مواهب الجليل في شرح مختصر خليل ط دار الفكر

[فَصْلٌ آدَابُ قَضَاءِ الْحَاجَةِ]
(فَصْلٌ آدَابُ قَضَاءِ الْحَاجَةِ) هَذَا الْفَصْلُ يُذْكَرُ فِيهِ آدَابُ الِاسْتِنْجَاءِ وَالِاسْتِجْمَارِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ وَقَسَّمَهُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ عَامٌّ فِي الْفَضَاءِ وَالْكَنِيفِ، وَقِسْمٌ خَاصٌّ بِالْكَنِيفِ، وَقِسْمٌ خَاصٌّ بِالْفَضَاءِ انْتَهَى مِنْ الْبِسَاطِيِّ.
ص (نُدِبَ لِقَاضِي الْحَاجَةِ جُلُوسٌ وَمِنْهُ بِرَخْوٍ نَجِسٍ)
ش الرَّخْوُ مُثَلَّثٌ الْهَشُّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ قَالَ الْأَشْيَاخُ: لَا يَخْلُو الْمَوْضِعُ الْمَقْصُودُ لِلْبَوْلِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ إنْ كَانَ طَاهِرًا رَخْوًا فَالْأَوْلَى الْجُلُوسُ؛؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِلسَّتْرِ وَلَا يَحْرُمُ الْقِيَامُ وَإِنْ كَانَ صُلْبًا نَجِسًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَتْرُكَهُ وَيَقْصِدَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ قَامَ خَافَ أَنْ يَتَطَايَرَ عَلَيْهِ وَإِنْ جَلَسَ خَافَ أَنْ يَتَلَطَّخَ بِنَجَاسَةِ الْمَوْضِعِ وَإِنْ كَانَ الْمَوْضِعُ صُلْبًا طَاهِرًا فَلَيْسَ إلَّا الْجُلُوسُ؛ لِأَنَّهُ يَأْمَنُ التَّلَطُّخَ بِالنَّجَاسَةِ إنْ جَلَسَ وَلَا يَأْمَنُهَا إنْ قَامَ، وَإِنْ كَانَ رَخْوًا نَجِسًا فَلَيْسَ هُنَاكَ إلَّا الْقِيَامُ؛ لِأَنَّهُ يَأْمَنُ التَّطَايُرَ وَإِنْ جَلَسَ خَافَ التَّلَطُّخَ وَمَحْصُولُ هَذَا أَنَّهُ يَجْتَنِبُ النَّجَاسَةَ وَيَفْعَلُ مَا هُوَ أَقْرَبُ لِلسَّتْرِ، وَاجْتِنَابُ النَّجَاسَةِ آكَدُ مِنْ السَّتْرِ إذَا كَانَ بِمَوْضِعٍ لَا يُرَى فِيهِ. انْتَهَى، وَأَصْلُهُ لِلْبَاجِيِّ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ مِنْ الْمُنْتَقَى وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَكَلَّمَ هُنَا عَلَى الْمَوْضِعِ الرَّخْوِ فَقَطْ فَأَشَارَ إلَى الرَّخْوِ الطَّاهِرِ بِقَوْلِهِ: نُدِبَ لِقَاضِي الْحَاجَةِ جُلُوسٌ، وَإِلَى الرَّخْوِ النَّجَسِ بِقَوْلِهِ: وَمُنِعَ بِرَخْوٍ نَجِسٍ، فَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ بَشِيرٍ فَالْأَوْلَى الْجُلُوسُ وَقَالَ الْبَاجِيُّ هُوَ أَوْلَى وَأَفْضَلُ وَلَيْسَ هَذَا مُعَارِضًا لِقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا بَأْسَ بِالْبَوْلِ قَائِمًا فِي مَوْضِعٍ لَا يَتَطَايَرُ فِيهِ؛ لِأَنَّ لَا بَأْسَ تَرِدُ لِمَا غَيْرُهُ خَيْرٌ مِنْهُ، وَقَالَ فِي الْمَدْخَلِ: اُخْتُلِفَ فِي الْبَوْلِ قَائِمًا فَأُجِيزَ وَكُرِهَ وَالْمَشْهُورُ الْجَوَازُ إذَا كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ وَكَانَ الْمَوْضِعُ رَخْوًا فَإِنَّهُ يُسْتَشْفَى بِهِ مِنْ وَجَعِ الصُّلْبِ وَعَلَى ذَلِكَ حَمَلُوا مَا وَرَدَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ بَالَ قَائِمًا. انْتَهَى، وَلَيْسَ مُرَادُهُ بِالْجَوَازِ اسْتِوَاءَ الطَّرَفَيْنِ وَإِنَّمَا مُرَادُهُ نَفْيُ الْكَرَاهَةِ الشَّدِيدَةِ وَإِنْ كَانَ تَرْكُهُ أَوْلَى.
وَقَالَ فِي الطِّرَازِ وَالْقِيَاسُ

(1/267)


أَنَّ ذَلِكَ لَا يُكْرَهُ إذَا سَلِمَ مِنْ إصَابَةِ الْبَوْلِ وَالْهُتْكَةِ إذْ لَيْسَ فِيهِ مَا يُؤَدِّي إلَى تَضْيِيعِ وَاجِبٍ وَلَا ارْتِكَابِ مَحْظُورٍ وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ مَنْعِ الْجُلُوسِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَلَا يُحْمَلَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِمْ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي الْمَنْعِ وَقَدْ تَقَدَّمَ لَفْظُ ابْنِ بَشِيرٍ وَلَفْظُ الْبَاجِيِّ قَرِيبٌ مِنْهُ، وَنَصُّهُ، وَإِنْ كَانَ الْمَوْضِعُ دَمِثًا وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ قَذِرٌ بَالَ الْبَائِلُ فِيهِ قَائِمًا وَلَمْ يَبُلْ جَالِسًا؛ لِأَنَّ جُلُوسَهُ يُفْسِدُ ثَوْبَهُ وَهَذَا يَأْمَنُ مِنْ تَطَايُرِ الْبَوْلِ إذَا وَقَفَ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَإِنْ كَانَ رَخْوًا نَجِسًا بَالَ قَائِمًا مَخَافَةَ أَنْ تَتَنَجَّسَ ثِيَابُهُ وَأَقْوَى مَا رَأَيْت فِي ذَلِكَ عِبَارَةُ ابْنِ عَرَفَةَ فَإِنَّهُ لَمَّا حَكَى كَلَامَ الْبَاجِيِّ وَابْنِ بَشِيرٍ قَالَ الْبَاجِيُّ وَابْنُ بَشِيرٍ عَنْ الْأَشْيَاخِ: قِيَامُهُ بِرَخْوٍ طَاهِرٍ جَائِزٌ وَمُقَابِلُهُ بِدْعَةٌ أَيْ يَتْرُكُهُ وَجُلُوسُهُ بِصُلْبٍ طَاهِرٍ لَازِمٌ وَمُقَابِلُهُ مُقَابِلُهُ، فَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ وَمُقَابِلُهُ مُقَابِلُهُ أَنَّ الْقِيَامَ لَازِمٌ وَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْجُلُوسَ حَرَامٌ وَالْقِيَامَ وَاجِبٌ إذَا تَحَفَّظَ الشَّخْصُ عَلَى ثِيَابِهِ بَلْ عِبَارَةُ الْجَوَاهِرِ صَرِيحَةٌ فِي الْجَوَازِ فَإِنَّهُ قَالَ لَمَّا عَدَّ الْآدَابَ: وَأَنْ يَبُولَ جَالِسًا إنْ كَانَ الْمَكَانُ طَاهِرًا فَإِنْ كَانَ نَجِسًا رَخْوًا فَلَهُ أَنْ يَبُولَ قَائِمًا وَذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَقَبِلَهُ فَتَأَمَّلْهُ.
وَلَمْ يُتَابِعْ صَاحِبُ الشَّامِلِ الْمُصَنِّفَ عَلَى التَّصْرِيحِ بِالْمَنْعِ بَلْ قَالَ: وَجُلُوسُهُ بِمَكَانٍ رَخْوٍ إنْ كَانَ طَاهِرًا وَإِلَّا بَالَ قَائِمًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَأَمَّا الْمَوْضِعُ الصُّلْبُ فَأَطْلَقَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِيمَا يَأْتِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ اجْتِنَابُهُ قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: وَلَا أَعْرِفُهُ إلَّا لِأَبِي حَامِدٍ الْغَزَالِيِّ قُلْت ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ الْجَوَاهِرِ أَنَّ مِنْ الْآدَابِ أَنْ يَجْتَنِبَ الْمَوْضِعَ الصُّلْبَ احْتِرَازًا مِنْ الرَّشَاشِ وَأَطْلَقَ فِي ذَلِكَ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يُخْشَى مِنْ تَطَايُرِ الْبَوْلِ فِيهِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ طَاهِرًا أَوْ نَجِسًا فَيَنْبَغِي تَجَنُّبُهُ وَلَكِنِّي لَمْ أَقِفْ عَلَى مَا ذَكَرَهُ عَنْ الْجَوَاهِرِ فِيهَا إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ وَإِنْ كَانَ نَجِسًا صُلْبًا تَجَنَّبَهُ وَعَدَلَ إلَى غَيْرِهِ.
وَفِي الْعُمْدَةِ وَالْإِرْشَادِ لِأَبِي عَسْكَرٍ أَنَّ مِنْ الْآدَابِ أَنْ يَطْلُبَ مَوْضِعًا رَخْوًا قَالَ شُرَّاحُهُ: لَا صُلْبًا، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ مُعَلَّى فِي مَنْسَكِهِ فَقَالَ: وَاتِّقَاءُ الْأَرْضِ الصُّلْبَةِ.
(تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) قَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَوْضِعُ صُلْبًا طَاهِرًا فَلَيْسَ إلَّا الْجُلُوسُ وَقَالَ الْبَاجِيُّ إنْ كَانَ مَوْضِعًا طَاهِرًا صُلْبًا يُخَافُ أَنْ يَتَطَايَرَ مِنْهُ الْبَوْلُ إذَا بَالَ قَائِمًا فَحُكْمُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَنْ يَبُولَ الْبَائِلُ فِيهِ جَالِسًا؛ لِأَنَّ طَهَارَتَهُ تُبِيحُ الْجُلُوسَ وَصَلَابَةُ الْأَرْضِ تَمْنَعُ الْوُقُوفَ لِئَلَّا يَتَطَايَرَ عَلَيْهِ مِنْ الْبَوْلِ مَا يُنَجِّسُ ثِيَابَهُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَإِنْ كَانَ صُلْبًا طَاهِرًا تَعَيَّنَ الْجُلُوسُ وَنَحْوُهُ فِي الشَّامِلِ وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّ جُلُوسَهُ لَازِمٌ وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ نَاجِي وَقَبِلَهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْجُلُوسَ وَاجِبٌ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْقِيَامَ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهُ قَالَ إثْرَ كَلَامِهِ: وَأَكْرَهُهُ بِمَوْضِعٍ يَتَطَايَرُ فِيهِ.
قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي الْأُمَّهَاتِ فِي مَوْضِعٍ صُلْبٍ يَتَطَايَرُ فِيهِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ التَّقْسِيمَ الْمُتَقَدِّمَ وَقَدْ ذَكَرَ الْبَاجِيُّ هَذَا التَّقْسِيمَ بِعَيْنِهِ وَانْظُرْ الْكَرَاهَةَ هَلْ هِيَ عَلَى الْمَنْعِ أَوْ عَلَى بَابِهَا تَجْرِي عَلَى التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ. انْتَهَى، وَحَمْلُهَا عَلَى الْمَنْعِ ظَاهِرٌ إلَّا أَنْ يَأْمَنَ تَطَايُرَ الْبَوْلِ بِأَنْ يَكُونَ مُرْتَفِعًا عَنْ مَحِلِّهِ أَوْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ ثِيَابٌ وَيُرِيدَ أَنْ يَغْتَسِلَ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ لَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حُكْمُهَا إلَّا مَا تَقَدَّمَ مِنْ اسْتِحْبَابِ تَجَنُّبِهِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَجَنَّبْهُ وَأَرَادَ قَضَاءَ الْحَاجَةِ فِيهِ هَلْ يَقُومُ أَوْ يَجْلِسُ؟ لَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ شَيْءٌ عَلَى مَا حَمَلْنَا عَلَيْهِ كَلَامَهُ مِنْ أَنَّهُ خَاصٌّ بِالرَّخْوِ وَأَمَّا إذَا بَقِيَ كَلَامُهُ عَلَى عُمُومِهِ فَيُفْهَمُ مِنْهُ عَكْسُ الْمُرَادِ، وَأَنَّ الْجُلُوسَ حِينَئِذٍ مُسْتَحَبٌّ أَيْضًا وَالْقِيَامُ جَائِزٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(الثَّانِي) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِقَاضِي الْحَاجَةِ شَامِلٌ لِلْبَوْلِ وَالْغَائِطِ؛ لَكِنْ قَالَ فِي تَوْضِيحِهِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَلَا بَأْسَ بِالْقِيَامِ إذَا كَانَ الْمَكَانُ رَخْوًا أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِالْبَوْلِ قَالَ؛ لِأَنَّ الْغَائِطَ لَا يَجُوزُ إلَّا جَالِسًا، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَأَمَّا الْغَائِطُ فَلَا يَجُوزُ إلَّا جَالِسًا عَلَى كُلِّ حَالٍ صَرَّحَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ خَلِيلٌ

(1/268)


وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ فَقَطْ انْتَهَى.
ص (وَاعْتِمَادٌ عَلَى رِجْلٍ وَاسْتِنْجَاءٌ بِيَدٍ يُسْرَيَيْنِ)
ش: عَدَّ فِي الْمَدْخَلِ فِي الْآدَابِ أَنْ يُقِيمَ عُرْقُوبَ رِجْلِهِ الْيُمْنَى عَلَى صَدْرِهَا وَأَنْ يَسْتَوْطِئَ الْيُسْرَى وَأَنْ يَتَوَكَّأَ عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُسْرَى قَالَ فَإِنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ أَسْرَعُ لِخُرُوجِ الْحَدَثِ، وَقَوْلُهُ: وَاسْتِنْجَاءٌ بِيَدٍ، فَإِنْ لَمْ تَصِلْ يَدُ الرَّجُلِ أَوْ الْمَرْأَةِ إلَى مَوْضِعِ الِاسْتِنْجَاءِ؟ فَقَالَ فِي الْمَدْخَلِ فِي فَصْلِ الْغُسْلِ: فَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ السِّمَنِ بِحَيْثُ لَا تَصِلُ يَدُهَا إلَى مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ مِنْهَا فَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُوَكِّلَ غَيْرَهَا يَغْسِلُ لَهَا ذَلِكَ مِنْ جَارِيَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكْشِفَ عَلَيْهَا غَيْرَ زَوْجِهَا، فَإِنْ أَمْكَنَ زَوْجُهَا أَنْ يَغْسِلَ لَهَا ذَلِكَ فَبِهَا وَنِعْمَتْ وَلَهُ الْأَجْرُ فِي ذَلِكَ وَالثَّوَابُ الْجَزِيلُ وَإِنْ أَبَى فَلَيْسَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَاجِبًا، وَتُصَلِّي هِيَ بِالنَّجَاسَةِ وَلَا تَكْشِفُ عَلَيْهَا أَحَدًا؛ لِأَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ وَاجِبٌ وَكَشْفَهَا مُحَرَّمٌ اتِّفَاقًا، وَإِزَالَةُ النَّجَاسَةِ فِي الصَّلَاةِ مُخْتَلَفٌ فِيهَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنَّ إزَالَتَهَا مُسْتَحَبَّةٌ وَمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ فَارْتِكَابُهُ أَيْسَرُ مِنْ الَّذِي لَمْ يُخْتَلَفْ فِيهِ، وَأَمَّا الرَّجُلُ فَإِنْ كَانَ لَا يَصِلُ إلَى ذَلِكَ بِيَدِهِ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ إنْ قَدَرَ أَنْ يَشْتَرِيَ جَارِيَةً عَلَى أَنْ تَتَوَلَّى ذَلِكَ مِنْهُ وَإِنْ تَطَوَّعَتْ الزَّوْجَةُ بِغَسْلِهِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شِرَاءُ الْجَارِيَةِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَكْشِفَ عَلَى عَوْرَتِهِ غَيْرَ مَنْ ذُكِرَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصَلَاتُهُ بِالنَّجَاسَةِ أَخَفُّ مِنْ كَشْفِ عَوْرَتِهِ، وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، انْتَهَى، وَقَوْلُهُ يُسْرَيَيْنِ نَعْتٌ لِرِجْلٍ وَيَدٍ وَيَتَعَيَّنُ قَطْعُهُ بِإِضْمَارِ فِعْلٍ لِاخْتِلَافِ الْعَامِلِ وَحِينَئِذٍ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ، وَقَوْلُ الْبِسَاطِيِّ فِيهِ شَيْءٌ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى الِاتِّبَاعِ وَلَيْسَ ذَلِكَ لَازِمًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(فَائِدَةٌ) يُقَالُ لِلْيُسْرَى: (يَسَارٌ) قَالَ فِي الصِّحَاحِ: بِالْفَتْحِ، وَلَا تَقُلْ: يِسَارٌ بِالْكَسْرِ، وَفِي الْمُحْكَمِ الْيَسَارُ وَالْيِسَارُ نَقِيضُ الْيَمِينِ. الْفَتْحُ عَنْ ابْنِ السِّكِّيتِ أَفْصَحُ وَعَنْ ابْنِ دُرَيْدٍ الْكَسْرُ، وَلَفْظُ الْجَمْهَرَةِ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ كَلِمَةٌ أَوَّلُهَا يَاءٌ مَكْسُورَةٌ عَدَا يِسَارٍ شُبِّهَتْ بِالشِّمَالِ وَقَدْ تُفْتَحُ. انْتَهَى، وَيُقَالُ: جَلَسَ يَسْرَتَهُ وَيَمْنَتَهُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِمَا وَسُكُونِ ثَانِيهِمَا أَيْ جَلَسَ عَلَى يَسَارِهِ أَوْ عَلَى يَمِينِهِ
ص (وَبَلُّهَا قَبْلَ لُقِيِّ الْأَذَى وَغَسْلُهَا بِكَتُرَابٍ بَعْدَهُ)
ش: أَيْ قَبْلَ مُلَاقَاتِهَا النَّجَاسَةَ فَيَبُلُّهَا قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَ قُبُلَهُ وَدُبُرَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّسَالَةِ وَالْجَوَاهِرِ وَغَيْرِهِمَا قَالُوا: لِئَلَّا تَعْلَقَ بِهَا الرَّائِحَةُ.
ص (وَسَتْرٌ إلَى مَحِلِّهِ)
ش: أَيْ مَحِلِّ قَضَاءِ الْحَاجَةِ يُرِيدُ وَإِلَى جُلُوسِهِ، وَلَا يُحْمَلُ عَلَى ظَاهِرِهِ أَنَّهُ إذَا وَصَلَ إلَى مَحِلِّ قَضَاءِ الْحَاجَةِ لَمْ يُطْلَبْ بَعْدَ ذَلِكَ بِالسِّتْرِ بَلْ هُوَ مَطْلُوبٌ بِالسِّتْرِ إلَى الْجُلُوسِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي الْآدَابِ وَالْجُلُوسُ وَإِدَامَةُ السِّتْرِ إلَيْهِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ أَيْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُدِيمَ السِّتْرَ إلَى الْجُلُوسِ لِكَوْنِهِ أَبْلَغَ فِي السَّتْرِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَيْ إدَامَةُ سَتْرِ الْعَوْرَةِ إلَى الْجُلُوسِ إذَا كَانَ الْمَوْضِعُ لَا يُخْشَى عَلَى الثِّيَابِ فِيهِ مِنْ النَّجَاسَةِ وَإِلَّا جَازَ كَشْفُ الْعَوْرَةِ قَبْلَ الْجُلُوسِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ وَقَالَ فِي الْجَوَاهِرِ وَأَنْ يُدِيمَ السِّتْرَ حَتَّى يَدْنُوَ مِنْ الْأَرْضِ إنْ أَمِنَ مِنْ نَجَاسَةِ ثَوْبِهِ انْتَهَى، وَنَحْوُهُ فِي الزَّاهِي وَذَكَرَ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَالْقَرَافِيُّ عَنْ التِّرْمِذِيِّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ لَا يَرْفَعُ ثَوْبَهُ حَتَّى يَدْنُوَ مِنْ الْأَرْضِ» .
(تَنْبِيهٌ) وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ مُسْتَحَبًّا إذَا كَانَ حَيْثُ لَا يَرَاهُ النَّاسُ وَإِلَّا فَالسَّتْرُ وَاجِبٌ قَالَهُ الْبِسَاطِيُّ.
(تَنْبِيهٌ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَسَتْرٌ إلَى مَحِلِّهِ فِيهِ بَيَانُ حُكْمِ السَّتْرِ عِنْدَ الْجُلُوسِ وَلَمْ يُبَيِّنْ حُكْمَ الْإِسْبَالِ عِنْدَ الْقِيَامِ وَلَمْ أَقِفْ فِيهِ عَلَى نَصٍّ لِلْمَالِكِيَّةِ وَرَأَيْت فِي الْإِيضَاحِ لِلنَّاشِرِيِّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ إسْبَالُ الثَّوْبِ إذَا فَرَغَ قَبْلَ انْتِصَابِهِ، قَالَ: وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَخَفْ تَنَجُّسَ ثَوْبِهِ فَإِنْ خَافَهُ رَفَعَ قَدْرَ حَاجَتِهِ.
ص (وَإِعْدَادُ مُزِيلِهِ)
ش: فِي الْحَدِيث اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ وَأَعِدُّوا النُّبَلَ قَالَ فِي النِّهَايَةِ: جَمْعُ (نُبْلَةٍ) كَغُرْفَةٍ وَغُرَفٍ وَالْمُحَدِّثُونَ يَفْتَحُونَ النُّونَ وَالْبَاءَ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ النُّبَلُ حِجَارَةُ الِاسْتِنْجَاءِ يَعْنِي بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الْيَاءِ وَالْمُحَدِّثُونَ يَقُولُونَ: النَّبَلُ بِالْفَتْحِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِصِغَرِهَا، انْتَهَى. وَقَالَ الطَّبَرِيُّ فِي الْمُقَرِّبِ فِي

(1/269)


