بداية
المجتهد ونهاية المقتصد ط الحلبي (بسم
الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد
وآله وصحبه وسلم تسليما)
كتاب الكفالة
واختلف العلماء في نوعها وفي وقتها وفي الحكم
اللازم عنها وفي شروطها وفي صفة لزومها وفي
محلها ولها أسماء كفالة وحمالة وضمانة وزعامة
فأما أنواعها فنوعان حمالة بالنفس وحمالة
بالمال.
أما الحمالة بالمال فثابتة بالسنة ومجمع عليها
من الصدر الأول ومن فقهاء الأمصار.
وحكي عن قوم أنها ليست لازمة تشبيها بالعدة
وهو شاذ.
والسنة التي صار إليها الجمهور في ذلك هو قوله
عليه الصلاة والسلام" الزعيم غارم".
وأما الحمالة بالنفس وهي التي تعرف بضمان
الوجه فجمهور فقهاء الأمصار على جواز وقوعها
شرعا إذا كانت بسبب المال.
وحكي عن الشافعي في الجديد أنها لا تجوز وبه
قال داود وحجتهما قوله تعالى:{ قَالَ مَعَاذَ
اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلاَّ مَنْ وَجَدْنَا
مَتَاعَنَا عِنْدَهُ} ولأنهاكفالة بنفس فأشبهت
الكفالة في الحدود.
وحجة من أجازها عموم قوله عليه الصلاة والسلام
الزعيم غارم وتعلقوا بأن في ذلك مصلحة وأنه
مروي عن الصدر الأول.
وأما الحكم اللازم عنها فجمهور القائلين
بحمالة النفس متفقون على أن المتحمل عنه إذا
مات لم يلزم الكفيل بالوجه شيء وحكي عن بعضهم
لزوم ذلك.
وفرق ابن القاسم بين أن يموت الرجل حاضرا أو
غائبا فقال إن مات حاضرا لم يلزم الكفيل شيء
وإن مات غائبا نظر فإن كانت المسافة التي بين
البلدين مسافة يمكن الحميل فيها إحضاره في
الأجل المضروب له في إحضاره وذلك في نحو
اليومين إلى الثلاثة ففرط غرم وإلا لم يغرم.
واختلفوا إذا غاب المتحمل عنه ما حكم الحميل
بالوجه على ثلاثة أقوال القول الأول أنه يلزمه
أن يحضره أو يغرم وهو قول مالك وأصحابه وأهل
المدينة.
والقول الثاني إنه يحبس الحميل إلى أن يأتي به
أو يعلم موته وهو قول أبي حنيفة وأهل العراق.
والقول الثالث أنه ليس عليه إلا أن يأتي به
إذا علم موضعه ومعنى ذلك أن لا يكلف إحضاره
إلا مع العلم بالقدرة على إحضاره فإن ادعى
الطالب معرفة موضعه على الحميل وأنكر الحميل
(2/295)
كلف الطالب
بيان ذلك.
قالوا ولا يحبس الحميل إلا إذا كان المحتمل
عنه معلوم الموضع فيكلف حينئذ إحضاره وهذا
القول حكاه أبو عبيد القاسم بن سلام في كتابه
في الفقه عن جماعة من الناس واختاره.
وعمدة مالك أن المتحمل بالوجه غارم لصاحب الحق
فوجب عليه الغرم إذا غاب وربما احتج لهم بما
روي عن ابن عباس "أن رجلا سأل غريمه أن يؤدي
إليه ماله أو يعطيه حميلا فلم يقدر حتى حاكمه
إلى النبي عليه الصلاة والسلام فتحمل عنه رسول
الله صلى الله عليه وسلم ثم أدى المال إليه"
قالوا فهذا غرم في الحمالة المطلقة.
وأما أهل العراق فقالوا إنما يجب عليه إحضار
ما تحمل به وهو النفس فليس يجب أن يعدى ذلك
إلى المال إلا لو شرطه على نفسه وقد قال عليه
الصلاة والسلام" المؤمنون عند شروطهم" فإنما
عليه أن يحضره أو يحبس فيه كذلك الأمر في ضمان
الوجه.
وعمدة الفريق الثالث أنه إنما يلزمه إحضاره
إذا كان إحضاره له مما يمكن وحينئذ يحبس إذا
لم يحضره وأما إذا علم أن إحضاره له غير ممكن
فليس يجب عليه إحضاره كما أنه إذا مات ليس
عليه إحضاره.
