقال الجمهور بجواز ذلك.
واختلف هؤلاء فيما يجوز به كراؤها فقال قوم لا
يجوز كراؤها إلا بالدراهم والدنانير فقط وهو
مذهب ربيعة وسعيد بن المسيب وقال قوم يجوز
كراء الأرض بكل شيء ما عدا الطعام وسواء كان
ذلك بالطعام الخارج منها أو لم يكن وما عدا ما
ينبت فيها كان طعاما أو غيره وإلى هذا ذهب
مالك وأكثر أصحابه.
وقال آخرون يجوز كراء الأرض بما عدا الطعام
فقط وقال آخرون يجوز كراء الأرض بكل العروض
والطعام وغير ذلك ما لم يكن بجزء مما يخرج
منها من الطعام وممن قال بهذا القول سالم بن
عبد الله وغيره من المتقدمين وهو قول الشافعي
وظاهر قول مالك في الموطأ وقال قوم يجوز
كراؤها بكل شيء وبجزء مما يخرج منها وبه قال
أحمد والثوري والليث وأبو يوسف ومحمد صاحبا
أبي حنيفة وابن أبي ليلى والأوزاعي
وجماعة.
وعمدة من لم يجز كراءها بحال ما رواه مالك
بسنده عن رافع بن خديج "أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم نهى عن كراء المزارع" قالوا وهذا
عام وهؤلاء لم يلتفتوا إلى ما روى مالك من
تخصيص الراوي له حين روى عنه قال حنظلة فسألت
رافع بن خديج عن كرائها بالذهب والورق فقال لا
بأس به.
وروى هذا عن رافع ابن عمر وأخذ بعمومه وكان
ابن عمر قبل يكري أرضه فترك ذلك وهذا بناء على
رأي من يرى أنه لا يخص العموم بقول الراوي.
وروي عن رافع بن خديج عن أبيه قال "نهى رسول
الله صلى الله عليه وسلم عن إجارة الأرضين"
قال أبو عمر ابن عبد البر واحتجوا أيضا بحديث
ضمرة عن ابن شوذب عن مطرف عن عطاء عن جابر قال
خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :"
من كانت له أرض فليزرعها أو ليزرعها أخاه ولا
يؤاجرها" فهذه هي جملة الأحاديث التي تمسك بها
من لم يجز كراء الأرض.
وقالوا أيضا من جهة المعنى إنه لم يجز كراؤها
لما في ذلك من الغرر لأنه ممكن أن يصيب
(2/221)
الزرع جائحة من
نار أو قحط أو غرق فيكون قد لزمه كراؤها من
غير أن ينتفع من ذلك بشيء.
قال القاضي ويشبه أن يقال في هذا إن المعنى في
ذلك قصد الرفق بالناس لكثرة وجود الأرض كما
نهى عن بيع الماء ووجه الشبه بينهما أنهما
أصلا الخلقة وأما عمدة من لم يجز كراءها إلا
بالدراهم والدنانير فحديث طارق بن عبد الرحمن
عن سعيد بن المسيب عن رافع بن خديج عن النبي
صلى الله عليه وسلم أنه قال:" إنما يزرع ثلاثة
رجل له أرض فيزرعها ورجل منح أرضا فهو يزرع ما
منح ورجل اكترى بذهب أو فضة" قالوا فلا يجوز
أن يتعدى ما في هذا الحديث والأحاديث الأخر
مطلقة وهذا مقيد ومن الواجب حمل المطلق على
المقيد.
وعمدة من أجاز كراءها بكل شيء ما عدا الطعام
وسواء أكان الطعام مدخرا أو لم يكن حديث يعلى
بن حكيم عن سليمان بن يسار عن رافع بن خديج
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من
كانت له أرض فليزرعها أو ليزرعها أخاه ولا
يكرها بثلث ولا ربع ولا بطعام معين" قالوا
وهذا هو معنى المحاقلة التي نهى رسول الله صلى
الله عليه وسلم عنها وذكروا حديث سعيد بن
المسيب مرفوعا وفيه والمحاقلة استكراء الأرض
بالحنطة.
قالوا وأيضا فإنه من بيع الطعام بالطعام
نسيئة.
وعمدة من لم يجز كراءها بالطعام ولا بشيء مما
يخرج منها أما بالطعام فحجته حجة من لو يجز
كراءها بالطعام.
وأما حجته على منع كرائها مما تنبت فهو ما ورد
من نهيه صلى الله عليه وسلم عن المخابرة قالوا
وهي كراء الأرض بما يخرج منها وهذا قول مالك
وكل أصحابه.
وعمدة من أجاز كراءها بجميع العروض والطعام
وغير ذلك مما يخرج منها أنه كراء منفعة معلومة
بشيء معلوم فجاز قياسا على إجارة سائر المنافع
وكأن هؤلاء ضعفوا أحاديث رافع.
روي عن سالم بن عبد الله وغيره في حديث رافع
أنهم قالوا اكترى رافع.
قالوا وقد جاء في بعض الروايات عنه ما
يجب أن يحمل عليها سائرها قال "كنا أكثر أهل
المدينة حقلا قال وكان أحدنا يكري أرضه ويقول
هذه القطعة لي وهذه لك وربما أخرجت هذه ولم
تخرج هذه فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم"
خرجه البخاري.
