شرح التلقين

فصل الأماكن التي نكره فيها الصلاة
قال القاضي أبو محمَّد رحمه الله تعالى: وتكره الصلاة في معاطن الإبل وفي البِيَع والكنائس، والفرض داخل البيت عند مالك وعلى ظهره، وتجوز الصلاة في مراح البقر والغنم.

قال الإِمام رضي الله عنه: يتعلق بهذا الفصل أربعة أسئلة. منها أن يقال:
1 - لِمَ نهي (1) عن الصلاة في معاطن الإبل ولم ينْه عنها في مراح البقر والغنم؟.
2 - وما حكم الصلاة في المقبرة والحمّام؟.
3 - ولم كرهت الصلاة في البيع والكنائس؟.
4 - وما حكم المصلي إذا صلى على نجاسة أو حملها أو استقبلها؟.
وبقية هذا الفصل وهو الصلاة على الكعبة وداخلًا فيها (2)، قد تقدم الكلام عليه مبسوطًا مفصلًا فيه المسائل المتعلقة به؟.

فالجواب عن السؤال الأول: أن يقال: أما معاطن الإبل فهي مباركها عند الماء. وأما مراح الغنم فهو مجْتَمعها من آخر النهار. وقد روى ابن وهب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الصلاة في المزبلة والمجزرة ومحجة الطريق وظهر بيت الله عَزَّ وَجَلَّ ومعاطن الإبل. وخرج الترمذي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن الصلاة في سبع مواطن: في المجزرة والمزبلة والمقبرة وقارعة الطريق وفي الحمّام ومعاطن الإبل وفوق ظهر بيت الله الحرام (3). فاستفيد من هذا الحديث والذي قبله النهي
__________
(1) ينهى -و-.
(2) وهو الصلاة في الكعبة وعلى ظهرها - قث.
(3) عن داود بن حسين عن عمر نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يصلي في سبعة مواطن في المزبلة والمجزرة والمقبرة وقارعة الطريق والحمام ومواطن الإبل وفوق الكعبة. رواه الترمذي وعبد بن حميد وابن ماجة وفي إسناده مقال.

(1/820)


عن الصلاة في معاطن الإبل، ولم يختلف العلماء في كراهة الصلاة في معاطن الإبل واختلفوا في تعليل النهي عن الصلاة فيها. فقال بعض أصحابنا إنما نُهي عن ذلك لأنها يستتر بها للبول والغائط فلا تكاد تسلم مباركها من نجاسة. وقال غير هؤلاء من أصحابنا بل لأنها خلقت من الشياطين، ويحتج هؤلاء بأنه عليه الصلاة والسلام سئل عن الوضوء من لحوم الإبل فقال: " توضؤوا منها. وسئل عن الصلاة في مبارك الإبل فقال: لا تصلوا في مبارك الإبل فإنها من الشياطين وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم فقال: صلوا فيها فإنها بركة" (1). وقال غير هؤلاء من أصحابنا إنما نهي عن ذلك لنِفَارها فإن نفارها يمنع من إتمام الصلاة.
وقالت طائفة إنما نهي عن ذلك لزفورتها وثقل رائحتها. والشرع قد سن الصلاة للنظافة (2) والمساجد تُطيّب لأجل الصلاة. وقد جمع القاضي أبو محمَّد في غير كتابه هذا بين جميع هذه التعاليل: فقال كرهت الصلاة في معاطن الإبل لمعان منها ما روي أنها جنّ خلقت من جنّ فلا ينبغي أن يصلي بحيث الشياطين.
ومنها أنه يستتر بها عند البراز، ومنها أن نفورها خلاف نفور البقر والغنم، ومنها أن الأغلب عليها الوسخ والزفورة والغنم والبقر بخلافها. ولما جمع القاضي أبو محمَّد بين هذه التعاليل وذكر التعليل بالنفار أشار إلى أن البقر بخلافها كما حكيناه عنه. وقد قال غيره من المتأخرين إذا علل بالنفار وجب أن تجري البقر مجراها لأن نفارها أيضًا لا يُؤمن منه. وتختلف أحكام التفريع ها هنا
لاختلاف (3) هذه التعاليل. فإذا أمِن من النجاسة لتيقن طهارة مباركها أو بُسِط فيها ثوب يصلى عليه فإن في ذلك قولين: قال ابن القاسم تأويل النهي لما يخالطها من مذاهب الناس ولو سلم من ذلك فلا بأس بالصلاة فيها. وروي عن مالك أنه لا يصلى فيها وإن لم يجد غيرها ولو بسط عليها (4) ثوبًا. فإذا عللنا بالنجاسة كان الأمر كما قاله ابن القاسم وكما علل به. وإن عللنا بكونها من
__________
(1) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة وابن حبان وابن الجارود. نيل الأوطار ج 1 ص 254.
(2) هكذا في النسختين ولعل الصواب وقد سن للصلاة النظافة.
(3) باختلاف - قث.
(4) عليها = ساقطة -و-.

