مواهب الجليل في شرح مختصر خليل ط دار الفكر

[بَابُ الشَّهَادَةِ]
ص (بَابٌ) (الْعَدْلُ حُرٌّ مُسْلِمٌ عَاقِلٌ بَالِغٌ)
ش: هَذَا يُسَمَّى بَابُ الشَّهَادَةِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَلَا حَاجَةَ

(6/150)


لِتَعْرِيفِ حَقِيقَتِهَا؛ لِأَنَّهَا مَعْلُومَةٌ وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّهُ مُنَافٍ لِقَوْلِ الْقَرَافِيِّ: أَقَمْت ثَمَانِيَ سِنِينَ أَطْلُبُ الْفَرْقَ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالصَّوَابُ أَنَّ الشَّهَادَةَ قَوْلٌ هُوَ بِحَيْثُ يُوجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ سَمَاعَهُ الْحُكْمَ بِمُقْتَضَاهُ إنْ عُدِّلَ قَائِلُهُ مَعَ تَعَدُّدِهِ أَوْ حَلَفَ طَالِبُهُ فَتَخْرُجُ الرِّوَايَةُ وَالْخَبَرُ الْقَسِيمُ لِلشَّهَادَةِ، وَإِخْبَارُ الْقَاضِي بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ قَاضِيًا آخَرَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ بِمُقْتَضَى مَا كَتَبَ بِهِ إلَيْهِ لِعَدَمِ شَرْطِيَّةِ التَّعَدُّدِ وَالْحَلِفِ وَتَدْخُلُ الشَّهَادَةُ قَبْلَ الْأَدَاءِ وَغَيْرِ التَّامَّةِ؛ لِأَنَّ الْحَيْثِيَّةَ لَا تُوجِبُ حُصُولَ مَدْلُولِ مَا أُضِيفَتْ إلَيْهِ بِالْفِعْلِ حَسْبَمَا ذَكَرُوهُ فِي تَعْرِيفِ الدَّلَالَةِ انْتَهَى.
وَقَوْلُهُ: إنْ عُدِّلَ قَائِلُهُ، يُرِيدُ إنْ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُ عِنْدَ الْقَاضِي إمَّا بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِكَوْنِهِ يَعْلَمُهَا وَلَوْ قَالَ: قَوْلَ عَدْلٍ إلَى آخِرِهِ، وَأَسْقَطَ قَوْلَهُ: إنْ عُدِّلَ قَائِلُهُ لَكَانَ أَبَيْنَ؛ لِأَنَّ عُدِّلَ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ غَائِبًا فِيمَا ثَبَتَ أَوْ لَوْ قَالَ يُوجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ سَمَاعَهُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِمُقْتَضَاهُ إنْ عَلِمَ عَدَالَةَ قَائِلِهِ لَشَمِلَ ذَلِكَ مَا إذَا ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُ عِنْدَهُ أَوْ كَانَ عَالِمًا بِهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي حَدِّهِ دَوْرًا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِافْتِقَارِهِ لِلتَّعَدُّدِ فَرْعٌ عَنْ كَوْنِهِ شَهَادَةً (تَنْبِيهٌ) جَعَلَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذِهِ شُرُوطًا فِي الْعَدَالَةِ وَهُوَ خِلَافُ مَا يَقُولُهُ أَهْلُ الْمَذْهَبِ فَإِنَّهُمْ إنَّمَا جَعَلُوا هَذِهِ الْأَوْصَافَ شُرُوطًا فِي قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَذَكَرُوا مِنْ جُمْلَةِ الشُّرُوطِ الْعَدَالَةَ وَهُوَ أَبْيَنُ فَإِنَّ الْعَبْدَ يُوصَفُ بِالْعَدَالَةِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَمَّا كَانَتْ الشَّهَادَةُ مُوجِبَةً لِحُكْمِ الْحَاكِمِ أَيْ بِمُقْتَضَاهَا اكْتَسَبَتْ شَرَفًا فَاشْتَرَطَ فِيهَا شُرُوطًا مِنْهَا فِي أَدَائِهَا: الْإِسْلَامُ اتِّفَاقًا، قَالَ: وَمِنْهَا الْحُرِّيَّةُ وَالْعَقْلُ، ثُمَّ قَالَ: وَالْبُلُوغُ ثُمَّ، قَالَ: وَالْعَدَالَةُ. قَالَ: وَلَمَّا كَانَتْ شُرُوطًا فِي الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ تَكَلَّمَ عَلَيْهَا الْفُقَهَاءُ وَالْأُصُولِيُّونَ وَابْنُ الْحَاجِبِ فِي أَصْلِهِ وَفِقْهِهِ وَأَطَالَ الْمَازِرِيُّ فِيهَا الْكَلَامَ وَالْأُولَى صِفَةُ مَظِنَّةٍ تَمْنَعُ مَوْصُوفَهَا الْبِدْعَةَ وَمَا يَشِينُهُ عُرْفًا وَمَعْصِيَةَ غَيْرِ قَلِيلِ الصَّغَائِرِ فَالصَّغَائِرُ الْخَسِيسَةُ مُنْدَرِجَةٌ فِيمَا يَشِينُ، وَنَادِرُ الْكَذِبِ فِي غَيْرِ عَظِيمِ مَفْسَدَةٍ عَفْوٌ مُنْدَرِجٌ فِي قَلِيلِ الصَّغَائِرِ بِدَلِيلِ قَوْلِهَا فِي آخِرِ شَهَادَتِهَا مِمَّا يُجْرَحُ بِهِ أَنَّهُ كَذَّابٌ فِي غَيْرِ شَيْءٍ وَاحِدٍ وَأَطْوَلُ مِنْهُ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي الْفِقْهِ: الْعَدَالَةُ الْمُحَافَظَةُ الدِّينِيَّةُ عَلَى اجْتِنَابِ الْكَذِبِ وَالْكَبَائِرِ وَتَوَقِّي الصَّغَائِرِ وَأَدَاءُ الْأَمَانَةِ وَحُسْنُ الْمُعَامَلَةِ لَيْسَ مَعَهَا بِدْعَةٌ أَوْ أَكْثَرُهَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ لَيْسَ مَعَهَا بِدْعَةٌ رَاجِعٌ لِلْعَدَالَةِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ السَّلَامَةَ مِنْ الْبِدْعَةِ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى الْعَدَالَةِ لَكِنَّ تَعْلِيلَهُ اشْتِرَاطَ هَذِهِ الْمَعِيَّةِ بِقَوْلِهِ: فَإِنَّهَا فِسْقٌ، يُوجِبُ كَوْنَهَا مُضَادَّةً فَيُسْتَغْنَى بِذِكْرِ الْعَدَالَةِ عَنْهَا كَمَا اُسْتُغْنِيَ بِذِكْرِ الْعَدَالَةِ عَنْ سَائِرِ أَضْدَادِهَا وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنْ أَضْدَادِ الْعَدَالَةِ فَلِذَا كَثُرَ النِّزَاعُ فِيهِ انْتَهَى وَيُجَابُ بِأَنَّ قَوْلَهُ: الدِّينِيَّةُ احْتَرَزَ بِهِ مِنْ الْمُحَافَظَةِ الْمَذْكُورَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْقَصْدُ بِهَا الدِّينُ وَإِنَّمَا فَعَلَهَا لِتَحْصِيلِ مَنْصِبٍ دُنْيَوِيٍّ.

وَقَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ فِي تَبْصِرَتِهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَبْهَرِيُّ فِي صِفَةِ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ: هُوَ الْمُجْتَنِبُ الْكَبَائِرَ الْمُتَوَقِّي لِأَكْثَرِ الصَّغَائِرِ إذَا كَانَ ذَا مُرُوءَةٍ وَتَمْيِيزٍ مُتَيَقِّظًا مُتَوَسِّطَ الْحَالِ بَيْنَ الْبُغْضِ وَالْمَحَبَّةِ قُلْت وَقَدْ أَتَتْ هَذِهِ الصِّفَةُ عَلَى جَمِيعِ مَا يَنْبَغِي لِلشَّاهِدِ الْعَدْلِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: حُرٌّ لَا خَفَاءَ فِي اشْتِرَاطِ الْحُرِّيَّةِ وَقَوْلُهُ: مُسْلِمٌ كَذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: عَاقِلٌ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَا يُخْتَلَفُ فِي اعْتِبَارِ الْعَقْلِ فِي حَالَتَيْ التَّحَمُّلِ وَالْأَدَاءِ وَلَا يَضُرُّ ذَهَابُ الْعَقْلِ فِي غَيْرِ هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ وَنَصَّ عَلَيْهِ عَبْدُ الْمَلِكِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قُلْت مَا ذَكَرَهُ هُوَ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ، وَنَصُّ عَبْدُ الْمَلِكِ عَلَيْهِ لَا أَعْرِفُهُ بَلْ نَقَلَ الشَّيْخُ عَنْ الْمَجْمُوعَةِ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَعَنْ مَالِكٍ فِي الْكَبِيرِ يُخْنَقُ ثُمَّ يُفِيقُ إنْ كَانَ يُفِيقُ إفَاقَةً بَيِّنَةً يَعْقِلُهَا جَازَتْ شَهَادَتُهُ وَبَيْعُهُ وَابْتِيَاعُهُ انْتَهَى.
ص (أَوْ كَثِيرُ كَذِبٍ)
ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَأَمَّا الْكَذِبُ فَنَصُّهَا مِمَّا يُجْرَحُ بِهِ الشَّاهِدُ قِيَامُ بَيِّنَةٍ عَلَى أَنَّهُ كَذَّابٌ فِي غَيْرِ شَيْءٍ وَاحِدٍ وَنَقَلَهَا ابْنُ الْحَاجِبِ بِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ بِالْكَذِبِ فِي غَيْرِ شَيْءٍ وَاحِدٍ قَالَ

(6/151)


ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: كَلَامُهُ يَعْنِي تَكْرَارَ الْكَذِبِ مِمَّنْ يَثْبُتُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَأَنَّهُ مَشْهُورٌ مِنْ قَوْلِهِ مَعْرُوفٌ، وَلَمْ يُشْتَرَطْ هَذَا الْقَيْدُ الْأَخِيرُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَيَكْفِي تَكْرَارُ الْكَذِبِ قُلْت قَوْلُهُ يُعْطِي تَكْرَارَ الْكَذِبِ لَا وَجْهَ لَهُ لِتَخْصِيصِهِ بِهِ دُونَ الْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّ فِيهَا لَفْظَ كَذَّابٍ، وَفَعَّالٌ يَدُلُّ عَلَى التَّكْرَارِ ضَرُورَةً وَقَوْلُهُ: إنَّهُ مَشْهُورٌ مِنْ قَوْلِهِ مَعْرُوفٌ يُرَدُّ بِمَنْعِهِ؛ لِأَنَّ مَدْلُولَ مَشْهُورٍ أَخَصُّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ صِدْقِ الْأَعَمِّ صِدْقُ الْأَخَصِّ، وَقَوْلُهُ: لَمْ يُشْتَرَطْ هَذَا فِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ أَرَادَ بِهِ كَوْنَهُ مَشْهُورًا فَلَا يَضُرُّ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ لَفْظَ مَعْرُوفٍ لَا يَسْتَلْزِمُهُ، وَإِنْ أَرَادَ لَفْظَ مَعْرُوفٍ فَقَوْلُهُ: لَمْ يُشْتَرَطْ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ أَرَادَ نَصًّا فَمُسَلَّمٌ وَإِنْ أَرَادَ لُزُومًا مُنِعَ؛ لِأَنَّ لَفْظَ قَوْلِهَا قِيَامُ الْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ أَنَّهُ كَذَّابٌ بِصِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَعْرُوفٌ بِمُطْلَقِ الْكَذِبِ عَادَةً؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الْعَادَةِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ كَذَّابٌ فِي غَيْرِ شَيْءٍ إلَّا وَهُوَ مَعْرُوفٌ بِمُطْلَقِ الْكَذِبِ عَادَةً؛ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ فَتَأَمَّلْهُ مُنْصِفًا انْتَهَى.
ص (وَسَفَاهَةٍ)
ش: لَعَلَّهُ يُرِيدُ بِالسَّفَاهَةِ الْمُجُونَ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْقَطْعِ: أَوْ أَنَّهُمْ مُجَّانٌ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: جَمْعُ مَاجِنٍ الْجَوْهَرِيُّ الْمُجُونُ أَنْ لَا يُبَالِيَ الْإِنْسَانُ مَا صَنَعَ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِهِ وَفِي التَّقْرِيبِ: الْمَاجِنُ هُوَ الْقَلِيلُ الْمُرُوءَةِ الَّذِي يُكْثِرُ الدُّعَابَةَ وَالْهَزْلَ فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ انْتَهَى.
ص (ذُو مُرُوءَةٍ)
ش: ابْنُ عَرَفَةَ وَالرِّوَايَاتُ وَالْأَقْوَالُ وَاضِحَةٌ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْمُرُوءَةِ جُرْحَةٌ، قِيلَ: لِأَنَّ تَرْكَهَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْمُحَافَظَةِ الدِّينِيَّةِ وَهِيَ لَازِمُ الْعَدَالَةِ وَتَقَرَّرَ بِأَنَّهَا مُسَبَّبَةٌ غَالِبًا عَنْ اتِّبَاعِ الشَّهَوَاتِ الْمَازِرِيُّ؛ لِأَنَّ مَنْ لَا يُبَالِي بِسُقُوطِ مَنْزِلَتِهِ وَدَنَاءَةِ هِمَّتِهِ فَهُوَ نَاقِصُ الْعَقْلِ وَنَقْصُهُ يُوجِبُ عَدَمَ الثِّقَةِ بِهِ قُلْت وَالْمُرُوءَةُ هِيَ الْمُحَافَظَةُ عَلَى فِعْلِ مَا تَرَكَهُ مِنْ مُبَاحٍ بِوُجُوبِ الذَّمِّ عُرْفًا كَتَرْكِ الْمَلِيءِ الِانْتِعَالَ فِي بَلَدٍ يُسْتَقْبَحُ فِيهِ مَشْيُ مِثْلِهِ حَافِيًا وَعَلَى تَرْكِ مَا فِعْلُهُ مُبَاحٌ يُوجِبُ ذَمَّهُ عُرْفًا كَالْأَكْلِ عِنْدَنَا فِي السُّوقِ وَفِي حَانُوتِ الطَّبَّاخِ لِغَيْرِ الْغَرِيبِ انْتَهَى. وَفِي التَّوْضِيحِ ابْنُ مُحْرِزٍ: وَلَسْنَا نُرِيدُ بِالْمُرُوءَةِ نَظَافَةُ الثَّوْبِ وَفَرَاهَةُ الْمَرْكُوبِ وَجَوْدَةُ الْآلَةِ وَحُسْنُ الشَّارَةِ بَلْ الْمُرَادُ التَّصَوُّنُ وَالسَّمْتُ الْحَسَنُ وَحِفْظُ اللِّسَانِ وَتَجَنُّبُ الْمُجُونِ وَالسُّخْفِ وَالِارْتِفَاعُ عَنْ كُلِّ خُلُقٍ رَدِيءٍ يُرَى أَنَّ مَنْ تَخَلَّقَ بِهِ لَا يُحَافِظُ مَعَهُ عَلَى دِينِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي نَفْسِهِ جُرْحَةٌ انْتَهَى فَمَنْ تَرَكَ اللِّبَاسَ الْمُحَرَّمَ أَوْ الْمَكْرُوهَ الْخَارِجَ عَنْ السُّنَّةِ لَا يَكُونُ جُرْحَةً فِي شَهَادَتِهِ كَلِبَاسِ فُقَهَاءِ هَذَا الزَّمَانِ مِنْ تَكْبِيرِهِمْ الْعَمَائِمَ وَإِفْرَاطِهِمْ فِي تَوْسِيعِ الثِّيَابِ وَتَطْوِيلِهِمْ الْأَكْمَامَ وَقَدْ صَرَّحَ الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْحَاجِّ فِي الْمَدْخَلِ بِأَنَّ ذَلِكَ مَمْنُوعٌ وَنَقَلَ عَنْ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَغَيْرِهِمْ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ. نَعَمْ لَوْ مَشَى الْإِنْسَانُ حَافِيًا أَوْ بِغَيْرِ عِمَامَةٍ بِالْكُلِّيَّةِ مِمَّا هُوَ مُبَاحٌ لَكِنَّ الْعَادَةَ خِلَافُهُ يُنْظَرُ فِي أُمُورِهِ فَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ كَسْرَ النَّفْسِ وَمُجَاهَدَتَهَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ جُرْحَةً فِي حَقِّهِ وَإِنْ كَانَ عَلَى جِهَةِ الْمُجُونِ وَالِاسْتِهْزَاءِ بِالنَّاسِ فَذَلِكَ جُرْحَةٌ كَمَا قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي الصَّنَائِعِ، وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ فِي الْقَوْلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ، وَأَمَّا حَمْلُ الْإِنْسَانِ مَتَاعَهُ مِنْ السُّوقِ فَهُوَ مِنْ السُّنَّةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَاحِبُ الشَّيْءِ أَحَقُّ بِشَيْئِهِ» وَذَلِكَ حِينَ اشْتَرَى السَّرَاوِيلَ وَأَرَادَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ أَنْ يَحْمِلَهَا عَنْهُ وَأَظُنُّهُ السَّيِّدُ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْقَضِيَّةُ فِي الشِّفَاءِ.
وَقَوْلُهُ فِي التَّوْضِيحِ: وَحُسْنُ الشَّارَةِ، الشَّارَةُ الْهَيْئَةُ وَاللِّبَاسُ يُقَالُ: مَا أَحْسَنَ شَوَارَ الرَّجُلِ وَشَارَتَهُ أَيْ لِبَاسَهُ وَهَيْئَتَهُ. قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ الشُّورَةُ بِالضَّمِّ الْجَمَالُ وَبِالْفَتْحِ الْخَجَلَ انْتَهَى مِنْ الْمُعَلِّمِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: إنَّ رَجُلًا أَتَاهُ وَعَلَيْهِ شَارَةٌ حَسَنَةٌ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الشَّوَارَ هُنَا بِالْفَتْحِ وَأَمَّا الشُّورَةُ الْجَمَالُ فَبِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ مَعًا وَشَوَارُ الْبَيْتِ مَتَاعُهُ بِالْكَسْرِ وَشَوَارُ الرَّجُلِ مَذَاكِيرُهُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ فِي مُحْكَمِهِ وَشَوَارُ الرَّجُلِ ذَكَرُهُ وَخُصْيَاهُ وَإِسْتِهِ وَفِي الدُّعَاءِ أَبْدَى اللَّهُ شُوَارَهُ بِالضَّمِّ لُغَةً عَنْ

(6/152)


