شرح
التلقين باب ما يوجب الغسل
قال القاضي رحمه الله: "و (1) يجب الغسل على الرجل بشيئين. إنزال (2) الماء
الدافق عن لذة (3) في نوم أو يقظة. فإن عري عن اللذة فلا غسل عليه.
والإيلاج (4) في قبل أو دبر (5). وعلى المرأة بهذين وبشيئين آخرين (6) وهما
الحيض والنفاس وخروج (7) الولد، وعليهما بإسلام الكافر منهما.
قال الإِمام رضي الله عنه: يتعلق بهذا الفصل ستة أسئلة منها أن يقال:
1 - ما دليل (8) وجوب الغسل من الماء الدافق؟.
2 - ولِمَ سقط الغسل فيه إذا عري من اللذة؟.
3 - ولم وجب بالإيلاج؟.
4 - ولم وجب بالحيض والنفاس؟.
5 - وما معنى ذكره خروج الولد مع ذكره النفاس؟.
6 - ولم وجب على الكافر؟.
فالجواب عن السؤال الأول: أن يقال: إنما وجب الغسل بإنزال الماء
__________
(1) الواو ساقطة -الغاني.
(2) أثر -و-.
(3) اللذة - الغاني.
(4) بالحشفة - الغاني.
(5) أو في دبر -ح-.
(6) ساقطة -و-.
(7) وهو خروج - الغاني.
(8) ما الدليل على -و-.
(1/201)
الدافق بلذة. لقوله تعالى: {وَإِنْ
كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} (1). ولقوله عليه السلام: الماء من الماء
(2). ولا خلاف في ذلك، وسواء أكان في نوم أو في يقظة لعموم هذه الظواهر.
وسواء أكان من رجل أو امرأة لعموم الظواهر أيضًا. ولقول أم سلمة: يا رسول
الله إن الله لا يستحي من الحق، هل على المرأة من غسل إذا احتلمت قال نعم
إذا رأت الماء (3). وقد قال بعض أهل العلم: إن ذلك إجماع. وقال ابن المنذر
لا نعلم فيه اختلافًا إلا ما روي عن النخعي: أنه سئل عن المرأة ترى في
المنام ما يرى الرجل فقال: إنما الحيض للنساء (4) والحلم للرجال. ومثل هذه
المقالة الشاذة التي هي عرضة الاحتمال لا تقدح فيما قدمناه من الأدلة. فإن
استيقظ النائم فذكر احتلامًا ولم ير له أثرًا فلا حكم له. لأن حال النوم لا
يكون أصح من حال اليقظة. وقد دلت اليقظة على بطلان ما تخيل، ولأنه عليه
السلام: سئل عن الرجل يرى أنه احتلم ولا يجد البلل. فقال: لا غسل عليه (5).
وإن استيقظ من نومه فرأى الأثر ولم يذكر الاحتلام: فاختلف الناس في ذلك هل
يوجب الغسل أم لا؟ فمنهم من أوجبه لأنه عليه السلام:
__________
(1) سورة المائدة، الآية: 6.
(2) هو طرف من حديث رواه مسلم بسنده إلى أبي سعيد الخدري. النووي ج 4 ص 36/
37. ورواه البيهقي ج 1 ص 167.
(3) عن أنس رضي الله عنه قال: جاءت أم سليم وهي جدة إسحاق إلى رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - فقالت له وعائشة عنده: يا رسول الله المرأة ترى ما
يرى الرجل في المنام. فترى من نفسها ما يرى الرجل من نفسه. فقالت عائشة:
فضحت النساء. تربت يمينك. فقال لعائشة: بل أنت تربت يمينك، نعم فلتغتسلي يا
أم سليم إذا رأيت ذاك. النووي ج 3 ص 230 وعن زينب بنت أبي سلمة قالت: جاءت
أم سليم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله إن الله لا
يستحي من الحق فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ فقال رسول الله - صلى
الله عليه وسلم -: نعم إذا رأت الماء. رواه مسلم. النووي ج 3 ص 223/ 224
وأخرجه البخاري كتاب الغسل.
