شرح
التلقين فصل فيما يجري مجرى البيع احتياطًا وحماية
للذريعة
(فاعلم أنا بينّا ما سلف أحكام بالعقد من البياعات في الأطعمة قبل قبضه إذا
ذكر الآن ما ألحق بذلك بسببها له بالبيع) (1) فمن ذلك:
المواعدة على بيع الطعام قبل قبضه، فإنا نهينا عنه. وقد اختلف في المواعدة
على الصرف، فأجيزت في قول، ومنعت في قول، وكرهت في قول ثالث. وبعض أشياخي
يذكر إجراء المواعدة على بيع الطعام قبل قبضه على هذا الاختلاف في المواعدة
في الصرف، لأن المواعدة على الصرف ليست بعقد له، ولكنها يُتطرق بها إلى
العقد، وكذلك المواعدة على بيع الطعام قبل قبضه ليست بعقد ولكنها يتطرق بها
إلى عقد منهي عنه، كما نهي عن الصرف المستأخر. وكذلك أيضًا من اشترى طعامًا
ثم عقد على نفسه بيع طعام آخر ينوي أن يقبضه من هذا الذي اشتراهُ، فإن ابن
المسيب نهى عن ذلك، وقدر أنه (2) عقد على نفسه بيع طعام يوفيه من هذا
الطعام الذي اشتراه، صار كأنه بهذا الذي نواه وأضمره كبائع هذا الطعام قبل
قبضه لما عقد على نفسه ما عقد، وبأنه أن يدفع هذا الطعام الذي اشتراه ولم
يُكَل له، وهذا المشهور عندنا في المذهب. لكن أشهب أجاز ذلك، ورأى أن القصة
(3) لا تأثير لها ولا يتهمان على أن هذا العقد إنما وقع على هذا الطعام
الذي اشترى ولم يُكَل، واحتج على ذلك بأن من عليه الطعام فطُلِب به فاشترى
بنية أن يقضيه من الطعام الذي طلب، فإن ذلك لا يمنع منه ولا ينهى عنه، لكون
النية ها هنا لا تأثير لها.
__________
(1) هكذا في جميع النسخ.
(2) هكذا، ولعل الصواب إضافة: لمّا؛ ليستقيم النص.
(3) هكذا في جميع النسخ، ولعل الصواب: النيّة.
(2/221)
وأشار أيضًا إلى أن من أخذ سلمًا على تمر
ونيته أن يقضيه من تمر عنده لم يزه، فإنه لا ينهى عن ذلك؛ ولا يكون بنيته
هذه كبائع تمر قبل الزهوّ. فكذلك لا يكون من اشترى طعامًا ثم عقد على نفسه
بيع طعام ينوي أن يقضيه من هذا الذي اشتراه، فإنه لا يكون بهذه النية
بائعًا له قبل قبضه.
واحتجاجه ها هنا يكون المطلوب بالطعام يباح له أن يشتري طعامًا ينوي أن
يقضيه فيما عليه من طعام، فإنه لا يلزم؛ لأنه ها هنا يضطر إلى هذه النية
إذا طلب بطعام وجب عليه أداؤه وهو لا يملكه، فإنه لو نهي ها هنا عن هذه
النية لكان كالمنهي عن أن يقضي شيئًا ترتب عليه، وهذا لا يصح النهي عنه، بل
ورد الشرع بالأمر بقضاء الحقوق. وأيضًا فإن هذا إنما نوى أن يقضي، والقضاء
ليس بعقد بيع، ومن اشترى طعامًا فلم يكتله حتى عقد على نفسه بيع طعام آخر،
فإنه في مندوحة عن هذا العقد وغير مضطر إليه. وأيضًا فإنه يتصور فيه أنهما
تعاقدا في الباطن على أن مرادهما بالعقد على طعام غير معين هذا الطعامُ
المعينُ، فيكون أبطن بيعه قبل قبضه، والبيع ها هنا بخلاف القضاء لطعام وجب
عليه.
