شرح التلقين

باب صلاة (1) العيدين
قال القاضي أبو محمَّد رحمه الله: صلاة العيدين سنّة مؤكدة (2). ووقتها إذا أشرقت الشمس.

قال الفقيه الإِمام رضي الله عنه: يتعلق بهذا الفصل ثلاثة أسئلة: منها أن يقال:
1 - ما الدليل على أن صلاة العيدين سنة مؤكدة؟.
2 - ومن الذي يخاطب بها؟.
3 - وما حكمها إذا فات وقتها؟.

فالجواب عن السؤال الأول: أن يقال: صلاة العيدين عندنا (3) ستّة.
قال مالك في المختصر صلاة العيدين سنة لأهل الآفاق. وكذلك الظاهر من مذهب الشافعية أنها سنّة. ومنهم من قال: هي من فروض الكفايات. وبه قال ابن حنبل. وقال أبو حنيفة هي واجبة وليست بفرض. فدليلنا على كونها سنّة فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - لها، وإقامته إياها في الجم الغفير متكررة بتكرر الأعوام. ودليلنا على نفي الوجوب حديث الأعرابي وقوله للنبي - صلى الله عليه وسلم - لما ذكر له الخمس صلوات.
قال: هل علىّ غيرها؟ قال: إلا أن تطوع (4). وهذا يثبت نفي الوجوب عن الصلوات الخارجة عن الصلوات الخمس. وأيضًا فإنها صلاة ذات ركوع لم
__________
(1) صلاة = ساقطة -و-.
(2) واجبة = الغاني.
(3) عندنا = ساقطة -و-.
(4) أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما. فتح الباري ج 1 ص 114.

(1/1056)


يشرع لها أذان ولا إقامة بحال. فلم تكن واجبة بالشرع ابتداء كسائر النوافل.
ولا ينتقض قياسنا هذا بصلاة الجنازة (1) لأنها ليس فيها ركوع، ولا بصلاة من لا تُسنّ له الإقامة والأذان كالمرأة تصلي الفرض منفردة لأنا قلنا بحال. وصلاة (2) المرأة لو أوقعتها في جماعة سن لها الأذان والإقامة، ولا بالنافلة المنذورة لأنها لم تجب ابتداء بالشرع. وأما ابن حنبل فإنه يحتج بأنها صلاة يتكرر فيها التكبير في حال القيام. فكانت من فروض الكفايات، كصلاة الجنازة. وهذا إن خولف في أصله وقلنا بأحد القولين عندنا أن صلاة الجنازة سنّة وليست بفرض لم يصح له القياس لممانعته في الأصل. وإن قلنا إن صلاة الجنازة فرض على الكفاية فليس تكرر التكبير علّة في (3) الفرضية فيقاس عليها، وإن نحا به ناحية الشبه.
فأما الشافعية فناقضته بصلاة الاستسقاء لأنها ترى تكرير التكبير ومع هذا فليست بفرض. وأما نحن فإنا إن سلمنا قياس الشبه قابلناه بشبه آخر وهو ما قدمناه من أنها صلاة لا يؤذن لها ولا يقام، على نحو ما ذكرناه (4) في قياسنا من شبهها بالنوافل. بل شبهنا أحق. ويكاد أن يكون فيه تلويح مقصودنا (5) لأن الأذان دعاء الجماعة إلى الصلاة. والدعاء إلى الصلاة واقتضاء فعلها أشْعَرُ بالوجوب من ترك الأذان والإقامة. وأما أبو حنيفة فإنه قاسها على الجمعة لعلّة (6) أنها شرعت لها الخطبة وهذا غير مسلّم. لأنه يرى الجمعة فرضًا (7). وصلاة العيد عنده (8) ليست بفرض وان كانت واجبة فلم يطابق الفرع الأصل. وأيضًا فإن الخطبة بدل من الركعتين على ما حكيناه في باب صلاة الجمعة. ولهذا قدمت الخطبة على صلاة الجمعة. والخطبة في صلاة العيد ليست ببدل من ركعتين، وإنما القصد
__________
(1) الجنائز - قل.
(2) ولا صلاة -و-.
(3) في = ساقطة - قل.
(4) قدمناه - قل.
(5) بمقصودنا - قل.
(6) بعلة - قل.
(7) فرضًا = ساقطة -و-.
(8) عنده = ساقطة -و-.

(1/1057)


بها الوعظ والتعليم. فلما لم تكن الخطبة في معنى الخطبة لم تكن الصلاة (1) كحكم الصلاة. واختصاص الجمعة بالآذان والإقامة يشعر بالمخالفة (2) على حسب ما قدمناه وسنتكلم على الأذان لصلاة العيد إن شاء الله تعالى.

والجواب عن السؤال الثاني: أن يقال: أما الحواضر فإن الرجال المقيمين فيها يخاطبون بصلاة العيدين. واضطرب المذهب في أهل القرى الذين لا تجب عليهم جمعة. وفي المسافرين، والنساء والعبيد، والصبيان. فقال مالك في أهل القرى يصلون صلاة العيدين كما يصلي الإِمام يكبرون مثل تكبيره: يقوم إمامهم فيخطب بهم خطبتين. قال وأحب ذلك إلى أن يصلي أهل القرى صلاة العيدين. ولمالك في العتبية إنما يجمّع في صلاة العيدين من تلزمه الجمعة. قال ابن القاسم وإن شاء من لا تلزمه الجمعة أن يصلوها بإمام فعلوا ولكن لا خطبة عليهم فإن خطبوا فحسن. ولو تركوا الجمعة وهي عليهم فعليهم أن يصلوا العيدين بخطبة وجماعة. ولمالك في المجموعة في القرية فيها عشرون رجلًا أرى أن يصلوا العيدين. قال عنه ابن نافع ليس ذلك إلا من عليه الجمعة. قال أشهب أستحب ذلك لهم *وإن لم تلزمهم الجمعة* (3) قال أشهب عن مالك وينزل لها من ثلاثة *أميال وفي مختصر* (3) ابن شعبان وليس من أمر الناس أن يجمع *أهل القرى* (3) في الفطر والأضحى إذا لم تكن عليهم أئمة *فإن صلّوا فلا بأس* (3) وقد يصلي بهم رجل منهم ويخطب بهم. وقد قيل إذا كانت قرية فيها عدد وحضر يوم العيد *صلى بهم رجل منهم* (3) وخطب ولو كانوا قليلًا أجزأتهم صلاتهم من غير خطبة. وإذا كان في قرية نحو *من عشرين لم أر أن يصلوا صلاة العيدين* (4) ولا يصلي العيدين إلا من وجبت عليه صلاة الجمعة. ابن شعبان وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه *والزهري وأبو حنيفة وأصحابه وإسحق لا صلاة عيد إلا في مصر جامع.
__________
(1) الصلاة = ساقطة -و-.
(2) المخاطبة -و-.
(3) ما بين النجمين = بياض بـ -و-.
(4) ما بين النجمين = هو في -و-.

(1/1058)


وأما النساء ومن ذكرنا معهم من الصبيان والعبيد وفي المدونة سألت مالكًا* (1) عن العبيد والنساء والإماء هل يؤمرون بالخروج إلى العيدين؟ وهل يجب عليهم الخروج إلى العيدين؟ قال لا. قلنا له فمن شهدها من النساء والعبيد فلما صلوا أرادوا الانصراف لحاجتهم قال لا ينصرفوا إلا بانصراف الإِمام. والنساء إذا لم يشهدن العيد فإن صلّين فليصلين مثل صلاة الإِمام ويكّبرن مثل تكبيره. ولا يجمع بهن (2) الصلاة أحد وليس عليهن ذلك إلا أن يشأن ذلك. فإن صلين صلين أفذاذًا على سنة صلاة الإِمام يكبرن سبعًا وخمسًا. وإن أردن أن يتركن فليس ذلك عليهن بواجب وكان يستحب ذلك لهن. وقال مالك في المبسوط في الإِمام يكون في السفر فتحضر صلاة الفطر و (3) الأضحى. قال ليس ذلك عليه ولم أسمع أحدًا ممن مضى صلى الفطر والأضحى وهو مسافر.
وقال أيضًا ليس ذلك عليهم لا جماعة ولا فرادى. ولم أسمع أحدًا ممن مضى منع ذلك.
قال أشهب وللرجل منع عبيده من الخروج إليها ولا يمنعهم من صلاة الجمعة (4) إلا أن يُضِرّ به فيما يحتاجهم فيه.
ولا أرى لأهل مني المقيمين بها ممن لم يحج أن يصلوا العيد في جماعة لبدعة ذلك بمنى. ولو صلاّها مصلٍ لنفسه لم أر به بأسًا.
قال ابن حبيب: ومن فاتته صلاة العيد فلا بأس أن يجمعها مع نفر من أهله. وهي تجب على النساء والعبيد والمسافرين ويؤمر بها من يؤمر بالصلاة من الصبيان. وفي مختصر ابن شعبان: وليس على المسافر ولا البدوي صلاة العيد. ولا صلاة عيد بمنى. وليس على النساء أن يصلين صلاة العيد في منازلهن ولا يؤمرن بذلك. ولا يصلي من فاتته صلاة العيد في المصلّى. وقد
__________
(1) ما بين النجمين = هو في -و-.
(2) لهن -و-.
(3) أو - قل.
(4) الجماعة -و-.

(1/1059)


قال بالمذكور في مختصر عبد الله وهو قول الليث بن سعد. وقال (1) ابن وهب عن مالك في النسوان يشهدن العيدين والعُبدان ثم ينصرفون قبل الخطبة لحوائج أزواجهن وساداتهم؟ قال ترك شهودهم أحب إليّ من انصرافهم قبل الخطبة.
ومن دخل على عمل فليتمه. وحكى ابن شعبان عنه أيضًا أن من أتى يوم العيد فوجد الناس قد انصرفوا قبل الخطبة أتى هو إليها. وحكي أيضًا عن مالك وابن أبي ذئب والأوزاعي في الإِمام يدخل بالجيش في دار الحرب () (2) بها أنهم يخرجون في العيدين ولا يجمعون وليظهروا لُبْس السلاح. وفي المدونة فيمن فاتته صلاة مع الإِمام إن شاء صلى وإن شاء لم يصل. وإن صلّى فليصل مثل صلاة الإِمام ويكبر مثل تكبيره. وقد تضمنت الروايات عند (3) بعض أشياخي اختلاف في جواز التطوع بها لمن سقطت عنه، فقيل بالنهي عنه على كل حال. وقيل بجوازه على كل حال. وقيل بجوازه جماعة، والنهي عنه فذًا.
وقد اختلف قول الشافعي أيضًا فقال يصليها المنفرد والمسافر والمرأة والعبد.
وقال أيضًا لا تقام إلا حيث تقام الجمعة وهو قول أبي حنيفة. فمن أجاز فعلها للمنفرد والمسافر والمرأة قاسها على سائر النوافل. ومن منع احتج بأنها صلاة شرعت لها الخطبة فلا يفعلها المسافر والمنفرد كالجمعة. وأما ما ذكرناه عن ابن حبيب من الأمر بها لكل أحد ممن ذكرناه (4) عنه فإنه رأى أنها في الأمر بها كالصلوات الخمس. فكل من أمر بالصلوات الخمس أمِر بصلاة العيدين وإن كان الأمران يختلفان. ويحتج بقول أم عطية أمرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاة العيد أن نخرج العواتق وذوات الخدور والحُيض، وأمر الحيَّض أن يعتزلن مصلّى المسلمين ويشهدن الخير ودعوة المسلين. قلت يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب قال: تلبسها أختها من جلبابها (5). وقد قدمنا من مذهبنا أن من صلاها فذًا صلاها كما يصليها الإِمام. وقال أحمد يصلي أربعًا. وروي ذلك عن ابن مسعود وقال
__________
(1) وقول -و-.
(2) فيسموا - قل. وكلمة غير واضحة في -و- ولعلها فتلبثوا.
(3) عن - قل.
(4) ذكرنا -و-.
(5) رواه مسلم - كتاب صلاة العيدين.