وأما من لم يجز كراءها بما يخرج منها فعمدته
النظر
(2/222)
والأثر.، أما
الأثر فما ورد من النهي عن المخابرة وما ورد
من حديث ابن خديج عن ظهير بن رافع قال :"
نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمر
كان رفقا بنا فقلت ما قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم فهو حق قال: دعاني رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقال ما تصنعون بمحاقلكم قلنا
نؤاجرها على الربع وعلى الأوسق من التمر
والشعير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا
تفعلوا ازرعوها أو زارعوها أو أمسكوها" وهذا
الحديث اتفق على تصحيحه الإمام البخاري ومسلم.
وأما من أجاز كراءها بما يخرج منها فعمدته
حديث ابن عمر الثابت "أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر وأرضها
على أن يعملوها من أموالهم على نصف ما تخرجه
الأرض والثمرة" قالوا وهذا الحديث أولى من
أحاديث رافع لأنها مضطربة المتون وإن صحت
أحاديث رافع حملناها على الكراهية لا على
الحظر بدليل ما خرجه البخاري ومسلم عن ابن
عباس أنه قال :" إن النبي صلى الله عليه وسلم
لم ينه عنها ولكن قال: إن يمنح أحدكم أخاه يكن
له خيرا من أن يأخذ منه شيئا" قالوا وقدم معاذ
بن جبل اليمن حين بعثه رسول الله صلى الله
عليه وسلم وهم يخابرون فأقرهم.
وأما إجارة المؤذن فإن قوما لم يروا في ذلك
بأسا وقوما كرهوا ذلك.
والذين كرهوا ذلك وحرموه احتجوا بما روي عن
عثمان بن أبي العاص قال قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم:" اتخذ مؤذنا لا يأخذ على
أذانه أجرا" والذين أباحوه قاسوه على الأفعال
غير الواجبة وهذا هو سبب الاختلاف أعني هل هو
واجب أم ليس بواجب وأما الاستئجار على تعليم
القرآن فقد اختلفوا فيه أيضا وكرهه قوم وأجازه
آخرون.
والذين أباحوه قاسوه على سائر الأفعال واحتجوا
بما روي عن خارجة بن الصامت عن عمه قال :"
أقبلنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأتينا على حي من أحياء العرب فقالوا إنكم
جئتم من عند هذا الرجل فهل عندكم دواء أو رقية
فإن عندنا معتوها في القيود فقلنا لهم نعم
فجاءوا به فجعلت أقرأ عليه بفاتحة الكتاب
ثلاثة أيام غدوة وعشية أجمع بريقي ثم أتفل
عليه فكأنما أنشط من عقال فأعطوني جعلا فقلت
لا حتى أسأل
(2/223)
رسول الله صلى
الله عليه وسلم فسألته فقال كل فلعمري لمن أكل
برقية باطل فلقد أكلت برقية حقا" وبما روي عن
أبي سعيد الخدري "أن أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم كانوا في غزاة فمروا بحي من أحياء
العرب فقالوا هل عندكم من راق فإن سيد الحي قد
لدغ أو قد عرض له قال فرقى رجل بفاتحة الكتاب
فبرئ فأعطي قطيعا من الغنم فأبى أن يقبلها
فسأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال بم رقيته قال بفاتحة الكتاب.
قال وما يدريك أنها رقية قال: ثم قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: خذوها واضربوا لي
معكم فيها بسهم".
وأما الذين كرهوا الجعل على تعليم القرآن
فقالوا هو من باب الجعل على تعليم الصلاة.
قالوا ولم يكن الجعل المذكور في الإجارة على
تعليم القرآن وإنما كان على الرقي وسواء أكان
الرقي بالقرآن أو غيره الاستئجار عليه عندنا
جائز كالعلاجات.
قالوا وليس واجبا على الناس وأما تعليم القرآن
فهو واجب على الناس.
وأما إجارة الفحول من الإبل والبقر والدواب
فأجاز مالك أن يكري الرجل فحله على أن ينزو
أكواما معلومة.
ولم يجز ذلك أبو حنيفة ولا الشافعي.
وحجة من لم يجز ذلك ما جاء من النهي عن عسيب
الفحل ومن أجازه شبهه بسائر المنافع وهذا ضعيف
لأنه تغليب القياس على السماع.
واستئجار الكلب أيضا هو من هذا الباب وهو لا
يجوز عند الشافعي ولا عند مالك والشافعي يشترط
في جواز استئجار المنفعة أن تكون متقومة على
انفرادها فلا يجوز استئجار تفاحة للشم ولا
طعام لتزيين الحانوت إذ هذه المنافع ليس لها
قيم على انفرادها فهو لا يجوز عند مالك ولا
عند الشافعي.
ومن هذا الباب اختلاف المذهب في إجارة الدراهم
والدنانير وبالجملة كل ما لا يعرف بعينه فقال
ابن القاسم لا يصح إجارة هذا الجنس وهو قرض
وكان أبو بكر الأبهري وغيره يزعم أن ذلك يصح
وتلزم الأجرة فيه وإنما منع من إجارتها لأنه
لم يتصور فيها منفعة إلا بإتلاف عينها ومن
أجاز إجارتها تصور فيها منفعة مثل أن يتجمل
بها أو يتكثر ذلك مما يمكن أن يتصور في هذا
الباب فهذه هي مشهورات مسائل الخلاف المتعلقة
بجنس
(2/224)
المنفعة.وأما
مسائل الخلاف المتعلقة بجنس الثمن فهي مسائل
الخلاف المتعلقة بما يجوز أن يكون ثمنا في
المبيعات وما لا يجوز ومما ورد النهي فيه من
هذه الباب ما روي "أنه صلى الله عليه وسلم نهى
عن عسيب الفحل وعن كسب الحجام وعن قفيز
الطحان" قال الطحاوي ومعنى نهي النبي صلى الله
عليه وسلم عن قفيز الطحان هو ما كانوا يفعلونه
في الجاهلية من دفع القمح إلى الطحان بجزء من
الدقيق الذي يطحنه قالوا وهذا لا يجوز عندنا
وهو استئجار من المستأجر بعين ليس عنده ولا هي
من الأشياء التي تكون ديونا على الذمم ووافقه
الشافعي على هذا.