حَدِيثِ اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ وَأَعِدُّوا النُّبَلَ بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ حِجَارَةُ الِاسْتِنْجَاءِ وَالضَّمُّ اخْتِيَارُ الْأَصْمَعِيِّ انْتَهَى. وَأَمَّا النَّبْلُ بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ فَهُوَ السِّهَامُ وَأَمَّا النُّبْلُ بِضَمِّ النُّونِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ فَهُوَ الْفَضْلُ كَمَا قَالَ
وَمَنْ ذَا الَّذِي تُرْضَى سَجَايَاهُ كُلُّهَا ... كَفَى الْمَرْءُ نُبْلًا أَنْ تُعَدَّ مَعَايِبُهُ.
ص (وَوِتْرُهُ)
ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ هَارُونَ: الَّذِي سَمِعْت اسْتِحْبَابَهُ إلَى سَبْعٍ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمَدْخَلِ.
ص (وَتَقْدِيمُ قُبُلِهِ)
ش: قَالَ سَنَدٌ: هَذَا مَا لَمْ يَكُنْ ضَرَرٌ يَمْنَعُ ذَلِكَ كَمَنْ يَحْصُلُ لَهُ قِطَارُ الْبَوْلِ عِنْدَ مُلَاقَاةِ الْمَاءِ لِدُبُرِهِ فَإِنَّهُ يَغْسِلُ الدُّبُرَ أَوَّلًا ثُمَّ الْقُبُلَ، وَنَقَلَهُ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ.
ص (وَتَفْرِيجُ فَخِذَيْهِ)
ش: قَالَ فِي الْمَدْخَلِ عِنْدَ الْبَوْلِ وَالِاسْتِنْجَاءِ وَالْإِسْهَالِ: لِئَلَّا يَتَطَايَرَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ النَّجَاسَةِ لَا يَشْعُرُ بِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّهُ يُطْلَبُ أَيْضًا عِنْدَ الْغَائِطِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إسْهَالٌ؛ لِأَنَّهُ عَلَّلَهُ بِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي اسْتِفْرَاغِ مَا فِي الْمَحِلِّ.
ص (وَاسْتِرْخَاؤُهُ)
ش: أَيْ قَلِيلًا كَمَا قَالَ فِي الرِّسَالَةِ: وَيَسْتَرْخِي قَلِيلًا، قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَلَمْ أَزَلْ أَسْمَعُ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْأَشْيَاخِ أَنَّ الشَّيْخَ لَمْ يَسْبِقْهُ أَحَدٌ إلَى التَّنْبِيهِ بِالِاسْتِرْخَاءِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الشَّيْخُ ذَلِكَ لِيَكُونَ أَقْرَبَ لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ الَّتِي فِي غُضُونِ الْمَحِلِّ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَحِلَّ ذُو غُضُونٍ يَنْقَبِضُ عِنْدَ حَسِّ الْمَاءِ عَلَى مَا تَعَلَّقَ بِهِ مِنْ النَّجَاسَةِ فَإِذَا اسْتَرْخَى تَمَكَّنَ مِنْ الْإِنْقَاءِ، وَقِيلَ: يَتَمَكَّنُ بِذَلِكَ مِنْ تَقْطِيرِ الْبَوْلِ وَغَيْرِهِ وَالْقَوْلَانِ حَكَاهُمَا أَبُو عُمْرَانِ الْجَوْزِيُّ انْتَهَى.
(فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمَدْخَلِ: وَيَسْتَرْخِي قَلِيلًا عِنْدَ الِاسْتِنْجَاءِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَفْعَلْ يُخَافُ أَنَّهُ إذَا خَرَجَ اسْتَرْخَى مِنْهُ ذَلِكَ لِعُضْوٍ فَيَخْرُجُ شَيْءٌ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي لَمْ يَغْسِلْهُ عَلَى ظَاهِرِ بَدَنِهِ فَيُصَلِّي بِالنَّجَاسَةِ انْتَهَى.
ص (وَتَغْطِيَةُ رَأْسِهِ)
ش: ذَكَرَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَعَدَّهُ أَيْضًا فِي الْمَدْخَلِ مِنْ الْخِصَالِ الْمَطْلُوبَةِ قَالَ: وَكَذَلِكَ عِنْدَ الْجِمَاعِ وَنَقَلَهُ الْأَبِيُّ عَنْ الْغَزَالِيِّ وَنَصُّهُ وَأَنْ لَا يَدْخُلَ حَاسِرَ الرَّأْسِ، قِيلَ: خَوْفَ أَنْ تَعْلَقَ الرَّائِحَةُ بِشَعْرِهِ وَقِيلَ: لِأَنَّ تَغْطِيَةَ الرَّأْسِ أَجْمَعُ لِمَسَامِّ الْبَدَنِ وَأَسْرَعُ لِخُرُوجِ الْحَدَثِ، انْتَهَى. وَقَالَ الدَّمِيرِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَيُنْدَبُ أَنْ لَا يَدْخُلَ حَاسِرَ الرَّأْسِ بَلْ يَسْتُرُهُ وَلَوْ بِكُمِّهِ خَوْفًا مِنْ الْجِنِّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
ص (وَعَدَمُ الْتِفَاتِهِ)
ش: عَدَّ فِي الْمَدْخَلِ مِنْ الْآدَابِ أَنْ لَا يَقْعُدَ حَتَّى يَلْتَفِتَ يَمِينًا وَشِمَالًا ثُمَّ قَالَ: إذَا قَعَدَ لَا يَلْتَفِتُ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي عَارِضَتِهِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَبِلَهُ أَنَّ مِنْ الْآدَابِ أَنْ يَلْتَفِتَ يَمِينًا وَشِمَالًا فَيُحْمَلُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى مَا إذَا قَعَدَ.
وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ عَلَى مَا إذَا أَرَادَ الْقُعُودَ وَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِئَلَّا يَكُونَ هُنَاكَ شَيْءٌ يُؤْذِيهِ فَإِذَا رَآهُ بَعْدَ جُلُوسِهِ قَامَ وَقَطَعَ عَلَيْهِ بَوْلَهُ وَرُبَّمَا نَجَّسَ عَلَيْهِ ثِيَابَهُ، وَقَالَ فِي الزَّاهِي وَلَا تَجْلِسُ حَتَّى تَلْتَفِتَ يَمِينًا وَشِمَالًا.
(فَرْعٌ) عَدَّ فِي الْمَدْخَلِ مِنْ الْآدَابِ أَنْ لَا يَنْظُرَ إلَى السَّمَاءِ وَأَنْ لَا يَعْبَثَ بِيَدِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
ص (وَذِكْرُ وِرْدٍ بَعْدَهُ وَقَبْلَهُ)
ش: أَمَّا مَا وَرَدَ بَعْدَهُ فَهُوَ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَقُولُ: غُفْرَانَك، وَرُوِيَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي سَوَّغَنِيهِ طَيِّبًا وَأَخْرَجَهُ عَنِّي خَبِيثًا، قَالَهُ فِي الْعَارِضَةِ قَالَ: وَبِذَلِكَ سُمِّيَ نُوحًا عَبْدًا شَكُورًا وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: كَانَ إذَا خَرَجَ مِنْ الْخَلَاءِ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي الْأَذَى وَعَافَانِي، وَرُبَّمَا قَالَ: غُفْرَانَك رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقَالَ فِي الرِّسَالَةِ وَعِنْدَ الْجَلَاءِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَزَقَنِي لَذَّتَهُ وَأَخْرَجَ عَنِّي مَشَقَّتَهُ وَأَبْقَى فِي جِسْمِي قُوَّتَهُ وَقَوْلُهُ غُفْرَانَك بِالنَّصْبِ أَيْ أَسْأَلُك غُفْرَانَك أَوْ اغْفِرْ غُفْرَانَك وَاسْتَحَبَّ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ تَكْرَارَ غُفْرَانَك مَرَّتَيْنِ.
وَوَجْهُ سُؤَالِ الْمَغْفِرَةِ هُنَا قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ هُوَ الْعَجْزُ عَنْ شُكْرِ النِّعْمَةِ فِي تَيْسِيرِ الْغِذَاءِ وَإِيصَالِ مَنْفَعَتِهِ وَإِخْرَاجِ فَضْلَتِهِ وَقَالَ غَيْرُهُ: إنَّمَا ذَلِكَ لِتَرْكِهِ الذِّكْرَ حَالَ

(1/270)


الْخَلَاءِ فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يَتْرُكُ الذِّكْرَ إلَّا غَلَبَةً فَرَآهُ تَقْصِيرًا، قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَنْهِيًّا عَنْ الذِّكْرِ فِي تِلْكَ الْحَالِ فَإِنَّهُ يُثَابُ بِتَرْكِهِ وَهَذَا مِمَّا يَجِبُ الْحَمْدُ عَلَيْهِ لَا الِاسْتِغْفَارُ مِنْهُ وَنُظِرَ فِي الْأَوَّلِ أَيْضًا بِأَنَّ نِعَمَ اللَّهِ لَا تُحْصَى فَكَانَ يَجِبُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ مَتَى أَتَتْهُ نِعْمَةٌ، قَالَ: وَإِنَّمَا الْوَجْهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُكْثِرُ الِاسْتِغْفَارَ حَتَّى أَنَّهُ لَيُعَدُّ لَهُ فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ مِائَةُ مَرَّةٍ فَجَرَى عَلَى عَادَتِهِ؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ دَأْبُهُ الِاسْتِغْفَارَ تَجِدُهُ عِنْدَ حَرَكَاتِهِ وَتَقَلُّبَاتِهِ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى، وَأَمَّا مَا وَرَدَ قَبْلَهُ فَهُوَ مَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ» (وَالْخَلَاءُ) بِفَتْحِ الْخَاءِ وَالْمَدِّ الْمَكَانُ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ ثُمَّ نُقِلَ إلَى مَوْضِعِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ كَمَا سَيَأْتِي وَبِالْقَصْرِ الرَّطْبُ مِنْ الْحَشِيشِ وَخَلَا أَيْضًا حَرْفُ اسْتِثْنَاءٍ وَفِعْلُ اسْتِثْنَاءٍ وَالْخِلَاءُ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَالْمَدِّ فِي النُّوقِ كَالْحُرُنِ فِي الْخَيْلِ، وَفِي رِوَايَةٍ إذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ الْخَلَاءَ وَفِي أُخْرَى إذَا دَخَلَ الْكَنِيفَ (وَالْخُبُثُ) بِضَمِّ الْبَاءِ جَمْعُ خَبِيثٍ وَالْخَبَائِثُ جَمْعُ خَبِيثَةٍ، يُرِيدُ ذُكْرَانَ الشَّيَاطِينِ وَإِنَاثَهُمْ وَيُرْوَى بِسُكُونِ الْبَاءِ، قَالَ الطِّيبِيُّ فِي شَرْحِ الْمِشْكَاةِ: وَيُرَادُ بِهِ الْكُفْرُ وَبِالْخَبَائِثِ الشَّيَاطِينُ، انْتَهَى. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ عَامَّةُ أَهْلِ الْحَدِيثِ يُسْكِنُونَ الْبَاءَ وَهُوَ غَلَطٌ وَالصَّوَابُ ضَمُّهَا نَقَلَهُ فِي الطِّرَازِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ وَلَا يَصِحُّ قَوْلُ مَنْ أَنْكَرَ الْإِسْكَانَ وَذَكَرَ عَنْ ابْنِ التِّينِ وَالطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ النَّجِسِ وَالرِّجْسِ الْخَبِيثِ الْمُخْبِثِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ» وَقَالَ فِي الْمَدْخَلِ فِي صِفَةِ الذِّكْرِ هُوَ أَنْ يَقُولَ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ النَّجِسِ الرِّجْسِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ. زَادَ فِي الزَّاهِي بَعْدَ قَوْلِهِ: الرِّجْسِ النَّجِسِ، الضَّالِّ الْمُضِلِّ.
(تَنْبِيهٌ) وَيُجْمَعُ مَعَ هَذَا الذِّكْرِ التَّسْمِيَةُ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي تُشْرَعُ فِيهَا التَّسْمِيَةُ الدُّخُولَ لِلْخَلَاءِ وَالْخُرُوجَ مِنْهُ وَيَبْدَأُ بِالتَّسْمِيَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ وَقَالَ: إنَّهُ فِي حَالِ تَقَدُّمَةِ الرِّجْلِ الْيُسْرَى.
قَالَ الشَّيْخُ سُلَيْمَانُ الْبُحَيْرِيُّ: وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّهُ يُقَدِّمُ التَّعَوُّذَ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَ رِجْلَهُ وَلَفْظُ الْإِرْشَادِ وَيُقَدِّمُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى قَائِلًا: بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ وَمِنْ الرِّجْسِ النَّجِسِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ يَقُولُ ذَلِكَ قَبْلَ دُخُولِهِ إلَى مَوْضِعِ الْحَدَثِ أَوْ بَعْدَ وُصُولِهِ إنْ كَانَ الْمَوْضِعُ غَيْرَ مُعَدٍّ لِلْحَدَثِ وَقِيلَ بِجَوَازِهِ وَإِنْ كَانَ مُعَدًّا لَهُ وَحُكْمُهُ تَقَدُّمَةِ هَذَا الذِّكْرِ مَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ سِتْرُ مَا بَيْنَ أَعْيُنِ الْجِنِّ وَعَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ إذَا دَخَلَ الْكَنِيفَ أَنْ يَقُولَ بِسْمِ اللَّهِ» وَالسِّتْرُ هُنَا بِكَسْرِ السِّينِ اسْمٌ قَالَهُ الدَّمِيرِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ.
(فَائِدَتَانِ الْأُولَى) خُصَّ هَذَا الْمَوْضِعُ بِالِاسْتِعَاذَةِ لِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنَّهُ خَلَاءٌ وَلِلشَّيَاطِينِ بِعَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُدْرَتِهِ تَسَلُّطٌ بِالْخَلَاءِ مَا لَيْسَ لَهُ فِي الْمَلَأِ «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرَّاكِبُ شَيْطَانٌ وَالرَّاكِبَانِ شَيْطَانَانِ وَالثَّلَاثَةُ رَكْبٌ» الثَّانِي أَنَّهُ مَوْضِعُ قَذَرٍ يُنَزَّهُ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ عَنْ جَرَيَانِهِ عَلَى اللِّسَانِ فَيَغْتَنِمُ الشَّيْطَانُ عَدَمَ ذِكْرِهِ؛ لِأَنَّ ذِكْرَهُ يَطْرُدُهُ فَأُمِرَ بِالِاسْتِعَاذَةِ قَبْلَ ذَلِكَ لِيَعْقِدَهَا عِصْمَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّيْطَانِ حَتَّى يَخْرُجَ.
(الثَّانِيَةُ) كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعْصُومًا مِنْ الشَّيْطَانِ حَتَّى مِنْ الْمُوَكَّلِ بِهِ بِشَرْطِ اسْتِعَاذَتِهِ كَمَا أَنَّهُ غُفِرَ لَهُ بِشَرْطِ اسْتِغْفَارِهِ، انْتَهَى. مِنْ أَوَّلِ الْعَارِضَةِ لِابْنِ الْعَرَبِيِّ.
ص (فَإِنْ فَاتَ فَفِيهِ إنْ لَمْ يَعُدْ)
ش: إنَّمَا قَدَّمَ الشَّيْخُ قَوْلَهُ: بَعْدَهُ، عَلَى قَوْلِهِ: قَبْلَهُ لِيُرَتَّبَ عَلَيْهِ هَذَا الْفَرْعَ وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَقُولُ: الذِّكْرُ الْمُتَقَدِّمُ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَى مَحِلِّ الْحَدَثِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَوْضِعُ مُعَدًّا لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ أَمْ لَا فَإِنْ فَاتَهُ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَى الْمَحِلِّ قَالَهُ بَعْدَ وُصُولِهِ إلَى الْمَحِلِّ إنْ لَمْ يَكُنْ مُعَدًّا لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ، وَهَذَا نَحْوُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الذَّخِيرَةِ وَمَا سَيَأْتِي عَنْ الْجَوَاهِرِ.
(تَنْبِيهٌ) قَيَّدَ ابْنُ هَارُونَ ذَلِكَ بِمَا قَبْلَ جُلُوسِهِ لِلْحَدَثِ

(1/271)


قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالذِّكْرُ قَبْلَ مَوْضِعِهِ وَفِيهِ إنْ كَانَ غَيْرَ مُعَدٍّ قَوْلُهُ وَفِيهِ إنْ كَانَ غَيْرَ مُعَدٍّ يَعْنِي قَبْلَ جُلُوسِهِ لِلْحَدَثِ وَأَمَّا فِي حَالِ الْجُلُوسِ فَلَا؛ لِأَنَّ الصَّمْتَ حِينَئِذٍ مَشْرُوعٌ فِي حَقِّهِ وَلِذَلِكَ لَا يَرُدُّ عَلَى مَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَوْضِعُ مُعَدًّا لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ فَلَا يَقُولُ الذِّكْرَ فِيهِ وَيَفُوتُ بِالدُّخُولِ وَانْظُرْ هَلْ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ أَوْ مَمْنُوعٌ، وَكَذَا قَوْلُهُ فِيمَا يَأْتِي وَبِكَنِيفٍ نَحَّى ذِكْرَ اللَّهِ هَلْ هُوَ عَلَى جِهَةِ الْوُجُوبِ أَوْ الْكَرَاهَةِ، فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ وَالنُّقُولُ فِي ذَلِكَ مُخْتَلِفَةٌ وَظَاهِرُ كَلَامِ التَّوْضِيحِ الْمَنْعُ فَإِنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَفِي جَوَازِهِ فِي الْمُعَدِّ قَوْلَانِ كَالِاسْتِنْجَاءِ بِخَاتَمٍ فِيهِ ذِكْرٌ شَبَّهَ الْخَلَاءَ بِمَسْأَلَةِ الْخَاتَمِ وَالْمَعْرُوفُ فِي الْخَاتَمِ الْمَنْعُ وَالرِّوَايَةُ بِالْجَوَازِ مُنْكَرَةٌ، ثُمَّ الْمَنْعُ فِي الْخَاتَمِ قَوِيٌّ مِنْ الذِّكْرِ لِمُمَاسَّةِ النَّجَاسَةِ لَهُ وَنَحْوُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فَإِنَّهُ قَالَ: الْمَنْعُ الْمُشَبَّهُ بِهِ أَقْوَى مِنْهُ فِي الْمُشَبَّهِ لِمُمَاسَّةِ النَّجَاسَةِ فِي الْمُشَبَّهِ بِهِ وَهِيَ غَيْرُ حَاصِلَةٍ فِي الْمُشَبَّهِ، وَأُخِذَ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ الْمَنْعُ فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْخَاتَمِ مِنْ أَوَّلِ كِتَابِ التِّجَارَةِ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ فِي مَنْعِ مُبَايَعَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ الْمَنْقُوشَةِ عَلَيْهَا أَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِيهَا أَيْضًا قَوْلٌ بِالْجَوَازِ، انْتَهَى.
وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْجَوَاهِرِ فَقَالَ: وَيُقَدَّمُ الذِّكْرُ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَى مَوْضِعِ الْحَدَثِ وَيَجُوزُ لَهُ أَيْضًا بَعْدَ وُصُولِهِ إنْ كَانَ مَوْضِعًا غَيْرَ مُعْتَادٍ لِلْحَدَثِ، وَإِنْ كَانَ مُعْتَادًا لَهُ فَقَوْلَانِ فِي جَوَازِهِ وَمَنْعِهِ وَهُمَا جَارِيَانِ أَيْضًا فِي جَوَازِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْخَاتَمِ مَكْتُوبٌ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ. انْتَهَى، وَقَالَ الشَّارِحُ فِي شُرُوحِهِ: الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْمُعَدِّ وَقِيلَ بِجَوَازِهِ وَكَلَامُ هَؤُلَاءِ صَرِيحٌ فِي الْمَنْعِ وَمُقْتَضَاهُ حُرْمَةُ الذِّكْرِ وَوُجُوبُ تَنْحِيَةِ كُلِّ مَا فِيهِ ذِكْرٌ وَأَمَّا الْبِسَاطِيُّ وَابْنُ الْفُرَاتِ وَالْأَقْفَهْسِيُّ فَلَمْ يُصَرِّحُوا بِالْمَنْعِ وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ عَرَفَةَ نَقْلًا صَرِيحًا فِي الْمَنْعِ بَلْ قَالَ وَيُؤْمَرُ مُرِيدُ الْحَدِيثِ بِذِكْرٍ، نَحْوُ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ قَبْلَ فِعْلِهِ فِي غَيْرِ مُعَدٍّ لَهُ وَفِيهِ قَالَ اللَّخْمِيُّ قَبْلَ دُخُولِهِ وَرَوَى عِيَاضٌ جَوَازَهُ فِيهِ، انْتَهَى. وَكَلَامُ اللَّخْمِيِّ كَذَلِكَ لَيْسَ فِيهِ مَنْعٌ وَنَصُّهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَعِيذَ بِاَللَّهِ قَبْلَ التَّلَبُّسِ بِذَلِكَ إنْ كَانَ بِصَحْرَاءَ وَإِنْ كَانَ فِي الْحَاضِرَةِ قَبْلَ دُخُولِهِ الْخَلَاءَ، انْتَهَى.

وَكَلَامُ عِيَاضٍ الَّذِي ذَكَرَهُ هُوَ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ مِنْ الْإِكْمَالِ، وَنَصُّهُ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ وَالسَّلَفُ فِي هَذَا أَيْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْخَلَاءِ فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى جَوَازِ ذِكْرِهِ تَعَالَى فِي الْكَنِيفِ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ، وَهُوَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَابْنِ سِيرِينَ وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَرَوَى كَرَاهَةَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ وَالشَّعْبِيِّ وَغَيْرِهِمْ

وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي دُخُولِ الْكَنِيفِ بِالْخَاتَمِ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى، انْتَهَى. فَلَمْ يَحْكِ عَنْ مَالِكٍ إلَّا الْجَوَازَ وَقَالَ فِي الْمَدْخَلِ فِي فَصْلِ قُدُومِ الْمُرِيدِ مِنْ السَّفَرِ وَلِأَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ إلَّا فِي مَوْضِعِ الْخَلَاءِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ وَلَا بَأْسَ بِذِكْرِ اللَّهِ هُنَاكَ لِلِارْتِيَاعِ وَمَا يُشْبِهُهُ وَلَيْسَ بِمَكْرُوهٍ، وَقَالَ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: هَلْ يَجُوزُ نَقْشُ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْخَاتَمِ؟ وَالْمَشْهُورُ الْجَوَازُ وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ، وَاخْتُلِفَ هَلْ يَسْتَنْجِي بِهِ فِي يَدِهِ؟ قَوْلَانِ قِيلَ: يَجُوزُ، وَهَذِهِ قَوْلَةٌ عَنْ مَالِكٍ، وَأَبَاحَ ذَلِكَ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَكَذَلِكَ يُكْرَهُ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَ الْخَلَاءِ بِخَاتَمٍ فِيهِ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ يُصِرَّ الدَّرَاهِمَ فِي خِرْقَةٍ مَنْجُوسَةٍ وَالْخِلَافُ فِي هَذَا كُلِّهِ. انْتَهَى، وَقَالَ فِي الطِّرَازِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى آدَابِ الِاسْتِنْجَاءِ وَجَوَّزَ مَالِكٌ أَنْ يَدْخُلَ الْخَلَاءَ وَمَعَهُ الدِّينَارُ وَالدِّرْهَمُ وَإِنْ كَانَ مَكْتُوبًا عَلَيْهِ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى وَقَالَ عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ: إنَّهُ يُسْتَخْفَ فِي الْخَاتَمِ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ، قَالَ وَلَوْ نَزَعَهُ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ وَفِيهِ سِعَةٌ وَلَمْ يَكُنْ مَنْ مَضَى يَتَحَفَّظُونَ مِنْ هَذَا، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَنَا أَسْتَنْجِي بِهِ وَفِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: أَكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ وَلِيُحَوِّلَهُ فِي يَمِينِهِ، وَهَذَا حَسَنٌ وَقَدْ كَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يُعَامِلَ أَهْلَ الذِّمَّةِ بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ الَّتِي فِيهَا اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -

(1/272)