ثَعْلَبَ انْتَهَى.
ص (بِتَرْكِ غَيْرِ لَائِقٍ مِنْ حَمَامٍ)
ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ مُحْرِزٍ: الْإِدْمَانُ عَلَى لَعِبِ الْحَمَامِ وَالشِّطْرَنْجِ جُرْحَةٌ وَإِنْ لَمْ يُقَامِرْ عَلَيْهَا. قَالَ فِي آخِرِ كِتَابِ الرَّجْمِ: وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ لَاعِبِ الْحَمَامِ إذَا كَانَ يُقَامِرُ عَلَيْهَا، وَاخْتَلَفَ الشُّيُوخُ هَلْ يُقَيَّدُ مَا قَالَهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ بِهَذَا الْقَيْدِ أَيْ الْمُقَامَرَةِ أَوْ خِلَافٌ؟ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ بِتَرْكٍ غَيْرِ لَائِقٍ مِنْ لَعِبٍ بِحَمَامٍ وَإِنْ دُونَ قِمَارٍ عَلَى الْأَصَحِّ انْتَهَى. لَكِنْ يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ فِي التَّوْضِيحِ اشْتِرَاطُ الْإِدْمَانِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا خِلَافُ ذَلِكَ وَعَزَا أَبُو الْحَسَنِ التَّقْيِيدَ بِالْإِدْمَانِ لِكِتَابِ الشَّهَادَاتِ وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّ اللَّعِبَ بِالْحَمَامِ غَيْرُ حَرَامٍ وَلَكِنَّهُ غَيْرُ لَائِقٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَسَمَاعِ غِنَاءٍ)
ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْغِنَاءُ إنْ كَانَ بِغَيْرِ آلَةٍ فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَلَا يَقْدَحُ فِي الشَّهَادَةِ بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَكَرُّرِهِ وَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ قَادِحًا فِي الْمُرُوءَةِ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ تُرَدُّ شَهَادَةُ الْمُغَنِّي وَالْمُغَنِّيَةِ وَالنَّائِحِ وَالنَّائِحَةِ إذَا عُرِفُوا بِذَلِكَ. الْمَازِرِيُّ وَأَمَّا الْغِنَاءُ بِآلَةٍ فَإِنْ كَانَتْ ذَاتَ أَوْتَارٍ كَالْعُودِ وَالطُّنْبُورِ فَمَمْنُوعٌ وَكَذَلِكَ الْمِزْمَارُ وَالظَّاهِرُ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ ذَلِكَ يَلْحَقُ بِالْمُحَرَّمَاتِ وَإِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ أَطْلَقَ فِي سَمَاعِ الْعُودِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَقَدْ يُرِيدُ بِذَلِكَ التَّحْرِيمَ وَنَصَّ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَلَى أَنَّ سَمَاعَ الْعُودِ تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ قَالَ: إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي عُرْسٍ أَوْ صَنِيعٍ لَيْسَ مَعَهُ شَرَابٌ يُسْكِرُ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ قَالَ: وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَكْرُوهًا عَلَى كُلِّ حَالٍ وَقَدْ يُرِيدُ بِالْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمَ كَمَا قَدَّمْنَا انْتَهَى وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ أَيْضًا.
ص (وَحِيَاكَةٍ)
ش: قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: رَأَيْت لِبَعْضِهِمْ أَنَّ هَذِهِ الصِّنَاعَاتِ إنْ صَنَعَهَا تَصْغِيرًا لِنَفْسِهِ أَوْ لِيُدْخِلَ السُّرُورَ بِهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ يَتَصَدَّقَ بِمَا يَأْخُذُ فَإِنَّهَا حَسَنَةٌ وَإِلَّا فَهِيَ جُرْحَةٌ انْتَهَى.
ص (وَإِدَامَةِ شِطْرَنْجٍ)
ش: قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَإِدَامَةُ

(6/153)


شِطْرَنْجٍ وَلَوْ مَرَّةً فِي الْعَامِ وَقِيلَ أَكْثَرُ وَهَلْ يَحْرُمُ أَوْ يُكْرَهُ؟ قَوْلَانِ وَثَالِثُهُمَا أَنَّ لَعِبَهُ مُحَرَّمٌ مَعَ الْأَوْبَاشِ عَلَى طَرِيقٍ حَرُمَ، وَفِي الْخَلْوَةِ مَعَ نَظَائِرِهَا بِلَا إدْمَانٍ وَتَرْكِ مُهِمٍّ وَلَهِيَ عَنْ عِبَادَةٍ جَازَ وَقِيلَ إنْ أَلْهَى عَنْ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا حَرُمَ وَإِلَّا جَازَ انْتَهَى.

ص (وَإِنْ أَعْمَى فِي قَوْلٍ)
ش: شَهَادَةُ الْأَعْمَى فِي الْأَقْوَالِ الْمَشْهُورُ فِيهَا أَنَّهَا جَائِزَةٌ وَشَهَادَتُهُ فِي غَيْرِ الْأَقْوَالِ لَا تَجُوزُ وَهَذَا فِيمَا تَحَمَّلَهُ بَعْدَ الْعَمَى وَأَمَّا مَا تَحَمَّلَهُ مِنْ الشَّهَادَةِ فِي غَيْرِ الْأَقْوَالِ قَبْلَ الْعَمَى فَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا كَالْمُصَنِّفِ فِي تَوْضِيحِهِ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي شَرْحِهِ وَابْنِ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّهُمْ يَنْقُلُونَ أَوَّلًا الْمَذْهَبَ ثُمَّ يَقُولُونَ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَجُوزُ فِيمَا تَحَمَّلَهُ قَبْلَ الْعَمَى، فَتَخْصِيصُهُمْ التَّفْرِقَةَ بَيْنَ مَا تَحَمَّلَهُ قَبْلَ الْعَمَى وَبَيْنَ مَا تَحَمَّلَهُ بَعْدَهُ، فَالشَّافِعِيُّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَذْهَبَ عَدَمُ التَّفْصِيلِ وَقَالَ فِي الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ شَهَادَاتِ النَّوَادِرِ: وَقَدْ قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَأَبُو يُوسُفَ مَا شَهِدَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَعْمَى قَبِلْنَاهُ. قَالَ سَحْنُونٌ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ حِينَ قَبُولِهَا أَعْمَى انْتَهَى. فَظَاهِرُ كَلَامِ سَحْنُونٍ أَنَّ مَذْهَبَنَا لَا فَرْقَ، خِلَافًا لِقَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَأَبِي يُوسُفَ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ، وَصَرَّحَ الشَّيْخُ سُلَيْمَانُ الْبُحَيْرِيُّ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ بِأَنَّهُ إذَا تَحَمَّلَهَا قَبْلَ الْعَمَى أَنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ، وَنَصُّهُ عِنْدَ قَوْلِ صَاحِبِ الْإِرْشَادِ: وَتُقْبَلُ مِنْ الْأَعْمَى فِيمَا لَا يُشْبِهُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَقْوَالِ، قَالَ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ: مَعْنَاهُ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَعْمَى عَلَى الْأَقْوَالِ إذَا كَانَ فَطِنًا وَلَا تَشْتَبِهُ عَلَيْهِ الْأَصْوَاتُ وَيَتَيَقَّنُ الْمَشْهُودَ لَهُ وَعَلَيْهِ فَإِنْ شَكَّ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ وَلَا تُقْبَلُ فِي الْمَرْئِيَّاتِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ تَحَمَّلَهَا بَصِيرًا ثُمَّ عَمِيَ وَهُوَ يَتَيَقَّنُ عَيْنَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ أَوْ يَعْرِفُهُ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ: مَالَ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي الْبُخَارِيَّ إلَى إجَازَةِ شَهَادَةِ الْأَعْمَى وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ سَوَاءً عَلِمَ ذَلِكَ قَبْلَ الْعَمَى أَوْ بَعْدَهُ وَفَصَّلَ الْجُمْهُورُ فَأَجَازُوا مَا تَحَمَّلَهُ قَبْلَهُ لَا بَعْدَهُ وَكَذَا مَا يَتَنَزَّلُ فِيهِ مَنْزِلَةَ الْبَصِيرِ كَأَنْ يُشْهِدَهُ شَخْصٌ بِشَيْءٍ وَيَتَعَلَّقُ هُوَ بِهِ إلَى أَنْ يَشْهَدَ بِهِ عَلَيْهِ انْتَهَى.