(1/1060)


الثوري إذا شاء *أن يصليها ركعتين أو أربعًا. وقال الأوزاعي يصلي ركعتين* (1) لا يجهر فيهما بالقراءة ولا يكبر كما يكبر الإِمام. وقال إن صلاها في الجبّان (2) صلّى ركعتين *كصلاة الإِمام. وإن لم يصلها في الجبّان صلى أربعًا* (3).

والجواب عن السؤال الثالث: أن يقال: أما وقت صلاة العيد. فهو إذا حلّت الصلاة. وذلك بأن ترتفع الشمس وتبيضّ وتذهب عنها العمرة. وهكذا في النسائي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في وقت إباحة النافلة أن تشرق الشمس وترتفع قيدَ رمح ويذهب شعاعها (4). والمراد بالرمح ها هنا رماح الأعراب. قال مالك وقت العيدين أن يخرج الإِمام من منزله قدر ما يبلغ. وقد حلت الصلاة، ويغدو الغادي حين تطلع الشمس. وحكى ابن شعبان في مختصره أن ابن أبي ذئب ومالكًا قالا: يعجل الإِمام الخروج في الأضحى ويخف ما لا يخف في الفطر (5) لشغل الناس في ذبائحهم وانصرافهم إلى أهليهم بالعوالي وذكر حديثًا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى عمرو بن حزم: أن عجل الأضحى وأخرّ الفطر شيئًا وذكّر الناس. وحكى عن مالك وابن أبي ذئب أيضًا: في الإِمام ينادي بعد ما صلّى (6) العشاء: عجلوا الغدو على اسم الله: أنه من فعل الناس. وهو قول أبي هريرة.
وأما منتهى وقت صلاة العيد فزوال الشمس ذلك اليوم. قال مالك إذا لم يثبت عندهم أنه يوم العيد إلا بعد الزوال فلا يخرجوا لها ولا يصلوها ولا في الغد.
وإن كان قبل الزوال فذلك عليهم. وقال الشافعي في آخر (7) قوليه تقضى في غد يوم العيد لما خرّجه النسائي أن قومًا رأوا الهلال فأتوا النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأمرهم أن يفطروا وأن يخرجوا من الغد (8). وأجاب أصحابنا عن هذا بأنه يحتمل أن يكون
__________
(1) أن يصلي فله أن يصلي ركعتين كصلاة الإِمام -و-.
(2) الجبّان: وهي الصحراء والمقبرة.
(3) ركعتين وإن لم يصل في الجبّان صلى أربعًا -و-.
(4) سنن النسائي. شرح السيوطي والسندي ج 1 ص 280 من حديث عمرو بن عنبسة.
(5) هكذا في جميع النسخ ولعل الصواب يخفف.
(6) صلوا - قل.
(7) أحد - قل.
(8) الحديث أخرجه أحمد بسنده إلى أنس عن عمومته من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه جاء ركب =

(1/1061)


أمرهم بالخروج وإظهار الزينة والمباهاة من غير صلاة. ولو كانت هذه الصلاة مما يُقضى في غد يومها لقضيت بعد زوال الشمس من يومها لأنه أقرب لوقتها، ولقضيت أيضًا في اليوم الثالث والرابع من يومها كما تقضى الصلوات الخمس في ذلك. هكذا احتج أصحابنا. ورأيت بعض أصحاب الشافعي قال إذا ثبت العيد بعد الزوال ففيه قولان: أحدهما لا يقضي وهو قول مالك وأبي ثور وداود والمزني.
والثاني يقضي وهو قول أحمد. وقال (1) أبو حنيفة يقضي في الفطر في اليوم الثاني وفي الأضحى في اليوم الثالث والثاني. ولنا أيضًا أنها صلاة شرعت فيها الخطبة والجماعة فلم تقض في غد يومها كما لا تقضي صلاة الجمعة يوم السبت إذا فأتت. وأجيب عن هذا بأن الجمعة منقولة من الظهر بشرائط. فإذا فأتت الشرائط رجعت إلى الأصل. قال أصحاب الشافعي إن أمكن جمع الناس من وقت ثبوت العيد جمعهم وصلّى بهم حينئذ. قال أبو حنيفة يؤخر الصلاة (2) إلى الغد بكل حال لأن البينة لو قامت في الليل أخرّت إلى الغد. فأجيب عن هذا بأن الليل لا يمكن جمع الناس فيه فلهذا خالف النهار.

قال القاضي أبو محمَّد رحمه الله: وسنتها المصلى دون المسجد إلا في حال العذر، ووقت الغدو إليها بحسب قرب المسافة من المصلى وبُعدها.
ويستحب في الفطر الأكل قبل الغدو وفي الأضحى تأخيره إلى الرجوع من المصلى. ومن سنتها الغسل والطيب والزينة وإظهار التكبير في المشي والجلوس. والتكبير بتكبير الإِمام والرجوع من غير الطريق الذي مضى فيه.
قال الفقيه الإِمام رضي الله عنه: يتعلق بهذا الفصل خمسة أسئلة: منها أن يقال:
أ- لِمَ استحب صلاتها في المصلّى؟.
2 - ولِمَ استحب أكل على صفة ما ذكر.
__________
= إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. فشهدوا أنهم رأوه بالأمس يعنون الهلال فأمرهم أن يفطروا - وأن يخرجوا من الغد. قال شعبة أراه من آخر النهار. مسند الإِمام أحمد ج 5 ص 57.
(1) وقول - قل.
(2) الصلاة = ساقطة -و-.

(1/1062)


3 - ولم استحب الغسل والطيب والزينة؟.
4 - ولِمَ استحب التكبير على صفة ما ذكر ..
5 - ولِمَ استحب في السير والانصراف طريقين؟.

فالجواب عن السؤال الأول: أن يقال: قال مالك: السنّة في العيد الخروج إلى المصلّى إلا لأهل مكة. فالسنّة صلاتهم إياها في المسجد.
قال مالك لا تُصلى العيدان في موضعين. وقال سحنون في أهل مدينة حَضَرَهم العيد وأصابهم مطر شديد ولم يقدروا على الخروج فصلوا في المسجد فلم يحملهم ولا الأفنية لا أرى لمن بقي أن يجمّعوا الصلاة. وإن أحبوا صلّوا أفذاذًا. وقال بعض أشياخي إن كان الذين ضاق عنهم مصلّى الناس جمْع كثير فإنه يختلف في جمعهم في مسجد آخر على حسب ما تقدم من القول في إقامة الجمعة في جامعين، وإن بقي النفر اليسير فيختلف أيضًا فيهم ويكونون كأصحاب الأعذار في الجمعة.
وقال مالك في المختصر من فاتته صلاة العيد فلا بأس أن يصليها في المصلّى أو في غيره. فإن صلّى في المصلى فليصبر إلى فرك الخطبة. وفي المبسوط قال مالك، فيمن تلقاه الناس منصرفين من صلاة العيد، إن شاء مضى فصلّى وإن شاء في بيته، وإن شاء ترك. وقال الشافعي الأفضل أن يصلي الناس صلاة العيد في المسجد إلا أن يضيق بهم فيخرجوا إلى الصحراء لأنها لا تضيق بالناس.
وحجتنا عليهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي في المصلى وداوم على ذلك ولا يداوم إلا على الأفضل. واحتجوا بأنه روي أنه - صلى الله عليه وسلم - صلّى في المسجد فيُحمل ذلك على أنه الأفضل، وفعله في المصلى على أنه ضاق بالناس المسجد. قالوا ولأنها صلاة راتبة بوقت فكان فعلها في المسجد أفضل من فعلها في المصلى كسائر الصلوات.
وأما قول القاضي أبي محمَّد وقت الغدو إليها بحسب قرب المسافة فقد كنا قدمنا الكلام على وقتها. وقال مالك: لا بأس بالغدو إليها قبل طلوع

(1/1063)


الشمس. وذكرنا قوله أيضًا ويغدو الغادي حين تطلع الشمس. وقال ابن حبيب: يخرجون عند طلوع الشمس أو قربه. وأما الإِمام فلا يخرج حتى ترتفع الشمس وتحل السبحة فوق ذلك قليلًا إن كان في ذلك رفق بالناس.

والجواب عن السؤال الثاني: أن يقال: إنما استحب أن يأكل في الفطر قبل الغدو إلى المصلّى وفي الأضحى بعده لما جاء به الأثر من أنه - صلى الله عليه وسلم -: كان لا يخرج يوم الفطر حتى يأكل ولا يطعم في الأضحى حتى يرجع (1). وفي مختصر ابن شعبان لا بأس أن يأكل في العيدين قبل الغدو ويترك إن شاء. ابن شعبان وقاله يحيى بن سعيد. ويمكن أن تكون المخالفة بين العيدين لأجل أن عيد الفطر كان أمسه الأكل فيه محرمًا، فصار الأكل في يومه محللًا فيؤذن بالأكل لتحقيق المخالفة بين اليومين فعلًا كما تحققت المخالفة حكمًا. وأما عيد الأضحى فلم يكن أكل في أمسه محرمًا فيبادر إلى المخالفة فعلًا، بل هو يوم يُراق فيه دم قربة ولا يراق إلا بعد الصلاة فاختير تأخير الأكل إلى بعد الصلاة ليكون أول طعمته من لحم قربته. هذا الذي يستلوح عندي في ذلك. وقال القاضي أبو محمَّد هما يومان للمساكين حق في ماله ينسب إليهما. فكان أكله مضافًا لإيصاله إليهم. فلما كان في الفطر يخرج الزكاة قبل الغدو كان (2) أكله في ذلك الوقت *وفي الأضحى لما كان لا يضحى إلا بعد الرجوع كان أكله في ذلك الوقت* (3).