وقال أصحابه لو استأجر السلاخ بالجلد والطحان
بالنخالة أو بصاع من الدقيق فسد لنهيه صلى
الله عليه وسلم عن قفيز الطحان وهذا على مذهب
مالك جائز لأنه استأجره على جزء من الطعام
معلوم وأجرة الطحان ذلك الجزء وهو معلوم أيضا.
وأما كسب الحجام فذهب قوم إلى تحريمه وخالفهم
في ذلك آخرون فقالوا كسبه رديء يكره للرجل
وقال آخرون بل هو مباح.
والسبب في اختلافهم:
تعارض الآثار في هذا الباب فمن رأى أنه حرام
احتج بما روي عن أبي هريرة قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم "من السحت كسب الحجام" وبما
روي عن أنس بن مالك قال: " حرم رسول الله صلى
الله عليه وسلم كسب الحجام" وروي عن عون بن
أبي جحيفة قال اشترى أبي حجاما فكسر محاجمه
فقلت له لم يا أبت كسرتها فقال:" إن رسول الله
صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الدم".
وأما من رأى إباحة ذلك فاحتج بما روي عن ابن
عباس قال:" احتجم رسول الله صلى الله عليه
وسلم وأعطى الحجام أجره" قالوا ولو كان حراما
لم يعطه وحديث جابر "أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم دعا أبا طيبة فحجمه فسأله كم ضريبتك
فقال ثلاثة آصع فوضع عنه صاعا "وعنه أيضا "أنه
أمر للحجام بصاع من طعام" وأمر مواليه أن
يخففوا عنه."
وأما الذين قالوا بكراهيته فاحتجوا بما روي أن
رفاعة بن رافع أو رافع بن رفاعة جاء إلى مجلس
الأنصار فقال نهى رسول الله صلى الله عليه
وسلم عن كسب الحجام وأمرنا أن نطعمه ناضحنا
وبما روي عن "رجل من بني حارثة كان له حجام
وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك
(2/225)
فنهاه ثم عاد
فنهاه ثم عاد فنهاه فلم يزل يراجعه حتى قال له
رسول الله صلى الله عليه وسلم :"أعلف كسبه
ناضحك وأطعمه رقيقك".
ومن هذا الباب أيضا اختلافهم في إجارة دار
بسكنى دار أخرى.
فأجاز ذلك مالك ومنعه أبو حنيفة ولعله رآها من
باب الدين بالدين وهذا ضعيف فهذه مشهورات
مسائلهم فيما يتعلق بجنس الثمن وبجنس المنفعة.
وأما ما يتعلق بأوصافها فنذكر أيضا المشهور
منها فمن ذلك أن جمهور فقهاء الأمصار مالك
وأبو حنيفة والشافعي اتفقوا بالجملة أن من شرط
الإجارة أن يكون الثمن معلوما والمنفعة معلومة
القدر وذلك إما بغايتها مثل خياطة الثوب وعمل
الباب وإما بضرب الأجل إذا لم تكن لها غاية
مثل خدمة الأجير وذلك إما بالزمان إن كان عملا
واستيفاء منفعة متصلة الوجود مثل كراء الدور
والحوانيت وإما بالمكان أن كان مشيا مثل كراء
الرواحل.
وذهب أهل الظاهر وطائفة من السلف إلى جواز
إجارات المجهولات مثل أن يعطي الرجل حماره لمن
يسقي عليه أو يحتطب عليه بنصف ما يعود عليه.
وعمدة الجمهور أن الإجارة بيع فامتنع فيها من
الجهل لمكان الغبن ما امتنع في المبيعات.
واحتج الفريق الثاني بقياس الإجارة على القراض
والمساقاة والجمهور على أن القراض والمساقاة
مستثنيان بالسنة فلا يقاس عليهما لخروجهما عن
الأصول.
واتفق مالك والشافعي على أنهما إذا ضربا
للمنفعة التي ليس لها غاية أمدا من الزمان
محدودا.
وحددوا أيضا أول ذلك الأمد وكان أوله عقب
العقد أن ذلك جائز.
واختلفوا إذا لم يحددوا أول الزمان أو حددوه
ولم يكن عقب العقد فقال مالك يجوز إذا حدد
الزمان ولم يحدد أوله مثل أن يقول له استأجرت
منك هذه الدار سنة بكذا أو شهرا بكذا ولا يذكر
أول ذلك الشهر ولا أول تلك السنة.
وقال الشافعي لا يجوز ويكون أول الوقت عند
مالك وقت عقد الإجارة فمنعه الشافعي لأنه غرر
وأجازه مالك لأنه معلوم بالعادة وكذلك لم يجز
الشافعي إذا كان أول العقد متراخيا عن العقد
وأجازه.
مالك.