(4) على النساء -ح-ق-.
(5) البيهقي عن القاسم عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: سئل رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - عن الرجل يرى في المنام البلل ولا يذكر
احتلامًا. قال: يغتسل. وإن رأى أنه احتلم ولم ير بللًا فلا غسل عليه. السنن
ج 1 ص 167.
(1/202)
سئل عن الرجل يجد البلل ولا يذكر الاحتلام
فقال يغتسل (1). ولأن الغالب أن الماء لا يخرج من النائم إلا بشهوة، وإن
خفيت عنه عند يقظته، لغمرة النوم له. وقيل لا غسل عليه لأنه ماء يخرج بغير
لذة، وما كان كذلك لا يوجب غسلًا على ما نبينه فيما بعد.
ولو شك في هذا الماء هل هو مني أو مذي، فإن المذهب على قولين: أحدهما أنه
يغتسل احتياطًا (2) ولأن الشك في الحدث يجري مجرى التيقن (3) على هذه
الطريقة. والثاني لا يجب عليه أن يغتسل لأن الأصل براءة الذمة، والشك في
الحدث لا يؤثر على هذه الطريقة. فإن قلنا بالطريقة (4) الأولى وهي إثبات
الغسل فهل عليه أن يضيف لذلك الوضوء؟ المشهور عنهم أنه يستغني بالغسل عن
الوضوء لأن من أجنب تيقنًا (5) يسقط عنه فرض الوضوء ويستغني بالغسل. فمن شك
هل أجنب أم لا، فأمرناه بالغسل، فإنه يكتفي به أيضًا. وقد رأيت بعض
المخالفين ذهب إلى أنه لا بد أن يضيف إلى غسله وضوءًا. وعندي أنه قد يتخرج
ذلك على قول من ذهب من أصحابنا إلى وجوب الترتيب في الوضوء. لأن غسل
الجنابة لا ترتيب فيه. والوضوء يجب ترتيبه عند هذه الطائفة على ما أشرنا
إليه فيما تقدم. فإذا أمكن أن يكون ما وجده (6) مذيًا، فالواجب منه الوضوء
لأجل الشك فيه، كما أمروه بالغسل لأجل الشك به أيضًا. فإذا اغتسل غسلًا لم
يحصل معه ترتيب أعضاء الوضوء بقي مطالبًا بالوضوء الواجب لأجل الشك. فوجب
عليه لأجل ذلك الأمران.
والجواب عن السؤال الثاني: أن يقال: أمَّا المني إذا خرج بغير لذة،
__________
(1) البيهقي عن القاسم عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: سئل رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - عن الرجل يرى في المنام البلل ولا يذكر
احتلامًا. قال: يغتسل. وإن رأى أنه احتلم ولم ير بللًا فلا غسل عليه. السنن
ج 1 ص 167.
(2) لان -و-ق-.
(3) اليقين -و-ح-ق-.
(4) الطريقة -ح-.
(5) يقينًا -و-ق-.
(6) أن يكون وجد -و-.
(1/203)
كمن ضرب بسيف فأمنى أو لدغته عقرب فأمنى،
فإن فيه قولان:
- أحدها أنه يغتسل.
- والثاني لا غسل عليه.