قالوا ومن ضمن الوجه فأغرم المال فهو أحرى أن
يكون مغرورا من أن يكون غارا.
فأما إذا اشترط الوجه دون المال وصرح بالشرط
فقد قال مالك إن المال لا يلزمه ولا خلاف في
هذا فيما أحسب لأنه كان يكون قد ألزم ضد ما
اشترط فهذا
هو حكم ضمان الوجه.
وأما حكم ضمان المال فإن الفقهاء متفقون على
أنه إذا عدم المضمون أو غاب أن الضامن غارم.
واختلفوا إذا حضر الضامن والمضمون وكلاهما
موسر.
فقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما و الثوري
والأوزاعي وأحمد وإسحاق للطالب أن يؤاخذ من
شاء من الكفيل أو المكفول.
وقال مالك في أحد قوليه ليس له أن يأخذ الكفيل
مع وجود المتكفل عنه.
وله قول آخر مثل قول الجمهور.
وقال أبو ثور الحمالة والكفالة واحدة ومن ضمن
عن رجل مالا لزمه وبرئ المضمون ولا يجوز أن
يكون مال واحد على اثنين وبه قال ابن أبي ليلى
وابن شبرمة.
ومن الحجة لما رأى أن الطالب يجوز له مطالبة
الضامن كان المضمون عنه غائبا أو حاضرا غنيا
(2/296)
أو عديما حديث
قبيصة بن المخارقي قال :" تحملت حمالة فأتيت
النبي صلى الله عليه وسلم فسألته عنها فقال
نخرجها عنك من إبل الصدقة يا قبيصة إن المسألة
لا تحل إلا في ثلاث وذكر رجلا تحمل حمالة رجل
حتى يؤديها ".
ووجه الدليل من هذا أن النبي صلى الله عليه
وسلم أباح المسألة للمتحمل دون اعتبار حال
المتحمل عنه.
وأما محل الكفالة فهي الأموال عند جمهور أهل
العلم لقوله عليه الصلاة والسلام "الزعيم
غارم" أعني كفالة المال وكفالة الوجه وسواء
تعلقت الأموال من قبل أموال أو من قبل حدود
مثل المال الواجب في قتل الخطأ أو الصلح في
قتل العمد أو السرقة التي ليس يتعلق بها قطع
وهي ما دون النصاب أو من غير ذلك.
وروي عن أبي حنيفة إجازة الكفالة في الحدود
والقصاص أو في القصاص دون الحدود وهو قول
عثمان البتي أعني كفالة النفس.
وأما وقت وجوب الكفالة بالمال أعني مطالبته
بالكفيل فأجمع العلماء على أن ذلك بعد ثبوت
الحق على المكفول إما بإقرار وإما ببينة.
وأما وقت وجوب الكفالة بالوجه فاختلفوا هل
تلزم قبل إثبات الحق أم لا فقال قوم إنها لا
تلزم قبل إثبات الحق بوجه من الوجوه وهو قول
شريح القاضي والشعبي وبه قال سحنون من أصحاب
مالك.
وقال قوم بل يجب أخذ الكفيل بالوجه على إثبات
الحق وهؤلاء اختلفوا متى يلزم ذلك وإلى كم من
المدة يلزم فقال قوم إن أتى بشبهة قوية مثل
شاهد واحد لزمه أن يعطي ضامنا بوجهه حتى يلوح
حقه وإلا لم يلزمه الكفيل إلا أن يذكر بينة
حاضرة في المصر فيعطيه حميلا من الخمسة الأيام
إلى الجمعة وهو قول ابن القاسم من أصحاب مالك
وقال أهل العراق لا يؤخذ عليهم حميل قبل ثبوت
الحق إلا أن يدعي بينة حاضرة في المصر نحو قول
ابن القاسم وإلا أنهم حدوا ذلك بالثلاثة
الأيام يقولون إنه إن أتى بشبهة لزمه أن يعطيه
حميلا حتى يثبت دعواه أو تبطل وقد أنكروا
الفرق في ذلك والفرق بين الذي يدعي البينة
الحاضرة والغائبة وقالوا لا يؤخذ حميل على أحد
إلا ببينة وذلك إلى بيان صدق دعواه أو
إبطالها.