كَانَ إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ وَضَعَ خَاتَمَهُ» . انْتَهَى.
وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَفِي رَسْمِ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَسَأَلْت مَالِكًا عَنْ لُبْسِ الْخَاتَمِ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى يُلْبَسُ فِي الشِّمَالِ وَهَلْ يُسْتَنْجَى بِهِ؟ قَالَ مَالِكٌ أَرْجُو أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُهُ: أَرْجُو أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عِنْدَهُ مَكْرُوهٌ وَإِنَّ نَزْعَهُ أَحْسَنُ، وَكَذَلِكَ فِيمَا يَأْتِي فِي رَسْمِ مَسَاجِدِ الْقَبَائِلِ مِنْ هَذَا السَّمَاعِ وَفِي رَسْمِ الْوُضُوءِ وَالْجِهَادِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ وَمِثْلُهُ لِابْنِ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ وَوَجْهُ الْكَرَاهِيَةِ فِيهِ بَيِّنٌ؛ لِأَنَّ مَا كُتِبَ فِيهِ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الْحُرُوزِ يُجْعَلُ لَهُ خِرْقَةٌ، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِ التِّجَارَةِ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ: إنِّي لَأُعْظِمُ أَنْ يُعْمَدَ إلَى دَرَاهِمَ فِيهَا ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى فَيُعْطَاهَا نَجِسًا وَأَعْظَمَ ذَلِكَ إعْظَامًا شَدِيدًا وَكَرِهَهُ، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي رَسْمِ مَسَاجِدِ الْقَبَائِلِ: وَأَنَا أَسْتَنْجِي بِخَاتَمِي وَفِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَ بِحَسَنٍ مِنْ فِعْلِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا فَعَلَهُ؛ لِأَنَّهُ عُضَّ بِأُصْبُعِهِ فَيَشُقُّ عَلَيْهِ تَحْوِيلُهُ إلَى الْيَدِ الْأُخْرَى كُلَّمَا دَخَلَ الْخَلَاءَ وَاحْتَاجَ إلَى الِاسْتِنْجَاءِ فَيَكُونُ إنَّمَا تَسَامَحَ فِيهِ لِهَذَا الْمَعْنَى وَهُوَ أَشْبَهُ بِوَرَعِهِ وَفَضْلِهِ، انْتَهَى. وَاَلَّذِي فِي رَسْمِ مَسَاجِدِ الْقَبَائِلِ قِيلَ لَهُ: أَسْتَنْجِي بِهِ وَفِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى؟ فَقَالَ: ذَلِكَ عِنْدِي خَفِيفٌ وَلَوْ نَزَعَهُ لَكَانَ أَحْسَنَ وَفِي هَذَا سَعَةٌ وَمَا كَانَ مَنْ مَضَى يَتَحَفَّظُ فِي مِثْلِ هَذَا وَلَا يَسْأَلُ عَنْهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَنَا أَسْتَنْجِي بِخَاتَمِي وَفِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ ابْنُ رُشْدٍ قَدْ مَضَى الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي رَسْمِ الشَّرِيكَيْنِ وَقَالَ فِي أَوَاخِرِ رَسْمِ الْوُضُوءِ وَالْجِهَادِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْخَاتَمِ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى مَنْقُوشٌ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ فَقَالَ: إنْ نَزَعَهُ فَحَسَنٌ وَمَا سَمِعْت أَحَدًا انْتَزَعَ خَاتَمَهُ عِنْدَ الِاسْتِنْجَاءِ فَقِيلَ لَهُ: فَإِنْ اسْتَنْجَى وَهُوَ فِي يَدَيْهِ؟ فَقَالَ: لَا بَأْسَ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَدْ مَضَى الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي رَسْمِ الشَّرِيكَيْنِ وَفِي آخِرِ سَمَاعِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ.
وَسُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ الرَّجُلِ يَعْطِسُ وَهُوَ يَبُولُ أَوْ عَلَى حَاجَةٍ يَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ قَالَ نَعَمْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ قَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ يَكْرَهُ ذِكْرَ اللَّهِ عَلَى حَالَتَيْنِ عَلَى خَلَائِهِ وَهُوَ يُوَاقِعُ أَهْلَهُ وَالدَّلِيلُ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا رُوِيَ مِنْ جِهَةِ الْأَثَرِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ قَالَ: أَعُوذُ بِك مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ» وَمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَذْكُرُ اللَّهَ فِي أَحْيَانِهِ» وَمِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ إنَّ ذِكْرَ اللَّهِ يَصْعَدُ إلَى اللَّهِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ دَنَاءَةِ الْمَوْضِعِ شَيْءٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10] فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُمْنَعَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى كُلِّ حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ إلَّا بِنَصٍّ لَيْسَ فِيهِ احْتِمَالٌ، وَمَنْ ذَهَبَ إلَى مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ تَأَوَّلَ قَوْلَهُ إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ عَلَى مَعْنَى إذَا أَرَادَ وَأَطْلَقَ أَنَّ ذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي بَعْضِ الْآثَارِ وَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ فَأَكْثَرُ مَا فِيهِ ارْتِفَاعُ النَّصِّ فِي جَوَازِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى تِلْكَ الْحَالِ لَا الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْمَنْعُ فِيهِ وَجَبَ أَنْ يَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ فِي جَوَازِ الذِّكْرِ عُمُومًا وَمَا رُوِيَ مِنْ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَلَّمَ عَلَيْهِ رَجُلٌ وَهُوَ يَبُولُ، فَقَالَ: إذَا رَأَيْتنِي عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ فَلَا تُسَلِّمْ عَلَيَّ فَإِنَّك إنْ فَعَلْت لَمْ أَرُدَّ عَلَيْك» لَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى أَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَجُوزُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ.
وَقَدْ يُحْتَمَلُ عَدَمَ رَدِّ السَّلَامِ عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الْحَالِ بَعْدَ أَنْ نَهَاهُ أَدَبًا لَهُ عَلَى مُخَالَفَتِهِ لِكَوْنِهِ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ أَوْ لِكَوْنِهِ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ عَلَى مَا كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ لَا يَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى إلَّا عَلَى طَهَارَةٍ حَتَّى نُسِخَ ذَلِكَ. انْتَهَى، وَقَالَ فِي نَوَازِلِهِ فِي كِتَابِ الْجَامِعِ، وَإِذَا كَانَ فِي خَاتَمِهِ بِسْمِ اللَّهِ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُحَوِّلَهُ عِنْدَ الِاسْتِنْجَاءِ عَلَى يَمِينِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَالْأَمْرُ وَاسِعٌ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: لَمَّا عَدَّ الْآدَابَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُكَلِّمَ أَحَدًا حَالَ جُلُوسِهِ وَلَا يَرُدُّ عَلَى مَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ؛ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَرَّ عَلَيْهِ رَجُلٌ وَهُوَ يَبُولُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يُشَمِّتَ عَاطِسًا وَلَا يَحْمَدَ

(1/273)


إنْ عَطَسَ وَلَا يُحَاكِي مُؤَذِّنًا، وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَذَكَرَ فِي آخِرِ الْفُرُوقِ أَنَّهُ يُكْرَهُ الدُّعَاءُ فِي مَوَاضِعِ النَّجَاسَاتِ وَالْقَاذُورَاتِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْجَوَاهِرِ لَمَّا عَدَّ الْآدَابَ وَأَنْ يَتْرُكَ التَّشَاغُلَ بِالْحَدِيثِ وَإِنْشَادِ الشِّعْرِ عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَأَحْرَى أَنْ لَا تَجُوزَ الْقِرَاءَةُ، وَقَالَ فِي الْمَدْخَلِ: لَمَّا عَدَّ الْخِصَالَ الْمَطْلُوبَةَ الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ لَا يُسَلِّمُ عَلَى أَحَدٍ وَلَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ أَحَدٌ فَإِنْ سَلَّمَ فَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ وَقَالَ فِي الْعُمْدَةِ لِابْنِ عَسْكَر: وَمَنْ أَرَادَ ذَلِكَ يَعْنِي قَضَاءَ الْحَاجَةِ فِي الْخَلَاءِ فَلْيَنْزِعْ مَا عَلَيْهِ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى وَنَحْوُهُ فِي الْإِرْشَادِ لَهُ، وَنَقَلَ الشَّارِحُ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَبِكَنِيفٍ نَحَّى ذِكْرَ اللَّهِ أَنَّ فِي الِاسْتِذْكَارِ نَحْوَهُ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ مَكْتُوبًا فِي رِقَاعٍ أَوْ مَنْقُوشًا فِي خَاتَمٍ وَنَحْوِهِ.
وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الْجِهَادِ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ وَأَمَّا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ أَوْ الذِّكْرُ فِي الْمَوَاضِعِ الدَّنِسَةِ بِنَجَاسَةٍ أَوْ قَذَارَةٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يُنَزَّهَ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ وَمَنْ أَجَازَ دُخُولَ الْخَلَاءِ مُسْتَصْحِبًا مَعَهُ مَا فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ أَوْ أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى فِيهِ أَوْ يُجِيزَ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْخَاتَمِ الَّذِي فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر: 10] فَلَا يَبْعُدُ جَوَازُهُ انْتَهَى.
(قُلْت) فَهَذَا مَا وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ النُّقُولِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ تَلْخِيصِهِ وَتَحْصِيلِهِ عَلَى حَسَبِ مَا فَهِمْتُهُ لِيَقْرَبَ لِلْفَهْمِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِي اسْتِحْبَابِ تَرْكِ الذِّكْرِ وَالْقِرَاءَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَلَا فِي اسْتِحْبَابِ تَرْكِ الدُّخُولِ إلَيْهِ بِكُلِّ مَا فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ، وَأَنَّ الْجَوَازَ إذَا أُطْلِقَ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ كَرَاهَةٌ شَدِيدَةٌ لَا أَنَّهُ مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ أَعْنِي فِعْلَهُ وَتَرْكَهُ؛ لِأَنَّهُ سَيَأْتِي أَنَّ السُّكُوتَ مُسْتَحَبٌّ عَنْ كُلِّ كَلَامٍ إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَيَتَحَصَّلُ فِي الذِّكْرِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَالْقِرَاءَةِ فِيهِ، وَالدُّخُولِ إلَيْهِ بِمَا فِيهِ ذِكْرٌ أَوْ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ قَوْلَانِ بِالْجَوَازِ وَالْمَنْعِ، أَمَّا الْجَوَازُ فَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ وَمِنْ اعْتِذَارِهِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي رَسْمِ الشَّرِيكَيْنِ بِأَنَّهُ يَشُقُّ عَلَيْهِ تَحْوِيلُهُ إلَى الْيَدِ الْيُمْنَى كُلَّمَا دَخَلَ الْخَلَاءَ وَمِنْ كَلَامِ عِيَاضٍ فِي الْإِكْمَالِ وَمِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ وَمِنْ كَلَامِ الْبُرْزُلِيّ.
وَأَمَّا الْمَنْعُ فَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَمَنْ وَافَقَهُ؛ لِأَنَّهُ الْمَشْهُورُ وَإِذَا قُلْنَا بِهِ فَهَلْ مَعْنَاهُ الْكَرَاهَةُ أَوْ التَّحْرِيمُ؟ أَمَّا الذِّكْرُ فِيهِ وَالدُّخُولُ إلَيْهِ بِمَا فِيهِ ذِكْرٌ أَوْ قُرْآنٌ فَاَلَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَعِيَاضٍ وَصَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّ الْمَنْعَ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِهِ إنَّمَا مَعْنَاهُ الْكَرَاهَةُ وَهُوَ صَرِيحُ كَلَامِ الْجُزُولِيِّ وَصَاحِبِ الْمَدْخَلِ وَاَلَّذِي يَتَبَادَرُ لِلْفَهْمِ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ وَالشَّارِحِ أَنَّ الْمَنْعَ عَلَى التَّحْرِيمِ وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ، إذْ لَيْسَ فِي كَلَامِ أَحَدٍ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ مَا يُوَافِقُهُ وَهُمْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِالتَّحْرِيمِ فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ كَلَامِهِمْ عَلَى الْكَرَاهَةِ لِيُوَافِقَ كَلَامَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَأَمَّا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فَقَدْ صَرَّحَ فِي الْجَوَاهِرِ بِعَدَمِ جَوَازِهَا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَقَدْ كَرِهُوا الْقِرَاءَةَ فِي الطَّرِيقِ لِيَتَعَيَّنَ حَمْلُ الْمَنْعِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الذِّكْرَ هُنَا أَشَدُّ كَرَاهَةٍ مِنْ إدْخَالِ مَا فِيهِ ذِكْرٌ وَهَذَا حَيْثُ لَا تَدْعُو الضَّرُورَةُ إلَى ذَلِكَ، وَأَمَّا إذَا دَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَى ذَلِكَ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْمَدْخَلِ أَنَّهُ يَجُوزُ الذِّكْرُ هُنَاكَ لِلِارْتِيَاعِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَعَلَى هَذَا فَمَنْ كَانَ مَعَهُ حِرْزٌ وَهُوَ يَخَافُ مِنْ مُفَارِقَتِهِ إيَّاهُ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَصْحِبَهُ مَعَهُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ مَحْرُوزًا عَلَيْهِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فَإِنَّهُمْ أَجَازُوا حَمْلَهُ لِلْمُحْدِثِ وَلِلْجُنُبِ وَهُمَا مَمْنُوعَانِ مِنْ مَسِّ الْقُرْآنِ وَحَمْلِهِ، وَأَمَّا مَنْ لَا يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ فَيُكْرَهُ إدْخَالُهُ مَعَهُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَخْشَى عَلَيْهِ الضَّيَاعَ فَيَجُوزُ.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِيمَا عَلَّقَهُ عَلَى كِتَابِهِ الْحِصْنِ الْحَصِينِ: الذِّكْرُ عِنْدَ نَفْسِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَنَفْسِ الْجِمَاعِ لَا يُكْرَهُ بِالْقَلْبِ بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا الذِّكْرُ بِاللِّسَانِ حَالَتُهُ فَلَيْسَ مِمَّا شُرِعَ لَنَا وَلَا نُدِبْنَا إلَيْهِ وَلَا نُقِلَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ بَلْ يَكْفِي فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الْحَيَاءُ وَالْمُرَاقَبَةُ وَذِكْرُ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى فِي إخْرَاجِ هَذَا الْقَذَرِ الْمُؤْذِي الَّذِي لَوْ لَمْ يَخْرُجْ لَقَتَلَ صَاحِبَهُ وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الذِّكْرِ وَلَوْ لَمْ يَقُلْ بِاللِّسَانِ انْتَهَى.

(1/274)


[مَسْأَلَةُ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْخَاتَمِ]
وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْخَاتَمِ فَيَتَحَصَّلُ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْجَوَازُ، وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَفِعْلِهِ، وَالْكَرَاهَةُ وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ مَالِكٍ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ مِنْ الْعُتْبِيَّةِ كَمَا فَهِمَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَمِنْ كَلَامِ اللَّخْمِيّ فَإِنَّهُ قَالَ: اُخْتُلِفَ هَلْ يَسْتَنْجِي بِهِ وَهُوَ فِي يَدِهِ وَأَنْ لَا يَفْعَلَ أَحْسَنُ؟ لِحَدِيثِ أَنَسٍ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ نَزَعَ خَاتَمَهُ» ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ نَهَى أَنْ يَمَسَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ» فَإِذَا نُزِّهَتْ الْيُمْنَى عَنْ ذَلِكَ فَذِكْرُ اللَّهِ أَعْظَمُ، وَقَدْ كَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يُعْطِيَ الدَّرَاهِمَ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى فَهُوَ فِي هَذَا أَوْلَى انْتَهَى، وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فِي تَوْجِيهِ اجْتِنَابِهِ التَّخَتُّمَ فِي الْيُمْنَى مَا نَصُّهُ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِيهِ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَخْلَعَهُ عِنْدَ الِاسْتِنْجَاءِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ تَخَتَّمَ فِي شِمَالِهِ انْتَهَى، وَالتَّحْرِيمُ وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ التَّوْضِيحِ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُهُمَا، وَمِنْ كَلَامِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ قَالَ فِي الْعَارِضَةِ فِي آدَابِ الِاسْتِنْجَاءِ: أَنْ يُنْزَعَ الْخَاتَمُ فِيهِ اسْمُ اللَّهِ فَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِهِ فِي يَدِهِ ثُمَّ قَالَ: فِيهَا شَرْحٌ مُشْكِلٌ.
رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَا بَأْسَ أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِالْخَاتَمِ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ قَالَ بَعْضُ أَشْيَاخِي وَهَذِهِ رِوَايَةٌ بَاطِلَةٌ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ تَجْرِيَ النَّجَاسَةُ عَلَى اسْمِهِ قَدْ كَانَ لَهُ خَاتَمٌ مَنْبُوشٌ فِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَرَبِيِّ فَتَرَكْت الِاسْتِنْجَاءَ بِهِ لِحُرْمَةِ اسْمِ مُحَمَّدٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْكَرِيمُ الشَّرِيفُ وَلَكِنْ رَأَيْت لِلِاشْتِرَاكِ حُرْمَةً. انْتَهَى، وَقَالَ فِي الْمَدْخَلِ وَلْيَحْذَرْ أَنْ يَسْتَنْجِيَ وَالْخَاتَمُ فِي يَدِهِ إنْ كَانَ عَلَيْهِ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَإِنْ كَانَ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إجَازَةُ ذَلِكَ لَكِنْ هِيَ رِوَايَةٌ مُنْكَرَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ عَنْ آخِرِهِمْ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُعَرَّجَ عَلَيْهَا وَلَا يُلْتَفَتَ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذِهِ لَا يَنْبَغِي أَنْ تُنْسَبَ إلَى آحَادِ الْعُلَمَاءِ فَضْلًا عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ لِمَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ التَّعْظِيمِ لِجَنَابِ اللَّهِ وَجَنَابِ نَبِيِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا هُوَ مَشْهُورٌ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
قَالَ فِي الْإِرْشَادِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الِاسْتِنْجَاءِ وَأَنَّهُ بِالشِّمَالِ فَإِنْ كَانَ فِيهَا خَاتَمٌ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ نَقَلَهُ إلَى النَّهْيِ قَالَ الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ الشَّامِيُّ فِي شَرْحِهِ وُجُوبًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
ص (وَسُكُوتٌ إلَّا لِمُهِمٍّ)
ش: قَالَ فِي الْمَدْخَلِ: مِنْ الْخَصَائِلِ الْمَطْلُوبَةِ تَرْكُ الْكَلَامِ بِالْكُلِّيَّةِ ذِكْرًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْتَعِيذَ عِنْدَ الِارْتِيَاعِ وَيَجِبُ أَنْ يَتَكَلَّمَ إذَا اُضْطُرَّ إلَى ذَلِكَ فِي أَمْرٍ يَقَعُ مِثْلُ حَرِيقٍ أَوْ أَعْمَى يَقَعُ أَوْ دَابَّةٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يُسَلِّمُ وَلَا يَرُدُّ سَلَامًا وَلَا يَحْمَدُ لَوْ عَطَسَ وَلَا يُشَمِّتُ عَاطِسًا وَلَا يُجِيبُ مُؤَذِّنًا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

ص (وَبِالْفَضَاءِ تَسَتُّرٌ وَبُعْدٌ)
ش: يَعْنِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ قَضَاءَ الْحَاجَةِ فِي الْفَضَاءِ أَنْ يَسْتَتِرَ عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ وَأَنْ يَبْعُدَ حَتَّى لَا يَسْمَعُوا لَهُ صَوْتًا وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ كَانَ إذَا أَرَادَ الْغَائِطَ أَبْعَدَ وَفِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا أَرَادَ الْبَرَازَ أَبْعَدَ حَتَّى لَا يَرَاهُ أَحَدٌ قَالَ فِي النِّهَايَةِ: (الْبَرَازُ) بِالْفَتْحِ الْفَضَاءُ الْوَاسِعُ وَذَكَرَ الدَّمِيرِيُّ هَذَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ بِمَكَّةَ إذَا أَرَادَ قَضَاءَ الْحَاجَةِ خَرَجَ إلَى الْمُغَمَّسِ، قَالَ نَافِعٌ: وَهُوَ عَلَى نَحْوِ مِيلَيْنِ مِنْ مَكَّةَ رَوَاهُ ابْنُ السُّنِّيِّ وَأَبُو يَعْلَى.
(قُلْت) وَهَذَا الْإِبْعَادُ لَيْسَ لِلتَّسَتُّرِ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْهُ تَعْظِيمُ الْحَرَمِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، فَذِكْرُهُ هُنَا غَيْرُ ظَاهِرٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «مَنْ أَتَى الْغَائِطَ فَلْيَسْتَتِرْ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا أَنْ يَجْمَعَ كَثِيبًا مِنْ رَمْلٍ فَلْيَسْتَتِرْ بِهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَلْعَبُ بِمَقَاعِدِ بَنِي آدَمَ» قَالَ فِي الطِّرَازِ إثْرَ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ يُرِيدُ أَنَّهُ يَحْضُرُهَا وَيَرْصُدُهَا بِالْأَذَى فَأَمَرَ بِالسَّتْرِ لِئَلَّا يَقَعَ عَلَيْهِ بَصَرٌ أَوْ تَهُبُّ رِيحٌ فَتُصِيبُهُ نَجَاسَةٌ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ لَعِبَ بِهِ الشَّيْطَانُ وَقَصَدَهُ بِالْأَذَى. انْتَهَى.
وَإِنَّمَا لَمْ يَكْتَفِ الْمُصَنِّفُ بِالتَّسَتُّرِ عَنْ الْبُعْدِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَسْتَتِرُ بِشَيْءٍ وَلَا يَكُونُ بَعِيدًا بِحَيْثُ يُسْمَعُ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ.
ص (وَاتِّقَاءُ جُحْرٍ)
ش:

(1/275)


بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْحَاءِ وَهُوَ الثَّقْبُ الْمُسْتَدِيرُ وَيَلْحَقُ بِهِ الْمُسْتَطِيلُ وَيُسَمَّى السَّرْبُ بِفَتْحِ السِّينِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يُنْدَبُ لَهُ اتِّقَاءُ الْجُحْرِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ ذَلِكَ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ النَّهْيِ فَقِيلَ: لِأَنَّهَا مَسَاكِنُ الْجِنِّ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ هُنَاكَ بَعْضُ الْهَوَامِّ فَيُؤْذِيهِ أَوْ يُشَوِّشُ عَلَيْهِ، وَيُقَالُ: إنَّ سَبَبَ مَوْتِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ أَنَّهُ بَالَ فِي جُحْرٍ، وَقَالَتْ الْجِنُّ فِي ذَلِكَ:
نَحْنُ قَتَلْنَا سَيِّدَ ... الْخَزْرَجِ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ
رَمَيْنَاهُ بِسَهْمَيْنِ ... فَلَمْ نُخْطِ فُؤَادَهْ
وَهَذَا إذَا لَاقَاهُ بِغَيْرِ الذِّكْرِ وَاخْتُلِفَ إذَا بَعُدَ عَنْهَا فَوَصَلَ بَوْلُهُ إلَيْهَا فَكُرِهَ خِيفَةً مِنْ حَشَرَاتٍ تَنْبَعِثُ عَلَيْهِ مِنْ الْكُوَّةِ وَقِيلَ: يُبَاحُ لِبُعْدِهِ عَنْ الْحَشَرَاتِ إنْ كَانَتْ فِيهَا وَالْقَوْلُ الثَّانِي ذَكَرَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ نَاقِلًا عَنْهُ وَنَصَّهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَلْيَتَّقِ الْجُحْرَ وَالْمَهْوَاةَ وَلْيَبُلْ دُونَهُمَا وَيَجْرِي إلَيْهِمَا وَاسْتِشْكَالُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا يُرَدُّ بِأَنَّ حَرَكَةَ الْجِنِّ فِي فَرَاغِ الْمَهْوَاةِ لَا فِي سَطْحِهَا

[فَرْعٌ الِاسْتِنْجَاء فِي غَيْر مَوْضِع قَضَاء الْحَاجَة]
(فَرْعٌ) عَدَّ فِي الْمَدْخَلِ مِنْ الْخِصَالِ الْمَطْلُوبَةِ أَنْ لَا يَسْتَنْجِيَ فِي مَوْضِعِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَقَالَهُ فِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا لِمَا فِي التِّرْمِذِيِّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي مُسْتَحَمِّهِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ فِيهِ أَوْ يَغْتَسِلُ فِيهِ فَإِنَّ عَامَّةَ الْوَسْوَاسِ مِنْهُ» قَالَ الدَّمِيرِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ: هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَسْلَكٌ يَذْهَبُ فِيهِ الْبَوْلُ وَهَذَا فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ، وَأَمَّا إذَا اسْتَنْجَى بِغَيْرِهِ فَلَا يُنْدَبُ لَهُ ذَلِكَ قَالَهُ الشَّافِعِيَّةُ أَيْضًا وَهُوَ ظَاهِرٌ