فوجه القول بأنه يغتسل عموم الظواهر، لأنه يسمى جنبًا على الحقيقة. فدخل في
عموم قوله سبحانه: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} (1). وفي عموم
قوله الماء من الماء (2). ووجه القول ألا غسل عليه. أنه ماء خرج على غير
الصفة المعتادة فلم يلزم فيه الغسل كدم الاستحاضة لما خرج على غير الصفة
المعتادة لم يلزم فيه غسل. وتحمل الظواهر على خروج المني بلذة. لأنه
المعتاد فيه. ويخص العموم بالعادة على قول بعض أهل الأصول. ومن هذا النمط
اختلاف المذهب فيمن جامع ولم ينزل فاغتسل ثم أنزل، هل عليه الغسل أيضًا أم
لا؟ وفيمن لاعب ثم أنزل بعد حين بغير لذة، هل عليه الغسل أيضًا أم لا؟ فقيل
بإثبات الغسل. وقيل بنفيه. وتوجيه ذلك قد تقدم. ومن أصحابنا من فرق بين
السؤالين فأثبت (3) الغسل فيمن لم يتقدم له غسل. ونفاه فيمن تقدم له غسل.
واعتل بأنه لا يغتسل من سبب واحد مرتين. وكأن (4) الجماع والإنزال سبب
واحد، اغتسل في خلاله فلم يلزمه إعادة الغسل. ولا معنى لهذه التفرقة. لأن
المني الخارج بغير لذة لم يغتسل له، فيعتبر فيه ما قلناه من القولين. ويطرد
في السؤالين. فإن قلنا بإثبات الغسل فهل يعيد ما تقدم من الصلاة؟ فيه
قولان: أحدهما أنه لا يعيد وهو النظر عندي لأن الغسل إنما وجب لحدث حدث بعد
الصلاة فلم يؤثر فيما كان قبله كسائر الأحداث المعتادة. وإن قلنا بنفي
الغسل فهل يؤمر بأن يتوضأ؟ المذهب أنه يؤمر بذلك. وهل يؤمر به على جهة
الوجوب أو الاستحباب؟.
اختلف البغداديون من أصحابنا فقال بعضهم يؤمر به على جهة الوجوب.
__________
(1) سورة المائدة، الآية: 6.
(2) تقدم تخريجه قريبًا.
(3) وأثبت -و-.
(4) فكأن.
(1/204)
وقال بعضهم بل على جهة الاستحباب. والكلام
على هذا كالكلام على وضوء المستحاضة. لأنه خرج على غير جهة الصحة، فلم يوجب
الغسل. ولكنه يؤمر فيه بالوضوء، لما قدمناه من أمر النبي - صلى الله عليه
وسلم - المستحاضة بذلك. وقد مضى الكلام على ذلك.
والجواب عن السؤال الثالث: أن يقال: اختلف الناس في الغسل بمجرد الإيلاج.
فذهب الأنصار رضي الله عنهم إلى أنه لا يجب الغسل بذلك. وذهب المهاجرون إلى
أنه يجب. وأرسلوا أبا موسى لعائشة رضي الله عنها. فأخبرتهم بما يقتضي وجوب
الغسل. فنقل عن جماعة منهم الرجوع إلى ما قالت، وبه قال فقهاء الأمصار.
وأخذ داود وشيعته بالقول الأول. وقد اختلفت الأحاديث في ذلك فروي ما يدل
على القول الأول كقوله: الماء من الماء (1). وروي ما يدل على القول الثاني
كقوله: إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل أنزل أم لم ينزل (2). وكذا
(3) ظاهر القرآن تجاذبه الفئتان. فقال من نفى الغسل: الجنب هو من أنزل
الماء. والظاهر ورد بالأمر بغسله فوجب قصر الحكم عليه. وقال من أثبت الغسل:
الجنب مأخوذ
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) روى مالك في الموطأ بسنده إلى أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أنه قال:
سألت عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يوجب الغسل؟ فقالت: هل
تدري ما مثلك يا أبا سلمة؟ مثل الفروج يسمع الديكة تصرخ فيصرخ معها. إذا
جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل -علق عليه الزرقاني رواه أحمد والترمذي
من وجه آخر عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا اللفظ. وأخرجه
الطبراني في الكبير عن أبي أمامة وعن رافع بن خديج والشيرازي في الألقاب عن
معاذ بن جبل كلهم مرفوعًا ج 1 ص 85. ولفظ مسلم إذا مس الختان الختان فقد
وجب الغسل وفي رواية إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل. وفي
رواية فقد وجب الغسل وأن لم ينزل- النووي ج 4 ص 38.