وسبب هذا الاختلاف:
تعارض وجه العدل بين الخصمين في ذلك فإنه إذا
لم يؤخذ عليه ضامن بمجرد الدعوى لم يؤمن أن
يغيب بوجهه فيعنت طالبه وإذا أخذ عليه لم يؤمن
أن تكون
(2/297)
الدعوى باطلة
فيعنت المطلوب ولهذا فرق من فرق بين دعوى
البينة الحاضرة والغائبة.
وروي عن عراك بن مالك قال: " أقبل نفر من
الأعراب معهم ظهر فصحبهم رجلان فباتا معهم
فأصبح القوم وقد فقدوا كذا وكذا من إبلهم فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحد الرجلين
اذهب واطلب وحبس الآخر فجاء بما ذهب فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم لأحد الرجلين استغفر
لي فقال غفر الله لك قال وأنت فغفر الله لك
وقتلك في سبيله" خرج هذا الحديث أبو عبيد في
كتابه في الفقه قال وحمله بعض العلماء على أن
ذلك كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم حبسا
قال ولا يعجبني ذلك لأنه لا يجب الحبس بمجرد
الدعوى وإنما هو عندي من باب الكفالة بالحق
الذي لم يجب إذ كانت هنالك شبهة لمكان صحبتهما
لهم.
فأما أصناف المضمونين فليس يلحق من قبل ذلك
اختلاف مشهور لاختلافهم في ضمان الميت إذا كان
عليه دين ولم يترك وفاء بدينه فأجازه مالك
والشافعي وقال أبو حنيفة لا يجوز.
واستدل أبو حنيفة من قبل أن الضمان لا يتعلق
بمعدوم قطعا وليس كذلك المفلس.
واستدل من رأى أن الضمان يلزمه بما روي أن
النبي عليه الصلاة والسلام كان في صدر الإسلام
لا يصلي على من مات وعليه دين حتى يضمن عنه
والجمهور يصح عندهم كفالة المحبوس والغائب ولا
يصح عند أبي حنيفة.
وأما شروط الكفالة فإن أبا حنيفة والشافعي
يشترطان في وجوب رجوع الضامن على المضمون بما
أدى عنه أن يكون الضمان بإذنه ومالك لا يشترط
ذلك ولا تجوز عند الشافعي كفالة المجهول ولا
الحق الذي لم يجب بعد وكل ذلك لازم وجائز عند
مالك وأصحابه.
وأما ما تجوز فيه الحمالة بالمال مما لا تجوز
فإنها لا تجوز عند مالك بكل مال ثابت في الذمة
إلا الكتابة وما لا يجوز فيه التأخير وما
يستحق شيئا فشيئا مثل النفقات على الأزواج وما
شاكلها.
(2/298)
(بسم الله
الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله
وصحبه وسلم تسليما )
كتاب الحوالة
والحوالة معاملة صحيحة مستثناة من الدين
بالدين لقوله عليه الصلاة والسلام "مطل الغني
ظلم وإذا أحيل أحدكم على غني فليستحل".
والنظر في شروطها وفي حكمها فمن الشروط
اختلافهم في اعتبار رضا المحال والمحال عليه
فمن الناس من اعتبر رضا المحال ولم يعتبر رضا
المحال عليه وهو مالك ومن الناس من اعتبر
رضاهما معا ومن الناس من لم يعتبر رضا المحال
واعتبر رضا المحال عليه وهو نقيض مذهب مالك
وبه قال داود فمن رأى أنها معاملة اعتبر رضا
الصنفين ومن أنزل المحال عليه من المحال
منزلته من المحيل لم يعتبر رضاه معه كما لا
يعتبره مع المحيل إذا طلب منه حقه ولم يحل
عليه أحدا.
وأما داود فحجته ظاهر قوله عليه الصلاة
والسلام "إذا أحيل أحدكم على مليء فليتبع"
والأمر على الوجوب وبقي المحال عليه على الأصل
وهو اشتراط اعتبار رضاه.
ومن الشروط
التي اتفق عليها في الجملة كون ما على المحال
عليه مجانسا لما على المحيل قدرا ووصفا إلا أن
منهم من أجازها في الذهب والدراهم فقط ومنعها
في الطعام والذين منعوها في ذلك رأوا أنها من
باب بيع الطعام قبل أن يستوفي لأنه باع الطعام
الذي كان له على غريمه بالطعام الذي كان عليه
وذلك قبل أن يستوفيه من غريمه وأجاز ذلك مالك
إذا كان الطعامان كلاهما من قرض إذا كان دين
المحال حالا.