ص (وَرِيحٌ)
ش: وَمِنْهُ الْمَرَاحِيضُ الَّتِي لَهَا مَنْفَذٌ لِلْهَوَاءِ فَيَدْخُلُ الْهَوَاءُ مِنْ مَوْضِعٍ وَيَخْرُجُ مِنْ آخَرَ فَإِذَا بَالَ فِيهِ رَدَّتْهُ الرِّيحُ عَلَيْهِ. قَالَهُ فِي الْمَدْخَلِ قَالَ: فَيَنْبَغِي أَنْ يَبُولَ فِي وِعَاءٍ ثُمَّ يَفْرُغُهُ فِي الْمِرْحَاضِ أَوْ يَبُولَ عَلَى الْأَرْضِ بِالْقُرْبِ مِنْ الْمِرْحَاضِ بِحَيْثُ يَسِيلُ إلَيْهِ وَلَا يَلْحَقُهُ مِمَّا يَرُدُّهُ الرِّيحُ شَيْءٌ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ إنَّمَا يُطْلَبُ بِاتِّقَاءِ الرِّيحِ وَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ سَاكِنَةً لَمْ يُطْلَبْ مِنْهُ اتِّقَاءُ مَا بِهَا، وَاَلَّذِي فِي الْمَدْخَلِ أَنَّهُ يَتَّقِي مَهَابَّ الرِّيَاحِ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ، وَنَصُّ كَلَامِ صَاحِبِ الْمَدْخَلِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى آدَابِ التَّصَرُّفِ فِي قَضَاءِ الْحَاجَةِ الْحَادِيَةَ عَشْرَ أَنْ يَتَّقِيَ مَهَابَّ الرِّيَاحِ انْتَهَى.
ص (وَمَوْرِدٌ)
ش: الْمَوْرِدُ مَوْضِعُ الْوُرُودِ مِنْ الْأَنْهَارِ وَالْآبَارِ وَالْعُيُونِ وَقَالَ فِي الْإِكْمَالِ الْمَوَارِدُ ضِفَّةُ النَّهْرِ وَمَشَارِعُ الْمِيَاهِ فَإِذَا اتَّقَى الْمَوَارِدَ فَالْمَاءُ نَفْسُهُ أَحْرَى وَيُوجَدُ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ، وَفِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: هُوَ نَهْيُ كَرَاهَةٍ وَإِرْشَادٍ وَهُوَ فِي الْقَلِيلِ أَشَدُّ؛ لِأَنَّهُ يُفْسِدُهُ وَقِيلَ: النَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ قَدْ يَفْسُدُ لِتَكْرَارِ الْبَائِلِينَ وَيَظُنُّ الْمَارُّ أَنَّهُ تَغَيَّرَ مِنْ قَرَارِهِ وَيَلْحَقُ بِالْبَوْلِ التَّغَوُّطُ فِيهِ وَصَبُّ النَّجَاسَةِ. انْتَهَى، وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ الْجَارِي عَلَى أَصْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْكَرَاهَةَ عَلَى التَّحْرِيمِ فِي الْقَلِيلِ إذْ قَدْ يَتَغَيَّرُ فَيُظَنُّ أَنَّهُ مِنْ قَرَارِهِ وَعَزَاهُ عِيَاضٌ لِبَعْضِهِمْ، وَأَمَّا عَلَى الْكَثِيرِ فَعَلَى بَابِهَا قَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: وَلَوْ قِيلَ بِالتَّحْرِيمِ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا.
(فَائِدَةٌ) (وَالضِّفَّةُ) بِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ جَانِبُ النَّهْرِ وَضِفَّتَاهُ جَانِبَاهُ قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ وَحَكَى صَاحِبُ النِّهَايَةِ فِيهِ الْفَتْحَ.
ص (وَطَرِيقٌ)
ش: قَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَيُكْرَهُ أَنْ يَتَغَوَّطَ فِي ظِلِّ الْجِدَارِ وَالشَّجَرِ وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ وَضِفَّةِ الْمَاءِ وَقُرْبِهِ. انْتَهَى، وَضِفَّةُ الْمَاءِ جَانِبُهُ كَمَا تَقَدَّمَ.
(فَائِدَةٌ) رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَةَ الْبِرَازَ فِي الْمَوَارِدِ وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ وَالظِّلِّ» قَالَ فِي النِّهَايَةِ: هِيَ جَمْعُ مَلْعَنَةٍ، وَهِيَ الْفَعْلَةُ الَّتِي يُلْعَنُ بِهَا فَاعِلُهَا كَأَنَّهَا مَظِنَّةٌ لِلَّعْنِ وَمَحِلٌّ لَهُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ إذَا مَرُّوا بِهِ لَعَنُوا فَاعِلَهُ. انْتَهَى، وَقَوْلُهُ (الْبِرَازَ) بِكَسْرِ الْبَاءِ عَلَى مَا اسْتَصْوَبَهُ النَّوَوِيُّ كَمَا سَيَأْتِي وَهُوَ الْغَائِطُ وَالْمَوَارِدُ جَمْعُ مَوْرِدٍ، وَرَوَى أَبُو دَاوُد أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ

(1/276)


اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اتَّقُوا اللَّاعِنَيْنِ قَالَ: وَمَا اللَّاعِنَانِ؟ قَالَ: الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طُرُقِ النَّاسِ أَوْ ظِلِّهِمْ» قَالَ فِي النِّهَايَةِ: اللَّاعِنَيْنِ أَيْ الْأَمْرَيْنِ الْجَالِبَيْنِ لِلَّعْنِ الْبَاعِثَيْنِ النَّاسَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ سَبَبٌ لِلَعْنِ مَنْ فَعَلَهُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَلَيْسَ كُلُّ ظِلٍّ وَإِنَّمَا الظِّلُّ الَّذِي يَسْتَظِلُّ بِهِ النَّاسُ وَيَتَّخِذُونَهُ مَقِيلًا وَمَنَاخًا، (وَاللَّاعِنُ) اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ لَعَنَ، فَسُمِّيَتْ هَذِهِ الْأَمَاكِنُ لَاعِنَةً؛ لِأَنَّهَا سَبَبُ اللَّعْنِ. انْتَهَى، وَقَالَ ابْنُ رَاشِدٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: الْمَلَاعِنُ جَمْعُ مَلْعَنٍ وَمَفْعَلُ اسْمُ مَكَان وَلَمَّا كَانَ التَّخَلِّي فِي هَذِهِ الْأَمَاكِنِ سَبَبًا فِي لَعْنِ النَّاسِ عَلَى ذَلِكَ سُمِّيَتْ مَلَاعِنَ، وَفِي الْحَدِيثِ: «اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ» ، الْحَدِيثَ سُمِّيَ فَاعِلُ ذَلِكَ لَعَّانًا مَجَازًا مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ السَّبَبِ بِاسْمِ الْمُسَبَّبِ. انْتَهَى
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْمَلَاعِنُ جَمْعُ مَلْعَنَةٍ وَهِيَ قَارِعَةُ الطَّرِيقِ وَفِي الْحَدِيثِ اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ وَهِيَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ أَعَمُّ مِنْ هَذَا كَمَا قَالَ الْمُؤَلَّفُ كَالطُّرُقِ وَالظِّلَالِ سَوَاءٌ كَانَ ظِلَالَ الشَّجَرِ أَوْ الْجِدَارَاتِ وَالشَّاطِئِ وَالرَّاكِدِ. انْتَهَى، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ جَمْعُ مَلْعَنَةٍ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَأْتُونَ إلَيْهَا فَيَجِدُونَ الْعَذِرَةَ فَيَلْعَنُونَ فَاعِلَهَا. انْتَهَى، وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: سُمِّيَتْ هَذِهِ مَلَاعِنَ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الْمَكَانِ بِمَا يَقَعُ فِيهِ كَتَسْمِيَةِ الْحَرَمِ حَرَمًا وَالْبَلَدِ آمِنًا لِمَا حَلَّ فِيهِمَا مِنْ تَحْرِيمِ الصَّيْدِ وَأَمْنِهِ، وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْمَوَاضِعُ يَقَعُ فِيهَا لَعْنُ الْفَاعِلِ لِلْغَائِطِ سُمِّيَتْ مَلَاعِنَ. انْتَهَى، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِلَفْظِ «اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا اللَّعَّانَانِ» ؟ الْحَدِيثَ، فَذَكَرَ اللَّعَّانَيْنِ بِصِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ رَاشِدٍ وَاَلَّذِي رَأَيْتُهُ فِي مُخْتَصَرِ سُنَنِ أَبِي دَاوُد لِلْمُنْذِرِيِّ، وَفِي مُخْتَصَرِ جَامِعِ الْأُصُولِ اللِّعَانَانِ بِالتَّخْفِيفِ تَثْنِيَةُ لَاعِنٍ وَذَكَرَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِ سُنَنِ أَبِي دَاوُد أَنَّ مُسْلِمًا أَخْرَجَهُ وَلَمْ يَعْزُهُ فِي مُخْتَصَرِ جَامِعِ الْأُصُولِ إلَّا لِأَبِي دَاوُد فَيُحَرَّرُ ذَلِكَ مِنْ أُصُولِهِ وَأَوَّلُ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي أَنَّ اللَّاعِنَ أَوْ اللَّعَّانَ اسْمٌ لِلْمَكَانِ وَآخِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ اسْمٌ لِلْفَاعِلِ فِيهَا، وَتَوْجِيهُ صَاحِبِ النِّهَايَةِ يُنَاسِبُ الْأَوَّلَ وَتَوْجِيهُ ابْنِ رَاشِدٍ يُنَاسِبُ الثَّانِيَ وَأَمَّا حَدِيثُ الْمَلَاعِنِ فَهَلْ هُوَ جَمْعُ مَلْعَنٍ أَوْ مَلْعَنَةٍ؟ خِلَافٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَهُوَ اسْمٌ لِلْمَكَانِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
ص (وَظِلٌّ)
ش: سَوَاءٌ كَانَ ظِلَّ شَجَرٍ أَوْ حَائِطٍ يُسْتَظَلُّ بِهِ وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ عِيَاضٌ وَلَيْسَ كُلُّ ظِلٍّ يَحْرُمُ الْقُعُودُ عِنْدَهُ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ فَقَدْ قَضَاهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَحْتَ حَائِشٍ وَمَعْلُومٌ أَنَّ لَهُ ظِلًّا انْتَهَى (وَالْحَائِشُ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ هُوَ النَّخْلُ الْمُلْتَفُّ وَنَصُّهُ وَفِيهِ أَنَّهُ دَخَلَ حَائِشَ نَخْلٍ فَقَضَى فِيهِ حَاجَتَهُ، الْحَائِشُ النَّخْلُ الْمُلْتَفُّ الْمُجْتَمِعُ كَأَنَّهُ لِالْتِفَافِهِ يَحُوشُ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ وَأَصْلُهُ مِنْ الْوَاوِ، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَاهُ هُنَا لِأَجْلِ لَفْظِهِ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ أَنَّهُ إذَا كَانَ أَحَبُّ إلَيْهِ مَا اسْتَتَرَ بِهِ إلَيْهِ حَائِشَ نَخْلٍ أَوْ حَائِطٍ وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ. انْتَهَى، مِنْ بَابِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مَعَ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ، وَمِثْلُ الظِّلِّ الشَّمْسُ أَيَّامَ الشِّتَاءِ قَالَهُ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَلَفْظُهُ قَالَ عُلَمَاؤُنَا وَمِثْلُهُ: الشَّمْسُ.
(فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمَدْخَلِ فِي آدَابِ الِاسْتِنْجَاءِ بِأَنْ يَجْتَنِبَ بِيَعَ الْيَهُودِ وَكَنَائِسَ النَّصَارَى لِئَلَّا يَفْعَلُوا ذَلِكَ فِي مَسَاجِدِنَا كَمَا نَهَى عَنْ سَبِّ الْآلِهَةِ الْمَدْعُوَّةِ مِنْ دُونِ اللَّهِ لِئَلَّا يَسُبُّوا اللَّهَ تَعَالَى انْتَهَى
(فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمَدْخَلِ يُكْرَهُ الْبَوْلُ فِي الْأَوَانِي النَّفِيسَةِ لِلسَّرَفِ وَكَذَلِكَ يَحْرُمُ فِي أَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِحُرْمَةِ اتِّخَاذِهَا وَاسْتِعْمَالِهَا. (فَرْعٌ) يُكْرَهُ الْبَوْلُ فِي مَخَازِنِ الْغَلَّةِ اهـ مِنْهُ.
ص (وَصُلْبٌ)
ش: بِضَمِّ الصَّادِ وَسُكُونِ اللَّامِ الْمَوْضِعُ الشَّدِيدُ وَيُقَالُ أَيْضًا بِفَتْحِ الصَّادِ وَاللَّامِ قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ وَشَرْحِ الْإِرْشَادِ لِابْنِ أَبِي شَرِيفٍ وَصُلَّبٌ بِضَمِّ الصَّادِ وَفَتْحِ اللَّامِ الْمُشَدَّدَةِ قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ.
ص (وَبِكَنِيفٍ نَحَّى ذِكْرَ اللَّهِ)
ش: تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ (وَالْكَنِيفُ) بِفَتْحِ الْكَافِ مَوْضِعُ قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَيُسَمَّى الْمُذْهَبَ وَالْمِرْفَقَ وَالْمِرْحَاضَ قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَفِي النِّهَايَةِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ وَجَدْنَا مَرَافِقَهُمْ قَدْ اُسْتُقْبِلَ بِهَا الْقِبْلَةَ يُرِيدُ الْكُنُفَ وَالْحُشُوشَ

(1/277)


وَاحِدُهَا مِرْفَقٌ بِالْكَسْرِ وَفِي الصِّحَاحِ (الْمِرْفَقُ) وَالْمِرْفَقُ مَعًا بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَبِالْكَسْرِ هُوَ مَا ارْتَفَقْت بِهِ مِنْ الْأَمْرِ وَانْتَفَعْت بِهِ ثُمَّ، قَالَ: وَمَرَافِقُ الدَّارِ مَصَابُّ الْمَاءِ وَنَحْوِهَا.
انْتَهَى، وَرَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِهِمْ فِي حَاشِيَةِ الصِّحَاحِ أَنَّ الْمِرْفَقَ مِنْ مَرَافِقِ الدَّارِ مَفْتُوحُ الْمِيمِ وَالْفَاءِ قَالَ وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَنْتَفِعُ بِهِ أَهْلُ الدَّارِ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي مُقَدَّمَةِ فَتْحِ الْبَارِي (الْمَرَاحِيضُ) جَمْعُ مِرْحَاضٍ وَهُوَ بَيْتُ الْخَلَاءِ مَأْخُوذٌ مِنْ الرَّحْضِ وَهُوَ الْغَسْلُ. انْتَهَى، وَفِي الصِّحَاحِ رَحَضْت يَدِي وَثَوْبِي أَرْحَضُهُ رَحْضًا غَسَلْتُهُ، وَالثَّوْبُ رَحِيضٌ وَمَرْحُوضٌ وَالْمِرْحَاضُ خَشَبَةٌ يُضْرَبُ بِهَا الثَّوْبُ إذَا غُسِلَ وَالْمِرْحَاضُ الْمُغْتَسَلُ. انْتَهَى، وَزَادَ فِي الْمُحْكَمِ وَالْمِرْحَاضُ الْمُغْتَسَلُ وَمِنْهُ قِيلَ لِمَوْضِعِ الْخَلَاءِ: الْمِرْحَاضُ. انْتَهَى. وَيُقَالُ لَهُ: الْحُشُّ، قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: الْحُشُوشُ بِضَمِّ الْحَاءِ وَفَتْحِهَا وَشِينَيْنِ مُعْجَمَتَيْنِ الْمَرَاحِيضُ وَالْكُنُفُ وَأَصْلُهَا مِنْ الْحَشِّ، قَالَ: وَهُوَ النَّخْلُ الْمُجْتَمِعُ يُقَالُ هُنَا بِضَمِّ الْحَاءِ وَفَتْحِهَا وَكَانُوا يَسْتَتِرُونَ بِهَا عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ أَوْ مِنْ الْحَشِّ بِالْفَتْحِ وَهُوَ الدُّبُرُ؛ لِأَنَّهُ يَكْتَنِفُ الْكُنُفَ وَيَتَبَرَّزُ مِنْهُ فِيهَا انْتَهَى.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُد «أَنَّ هَذِهِ الْحُشُوشَ مُحْتَضَرَةٌ فَإِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الْخَلَاءَ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ» وَمَعْنَى مُحْتَضَرَةٍ أَيْ تَحْضُرُهَا الشَّيَاطِينُ وَقَوْلُ الْقَاضِي عِيَاضٍ: إنَّ (الْحَشَّ) إذَا كَانَ مَعْنَاهُ الدَّبَرَ بِالْفَتْحِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُقَالُ بِالضَّمِّ، وَفِي الصِّحَاحِ وَالْحَشُّ يَعْنِي بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ الْمَخْرَجُ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَقْضُونَ حَوَائِجَهُمْ فِي الْبَسَاتِينِ، وَقَالَ فِي الْمُحْكَمِ: الْمِحَشَّةُ الدُّبُرُ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: الْحُشُوشُ مَوْضِعُ قَضَاءِ الْحَاجَةِ، الْوَاحِدُ حَشٌّ بِالْفَتْحِ وَأَصْلُهُ مِنْ الْبُسْتَانِ، وَيُقَالُ لِمَوْضِعِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ الْخَلَاءُ بِالْمَدِّ وَأَصْلُهُ الْمَكَانُ الْخَالِي ثُمَّ نُقِلَ إلَى مَوْضِعِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ.
قَالَ الدَّمِيرِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ: قَالَ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ: سُمِّيَ بِذَلِكَ بِاسْمِ شَيْطَانٍ فِيهِ، يُقَالُ لَهُ: خَلَاءٌ، وَأَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثًا وَقِيلَ: لِأَنَّهُ يَتَخَلَّى فِيهِ أَيْ يَتَبَرَّزُ وَجَمْعُهُ أَخْلِيَةٌ، وَيُقَالُ لَهُ: الْكِرْيَاسُ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ، وَفِي الصِّحَاحِ الْكِرْيَاسُ الْكَنِيفُ فِي أَعْلَى السَّطْحِ، وَقَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: رُوِيَ فِي حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ وَمَا يُدْرَى مَا يُصْنَعُ بِهَذِهِ الْكَرَائِسِ، وَالْكَرَائِسُ الْمَرَاحِيضُ تَكُونُ عَلَى السُّطُوحِ وَأَمَّا مَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ لَا عَلَى سَطْحٍ فَإِنَّمَا هُوَ كَنِيفٌ. انْتَهَى وَأَمَّا (الْكَرَابِسُ) بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ فَقَالَ فِي الصِّحَاحِ: هِيَ ثِيَابٌ خَشِنَةٌ وَاحِدُهَا كِرْبَاسُ، قَالَ: وَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْكَرَابِيسُ جَمْعُ كِرْبَاسَ وَهُوَ الْقُطْنُ وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ عَلَيْهِ قَمِيصٌ مِنْ كَرَابِيسَ، وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَصْبَحَ وَقَدْ اعْتَمَّ بِعِمَامَةٍ مِنْ كَرَابِيسَ سَوْدَاءَ انْتَهَى، وَأَمَّا الْبَرَازُ فَإِنَّمَا يُطْلَقُ عَلَى الْفَضَاءِ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ كَانَ إذَا أَرَادَ الْبَرَازَ بَعُدَ حَتَّى لَا يَرَاهُ أَحَدٌ فِي النِّهَايَةِ (الْبَرَازُ) بِالْفَتْحِ اسْمٌ لِلْفَضَاءِ الْوَاسِعِ فَكَنَّوْا بِهِ عَنْ قَضَاءِ الْحَاجَةِ كَمَا كَنَّوْا عَنْهُ بِالْخَلَاءِ انْتَهَى وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ عَنْ الثَّلَاثِ: الْبَرَازَ فِي الْمَوْرِدِ وَالظِّلِّ وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ قَالَ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْبَرَازُ هَاهُنَا مَفْتُوحٌ وَهُوَ الْفَضَاءُ الْوَاسِعُ.
وَأَكْثَرُ الرُّوَاةِ يَقُولُونَهُ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَهُوَ غَلَطٌ؛ لِأَنَّهُ بِالْكَسْرِ مَصْدَرٌ مِنْ الْمُبَارِزَةِ فِي الْحَرْبِ قَالَ النَّوَوِيُّ: قَالَ بَعْضُ مَنْ صَنَّفَ فِي أَلْفَاظِ الْمُهَذَّبِ: إنَّهُ بِالْكَسْرِ لَا بِالْفَتْحِ؛ لِأَنَّهُ بِالْكَسْرِ كِنَايَةٌ عَنْ ثِقَلِ الْغِذَاءِ وَهُوَ الْمُرَادُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ هَذَا الْقَائِلُ هُوَ الظَّاهِرُ وَالصَّوَابُ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ: الْبِرَازُ بِالْكَسْرِ ثِقَلُ الْغِذَاءِ وَهُوَ الْغَائِطُ، وَأَكْثَرُ الرُّوَاةِ عَلَيْهِ فَيَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ الْمَعْنَى عَلَيْهِ ظَاهِرٌ وَلَا يَظْهَرُ مَعْنَى الْفَضَاءِ الْوَاسِعِ هُنَا إلَّا بِكُلْفَةٍ فَإِذَا لَمْ تَكُنْ الرُّوَاةُ عَلَيْهِ لَمْ يُصَرْ إلَيْهِ انْتَهَى (قُلْت) بِخِلَافِ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ وَأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ فِيهِ الْفَتْحُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي النِّهَايَةِ

ص (وَيُقَدِّمُ يُسْرَاهُ دُخُولًا وَيُمْنَاهُ خُرُوجًا)
ش: ظَاهِرُ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّ هَذَا الْأَدَبَ خَاصٌّ بِالْكَنِيفِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبِسَاطِيُّ وَغَيْرُهُ.
وَقَالَ الدَّمِيرِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ: وَهَذَا الْأَدَبُ

(1/278)


لَا يَخْتَصُّ بِالْبُنْيَانِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ بَلْ تُقَدَّمُ الْيُسْرَى إذَا بَلَغَ مَوْضِعَ جُلُوسِهِ مِنْ الصَّحْرَاءِ فَإِذَا فَرَغَ قَدَّمَ الْيُمْنَى وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ تَقْدِيمُ الْيُمْنَى إذَا فَرَغَ ظَاهِرٌ وَأَمَّا تَقْدِيمُ الْيَسَارِ إلَى مَوْضِعِ الْجُلُوسِ فَفِيهِ نَظَرٌ لِمُسَاوَاتِهِ لِمَا قَبْلَهُ قَبْلَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ فِيهِ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ لَمَّا عَيَّنَهُ لِلْبَوْلِ صَارَ دُنْيَا كَالْخَلَاءِ انْتَهَى.
(فَائِدَةٌ) قَالَ النَّاشِرِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ فِي الْإِيضَاحِ: رَوَى التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ فِي عِلَلِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ بَدَأَ بِرِجْلِهِ الْيُمْنَى قَبْلَ الْيُسْرَى إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ اُبْتُلِيَ بِالْفَقْرِ، قَالَ: وَلَوْ قُطِعَتْ رِجْلُهُ وَاعْتَمَدَ عَلَى عَصًا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: فَالْمُتَّجَهُ إلْحَاقُهَا بِالرِّجْلِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ انْتَهَى.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ الدَّمِيرِيُّ تُقَدَّمُ الْيُسْرَى لِلْمَوْضِعِ الدَّنِيءِ كَالْحَمَّامِ وَمَوْضِعِ الظَّلَامِ