واختلف قول أصحابه في استئجار الأرض غير
المأمونة والتغيير فيما بعد من الزمان وكذلك
اختلف مالك والشافعي في مقدار الزمان الذي
تقدر به هذه المنافع فمالك يجيز
(2/226)
ذلك السنين
الكثيرة مثل أن يكري الدار لعشرة أعوام أو
أكثر مما لا تتغير الدار في مثله وقال الشافعي
لا يجوز ذلك لأكثر من عام واحد.
واختلف قول ابن القاسم وابن الماجشون في أرض
المطر وأرض السقي بالعيون وأرض السقي بالآبار
والأنهار فأجاز ابن القاسم فيها الكراء السنين
الكثيرة وفصل ابن الماجشون فقال لا يجوز
الكراء في أرض المطر إلا لعام واحد وأما أرض
السقي بالعيون فلا يجوز كراؤها إلا لثلاثة
أعوام وأربعة وأما أرض الآبار والأنهار فلا
يجوز إلا لعشرة أعوام فقط.
فالاختلاف ههنا في ثلاثة مواضع في تحديد أول
المدة وفي طولها وفي بعدها من وقت العقد.
وكذلك اختلف مالك والشافعي إذا لم يحدد المدة
وحدد القدر الذي يجب لأقل المدة.
مثل أن يقول أكتري منك هذه الدار الشهر بكذا
ولا يضربان لذلك أمدا معلوما فقال الشافعي لا
يجوز وقال مالك وأصحابه يجوز على قياس أبيعك
من هذه الصبرة بحساب القفيز بدرهم وهذا لا
يجوز غيره.
وسبب الخلاف:
اعتبار الجهل الواقع في هذه الأشياء هل هو من
الغرر المعفو عنه أو المنهي عنه ومن هذا الباب
اختلافهم في البيع والإجارة أجازه مالك ومنعه
الشافعي وأبو حنيفة ولم يجز مالك أن يقترن
بالبيع إلا الإجارة فقط.
ومن هذه الباب اختلافهم في إجارة المشاع فقال
مالك والشافعي هي جائزة وقال أبو حنيفة لا
تجوز لأن عنده أن الانتفاع بها مع الإشاعة
متعذر وعند مالك والشافعي أن الانتفاع بها
ممكن مع شريكه كانتفاع المكري بها مع شريكه
أعني رب المال.
ومن هذا الباب استئجار الأجير بطعامه وكسوته
وكذلك الظئر فمنع الشافعي ذلك على الإطلاق
وأجاز ذلك مالك على الإطلاق أعني في كل أجير
وأجاز ذلك أبو حنيفة في الظئر فقط.
وسبب الخلاف:
هل هي إجارة مجهولة أم ليست مجهولة فهذه هي
شرائط الإجارة الراجعة إلى الثمن والمثمون.
وأما أنواع الإجارة فإن العلماء على أن
الإجارة على ضربين إجارة منافع أعيان محسوسة
وإجارة منافع في الذمة قياسا على البيع.
والذي في الذمة من شرطه الوصف.
والذي في العين من شرطه الرؤية أو الصفة عنده
كالحال في المبيعات ومن شرط الصفة عنده ذكر
الجنس والنوع وذلك في الشيء الذي تستوفي
منافعه وفي الشيء الذي تستوفي به
(2/227)
منافعه فلا بد
من وصف المركوب مثلا والحمل الذي تستوفي به
منفعة المركوب.
وعند مالك أن الراكب لا يحتاج أن يوصف وعند
الشافعي يحتاج إلى الوصف وعند ابن القاسم أنه
إذا استأجر الراعي على غنم بأعيانها أن من شرط
صحة العقد اشتراط الخلف وعند غيره تلزم الجملة
بغير شرط.
ومن شرط إجارة الذمة أن يعجل النقد عند مالك
ليخرج من الدين
بالدين.
كما أن من شرط إجارة الأرض غير المأمونة السقي
عنده أن لا يشترط فيها النقد إلا بعد الري.
واختلفوا في الكراء هل يدخل في أنواعه الخيار
أم لا فقال مالك يجوز الخيار في الصنفين من
الكراء المضمون والمعين وقال الشافعي لا يجوز.
فهذه هي المشهورات من المسائل الواقعة في هذا
القسم الأول من هذا الكتاب وهو الذي يشتمل على
النظر في محال هذا العقد وأوصافه وأنواعه وهي
الأشياء التي تجري من هذا العقد مجرى الأركان
وبها يوصف العقد إذا كان على الشروط الشرعية
بالصحة وبالفساد إذا لم يكن على ذلك وبقي
النظر في الجزء الثاني وهو أحكام هذا العقد.
الجزء الثاني من هذا الكتاب
وهو النظر في أحكام الإجارات
وأحكام الإجارات كثيرة ولكنها بالجملة تنحصر
في جملتين الجملة الأولى في موجبات هذا العقد
ولوازمه من غير حدوث طارئ عليه.
الجملة الثانية في أحكام الطوارئ
وهذه الجملة تنقسم في الأشهر إلى معرفة موجبات
الضمان وعدمه ومعرفة وجوب الفسخ وعدمه ومعرفة
حكم الاختلاف.
الجملة الأولى ومن مشهورات هذا الباب متى يلزم
المكري إذا دفع الكراء إذا أطلق العقد ولم
يشترط قبض الثمن فعند مالك وأبي حنيفة أن
الثمن إنما يلزم جزءا فجزءا بحسب ما يقبض من
المنافع إلا أن يشترط ذلك أو يكون هنالك ما
يوجب التقديم مثل أن يكون عوضا معينا أو يكون
كراء في الذمة.