وأما إن كان أحدهما من سلم فإنه لا يجوز إلا
أن يكون الدينان حالين وعند ابن القاسم وغيره
من أصحاب مالك يجوز ذلك إذا كان الدين المحال
به حالا ولم يفرق بين ذلك الشافعي لأنه كالبيع
في ضمان المستقرض وإنما رخص مالك في القرض
لأنه يجوز عنده بيع القرض قبل أن يستوفى.
وأما أبو حنيفة فأجاز الحوالة بالطعام وشبهها
بالدراهم وجعلها خارجة عن الأصول كخروج
الحوالة بالدراهم.
والمسألة مبنية على أن ما شذ عن الأصول
(2/299)
هل يقاس عليه
أم لا والمسألة مشهورة في أصول الفقه وللحوالة
عند مالك ثلاثة شروط أحدها أن يكون دين المحال
حالا لأنه إن لم يكن حالا كان دينا بدين.
والثاني أن يكون الدين الذي يحيله به مثل الذي
يحيله عليه في القدر والصفة لأنه إذا اختلفا
في أحدهما كان بيعا ولم يكن حوالة فخرج من باب
الرخصة إلى باب البيع وإذا خرج إلى باب البيع
دخله الدين بالدين.
والشرط الثالث أن لا يكون الدين طعاما من سلم
أو أحدهما ولم يحل الدين المستحال به على مذهب
ابن القاسم وإذا كان الطعامان جميعا من سلم
فلا تجوز الحوالة بأحدهما على الآخر حلت
الآجال أو لم تحل أو حل أحدهما ولم يحل الآخر
لأنه يدخله بيع الطعام قبل أن يستوفي كما قلنا
لكن أشهب يقول إن استوت رؤوس أموالهما جازت
الحوالة وكانت تولية وابن القاسم لا يقول ذلك
كالحال إذا اختلفت ويتنزل المحال في الدين
الذي أحيل عليه منزلة من أحاله ومنزلته في
الدين الذي أحاله به وذلك فيما يريد أن يأخذ
بدله منه أو يبيعه له من غيره أعني أنه لا
يجوز له من ذلك إلا ما يجوز له مع الذي أحاله
وما يجوز للذي أحال مع الذي أحاله عليه ومثال
ذلك إن احتال بطعام كان له من قرض في طعام من
سلم أو بطعام من سلم في طعام من قرض لم يجز له
أن يبيعه من غيره قبل قبضه منه لأنه إن كان
احتال بطعام كان من قرض في طعام من سلم نزل
منزلة المحيل في أنه لا يجوز له بيع ما على
غريمه قبل أن يستوفيه لكونه طعاما من بيع وإن
كان احتال بطعام من سلم في طعام من قرض نزل من
المحتال عليه منزلته مع من أحاله أعني أنه ما
كان يجوز له أن يبيع الطعام الذي كان على
غريمه المحيل له قبل أن يستوفيه كذلك لا يجوز
أن يبيع الطعام الذي أحيل عليه وإن كان من قرض
وهذا كله مذهب مالك وأدلة هذه الفروق ضعيفة.
وأما أحكامها فإن جمهور العلماء على أن
الحوالة ضد الحمالة في أنه إذا أفلس المحال
عليه لم يرجع صاحب الدين على المحيل بشيء قال
مالك وأصحابه إلا أن يكون المحيل غره فأحاله
على عديم وقال أبو حنيفة.
يرجع صاحب الدين على المحيل إذا مات المحال
عليه مفلسا أو جحد الحوالة وإن لم تكن له بينة
وبه قال شريح وعثمان البتي وجماعة.
وسبب اختلافهم:
مشابهة الحوالة للحمالة.
(2/300)
بسم الله
الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله
وصحبه وسلم تسليما
كتاب الوكالة
وفيها ثلاث أبواب الباب الأول في أركانها وهي
النظر فيما فيه التوكيل وفي الموكل.
والثاني في أحكام الوكالة.
والثالث في مخالفة الموكل للوكيل.
الباب الأول في أركانها
وهي النظر فيما فيه التوكيل وفي الموكِّل وفي
الموكَّل (الركن الأول) في الموكل.