ص (وَجَازَ بِمَنْزِلٍ وَطْءٌ وَبَوْلٌ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَمُسْتَدْبِرَهَا وَإِنْ لَمْ يَلْجَأْ أُوِّلَ بِالسَّاتِرِ وَبِالْإِطْلَاقِ)
ش يُرِيدُ وَغَائِطٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْبَوْلَ وَالْغَائِطَ يَجُوزُ فِي الْمَنْزِلِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَمُسْتَدْبِرَهَا سَوَاءٌ كَانَ فِي مِرْحَاضٍ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ سَاتِرٌ أَمْ لَا وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ.
قَالَ فِي تَهْذِيبِ الْبَرَاذِعِيّ وَلَا يُكْرَهُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارُهَا لِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ وَالْمُجَامَعَةِ إلَّا فِي الْفَلَوَاتِ وَأَمَّا فِي الْمَدَائِنِ وَالْقُرَى وَالْمَرَاحِيضِ الَّتِي عَلَى السُّطُوحِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ كَانَتْ تَلِي الْقِبْلَةَ قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: ظَاهِرُ الْكِتَابِ فِي اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارِهَا فِي الْمَدَائِنِ وَالْقُرَى الْجَوَازُ فِي الْمَرَاحِيضِ وَغَيْرِهَا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ لِقَوْلِهِ: إنَّمَا عُنِيَ بِذَلِكَ الصَّحَارِي وَالْفَيَافِي وَلَمْ يُعْنَ الْمَدَائِنُ وَالْقُرَى لِدَلِيلِ جَوَازِ مُجَامَعَةِ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ إلَى الْقِبْلَةِ وَلَا مَشَقَّةَ فِي الِانْحِرَافِ عَنْهَا وَهُوَ تَأْوِيلُ اللَّخْمِيِّ وَإِلَى هَذَا كَانَ يَذْهَبُ شَيْخُنَا أَبُو الْوَلِيدِ خِلَافُ مَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعَةِ إنَّمَا ذَلِكَ فِي الْكَنِيفِ لِلْمَشَقَّةِ وَنَحْوُهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَقِيلَ: إنَّمَا جَازَ ذَلِكَ فِي السَّطْحِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ جِدَارٌ. انْتَهَى، وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي التَّهْذِيبِ: قَالَ مَالِكٌ: فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَا يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَلَا يَسْتَدْبِرُهَا بِبَوْلٍ وَلَا غَائِطٍ فِي الْفَلَاةِ وَالسُّطُوحِ الَّتِي يَقْدِرُ عَلَى الِانْحِرَافِ فِيهَا قَالَ الشَّيْخُ: لَمْ يَشْتَرِطْ فِي الْمُدَوَّنَةِ السُّطُوحَ وَمَا شَرَطَ فِي هَذَا بَلْ أَبَاحَ ذَلِكَ فِي السُّطُوحِ مُجْمَلًا وَقَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا مِنْ أَهْلِ بَلَدِنَا: لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَغَوَّطَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَلَا مُسْتَدْبِرَهَا فِي سَطْحٍ لَا يُحِيطُ بِهِ جُدُرٌ وَذَلِكَ كَالْفَيَافِيِ وَقَالَ: إنَّهُ مَنْصُوصٌ هَكَذَا وَأَنَّهُ لَيْسَ بِخِلَافٍ لِلْمُدَوَّنَةِ وَإِنَّمَا تُحْمَلُ مَسْأَلَةُ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى سَطْحٍ يُحِيطُ بِهِ جُدُرٌ وَهَذَا عِنْدِي لَا مَعْنَى لَهُ وَلَا فَرْقَ عِنْدِي بَيْنَ سَطْحٍ مَسْتُورٍ وَغَيْرِهِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ ذُكِرَ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ انْتَهَى.
إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ مِرْحَاضٌ وَسَاتِرٌ فَلَا خِلَافَ فِي الْجَوَازِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ بَشِيرٍ وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنِ عَرَفَةَ وَابْنِ نَاجِي وَإِذَا كَانَ مِرْحَاضٌ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سَاتِرٌ فَحَكَى ابْنُ عَرَفَةَ فِيهِ طَرِيقَيْنِ الْأُولَى لِلْمَازِرِيِّ فِي الْمُعَلِّمِ يَجُوزُ اتِّفَاقًا قَالَ وَقَبِلَهُ عِيَاضٌ فِي الْإِكْمَالِ وَالثَّانِيَةُ لِعَبْدِ الْحَقِّ فِي التَّهْذِيبِ إنَّهُ يَجُوزُ، قَالَ: وَقَوْلُ بَعْضِ شُيُوخِنَا لَا يَجُوزُ وَزَعْمُهُ أَنَّهُ مَنْصُوصٌ مُوَافِقٌ لَهَا بَعِيدٌ انْتَهَى يُشِيرُ إلَى مَا تَقَدَّمَ وَهُمَا التَّأْوِيلَانِ اللَّذَانِ أَشَارَ إلَيْهِمَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَأُوِّلَ بِالسَّاتِرِ وَبِالْإِطْلَاقِ وَاعْتَرَضَ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى عِيَاضٍ بِأَنَّهُ قَبِلَ فِي الْإِكْمَالِ كَلَامَ الْمَازِرِيِّ وَقَبِلَ فِي التَّنْبِيهَاتِ كَلَامَ عَبْدِ الْحَقِّ فِي التَّهْذِيبِ، وَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْجَوَازَ هُوَ الْمَذْهَبُ إمَّا اتِّفَاقًا أَوْ عَلَى الرَّاجِحِ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ، فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ سَاتِرٌ وَلَمْ يَكُنْ مِرْحَاضً فَفِيهِ قَوْلَانِ ذَكَرَهُمَا الْمَازِرِيُّ فِي الْمُعَلِّمِ وَنَقَلَهُمَا عَنْهُ الْأَبِيُّ وَغَيْرُهُ وَنَصُّ كَلَامِ الْأَبِيِّ عَنْهُ وَاخْتُلِفَ فِي جَوَازِ ذَلِكَ فِي الْمُدُنِ بِسَاتِرٍ دُونَ مِرْحَاضٍ ثُمَّ ذَكَرَ الْأَبِيُّ عَنْ عِيَاضٍ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا: الظَّاهِرُ الْجَوَازُ انْتَهَى وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَعَزَاهُ اللَّخْمِيُّ لَهَا وَعَدَمُ الْجَوَازِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمَجْمُوعَةِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: بِسَاتِرٍ فَقَطْ، أَيْ وَفِي الْجَوَازِ بِسَاتِرٍ فَقَطْ قَوْلَا التَّلْقِينِ مَعَ اللَّخْمِيِّ عَنْهَا وَابْنِ رُشْدٍ

(1/279)


وَالْمَجْمُوعَةِ مَعَ الْمُخْتَصَرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحُرْمَةَ لِلْمُصَلِّينَ أَوْ لِلْقِبْلَةِ.
فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الرَّاجِحَ مِنْ الْقَوْلَيْنِ الْجَوَازُ وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ سَاتِرٌ وَلَا مِرْحَاضٌ وَكَانَ ذَلِكَ بِالْمَنْزِلِ فَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَكَلَامِ عِيَاضٍ وَعَبْدِ الْحَقِّ فِي التَّهْذِيبِ لِلْمُتَقَدِّمِينَ الْجَوَازُ وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فَإِنَّهُ قَالَ: الْمَوْضِعُ إنْ كَانَ لَا مَرَاحِيضَ وَلَا سَاتِرَ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ الِاسْتِقْبَالُ وَلَا الِاسْتِدْبَارُ أَوْ يَكُونُ فِيهِ مَرَاحِيضُ وَسَاتِرٌ فَيَجْلِسُ عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ الْمَرَاحِيضُ أَوْ يَكُونُ سَاتِرٌ وَلَا مَرَاحِيضَ فَفِي الْمَذْهَبِ قَوْلَانِ وَسَبَبُ الْخِلَافِ هَلْ الْعِلَّةُ حُرْمَةُ الْمُصَلِّينَ فَيَجُوزُ بِالسَّاتِرِ أَوْ حُرْمَةُ الْقِبْلَةِ فَلَا يَجُوزُ أَصْلًا؟ انْتَهَى، وَإِطْلَاقُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ جَارٍ عَلَى إطْلَاقِ عِيَاضٍ وَعَبْدِ الْحَقِّ وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَهَلْ يَجُوزُ فِي مَوْضِعِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ مِنْ الْمَدَائِنِ؟ ظَاهِرُ الْكِتَابِ يَحْتَمِلُهُ وَقَدْ مَنَعَهُ مَالِكٌ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ انْتَهَى فَجُعِلَ كَلَامُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ مُخَالِفًا لِلْمُدَوَّنَةِ وَحَمَلَهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ سَطْحٌ لَا مِرْحَاضَ فِيهِ وَلَا سَاتِرَ كَالْفَضَاءِ الَّذِي فِي الْمَدَائِنِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَا يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَلَا يَسْتَدْبِرُهَا لِبَوْلٍ وَلَا غَائِطٍ إذَا كَانَ فِي الصَّحَارِي، وَاخْتُلِفَ عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ فِي الْمَدَائِنِ فَأَجَازَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ ذَلِكَ فِي الصَّحَارِي وَالسُّطُوحِ الَّتِي يَقْدِرُ فِيهَا عَلَى الِانْحِرَافِ وَأَمَّا الْمَرَاحِيضُ الَّتِي عُمِلَتْ عَلَى ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ، ثُمَّ قَالَ: وَاخْتُلِفَ فِي تَعْلِيلِ الْحَدِيثِ فَقَالَ مَنْ نَصَرَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ: إنَّ ذَلِكَ لِحَقِّ مَنْ يُصَلِّي فِي الصَّحَارِي مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَغَيْرِهِمْ لِئَلَّا يَنْكَشِفَ إلَيْهِمْ، وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَقِيلَ: ذَلِكَ لِحُرْمَةِ الْقِبْلَةِ تَعْظِيمًا وَتَشْرِيفًا وَهَذَا يَسْتَوِي فِيهِ الصَّحَارِي وَالْمُدُنُ وَهُوَ أَحْسَنُ ثُمَّ احْتَجَّ لِذَلِكَ وَنَصَرَهُ وَقَدْ بَنَى الْمَازِرِيُّ فِي الْمُعَلِّمِ الْخِلَافَ فِي جَوَازِهِ فِي الشَّوَارِعِ الَّتِي فِي الْمُدُنِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ هَلْ هِيَ لِحُرْمَةِ الْمُصَلِّينَ فَيَجُوزُ أَوْ لِلْقِبْلَةِ فَلَا يَجُوزُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

[تَنْبِيهَاتٌ جَمْعِ الْوَطْءَ مَعَ الْبَوْلِ وَتَقْدِيمِهِ عَلَيْهِ]
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) فِي جَمْعِ الْمُصَنِّفِ الْوَطْءَ مَعَ الْبَوْلِ وَتَقْدِيمِهِ عَلَيْهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ اخْتَارَ تَأْوِيلَ أَبِي سَعِيدٍ الْبَرَادِعِيِّ وَغَيْرِهِ لِلْمُدَوَّنَةِ عَلَى مُسَاوَاةِ حُكْمِهِمَا وَتَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ أَجَازَ الْوَطْءَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَمُسْتَدْبِرَهَا فِي الْمُدُنِ وَالصَّحَارِي وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ
(الثَّانِي) قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ أَنَّ الْمِرْحَاضَ بِذَاتِهِ كَافٍ وَلَا يُشْتَرَطُ الِاضْطِرَارُ إلَيْهِ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ وَعِيَاضٌ وَسَنَدٌ وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَا يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَلَا يَسْتَدْبِرُهَا إلَّا لِمِرْحَاضٍ يُلْجَأُ إلَيْهِ وَأَرَادَ بِيَلْجَأُ إلَيْهِ أَنَّهُ يُضْطَرُّ بِحَيْثُ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ قَضَاءُ الْحَاجَةِ إلَّا مُسْتَقْبِلًا أَوْ مُسْتَدْبِرًا وَأَمَّا لَوْ تَأَتَّى فِيهِ الِانْحِرَافُ لَكَانَ كَالصَّحْرَاءِ.

[آدَاب الْجِمَاع]
(الثَّالِثُ) يَنْبَغِي لِلْمُجَامِعِ أَنْ يَسْتَتِرَ هُوَ وَأَهْلُهُ بِثَوْبٍ سَوَاءٌ كَانَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ أَوْ غَيْرَ مُسْتَقْبِلِهَا قَالَ فِي الْمَدْخَلِ فِي فَصْلِ اجْتِمَاعِ الرَّجُلِ بِأَهْلِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُجَامِعَهَا وَهُمَا مَكْشُوفَانِ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ عَلَيْهِمَا شَيْءٌ يَسْتُرُهُمَا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ ذَلِكَ وَعَابَهُ وَقَالَ فِيهِ كَمَا يَفْعَلُهُ الْعُرْبَانِ وَقَدْ كَانَ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُغَطِّي رَأْسَهُ إذْ ذَاكَ حَيَاءً مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ فِي بَرِّيَّةٍ أَوْ عَلَى سَطْحٍ فَلَا يُجَامِعُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَلَا مُسْتَدْبِرَهَا وَإِنْ كَانَ فِي بَيْتٍ فَيُخْتَلَفُ فِيهِ بِالْجَوَازِ وَالْكَرَاهَةِ وَالْمَشْهُورُ الْجَوَازُ. انْتَهَى.
وَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْوَطْءَ عَلَى السَّطْحِ لَا يَجُوزُ كَالْبَرِّيَّةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْخِلَافَ فِي السَّطْحِ كَمَا تَقَدَّمَ بَلْ نَقَلَ هُوَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى آدَابِ قَاضِي الْحَاجَةِ فَقَالَ: السَّادِسَةُ أَنْ لَا يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ، السَّابِعَةُ أَنْ لَا يَسْتَدْبِرَهَا إلَّا فِي الْمَنَازِلِ الْمَبْنِيَّةِ فَلَا بَأْسَ بِالِاسْتِقْبَالِ أَوْ الِاسْتِدْبَارِ مَا لَمْ يَكُنْ سَطْحٌ فَأُجِيزَ وَكُرِهَ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي التَّعْلِيلِ هَلْ النَّهْيُ احْتِرَامًا لِلْقِبْلَةِ فَيُكْرَهُ أَوْ إكْرَامًا لِلْمَلَائِكَةِ فَيَجُوزُ؟ وَكَذَلِكَ الْجِمَاعُ إنْ كَانَ فِي الْبَيْتِ فَيَجُوزُ وَإِنْ كَانَ فِي السَّطْحِ فَيُخْتَلَفُ فِيهِ عَلَى مُقْتَضَى التَّعْلِيلِ انْتَهَى

(1/280)


ص (لَا فِي الْفَضَاءِ)
ش: أَيْ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَعْنِي الْبَوْلَ وَالْغَائِطَ وَالْوَطْءَ وَلَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ الْكَرَاهَةُ لَكِنْ قَالَ ابْنُ نَاجِي الْكَرَاهَةُ عَلَى التَّحْرِيمِ قَالَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا مُسْتَدِلًّا بِرِوَايَةِ أَبِي عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَابْنِ رُشْدٍ لَا يَجُوزُ وَبِرِوَايَةِ الْمَازِرِيِّ الْمَنْعُ وَظَاهِرُهُ التَّحْرِيمُ قَالَ: وَأَصْرَحُ مِنْهُ قَوْلُ النَّوَوِيِّ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّهُ حَرَامٌ فِي الْفَلَوَاتِ. انْتَهَى
وَبَعْضُ شُيُوخِهِ هُوَ ابْنُ عَرَفَةَ وَلَفْظُهُ رَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَابْنُ عَبْدُوسٍ لَا يَسْتَقْبِلُ وَلَا يَسْتَدْبِرُ بِفَلَاةٍ عَلَى النَّهْيِ وَرِوَايَةُ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ رُشْدٍ لَا يَجُوزُ وَرِوَايَةُ الْمَازِرِيِّ الْمَنْعُ فَظَاهِرُهُ التَّحْرِيمُ وَبِهِ يُفَسَّرُ قَوْلُهَا كُرِهَ.
ص (وَبِسَتْرٍ قَوْلَانِ تَحْتَمِلُهُمَا)
ش: ظَاهِرُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ الرَّاجِحَ الْجَوَازُ مَعَ السَّاتِرِ وَظَاهِرُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ عَرَفَةَ وَابْنِ نَاجِي أَنَّ الْقَوْلَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ مَعَ السَّاتِرِ جَارِيَانِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي فَضَاءٍ أَوْ مَنْزِلٍ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَالْمُخْتَارُ التَّرْكُ فَإِنَّهُ أَشَارَ بِهِ لِقَوْلِ اللَّخْمِيِّ الْمُتَقَدِّمِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ كَلَامَهُ مُطْلَقٌ فَتَأَمَّلْهُ نَعَمْ ذِكْرُ الْمُصَنِّفِ لَهُ هُنَا قَدْ يُوهِمُ أَنَّهُ قَالَهُ فِي مَسْأَلَةِ الْفَضَاءِ فَقَطْ إذَا كَانَ فِيهِ سَاتِرٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الَّذِي اخْتَارَهُ تَجَنُّبَ اسْتِقْبَالِهَا وَاسْتِدْبَارِهَا فِي الْفَضَاءِ وَغَيْرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِهِ وَاحْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ وَأَطَالَ ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ وَمِنْ مُسْنَدِ الْبَزَّارِ قَالَ عَلِيٌّ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ جَلَسَ يَبُولُ قُبَالَةَ الْقِبْلَةِ فَذَكَرَ فَتَحَرَّفَ عَنْهَا إجْلَالًا لَهَا لَمْ يَقُمْ مِنْ مَجْلِسِهِ حَتَّى يُغْفَرَ» لَهُ فَتَحَصَّلَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَحْرُمُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارُهَا لِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ فِي الصَّحَارِي وَالْفَيَافِي إذَا لَمْ يَكُنْ سَاتِرٌ بِلَا خِلَافٍ وَيَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْمِرْحَاضِ إذَا كَانَ سَاتِرٌ بِلَا خِلَافٍ وَاخْتُلِفَ فِي الْمِرْحَاضِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ سَاتِرٌ وَفِي الْفَضَاءِ وَالسُّطُوحِ بِسَاتِرٍ أَوْ بِغَيْرِ سَاتِرٍ وَفِي الْفَضَاءِ بَيْنَ الشَّوَارِعِ فِي الْمُدُنِ وَفِي الْفَيَافِي وَالصَّحَارِي إذَا كَانَ سَاتِرٌ عَلَى قَوْلَيْنِ بِالْجَوَازِ وَعَدَمِهِ وَالْجَوَازُ أَرْجَحُ فِي الْجَمِيعِ، وَأَمَّا الْوَطْءُ فَيَحْرُمُ فِي الْفَيَافِي وَالصَّحَارِي مِنْ غَيْرِ سَاتِرٍ وَيَجُوزُ فِي الْمَنْزِلِ إذَا كَانَ سَاتِرٌ وَيُخْتَلَفُ فِيهِ فِي السُّطُوحِ مِنْ غَيْرِ سَاتِرٍ وَفِي الْفَيَافِي بِسَاتِرٍ وَالْجَوَازُ أَرْجَحُ.
(تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) يَنْبَغِي لِلشَّخْصِ أَنْ لَا يَفْعَلَ ذَلِكَ مُطْلَقًا إلَّا لِضَرُورَةٍ لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ.
(الثَّانِي) قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَمْ أَقِفْ فِي الْمَذْهَبِ عَلَى نَصٍّ فِي مِقْدَارِ السُّتْرَةِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: نَاقِلًا عَنْ مَذْهَبِهِمْ هِيَ قَدْرُ مُؤَخَّرَةِ الرَّحْلِ وَهُوَ ثُلُثَا ذِرَاعٍ وَيَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ فَمَا دُونَهَا فَإِنْ زَادَ فَهُوَ حَرَامٌ كَالصَّحْرَاءِ وَمَا ذَكَرَهُ جَارٍ عَلَى مَذْهَبِنَا أَخْذًا مِنْ السُّتْرَةِ. انْتَهَى، وَنَقَلَهُ الْأَبِيُّ أَيْضًا عَنْ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ مُسْلِم ثُمَّ حَكَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: أَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَنَا أَنَّهُ إذَا أَرْخَى ذَيْلَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ كَفَى قَالَ الْأَبِيُّ: وَقَدْ تَقَدَّمَ لِلَّخْمِيِّ أَنَّهُ إنَّمَا يَكْفِي عَلَى التَّعْلِيلِ بِحُرْمَةِ الْمُصَلِّينَ. انْتَهَى
قُلْت لَمَّا ذَكَرَ اللَّخْمِيُّ كَلَامَهُ الْمُتَقَدِّمَ فِي الْخِلَافِ فِي التَّعْلِيلِ وَانْتَصَرَ لِلْقَوْلِ بِأَنَّهُ لِحُرْمَةِ الْقِبْلَةِ أَلْزَمَ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ أَرْخَى ذَيْلَهُ أَنْ يَبُولَ.
ص (لَا الْقَمَرَيْنِ)
ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ هَارُونَ: إنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَنَا اسْتِقْبَالُ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ لِعَدَمِ وُرُودِ النَّهْيِ، وَقَالَ فِي الْمَدْخَلِ فِي آدَابِ الِاسْتِنْجَاءِ: أَنْ لَا يَسْتَقْبِلَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ فَإِنَّهُ وَرَدَ أَنَّهُمَا يَلْعَنَانِهِ وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّهُ فِي الْمَذْهَبِ فَإِنَّهُ قَالَ قَبْلَ ذَلِكَ وَقَدْ ذَكَرَ عُلَمَاؤُنَا آدَابَ التَّصَرُّفِ فِي ذَلِكَ. انْتَهَى
(تَنْبِيهٌ) عُلِمَ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الْمَدْخَلِ أَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ فِي الْقَمَرَيْنِ إنَّمَا هُوَ اسْتِقْبَالُهُمَا لَا اسْتِدْبَارُهُمَا وَصَرَّحَ بِذَلِكَ الدَّمِيرِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَعَدَّ ابْنُ مُعَلَّى فِي مَنْسَكِهِ فِي الْآدَابِ أَنْ لَا يَسْتَقْبِلَ الشَّمْسَ وَلَا يَسْتَدْبِرَهَا. انْتَهَى، وَقَالَ الْمَوَّاقُ الْجُزُولِيُّ فِي آدَابِ الْأَحْدَاثِ: أَنْ لَا يَسْتَقْبِلَ الشَّمْسَ وَلَا الْقَمَرَ وَلَا يَسْتَدْبِرَهُمَا. ابْنُ هَارُونَ لَا يُكْرَهُ ذَلِكَ. انْتَهَى.
ص (وَبَيْتُ الْمَقْدِسِ)
ش: هَكَذَا قَالَ سَنَدٌ: إنَّهُ لَا يُكْرَهُ اسْتِقْبَالُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ قِبْلَةً انْتَهَى وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ

ص (وَوَجَبَ

(1/281)