والجواب عن السؤال الثالث: أن يقال: قال مالك في المختصر واستحب الغسل والزينة والطيب (4) في كل عيد، والغسل فيهما قبل الفجر واسع.
وروى أشهب عنه أنه ينزل إليهما من ثلاثة أميال *وواسع أن يغتسل لها قبل الفجر. ولا يجوز أن ينوي به الجمعة. قال ابن حبيب: وأفضل أوقات الغسل لها
__________
(1) أخرجه أحمد بسنده إلى بريدة عن أبيه قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الفطر لا يخرج حتى يطعم. ويوم النحر لا يطعم حتى يرجع. المسند ج 5 ص 532.
(2) وكان -و-.
(3) ما بين النجمين = ساقط -و-.
(4) وتستحب الزينة والطيب والغسل - قل.

(1/1064)


بعد صلاة الصبح. وفي مختصر ابن شعبان من اغتسل* (1) لصلاة العيد في منزله قبل الفجر. ثم خرج لصلاة الصبح. فإن كان يريد الرجوع إلى منزله قبل صلاة العيد فليغتسل إذا انصرف إليه. وإن كان لا يعود إلى منزله فذلك يجزيه.
وقال مالك في المدونة في غسل العيدين أراه حسنًا، ولا أوجبه كوجوب غسل الجمعة. قال بعض الأشياخ هذا لأنه ورد الأمر بغسل الجمعة في الأحاديث الصحاح المشهورة ولم يرد مثل ذلك في غسل العيدين. قال بعض الأشياخ قوله - صلى الله عليه وسلم - في الموطإ في الجمعة، إنما هذا اليوم جعله الله عيدًا للمسلمين. فاغتسلوا (2) يشير إلى المساواة بين غسل العيد والجمعة، لإشارته إلى سبب الغسل كونه عيدًا. فمن كانت به روائح وأحب شهود العيد وجب عليه الاغتسال لإزالتها. قال مالك في المختصر وتستحب الزينة والطيب في كل عيد. وفي الصحيح أن عمر وجد حلّة من استبرق في السوق، فأخذها وأتى بها النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله ابتع هذه لتتجمل بها في العيدين وللوفد. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: هو لباس من لا خلاق له (3).
والمشي للعيدين أفضل. قال مالك من استطاع فليمش إلى العيدين. وقال في المختصر ينزل إليها من على ثلاثة أميال. ويستحب المشي إليها. وروي عن علي أن من بَعُد فلا بأس أن يركب ونحن نمشي ومكاننا قريب. وذكر ابن حبيب أن مالكًا استحب المشي للعيدين والجمعة لمن قوي. وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن السلف. قال بعض أشياخي استحباب المشي في الذهاب إلى الصلاة لكونه ساعيًا إلى قربة فينبغي أن يذهب راجلًا كما يأتي العبد مولاه بخلاف الرجوع.
__________
(1) ما بين النجمين = ساقط -و-.
(2) مالك بسنده إلى ابن السباق أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في جمعة من الجمع: يا معشر المسلمين إن هذا يوم جعله الله عيدًا فاغتسلوا. ومن كان عنده طيب فلا يضره أن يمس منه. وعليكم بالسواك ج 115 ص 64. الموطأ.
(3) رواه البخاري في العيدين ولفظه. فقال يا رسول الله ابتع هذه تجمل بها للعيد والوفود.
فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنما هذه لباس من لا خلاق له. البخاري ج 2 ص 20.

(1/1065)


وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يخرج إلى العيد (1) ماشيًا ويرجع راكبًا.

والجواب عن السؤال الرابع: أن يقال: التكبير يوم الفطر مستحب عندنا وهو مذهب الشافعي. وقال أبو حنيفة في إحدى الروايتين لا يستحب. وقال النخعي إنما ذلك عمل الحوّاكين. وقال داود هو واجب. ودليلنا أنه مأمور به قوله تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} (2). وقد قال الشافعي سمعت بعض أهل العلم بالقرآن يقول: ولتكملوا العدة، يعني صوم رمضان ولتكبروا عند كماله على ما هداكم. ولأجل هذا الظاهر أوجب داود التكبير لأنه أُمِر به. والأمر على الوجوب. وأجيب عن هذا بأن المراد به الاستحباب بدليل قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (3). ودليلنا أيضًا ما رواه عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يخرج يوم الفطر والأضحى رافعًا صوته بالتكبير. واحتج أبو حنيفة بأن ابن عباس سمع التكبير يوم الفطر فقال ما شأن الناس؟ فقيل له يكبرون. فقال أمجانين الناس؟ وأجيب عن هذا (4) بأنه يعارضه ما روي أن عليًا وابن عمر وأبا أمامة وأبا رُهْم كانوا يكبرون. ولأن ابن عباس إنما يمنع التكبير منفردين ولا يمنع من التكبير مع الإِمام. وأما النخعي فقيل إن ما ذكره *عنه غير صحيح. فإنه روي عنه أنه كان يكبر* (5) وإذا ثبت ما قلناه من إثبات التكبير يوم الفطر على الجملة. وكذلك هو في الأضحى وقد تضمنه حديث ابن عمر الذي ذكرناه. وقد قدمنا مخالفته لنا في تكبير الفطر. فإنه يوافق مذهبنا في تكبير الأضحى وذلك مما نوقضوا به.
وإذا وضح ما قلناه في التكبير فمتى مبدؤه؟ قال الشافعي تكبير الفطر مبدؤه بعد غروب الشمس من ليلة الفطر. ومذهبنا نحن أنه لا يكبر في الليل.
وأما مبدؤه عندنا فروى علي عن مالك أنه لا بأس أن يغدو إلى العيد
__________
(1) العيدين - قل.
(2) سورة البقرة، الآية: 185.
(3) سورة البقرة، الآية: 185.
(4) عن هذا = ساقط -و-.
(5) محو -و-.

(1/1066)


قبل (1) طلوع الشمس ولكن لا يكبّر حتى تطلع الشمس. ولا ينبغي للإمام أن يأتي المصلى حتى تحين الصلاة. قال عنه أشهب ويكبّر الرجال من حين يغدون إلى المصلّى إلى حين يرقى الإِمام المنبر. ثم إذا كبّر في خطبته كبّر معه. وقال مالك في العتبية من غدا إلى العيد فلا يكتر إلا عند طلوع الشمس، وعند الإسفار البين في طريقه وفي المصلّى (2) حتى يخرج الإِمام تكبيرًا وسطًا لا خَفْضَ ولا رَفْعَ.
والخروج إليها بعد طلوع الشمس عمل الفقهاء عندنا.
قال مالك في المختصر ويأتي الإِمام إلى العيدين ماشيًا مظهرًا للتكبير حتى يدخل قبلة مصلاه ويُحْرم للصلاة. قال ابن حبيب من السنة أن يجهر بالتكبير في طريقه إليها بالتكبير والتهليل والتحميد جهرًا يسمع من يليه وفوق ذلك شيئًا حتى يأتي الإِمام فيكبر فيكبرون بتكبيره تكبيرًا ظاهرًا دون الأول ويخرجون إليها عند طلوع الشمس أو قربه. وأما الإِمام فلا يخرج حتى ترتفع الشمس وتحل السُبحة، وفوق ذلك قليلًا إن كان في ذلك رفق بالناس. ومن اغتدى فلا يكبّر حتى يسفر.
وأحب إليّ من التكبير: الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد على ما هدانا. اللهم اجعلنا لك من الشاكرين لقوله تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)} (3). وكان أصبغ يزيد الله أكبر، الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا ولا حول ولا قوة إلا بالله. وما زدّت أو نقّصت أو قلت غيره فلا حرج. وقال مالك في المدونة يكبّر إذا خرج عند طلوع الشَمس تكبيرًا يسمع نفسه ومن يليه، فإذا خرج الإِمام قطع. وقال مالك في المبسوط يكبّر تكبير العيدين بعد صلاة الصبح. قال عبد الملك ابن الماجشون وكذلك رأينا الآن (4) رمي الجمرة بعد
__________
(1) عند - قل.
(2) وفي المصلى = ساقطة -و-.
(3) سورة البقرة، الآية: 185.
(4) رأينا الآن -و-.

(1/1067)


الفجر. وقال محمَّد ابن مسلمة في المبسوط: التكبير من حين يغدو الإِمام يتحرى غدوّه فيكبر حتى يصلي فإذا كبّر في الخطبة كبّر الناس معه. وفي مختصر ابن شعبان وتكبير العيدين في الإسفار الأعلى. ابن شعبان. وقد قال في المذكور في مختصر عبد الله وقد تضمنت هذه الروايات أن (1) مبدأ التكبير صلاة الصبح في قول. والإسفار في قول. وطلوع الشمس في قول. وغروبها ليلة الفطر على حسب ما حكيناه عن الشافعي. وعلى صفة ما حكيناه من مذهب أصحابنا. وقد نقلنا رواية أشهب أن التكبير من حين يغدو، ولم يقيّد الغدّو بوقت.
وأما وقت انقطاع التكبير في عيد الفطر فقد ذكرنا قول مالك في المدونة: أنه إذا خرج الإِمام انقطع. وحكى عن سحنون أن معناه إذا أتى المصلى يريد الصلاة. وأشار إلى أنه بأخذه في الصلاة ينقطع التكبير. وأشار في حكايته أخرى أنه ينقطع بأخذه في الخطبة. وقد ذكرنا رواية أشهب أنه يكبّر من حين يغدو إلى المصلى إلى أن يرقى الإِمام المنبر.
وقال مالك يكبّر الإِمام إذا رقى المنبر في خطبته الثانية، وليس لذلك حدّ، وينصت له فيها، وفي الاستسقاء. قال ابن حبيب وليجلس أول خطبته ثم يفتتحها بسبع تكبيرات تباعًا ثم إذا مضت كلمات كبّر ثلاثًا. وكذلك في الثانية إلا أنه يفتتحها بتسع (2) تكبيرات ويجلس بين الخطبتين ويكبّر الناس كلما كبّر.
وكان مالك يقول يفتتح بالتكبير ويكبّر بين أضعافها ولم يَحُدّه. وما ذكرناه مروي عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وقال به مطرّف وابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ. وروي عن أبي هريرة أنه يفتتح الأولى بخمس عشرة تكبيرة والأول أحب إليّ. وإن كان الفطرَ أن يذكر في خطبته الفطرة وسنتها، ويحض الناس على الصدقة وإن كان الأضحى ذكر الأضحية وسنتها. وأمر بالزكاة وعلمهم فرضها وحذّرهم تضييعها. قال مالك في المدونة (3) ويُكبّر مع الإِمام
__________
(1) أن = ساقطة -و-.
(2) بسبع - قل.
(3) في المجموعة - قل.