ص (وَلَا مُتَأَكِّدًا لِقُرْبٍ كَأَبٍ وَإِنْ عَلَا إلَخْ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْمَازِرِيُّ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَبِ وَإِنْ عَلَا لِوَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ كَانَ جَدًّا مِنْ قِبَلِ الْأَبِ أَوْ الْأُمِّ وَلَا شَهَادَةُ بَنِي بَنِيهِمْ لَهُمْ وَهُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيُّ وَذَكَرَ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الشَّافِعِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ قَبُولَ شَهَادَةِ الْوَلَدِ لِأَبِيهِ دُونَ الْأَبِ لِابْنِهِ وَهُوَ حِكَايَةٌ مُسْتَنْكَرَةٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَرُبَّمَا كَانَتْ وَهْمًا مِنْ نَاقِلِهَا انْتَهَى.
(فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْهُ: شَهَادَةُ الْوَلَدَيْنِ أَنَّ فُلَانًا شَجَّ أَبُوهُمَا وَهُمَا مُسْلِمَانِ وَالْأَبُ عَبْدٌ أَوْ مُكَاتَبٌ مُسْلِمًا أَوْ نَصْرَانِيًّا سَاقِطَةٌ وَكَذَا لَوْ شَهِدَا لِأَبِيهِمَا وَقَدْ مَاتَ نَصْرَانِيًّا بِدَيْنٍ عَلَى فُلَانٍ وَتَرَكَ وَلَدًا نَصْرَانِيًّا

(6/154)


وَكَذَا لَوْ شَهِدَا أَنَّ أَبَاهُمَا الْعَبْدَ جَنَى عَلَى رَجُلٍ جِنَايَةً وَأَنَّ سَيِّدَهُ بَاعَهُ أَوْ أَعْطَاهُ أَحَدًا ابْنُ عَبْدُوسٍ عَنْ سَحْنُونٍ وَكَذَا شَهَادَةُ ابْنِ الْمُلَاعَنَةِ لِمَنْ نَفَاهُ انْتَهَى.
(فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَبَوَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا لِلْوَلَدِ وَلَا الْوَالِدِ لَهُمَا وَلَا أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِصَاحِبِهِ وَلَا الْجَدِّ لِابْنِ ابْنِهِ وَلَا الرَّجُلِ لِجَدِّهِ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ شَهَادَةُ الْآخَرِ فِي حَقٍّ أَوْ تَزْكِيَةٍ أَوْ تَجْرِيحِ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ انْتَهَى. زَادَ ابْنُ يُونُسَ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَلَا الرَّجُلِ لِجَدِّهِ مِنْ قِبَلِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ كَانَ الْمَشْهُودُ لَهُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا أَوْ مُكَاتَبًا انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِيهَا لَا تَجُوزُ لِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ عَلَى صَاحِبِهِ. زَادَ ابْنُ سَحْنُونٍ كَانَ الْمَشْهُودُ لَهُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا أَوْ مُكَاتَبًا انْتَهَى. وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ الَّتِي قَالَهَا لَا مَعْنَى لَهَا فَتَأَمَّلْهَا، وَلَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ مَا تَقَدَّمَ

[فَرْعٌ شَهَادَةُ الرَّجُلِ لِزَوْجَةِ أَبِيهِ]
(فَرْعٌ) وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الرَّجُلِ لِزَوْجَةِ أَبِيهِ وَلَا لِزَوْجَةِ ابْنِهِ وَلَا لِابْنِ زَوْجَتِهِ وَلَا لِأَبِيهَا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِسَحْنُونٍ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ وَقَالَ فِي رَسْمِ جَاعَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى: وَأَمَّا شَهَادَةُ الرَّجُلِ لِابْنِ زَوْجِ ابْنَتِهِ وَأَبَوَيْهِ فَلَا يُخَالِفُ ابْنَ الْقَاسِمِ سَحْنُونٌ فِي جَوَازِهَا لَهُمْ لِبُعْدِ التُّهْمَةِ وَإِنَّمَا يُخَالِفُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّة: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الرَّجُلِ لِزَوْجِ ابْنَتِهِ وَلَا لَزَوْجَةِ وَلَدِهِ انْتَهَى. وَفِي النَّوَادِرِ وَمِنْ هَذِهِ الْكُتُبِ كُلِّهَا إلَّا كِتَابَ ابْنِ حَبِيبٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لِزَوْجَةِ أَبِيهِ وَلَا لِزَوْجَتِهِ وَلَا لِابْنِ امْرَأَتِهِ وَلَا لِوَالِدِهَا وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ لِابْنِ زَوْجِهَا انْتَهَى. وَإِذَا كَانَتْ شَهَادَتُهُ لِزَوْجَةِ أَبِيهِ غَيْرَ جَائِزَةٍ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ مَعَ بُعْدِ التُّهْمَةِ لِلْعَدَاوَةِ الَّتِي بَيْنَهُمَا فِي الْغَالِبِ فَشَهَادَةُ الرَّجُلِ لِزَوْجِ أُمِّهِ أَحْرَى بِعَدَمِ الْجَوَازِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَقَبِلَهُ الشَّارِحُ فَإِنِّي لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ الْآنَ مَنْصُوصًا بَلْ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَدَمُ صِحَّةِ شَهَادَةِ الشَّخْصِ لِزَوْجَةِ جَدِّهِ وَزَوْجِ جَدَّتِهِ وَإِنْ بَعُدَا وَعَدَمُ صِحَّةِ شَهَادَةِ الشَّخْصِ لِزَوْجَةِ ابْنِ ابْنِهِ وَزَوْجَةِ بِنْتِ ابْنِهِ وَإِنْ سَفَلَا وَلَمْ أَقِفْ عَلَى التَّصْرِيحِ بِجَمِيعِ ذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (وَشَهَادَةُ ابْنٍ مَعَ أَبٍ وَاحِدَةٌ كَكُلٍّ عِنْدَ الْآخَرِ عَلَى شَهَادَتِهِ أَوْ حُكْمِهِ)
ش: هَذَا قَوْلُ أَصْبَغَ وَقَالَ سَحْنُونٌ بِجَوَازِ الْجَمِيعِ بِشَرْطِ التَّبْرِيزِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَوَّلِ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الشَّهَادَاتِ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي اللُّبَابِ: وَشَهَادَةُ الْأَبِ مَعَ وَلَدِهِ جَائِزَةٌ عَلَى الْقَوْلِ الْمَعْمُولِ بِهِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: وَلَوْ شَهِدَ الْأَبُ مَعَ ابْنِهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ جَازَتْ عَلَى الْقَوْلِ الْمَعْمُولِ بِهِ وَقَالَ بَعْضُ الْمُوَثَّقِينَ: شَهَادَتُهُمَا بِمَنْزِلَةِ شَهَادَةٍ وَاحِدَةٍ، وَفِي مُعِينِ الْحُكَّامِ وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ شَاهِدَيْنِ أَعْدَلُ. ثُمَّ قَالَ: وَتَعْدِيلُ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ لَمْ يُجِزْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ إلَّا ابْنَ الْمَاجِشُونِ قَالَ: إنْ لَمْ يَكُنْ التَّعْدِيلُ نَزَعَهُ وَلَمْ يَكُنْ بِهِ قَامَ وَإِنَّمَا نَزَعَهُ وَقَامَ بِهِ إحْيَاءُ شَهَادَتِهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَصِفَهُ بِمَا تَتِمُّ بِهِ شَهَادَتُهُ وَفِيهِ بُعْدٌ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَمَا أَدْرَكْت قَاضِيًا حَفِظَهُ اللَّهُ مِنْ تَقْدِيمِ وَلَدِهِ أَوْ قَرِيبِهِ إلَّا قَاضِيًا وَاحِدًا جَعَلَنَا اللَّهُ مِمَّنْ عَلِمَ الْحَقَّ وَعَمِلَ بِهِ انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: مَسْأَلَةٌ وَأَمَّا شَهَادَةُ الْأَخَوَيْنِ فِي شَيْءٍ فَشَهَادَتُهُمَا جَائِزَةٌ وَلَيْسَا كَالْأَبِ وَابْنِهِ.
(تَنْبِيهٌ) قَدْ تَلْحَقُهُمْ التُّهْمَةُ فَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا كَمَا لَوْ شَهِدَ أَخَوَانِ أَنَّ هَذَا ابْنُ أَخَوهمًا الْمَيِّتِ وَالْمَشْهُودُ لَهُ ذُو شَرَفٍ فَإِنَّ النَّسَبَ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِمَا وَيَثْبُتُ لِلْمَشْهُودِ لَهُ الْمَالُ إنْ ادَّعَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَرْعٌ تَنْفِيذُ الْقَاضِي حُكْمَ وَالِدِهِ أَوْ وَلَدِهِ]
(فَرْعٌ) تَنْفِيذُ الْقَاضِي حُكْمَ وَالِدِهِ أَوْ وَلَدِهِ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَالظَّاهِرُ جَوَازُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُنَفِّذَ حُكْمَ نَفْسِهِ إذَا قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَإِنْ نَسِيَهُ أَوْ أَنْكَرَهُ فَكَذَلِكَ حُكْمُ وَلَدِهِ أَوْ وَالِدِهِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(بِخِلَافِ أَخٍ لِأَخٍ إنْ بَرَزَ وَلَوْ بِتَعْدِيلٍ)
ش: وَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ لَا يَكُونَ فِي عِيَالِهِ وَيُشْتَرَطُ ذَلِكَ أَيْضًا فِي شَهَادَةِ الْمَوْلَى لِمُعْتَقِهِ وَالصَّدِيقِ الْمُلَاطِفِ وَالْأَجِيرِ وَقَدْ نُصَّ عَلَى الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِيهَا: وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَخِ لِأَخِيهِ وَالرَّجُلِ لِمَوْلَاهُ أَوْ لِصَدِيقِهِ أَوْ الْمُلَاطِفِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ عِيَالِهِ أَحَدٌ مِنْ