اسْتِبْرَاءٌ بِاسْتِفْرَاغِ أَخْبَثَيْهِ)
ش: (الِاسْتِبْرَاءُ) فِي اللُّغَةِ طَلَبُ الْبَرَاءَةِ كَالِاسْتِسْقَاءِ طَلَبُ السَّقْيِ وَالِاسْتِفْهَامُ طَلَبُ الْفَهْمِ فَإِنَّ الِاسْتِفْعَالَ أَصْلُهُ الطَّلَبُ، وَفِي عُرْفِ الشَّرْعِ فِي الطَّهَارَةِ هُوَ طَلَبُ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْحَدَثِ وَذَلِكَ بِاسْتِفْرَاغِ مَا فِي الْمَخْرَجَيْنِ مِنْ الْأَخْبَثَيْنِ وَهُمَا الْبَوْلُ وَالْغَائِطُ وَهُوَ وَاجِبٌ قَالَ فِي الْجَلَّابِ: وَهُوَ وَالِاسْتِبْرَاءُ وَاجِبٌ مُسْتَحَقٌّ وَهُوَ اسْتِفْرَاغُ مَا فِي الْمَخْرَجَيْنِ مِنْ الْأَذَى انْتَهَى وَقَالَ فِي الطِّرَازِ وَيَجِبُ عَلَى مَنْ بَالَ وَتَغَوَّطَ أَنْ يَسْتَبْرِئَ نَفْسَهُ وَيَسْتَنْثِرَ وَعَدَّهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي قَوَاعِدِهِ مِنْ سُنَنِ الِاسْتِنْجَاءِ فَقَالَ الْقِبَابُ فِي شَرْحِهِ لَا أَدْرِي لِمَ أَدْخَلَ الِاسْتِبْرَاءَ فِي بَابِ السُّنَنِ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَى وُجُوبِهِ إلَّا أَنْ يُتَأَوَّلَ أَنَّهُ أَرَادَ هَاهُنَا السُّنَّةَ بِمَعْنَى الطَّرِيقَةِ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ أَوْ تَكُونُ السُّنَّةُ كَوْنَهُ بِالسُّلْتِ وَالنَّتْرِ؛ لِأَنَّهُ أَسْرَعُ لِلتَّخَلُّصِ. انْتَهَى
قُلْت قَوْلُهُ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَى وُجُوبِهِ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ غَيْرُ وَاجِبٍ وَدَلِيلُنَا حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ فِي صَاحِبِ الْقَبْرِ وَقَوْلُهُ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ فِيهِ فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَسْتَبْرِئُ مِنْ بَوْلِهِ.
ص (مَعَ سَلْتِ ذَكَرٍ وَنَتْرٍ خَفَا)
ش: يَعْنِي أَنَّهُ يَجِبُ اسْتِفْرَاغُ مَا فِي الْمَخْرَجَيْنِ مَعَ سَلْتِ الذَّكَرِ بِأَنْ يَجْعَلَهُ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ وَيَمُرُّهُمَا مِنْ أَصْلِهِ إلَى الْكَمَرَةِ وَنَتَرَهُ أَيْ جَذَبَهُ سَلْتًا وَنَتْرًا خَفِيفَيْنِ وَالنَّتْرُ بِالتَّاءِ بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ قَالَ الشَّارِحُ رَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ مُسْنَدًا: إنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «إذَا بَالَ أَحَدُكُمْ فَلْيَنْتُرْ ذَكَرَهُ ثَلَاثًا وَيَجْعَلُهُ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْإِبْهَامِ فَيُمِرُّهُمَا مِنْ أَصْلِهِ إلَى كَمَرَتِهِ» انْتَهَى، وَذَكَرَهُ فِي الطِّرَازِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ: النَّتْرُ جَذْبٌ فِيهِ قُوَّةٌ وَجَفْوَةٌ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّ أَحَدَكُمْ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ فَيُقَالُ: إنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَسْتَنْثِرُ عِنْدَ بَوْلِهِ.» الِاسْتِنْتَارُ الِاسْتِفْعَالُ مِنْ النَّتْرِ يُرِيدُ بِهِ الْحِرْصَ عَلَيْهِ وَالِاهْتِمَامَ بِهِ وَهُوَ بَعْثٌ عَلَى التَّطْهِيرِ بِالِاسْتِبْرَاءِ مِنْ الْبَوْلِ انْتَهَى وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ: النَّتْرُ الْجَذْبُ بِجَفَاءٍ، نَتَرَهُ يَنْتُرُهُ فَانْتَتَرَ، وَاسْتَنْتَرَ الرَّجُلُ مِنْ بَوْلِهِ اجْتَذَبَهُ وَاسْتَخْرَجَ بَقِيَّتَهُ مِنْ الذَّكَرِ. قَالَ اللَّيْثُ النَّتْرُ الْجَذْبُ فِيهِ جَفْوَةٌ. انْتَهَى، وَقَالَ فِي الْمُغْرِبِ وَالنَّتْرُ الْجَذْبُ بِجَفْوَةٍ وَمِنْهُ: «إذَا بَالَ أَحَدُكُمْ فَلْيَنْتُرْ ذَكَرَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» انْتَهَى، وَكُلُّهُمْ ذَكَرُوهُ فِي مَادَّةِ نَتَرَ بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ ثُمَّ ذَكَرُوا بَعْدَهُ مَادَّةَ نَثَرَ بِالْمُثَلَّثَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ فِي التَّلْقِينِ وَلَيْسَ عَلَى مَنْ بَالَ أَنْ يَقُومَ وَيَقْعُدَ أَوْ يَزِيدَ فِي التَّنَحْنُحِ وَلَكِنْ يَنْتُرُ وَيَسْتَفْرِغُ جَهْدَهُ عَلَى مَا يَرَى أَنَّ يَقْتَضِيهِ مِنْ إطَالَةٍ أَوْ إقْصَارٍ قَالَ فِي شَرْحِ غَرِيبِهِ يَنْتُرُ وَيَجْذِبُ، قَالَ اللَّيْثُ: النَّتْرُ جَذْبٌ فِيهِ قُوَّةٌ وَيُرِيدُ أَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ كَذَا وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إذَا بَالَ أَحَدُكُمْ فَلْيَنْتُرْ ذَكَرَهُ» أَيْ يَجْذِبُهُ انْتَهَى، وَقَوْلُهُ يُرِيدُ أَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ كَذَا كَأَنَّهُ يُشِيرُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ إلَى أَنَّ النَّتْرَ مَعْنَاهُ فِي الْأَصْلِ الْجَذْبُ بِقُوَّةٍ وَلَكِنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ فِي الِاسْتِبْرَاءِ إنَّمَا هُوَ النَّتْرُ الْخَفِيفُ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّ السَّلْتَ وَالنَّتْرَ وَاجِبَانِ وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ خِلَافَ مَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْقَبَّابِ السَّابِقِ قَالَ فِي النَّوَادِرِ مِنْ الْمُخْتَصَرِ: وَلَيْسَ عَلَى الَّذِي يَسْتَبْرِئُ مِنْ الْبَوْلِ أَنْ يَنْتَفِضَ وَيَتَنَحْنَحَ وَيَقُومَ وَيَقْعُدَ وَلَا يَمْشِيَ وَيَسْتَبْرِئَ ذَلِكَ بِأَيْسَرِهِ بِالنَّفْضِ وَالسَّلْتِ الْخَفِيفِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي الَّذِي يُكْثِرُ السَّلْتَ وَيَقُومُ وَيَقْعُدُ: لَيْسَ ذَلِكَ بِصَوَابٍ. انْتَهَى، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْجَلَّابُ الِاسْتِبْرَاءُ إخْرَاجُ مَا بِالْمَحِلَّيْنِ مِنْ أَذًى وَاجِبٌ مُسْتَحَقٌّ، وَرُوِيَ بِالنَّفْضِ وَالسَّلْتِ الْخَفِيفَيْنِ بِالْيُسْرَى. انْتَهَى، وَقَالَ فِي الْمَدْخَلِ لَا يَسْلِتُ ذَكَرَهُ إلَّا بِرِفْقٍ فَإِنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّجَاسَةِ؛ لِأَنَّ الْمَحِلَّ كَالضَّرْعِ طَالَمَا أَنْتَ تَسْلِتُهُ يُعْطِي فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِعَدَمِ التَّنَظُّفِ. انْتَهَى اللَّخْمِيُّ مِنْ عَادَتِهِ احْتِبَاسُهُ فَإِذَا قَامَ نَزَلَ مِنْهُ وَجَبَ أَنْ يَقُومَ ثُمَّ يَقْعُدَ فَإِنْ أَبَى نَقَضَ وُضُوءَهُ مَا نَزَلَ مِنْهُ بَعْدَهُ. مَالِكٌ رَبِيعَةُ أَسْرَعُ امْرِئٍ وُضُوءًا وَأَقَلُّهُ لُبْثًا فِي الْبَوْلِ وَابْنُ هُرْمُزَ يُطِيلُهُمَا وَيَقُولُ: مُبْتَلًى لَا تَقْتَدُوا بِي، وَقَالَ فِي الْمَدْخَلِ: يَتَفَقَّدُ نَفْسَهُ فِي الِاسْتِبْرَاءِ فَيَعْمَلُ عَلَى عَادَتِهِ فَرُبَّ شَخْصٍ

(1/282)


يَحْصُلُ لَهُ التَّنْظِيفُ عِنْدَ انْقِطَاعِ الْبَوْلِ عَنْهُ وَآخَرُ لَا يَحْصُلُ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَقُومَ وَيَقْعُدَ وَذَلِكَ رَاجِعٌ إلَى اخْتِلَافِ النَّاسِ فِي أَمْزِجَتِهِمْ وَفِي مَآكِلِهِمْ وَاخْتِلَافِ الْأَزْمِنَةِ عَلَيْهِمْ فَقَدْ يَتَغَيَّرُ حَالُهُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْأَمْرِ عَلَيْهِ وَهُوَ يَعْهَدُ مِنْ نَفْسِهِ عَادَةً، فَيَعْمَلُ عَلَيْهَا فَيُخَافُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّجَاسَةِ أَوْ يَتَوَسْوَسُ فِي طَهَارَتِهِ فَيَكُونُ يَعْمَلُ عَلَى مَا يَظْهَرُ لَهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ حَالِ مِزَاجِهِ وَغِذَائِهِ وَزَمَانِهِ، فَلَيْسَ الشَّيْخُ كَالشَّابِّ وَلَا مَنْ أَكَلَ الْبِطِّيخَ كَمَنْ أَكَلَ الْخُبْزَ وَلَيْسَ الْحَرُّ كَالْبَرْدِ. انْتَهَى، وَقَالَ: إذَا اسْتَنْجَى فَلْيَكُنْ الْإِنَاءُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى لِيَسْكُبَ بِهَا الْمَاءَ وَيَدُهُ الْيُسْرَى عَلَى الْمَحِلِّ يَعْرُكُهُ وَيُوَاصِلُ صَبَّ الْمَاءِ وَيُبَالِغُ فِي التَّنْظِيفِ خِيفَةَ أَنْ يَبْقَى مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ الْفَضَلَاتِ فَيُصَلِّيَ بِالنَّجَاسَاتِ وَعَذَابُ الْقَبْرِ مِنْ هَذَا الْبَابِ، قَالَ: وَيَحْذَرُ أَنْ يُدْخِلَ أُصْبُعَهُ مَعَهُ فَإِنَّهُ مِنْ فِعْلِ أَشْرَارِ النَّاسِ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَفْعَلُ بِنَفْسِهِ وَذَلِكَ حَرَامٌ. انْتَهَى، وَقَوْلُ الرِّسَالَةِ: وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَسْلُ مَا بَطَنَ مِنْ الْمَخْرَجَيْنِ. قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق يَعْنِي وَلَا لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَضُرُّ بِهِ وَيُشْبِهُ اللِّوَاطَ فِي الدُّبُرِ وَالسِّحَاقَ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ وَهُوَ مِنْ فِعْلِ الْمُبْتَدِعَةِ وَفِي السُّلَيْمَانِيَّة فِي اسْتِنْجَاءِ الْمَرْأَةِ أَنَّهَا تَغْسِلُ قُبُلَهَا كَغَسْلِ اللَّوْحِ وَلَا تُدْخِلُ يَدَيْهَا بَيْنَ شَفْرَيْهَا كَمَا تَفْعَلُ مَنْ لَا دِينَ لَهَا مِنْ النِّسَاءِ انْتَهَى.
(فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي الْمَدْخَلِ: إذَا قَامَ يَسْتَبْرِئُ فَلَا يَخْرُجُ بَيْنَ النَّاسِ وَذَكَرُهُ فِي يَدِهِ وَإِنْ كَانَتْ تَحْتَ ثَوْبِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ شَوْهَةٌ وَمُثْلَةٌ وَكَثِيرًا مَا يَفْعَلُ بَعْضُ النَّاسِ هَذَا وَقَدْ نَهَى عَنْهُ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ ضَرُورَةٌ فِي الِاجْتِمَاعِ بِالنَّاسِ إذْ ذَاكَ فَيَجْعَلُ عَلَى فَرْجِهِ خِرْقَةً يَشُدُّهَا عَلَيْهِ ثُمَّ يَخْرُجُ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ ضَرُورَتِهِ تَنَظَّفَ. انْتَهَى
(الثَّانِي) يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَشْتَغِلَ بِغَيْرِ مَا هُوَ فِيهِ مِنْ نَتْفِ إبْطٍ أَوْ غَيْرِهِ لِئَلَّا يُبْطِئَ فِي خُرُوجِ الْحَدَثِ وَالْمَقْصُودُ الْإِسْرَاعُ فِي الْخُرُوجِ مِنْ ذَلِكَ الْمَحِلِّ بِذَلِكَ وَرَدَتْ السُّنَّةُ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُرَشِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ خَيْرًا يَسَّرَ عَلَيْهِ الطَّهَارَةَ. انْتَهَى

[الْقِرَاءَةِ لِمَنْ يَتَنَشَّفُ]
(الثَّالِثُ) ذَكَرَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ فِي جَوَازِ الْقِرَاءَةِ لِمَنْ يَتَنَشَّفُ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ بِالْجَوَازِ وَالْمَنْعِ، وَالثَّالِثُ الْجَوَازُ إنْ لَمْ يَبْقَ بِيَدِهِ رُطُوبَةٌ ذُكِرَ هَذَا الْفَرْعُ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ قَالَ: وَلَا أَعْرِفُهُ لِغَيْرِهِ وَالْأَقْرَبُ الْمَنْعُ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِيهِ.

وَقَالَ أَيْ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: وَأَمَّا الِاسْتِنْشَاقُ فِي الْمَسْجِدِ فَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ السَّلَامَةَ حَرُمَ وَإِنْ تَحَقَّقَ جَازَ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَفْعَلَ قَالَ ابْنُ نَاجِي: قُلْت: الصَّوَابُ التَّحْرِيمُ؛ لِأَنَّ فِيهِ إهَانَةَ الْمَسْجِدِ وَهُوَ عِنْدِي أَشَدُّ مِنْ دُخُولِ النَّجَاسَةِ مَلْفُوفَةً وَفِيهَا قَوْلَانِ انْتَهَى.

[فَائِدَةٌ عَلَى الْإِنْسَانِ عِنْدَ قَضَاءِ حَاجَتِهِ أَنْ يَعْتَبِرَ بِمَا خَرَجَ مِنْهُ]
(فَائِدَةٌ) يَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ عِنْدَ قَضَاءِ حَاجَتِهِ أَنْ يَعْتَبِرَ بِمَا خَرَجَ مِنْهُ كَيْفَ صَارَ حَالُهُ فَإِنَّهُ كَانَ طَيِّبًا يُغَالِي فِيهِ وَيُزَاحِمُ عَلَيْهِ مَنْ يَشْتَرِي فَبِمُجَرَّدِ مُخَالَطَتِهِ لِلْآدَمِيِّ تَقَذَّرَ وَصَارَ نَجِسًا يُهْرَبُ مِنْهُ وَيَعَافُهُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يُخَالِطُهُ الْآدَمِيُّ مِنْ الثِّيَابِ النَّظِيفَةِ وَالرَّوَائِحِ الطَّيِّبَةِ عَنْ قَلِيلٍ يَتَقَذَّرُ وَيُعَافَ وَيَتَنَبَّهُ مِنْ ذَلِكَ إلَى أَنَّهُ يَحْذَرُ مِنْ مُخَالَطَةِ مَنْ لَا يَنْفَعُهُ فِي دِينِهِ؛ لِأَنَّهُ يُخَافُ عَلَيْهِ آثَارُ الْخُلْطَةِ وَلِأَنَّهُ إذَا خَالَطَهُ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُغَيِّرَ أَحَدًا مِنْهُمْ بِسَبَبِ خُلْطَتِهِ كَمَا يُغَيِّرُ كُلُّ مَا خَالَطَهُ مِنْ الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ وَيَتَنَبَّهُ أَيْضًا إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَرْجِعَ هُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا دُفِنَ أَكَلَهُ الدُّودُ ثُمَّ يَرْمِيهِ مِنْ جَوْفِهِ قَذِرًا مُنْتِنًا، إلَّا أَنَّ ثَمَّ قَوْمًا لَا يَأْكُلُهُمْ الدُّودُ وَهُمْ الْأَنْبِيَاءُ وَالْعُلَمَاءُ وَالشُّهَدَاءُ وَالْمُؤَذِّنُونَ الْمُحْتَسِبُونَ، فَالدَّرَجَةُ الْأُولَى لَا سَبِيلَ إلَيْهَا فَيُجْتَهَدُ فِي تَحْصِيلِ إحْدَى الدَّرَجَاتِ الثَّلَاثِ الْبَاقِيَةِ وَانْظُرْ الْمَدْخَلَ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

ص (وَنُدِبَ جَمْعُ مَاءٍ وَحَجَرٍ ثُمَّ مَاءٍ) ش هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي فِي بَابِ مَنْ اسْتَنْجَى بِالْمَاءِ مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ مَا نَصُّهُ، نَقَلَ ابْنُ التِّينِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَنْجَى بِالْمَاءِ، وَعَنْ ابْنِ حَبِيبٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ مَنَعَ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْمَاءِ لِأَنَّهُ مَطْعُومٌ. انْتَهَى
قُلْت وَهَذَانِ النَّقْلَانِ غَرِيبَانِ وَالْمَنْقُولُ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ مَنَعَ الِاسْتِجْمَارَ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ بَلْ لَا أَعْرِفُهُمَا فِي الْمَذْهَبِ لَكِنْ نَقَلَ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي الرِّسَالَةِ

(1/283)


وَمَنْ اسْتَجْمَرَ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ وَلَا الِاسْتِجْمَارُ بِالْمَاءِ الْعَذْبِ؛ لِأَنَّهُ طَعَامٌ كَمَا لَا تُزَالُ النَّجَاسَةُ بِالطَّعَامِ. انْتَهَى، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْجُزُولِيِّ أَنَّ الْقَاضِيَ عِيَاضًا نَقَلَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ كَتَبَ قَبْلَ قَوْلِهِ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: ضَادًا وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فِي التَّنْبِيهَاتِ وَلَعَلَّهُ فِي الْإِكْمَالِ وَلَكِنَّهُ قَوْلٌ غَرِيبٌ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْمَازِرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: شَذَّ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ فَمَنَعَ الِاسْتِنْجَاءَ بِعَذْبِ الْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ طَعَامٌ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَيَتَخَرَّجُ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ مَنْعُهُ بِطَعَامٍ لِأَجْلٍ. انْتَهَى، ثُمَّ وَقَفْت عَلَى كَلَامِهِ فِي الْإِكْمَالِ فَذَكَرَ نَحْوَ مَا ذَكَرَهُ الْمَازِرِيُّ عَنْ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ وَمَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْمَاءِ وَالْحَجَرِ مُسْتَحَبٌّ فَإِنْ لَمْ يَجْمَعْ وَلَا بُدَّ فَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْمَاءِ أَفْضَلُ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْأَحْجَارِ وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْأَحْجَارِ وَحْدَهَا مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ لَأَجْزَأَهُ وَلَكِنَّهُ تَرَكَ الْأَفْضَلَ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَبَقِيَ هُنَا فَرْعٌ وَهُوَ أَنَّهُ هَلْ الْحَجُّ يُزِيلُ الْحُكْمَ أَوْ لَا يُزِيلُ الْحُكْمَ؟ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ عِنْدَ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالِاسْتِنْجَاءُ يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَالِاسْتِنْجَاءُ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ كَأَنَّ قَائِلًا يَقُولُ لَهُ كَيْفَ تَقُولُ: إنَّ النَّجَاسَةَ لَا تُزَالُ إلَّا بِالْمَاءِ؟ ، وَحُكْمُ النَّجَاسَةِ الَّتِي عَلَى الْمَخْرَجَيْنِ تُزَالُ بِالْحَجَرِ أَنَّ الْحَجَرَ يُزِيلُ الْحُكْمَ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْبِسَاطِيِّ وَظَاهِرُ قَوْلِ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّهُ لَا يُزِيلُ الْحُكْمَ وَنَصُّهُ فِي كَلَامٍ طَوِيلٍ وَلِأَنَّ الْمَحِلَّ بَعْدَ مَسْحِهِ بِالْأَحْجَارِ نَجِسٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ غُسِلَ نَجِسَتْ غُسَالَتُهُ أَوْ لَا أَثَرَ لِلْحِجَارَةِ فِي تَطْهِيرِهِ وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ التَّخْفِيفُ فَقَطْ. انْتَهَى، فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

ص (وَتَعَيَّنَ فِي مَنِيٍّ وَحَيْضٍ وَنِفَاسٍ)
ش: فُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْمَاءَ لَا يَتَعَيَّنُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ وَشَمِلَ ذَلِكَ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْحَصَى وَالدُّودِ وَالدَّمِ وَهُوَ كَذَلِكَ. قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ: وَيُجْزِئُ الِاسْتِجْمَارُ فِي النَّادِرِ كَالْحَصَى وَالدَّمِ وَالدُّودِ كَمَا فِي الْغَائِطِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِآكِدٍ مِنْهُ. انْتَهَى، وَقَالَ فِي الطِّرَازِ فَأَمَّا الْحَصَى وَالدُّودُ يَخْرُجُ مِنْ غَيْرِ بِلَّةٍ فَقَالَ الْبَاجِيُّ أَنَّهُ لَا يَسْتَنْجِي مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ كَالرِّيحِ وَاَلَّذِي قَالَهُ صَحِيحٌ أَنَّهُ لَا يَسْتَنْجِي مِنْهُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ إنَّمَا شُرِعَ لِإِزَالَةِ عَيْنِ النَّجَاسَةِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ بِلَّةٌ فَمَاذَا يُزَالُ فَإِنْ تَخَيَّلَ فِيهِ أَدْنَى بِلَّةٍ فَذَلِكَ مِمَّا يُعْفَى عَنْ قَذِرِهِ وَكَأَثَرِ الِاسْتِجْمَارِ وَأَمَّا إذَا خَرَجَ بِبِلَّةٍ طَاهِرَةٍ فَيَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ لِمَكَانِ الْبِلَّةِ وَيَكْفِي فِي ذَلِكَ الِاسْتِجْمَارُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ جِنْسِ مَا يُتَجَمَّرُ مِنْهُ بِخِلَافِ الدَّمِ انْتَهَى فَمَا ذَكَرَهُ فِي الدَّمِ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْجَوَاهِرِ.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَالْمَنِيُّ بِالْمَاءِ إنْ عُنِيَ بِهِ مَنِيُّ الصِّحَّةِ غَيْرَ مَنِيِّ صَاحِبِ السَّلَسِ فَغَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ غُسْلَ جَمِيعِ الْجَسَدِ وَإِنْ عُنِيَ بِهِ مَنِيُّ الْمَرَضِ كَمَنِيِّ صَاحِبِ السَّلَسِ فَلِمَ لَا يَكُونُ كَالْبَوْلِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مُوجِبٌ لِلْوُضُوءِ، وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يُرِيدَ الْقِسْمَ الْأَوَّلَ فِي حَقِّ مَنْ كَانَ فَرْضُهُ التَّيَمُّمَ لِمَرَضٍ أَوْ لِعَدَمِ الْمَاءِ وَمَعَهُ مَا يُزِيلُ بِهِ النَّجَاسَةَ فَقَطْ. انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ
قُلْت وَكَذَا مَنْ خَرَجَ مِنْهُ الْمَنِيُّ بِلَذَّةٍ غَيْرِ مُعْتَادَةٍ عَلَى الْقَوْلِ الرَّاجِحِ أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ وَكَذَا مَنْ جَامَعَ أَوْ خَرَجَ مِنْهُ بَعْضُ الْمَنِيِّ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ بَقِيَّةُ الْمَنِيِّ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

ص (وَبَوْلِ امْرَأَةٍ)
ش: يَعْنِي أَنَّ بَوْلَ الْمَرْأَةِ يَتَعَيَّنُ فِي غُسْلِهِ الْمَاءُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: أَشَارَ الْقَاضِي عِيَاضٌ إلَى أَنَّ الْبَوْلَ مِنْ الْمَرْأَةِ لَا بُدَّ فِيهِ أَيْضًا مِنْ الْمَاءِ لِتَعَذُّرِ الِاسْتِجْمَارِ فِي حَقِّهَا وَكَذَلِكَ قَالَ سَنَدٌ: إنَّ الْمَرْأَةَ وَالْخَصِيَّ لَا يَكْفِيهِمَا الْأَحْجَارُ فِي الْبَوْلِ وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ. انْتَهَى، وَنَصُّ كَلَامِهِ فِي الذَّخِيرَةِ نَاقِلًا عَنْ سَنَدٍ: الْمَرْأَةُ لَا يُجْزِيهَا الْمَسْحُ بِالْحَجَرِ مِنْ الْبَوْلِ لِتَعَدِّيهِ مَخْرَجَهُ إلَى جِهَةِ الْمَقْعَدَةِ وَكَذَلِكَ الْخَصِيُّ. انْتَهَى، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْقَرَافِيِّ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُهُ وَالْقَرَافِيِّ نَاقِلٌ لَهُ عَنْ سَنَدٍ كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَذَكَرَهُ سَنَدٌ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ وَالِاسْتِجْمَارِ لَمَّا ذَكَرَ قَوْلَ ابْنِ الْمُسَيِّبِ بِالِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ: هَذَا وُضُوءُ النِّسَاءِ، فَقَالَ: يُرِيدُ أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ فِي حَقِّ النِّسَاءِ