(1/1068)


كلما كبّر في خطبته وينصت له ويستقبل وليس من تكلم في ذلك كمن تكلم في الجمعة. وإذا أحدث في الخطبة أو في خطبة الاستسقاء تمادى لأنها بعد الصلاة. قال مالك في المبسوط يستفتح الإِمام الخطبة إذا صعد بالتكبير. قال ومن السنة أن يكبّر تكبيرًا كثيرًا (1). ثم في الثانية أكثر من الأولى. وقال المغيرة في المبسوط كنا نعد الإكثار من التكبير عيًّا. ويستراح إليه في الخطبة. ولم ير المغيرة أن يكبّر الناس بتكبير الإِمام فيها. وفي مختصر ابن شعبان وينصت للإمام في خطبة العيدين ولم يبلغنا في ذلك مثل الذي بلغنا في الجمعة.

والجواب عن السؤال الخامس: أن يقال: إنما استحب أن يرجع في العيدين من غير الطريق التي أتى منها إلى العيد لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك.
وقد تكلم الناس في تعليل فعله هذا، وإظهار الغرض الباعث عليه. فقيل إنما فعل - صلى الله عليه وسلم - ذلك لأنه كان يتصدق في ذهابه. فقال بعض أصحاب هذه المقالة كانت صدقته تفرغ (2) فيعدل إلى طريق أخرى لئلا يعاود في المسألة. وقال بعضهم بل كان يعود من طريق آخر ليتصدق على من بها من المساكين أيضًا. وقيل إنما فعل ذلك ليتقسم الناس على الطريقين فتخف مضرة الزحام بهم. وقيل إنما فعل ذلك ليحصل الفضل للطريقين. وقيل ليتبرك به أهل الطريقين. وقيل ليكثر ثوابه بكثرة الخطى. وقيل مبالغة في المباهاة وإظهار كثرة الناس. وقيل لئلا يكمن له المنافقون في الطريق التي رأوه سلكها. وهذه كلها أسباب يمكن أن يكون كل واحد منها هو الغرض الباعث على ما فعل. وقد تجتمع منها أسباب يكون جميعها باعثًا على ذلك. ولكنها تتفاضل في القرب من الإمكان والبعد منه مع كون بعضها قد يعدم في بعض البلاد وبعض الأزمان. فقد يستلوح منه ارتفاع الاستحباب عند ارتفاع سببه، إذا قيل بزوال الحكم لزوال علته. وهذا مما لم ينقل عن أصحاب المذهب ولا عن هؤلاء المعللين. ولأجل هذا وكون هذه التعاليل لم يقم عليها دليل أشار القاضي أبو محمَّد في غير كتابه هذا إلى ضعفها. فذكر أنه علل ذلك بتعاليل كلها دعاوى فارغة، وأن المعتمد عدى الاقتداء والإتباع.
__________
(1) كثير = ساقطة -و-.
(2) صدقته = ساقطة -و-.

(1/1069)


قال القاضي أبو محمَّد رحمه الله: وهي ركعتان يُزاد في أولاهما ست تكبيرات بعد الإحرام وفي الثانية خمس بعد تكبيرة القيام وهي فيما عدا ذلك ركعتان كسائر الصلوات، يجهر فيهما بالقراءة بسبّح والغاشية ونحوهما ولا أذان فيهما ولا إقامة. والخطبة فيهما بعد الصلاة خطبتان كخطبتي الجمعة (1) من جلوس متقدم ومتوسط، وما يتكأ عليه.

قال الفقيه الأمام رضي الله عنه: يتعلق بهذا الفصل أربعة أسئلة: منها أن يقال:
1 - ما عدد التكبير المزيد في صلاة العيد؟.
2 - وما حكم من فاته التكبير؟.
3 - ولمَ نبّه على الجهر بالقراءة وأن الخطبة فيها كخطبة الجمعة، ونفي الأذان فيها؟.
4 - وهل يتنفل قبل صلاة العيد وبعدها؟.

فالجواب عن السؤال الأول: أن يقال: اختلف الناس في عدد التكبير المزيد في صلاة العيد. فعندنا أنه ست تكبيرات في الأولى وخمس تكبيرات في الثانية. فيكون التكبير في الأصل والمزيد في الأولى سبعًا، وفي الثانية ستًا لو قدّر أن تكبير القيام إلى الثانية من جملة الركعة الثانية. وقال الشافعي المزيد اثنتي عشرة تكبيرة، سبعًا في الأولى وخمسًا في الثانية. وذكر ذلك عن أبي بكر وعمر وعلي وابن عمر، وزيد بن ثابت، وأبي هريرة وعائشة وابن عباس والخدري (2). وقال أبو حنيفة ستّ تكبيرات: ثلاث في الأولى وثلاث في الثانية. وذكر ذلك عن ابن مسعود وأبي موسى وحذيفة. وقال ابن المسيب والنخعي تكبيرات العيد تسع تسع. وقد ذكر ذلك عن ابن عباس والمغيرة وأنس بن مالك رضي الله عنه. وروي عن ابن عباس أنه قال في الفطر ثلاث عشرة تكبيرة يكبّرهن وهو قائم سبعًا في الركعة الأولى، منهن: تكبيرة الاستفتاح للصلاة
__________
(1) في الغاني بعد الجمعة: إلا أنه يكبر في تضاعيفهما ثم صفتها في الأداء كصفة خطبتي الجمعة ...
(2) وأبي سعيد الخدري رضوان الله عليهم أجمعين - قل.

(1/1070)


وتكبيرة الركوع. وفي الثانية ستّ تكبيرات منهن تكبيرة الركوع. وقال الحسن في الأولى خمس تكبيرات. وفي الثانية ثلاث سوى تكبيرة الركوع. وروي عن جابر بن عبد الله أنه قال في الأولى أربع تكبيرات سوى تكبيرة الصلاة وفي الآخرة ثلاث تكبيرات بعد القراءة سوى تكبيرة الصلاة. وروي عن الحسن رواية أخرى أن التكبير في الأضحى والفطر واحد يكبّر في الأولى ثلاثة غير تكبيرة الافتتاح وفي الثانية ثلاثة بعد القراءة، منها تكبيرة الركوع. وروي عن علي رضي الله عنه أنه كان يكبّر في الفطر إحدى عشرة تكبيرة يكبّر واحدة ثم يقرأ ثم يكبّر خمسًا ويركع بإحداهن ثم يقوم فيكبر ثم يكبر خمسًا يركع بإحداهن. وكان يكبر خمسًا في الأضحى تكبيرة واحدة التي يوجب بها الصلاة ثم يقرأ ثم يكبّر اثنتين يركع بإحداهما ثم يقوم فيقرأ. ثم يكبّر اثنتين يركع بإحداهما. وروي عنه أيضًا أنه كان يكبّر في الفطر اثنتي عشرة تكبيرة. وفي الأضحى خمسًا. قال يحيى بن يعمر في الأضحى يكبّر تكبيرتين في الأولى. ثم يقرأ وفي الأخرى مثل ذلك، وفي الفطر مثل قول ابن مسعود. وقال حماد (1) وابن أبي سليمان: ليس في تكبير العيد شيء مؤقت. وروي عن ابن عباس أيضًا أن التكبير يوم الفطر ويوم النحر تسع تكبيرات وإحدى عشرة وثلاث عشرة. كلٌ سُنّةٌ. فأما مالك والشافعي فأنهما يتعلقان برواية عائشة رضي الله عنها فقد روي عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: كان يكبّر في الفطر والإضحى *في الأولى سبع تكبيرات. وفي الثانية خمس تكبيرات سوى تكبيرة الركوع (2). ويرى مالك أن تقييدها* (3) في الثانية بأن الخمس سوى تكبيرة الركوع يشعر بأن السبع الأول محسوب فيها تكبيرة الإحرام إذ لو لم تحسب فيها لنبّهت على ذلك بأن تقول سوى تكبيرة الإحرام. كما قالت في الثانية سوى تكبيرة الركوع. وقد أشار بعض البغداديين من أصحابنا إلى أن التكبير الأصلي في كل ركعة من ركعات العيد وغيرها من ركعات الصلوات ست تكبيرات: تكبيرة الإحرام وتكبيرة الركوع وأربع في السجدتين والخفض فيهما،
__________
(1) أحمد وابن أبي سليمان - قل.
(2) أخرجه أبو داود وابن ماجة وفي إسناده ابن لهيعة. مختصر المنذري ح 1109.
(3) ما بين النجمين هو -و-.

(1/1071)


فإذا كان العدد الأصلي المشروع في كل ركعة من ركعات الصلوات ست تكبيرات. كان ما ذهب إليه من أن المزيد في تكبيرات العيد ست أولى من غيره من المذاهب. لأن في الذي ذهبنا إليه مقابلة *المزيد بالأصلي. وكونهما في العدد جاريين إلى مبلغ واحد. وقد يعضد عندي هذا الذي قال* (1) بأن صلاة الكسوف كرر فيها الركوع أيضًا. وكان في تكريره لم يخالف عدد الأصل. لأن الركوع في التسليمة الواحدة ركوعان والمزيد في صلاة الكسوف ركوعان، ولعله إنما زيد بعض أعمال النافلة كالإشعار بأنها كنافلة أخرى وقعت بجميع أركانها وأعمالها فكرر الركوع في صلاة الكسوف كالإشعار بأن الركعتين كالأربع. وكرر التكبير في صلاة العيد كالإشعار بأن الركعتين كالأربع. هذا مما يمكن أن يكون هو المقصود. وكأنه كالمؤكِد لما حكيناه عن بعض أصحابنا. فبهذه الرواية عن عائشة وبهذا الاعتبار يتعلق مالك.
وأما الشافعي فيتعلق أيضًا بما روي عن عائشة أنها قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكبّر في العيدين اثنتي عشرة تكبيرة سوى تكبيرة الإحرام وتكبيرة الدخول في الركوع (2). وقد روي نحو ذلك عن عمر وابن عمر وكثير بن عبد الله وعمار بن ياسر. ويرى أن هذه الرواية التي فيها البيان والتنفيذ مصرحًا به أولى من عدد إنما أخذ من إشعار سياق اللفظ، كما قدمنا الإشارة إليه، من أن تقييدها بقولها سوى تكبيرة الركوع يشعر بأن إضرابها عن التقييد في السبع يقتضي أنه تكبيرة الإحرام معدودة فيها.
وأما أبو حنيفة فإنه تعلق بما روي أن سعيد بن أبي العاصي سأل أبا موسى وحذيفة بن اليمان عن التكبير في صلاة العيد كيف كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكبرّ (3)؟ فقال أبو موسى كان يكبّر أربع تكبيرات تكبيرَهُ على الجنائز (4). قال حذيفة
__________
(1) ما بين النجمين = ساقط -و-.
(2) المصنف ح 5694.
(3) يكبر = ساقطة -و-.
(4) رواه أبو داود والبيهقي. انظر مختصرًا بي داود ج 2 ص 31 ح 1112. وسنن البيهقي ج 3 ص 289/ 290. والزيلعي ج 2 ص 215.