وأمّا ما أشار إليه من الاحتجاج بالثمرة التي لم تزه، وكون من أخذ سلمًا
على ثمر ونيته أن يقضيه من ثمر عنده لم تزه، فإنه لا يمنع من ذلك، ولا
يقدّر بهذه النية أنه باع الثمرة قبل زهوّها، فإن هذا أيضًا قد ينفصل عنه
بأن ما في الذمة من الثمن جنس نوع مخالف لما في شجره من بلح أو طلع فلم ينو
القضاء من النوع الذي هو آت.
(ولو مات رجل، ما عليه من الثمن لم يدفع فيه هذا البلح الذي كان حين العقد،
ومن اشترى طعامًا ثم باع طعامًا في ذمته ونوى أن يقضيه من الطعام الذي
اشتراه، فإنما اشتراه ما يقتضيه مثلان، ولرجل عليه في ذمته من الطعام ويدفع
الطعام الذي كان في ملكه وقت العقد على ما في ذمته وهذا الذي صار في ذمته)
(1) وقد كنا قدمنا في تعليل النهي عن ربح ما لم يضمن أن ما كان في
__________
(1) هكذا في جميع النسخ.
(2/222)
ضمان البائع يبطل العقد بتلفه، فكأن بائعه
باع ما لم يستقر ملكه عليه، ولا ينفذ بإمضاء العقد فيه. وذكرنا أن الطعام
خص بذلك عند مالك لما أشرنا إليه من التعليل. وهذا لا يتصور فيمن عقد على
ذمته تمرًا ونوى أن يقضيه من تمر عنده، وهو بلح أو طلع، إذا صار تمرًا؛ لأن
تلف هذا الذي في الشجر لا يبطل العقد في الثمن (1).
وإذا وضح هذه الطريقة في التعليل كان الأوْلى ما ذهب إليه أشهب من كون
النية غير مؤثرة، لكن احتجاجه بما ذكرناه قد ينفصل عنه بما أشرنا إليه.
واحتجاج أشهب بمن عليه طعام فطلب به لا يمنع أن يشتري طعامًا ينوي أن يقضيه
مما عليه، يشير إلى أن هذا عنده مما لا يخالف فيه. لكن أشار إلى ذكر خلاف
فيه. وذكر ابن حبيب أن الطالب لهذا الطعام الذي في الذمة لا يعين المطلوب
على الشراء، ولا يدُلُّه على ما يشتريه، ولا يبقى (2) له فيه. وهذا أيضًا
احتياط؛ لأنه يجتمع مع نية المطلوب أن يقضي من هذا للطالب له على الشراء،
فكأنهما تواطآ على بيع الطعام قبل قبضه بأن يكون المطلوب إنما اشتراه لهذا
الطالب وملّكه إياه قبل أن يكتاله.
__________
(1) هكذا في جميع النسخ ولعل الصواب: التمر.
(2) كلمة غير واضحة في جميع النسخ.
(2/223)
فصل فيما يعد من الأطعمة كالبيع لها قبل أن
تقبض.
اعلم أن هذا أصل اضطربت فيه الرواية. الحديث إنما ورد بالنهي عن بيع الطعام
قبل قبضه، ولم يرد بالنهي عن قضائه. وهكذا قدمنا عن بعض أشياخنا أنه يرى أن
حقيقة البيع يختلف فيها هل هي التعاقد أو التقابض؟. فإن قلنا: إنها التقابض
حسن ها هنا إجراء القضاء مجرى البيع. فإذا كان أسلم زيد لعمرو في عشرة
أقفزة قمحًا، وأسلم عمرو لزيد في مثلها، فأرادا أن يتقاصّا ويتباريا فإن
اختلف رأس المال لم تجز المقاصة، وإن اتفق رأس المال ففي ذلك قولان: منعه
ابن (1) وأجازه أشهب. وسبب هذا الاختلاف أن بيع الطعام قبل قبضه قد قررنا
منعه، والإقالة من الطعام على رأس المال قدمنا جوازه، وعلى أقل من رأس
المال أو أكثر قررنا منعه، لأنه إن أقال على أكثر من رأس المال ظُن بهما
أنهما أبطنا دفع دنانير في أكثر منها، وذُكِر الطعام محللًا، وتعاقدهما في
الباطن سلف بزيادة؛ وإن أقال على أقل من رأس المال يكتب (2) هذه إقالة لما
قدمناه مما تشعر به هذه اللفظة، ولما ذكرناها وذكرنا اشتقاقها، وإذا لم تكن
إقالة فهي بيع، وبيع الطعام قبل قبضه ممنوع، فإذا وقعت المقاصة ها هنا ورأس
المال مختلف فيه، وأجرَيْناهَا على مقتضى هذه العبارة، وهي بيع طعام بطعام
قبل أن يقع فيهما قبض، وأن ذلك ممنوع، وإذا عدلنا بهما على مقتضى هذه
اللفظة إلى ما قد يؤول إليه معناها وهي التقايل على رأس المال فإن رأس
المال مختلف، والإقالة عليه لا تجوز، كما قدمناه. وإن اتفق رأس المال فابن
القاسم أجراهما على مقتضى هذه اللفظة وهي إسقاط طعام بإسقاط طعام مثله،
وهذه مبايعة
__________
(1) فراغ في جميع النسخ، والأقرب أن يكون: ابن القاسم، لِما سيأتي قريبًا.