وهذه الروايات كلها لا تتحد مع النص الذي احتج به المازري والرواية
الموافقة هي التي رواها الدارقطني في الإفراد عن أبي هريرة وابن عباس رضي
الله عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا جاوز الختان الختان
وجب الغسل أنزل أو لم ينزل. الجامع الكبير ج 1 ص 420.
(3) كذلك -و-.
(1/205)
من المجانبة. والمجانبة المفارقة. فيسمى من
فارق ماءه جنبًا. ويسمى من فارق فرج حليلته جنبًا. فيحمل الظاهر على
العموم. فيقتضي الغسل بمجرد الإيلاج. وقد رجح أيضًا من أثبت الغسل على (1)
ما تعلق به من الأحاديث، بأنها أثبتت حكمًا. فكانت أولى مما نفاه. وسلكوا
طريقًا أخرى في بناء الأحاديث فقالوا نحمل قوله: الماء من الماء. على أنه
في المنام. وتحمل أحاديثنا على اليقظة لئلا تتعارض أدلة الشرع. وقد حمله
ابن عباس رضي الله عنه على ذلك. وقصر الحديث على الاحتلام. وأيضًا فإن
الرازي ذكر أن الغسل بمجرد التقاء الختانين قد أجمع عليه السلف بعد
الاختلاف الذي كان بينهم فيه (2). فسقط حكم الاختلاف ولحقت المسألة بمسائل
الإجماع. وهذا الذي قاله الرازي: قد أنكر حذاق أهل الأصول اتفاق وقوعه
أصلًا. لأن اختلاف الأمة على قولين يتضمن جواز الأخذ بكل واحد من القولين،
واتخاذه مذهبًا عند من رآه صوابًا، وإجماعها بعد ذلك على أحد القولين يتضمن
منع الذهاب إلى الآخر بعد أن كان الاختلاف يتضمن جواز الذهاب إليه. وهذا
يوجب تخطئة الأمة فيما تجمع عليه وذلك ممنوع. ورجحوا أيضًا بأن نفي الغسل
مستفاد من دليل (3) قوله: الماء من الماء. وإثبات الغسل مستفاد من النطق
ونفس النطق أولى من دليل النطق. وإن تعلقوا بخبر آخر يستفاد ما قالوه من
نطقه اقتصرنا على ما قدمنا من الترجيح. وقد رجح أيضًا من نفي الغسل ما تعلق
به بأن ما قد (4) ورد في الظواهر من ذكر الغسل والطهر محمول على غسل بعض
الجسم لا كله. وما ورد من نفيه فمحمول (5) على كل البدن لا بعضه. لئلا
تتعارض أدلة الشرج. وأجيبوا عن
__________
(1) على ساقطة -ح-.
(2) روى سعد بن سعد الساعدي عن أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
إنما جعل ذلك رخصة للناس "أي إنما الماء من الماء" في أول الإِسلام نقله
الثياب ثم أمر بالغسل. ونهى عن ذلك.
أخرجه أبو داود وصححه الترمذي والبيهقي. الهداية ج 2 ص 26/ 27.
(3) أي من مفهوم المخالفة. وهو دليل الخطاب عند الأصوليين.
(4) قد ساقطة -و-ق-.
(5) محمول -و-.
(1/206)
هذا بأن الغسل ورد ها هنا معرفًا بالألف
واللام والمراد به الغسل المعهود المعروف. و (1) هذا ظاهر الإطلاق ولا يعدل
عنه إلى غيره إلا بدليل. وإذا ثبت وجوب الغسل بمجرد الإيلاج، فسواء فيه
القبل والدبر، لأنهما يشتركان في كثير من الأحكام. ولو كان الإيلاج في فرج
خنثى مشكل فقد قال بعض الناس لا يجب بذلك الغسل، لجواز أن يكون عضوًا
زائدًا والعضو الزائد لا حكم له ها هنا. وهذا عندي يتخرج على القولين في
نقض الطهارة بالشك. وقد أشرنا إلى ذلك فيما تقدم.