واتفقوا على وكالة الغائب والمريض والمرأة
المالكين لأمور أنفسهم.
واختلفوا في وكالة الحاضر الذكر الصحيح.
فقال مالك تجوز وكالة الحاضر الصحيح الذكر وبه
قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة لا تجوز وكالة الصحيح الحاضر
ولا المرأة إلا أن تكون برزة.
فمن رأى أن الأصل لا ينوب فعل الغير عن فعل
الغير إلا ما دعت إليه الضرورة وانعقد الإجماع
عليه قال لا تجوز نيابة من اختلف في نيابته.
ومن رأى أن الأصل هو الجواز قال الوكالة في كل
شيء جائزة إلا فيما أجمع على أنه لا تصح فيه
من العبادات وما جرى مجراها.
(الركن الثاني) في الوكيل.
وشرط الوكيل أن لا يكون ممنوعا بالشرع من
تصرفه في الشيء الذي وكل فيه فلا يصح توكيل
الصبي ولا المجنون ولا المرأة عند مالك
والشافعي على عقد النكاح.
أما عند الشافعي فلا بمباشرة ولا بواسطة أي
بأن توكل هي من يلي عقد النكاح.
ويجوز عند مالك بالواسطة الذكر.
(الركن الثالث) فيما فيه التوكيل.
وشرط محل التوكيل أن يكون قابلا للنيابة مثل
البيع والحوالة والضمان وسائر العقود والفسوخ
والشركة والوكالة والمصارفة والمجاعلة
والمساقاة والطلاق والنكاح والخلع والصلح ولا
تجوز في العبادات البدنية وتجوز في المالية
كالصدقة والزكاة والحج وتجوز عند
(2/301)
مالك في
الخصومة على الإقرار والإنكار وقال الشافعي في
أحد قوليه لا تجوز على الإقرار وشبه ذلك
بالشهادة والأيمان وتجوز الوكالة على استيفاء
العقوبات عند مالك وعند الشافعي مع الحضور
قولان.
والذين قالوا إن الوكالة تجوز على الإقرار
اختلفوا في مطلق الوكالة على الخصومة هل يتضمن
الإقرار أم لا فقال مالك لا يتضمن.
وقال أبو حنيفة يتضمن.
(الركن الرابع) وأما الوكالة فهي عقد يلزم
بالإيجاب والقبول كسائر العقود وليست هي من
العقود اللازمة بل الجائزة على ما نقوله في
أحكام هذا العقد.
وهي ضربان عند مالك عامة وخاصة فالعامة هي
التي تقع عنده بالتوكيل العام الذي لا يسمى
فيه شيء دون شيء.
وذلك أنه إن سمى عنده لم ينتفع بالتعميم
والتفويض وقال الشافعي لا تجوز الوكالة
بالتعميم وهي غرر وإنما يجوز منها ما سمي وحدد
ونص عليه وهو الأقيس إذ كان الأصل فيها المنع
إلا ما وقع عليه الإجماع.
الباب الثاني في الأحكام
وأما الأحكام فمنها أحكام العقد ومنها أحكام
فعل الوكيل.
فأما هذا العقد فهو كما قلنا عقد غير لازم
للوكيل أن يدع الوكالة متى شاء عند الجميع لكن
أبو حنيفة يشترط في ذلك حضور الموكل وللموكل
أن يعزله متى شاء قالوا إلا أن تكون وكالة في
خصومة.
وقال أصبغ له ذلك ما لم يشرف على تمام الحكم
وليس للوكيل أن يعزل نفسه في الموضع الذي لا
يجوز أن يعزله الموكل وليس من شروط انعقاد هذا
العقد حضور الخصم عند مالك والشافعي.
وقال أبو حنيفة ذلك من شروطه.
وكذلك ليس من شرط إثباتها عند الحاكم حضوره
عند مالك.
وقال الشافعي من شرطه.
واختلف أصحاب مالك هل تنفسخ الوكالة بموت
الموكل على قولين.
فإذا قلنا تنفسخ بالموت كما تنفسخ بالعزل فمتى
يكون الوكيل معزولا والوكالة منفسخة في حق من
عامله في المذهب فيه ثلاثة أقوال الأول أنها
تنفسخ في حق الجميع بالموت والعزل.
والثاني أنها تنفسخ في حق كل واحد منهم
بالعلم.