(2) هكذا في الجميع والكلمة غير واضحة.
(2/224)
لطعام بطعام قبل القبض. وإن أجرينا على أن
هذه المتاركة تؤول إلى الإقالة وكأن كل واحد منهما أقال صاحبه على ردّ رأس
المال، فقد صار هذا التعاقد بينهما له مصرفان: أحدهما وهي مبايعة طعام
بطعام قبل أن يقبض. والثاني: يجوز، وهي تقايل طعام لم يقبض، فهل يصرف ذلك
إلى مقتضى اللفظ، وإلى الوجه المحرم، واحتياطًا للعقود، ويعدل (1) عن مقتضى
اللفظ إلى ما يصل إليه معناه مما هو مباح. هذا أصل مضطرب فيه، وقد اختلف
لفظ المدونة في بيع ثوب بمثله إلى أجل، مُنع ذلك تارة اتباعًا لمقتضى
اللفظ، ومقتضاه يشعر بالمكايسة وطلب المنفعة، وقال في موضع آخر: إن قصد
بذلك مسلف الثوب منفعة نفسه لم يجز، وإن قصد منفعة المسلَف جاز ذلك. فاعتبر
المعنى والقصد دون اللفظ.
وقد أتبع هذه المسألة في المقاصة بلفظ مشكل فقال: تمنع المقاصة. كما لو كان
ذلك على رجلين، هل مراده بذلك أن يكون لزيد على عمرو، ولخالد على بكر،
طعام، فيتقايلون جميعًا، بأن يأخذ هذا ما على غريم هذا؟ وهذا يتضح فساده
لكونه بائعًا للطعام قبل قبضه، ولا تتصور ها هنا إقالة، فيحسن الخلاف فيه.
وقيل: مراده بهذا أن يكون مَن عليه طعام أُسلم إليه فيه، أحال المسلَم إليه
على طعام له في ذمة رجل، فإن هذا البيع (2)، لكون هذه الحوالة بيع (3)،
وبيع الطعام قبل قبضه يمنع. لكن هذا فيه اختلاف، فابن القاسم يمنعه، ويرى
أن تحول من له السلم إلى ذمة أخرى أُحيل عليها ليأخذ طعامه منها بيع لما
أسلم فيه قبل قبضه. ويرى أشهب أن ذلك لا يجوز إذا تساوت رؤوس
الأمو الذي هذين الطعامين.
وأشار بعض الأشياخ إلى معارضة اشتراط تساوي رأس المال ها هنا، لأنا إنما
اشترطناه على مذهب أشهب، في المقاصة التي قدمناها، ليكون كل واحد من
المتقاصَّيْن له على صاحبه مثل ما لصاحبه عليه، فيقدّر أنهما تقايلا،
والإقالة
__________
(1) هكذا في الجميع، ولعل الصواب: أو.
(2) هكذا في الجميع، ولعل الصواب: بيع.
(3) هكذا في الجميع، ولعل الصواب بيعا.