(1/1072)


صدق ثم قال أبو موسى وهكذا كنت أكبّر بالبصرة حيث كنت عليها. وقد أجيب عن هذا بأن ما تعلق به من الآثار مالك والشافعي أزيد وأكثر فكانت أولى. فهذه المذاهب الثلاثة المشهورة قد ذكرنا وجوهها. وقد قدمنا اختلافًا كثيرًا في عدد التكبير. ومع كثرة ما حكيناه من الخلاف فقد حكى ابن المواز عن أشهب في الإِمام يكبّر أكثر من سبع في الأولى وخمس في الثانية فلا يتبع. قال وكذلك إن كبّر في الجنازة خامسة فليسكتوا حتى يسلم فيسلموا. ولم يعتبر أشهب ما ذكرنا من الاختلاف في عدد تكبير العيد ولم يراعه. بل رأى (1) أنه كالخطإ الذي لا يتبع الإِمام عليه.
وإذا ثبت ما قلناه في عدد التكبير المزيد فإن القراءة في ركعتي العيد بعد التكبير. وقال أبو حنيفة التكبير في الركعة الأولى قبل القراءة وفي الركعة الثانية بعد القراءة، ودليلنا ما روي عن عبد الله ابن عمرو بن العاصي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كبّر يوم الفطر سبعًا في الأولى ثم قرأ ثم كبّر في الأخرى خمسًا ثم قرأ (2). وأما أبو حنيفة فإنه يتعلق بحديث أبي موسى الأشعري وقد روي فيه: ووالى بين قراءتين. وأجيب عن هذا بأنه لم ينقل هذا اللفظ أحد من أهل الحديث. وقال بعض أصحاب أبي حنيفة لما كان لا بد في افتتاح الصلاة من إحرام أضيف إليه المزيد من التكبير ليقع التكبير متواليًا. والركعة الثانية بخلاف ذلك إذ لا تكبير في ابتدائها يوجب الموالاة. وكأن هذا يرى أن التكبير لقيام الثانية محسوب من الأولى لا من الثانية فلم تدع ضرورة إلى أن يقدّم التكبير على القراءة في الركعة الثانية. وهذا الاحتجاج إنما يصح له لو ثبت أن الأصل تأخير التكبير عن القراءة فيعتذر عن ذلك بما اعتذر في تقديمه في الركعة الأولى دون الثانية.
واختلف المذهب في رفع اليدين في التكبير المزيد. فقال مالك في المدونة يرفع في الأولى وروى مطرّف عن مالك أنه استحب رفع اليدين مع كل تكبيرة. وروى عنه علي وليس رفع اليدين فيهما مع كل تكبيرة سنة. ولا بأس على من فعله. وأحب إليّ في الأولى فقط.
__________
(1) يرى -و-.
(2) نصب الراية ج 2 ص 217.

(1/1073)


فحجة من استحب رفع اليدين في التكبيرات ما روي أن ابن عمر (1) رضي الله عنه كان يرفع يديه في صلاة الجنازة والفطر والأضحى. ولأنها تكبيرات لا يتصل طرفها بسجود ولا قعود فأشبهت تكبيرة الافتتاح. واحتج من لم يستحب رفع اليدين بأنها تكبيرات في أثناء الصلاة فلم يستحب فيها رفع اليدين كسائر التكبيرات. وقال مالك في المختصر ليس بين التكبير صمت إلا قدر ما يكبّر الناس. وقال ابن حبيب يقف بين كل تكبيرتين هنيهة قدر ما يكبّر الناس. وليس بين التكبير دعاء. وقول ابن حبيب: وليس بين التكبير دعاء إشارة إلى ما في ذلك من الخلاف. فقد قالت الشافعية يستحب أن *يقف بين كل تكبيرتين قدر آية لا طويلة ولا قصيرة ويأتي بذكر. فمنهم من يقول* (2) سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. ومنهم من يقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. قالوا ولو قال ما اعتاده الناس الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا (3) وصلّى الله على سيدنا محمَّد، وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرًا. وقال عطاء يقف ما بين كل تكبيرتين ساعة يدعو الله ويذكره في نفسه، ولأجل هذا الخلاف كله أشار ابن حبيب بقوله: وليس بين التكبير دعاء.
وأما أبو حنيفة فإنه قال: يأتي بالتكبيرات متواليات. وقد احتج أصحاب
الشافعي بما روي عن ابن مسعود، أنه قال: وقد سأله الوليد بن عقبة يقول: الله أكبر، ويحمد الله ويثني عليه ويصلي على نبيه - صلى الله عليه وسلم -. قالوا: ولأنها تكبيرات متكررة في حال القيام، فتخللها ذكر كتكبيرات الجنازة. واحتج من نفى الدعاء بأنه لو كان بينهما دعاء مسنون لنقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كالذكر في الركوع والسجود، وأجابهم الآخرون بأن قالوا: قد نقله ابن مسعود.
وأيضًا فإنه إنما لم ينقل لأنه يخفى بخلاف المكتوبات، فلهذا لم ينقل النقلَ الذي أشرفم إليه. وقالت الشافعية على أصلهم في إثبات دعاء الافتتاح إذا كبّر
__________
(1) عمر -و-.
(2) ما بين النجمين هو -و-.
(3) وسبحان الله وصلّى الله ... -و-.

(1/1074)


لصلاة العيد تكبيرة الافتتاح ثم يأتي بالتكبيرات السبع ثم يتعوذ بعدها قبل القراءة , لأن التعوذ إنما يراد للقراءة، فلا يكون بينهما فصل، خلافًا لأبي يوسف في قوله: يتعوذ عقيب دعاء الافتتاح , لأنه هكذا في سائر الصلوات. والفرق أن سائر الصلوات يؤتى فيها بالتعوذ عند القراءة من غير فصل. وقال الأوزاعي يأتي بدعاء الافتتاح بعد الفراغ من التكبيرات. وردّ عليه بأن دعاء الافتتاح في سائر الصلوات عقيب تكبيرة الافتتاح فكذلك يجب أن يكون في صلاة العيد.
وإذا سها عن التكبيرات المزيدات، فذكر التكبير المزيد في الركعة قبل أن يركعها فإنه يعود إلى التكبير ويعيد القراءة إن كان قرأها. وقال أبو حنيفة لا يعود إلى التكبير بعد شروعه في القراءة. واختلف قول الشافعي في هذا فقال في القديم كقولنا لكنه لم يأمر بإعادة القراءة. والأوْلى عندهم أن تُعاد، وقال في الجديد كقول أبي حنيفة، واحتج أصحابه لهذا القول بأنه ذكر مشروع قبل القراءة، فسقط بالشروع في القراءة كدعاء الافتتاح. وحجتنا أن التكبير محله القيام. والقيام باق لم يفت، وإذا لم يفت محل الفعل أمر بالإتيان به. فإذا قلنا أنه يعود إلى التكبير ويعيد القراءة فهل عليه سجود السهو أم لا؟ قال مالك يسجد للسهو بعد السلام. وعندنا في هذا الأصل قول آخر: أن لا سجود عليه لأنه زيادة قرآن.
قال بعض أصحاب الشافعي إذا نسي تكبيرة من تكبيرات العيد لم يسجد للسهو. وذكر أن مالكًا وأبا ثور قالا: يسجد. واحتج عليهما بأنه هيئة من هيئات الصلاة فلا يسجد لتركها كوضع اليمنى (1) على الشمال. وقال مالك في مختصر ابن شعبان من سها في العيدين. فزاد تكبيرة واحدة سجد بعد السلام ولم يراع مالك رضي الله عنه في هذه الرواية خفة هذا
السهو وكونه نِزْرًا ولا كونه ذكرًا ولا ما في ذلك من الاختلاف الذي قدمناه.
وكأنه رأى أن السهو يقتضي السجود. وهذا قد سها بزيادة فلا يعتبر خفتها ولا غير ذلك مما ذكرناه.
__________
(1) اليمين - قل.

(1/1075)


فإن لم يذكر المصلي التكبير المزيد حتى ركع مضى على صلاته ويسجد بعد السلام، إلا أن يكون مأمومًا فلا يسجد. لأن الإِمام يحمل عنه ذلك.
وأ ماجهر المأموم بالتكبير فقد قال ابن حبيب يجهر بالتكبير جهرًا يسمع من يليه. ولا بأس أن يزيد في جهره ليسمع من يقرب منه ممن لا يسمع الإِمام ويجهل بالتكبير.

والجواب عن السؤال الثاني: أن يقال: أما من فاته التكبير كله أو بعضه فاختلف المذهب فيه هل يقضيه أم لا؟ فقال ابن القاسم في العتبية، من سبقه الإِمام بالتكبير فليدخل معه ويكبّر سبعًا. وإن وجده راكعًا دخل معه وكبّر تكبيرة واحدة وركع ولا شيء عليه. وإن وجده قد رفع رأسه أو قام في الثانية فليقض ركعة ويكبر فيها سبعًا. قال وإن وجده قائمًا في الثانية فليكبر خمسًا. وقال ابن وهب لا يكبر إلا واحدة. ابن حبيب إن أدرك الإِمام وهو في قراءة الثانية فليكبر للإحرام ثم يكبر خمسًا، فإذا قضى كبّر ستًا والسابعة قد كبرها للإحرام. قال ولو كان التكبير لا يقضى كما قاله ابن الماجشون ما كان على من لم يسمع (1) تكبير الإِمام أن يتحرى التكبير فيكبر. وفي المجموعة قال مالك: ومن فاته بعض التكبير قضاه. قال عبد الملك إن (2) كان بين تكبير الإِمام فُرج يكبر فيها ما فاته منه قبل القراءة، فليس ذلك عليه كما لو جاء في القراءة فإنما عليه أن يحرم.
قال ومن أدرك الركعة الأخيرة منها فلم يقل أحد أنه يكبر إذا قضى سبعًا فيصير مفتتحًا مرتين. والافتتاح لا يقضى. قال: وقال بعض أصحابنا يكبر ستًا ولا أقوله ولا علمت تكبيرًا يقضى ولا يكون فيما يقضى قبل قراءته تكبير. وإنما يقضى تكبير الجنازة لأنه بدل من عدد الركوع. وذكر ابن حبيب قول ابن الماجشون. وذكر عن ستة من أصحاب مالك أن التكبير يقضي. قال وبه أخذ أصبغ.
وهو أحب إلينا.*وفي مختصر ابن شعبان روي ابن القاسم وعثمان بن عيسى* (3) وابن كنانة ومطرّف وابن نافع عن مالك فيمن أدرك الإِمام في بعض
__________
(1) لا يسمع - قل.
(2) ساقطة -و-.
(3) ما بين النجمين هو -و-.