(1/821)


الشياطين مخلوقة نهي عن الصلاة ولو بسط عليها ثوبًا كما قاله مالك. وإن عللنا بالنفار لم يصل في مباركها ما دامت فيها، وأن تُيقن طهارتها ويصلي فيها بعد أن تزول عنها. وهذا تنبيه على طرد التفريع على ما بقي من التعليل. وحكى ابن مُزيَنْ أن الإبل المؤبلة (1) لا بأس بالصلاة في مواضعها. قال الشيخ أبو القاسم ابن الكاتب إنما النهي عن المعاطن التي اعتادت الإبل أن تغدو منها وتروح إليها. وأما لو باتت إبل سُفّار في بعض المناهل لجازت الصلاة فيها.
لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلي إلى بعيره في السفر فإن صلى فيها فصل وهو منهي عن الصلاة فيها فاختلف فيها فقال أصبغ يعيد في الوقت. وقال ابن حبيب إن كان عامدًا أو جاهلًا أعاد أبدًا، كمن صلى على موضع نجس. فكأن ابن حبيب رأى أن الظن بحصول النجاسة كاليقين بحصولها. فإذا كان الغالب نجاسة المبارك كانت الصلاة فيها كالصلاة في موضع تحقق نجاسته. وكان أصبغ رأى اختلاف التعليل (2) في ذلك وأن التعليل بأحدها، وهو كون المبارك تخالطها النجاسة أمر غير محقق، ولا مقطوع به.
فكان حكمه الاستظهار بإعادة الصلاة في الوقت، وإعادتها بعد الوقت إنما يكون مع عدم الإجزاء. ولا دليل ها هنا يمنع الإجزاء.
وأما الصلاة في مراح الغنم فإنها جائزة لسلامتها من سائر العلل المذكررة، ولأنه عليه الصلاة والسلام كان يصلي في مرابض الغنم. ولم ينقل في ذلك خلاف عن أحد من أهل العلم. وعلى هذا الأصل مضى ابن حبيب فيما ذكره (3) في الأحاديث المتقدمة من النهي عن الصلاة في المجزرة والمزبلة ومحجة الطريق لما كان الغالب نجاسة هذه المواضع. فاجرى الصلاة في هذه المواضع (4) مجرى من صلى في موضع يتحقق نجاسته. فإن كان عامدًا أو جاهلًا أعاد أبدًا وإن كان ساهيًا أعاد في الوقت، وهذا إذا صلى في الطريق
__________
(1) وهي التي استغنت برعي الكلإ عن الماء.
(2) التعاليل - قث.
(3) ذكر - قث.
(4) المواضع = ساقطة -و-.

(1/822)


اختيارًا. وأما من (1) صلى فيه اضطرارًا لضيق المسجد فإن الصلاة حينئذٍ جائزة.
ورأيت فيما عُلّق على ابن الكاتب وابن مناس من صلى على قارعة الطريق لم يُعد إلا أن تكون النجاسة فيها عينًا قائمة.