(2/225)
لا بد فيها من اعتبار رد رأس المال من غير
زيادة ولا نقصان، وها هنا الذي عليه السلم دفع إليه رأس المال رجل غير
الرجل الذي دفع إليه من عليه السلم رأس الم الذي الطعام الذي أحال عليه به،
فلا يُتصور ها هنا أن يكون رجل دفع دنانير ورجع إليه أكثر منها، لكنه يزيد
في هذا الاعتراض لكون المحال يحيل على من أحاله، والذي أحاله ها هنا لا
يجوز له أن يقيل إلا على رأس المال، وكذلك المحال من جهته. وقد ذكر أن أشهب
يرى هذا كالتولية في هذه المسألة التي ذكرنا الاعتراض فيها، والتولية أيضًا
لا تكون إلا على مثل رأس المال.
ورأيت بعض أصحاب الشافعي ذكر أن بعضهم في هذه المسألة مثل الذي حكيناه عن
ابن القاسم .. واحتج للمنع بأن النبي عليه السلام نهى أن يباع الطعام حتى
يجري فيه الصاعان صاع البائع وصاع المشتري فيه (1) فوجب المنع منه.
لكنه ذكر أن المسلم إليه في الطعام لو قبضه من غريمه بمكيال، وسلم إلى من
له عليه السلم بذلك المكيال قبل أن يفرغه، فإن فيه عندهم وجهين: أحدهما
المنع قال: وهو المذهب المشهور. والثاني: الجواز. فالمنع لكونه طعامًا لم
تجر فيه الصاعان. والجواز لأنه إذا أسلمه في مكيال له صار ذلك كابتداء
الكيل، واستدامة الكيل ها هنا كابتدائه. كما يجوز لمن له طعام في ذمة آخر
أن يقبض منه وقد ملأ المكيال من عليه الطعام قبل أن يطلبه هذا به، ولا
فائدة في تفريجِ هذا المكيال وإعادته على حسب ما كان من غير زيادة ولا
نقصان ومقتضى أصل مذهبنا نحن الاكتفاءُ بهذا، ولا يكلف تفريغَ المكيال
وإعادتَه على حسب ما كان. وقد أجاز في المدونة إذا اكتال طعامًا بحضرة رجل
أن يبيعه من ذلك الرجل المشاهِد لكيله إذا لم يكن بينهما في ذلك -وأْي (2)
ولا عادة. وهذا يشعر بأنه (لا يوجب أن يشعر) (3) في صبّ الطعام في المكيال
بعد عقد البيع.
ومما يجري على هذا الأسلوب أن من عليه طعام أسلم إليه فأحال المسلم
__________
(1) البيهقي: السنن الكبرى: 5/ 315، 316.
(2) أي: وَعْدٌ.
(3) هكذا في الجميع، ولعل الصواب: لا يجب أن يشرع.
(2/226)
إليه على طعام له في ذمة رجل، فإن ابن
القاسم يمنع من هذا، كما حكيناه عنه، ويجوّز أن يدفع من عليه السلم لمن
أسلم إليه مثل رأس المال يشتري به طعامًا، فيقبضه مما عليه، لما كانا
قادرين على أن يجعلا هذا الدفع لرأس المال إقالة من الطعام، ولا يمنعان من
ذلك. وهذا كالموافقة لأشهب في ذهابه إلى جواز المقاصة التي ذكرناها لما
كانا قادرين على أن يجعلاه إقالة، إذا تساوت رؤوس الأموال بصرفها عما ظاهره
بيع الطعام قبل قبضه، لما تقاصّا فيه، إلى الإباحة لما كانا قادرين (على أن
يعتبرا عن ما فعلاه) (1) بلفظ يفيد معناه ما هو مباح لهما، وهو الإقالة.
لكنه عورض ابن القاسم في هذا بأنه ينبغي أن يجيز الحوالة بطعام السلم على
طعام المحيل في ذمة آخر، على حسب ما ذكرناه، لأنه إذا أجاز أن يشتري برأس
المال طعامًا يكون وكيلًا على شرائه لمن عليه السلم لم يقبضه نيابة عنه،
فيكون قضاء مما له عليه، فذلك ينبغي أن يجيز الحوالة بماله من طعام على
طعام في ذمة آخر، على حسب ما ذكرناه عن أشهب.