وقال الشافعي يجب عليه الثمن بنفس العقد.
فمالك رأى أن الثمن إنما يستحق منه بقدر ما
يقبض من العوض والشافعي كأنه رأى أن تأخره من
باب الدين بالدين.
ومن ذلك اختلافهم فيمن اكترى دابة أو دارا وما
أشبه ذلك هل
(2/228)
له أن يكري ذلك
بأكثر مما اكتراه فأجازه مالك والشافعي وجماعة
قياسا على البيع ومنع ذلك أبو حنيفة وأصحابه.
وعمدتهم أنه من باب ربح ما لم يضمن لأن ضمان
الأصل هو من ربه أعني من المكري.
وأيضا فإنه من باب بيع ما لم يقبض وأجاز ذلك
بعض العلماء إذا أحدث فيها عملا.
وممن لم يكره ذلك إذا وقع بهذه الصفة سفيان
الثوري والجمهور رأوا أن الإجارة في هذا شبيهة
بالبيع.
ومنها أن يكري الدار من الذي أكراها منه فقال
مالك يجوز وقال أبو حنيفة لا يجوز وكأنه رأى
أنه إذا كان التفاضل بينهما في الكراء فهو من
باب أكل المال بالباطل.
ومنها إذا اكترى أرضا ليزرعها حنطة فأراد أن
يزرعها شعيرا أو ما ضرره مثل ضرر الحنطة أو
دونه فقال مالك له ذلك وقال داود ليس له ذلك.
ومنها اختلافهم في كنس مراحيض الدور المكتراة
فالمشهور عن ابن القاسم أنه على أرباب الدور
وروي عنه أنه على المكتري وبه قال الشافعي
واستثنى ابن القاسم من هذه الفنادق التي
تدخلها.
قوم وتخرج قوم فقال الكنس في هذه على رب
الدار.
ومنها اختلاف أصحاب مالك في الانهدام اليسير
من الدار هل يلزم رب الدار إصلاحه أم ليس يلزم
وينحط عنه من الكراء ذلك القدر فقال ابن
القاسم لا يلزمه وقال غيره من أصحابه يلزمه.
وفروع هذا الباب كثيرة وليس قصدنا التفريع في
هذا الكتاب.
(الجملة الثانية وهي النظر في أحكام الطوارئ
الفصل الأول منه وهو النظر في الفسوخ
فنقول إن الفقهاء اختلفوا في عقد الإجارة فذهب
الجمهور إلى أنه عقد لازم وحكي عن قوم أنه عقد
جائز تشبيها بالجعل والشركة.
والذين قالوا إنه عقد لازم اختلفوا فيما ينفسخ
به فذهب جماعة فقهاء الأمصار مالك والشافعي
وسفيان الثوري وأبو ثور وغيرهم إلى أنه لا
ينفسخ إلا بما تنفسخ به العقود اللازمة من
وجود العيب بها أو ذهاب محل استيفاء المنفعة.
وقال أبو حنيفة وأصحابه يجوز فسخ عقد الإجارة
للعذر الطارئ على المستأجر مثل أن يكري دكانا
يتجر فيه فيحترق متاعه أو يسرق.
وعمدة الجمهور قوله
(2/229)
تعالى :{
أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } لأن الكراء عقد على
منافع فأشبه النكاح ولأنه عقد على معاوضة فلم
ينفسخ أصله البيع.
وعمدة أبي حنيفة أنه شبه ذهاب ما به تستوفي
المنفعة بذهاب العين التي فيها المنفعة.
وقد اختلف قول مالك إذا كان الكراء في غير
مخصوص على استيفاء منفعة من جنس مخصوص فقال
عبد الوهاب الظاهر من مذهب أصحابنا أن محل
استيفاء المنافع لا يتعين في الإجارة وإن عين
فذلك كالوصف لا ينفسخ ببيعها أو ذهابه بخلاف
العين المستأجرة إذا تلفت قال وذلك مثل أن
يستأجر على رعاية غنم بأعيانها أو خياطة قميص
بعينه فتهلك الغنم ويحترق الثوب فلا ينفسخ
العقد وعلى المستأجر أن يأتي بغنم مثلها
ليرعاها أو قميص مثله ليخيطه قال وقد قيل إنها
تتعين بالتعيين فينفسخ العقد بتلف المحل.
وقال بعض المتأخرين إن ذلك ليس اختلافا في
المذهب وإنما ذلك على قسمين أحدهما أن يكون
المحل المعين لاستيفاء المنافع مما تقصد عينه
أو مما لا تقصد عينه فإن كان مما تقصد عينه
انفسخت الإجارة كالظئر إذا مات الطفل وإن كان
مما لا يقصد عينه لم تنفسخ الإجارة على رعاية
الغنم بأعيانها أو بيع طعام في حانوت وما أشبه
ذلك.
واشتراط ابن القاسم في المدونة أنه إذا استأجر
على غنم بأعيانها فإنه لا يجوز إلا أن يشترط
الخلف هو التفات منه إلى أنها تنفسخ بذهاب محل
استيفاء المعين لكن لما رأى التلف سائقا إلى
الفسخ رأى أنه من باب الغرر فلم يجز الكراء
عليها إلا باشتراط الخلف.