(6/155)


هَؤُلَاءِ يُمَوِّنُهُ فَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الرَّجُلِ لِشَرِيكِهِ الْمُفَاوِضِ إذَا شَهِدَ لَهُ فِي غَيْرِ التِّجَارَةِ إذَا كَانَ لَا يَجُرُّ لِنَفْسِهِ بِذَلِكَ شَيْئًا انْتَهَى. وَقَالَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ مَنْ هُوَ فِي عِيَالِ الرَّجُلِ لَهُ وَكَذَلِكَ الْأَخُ وَالْأَجْنَبِيُّ إذَا كَانَا فِي عِيَالِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا فِي عِيَالِهِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا إذَا كَانَا مُبَرِّزَيْنِ فِي الْعَدَالَةِ فِي الْأَقْوَالِ وَالتَّعْدِيلِ. قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: الْمُبَرِّزُ بِكَسْرِ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ ظَاهِرُ الْعَدَالَةِ سَابِقًا غَيْرَهُ مُتَقَدِّمًا، وَأَصْلُهُ مِنْ تَبْرِيزِ الْخَيْلِ فِي السَّبَقِ وَتَقَدُّمِ سَابِقِهَا وَهُوَ الْمُبَرِّزُ لِظُهُورِهِ وَبُرُوزِهِ أَمَامَهَا انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَوَّلِ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الشَّهَادَاتِ: يُشْتَرَطُ التَّبْرِيزُ فِي الْعَدَالَةِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ سُئِلَ فِي مَرَضِهِ شَهَادَةً لِتُنْقَلَ عَنْهُ فَقَالَ: لَا أَعْلَمُهَا، ثُمَّ شَهِدَ بِهَا وَاعْتَذَرَ بِأَنَّهُ خَشِيَ فِي مَرَضِهِ عَدَمَ تَثَبُّتِهِ فِيهَا، وَمَنْ زَادَ فِي شَهَادَتِهِ أَوْ نَقَصَ بَعْدَ أَدَائِهَا، وَشَهَادَةُ الْأَخِ لِأَخِيهِ وَالْأَجِيرِ لِمَنْ اسْتَأْجَرَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي عِيَالِهِ وَشَهَادَةُ الْمَوْلَى لِمَنْ أَعْتَقَهُ وَشَهَادَةُ الصَّدِيقِ الْمُلَاطِفِ لِصَدِيقِهِ وَشَهَادَةُ الشَّرِيكِ الْمُفَاوِضِ لِشَرِيكِهِ فِي غَيْرِ مَالِ الْمُفَاوَضَةِ انْتَهَى. وَسَيَأْتِي لَفْظُ السَّمَاعِ فِي الْقَوْلَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْمَانِعِ الثَّالِثِ وَكَأَنَّ الْمُؤَلِّفَ اسْتَغْنَى عَنْ هَذَا الشَّرْطِ بِقَوْلِهِ بَعْدَ هَذَا وَلَا إنْ جَرَّ بِهَا، فَإِنَّهُمْ جَعَلُوا مِنْ ذَلِكَ شَهَادَةَ الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ لِلْمُنْفِقِ فَتَأَمَّلْهُ.
(تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) قَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ: مَعْنَى لَيْسَ الَّذِي فِي عِيَالِهِ هُوَ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ مِثْلُ الصُّنَّاعِ وَغَيْرِهِمْ فَأَمَّا الْأَجِيرُ الَّذِي يَصِيرُ جَمِيعُ عَمَلِهِ لِمَنْ اسْتَأْجَرَهُ وَهُوَ فِي عِيَالِهِ أَوْ لَيْسَ فِي عِيَالِهِ قَدْ دَفَعَ إلَيْهِ مُؤْنَتَهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ وَإِنْ كَانَ مُعْتَزِلًا عَنْهُ انْتَهَى مِنْ النَّوَادِرِ وَنَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ وَأَبُو الْحَسَنِ وَزَادَ قَالَ اللَّخْمِيُّ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْمَنْعَ إذَا كَانَ فِي نَفَقَتِهِ كَانَتْ النَّفَقَةُ بِالطَّوْعِ أَوْ مِنْ الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ الْمَظِنَّةَ تَتَعَلَّقُ بِالْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ يُخْشَى إنْ لَمْ يَشْهَدْ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ وَكَذَلِكَ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ كَالطَّرَّازِ وَالْقَصَّارِ؛ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ فِي شَهَادَتِهِ لَهُ أَنْ يَخُصَّهُ بِأَعْمَالِهِ انْتَهَى. وَأَمَّا شَهَادَةُ السِّمْسَارِ فَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ فِي شَرْحِ قَوْلِهَا وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْمَعْزُولِ عَلَى مَا حَكَمَ بِهِ: يَقُومُ مِنْهُ وَمِمَّا فَوْقَهُ، وَمِنْ قَوْلِهَا بَعْدُ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ قَسَّامِ الْقَاضِي: إنَّ شَهَادَةَ الْخَاطِبِ وَالسِّمْسَارِ لَا تَجُوزُ.
وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ وَالْفَتْوَى بِقَبُولِ شَهَادَةِ الْخَاطِبِ دُونَ السِّمْسَارِ انْتَهَى. لَكِنْ قَيَّدَ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ عَدَمَ جَوَازِ شَهَادَةِ السِّمْسَارِ بِمَا إذَا شَهِدَ فِيمَا يُتَّهَمُ فِيهِ وَنَصُّهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَمَرَهُمَا أَنْ يُنْكِحَاهُ وَأَنْ يَبْتَاعَا لَهُ بَيْعًا وَأَنَّهُمَا فَعَلَا ذَلِكَ وَهُوَ يُنْكِرُ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمَا خَصْمَانِ قَالَ ابْنُ نَاجِي: مِثْلُهُ فِي النِّكَاحِ الْأَوَّلِ حَيْثُ لَمْ تَجُزْ شَهَادَةُ الْأَبِ فِي عُقْدَةِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ شَهِدَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ وَيَقُومُ مِنْهُمَا أَنَّ شَهَادَةَ السِّمْسَارِ لَا تَجُوزُ وَذَلِكَ فِيمَا يُتَّهَمُ فِيهِ كَمَا إذَا شَهِدَ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ، وَأَمَّا حَيْثُ لَا يُتَّهَمُ فَجَائِزَةٌ كَمَا إذَا شَهِدَ فِي الثَّمَنِ وَكَانَتْ أُجْرَتُهُ لَا تَخْتَلِفُ سَوَاءً بَاعَ بِقَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ وَنَصَّ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الشَّعْبِيُّ وَأَفْتَى ابْنُ الْحَاجِّ بِجَوَازِ شَهَادَتِهِ ذَكَرَهُ فِيمَا إذَا أَنْكَرَ الْمُبْتَاعُ الْبَيْعَ وَيَقُومُ مِنْهَا أَيْضًا أَنَّ شَهَادَةَ الْخَاطِبِ لَا تَجُوزُ وَفِيهَا خِلَافٌ حَكَاهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ فَيَتْرُكُ أَوَّلَ الْأَنْكِحَةِ فَقَالَ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْخَاطِبَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا مَعًا كَخَصْمَيْنِ، وَقِيلَ: إنَّمَا ذَلِكَ إذَا أَخَذَا عَلَى ذَلِكَ أَجْرًا فَإِنْ لَمْ يَأْخُذَا أَجْرًا جَازَ وَكَانَتْ الْفَتْوَى تَجْرِي بِهِ وَسُئِلَ عَنْهَا ابْنُ رُشْدٍ فَأَجَابَ بِجَوَازِهَا لِعَدَمِ التُّهْمَةِ، وَأَمَّا شَهَادَةُ الْمُشْرِفِ لِمَنْ يُشْرِفُ عَلَيْهِ فَسَأَلَ عَنْهَا عِيَاضٌ ابْنَ رُشْدٍ فَأَفْتَاهُ بِالْجَوَازِ وَهُوَ وَاضِحٌ لِقَوْلِ أَحْمَدَ بْنِ نَصْرٍ وَغَيْرِهِ إنْ تَنَازَعَ الْمُشْرِفُ وَالْوَصِيُّ عِنْدَ مَنْ يَكُونُ الْمَالُ؟ فَإِنَّهُ يَكُونُ عِنْدَ الْوَصِيِّ وَيَقُومُ مِنْهَا مَا فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ الشَّهَادَاتِ فِيمَنْ دَفَعَ إلَى رَجُلَيْنِ مَالًا وَأَمَرَهُمَا أَنْ يَدْفَعَاهُ إلَى رَجُلٍ وَأَنْ يُشْهِدَا عَلَيْهِ فَزَعَمَا أَنَّهُمَا فَعَلَا ذَلِكَ وَأَنْكَرَ الرَّجُلُ فَقَالَ: لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا

(6/156)