وهذا الإلزام مما ينظر فيه، كما نبهنا عليه من كونهما قادرين على أن يجعلا
هذا المدفوع من رأس المال إقالة، فلا يتهمان على القصد إلى محرم، وهو بيع
الطعام قبل قبضه. ومن أُحيل بطعام له في ذمة على طعام في ذمة آخر غير قادر
على تحصيل هذا الفعل من طريق أخرى مباحة على حسب ما قدمناه.
فلو كانت هذه الوكالة على شراء بأكثر من رأس المال لمنِعت، لأنهما غير
قادرين على الإقالة بأكثر من رأس المال.
فلما لم يكن لهما في هذا الوجه مصرف إلى المباح اتُّهِما على قصد الحرام.
لكنه لو ثبت أن الوكيل ها هنا اشترى الطعام بأكثر من رأس المال الذي دُفع
إليه بحق وكالته عليه، وقبضه بعد أن اكتاله نيابة عمن له عليه السلم، لنفذ
ذلك، ولم يردّ.
ولو دفع إليه أقل من رأس المال فإن ابن القاسم لمنع من هذا، كما يمنع أكثر
من دفْع رأس المال، لكن لكون الإقالة أقل من رأس المال لا تجوز في الطعام.
وأشهب يمضي ذلك ولا يفسخه، لأن التهمة تتضح إذا دفع إليه أكثر من
__________
(1) هكذا في جميع النسخ.
(2/227)
رأس المال، لتصوّر قصدهما إلى سلف وزيادة:
دفع إليه مائة دينار في طعام ثم أعطاه عند الأجل مائة وخمسين ليشتري له بها
طعامًا، ويقبضه مما له عليه.
صورة الفعل يقتضي المنع. وإذا دفع إليه مثل رأس المال لم تتطرق التهمة ها
هنا، وهي (كبيعه بعد) (1) لا يتهم فيها جميع الناس، لأن التهمة ها هنا إنما
تتصور في أن يكونا قصدا إلى بيع الطعام قبل قبضه، لما دفعا أقل من رأس
المال. وإذا دفع أكثر من رأس المال تطرقت التهمة إلى بيعة أجلٍ، وهي أن
تكون المائة دينار المدفوعة عند عقد السلم المقبوض إلى أجل أعيد عوضها مائة
وخمسين (2)، وبيعة الأجل متهم فيها كسائر الناس عندنا. هكذا يرى بعض أشياخي
أنهما لو تقايلا على مثل رأس المال سواء، ثم دفع إليه عوضه عرضا، فإنه يمنع
عند ابن القاسم، لئلا يكونا تقايلا على هذا العرْض المدفوع، فيقعان في بيع
الطعام قبل قبضه. ويجوز على أصل أشهب؛ لأن هذه التهمة في معاملة نقدية
ومعاملة النقد لا يتهم فيها ما بين الناس. وهذا أيضًا مما ينظر فيه لأن
العوض مما تختلف الأغراض فيه مع الطعام اختلافًا ظاهرًا، فيُتَّهمان على
القصد إلى بيع الطعام قبل قبضه، وإذا دفع أفل من رأس الم الذي المقدار، فلا
تختلف في هذا الأغراض اختلافًا ظاهرًا، مثل ما يختلف ما بين العرض والطعام.
ولو كانت هذه الوكالة ممن له السلم، بأن يقول لمن عليه السلم: بيع مالي
عليك، وجئني بثمنه. فإن هذا لا يجوز، وإن جاءه برأس المال؛ لأن قصارى ما
يتصور فيها من الوجه المباح أن يكونا تقايلا على رأس المال الذي جاءه، وهو
إنما جاء به بعد افتراقهما، وبعد حين من زمان الوكالة، والإقالة لا يجوز
فيها التأخير، والإقالة وإن كانت مباحة عرَض ها هنا ما أفسده (3) فمنعت.
بخلاف إذا كانت الوكالة ممن عليه السلم لمن له السلم بأن يشتري له بما
أعطاه من رأس المال طعامًا، ويقضيه من نفسه. لأن هذه الإقالة إذا تصورت لم
يقع فيها تأخير يفسدها.
__________
(1) هكذا في النسختين.
(2) هكذا، ولعل الصواب: مائة وخمسون.
(3) هكذا، ولعل الصواب: أفسدها.
(2/228)
|