ومن نحو هذا اختلافهم في هل ينفسخ الكراء بموت
أحد المتعاقدين أعني المكري أو المكتري فقال
مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور لا ينفسخ
ويورث عقد الكراء وقال أبو حنيفة والثوري
والليث ينفسخ وعمدة من لم يقل بالفسخ أنه عقد
معاوضة فلم ينفسخ بموت أحد.
المتعاقدين أصله البيع.
وعمدة الحنفية أن الموت نقلة لأصل الرقبة
المكتراة من ملك إلى ملك فوجب أن يبطل أصله
البيع في العين المستأجرة مدة طويلة أعني أنه
لا يجوز فلما كان لا يجتمع العقدان معا غلب
ههنا انتقال الملك وإلا بقي الملك ليس له وارث
وذلك خلاف الإجماع وربما شبهوا الإجارة
بالنكاح إذ كان كلاهما استيفاء منافع والنكاح
يبطل بالموت وهو بعيد.
وربما احتجوا على المالكية فقط بأن الأجرة
عندهم تستحق جزءا فجزءا بقدر
(2/230)
ما يقبض من
المنفعة قالوا وإذا كان هذا هكذا فإن مات
المالك وبقيت الإجارة فإن المستأجر يستوفي في
ملك الوارث حقا بموجب عقد في غير ملك العاقد
وذلك لا يصح وإن مات المستأجر فتكون الأجرة
مستحقة عليه بعد موته والميت لا يثبت عليه دين
بإجماع بعد موته.
وأما الشافعية فلا يلزمهم هذا لأن استيفاء
الأجرة يجب عندهم بنفس العقد على ما سلف من
ذلك وعند مالك أن أرض المطر إذا أكريت فمنع
القحط من زراعتها أو زرعها فلم ينبت الزرع
لمكان القحط أن الكراء ينفسخ وكذلك إذا
استعذرت بالمطر حتى انقضى زمن الزراعة فلم
يتمكن المكتري من أن يزرعها وسائر الجوائح
التي تصيب الزرع لا يحط عنه من الكراء شيء
وعنده أن الكراء الذي يتعلق بوقت ما أنه إن
كان ذلك الوقت مقصودا مثل كراء الرواحل في
أيام الحج فغاب المكري عن ذلك الوقت أنه ينفسخ
الكراء
وأما إن لم يكن الوقت مقصودا فإنه لا ينفسخ
هذا كله عنده في الكراء الذي يكون في الأعيان.
فأما الكراء الذي يكون في الذمة فإنه لا ينفسخ
عنده بذهاب العين التي قبض المستأجر ليستوفي
منها المنفعة إذا كان لم ينعقد الكراء على عين
بعينها وإنما انعقد على موصوف في الذمة.
وفروع هذا الباب كثيرة وأصوله هي هذه التي
ذكرناها.
الفصل الثاني وهو النظر في الضمان
والضمان عند الفقهاء على وجهين بالتعدي أو
لمكان المصلحة وحفظ الأموال.
فأما بالتعدي فيجب على المكري باتفاق والخلاف
إنما هو في نوع التعدي الذي يوجب ذلك أو لا
يوجبه وفي قدره فمن ذلك اختلاف العلماء في
القضاء فيمن اكترى دابة إلى موضع ما فتعدى بها
إلى موضع زائد على الموضع الذي انعقد عليه
الكراء فقال الشافعي وأحمد عليه الكراء الذي
التزمه إلى المسافة المشترطة ومثل كراء
المسافة التي تعدى فيها وقال مالك رب الدابة
بالخيار في أن يأخذ كراء دابته في المسافة
التي تعدى فيها أو يضمن له قيمة الدابة وقال
أبو حنيفة لا كراء عليه في المسافة المتعداة
ولا خلاف أنها إذا تلفت في المسافة المتعداة
أنه ضامن لها.
فعمدة الشافعي أنه تعدى على المنفعة
(2/231)
فلزمه أجرة
المثل أصله التعدي على سائر المنافع وأما مالك
فكأنه لما حبس الدابة عن أسواقها رأى أنه قد
تعدى عليها فيها نفسها فشبهه بالغاصب وفيه ضعف
وأما مذهب أبي حنيفة فبعيد جدا عما تقتضيه
الأصول الشرعية والأقرب إلى الأصول.
في هذه المسألة هو قول الشافعي.
وعند مالك أن عثار الدابة لو كانت عثور تعد من
صاحب الدابة يضمن بها الحمل وكذلك إن كانت
الحبال رثة ومسائل هذا الباب كثيرة.
وأما الذين اختلفوا في ضمانهم من غير تعد إلا
من جهة المصلحة فهم الصناع ولا خلاف عندهم أن
الأجير ليس بضامن لما هلك عنده مما استؤجر
عليه إلا أن يتعدى ما عدا حامل الطعام والطحان
فإن مالكا ضمنه ما هلك عنده إلا أن تقوم له
بينة على هلاكه من غير سببه.
وأما تضمين الصناع ما ادعوا هلاكه من
المصنوعات المدفوعة إليهم فإنهم اختلفوا في
ذلك فقال مالك وابن أبي ليلى وأبو يوسف يضمنون
ما هلك عندهم وقال أبو حنيفة لا يضمن من عمل
بغير أجر ولا الخاص ويضمن المشترك ومن عمل
بأجر.
وللشافعي قولان في المشترك.
والخاص عندهم هو الذي يعمل في منزل المستأجر
وقيل هو الذي لم ينتصب للناس وهو مذهب مالك في
الخاص وهو عنده غير ضامن وتحصيل مذهب مالك على
هذا أن الصانع المشترك يضمن وسواء عمل بأجر أو
بغير أجر وبتضمين الصناع قال علي وعمر وإن كان
قد اختلف عن علي في ذلك.