(1/284)


فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَا يُجْزِيهَا الْمَسْحُ بِالْحَجَرِ مِنْ الْبَوْلِ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَدَّى مَخْرَجَهُ وَيَجْرِي إلَى مَقَاعِدِهِنَّ وَكَذَلِكَ الْخَصِيُّ انْتَهَى وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ بَوْلُ امْرَأَةٍ أَنَّ حُكْمَهَا فِي الْغَائِطِ كَحُكْمِ الرَّجُلِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

[فَرْعٌ إذَا انْسَدَّ الْمَخْرَجَانِ]
(فَرْعٌ) إذَا انْسَدَّ الْمَخْرَجَانِ وَصَارَ الْخَارِجُ يَخْرُجُ مِنْ ثَقْبِهِ فَهَلْ يَكْفِي فِيهِ الِاسْتِجْمَارُ أَوْ يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ؟ قَالَ فِي الطِّرَازِ: رُخْصَةُ الِاسْتِجْمَارِ مُخْتَصَّةٌ بِمَحِلِّ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ دُونَ سَائِرِ الْجَسَدِ فَإِذَا خَرَجَتْ النَّجَاسَةُ مِنْ سَائِرِ الْجَسَدِ عَدَا الْمَخْرَجَيْنِ أُمِرَ بِالْغُسْلِ، وَهَذَا قَوْلُ الْجَمَاعَةِ فَلَوْ انْفَتَحَ مَخْرَجٌ آخَرُ لِلْخُبُثِ هَلْ يَسْتَجْمِرُ فِيهِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَسْتَجْمِرُ فِيهِ إذَا اسْتَمَرَّ وَصَارَ كَالْمُعْتَادِ انْتَهَى وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانَ الْفَتْحُ تَحْتَ الْمَعِدَةِ وَانْسَدَّ الْمَخْرَجَانِ فَإِنَّهُ صَارَ كَالْمَخْرَجِ كَمَا سَيَأْتِي فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمُنْفَتِحُ فَوْقَ الْمَعِدَةِ أَوْ لَمْ يَنْسَدَّ الْمَخْرَجَانِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ يَجْرِي عَلَى الْخِلَافِ فِيمَا يَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ الْمُنْفَتِحِ هَلْ يُنْقَضُ الْوُضُوءُ أَمْ لَا؟ فَعَلَى الْقَوْلِ بِالنَّقْضِ فَيَكْفِي فِيهِ الِاسْتِجْمَارُ وَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ النَّقْضِ فَلَا يَكْفِي فَتَأَمَّلْهُ، وَهَذَا إذَا كَانَ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ الْمَخْرَجِ لَا يَنْتَشِرُ عَنْ مَحِلِّ خُرُوجِهِ وَأَمَّا إنْ كَانَ يَنْتَشِرُ فَيَتَعَيَّنُ الْمَاءُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَوْلِ الْمَرْأَةِ وَالْخَصِيِّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

ص (وَمَذْيٌ بِغَسْلِ ذَكَرِهِ كُلِّهِ فَفِي النِّيَّةِ وَبُطْلَانِ صَلَاةِ تَارِكِهَا أَوْ تَارِكِ كُلِّهِ قَوْلَانِ)
ش قَالَ فِي الْمُنْتَقَى لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى النِّيَّةِ وَأَمَّا غَسْلُ الذَّكَرِ مِنْ الْمَذْيِ فَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي نَوَادِرِهِ أَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ كَغَسْلِ النَّجَاسَةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ يَعْنِي نَفْسَهُ وَالصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّهُ يَفْتَقِرُ إلَى تَجْدِيدِ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ تَتَعَدَّى مَحِلَّ وُجُوبِهَا وَلَمْ يَعْزُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ الْقَوْلَ بِوُجُوبِ النِّيَّةِ إلَّا لِلْإِبْيَانِيِّ، وَكَذَا ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ، انْتَهَى. وَعَزَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ لِبَعْضِهِمْ وَعَزَا مُقَابِلَهُ لِلشَّيْخِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ وَكَذَلِكَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ رَاشِدٍ.
وَقَوْلُهُ: وَبُطْلَانُ صَلَاةِ تَارِكِهَا يَعْنِي إذَا قُلْنَا بِوُجُوبِ النِّيَّةِ فَغَسَلَهُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ فَهَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِتَرْكِ النِّيَّةِ أَوْ لَا تَبْطُلُ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ؟ قَوْلَانِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّ الْخِلَافَ فِي بُطْلَانِ صَلَاةِ مَنْ تَرَكَ النِّيَّةَ هُوَ الْخِلَافُ فِي وُجُوبِ النِّيَّةِ فَمَنْ قَالَ بِوُجُوبِهَا، قَالَ: تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهَا وَمَنْ قَالَ: لَا تَجِبُ قَالَ: لَا تَبْطُلُ بِتَرْكِهَا وَكَلَامُهُ هُنَا يَقْتَضِي أَنَّ الْخِلَافَ فِي بُطْلَانِ الصَّلَاةِ مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ النِّيَّةِ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ ابْنُ بَشِيرٍ فِي التَّنْبِيهِ فَقَالَ وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِغَسْلِ جَمِيعِهِ هَلْ يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ أَوْ لَا ثُمَّ قَالَ وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِافْتِقَارِهِ إلَى نِيَّةٍ لَوْ غَسَلَهُ بِلَا نِيَّةٍ وَصَلَّى هَلْ يُعِيدُ أَوْ لَا؟ وَمُقْتَضَى إيجَابِ النِّيَّةِ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ وَتَرْكُ الْإِعَادَةِ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: أَوْ تَارِكِ كُلِّهِ، قَوْلَانِ يَعْنِي أَنَّ مَنْ تَرَكَ غَسْلَ ذَكَرِهِ كُلِّهِ وَاقْتَصَرَ عَلَى غَسْلِ مَحِلِّ الْأَذَى فَاخْتُلِفَ هَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَهُوَ قَوْلُ الْإِبْيَانِيِّ أَوْ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَهُوَ قَوْلُ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَاخْتُلِفَ فِي بُطْلَانِ صَلَاةِ مَنْ تَرَكَ غَسْلَ جَمِيعِ الذَّكَرِ فَقَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ: لَا يُعِيدُ وَيَغْسِلُ ذَكَرَهُ لِمَا يُسْتَقْبَلُ، وَقَالَ الْإِبْيَانِيُّ: يُعِيدُ أَبَدًا. وَأَجْرَاهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى أَنَّ غَسْلَ جَمِيعِ الذَّكَرِ وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ، انْتَهَى. وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ قَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ مَنْ لَمْ يَغْسِلْ إلَّا مَخْرَجَ الْأَذَى وَصَلَّى لَمْ يُعِدْ الصَّلَاةَ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَيَغْسِلُهُ لِمَا يَسْتَقْبِلُ وَيَتَوَضَّأُ انْتَهَى فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَهُ بِالْوُضُوءِ؛ لِأَنَّهُ إذَا غَسَلَ ذَكَرَهُ فَالْغَالِبُ أَنْ يُنْتَقَضَ وُضُوءُهُ وَلَوْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَغْسِلَ ذَكَرَهُ وَيَحْتَرِزَ مِنْ مَسِّ ذَكَرِهِ بِبَاطِنِ الْكَفِّ وَالْأَصَابِعِ وَجَنْبِهِمَا لَمْ يُؤْمَرْ بِإِعَادَةِ الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ وُضُوءَهُ صَحِيحٌ قَدْ صَلَّى بِهِ وَحُكِمَ بِصِحَّةِ بُطْلَانِهِ فَتَأَمَّلْهُ.
قُلْت وَنَقَلَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ قَوْلًا ثَالِثًا فَقَالَ: وَاخْتُلِفَ إذَا اقْتَصَرَ عَلَى غَسْلِ مَحَلِّ الْأَذَى فَقَالَ الْإِبْيَانِيُّ: يُعِيدُ أَبَدًا، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ: لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ، قَالَهُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ نَقَلَهُ الْقَفْصِيُّ فِي أَسْئِلَتِهِ عَنْهُ وَبِهِ كَانَ بَعْضُ مَنْ لَقِيتُهُ مِنْ الْقَرَوِيِّينَ يُفْتِي، انْتَهَى. نَقَلَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ هَذَا الْقَوْلَ

(1/285)


الثَّالِثَ لَكِنَّ كَلَامَهُ يُوهِمُ أَنَّهُ جَارٍ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ تَرَكَ النِّيَّةَ وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ غَسْلُ الْمَذْيِ مُقَارِنًا لِلْوُضُوءِ وَرَأَى أَنَّ غَسْلَهُ لَمَّا كَانَ تَعَبُّدًا أَشْبَهَ بَعْضَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ انْتَهَى وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ لِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ بَشِيرٍ فِي التَّنْبِيهِ وَاسْتَقْرَأَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يَغْسِلُ الذَّكَرَ عِنْدَ إرَادَةِ الْوُضُوءِ فَإِنْ غَسَلَهُ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يُجْزِهِ وَعُوِّلَ فِي ذَلِكَ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَلْزَمُ غَسْلُ الْأُنْثَيَيْنِ عِنْدَ الْوُضُوءِ وَمِنْ الْمَذْيِ إلَّا أَنَّهُ يُخْشَى أَنْ يُصِيبَهُمَا إنَّمَا عَلَيْهِ غَسْلُ ذَكَرِهِ فَعُوِّلَ عَلَى هَذَا الْكَلَامِ ظَانًّا أَنَّ مُرَادَهُ إنَّمَا عَلَيْهِ غَسْلُ ذَكَرِهِ إذَا أَرَادَ الْوُضُوءَ وَهَذَا اسْتِقْرَاءٌ فِيهِ بُعْدٌ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ أَنْ لَا يَغْسِلَ الْأُنْثَيَيْنِ وَإِنَّمَا يَغْسِلُ الذَّكَرَ خَاصَّةً انْتَهَى وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ ابْنِ بَشِيرٍ بِاخْتِصَارٍ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافَهُ.

ص (وَلَا يَسْتَنْجِي مِنْ رِيحٍ)
ش: قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَسْتَنْجِي مِنْ الرِّيحِ قَالَ سَنَدٌ هَذَا قَوْلُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ وَذَكَرَ عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي الْإِشْرَافِ أَنَّ قَوْمًا يُخَالِفُونَ فِي ذَلِكَ كَأَنَّ الْقَائِلَ بِذَلِكَ يَرَى أَنَّ الرِّيحَ تَنْقُلُ أَجْزَاءً مِنْ النَّجَاسَةِ تُدْرِكُ نَجَاسَةَ الشَّمِّ وَوَجْهُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الرِّيحَ لَيْسَ بِنَجِسٍ وَلَوْ وَجَبَ مِنْهُ الِاسْتِنْجَاءُ لَوَجَبَ غَسْلُ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّهُ يَلْقَاهُ فَإِنْ قِيلَ: تَصْحَبُهُ أَجْزَاءٌ نَجِسَةٌ، فَهَذَا لَا سَبِيلَ إلَى عِلْمِهِ وَلَوْ ثَبَتَ فَقُدِّرَ ذَلِكَ وَأَكْثَرُ مِنْهُ يَبْقَى بَعْدَ مَسْحِ الْأَحْجَارِ وَاحْتَجَّ الْقَاضِي بِمَا يُرْوَى لَيْسَ مِنَّا مَنْ اسْتَنْجَى مِنْ الرِّيحِ انْتَهَى.
(تَنْبِيهٌ) هَذَا حَدِيثٌ أَسْنَدَهُ صَاحِبُ الْفِرْدَوْسِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَفِيهِ بَشِيرٌ يَرْوِي الْمَنَاكِيرَ وَذَكَرَهُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي زَهْرِ الْفِرْدَوْسِ وَقَالَ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ الْكَلْبِيُّ عَنْ شَرْقِيِّ بْنِ قَطَامِ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ.

ص (وَجَازَ بِيَابِسٍ طَاهِرٍ مُنَقٍّ غَيْرِ مُؤْذٍ وَلَا مُحْتَرَمٍ وَلَا مُبْتَلٍّ وَنَجِسٍ وَأَمْلُسَ وَمُحَدَّدٍ وَمُحْتَرَمٍ مِنْ مَطْعُومٍ وَمَكْتُوبٍ وَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَجِدَارٍ وَرَوْثٍ وَعَظْمٍ)
ش: فَاعِلُ جَازَ ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى الِاسْتِجْمَارِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ أَوَّلًا وَنُدِبَ جَمْعُ مَاءٍ وَحَجَرٍ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ جَوَازِ الِاسْتِجْمَارِ بِكُلِّ يَابِسٍ طَاهِرٍ مُنَقٍّ غَيْرِ مُؤْذٍ وَلَا مُحْتَرَمٍ هُوَ الْمَشْهُورُ وَمُقَابِلَةُ قَصْرُ الِاسْتِجْمَارِ عَلَى الْأَحْجَارِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: فَقَاسَ فِي الْمَشْهُورِ كُلَّ جَامِدٍ عَلَى الْحَجَرِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ الْإِنْقَاءُ وَرَأَى فِي الْقَوْلِ الْأَخِيرِ أَنَّ ذَلِكَ رُخْصَةٌ فَيُقْتَصَرُ بِهَا عَلَى مَا وَرَدَ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ فِي نَفْسِ الْفِعْلِ لَا فِي الْمَفْعُولِ بِهِ وَتَعْلِيلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرَّوْثَةَ؛ لِأَنَّهَا رِجْسٌ يَقْتَضِي اعْتِبَارَ غَيْرِ الْحَجَرِ وَإِلَّا لَعَلَّلَ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَجَرٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «إذَا قَضَى أَحَدُكُمْ حَاجَتَهُ فَلْيَسْتَنْجِ بِثَلَاثَةِ أَعْوَادٍ أَوْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ أَوْ ثَلَاثَةِ حَثَيَاتٍ مِنْ تُرَابٍ» وَلَا دَلِيلَ لَهُ يَعْنِي الْقَوْلَ الْآخَرَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوَّلًا: يَجِدُ أَحَدُكُمْ ثَلَاثَةَ أَحْجَارٍ؛ لِأَنَّ مَفْهُومَ اللَّقَبِ لَمْ يَقُلْ بِهِ إلَّا الدَّقَّاقُ، انْتَهَى. وَنَحْوُهُ لِابْنِ رَاشِدٍ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْأَحْجَارَ لِكَوْنِهَا أَكْثَرَ وُجُودًا.
(تَنْبِيهٌ) جَمِيعُ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ كَالْحَجَرِ قَالَ فِي الطِّرَازِ: إنَّ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ مَا كَانَ مِنْ أَنْوَاعِ الْأَرْضِ مِنْ حَجَرٍ أَوْ مَدْرٍ أَوْ كِبْرِيتٍ وَنَحْوِهِ، أَمَّا مَا لَيْسَ مِنْ أَنْوَاعِ الْأَرْضِ كَالْخِرَقِ وَالْخَشَبِ وَشَبَهِهِ فَمَنَعَهُ دَاوُد وَمَنَعَهُ أَصْبَغُ مِنْ أَصْحَابِنَا قَالَ فَإِنْ فَعَلَ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ، انْتَهَى. وَقَالَ التِّلِمْسَانِيُّ فِي شَرْحِ الْجَلَّابِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْمَشْهُورَ وَذَهَبَ أَصْبَغُ مِنْ أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِجْمَارُ إلَّا بِالْأَحْجَارِ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهَا مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ غَيْرِ أَجْنَاسِ الْأَرْضِ كَالْخِرَقِ وَالْقُطْنِ وَالصُّوفِ وَالنُّخَالَةِ وَالسُّحَالَةِ فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِجْمَارُ بِهِ فَإِنْ فَعَلَ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ ثُمَّ يَمْسَحُ مَا فِي الْمَخْرَجِ مِنْ الْأَذَى بِمَدْرٍ يَعْنِي بِالْمَدْرِ الطُّوبَ، وَقَالَ الْخَلِيلُ: الْمَدْرُ الطِّينُ الْيَابِسُ وَغَيْرُهُ مِمَّا فِي مَعْنَاهُ وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَغَيْرِهِ، قَالَ اللَّخْمِيُّ: الْأَشْيَاءُ الَّتِي يُسْتَجْمَرُ بِهَا فِي الْجَوَازِ وَالْمَنْعُ عَلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ فَصِنْفٌ يَجُوزُ الِاسْتِجْمَارُ بِهِ وَصِنْفٌ يُمْنَعُ الِاسْتِجْمَارُ بِهِ وَاخْتُلِفَ فِي الْإِجْزَاءِ إذَا

(1/286)


نَزَلَ وَثَلَاثَةٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا فِي الْجَوَازِ وَفِي الْإِجْزَاءِ، فَالْأَوَّلُ الْأَرْضُ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا مِنْ صَخْرٍ وَمَدْرٍ وَكِبْرِيتٍ وَزِرْنِيخٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَهَذَا لَا يَجُوزُ الِاسْتِجْمَارُ بِهِ، انْتَهَى.
وَإِنَّمَا نَبَّهْت عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ التَّوْضِيحِ أَنَّ أَصْبَغَ يُخَالِفُ فِي غَيْرِ الْأَحْجَارِ وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ وَقَالَ فِي الْإِكْمَالِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِيمَا يُسْتَجْمَرُ بِهِ: تَمَسَّكَ دَاوُد بِلَفْظِ الْأَحْجَارِ، وَقَالَ: لَا يَجُوزُ غَيْرُهَا وَالنَّاسُ عَلَى خِلَافِهِ، لَكِنَّ مَالِكًا وَغَيْرَهُ يَسْتَحِبُّ الْحِجَارَةَ وَمَا فِي مَعْنَاهَا وَمَا هُوَ مِنْ جِنْسِهَا انْتَهَى وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: يَابِسٍ مِنْ الْمَائِعَاتِ وَالْأَشْيَاءِ الْمُبْتَلَّةِ؛ لِأَنَّ الرُّطُوبَةَ تَنْشُرُ النَّجَاسَةَ وَإِنَّمَا اكْتَفَى فِي الْإِخْرَاجِ بِذِكْرِ الْمُبْتَلِّ؛ لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ الِاسْتِجْمَارُ بِالْمَائِعَاتِ مِنْ بَابٍ أَحْرَى، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: طَاهِرٍ، مِنْ النَّجِسِ وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ مَا يُبَاشِرُ بِهِ الْمَحِلَّ فَلَوْ كَانَ فِي أَحَدِ جَانِبَيْ الْحَجَرِ نَجَاسَةٌ جَازَ الِاسْتِجْمَارُ بِالْجَنْبِ الْآخَرِ، قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَنَقَلَهُ التِّلِمْسَانِيُّ فِي شَرْحِ الْجَلَّابِ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ مُنَقٍّ مِنْ الْأَمْلَسِ كَالزُّجَاجِ الَّذِي لَيْسَ بِمُحْرِفٍ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: غَيْرِ مُؤْذٍ، مِنْ الَّذِي يَحْصُلُ مِنْهُ ضَرَرٌ كَالزُّجَاجِ الْمُحْرِفِ وَالْقَصَبِ.
وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: وَلَا مُحْتَرَمٍ، مِمَّا لَهُ حُرْمَةً مِنْ الْمَطْعُومَاتِ كُلِّهَا وَالْمَكْتُوبِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْجِدَارِ وَالْعَظْمِ وَالرَّوْثِ. أَمَّا الْمَطْعُومَاتُ فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِجْمَارُ بِهَا وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْأَدْوِيَةِ وَالْعَقَاقِيرِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَأَمَّا الْمَكْتُوبُ فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِجْمَارُ بِهِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: لِحُرْمَةِ الْحُرُوفِ وَتَخْتَلِفُ الْحُرْمَةُ بِحَسَبِ مَا كُتِبَ قَالَ: وَفِي مَعْنَى الْمَكْتُوبِ الْوَرِقُ غَيْرُ الْمَكْتُوبِ لِمَا فِيهِ مِنْ النَّشَا، انْتَهَى.
(قُلْت) فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِجْمَارُ بِكُلِّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ وَلَوْ كَانَ الْمَكْتُوبُ بَاطِلًا كَالسِّحْرِ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لِلْحُرُوفِ وَقَالَ الدَّمَامِينِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الْحَجِّ فِي حَدِيثِ الصَّحِيفَةِ: قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى إيجَابِ احْتِرَامِ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ كُتِبَتْ فِي أَثْنَاءِ مَا تَجِبُ إهَانَتُهُ كَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ بَعْدَ تَحْرِيفِهِمَا فَيَجُوزُ إحْرَاقُهَا وَإِتْلَافُهَا وَلَا يَجُوزُ إهَانَتُهَا لِمَكَانِ تِلْكَ الْأَسْمَاءِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا بَاطِلٌ، وَإِنَّمَا هُمَا بَاطِلٌ لِمَا فِيهِمَا مِنْ التَّحْرِيفِ وَلَكِنْ حُرْمَةُ أَسْمَاءِ اللَّهِ لَا تُبَدَّلُ عَلَى وَجْهٍ أَلَا تَرَى كَيْفَ أَقَامَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حُرْمَةَ أَسْمَائِهِ بِأَنْ مَحَاهَا وَأَبْقَى مَا عَدَاهَا مِنْ الصَّحِيفَةِ.
فَلَوْلَا أَنَّ الْأَسْمَاءَ مُتَمَيِّزَةً عَمَّا هِيَ فِيهِ بِحُرْمَةٍ لَمَا كَانَ لِتَمْيِيزِهَا بِالْمَحْوِ مَعْنًى وَلِهَذَا مُنِعَ الْكَافِرُ مِنْ كَتْبِ اللُّغَةِ وَالْعَرَبِيَّةِ لِمَا فِيهَا مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَآيَاتِهِ، وَتِلْكَ حُجَّةُ الْمَازِنِيِّ حَيْثُ امْتَنَعَ مِنْ إقْرَاءِ كِتَابِ سِيبَوَيْهِ لِكَافِرٍ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى احْتِرَامِ كُتُبِ التَّفَاسِيرِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهَا حَقٌّ وَلَكِنْ لَا يَبْلُغُ الْأَمْرُ إلَى إيجَابِ الطَّهَارَةِ لِمَسِّهَا وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى ذَلِكَ، انْتَهَى.
وَأَمَّا الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَالْجَوْهَرُ وَالْيَاقُوتُ وَمَا لَهُ حُرْمَةٌ كَالطَّعَامِ وَالْمِلْحِ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَلَا يُسْتَجْمَرُ بِهِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ لِمَسْجِدٍ لِحُرْمَتِهِ أَوْ مَمْلُوكًا لِلْغَيْرِ أَوْ فِي وَقْفٍ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ، قَالَ فِي الْمَدْخَلِ: وَهَذَا حَرَامٌ بِاتِّفَاقٍ، وَكَثِيرًا مَا يُتَسَاهَلُ الْيَوْمَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ سِيَّمَا مَا سُبِّلَ لِلْوُضُوءِ فَتَجِدُ الْحِيطَانَ فِي غَايَةِ مَا يَكُونُ مِنْ الْقَذَرِ لِأَجْلِ اسْتِجْمَارِهِمْ فِيهَا وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَيُكْرَهُ أَنْ يُسْتَجْمَرَ فِي حَائِطِ مِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْزِلُ الْمَطَرُ عَلَيْهِ أَوْ يُصِيبُهُ بَلَلٌ وَيَلْتَصِقُ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ إلَيْهِ فَتُصِيبُهُ النَّجَاسَةُ فَيُصَلِّي بِهَا، وَوَجْهٌ آخَرُ أَنْ يَكُونَ فِي الْحَائِطِ حَيَوَانٌ فَيَتَأَذَّى بِهِ وَقَدْ رَأَيْت عِيَانًا بَعْضَ النَّاسِ اسْتَجْمَرَ فِي حَائِطٍ فَلَسَعَتْهُ عَقْرَبٌ كَانَتْ هُنَاكَ عَلَى رَأْسِ ذَكَرِهِ وَرَأَى فِي ذَلِكَ شِدَّةً عَظِيمَةً، انْتَهَى بِلَفْظِهِ.
قُلْت وَقَدْ أَخْبَرَنِي بَعْضُ مَنْ حَضَرَ قِرَاءَةَ هَذَا الْمَحِلِّ بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ فِي سَنَةِ إحْدَى وَخَمْسِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ أَنَّهُ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ نَسْأَلُ اللَّهُ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ. وَقَالَ ابْنُ رَاشِدٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَتَسَامَحَ النَّاسُ بِالتَّمَسُّحِ بِالْحِيطَانِ وَذَلِكَ مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُجْتَنَبَ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَنْضَمُّونَ إلَيْهَا لَا سِيَّمَا عِنْدَ نُزُولِ الْمَطَرِ وَبَلَلِ الثِّيَابِ قَالَ: وَلَا يَنْبَغِي ذَلِكَ فِي حِيطَانِ الْمَرَاحِيضِ لِذَلِكَ وَلِأَنَّهَا تَصِيرُ نَجِسَةً مِنْ تَكَرُّرِ ذَلِكَ عَلَيْهَا فَيَكُونُ قَدْ اسْتَجْمَرَ بِنَجِسٍ،