والجواب عن السؤال الثاني: أن يقال: أما الصلاة في المقبرة، فالمشهور من مذهبنا إجازتها وإن كان القبر بين يديه. وروى أبو مصعب عن مالك أنه كره الصلاة فيها. وتال القاضي أبو محمَّد تكره الصلاة في المقبرة الجديدة في الجملة. وإن كانت قديمة وفيها نبش فلا يجوز إلا أن يجعل فيها حصيرًا تحول بينه وبينها. وتكره في مقابر المشركين جملة من غير تفصيل. ووافقنا أبو حنيفة والشافعي على الجواز. هكذا حكى بعض أصحابنا. وفي كتب أصحاب الشافعي أن الصلاة لا تجوز إذا تكرر نبشها وتجوز إذا لم تنبش إلا أنه يكره، ولا فرق بين (2) أن يصلي فيها أو إليها. قالوا وإن جهل حالها هل تكرر نبشها أم لا؟ قولان: أحدهما الجواز لأن الأصل الطهارة. والثاني لا يجوز لأن الظاهر تكرار النبش لكون المقبرة مدفنًا قديمًا. وقال بعض أهل الظاهر لا تجوز الصلاة في المقبرة.
فدليلنا على الجواز قوله - صلى الله عليه وسلم -: "جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورا" (3).
ولأنه عليه الصلاة والسلام صلى على السوداء في قبرها بعد دفنها (4). وقد قال نافع صلينا على عائشة رضي الله عنها وأم سلمة رضي الله عنها وسط البقيع والإمام يومئذٍ أبو هريرة وحضر ذلك ابن عمر رضي الله عنهم.
وأما وجه النهي عن ذلك فلأنه - صلى الله عليه وسلم - نهى أن تتخذ القبور مساجد (5). وخرج مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها (6). وقد أخذ
__________
(1) وأما إن - قث.
(2) بين = ساقطة -و-.
(3) أخرجه أصحاب الصحيح بطرق متعددة. نيل الأوطار ج 1 ص 230 وج 2 ص 134.
(4) رواه مسلم. إكمال الإكمال ج 3 ص 90. والنسائي ج 3 ص 69.
(5) رواه مسلم وأبو داود وأحمد والنسائي وابن ماجة. نيل الأوطار ج 2 ص 135.
(6) رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة. نيل الأوطار ج 2 ص 138.

(1/823)


الليث بظاهر هذا الحديث فكره الصلاة في القبور والجلوس عليها والاتكاء إليها، ورأى للميت حرمة تمنع من القعود والاتكاء عليه. وقال بعض أصحابنا مجيبًا عن خبر النهي عن الصلاة في المقبرة فحمل النهي على مقبرة المشركين.
لأن الصلاة رحمة ولأن الغالب عليهم النجاسة فلا يتحفظون أن تصيب قبورهم. وهذا الذي ذكره من حمل النهي على مقبرة المشركين قد نص الشيخ أبو محمَّد على المنع من الصلاة في مقبرة المشركين، وعلل بعض أصحابنا ذلك بأنها بقعة خصت بأهل العذاب فشرع اجتنابها كما شرع تحري مواضع الصالحين. وهكذا حمل ابن حبيب خبر النهي عن الصلاة في المقبرة في الحديث الذي قدمناه المذكور فيه تعديد ما نهى عنه من المواطن تأويله أنه في مقبرة المشركين لأنها حفرة من حفر النار. وأما مقبرة المسلمين فلا، عامرة كانت أو داثرة. قال بعضهم يريد إلا أن تكون مبعثرة، فلا يصلَّى فيها. قال ابن حبيب فيمن صلى في مقبرة المشركين وهي عامرة أعاد أبدًا في العمد والجهل. وإذا كانت دارسة لم يعد، وقد أخطأ. وهذا الذي حكيناه عن بعضهم من تقييده كلامَ ابن حبيب بأن لا تكون مبعثرة فيه نظر. فإن مالكًا ق الذيها لا بأس به وإن كانت دارسة. قال بعض المتأخرين هذا بناءً أن المؤمن لا ينجس بالموت. وقال وقول القاضي أبي محمَّد لا يصلي في المقابر التي يكون فيها النبش، مبني على أن المؤمن (1) ينجس بالموت.
وأما الصلاة في الحمام فأنجازها مالك في المدونة. وقال القاضي أبو محمَّد *تكره الصلاة داخل الحمّام. وبالكراهة قالت الشافعية. وبالمنع قال ابن حنبل فلا تصح الصلاة عنده فيه لحديث النهي عن ذلك. ومحمل النهي عن ذلك على الكراهة إذا أثبتناها كما أثبتها القاضي أبو محمَّد* (2) وإن احتج أحمد بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمّام " (3). تأولناه كما
__________
(1) الميت - قث.
(2) ما بين النجمين = ساقط -و-.
(3) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة. نيل الأوطار ج 2 ص 135.