وعمدة من لم ير الضمان عليهم أنه شبه الصانع
بالمودع عنده والشريك والوكيل وأجير الغنم ومن
ضمنه فلا دليل له إلا النظر إلى المصلحة وسد
الذريعة.
وأما من فرق بين أن يعملوا بأجر أو لا يعملوا
بأجر فلأن العامل بغير أجر إنما قبض المعمول
لمنفعة صاحبه فقط فأشبه المودع وإذا قبضها
بأجر فالمنفعة لكليهما فغلبت منفعة القابض
أصله القرض والعارية عند الشافعي وكذلك أيضا
من لم ينصب نفسه لم يكن في تضمينه سد ذريعة
والأجير عند مالك كما قلنا لا يضمن إلا أنه
استحسن تضمين حامل القوت وما يجري مجراه وكذلك
الطحان وما عدا غيرهم فلا يضمن إلا بالتعدي
وصاحب الحمام لا يضمن عنده هذا هو المشهور عنه
وقد قيل يضمن.
وشذ أشهب فضمن الصناع ما قامت البينة على
هلاكه عندهم من غير تعد منهم ولا تفريط وهو
شذوذ ولا خلاف أن
(2/232)
الصناع لا
يضمنون ما لم يقبضوا في منازلهم.
واختلف أصحاب مالك إذا قامت البينة على هلاك
المصنوع وسقط الضمان عنهم هل تجب لهم الأجرة
أم لا إذا كان هلاكه بعد إتمام الصنعة أو بعد
تمام بعضها فقال ابن القاسم لا أجرة لهم وقال
ابن المواز لهم الأجرة ووجه ما قال ابن المواز
أن المصيبة إذا نزلت بالمستأجر فوجب أن لا
يمضي عمل الصانع باطلا ووجه ما قال ابن القاسم
أن الأجرة إنما استوجبت في مقابلة العمل فأشبه
ذلك إذا هلك بتفريط من الأجير وقول ابن المواز
أقيس وقول ابن القاسم أكثر نظرا إلى المصلحة
لأنه رأى أن يشتركوا في المصيبة.
ومن هذا الباب اختلافهم في ضمان صاحب السفينة
فقال مالك لا ضمان عليه وقال أبو حنيفة عليه
الضمان إلا من الموج وأصل مذهب مالك أن الصناع
يضمنون كل ما أتى على أيديهم من حرق أو كسر في
المصنوع أو قطع إذا عمله في حانوته وإن كان
صاحبه قاعدا معه إلا فيما كان فيه تغرير من
الأعمال مثل ثقب الجوهر ونقش.
الفصوص وتقويم السيوف واحتراق الخبز عند
الفران والطبيب يموت العليل من معالجته وكذلك
البيطار إلا أن يعلم أنه تعدى فيضمن حينئذ.
وأما الطبيب وما أشبهه إذا أخطأ في فعله وكان
من أهل المعرفة فلا شيء عليه في النفس والدية
على العاقلة فيما فوق الثلث وفي ماله فيما دون
الثلث وإن لم يكن من أهل المعرفة فعليه الضرب
والسجن والدية قيل في ماله وقيل على العاقلة.
الفصل الثالث في معرفة حكم الاختلاف
وهو النظر في الاختلاف وفي هذا الباب أيضا
مسائل فمنها أنهم اختلفوا إذا اختلف الصانع
ورب المصنوع في صفة الصنعة فقال أبو حنيفة
القول قول رب المصنوع وقال مالك وابن أبي ليلى
القول قول الصانع.
وسبب الخلاف:
من المدعي منهما على صاحبه ومن المدعى عليه
ومنها إذا ادعى الصناع رد ما استصنعوا فيه
وأنكر ذلك الدافع فالقول عند مالك قول الدافع
وعلى الصناع البينة لأنهم كانوا ضامنين لما في
أيديهم وقال ابن الماجشون القول قول الصناع إن
كان ما دفع إليهم دفع بغير بينة وإن كان دفع
إليهم ببينة فلا يبرؤون إلا ببينة.
وإذا اختلف الصانع ورب المتاع
(2/233)
في دفع الأجرة
فالمشهور في المذهب أن القول قول الصانع مع
يمينه إن قام بحدثان ذلك وإن تطاول فالقول قول
رب المصنوع وكذلك إذا اختلف المكري والمكتري
وقيل بل القول قول الصانع وقول المكري وإن طال
وهو الأصل.
وإذا اختلف المكري والمكتري أو الأجير
والمستأجر في مدة الزمان الذي وقع فيه استيفاء
المنفعة إذا اتفقا على أن المنفعة لم تستوف في
جميع الزمان المضروب في ذلك فالمشهور في
المذهب أن القول قول المكتري والمستأجر لأنه
الغارم والأصول على أن القول قول الغارم وقال
ابن الماجشون القول قول المكترى له والمستأجر
إذا كانت العين مستوفاة منها المنافع في
قبضهما مثل الدار وما أشبه ذلك.
وأما ما لم يكن في قبضه مثل الأجير فالقول قول
الأجير.
ومن مسائل المذهب المشهورة في هذا الباب
اختلاف المتكاريين في الدواب وفي الرواحل وذلك
أن اختلافهما لا يخلو أن يكون في قدر المسافة
أو نوعها.