(1/1076)


تكبير العيد أنه يكبر ويدخل معه. فإذا فرغ الإِمام من التكبير وأخذ في القراءة أتم هو ما بقي عليه والإمام يقرأ. ولو أدركه وهو يقرأ كبّر سبعًا. وإن أدركه وهو راكع كبّر تكبيرة الإحرام، وركع معه. وقد اختلف قول الشافعي أيضًا فقال في القديم فيمن فاته بعض تكبيرات العيد، يقضي ما فاته *وكذلك إذا أدركه وهو يقرأ. وقال في الجديد لا يقضي. ووافقنا الشافعي على أنه لا يقضي* (1) إذا أدركه في حال الركوع. ولم يختلف قوله فيها. وإنما خالف في ذلك أبو حنيفة ومحمد فقالا: لا يكبّر في الركوع.
فأما اختلاف أصحابنا في قضاء التكبير لمن أدرك الإِمام في القراءة. فمن قال لا يقضي رأي أن التكبير قول فلا (2) يقضيه المسبوق كما لا يقضي القراءة.
ولأن الإِمام متبع فيها إذ لا يكبر إلا بعد تكبير الإِمام فلا يخالف عليه بأن يفعل المأموم غير فعله ويخرج عن حكم اتباعه. ومن قال إن التكبير يقضى، رأي أنه بخلاف القراءة لأن المأموم عند قراءة الإِمام صامت، والمأموم يكبّر عند تكبير الإِمام. وأما مخالفة أبي حنيفة في قضاء التكبير في الركوع، فإنه يحتج بأن الركوع محل التكبير لأن تكبيرة الركوع من تكبيرات العيد. وهذا لا يسلّم له.
وقد قدمنا ما يدل على أن تكبيرة الركوع من تكبيرات العيد عند ذكرنا كون التكبير المزيد قبل القراءة. وهو يوافق على هذا في الأولى فلا معنى لهذا الذي قال. ويحتج أيضًا بأن الركوع كالقيام، بدليل أنه تدرك به الركعة. وهذا غير صحيح فإن الركوع يسقط القراءة والقنوت. ولا يسقطان في حال القيام، فكذا التكبير يسقط بالركوع وإن لم يسقط بالقيام.
وإذا أدرك المأموم الإِمام جالسًا فأحرم (3) وجلس فسلم الإِمام ثم قام للقضاء فهل يسقط من عدد التكبير هذه التكبيرة التي دخل بها مع الإِمام؟ (4)
__________
(1) ما بين النجمين = ساقط -و-.
(2) ولا -و-.
(3) أحرم - قل.
(4) التي دخل بها أم لا - قل.

(1/1077)


اختلف المذهب في ذلك. فقال في المدونة يكبّر ويجلس ثم (1) يقضي بعد سلام الإِمام باقي التكبير. فهذا اعتداد منه بهذه التكبيرة، فيكبّر ستًا غيرها. وقال ابن القاسم في العتبية يكبّر في الأولى سبعًا. وفي الثانية خمسًا. قال عيسى وقد قال أيضًا يكبّر في الأولى ما بقي =ستا عليه= (2) قال ابن أبي زمنين: ولمالك في كتاب الحج فيمن أدرك الإِمام في تشهده في العيدين أنه يحرم، ويدخل مع الإِمام.
فإذا فرغ صلى وكبّر سبعًا وخمسًا. هذه رواية ابن وضاح. وروى غيره: كبّر ستًا وخمسًا. قال أبو محمَّد عبد الحق إن قيل: قد قال في صلاة الفريضة إذا أدركه جالسًا وسلّم الإِمام يقوم بتكبير، ولم يجعله يعتدّ بالتكبير الذي كبّره حين جلس وجعله في هذه المسألة على ما في المدونة. وعلى أحد قوليه في غيرها أنه يعتد بالتكبير.
قيل لعله إنما قال ذلك في الفرض إذ لا عوض له من التكبير (3) وهو كالمفتتح، فلا بد من تكبير. وفي العيدين إذا (4) قام فإنه يكبّر. فاكتفى بذلك عن التكرار. وخرّج بعض أشياخي اختلافًا في مدرك الثانية هل يكبّر خمسًا أو سبعًا؟ قال: فعلى القول أن ما أدرك آخرُ صلاته يكبر خمسًا ويقضي سبعًا، وعلى القول أن الذي أدرك أوَّلُها يكبّر سبعًا ويقضي خمسًا. وفي هذا الذي قاله عندي نظر.
لأنه إذا أدرك الإِمام في أول تكبير الثانية (5) وكبّر معه خمسًا ثم أخذ في تكبير آخر زائد على تكبير الإِمام صار ذلك مخالفة على الإِمام. والمخالفة عليه لا تصح. وإنما تكون ثمرة هذا الخلاف (6) هل ما أدرك أوّلُ الصلاة أو آخرها فيما يفعله بعد تقضي فعل الإِمام، حيث لا توجد منه مخالفة على الإِمام. وأما فيما يفعله مع الإِمام، فإجراء (7) ثمرة هذا الاختلاف فيما يؤدي إلى مخالفة الإِمام فيه
__________
(1) ثم = ساقطة -و-.
(2) ستًا = ساقطة -و-.
(3) ولا غرض له في التكبير -و-.
(4) فإذا قام -و-.
(5) تكبيرة للثانية - قل.
(6) ثمرة الاختلاف -و-.
(7) فأجرى -و-.

(1/1078)


نظر. وقد قال مالك في سجود السهو إذا اختلف فيه رأي الإِمام والمأموم اتّبِعْه، فإن الخلاف شرّ. ويلزم شيخنا هذا أن يأمر مدرك الركعتين الأخيرتين من الصلاة الرباعية أن يأمر المأموم أن يقرأ مع أم القرآن سورة إن كان الإِمام يتباطأ تباطؤًا يمكنه ذلك فيه على القول أن ما أدرك هو أول صلاته. ولعمري إن الذي قاله في (1) التكبير مقتضى الأصل الذي أجري عليه لولا ما عرض فيه من الوقوع في مخالفة الإِمام.

والجواب عن السؤال الثالث: أن يقال: إنما نبّه على الجهر بالقراءة لما كان الأصل في صلوات النهار إسرار القراءة فيها، فنبّه أن هذه ليست بجارية على الأصل. وأيضًا فإنه روي عن علي رضي الله عنه أنه قال: أسمع من يليك ولا ترفع صوتك. والدليل على الجهر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجهر بالقراءة. ونقل المسلمون الجهر بالقراءة فيها فعلًا (2) منهم بذلك في سائر الأمصار على مرور الأعصار. وأما السور التي يقرأ فيها، فقال مالك في المدونة: يقرأ بـ {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} و {سَبِّحِ}، ونحوهما. وفي المجموعة يقرأ {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} ونحوها. قال مالك في مختصر ابن شعبان يقرأ بـ {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} وما أشبههما. واستحب الشافعي القراءة بـ {ق} و {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ}. وبه أخذ ابن حبيب. وحكى بعض من صنف الخلاف عن مالك وأبي ثور وأحمد في إحدى الروايتين عنه يقرأ في الأولي بـ {سَبِّحِ}، والثانية بـ {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}. وذكره ابن المنذر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. قال أبو حنيفة ليس في صلاة العيد قراءة معيّنة،
وهي للرواية الأخرى عن أحمد. وروي عن ابن مسعود أنه قال: يقرأ
بـ {فاتحة الكتاب}، وسورة من {المفصّل}. وكان أبان بن عثمان يقرأ في
الأولى بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} وفي الثانية بـ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي
__________
(1) من - قل.
(2) إن الجهر بالقراءة فيها عملًا.

(1/1079)


خَلَقَ} وقد اختلفت الأ خ بار (1) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأضحى والفطر فروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل أبا واقد الليثي ما كان يقرأ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأضحى والفطر. فقال يقرأ بـ {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ}، و {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} (2). وهو أحبّ إليّ. وذكر غير ابن حبيب أن النعمان بن بشير روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، أنه قرأ فيهما بـ (سبّح)، و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}.
وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقرأ في العيدين والجمعة بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}. وذكر ابن شعبان في مختصره بسنده عن ابن عباس أنه قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في العيدين في الأولى بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}. وربما اجتمعا في يوم واحد فيقرأ بهما (3). قال ابن شعبان وهذا يؤيد ما رواه البصريون عن مالك أن الجمعة لا تترك لصلاة العيد إذا اجتمعتا.
وأما تنبيهه على نفي الأذان فخلافًا (4). قال سعيد أول من أحدث الأذان والإقامة معاوية. وقال ابن سيرين: أول من أحدثه بنو أمية. وأخذ به الحجاج.
ويقال أول من أحدثه زياد. وعن أبي قلابة أن أول من أحدثه ابن الزبير. ودليلنا ما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى (5) صلاة العيد ثم خطب وصلاها عمر ثم خطب وصلاها علي ثم خطب *بلا أذان ولا إقامة. وروى جابر بن سمرة قال صليت مع النبي
__________
(1) الروايات في ذلك - قل.
(2) روى مسلم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل أبا واقد الليثي ما كان يقرأ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأضحى والفطر. فقال كان يقرأ فيهما بـ {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} و {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ}. إكمال الإكمال ج 3 ص 39.
(3) حديث النعمان بن بشير أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ في العيدين بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}. وإن وافق يوم الجمعة قرأهما جميعًا. وعنه من طريق ثان كان يقرأ في صلاة الجمعة بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ} و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}.
فربما اجتمع العيد والجمعة فقرأ بهما ح 1614 حرز الأماني. وإكمال الإكمال ج 3 ص 31. وأبو داود والنسائي والترمذي والبيهقي.
(4) هكذا. ولا يظهر له معنى.
(5) ما بين النجمين = ساقط -و-.