(1/824)


تأولنا الذي قبله. وتأولنا استثناءه *المقبرة* (1) على ما تقدم من اختلاف الطرق والمذاهب.

والجواب عن السؤال الثالث: أن يقال: إنما كرهت الصلاة في البيع والكنائس لنجاسة الموضع وللصور التي فيها. وقد كره مالك أن يصلى إلى قبلة فيها تماثيل. لأنه يصير كالساجد للصورة. وأيضًا فإن النظر إليها يلهيه. وقد جاء الشرع باجتناب ما يلهيه عن الصلاة.
وقد قال مالك في الخاتم فيه تماثيل لا يلبس ولا يصلى به.
وأيضًا فإنها مواضع أسست على غير التقوى. وقد كره مالك النزول بالكنائس إذا وجد عنها مندوحة، فإن اضطر إليها المسافر لبَرْد وشبْهِه بسط فيها ثوبًا طاهرًا إذا أحب الصلاة.
وقد قال مالك لا يصلى على بساط فيه صورة إلا من ضرورة.
فأباح الصلاق على ما فيه صورة للضرورة. فإن صلى مُصَلّ في الكنيسة جرت إعادته على القولين اللذين أشار إليهما في معاطن الإبل. وقد قال سحنون أحب إليّ أن يعيد من صلى في الكنيسة لضرورة أو غير ضرورة في الوقت. وقد قال ابن حبيب من صلى بثوب نصراني أو في بيت مسلم لا يتنزه عن النجاسة أعاد أبدًا. وقد قدمنا أصله في هذا في معاطن الإبل.

والجواب عن السؤال الرابع: أن يقال: تقدم الكلام على اختلاف المذهب في إزالة النجاسة هل هي فرض وشرط في صحة الصلاة مع الذكر والنسيان كطهارة الحدث أو ليست بشرط مع النسيان لقا كانت من قبيل التروك كالأكل في الصوم والكلام في الصلاة؟ وبسطنا القول في ذلك وذكرنا اختلاف عبارة الأصحاب عنه، ونبهنا على وجه التحقيق فيها. وكذلك قدمنا الكلام على نجاسة الموضع إذا جفت، وذكرنا ما قال الناس في ذلك فلا معنى لإعادته.
وحكم الموضع عندنا إذا كان نجسًا كحكم الثوب إذا كان نجسًا. وقال
__________
(1) المقبرة ساقطة -و-.