(1/287)


انْتَهَى. وَنَقَلَ بَعْضَهُ فِي التَّوْضِيحِ ثُمَّ قَالَ وَهُوَ كَلَامٌ ظَاهِرٌ وَعَلَيْهِ فَلَا يَظْهَرُ لِتَخْصِيصِ ابْنِ الْحَاجِبِ جِدَارَ الْمَسْجِدِ إلَّا الْأَوْلَوِيَّةُ انْتَهَى.
وَقَوْلُهُ فِي الْإِكْمَالِ يَنْبَغِي الظَّاهِرُ أَنَّهُ عَلَى الْوُجُوبِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْمَدْخَلِ، وَأَمَّا الرَّوْثُ وَالْعَظْمُ فَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَلَا يَجُوزُ بِنَجِسٍ وَكَذَلِكَ الرَّوْثُ وَالْعَظْمُ وَالْحُمَمَةُ عَلَى الْأَصَحِّ مَا نَصُّهُ وَأَمَّا الرَّوْثُ وَالْعَظْمُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِمَا إذَا كَانَا طَاهِرَيْنِ وَيُحْتَمَلُ إذَا كَانَا نَجِسَيْنِ يَابِسَيْنِ وَيُحْتَمَلُ الْمَجْمُوعُ وَقَدْ حَكَى اللَّخْمِيُّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا قَوْلَيْنِ، وَيَكُونُ وَجْهُ الْمَنْعِ فِي الطَّاهِرَيْنِ حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ حَيْثُ قَالَ: وَلَا تَأْتِينِي بِعَظْمٍ وَلَا رَوْثٍ، وَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد «أَنَّهُ قَدِمَ وَفْدُ الْجِنِّ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ انْهَ أُمَّتَك أَنْ يَسْتَنْجُوا بِعَظْمٍ أَوْ رَوْثٍ أَوْ حُمَمَةٍ، فَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ لَنَا فِيهَا رِزْقًا. فَنَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ»
فَيُحْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا عَلَى الْإِطْلَاقِ فِي الرَّوْثِ وَالْعَظْمِ أَيْ سَوَاءٌ كَانَا طَاهِرَيْنِ أَوْ نَجِسَيْنِ، انْتَهَى.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) الْمَنْعُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَا يُسْتَجْمَرُ بِهَا هَلْ هُوَ عَلَى الْكَرَاهَةِ أَوْ عَلَى التَّحْرِيمِ، أَمَّا الْمَطْعُومَاتُ وَالْمَكْتُوبَاتُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ فِيهَا عَلَى التَّحْرِيمِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَا يَجُوزُ بِنَجِسٍ وَلَا نَفِيسٍ وَلَا بِذِي حُرْمَةٍ كَطَعَامٍ أَوْ جِدَارٍ أَوْ مَسْجِدٍ أَوْ بِشَيْءٍ مَكْتُوبٍ، وَكَذَلِكَ الرَّوْثُ وَالْعَظْمُ وَالْحُمَمَةُ عَلَى الْأَصَحِّ وَظَاهِرُهُ الْمَنْعُ وَقَبِلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ رَاشِدٍ وَكَلَامُهُمْ ظَاهِرٌ فِي الْمَنْعِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ الْمُتَقَدِّمِ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ فِي الْبَيَانِ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِمَا لَهُ حُرْمَةٌ مِنْ الْأَطْعِمَةِ وَكُلِّ مَا فِيهِ رُطُوبَةٌ مِنْ النَّجَاسَاتِ، انْتَهَى.
وَكَلَامُ ابْنِ رَاشِدٍ هَذَا فِي رَسْمِ سِنٍّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَيُمْنَعُ بِذِي حُرْمَةٍ أَوْ شَرَفٍ كَالطَّعَامِ وَالْفِضَّةِ، انْتَهَى. وَأَمَّا الْجِدَارُ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَنْعَ عَلَى التَّحْرِيمِ إلَّا فِي جِدَارٍ يَمْلِكُهُ الْإِنْسَانُ، وَأَمَّا النَّجِسُ وَالْمُبْتَلُّ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْمَنْعَ عَلَى التَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَنْشُرُ النَّجَاسَةَ وَكَذَلِكَ الْأَمْلَسُ وَالْمُحَدَّدُ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ وَأَمَّا الرَّوْثُ وَالْعَظْمُ فَالنَّجِسُ مِنْهُمَا دَاخِلٌ فِي حُكْمِ النَّجَاسَةِ وَأَمَّا الطَّاهِرُ مِنْهُمَا فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَنْعَ مِنْهُ عَلَى الْكَرَاهَةِ فَإِنَّ اللَّخْمِيَّ نَقَلَ فِيهَا وَفِي النَّجِسِ الْجَامِدِ قَوْلَيْنِ بِالْجَوَازِ وَالْكَرَاهَةِ فَغَايَرَ بَيْنَ عِبَارَتِهِ فِي ذَلِكَ وَعِبَارَتِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ، حَيْثُ عَبَّرَ بِالْمَنْعِ وَنَصُّ كَلَامِهِ الرَّابِعُ مَا كَانَ طَاهِرًا وَلَيْسَتْ لَهُ حُرْمَةٌ، وَيَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ وَهُوَ الْعَظْمُ وَالْبَعْرُ، وَالْخَامِسُ مَا كَانَ مِنْ النَّجَاسَةِ جَامِدًا رَوْثًا أَوْ غَيْرَهُ، اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ فَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ أَنَّهُ قَالَ: مَا سَمِعْت فِيهِ نَهْيًا وَلَا أَرَى بِهِ بَأْسًا وَكَرِهَهُ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ. انْتَهَى، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِاخْتِصَارٍ فَجَحَفَ وَصَرَّحَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ بِأَنَّ الْخِلَافَ فِي الرَّوْثِ وَالْعَظْمِ بِالْكَرَاهَةِ وَالتَّخْفِيفِ، وَعَلَى هَذَا فَيُحْمَلُ قَوْلُ الْجَلَّابِ: يُكْرَهُ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْعِظَامِ وَسَائِرِ الطَّعَامِ وَيُكْرَهُ الِاسْتِنْجَاءُ بِالرَّوْثِ وَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمُ إلَّا الْعَظْمَ الطَّاهِرَ وَالرَّوْثَ الطَّاهِرَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(الثَّانِي) لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُمَمَةً وَتَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْحُمَمُ الْفَحْمُ، ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا الْحُمَمَةُ فَقَالَ الْمُصَنِّفُ: الْأَصَحُّ فِيهَا عَدَمُ الْجَوَازِ وَقَالَ التِّلِمْسَانِيُّ: إنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ الْجَوَازُ وَالنَّقْلُ يُؤَيِّدُهُ، قَالَ أَشْهَبُ فِي الْعُتْبِيَّةِ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْعَظْمِ وَالْحُمَمَةِ، قَالَ: مَا سَمِعْت فِيهَا نَهْيًا وَلَا أَرَى بِهَا بَأْسًا فِي عِلْمِي، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قِيلَ: وَإِنَّمَا مَنَعْت الْحُمَمَةَ؛ لِأَنَّهَا تُسَوِّدُ الْمَحِلَّ وَلَا تُزِيلُ النَّجَاسَةَ، انْتَهَى. قُلْت مَا ذَكَرَهُ عَنْ التِّلِمْسَانِيِّ هُوَ فِي شَرْحِ الْجَلَّابِ لَهُ وَأَصْلُهُ لِصَاحِبِ الطِّرَازِ وَنَصُّهُ، أَمَّا الْفَحْمُ فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ جَوَازُهُ وَقَدْ تَرَدَّدَ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: اسْتَخَفَّ مَالِكٌ مَا سِوَى الرَّوْثِ وَالْعَظْمِ وَقَدْ كَرِهَهُ جَمَاعَةٌ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّسْخِيمِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْإِكْمَالِ الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ النَّهْيُ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحُمَمَةِ، قَالَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ: فَقَدْ رُجِّحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْقَوْلَيْنِ

(1/288)


فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ وَقَدْ جَزَمَ فِي الشَّامِلِ بِالْجَوَازِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(الثَّالِثُ) دَخَلَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ التُّرَابُ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ فِي الْجَلَّابِ وَنَصُّهُ: وَلَا بَأْسَ بِالِاسْتِجْمَارِ بِغَيْرِ الْحِجَارَةِ مِنْ الْمَدْرِ وَالْخَزَفِ وَالطِّينِ وَالْآجُرِّ وَلَا بَأْسَ بِالْخِرَقِ وَالْقُطْنِ وَالصُّوفِ وَلَا بَأْسَ بِاسْتِعْمَالِ التُّرَابِ وَالنُّخَالَةِ وَالسُّحَالَةِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: أَجَازَهُ فِي الْجَلَّابِ بِالتُّرَابِ، وَتَعْلِيلُ عِيَاضٍ مَنْعَ الْحُمَمَةِ بِأَنَّهَا كَالتُّرَابِ خِلَافُهُ وَبِالنُّخَالَةِ وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ زَرْقُونٍ بِأَنَّ بِهَا طَعَامًا وَمَنَعَ سَحْنُونٌ غَسْلَ الْيَدِ بِهَا وَكَرِهَهُ مَالِكٌ وَأَجَازَهُ ابْنُ نَافِعٍ وَلَعَلَّهُ فِي الْخَالِصَةِ، انْتَهَى. قُلْت كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ يَقْتَضِي أَنَّ النُّخَالَةَ فِي نُسْخَتِهِ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَقَالَ التِّلِمْسَانِيُّ فِي شَرْحِهِ: (النُّخَالَةُ) مَا يَخْرُجُ مِنْ الْفَأْرَةِ عِنْدَ الْمَسْحِ (وَالسُّحَالَةُ) مَا يَخْرُجُ مِنْ الْخَشَبِ عِنْدَ النَّشْرِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ النُّخَالَةُ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا فِي الْأَكْلِ فَهِيَ خَارِجَةٌ عَنْ جِنْسِ الْمَأْكُولَاتِ مُلْحَقَةٌ بِالْجَامِدَاتِ وَإِنَّمَا لَهَا حُرْمَةٌ عِنْدَ اخْتِلَاطِهَا بِغَيْرِهَا فَأَمَّا عِنْدَ انْفِرَادِهَا فَلَا، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ فِي شَرْحِهِ وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: وَيُسْتَنْجَى بِالسُّحَالَةِ وَالنُّجَارَةِ كَمَا يُسْتَنْجَى بِالتُّرَابِ خِلَافًا لِأَصْبَغَ وَقَدْ مَرَّ وَجْهُهُ، انْتَهَى.
(الرَّابِعُ) أَجَازَ فِي الْإِكْمَالِ الِاسْتِجْمَارَ بِالْأَرْضِ وَنَصُّهُ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ لَا يَسْتَجْمِرُ بِيَمِينِهِ أَمَّا مَتَى أَمْكَنَهُ حَجَرٌ ثَابِتٌ يَتَمَسَّحُ بِهِ أَوْ أَمْكَنَهُ الِاسْتِرْخَاءُ حَتَّى يَتَمَسَّحَ بِالْأَرْضِ أَوْ بِمَا يُمْكِنُهُ التَّمَسُّحُ بِهِ مِنْ ثَابِتٍ طَاهِرٍ جَامِدٍ فَنَعَمْ، انْتَهَى. فَيُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَازُ الِاسْتِجْمَارِ بِالتُّرَابِ وَقَالَ ابْنُ هَارُونَ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: قَالُوا: وَيَجُوزُ الِاسْتِجْمَارُ بِالْآجُرِّ وَالْخِرَقِ وَالتُّرَابِ وَشِبْهِ ذَلِكَ مِنْ الطَّاهِرِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اسْتَنْجَى بِالْأَرْضِ انْتَهَى.

ص (فَإِنْ أَنْقَتْ أَجْزَأَتْ كَالْيَدِ دُونَ الثَّلَاثِ)
ش: لَمَّا ذَكَرَ مَا لَا يُسْتَجْمَرُ بِهِ بَيَّنَ حُكْمَ ذَلِكَ بَعْدَ الْوُقُوعِ وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ اسْتَجْمَرَ بِشَيْءٍ مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فَإِنْ حَصَلَ بِهِ إنْقَاءٌ أَجْزَأَ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ إنْقَاءٌ لَمْ يَجُزْ، ثُمَّ ذَكَرَ مَسْأَلَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا أَنَّهُ إذَا اسْتَجْمَرَ بِيَدِهِ وَأَنْقَى أَنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُهُ. وَالثَّانِيَةَ أَنَّهُ إذَا اسْتَجْمَرَ بِدُونِ الثَّلَاثِ وَأَنْقَى أَنَّهُ يُجْزِئُهُ. فَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: وَهِيَ مَا إذَا اسْتَجْمَرَ بِمَا لَا يَجُوزُ الِاسْتِجْمَارُ بِهِ فَذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِيهَا قَوْلَيْنِ وَنَصُّهُ: فَلَوْ اسْتَجْمَرَ بِنَجِسٍ أَوْ مَا بَعْدَهُ فَفِي إعَادَتِهِ فِي الْوَقْتِ قَوْلَانِ، أَيْ مَا ذَكَرَ بَعْدَ النَّجِسِ مِنْ ذِي الْحُرْمَةِ وَالرَّوْثِ وَالْقَوْلُ بِإِعَادَتِهِ فِي الْوَقْتِ لِأَصْبَغَ وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ الْإِعَادَةِ لِابْنِ حَبِيبٍ قَالَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَيُشْكَلُ الْقَوْلُ بِعَدَمِ الْإِعَادَةِ فِيمَا إذَا اسْتَجْمَرَ بِنَجِسٍ وَقَدْ يُقَالُ: هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ مُسْتَحَبَّةٌ، انْتَهَى.
قُلْت يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ فِيمَا عَدَا النَّجِسَ فَقَدْ صَرَّحَ الْقَاضِي عِيَاضٌ بِأَنَّ الِاسْتِجْمَارَ بِالنَّجِسِ لَا يَظْهَرُ وَلَا يُعْفَى عَنْهُ ذَكَرَهُ فِي الْإِكْمَالِ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ فِي بَابِ النَّهْيِ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْيَمِينِ، وَقَالَ فِي الطِّرَازِ فِيمَنْ اسْتَجْمَرَ بِعَظْمٍ أَوْ رَوْثٍ وَأَنْقَى: أَجْزَأَهُ، خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ بَقِيَ فِي الْمَحِلِّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مِثْلُ عَظْمِ الْمَيْتَةِ الرَّطْبِ تَبْقَى رُطُوبَتُهُ أَوْ رَوْثٍ يَتَفَتَّتُ فَهَذَا لَا يُجْزِئُهُ وَيُؤْمَرُ بِغَسْلِ الْمَحِلِّ مِنْ تِلْكَ النَّجَاسَةِ؛ لِأَنَّهَا نَجَاسَةٌ طَارِئَةٌ عَلَيْهِ وَقَالَهُ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَنَصُّهُ قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: إنْ عَلِقَتْ رُطُوبَةُ الْمَيْتَةِ أَوْ تَفَتَّتْ الرَّوْثَةُ عَلَى الْمَحِلِّ تَعَيَّنَ الْغَسْلُ، انْتَهَى. قُلْت يَعْنِي أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ غَسْلُ الْمَحِلِّ بِالْمَاءِ وَلَا يَكْفِي الِاسْتِجْمَارُ وَلَوْ اسْتَجْمَرَ بَعْدَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ طَاهِرٍ وَقَالَ فِي الْبَيَانِ فِي رَسْمِ سَنَدٍ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ وَإِنْ اسْتَنْجَى بِمَا فِيهِ رُطُوبَةٌ مِنْ النَّجَاسَاتِ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ قَوْلًا وَاحِدًا، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ يُرِيدُ إذَا صَلَّى بِذَلِكَ نَاسِيًا مَا إذَا تَعَمَّدَ ذَلِكَ فَلْيُعِدْ أَبَدًا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قُلْت وَمِثْلُ الِاسْتِنْجَاءِ بِالنَّجِسِ الِاسْتِجْمَارُ بِالْمَبْلُولِ فَإِنَّهُ يَنْشُرُ النَّجَاسَةَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) لَا يُقَالُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَإِنْ أَبْقَتْ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَعُودُ لِلْجَمِيعِ حَتَّى النَّجِسِ وَالْمَبْلُولِ لِأَنَّا نَقُولُ قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ النَّجِسَ وَالْمَبْلُولَ لَا يَحْصُلُ بِهِمَا إنْقَاءٌ فَلَا يَدْخُلَانِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ.

(1/289)


الثَّانِي) قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ شُرُوطَ الشَّيْءِ الَّذِي يُسْتَجْمَرُ بِهِ وَهَكَذَا كُلُّهُ إذَا قَصَدَ الِاسْتِجْمَارَ الشَّرْعِيَّ وَإِلَّا اتَّقَى مَا لَهُ حُرْمَةٌ وَإِذَايَةٌ وَنَحْوُهُمَا، انْتَهَى. يَعْنِي أَنَّهُ إذَا قَصَدَ إزَالَةَ عَيْنِ النَّجَاسَةِ مِنْ الْمَحِلِّ لِيَغْسِلَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَيُزِيلَهَا بِكُلِّ مَا يُمْكِنُ أَنْ تُزَالَ بِهِ مِمَّا لَيْسَ لَهُ حُرْمَةٌ أَوْ فِيهِ إذَايَةٌ وَقَوْلُهُ أَوْ نَحْوُهُمَا مِمَّا يَكُونُ مَائِعًا أَوْ مَبْلُولًا بَلَلًا يَنْشُرُ النَّجَاسَةَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ الِاسْتِجْمَارُ بِالْيَدِ فَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: ذَكَرَ فِي الْإِكْمَالِ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ أَنَّهُ زَادَ فِي الشُّرُوطِ أَنْ يَكُونَ مُنْفَصِلًا احْتِرَازًا مِنْ يَدِ نَفْسِهِ، لَكِنْ ذَكَرَ فِي الرِّسَالَةِ أَنَّهُ يَسْتَجْمِرُ بِيَدِهِ وَلَفْظُهُ ثُمَّ يَمْسَحُ مَا فِي الْمَخْرَجِ مِنْ الْأَذَى بِمَدْرٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ بِيَدِهِ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَ سَيِّدِي الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَاجِّ أَنَّهُ إذَا عَدِمَ الْأَحْجَارَ فَلَا يَتْرُكُ فَضِيلَةَ الِاسْتِجْمَارِ بَلْ يَسْتَجْمِرُ بِأُصْبُعِهِ الْوُسْطَى بَعْدَ غَسْلِهَا، انْتَهَى.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ التَّوْضِيحِ: إنَّمَا يَتِمُّ لَهُ ذَلِكَ لَوْ ذَكَرَهُ فِي الِاسْتِجْمَارِ الْمُجَرَّدِ، انْتَهَى. يَعْنِي أَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَهُ فِي الِاسْتِجْمَارِ الَّذِي يَعْقُبُهُ الِاسْتِنْجَاءُ قُلْت وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ وَقَفَ عَلَى كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ فَإِنَّهُ صَرَّحَ بِالْإِجْزَاءِ فَقَالَ: لَوْ اسْتَنْجَى بِأُصْبُعِهِ وَأَنْقَى بِثَلَاثٍ أَوْ غَيْرِهَا أَجْزَأَهُ خِلَافًا لِلْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: إنَّهُ لَا يَجُوزُ بِمُتَّصِلٍ بِحَيَوَانٍ وَلَا يُجْزِئُ كَالْعَقِبِ وَكَذَنَبِ دَابَّةٍ وَشِبْهِ ذَلِكَ وَهَذَا لَا مَعْنَى لَهُ، لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقْلَعَ صُوفًا مِنْ ذَنَبِ شَاةٍ فَيَتَمَسَّحَ بِهِ مُتَّصِلًا بِهَا لَكِنَّهُ يُكْرَهُ ذَلِكَ كَمَا يُتَّقَى مِنْ إصَابَةِ النَّجَاسَةِ لِغَيْرِهِ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ بِاخْتِصَارٍ فَقَالَ: لَوْ اسْتَنْجَى بِأَصَابِعِهِ أَوْ ذَنَبِ دَابَّةٍ أَوْ شَيْءٍ مُتَّصِلٍ بِحَيَوَانٍ وَأَنْقَى أَجْزَأَهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ انْتَهَى وَالْحَاصِلُ أَنَّ الِاسْتِجْمَارَ بِالْيَدِ جَائِزٌ عَلَى مَا فِي الرِّسَالَةِ وَالْمَدْخَلِ فَإِنْ أَنْقَتْ أَجْزَأَتْ وَيُؤْمَرُ بِغَسْلِ النَّجَاسَةِ مِنْ يَدِهِ هَذَا إذَا أَرَادَ الِاسْتِجْمَارَ الشَّرْعِيَّ وَأَمَّا إذَا أَرَادَ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ لِيَسْتَنْجِيَ بِالْمَاءِ فَلَا إشْكَالَ فِي جَوَازِ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ: قَوْلُهُ: بِيَدِهِ يَعْنِي الْيُسْرَى وَيَعْنِي إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا وَمُرَادُهُ بِالْيَدِ الْأُصْبُعُ، وَلَا يَسْتَنْجِي بِالْيَمِينِ فَإِنْ فَعَلَ فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ وَيُجْزِئُهُ، وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ: لَا يُجْزِئُهُ، انْتَهَى. وَنَحْوُ هَذَا فِي الطِّرَازِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِالْيَمِينِ وَقَالَ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ: إنَّ الْيَدَ مَعَ الْإِنْقَاءِ كَافِيَةٌ خِلَافًا لِمَا ذُكِرَ فِي الْإِكْمَالِ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ.
وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ وَهِيَ مَا إذَا أَنْقَى بِدُونِ الثَّلَاثِ فَالْمَشْهُورُ الْإِجْزَاءُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْإِنْقَاءُ دُونَ الْعَدَدِ، وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ وَابْنُ شَعْبَانَ بِوُجُوبِ الْإِنْقَاءِ وَالْعَدَدِ فَإِنْ أَنْقَى بِحَجَرٍ أَوْ حَجَرَيْنِ أَجْزَأَ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ التَّثْلِيثُ، فَإِنْ لَمْ يُنْقِ بِالثَّلَاثِ وَأَنْقَى بِأَرْبَعٍ اُسْتُحِبَّ الْخَامِسُ لِلْوِتْرِ فَإِنْ لَمْ يُنْقِ بِخَمْسٍ وَأَنْقَى بِسِتٍّ اُسْتُحِبَّ السَّابِعُ ثُمَّ الْمَطْلُوبُ الْإِنْقَاءُ، اُنْظُرْ شَرْحِ الرِّسَالَةِ لِلشَّبِيبِيِّ وَابْنِ رَاشِدٍ قَالَ فِي الْإِكْمَالِ: وَحَمَلَ شُيُوخُنَا حَدِيثَ الثَّلَاثِ عَلَى النَّدْبِ انْتَهَى بِالْمَعْنَى