والجواب عن السؤال الرابع: أن يقال: إنما وجب الغسل (2) بالحيض والنفاس
لقوله عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} (3).
ولقوله عليه السلام في الحيضة: وإذا أدبرت فاغتسلي (4). وكان حكم النفاس
كذلك لأنه دم حيض مجتمع فكان حكمه حكم الحيض.
والجواب عن السؤال الخامس: أن يقال: إنما ذكر خروج الولد مع النفاس لأن
خروج الولد بمجرده فيه اختلاف. هل يؤمر فيه بالغسل أم لا؟ فنبه عليه لموضع
الخلاف فيه.
والجواب عن السؤال السادس: أن يقال: أما غسل الكافر فاختلف فيه أصحابنا هل
هو للجنابة أو للإسلام؟ فمن رآه للجنابة جعله واجبًا، إذ غسل الجنابة واجب.
ومن رآه للإسلام جعل الغسل مستحبًا وهو مذهب إسماعيل القاضي. واعتل بأن
جنابته في الشرك يمحو حكمها الإِسلام. لأن الإِسلام يجب ما قبله. وقد ألزم
على هذا ألا تجب عليه الطهارة الصغرى من الحدث الأصغر لأن الإِسلام يجب
أيضًا أن يمحو الحدث الأصغر كما محا الأكبر. وقد نص
__________
(1) الواو ساقطة -و-ق-.
(2) ساقطة -و-.
(3) سورة البقرة، الآية: 222.
(4) اللفظ لمسلم في باب المستحاضة وغسلها وصلاتها في حديث فاطمة بنت أبي
حبيش جاء في خاتمته: فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك
الدم وصلي. النووي ج 4 ص 17. ورواه البخاري في أكثر من موضع الفتح ح 1 ص
425. =
(1/207)
إسماعيل على أن الطهارة الصغرى عنده بخلاف
ذلك، فقال: جنابته يمحوها الإِسلام وإنما يجب عليه أن يستأنف ما على المسلم
استئنافه. فإذا أراد الصلاة توضأ. لأن الصلاة لا تكون إلا به. قال تعالى:
{إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} إلى قوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا
فَاطَّهَّرُوا} (1) فعلق وجوب الغسل بالجنابة. وقد تكون أو لا تكون.
والوضوء لا بد منه لمن لم يكن توضأ. وهذا الذي تمسك به من ظاهر الآية إنما
يستقيم مع القول بأن ظاهرها يوجب الوضوء على كل قائم للصلاة وإن لم يكن
محدثًا. وأما من أضمر الحدث ورآه شرطًا في وجوب الطهارة الصغرى فلا فرق بين
الطهارتين لأنهما علقا بشرطين. وقد استدل من أوجب الغسل بغسل ثمامة (2).
وبأنه عليه السلام لما أسلم قيس بن عاصم أمره أن يغتسل (3). واستدل من نفى
الوجوب بأنه أسلم الجم الغفير، والعدد الكثير فلم ينقل أنه أمرهم بالغسل.
ولو أمرهم بذلك مع كثرتهم لاشتهر وانتشر.
__________
(1) سورة المائدة، الآية: 6.
(2) عن أبي هريرة أن ثمامة بن أثال أسلم فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن
ينطلق إلى حائط أبي طلحة فيغتسل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد
حسن إسلام صاحبكم. رواه الشيخان والبيهقي واللفظ لأحمد. الفتح الرباني ج 2
ص 148.
(3) عن عاصم أن جده قيس بن عاصم أسلم على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -
فأمره أن يغتسل بماء وسدر. اللفظ لأحمد أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي.
الفتح الرباني ج 2 ص 148.
(1/208)
|