(1/825)


أبو حنيفة إذا كان موضع قدميه طاهرًا صحت صلاته ولو كان موضع يديه وركبتيه نجسًا. وفي الجبهة روايتان واعتمد في هذا على أن الركبتين واليدين لا يجب السجود عليها فصار وضعها كَلاَ وضع. ويجاب عن هذا بالنظر في وجوب السجود عليها. وقد قدمنا ما قال الناس فيه في موضعه. ويناقض بالثوب الزائد على ستر العورة فإنه لا يجب لباسه، وإذا كان نجسًا أثر في الصلاة، ولم (1) يلحقه عدم وجوب لباسه بان يكون لباسه كَلاَ لباس. وإنما تشترط طهارة البقعة التي يصلى عليها. فلو كانت البقعة الطاهرة متصلة ببقعة نجسة كحصير أحد طرفيه طاهر والآخر نجس، فإن الصلاة على الطرف الطاهر تصح. قال بعض المتأخرين ولو تحرك الموضع النجس. بخلاف العمامة يكون بطرفها المنسدل نجاسة، فهاهنا يراعى التحرك، فإنْ تحرك الموضع النجس أثر في الصلاة وكان كمصل بنجاسة.
ومذهب الشافعية أن من صلى بثوب، الطاهر منه عليه، والنجس على الأرض، لم تصح صلاته لاتصال ما عليه بالنجاسة. وقال أبو ثور تصح صلاته.
وقال أبو حنيفة إن لم يتحرك بتحركه صحت صلاته.
وأجاز مالك للمريض أن يصلي على فراش نجس إذا بسط عليه ثوبًا كثيفًا طاهرًا. واختلف الأشياخ في الصحيح هل هو في هذا كالمريض أو بخلافه؟ فقال بعضهم هو كالمريض لأن مصلاه طاهر. فنجاسة ما تحته كنجاسة طرف الحصير الآخر الذي ذكرنا أنه لا يؤثر في الصلاة ولو تحرك. وقال بعضهم لا يباح ذلك للصحيح. لأنه بصلاته يكون محركًا للنجاسة. وقد قدمنا فيما مضى الكلام على النجاسات الضرورية. ووسعنا القول في فروعها بما يغني عن إعادته.
ومما أغفلنا ذكره هناك ويناسب ما نحن فيه اختلاف المذهب فيما تداوى به الجراح من النجاسة. فقال مالك في المرتك الذي يصنع من عظام الميتة إذا جعل في القرحة لا يصلى به حتى يغسل. ورخص ابن الماجشون في ترك غسله
__________
(1) لان لم يلحقه - قث.

(1/826)


وأجاز الصلاة به. فكان مالكًا أبقى هذه النجاسة على أصلها. وكأن ابن الماجشون أخرجها عن أصلها للضرورة. إما لحدوث الألم والضرر بنزعها، أو بغسلها. وقد اختلف الناس فيمن جبر عظمه بعظم نجس. فقال أبو حنيفة لا يجب قلعه إذا التحم. وقالت الشافعية يجب قلعه وإن التحبم إذا لم يؤد إلى التلف أو تلف ذلدق العضو. ومن الشافعية من أوجب قلعه وإن أدى إلى التلف.
فحجة أبي حنيفة أن العظم إذا التحم صارت النجاسة باطنة فلم تجب إزالتها كالخمر إذا شربها. وأجابت الشافعية عن هذا بأن الخمر تجب إزالتها بأن يتقيا. فلم يسلم أصل القياس. قالوا: ولو سُفم أنه لا يلزم إزالة الخمر، فإنما ذلك لأنه أوصلها إلى معدن النجاسة. والعظم بخلاف ذلك. ورأت الشافعية أنها نجاسة باقية على أصلها تجب إزالتها ما لم يمنع من ذلك مانع وهو تلف العضو. ورأى بعضهم أن تلفه ليس بعذر يسقط الإزالة. وقد قدمنا مذهبهم فيمن خاف باستعمال الماء التلف هل له أن يتيمم؟.
وأما الصلاة مستقبلًا النجاسة فقال ابن حبيب من تعمد الصلاة إلى نجاسة وهي أمامه أعاد، إلا أن تكون بعيدة جدًا. وقال مالك في المدونة فيمن صلى وأمامه جدار مرحاض فلا بأس به إذا كان موضعه طاهرًا. قال بعض أشياخي لو ظهرت النجاسة في هذا الجدار ببلل، ونحوه لم يُصل إليه.