(1/1080)


عليه السلام والأمر بين* (1) بغير أذان ولا إقامة (2). قال القاضي أبو محمَّد في غير كتابه هذا. وما ذكر فيه من الخلاف قوإنقطع. وتقرر الإجماع بعده. وإنما نبه على أن الخطبة فيهما بعد الصلاة بخلاف خطبتي الجمعة. لأجل ما روي من الخلاف في ذلك. فقد روى عثمان أنه خطب ثم صلى لما كثر الناس على عهده. وروي ذلك عن ابن الزبير ومروان بن الحكم. ودليلنا فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن بعده من الخلفاء الراشدين. فقد روى مذهبنا عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن عباس وابن مسعود البدري والمغيرة بن شعبة. وفي المبسوط أن أول من خطب قبل الصلاة عثمان. قال وإنما فعل ذلك ليدرك الناس الصلاة. والسنّة أن تقدم (3) الصلاة. قال وكذلك (4) عمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعثمان صدرًا من خلافته. وفي الصحيحين أن أول من فعل ذلك مروان. فكلمه الخدري وجبذه لما أراد أن يصعد المنبر منبرًا من طين صنعه له كثير بن الصلت. ثم قال له أبو سعيد. فقال له: قد تُرك ما تعلم. فقال أبو سعيد ما أعلم خيرٌ مما لا أعلم.
قال في موضع آخر إن الناس لم يكونوا ليجلسوا لنا (5). قيل: وإنما امتنعوا من الجلوس لأنه كان يؤدي في خطبته من لا يحل له أذاه. قال أشهب فإن بدأ بالخطبة أعادها بعد الصلاة. فإن لم يفعل فقد أساء وتجزيه.
قال مالك إذا أحدث في الخطبة أو في الاستسقاء تمادى لأنها بعد الصلاة. ولا ينصرف أيضًا غيرُه يحدث، وهو يخطب.
وعنه روايتان في الجلوس قبل الخطبة الأولى. فوجه إثباته قياسًا على الجمعة. وأن فيه استراحة من حركة صعود المنبر واستظهارًا لاستقرار الناس في
__________
(1) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم العيد وأبي بكر وعمر وعثمان فكلهم صلّى الخطبة بغير أذان ولا إقامة.
حرز الأماني ح 1642. والبيهقي ج 3 ص 132. متفق عليه. وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة. وزاد ابن أبي شيبة في رواية مع علي ح 5677.
(2) أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والبيهقي.
الفتح الرباني ج 6 ص 132.
(3) أن يقدموا - قل.
(4) وبذلك - قل.
(5) أخرجه البخاري في كتاب اليدين باب الخروج إلى المصلى بغير منبر ج 2 ص 22.

(1/1081)


أماكنهم. ووجه نفيه أن خطبة الجمعة إنما يجلس في ابتدائها انتظارًا لفراغ المؤذنين. وليس في خطبة العيد أذان ينتظر. فاستغنى عن الجلوس في ابتدائها.

والجواب عن السؤال الرابع: أن يقال: إذا صُلّيت العيد بالمصلى لم يُتنفل قبلها ولا بعدها. وروي ذلك عن علي وابن مسعود وحذيفة وابن عمر وجابر بن عبد الله وابن أبي أوفى. وبه قال ابن القاسم والزهري وابن حنبل وغيرهم. وقال الشافعي إنما يكره ذلك للإمام. ويجوز لغير الأمام أن يتنفل قبل الصلاة وبعدها. *وروى ذلك عن أنس وأبي هريرة وجابر ورافع بن خديج. وقال أبو حنيفة يتنفل بعدها ولا يتنفل قبلها* (1). وروى ذلك عن أبي مسعود البدري، وبه قال الأسود وعلقمة ومجاهد وابن أبي ليلى والنخعي والثوري والأوزاعي. وفي مختصر ابن شعبان: وأحب له أن لا يتنفل قبل الصلاة ولا بأس (2) به بعدها وقاله ابن وهب ولا بأس بالصلاة بعد صلاة العيد في المصلى.
وقد قال بالمذكور في مختصر عبد الله، وذكر ابن شعبان بسنده عن ابن مسعود أنه خرج يوم عيد إلى الناس في الجبّان فجعل يهتف بصوته ويقول: يا أيها الناس إنه لا صلاة في يومكم هذا حتى يصلي الإِمام. وذكر بسنده أيضًا أن عليًّا استخلف أبا مسعود على الناس فخرج يوم عيد، فقال يا أيها الناس إنه ليس من السنّة أن يصلى قبل الإِمام. وأما إذا صليت العيد بالمسجد فعندنا فيه اختلاف.
قال مالك مرة يتنفل قبل الصلاة وبعدها. وقال في الواضحة: لا يتنفل قبلُ ويتنفل بعدُ. وقال في المبسوط إذا صلى الإِمام العيدين في المسجد فلا أرى أن يُصلي أحد قبل الصلاة ولا بعدها، بذلك مضت السنّة. وحجتنا على من منع التنفل قبل الصلاة وبعدها قول ابن عباس إن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج يوم الفطر وصلّى ركعتين ولم يتنفل قبلها ولا بعدها (3)، فقصر الشافعي ذلك على الإِمام. والشعبي - صلى الله عليه وسلم - إمام. وعدّينا نحن هذا الفعل إلى من سواه - صلى الله عليه وسلم -. وقد أحتج من فرّق بين ما
__________
(1) ما بين النجمين = ساقط -و-.
(2) بأس = ساقطة -و-.
(3) رواه مسلم بسنده إلى ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج يوم أضحى أو فطر فصلّي ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما. إكمال الإكمال ج 3 ص 39.

(1/1082)


قبل الصلاة وما بعدها بأن عليًا رضي الله عنه رأى قومًا يصلون قبل صلاة العيد. فقال ما كان يفعل هذا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وهذا يعارضه ما رويناه عن الصحابة في *ذلك فيما تقدم. وقد روى أنه قيل لعلي رضي الله عنه ألا تنهى عن ذلك فقال أكره أن أنهى عبدًا إذا صلى* (1).

قال القاضي أبو محمَّد في غير هذا الكتاب إنما بني المصلى لصلاة مخصوصة. فيجب أن يختص بتلك الصلاة. وأيضًا فإنه موضع لا تتكرر فيه الصلاة. فلا يتنفل فيه على ما قلناه بخلاف المساجد التي تتكرر فيها الصلاة.
قال القاضي أبو محمَّد رحمه الله: ويكبّر خلف الصلوات. يبدأ (2) بالظهر من يوم النحر ويقطع إذا كبّر عقيب الصبح من رابعه. وهي خمس عشرة صلاة ولفظه الله أكبر، الله أكبر ثلاثًا نسقًا واحدًا (3).

قال الفقيه الإِمام رضي الله عنه: يتعلق بهذا الفصل ثلاثة أسئلة: منها أن يقال:
1 - ما الدليل على ما قال في مبدإ التكبير ومنتهاه؟.
2 - ولِمَ اختار فيه ما ذكر من اللفظ؟.
3 - ومن الذي يخاطب به؟.

فالجواب عن السؤال الأول: أن يقال: اختلف الناس في مبتدإ (4) التكبير ومنتهاه. ولم يختلف مذهبنا في مبدئه أنه من ظهر يوم النحر. واختلف في منتهاه. فالمشهور ما ذكره القاضي أبو محمَّد أنه الصبح من آخر أيام التشريق.
وروي ذلك عن عثمان وعبد الله بن عمر وزيد بن ثابت وابن عباس وأبي سعيد الخدري. وذكر سحنون عن بعض أصحابنا أنه يقطع التكبير في الظهر من اليوم
__________
(1) ما بين النجمين هو -و- الحديث رواه البزار قال الهيثمي فيه من لم أعرفه. مجمع الزوائد ج 2 ص 203.
(2) بدءًا -غ-.
(3) ولفظه الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد. وإن شاء الله أكبر الله أكبر الله أكبر ثلاثًا -غ-.
(4) مبدأ - قل.

(1/1083)


الرابع. وأما الشافعي فإن له في المنتهى أيضًا قولين: أحدهما الصبح من آخر أيام التشريق كالمشهور عندنا. واختلف قوله على هذه الطريقة في المبدإ. فقال مرة كقولنا إنه من الظهر من يوم النحر (1). وقال مرة المغرب من ليلة النحر. وله قول آخر خالفنا فيه في المبدإ والمنتهى. وهو أنه (2) من الصبح يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق. وروي ذلك عن عمر وعلي رضي الله عنهما وهو قول الثوري وأحمد وإسحاق وأبي ثور وأبي يوسف ومحمد. فصار للشافعي في المبتدأ (3) ثلاثة أقوال وفي المنتهى قولان. وقال النخعي وعلقمة وأبو حنيفة يكبّر من صبح يوم عرفة إلى العصر من يوم النحر. وروي ذلك عن ابن مسعود.
وروي عن ابن مسعود رواية أخرى إلى الظهر من يوم النحر. وقال الأوزاعي والمزني ويحيى بن سعيد الأنصاري يكبّر من الظهر يوم النحر إلى الظهر من اليوم الثالث من أيام التشريق. وقال داوود يكبّر من الظهر يوم النحر إلى العصر من آخر أيام التشريق. وهو قول الزهري وابن جبير، وروي ذلك عن ابن عباس (4).
وقال الحسن يكبّر من الظهر يوم النحر إلى الظهر من النفر الأول. وقال ابن عيينة أهل مني يكبّرون من الظهر يوم النحر. وأهل الأمصار يكبّرون غداة عرفة.
وإحدى الروايتين عن أبي وائل أنه يكبّر من الظهر يوم عرفة إلى الظهر من يوم النجر. فصار جملة هذه الأقوال عشرة. وقول الحسن قد يوافق بعضها. فلهذا لم نَعُده.
فأما مذهبنا فإنه احتج له بأن الناس تبعٌ للحاج. والحاج يكبّرون مع الرمي. فأول صلاة بعد الرمي هي الظهر. وآخر صلاة يصلونها بمنى الصبح من آخر أيام التشريق. وقال ابن الجهم ليس فيه حديث يعتمد عليه، ولكن قال سبحانه: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ} (5). وقضاء النسك المُخرج من الحج طواف الإفاضة يوم النحر. فأول صلاة بعد ذلك صلاة الظهر. وأجمعوا أن التكبير في صلاة الظهر من يوم النحر واجب. فلا نزول عن ذلك حتى يأتي
__________
(1) فقال مرة مثل قولنا أنه الظهر من يوم النحر - قل.
(2) أنه يكبر من الصبح - قل.
(3) المبدأ - قل.
(4) ابن مسعود - قل.
(5) سورة البقرة، الآية: 200.

(1/1084)


دليل (1) يمنعه. وإنما قلنا يكبّر أيام التشريق لقوله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} (2). وإنما قطع في الصبح لأن الناس بمنى آخر صلاتهم الصبح. وإذا زالت الشمس رموا ونفروا. وأيضًا فإنه عمل أهل المدينة. وقد احتج الشافعي لقوله: يكبّر بعد المغرب من ليلة النحر بأن التكبير يستحب ليلة الفطر، فكذلك ليلة الأضحى. وهذا الأصل لا نسلمه له نحن. واحتج لقوله الثالث بما روى جابر بن عبد الله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى صلاة الصبح يوم عرفة ثم أقبل علينا فقال الله أكبر الله أكبر. ومدّ التكبير إلى العصر من آخر أيام التشريق (3).
وأما أبو حنيفة فإنه يحتج بقوله تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} (4). والأيام المعلومات هي العشر من ذي الحجة. وقد ثبت أنه لا يكبّر قبل يوم عرفة فيجب أن يكون المراد به يوم عرفة ويوم النحر.