أو قدر الكراء أو نوعه فإن كان اختلافهما في
نوع المسافة أو في نوع الكراء فالتحالف
والتفاسخ كاختلاف المتبايعين في نوع الثمن قال
ابن القاسم انعقد أو لم ينعقد وقال غيره القول
قول رب الدابة إذا انعقد وكان يشبه ما قال.
وإن كان اختلافهما في قدر المسافة فإن كان قبل
الركوب أو بعد ركوب يسير فالتحالف والتفاسخ
وإن كان بعد ركوب كثير أو بلوغ المسافة التي
يدعيها رب الدابة فالقول قول رب الدابة في
المسافة إن انتقد وكان يشبه ما قال وإن لم
ينتقد وأشبه قوله تحالفا ويفسخ الكراء على
أعظم المسافتين فما جعل منه للمسافة التي
ادعاها رب الدابة أعطيه.
وكذلك إن انتقد ولم يشبه قوله وإن اختلفا في
الثمن واتفقا على المسافة فالقول قول المكتري
نقد أو لم
ينقد لأنه مدعى عليه.
وإن اختلفا في الأمرين جميعا في المسافة
والثمن مثل أن يقول رب الدابة بقرطبة اكتريت
منك إلى قرمونة بدينارين ويقول المكتري بل
بدينار إلى إشبيلية فإن كان أيضا قبل الركوب
أو بعد ركوب لا ضرر عليهما في الرجوع تحالفا
وتفاسخا وإن كان بعد سير كثير أو بلوغ المسافة
التي يدعيها رب الدابة فإن كان لم ينقد
المكتري شيئا كان القول قول رب الدابة في
المسافة والقول قول المكتري في الثمن ويغرم من
الثمن ما يجب له من قرطبة إلى قرمونة على أنه
لو كان الكراء به إلى إشبيلية وذلك أنه أشبه
قول المكتري وإن لم يشبه ما قال وأشبه رب
الدابة غرم دينارين
(2/234)
وإن كان
المكتري نقد الثمن الذي يدعي أنه للمسافة
الكبرى وأشبه قول رب الدابة كان القول قول رب
الدابة في المسافة ويبقى له ذلك الثمن الذي
قبضه لا يرجع عليه بشيء منه إذ هو مدعى عليه
في بعضه وهو يقول بل هو لي وزيادة فيقبل قوله
فيه لأنه قبضه ولا يقبل قوله في الزيادة ويسقط
عنه ما لم يقرب به من المسافة أشبه ما قال أو
لم يشبه إلا أنه إذا لم يشبه قسم الكراء الذي
أقر به المكتري على المسافة كلها فيأخذ رب
الدابة من ذلك ما ناب المسافة التي ادعاها.
وهذا القدر كاف في هذا الباب.
(2/235)
كتاب الجعل
والجعل هو الإجارة على منفعة مظنون حصولها مثل
مشارطة الطبيب على البرء والمعلم على الحذاق
والناشد على وجود العبد الآبق.
وقد اختلف العلماء في منعه وجوازه فقال مالك
يجوز ذلك في اليسير بشرطين أحدهما أن لا يضرب
لذلك أجلا.
والثاني أن يكون الثمن معلوما وقال أبو حنيفة
لا يجوز وللشافعي قولان.
وعمدة من أجازه قوله تعالى :{وَلِمَنْ جَاءَ
بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ}
وإجماع الجمهور على جوازه في الإباق والسؤال
وما جاء في الأثر من أخذ الثمن على الرقية بأم
القرآن.
وقد تقدم ذلك.
وعمدة من منعه الغرر الذي فيه قياسا على سائر
الإجارات ولا خلاف في مذهب مالك أن الجعل لا
يستحق شيء منه إلا بتمام العمل وأنه ليس بعقد
لازم.
واختلف مالك وأصحابه في هذا الباب في كراء
السفينة هل هو جعل أو إجارة فقول مالك ليس
لصاحبها كراء إلا بعد البلوغ وهو قول ابن
القاسم ذهابا إلى أن حكمها حكم الجعل.
وقال ابن نافع من أصحابه له قدر ما بلغ من
المسافة فأجرى حكمه مجرى الكراء
وقال أصبغ إن لجج فهو جعل وإن لم يلجج فهو
إجارة له بحسب الموضع الذي وصل إليه.
والنظر في هذا الباب في جوازه ومحله وشروطه
وأحكامه.
ومحله هو ما كان من الأفعال لا ينتفع الجاعل
بجزء منه لأنه إذا انتفع الجاعل بجزء مما عمل
الملتزم للجعل
(2/235)
ولم يأت
بالمنفعة التي انعقد الجعل عليها وقلنا على
حكم الجعل إنه.إذا لم يأت بالمنفعة التي انعقد
الجعل عليها لم يكن له شيء فقد انتفع الجاعل
بعمل المجعول من غير أن يعوضه من عمله بأجر
وذلك ظلم ولذلك يختلف الفقهاء في كثير من
المسائل هل هو جعل أو إجارة مثل مسألة السفينة
المتقدمة هل هي مما يجوز فيها الجعل أو لا
يجوز مثل اختلافهم في المجاعلة على حفر الآبار
وقالوا في المغارسة إنها تشبه الجعل من جهة
والبيع من جهة وهي عند مالك أن يعطي الرجل
أرضه لرجل على أن يغرس فيه عددا من الثمار
معلوما فإذا استحق الثمر كان للغارس جزء الأرض
متفق عليه.
(2/236)
|