فمن علم انفسخت في حقه ومن لم يعلم لم تنفسخ
في حقه.
والثالث أنها تنفسخ في حق من عامل الوكيل
(2/302)
بعلم الوكيل
وإن لم يعلم هو ولا تنفسخ في حق الوكيل بعلم
الذي عامله إذا لم يعلم الوكيل ولكن من دفع
إليه شيئا بعد العلم بعزله ضمنه لأنه دفع إلى
من يعلم أنه ليس بوكيل.
وأما أحكام الوكيل ففيها مسائل مشهورة أحدها
إذا وكل على بيع شيء هل يجوز له أن يشتريه
لنفسه فقال مالك يجوز.
وقد قيل عنه لا يجوز وقال الشافعي لا يجوز
وكذلك عند مالك الأب والوصي ومنها إذا وكله في
البيع وكالة مطلقة لم يجز له عند مالك أن يبيع
إلا بثمن مثله نقدا بنقد البلد ولا يجوز إن
باع نسيئة أو بغير نقد البلد أو بغير ثمن
المثل وكذلك الأمر عنده في الشراء وفرق أبو
حنيفة بين البيع والشراء لمعين فقال يجوز في
البيع أن يبيع بغير ثمن المثل وأن يبيع نسيئة
ولم يجز إذا وكله في شراء عبد بعينه أن يشتريه
إلا بثمن المثل نقدا ويشبه أن يكون أبو حنيفة
إنما فرق بين الوكالة على شراء شيء بعينه لأن
من حجته أنه كما أن الرجل قد يبيع الشيء بأقل
من ثمن مثله ونساء لمصلحة يراها في ذلك كله
كذلك حكم الوكيل إذ قد أنزله منزلته وقول
الجمهور أبين وكل ما يعتدي فيه الوكيل ضمن عند
من يرى أنه تعدى وإذا اشترى الوكيل شيئا وأعلم
أن الشراء للموكل فالملك ينتقل إلى الموكل
وقال أبو حنيفة إلى الوكيل أولا ثم إلى
الموكل.
وإذا دفع الوكيل دينا عن الموكل ولم يشهد
فأنكر الذي له الدين القبض ضمن الوكيل.
الباب الثالث مخالفة الموكل للوكيل
وأما اختلاف الوكيل مع الموكل فقد يكون في
ضياع المال الذي استقر عند الوكيل وقد يكون في
دفعه إلى الموكل وقد يكون في مقدار الثمن الذي
باع به أو اشترى إذا أمره بثمن محدود وقد يكون
في المثمون وقد يكون في تعيين من أمره بالدفع
إليه وقد يكون في دعوى التعدي.
فإذا اختلفا في ضياع المال فقال الوكيل ضاع
مني وقال الموكل لم يضع فالقول قول الوكيل إن
كان لم يقبضه ببينة فإن كان المال قد قبضه
الوكيل من غريم الموكل ولم يشهد الغريم على
الدفع لم يبرأ الغريم بإقرار الوكيل عند مالك
وغرم
(2/303)
ثانية وهل يرجع
الغريم على الوكيل فيه خلاف وإن كان قد قبضه
ببينة برئ ولم يلزم الوكيل شيء.
وأما إذا اختلفا في الدفع فقال الوكيل دفعته
إليك وقال الموكل لا فقيل القول قول الوكيل.
وقيل القول قول الموكل.
وقيل إن تباعد ذلك فالقول قول الوكيل.
وأما اختلافهم في مقدار الثمن الذي به أمره
بالشراء فقال ابن القاسم إن لم تفت السلعة
فالقول قول المشتري وإن فاتت فالقول قول
الوكيل وقيل يتحالفان وينفسخ البيع ويتراجعان
وإن فاتت بالقيمة.
وإن كان اختلافهم في مقدار الثمن الذي أمره به
في البيع فعند ابن القاسم أن القول فيه قول
الموكل لأنه جعل دفع الثمن بمنزلة فوات السلعة
في الشراء.
وأما إذا اختلفا فيمن أمره بالدفع ففي المذهب
فيه قولان المشهور أن القول قول المأمور وقيل
القول قول الآمر.
وأما إذا فعل الوكيل فعلا هو تعد وزعم أن
الموكل أمره فالمشهور أن القول قول الموكل وقد
قيل إن القول قول الوكيل إنه قد أمره لأنه قد
ائتمنه على الفعل.
(2/304)
|