والجواب عن السؤال الثاني: أن يقال: أما صفة التكبير فقال مالك في المدونة الله أكبر، الله أكبر (5). وروى ابن زياد عنه: نحن نستحسن ثلاثًا. فمن زاد أو نقص فلا حرج. وروى ابن القاسم وأشهب عنه أنه لم يحدّ عنه (6) ثلاثًا.
وقال في مختصر ابن شعبان يكبّر خلف الصلوات في أيام التشريق ما شاء. إن شاء ثلاثًا وإن شاء أربعًا وإن شاء خمسًا ليس في ذلك شيء موصوف. وفي المختصر عن مالك ضي صفة التكبير، الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر.
الله أكبر ولله الحمد. وقاله أشهب (7). وقالت الشافعية التكبير ثلاث. وما زاد فحسن. وقال أبو حنيفة وأحمد وإسحاق يقول الله أكبر، الله أكبر ولا إله إلا الله والله أكبر، ولله الحمد. وروي ذلك عن عمر وابن مسعود. وقال ابن عباس: الله أكبر الله أكبر كبيرا كثيرا. الله أكبر تكبيرا الله أكبر وأجل الله أكبر وله
__________
(1) بدليل -و-.
(2) سورة البقرة , الآية: 203.
(3) أخرجه الدرقطني ونقد الزيلعي سنده. ج 2 ص 223/ 224 نصب الراية.
(4) سورة الحج، الآية: 28.
(5) الله أكبر الله أكبر الله أكبر - قل.
(6) فيه - قل.
(7) الشافعي -و-.

(1/1085)


الحمد (1). وقال ابن عمر الله أكبر , الله أكبر والحمد لله ولا إله إلا الله *وحده لا شريك له* (2) له الملك وله الحمد هو علي كل شيء قدير. وقال الحكم وحمّاد ليس فيه شيء مؤقت. وقد كنا قدمنا قبل هذا حديث جابر وفيه الله أكبر الله أكبر. وقد حمل عليه أنه لم يقصد التكبير (3)، وإنما قصد بيان وقته (4). وقد كبّر جابر بنفسه خلف الصلاة ثلاثًا. وقال القاضي أبو محمَّد إنما اخترنا ما ذكرناه من التكبير لأنه مروي عن السلف. وقد قال القاضي أبو محمَّد أيضًا في كتابه هذا في التكبير أنه بنسق واحد. وذكر أبو محمَّد عبد الحق قول ابن حبيب في تكبير صلاة العيد يقف بين كل تكبيرتين هنيهة قدر ما يكبّر الناس. قال وقال بعض شيوخنا من أهل بلدنا وأما تكبير أيام التشريق فلم استحسن (5) فيه شيئًا من التربص. وكأنه رأى أنه ليس مثل العيدين. وقال أبو محمَّد عبد الحق يريد أنه في العيدين متى تابع التكبير خَلَّط على القوم. وأما تكبير أيام التشريق، فكل إنسان يكبّر بنفسه (6). ألا ترى أنه لو تركه الإِمام لكبّر القوم. وأما تكبير العيدين فلا يكبّرون إلا بتكبيره. إذ لا يخالفونه في الصلاة. وقد أضاف العلماء هذا التكبير لأيام التشريق. وقد قال محمَّد ابن أبي زمنين التشريق صلاة العيد. وإنما سميّت بذلك لأن وقتها حين شروق الشمس. ومنه قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: من ذبح قبل التشريق أعاد. وسميت الأيام كلها أيام التشريق حين كانت تبعًا ليوم النحر. وكذلك قال أبو عبيد.

والجواب عن السؤال الثالث: أن يقال: أما من يخاطب بالتكبير فقد قال مالك التكبير أيام التشريق على الرجال والنساء وأهل البوادي والمسافرين وغيرهم. واختلف المذهب في التكبير في إثر النافلة. فالمشهور أنه لا يكبّر في
__________
(1) الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر كبيرا. الله أكبر تكبيرا. الله أكبر وأجل. الله أكبر ولله الحمد - قل.
(2) ما بين النجمين هو - و.
(3) وقد حمل عليه أنه لم يتم استيفاء التكبير - قل.
(4) وقت -و-.
(5) فاستحسن - قل.
(6) وليس يعتبر فيه بالإمام - قل.

(1/1086)


إثرها. وبه قال أبو حنيفة وأحمد والثوري والشافعي في أحد قوليه. وفي مختصر ابن شعبان قال الواقدي قال مالك التكبير (1) دبر النافلة والمكتوبة على الرجال والنساء. وفي غير الصلاة وفي الطريق وغير ذلك. وقد قدمنا قول مالك رضي الله عنه أن التكبير على النساء والمسافرين. وفي المختصر لا يكبّر النساء إلا أن يكن معهن رجل. وليس على المسافر تكبير (2). وقال أيضًا لا يكبّر المنفرد. وقد روي أن ابن عمر رضي الله عنه كان إذا صلّى منفردًا لم يكبّر.
وقال ابن مسعود ليس على الواحد ولا على الاثنين تكبير. وهذا بناء على أن الاثنين ليس بجماعة.
وقال أشهب لا يكبّر من سجد للسهو بعد السلام إلا بعد سجوده وسلامه.
وكذلك من يقضي ما فاته، فبعد قضائه. وحكى ابن شعبان في مختصره في الإِمام يسهو في أيام التشريق فيكبّر قبل السلام ساهيًا يسجد لسهوه بعد السلام ثم يكبّر. وذكر عن الشعبي فيمن فاته شيء من الصلاة خلف الإِمام في أيام التشريق، أنه يقوم فيقضي ثم يكبّر. وعن عطاء فيمن تفوته الصلاة يكبّر مع الإِمام ثم يقضي. وعن الشعبي أيضًا يكبّر ثم يقضي.
وقال ابن سحنون من قضى صلاة من أيام التشريق بعد زوالها فلا تكبير عليه. وقال ابن الجوهري في كتاب الإجماع من نسي صلاة من أيام (3) التشريق فذكرها في أيام التكبير قبل خروجها صلاّها وكبّر بعقبها. وفي بعض التعاليق عن أبي عمران لا يكبّر لأن وقت التكبير لها (4) قد فات وإن كانت أيام التشريق لم تخرج.
__________
(1) قال مالك ليس التكبير -و-.
(2) وفي المختصر لا يكبر النساء دبر الصلوات. وقال أبو حنيفة ليس على المسافر تكبير ولا على النساء إلا أن يكون معهن رجل. وكذلك قال أيضًا - قل. ولعل الصواب. وفي المختصر لا يكبر النساء دبر الصلوات إلا أن يكون معهن رجل. وقال أبو حنيفة ليس على المسافر تكبير ولا على النساء إلا أن يكون معهن رجل. وكذلك قال أيضًا.
(3) من صلوات أيام - قل.
(4) لها = ساقطة -و-.

(1/1087)


وأما إذا نسي التكبير فقال مالك إذا نسي الإِمام التكبير حتى قام وذهب، فإن كان قريبًا قعد وكبّر، وإن تباعد فلا شيء عليه. قال ابن القاسم: وإن ذهب الإِمام والقوم جلوس كبّروا. وفي المختصر من نسي التكبير بعد صلاة أيام التشريق فليكبر ما دام في مجلسه. فإذا قام فلا شيء عليه. وقالت الشافعية من نسي التكبير أتى به متى ذكره. وقال أبو حنيفة إن تكلم أو خرج من المسجد سقط التكبير.
وأما التكبير أيام التشريق في غير أعقاب الصلوات فقال مالك في المدونة: رأيت الناس يفعلون ذلك. وأما الذين أدركتهم واقتدي بهم فلم يكونوا يكبّرون إلا دُبر الصلوات. وقال في مختصر ابن شعبان لا بأس بتكبير أهل الآفاق أيام (1) مني في غير الصلاة. فأما الذين أدركت وأقتدي بهم فلم أرهم يكبّرون إلا خلف الصلوات. فكأنه في هذا القول رأى أن التكبير إنما هو اقتداء بأهل مني وهم يكبّرون دُبُر الصلوات وغيرها. فلا معنى للاقتداء بهم في بعض التكبيرَ دون بعض. وقال ابن حبيب يكبّر أهل الآفاق دبر الصلوات وفي خلال ذلك ولا يجهرون. وأهل مني يجهرون في كل الساعات إلى الزوال من اليوم الرابع فيرمون ثم ينصرفون بالتكبير والتهليل حتى يصلّوا الظهر والعصر بالمحصّب، ثم ينقطع التكبير.
وفي (2) مختصر ابن شعبان وتسمع المرأة نفسها التكبير خلف الصلوات أيام التشريق كانت في المسجد أو في بيتها.
وقال مالك في العتبية والتكبير خلف الصلوات في أرض العدو محدث أحدثه المسوّدة وكذلك دبر المغرب والصبح في بعض البلدان.
ومما يلحق بهذا الفصل وإن لم يكن منه، دعاء الناس عند التلاقي في العيد. فحكى ابن حبيب عن مالك أنه سئل عن قول الرجل لأخيه في
__________
(1) في أيام -قل-.
(2) وقال في مختصر -قل-.

(1/1088)


العيدين تقبل الله منا ومنك وغفر لنا ولك. فقال *ما أعرفه ولا أنكره. قال ابن حبيب لم يعرفه سنة ولم ينكره لأنه قول حسن ورأيت من أدركت من أصحابه لا يبدأون به ولا* (1) ينكرونه على من قاله لهم ويردون عليه مثله.
وفي مختصر ابن شعبان قال الواقدي: لا بأس أن يقول الرجل تقبّل الله منّا ومنك. وقاله واثلة بن الأسقع وأبو أمامة الباهلي. وقال ابن أبي ذئب هو محدث. وقاله الأوزاعي والقاسم بن محمَّد. وحكى الشيخ أبو محمَّد في النوادر أن واثلة بن الأسقع ردّ مثله على من قاله له. وأن مكحولًا كرهه. وعن
عبادة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه فعل اليهود (2).
__________
(1) ما بين النجمين = هو -و-.
(2) عن عبادة بن الصامت قال سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قول الناس في العيدين تقبل الله منا ومنكم. قال ذلك فعل أهل الكتابين وكرهه. وفي سنده خالد بن زيد. قال البخاري منكر الحديث. سنن البيهقي ج 2 ص 320 وفي باب التهنئة بالعيد عن حبيب بن عمر الأنصاري قال حدثني عن أبيه قال: لقيت واثلة يوم عيد فقلت تقبل الله منا ومنك. قال تقبّل الله منا ومنك. رواه الطبراني في الكبير وحبيب مجهول عند الذهبي وذكره ابن حبان في الثقات. قال الهيثمي وأبوه لم أعرفه. مجمع الزوائد ج 1 ص 206.

(1/1089)