يُتَّهَمَانِ فِي دَفْعِ الْيَمِينِ عَنْهُمَا انْتَهَى. فَتَحَصَّلَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ شَهَادَةَ السِّمْسَارِ جَائِزَةٌ فِيمَا لَا يُتَّهَمُ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ، وَفِي شَهَادَتِهِ فِيمَا يُتَّهَمُ فِيهِ قَوْلَانِ وَقَعَتْ الْفَتْوَى بِكُلٍّ مِنْهُمَا فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى شَهَادَةِ الْخَاطِبِ وَالْقَسَّامِ وَالْعَاقِدِ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ.
(فَائِدَةٌ) وَقَعَ فِي نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيِّ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ لِلسَّمَاسِرَةِ عِدَّةُ أَسْمَاءٍ فَسَمَّاهُمْ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ سَمَاسِرَةً وَفِي بَعْضِهَا النَّخَّاسِينَ وَفِي بَعْضِهَا الصَّاحَةَ وَفِي بَعْضِهَا الدَّلَّالِينَ وَفِي بَعْضِهَا الطَّوَّافِينَ وَفِي بَعْضِهَا الْوُكَلَاءَ مِنْ السَّمَاسِرَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّانِي) الصَّدِيقُ الْمُلَاطِفُ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِالرَّجُلِ الَّذِي يُلَاطِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ وَمَعْنَى اللُّطْفِ الْإِحْسَانُ وَالْبِرُّ وَالتَّكْرِمَةُ وَهُوَ أَحَدُ مَعَانِي تَسْمِيَتِهِ لَطِيفًا وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْمُلَاطَفَةُ مِنْ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ كَانَتْ كَمَسْأَلَةِ الْأَخَوَيْنِ اللَّذَيْنِ يَنَالُ أَحَدُهُمَا بِرَّ الْآخَرِ وَصِلَتَهُ انْتَهَى مِنْ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ مِنْ التَّنْبِيهَاتِ، وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ: وَالصَّدِيقُ الْمُلَاطِفُ هُوَ الَّذِي قِيلَ فِيهِ
إنَّ أَخَاك الْحَقَّ مَنْ كَانَ مَعَكْ ... وَمَنْ يَضُرُّ نَفْسَهُ لِيَنْفَعَكْ
وَمَنْ إذَا رَيْبُ الزَّمَانِ صَدَعَكْ ... شَتَّتَ فِيك شَمْلَهُ لِيَجْمَعَك
اهـ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ بَعِيدٌ وَقَلَّ أَنْ يُوجَدَ أَحَدٌ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ فَالْأَوْلَى تَفْسِيرُهُ بِمَا فِي التَّنْبِيهَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (أَوْ مُنْقِصٍ)
ش: (مَسْأَلَةٌ) وَإِذَا نَقَصَ الشَّاهِدُ بَعْضَ الشَّهَادَةِ وَنَسِيَ الْبَعْضَ فَيُرَدُّ الْجَمِيعُ. قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِ أَصْبَغَ مِنْ الشَّهَادَاتِ فِي آخِرِ الْكَلَامِ عَلَى مَسْأَلَةِ مَنْ أَعْتَقَ عَبْدَيْنِ فَشَهِدَا بَعْدَ عِتْقِهِمَا أَنَّهُ غَصَبَهُمَا مِنْ رَجُلٍ، وَنَصُّهُ: وَإِذَا لَمْ يَأْتِ الشَّاهِدُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ سَقَطَ عَنْ حِفْظِهِ بَعْضُهَا فَإِنَّهَا تَسْقُطُ كُلُّهَا بِإِجْمَاعٍ انْتَهَى.
ص (وَذَاكِرٍ بَعْدَ شَكٍّ)
ش: قَالَ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ: إذَا سُئِلَ الشَّخْصُ عَنْ شَهَادَةٍ فِي مَرَضِهِ لِتُنْقَلَ عَنْهُ أَوْ لِيُشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ تَحْصِينًا لَهَا أَوْ سُئِلَ عِنْدَ الْحَاكِمِ لِيَشْهَدَ بِهَا فَأَنْكَرَهَا وَقَالَ: لَا عِلْمَ عِنْدِي مِنْهَا ثُمَّ جَاءَ يَشْهَدُ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ إذَا كَانَ مُبَرِّزًا فِي الْعَدَالَةِ، وَأَمَّا لَوْ لَقِيَهُ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ فَقَالَ: بَلَغَنِي أَنَّك تَشْهَدُ عَلَيَّ بِكَذَا، فَقَالَ: لَا أَشْهَدُ عَلَيْك بِذَلِكَ وَلَا عِنْدِي مِنْهُ عِلْمٌ وَإِنْ شَهِدْت عَلَيْك فَشَهَادَتِي بَاطِلَةٌ لَمْ يَقْدَحْ فِي شَهَادَتِهِ وَلَا يَضُرُّهَا وَإِنْ أَقَامَ عَلَى قَوْلِهِ بَيِّنَةً، قَالَ ذَلِكَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ، وَهَلْ يُحْمَلُ عَلَى التَّفْسِيرِ لِقَوْلِ

(6/157)


مَالِكٍ هَذَا؟ انْتَهَى. وَفِيهِ: أَمَّا إذَا قَالَ الشَّاهِدُ بَعْدَ شَهَادَتِهِ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ: إنْ كُنْت شَهِدْت عَلَيْك بِذَلِكَ فَأَنَا مُبْطِلٌ فَإِنَّهُ رُجُوعٌ عَنْ الشَّهَادَةِ وَذَكَرَ فِيهِ ابْنُ رُشْدٍ خِلَافًا

[فَرْعٌ يُسْأَلُ الشَّهَادَةَ فَيَقُولُ هِيَ الْيَوْمَ عِنْدِي أَلْفُ سَنَةٍ]
(فَرْعٌ) قَالَ فِي الطِّرَازِ فِي الَّذِي يُسْأَلُ الشَّهَادَةَ فَيَقُولُ: هِيَ الْيَوْمَ عِنْدِي أَلْفُ سَنَةٍ قَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ جَاهِلٌ وَلَا تَسْقُطُ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُبَالَغَةِ وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ» .

[فَرْعٌ زَعَمَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ أَنَّ قَوْلَ الْمَشْهُودِ لَهُ مُسْقِطٌ لِشَهَادَةِ الشَّاهِدِ]
(فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي مَسَائِلِ الشَّهَادَاتِ فِي نَوَازِلِهِ فِي رَجُلٍ شَهِدَ لِرَجُلٍ شَهَادَةً فَقَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ لِلْمَشْهُودِ لَهُ: مَا بَالُ هَذَا الشَّاهِدِ لَمْ يُؤَدِّ لَك هَذِهِ الشَّهَادَةَ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا؟ فَقَالَ لَهُ الْمَشْهُودُ لَهُ: إنَّهُ لِتَحَرِّيهِ وَتَوَسْوُسِهِ تَوَقَّفَ وَتَثَبَّتَ حَتَّى جَاءَ بِنَصِّ كَلَامِك مَخَافَةَ أَنْ يَزِيدَ عَلَيْك فِيهِ شَيْئًا لَمْ تَقُلْهُ، فَزَعَمَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ أَنَّ قَوْلَ الْمَشْهُودِ لَهُ الْمَنْصُوصَ فَوْقَ هَذَا مُسْقِطٌ لِشَهَادَةِ الشَّاهِدِ لِمَا فِيهِ مِنْ ذِكْرِ الْوَسْوَسَةِ فَأَجَابَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُبْطِلُ شَهَادَةَ الشَّاهِدِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَصَفَهُ بِالتَّحَرِّي وَالتَّثَبُّتِ انْتَهَى. مُخْتَصَرًا.
ص (فَأَشْهَدَ أَنَّهُ عَدْلٌ رِضًا)
ش: (فَرْعٌ) ذَكَرَ الدَّمَامِينِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ فِي قَوْلِهِ لَا نَعْلَمُ إلَّا خَيْرًا أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَا يُفِيدُ التَّزْكِيَةَ وَإِنَّمَا يُكْتَبُ فِي التَّبْرِئَةِ مِنْ التُّهَمِ فَيَقُولُونَ فِي عَقْدِ التَّبْرِئَةِ: لَا يُعْلَمُ شُهُودُهُ عَلَى فُلَانٍ إلَّا خَيْرًا وَلَا بُدَّ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ مِنْ خِبْرَتِهِ وَمُبَاطَنَتِهِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: لَا أَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا، وَقَوْلُهُ: لَا أَعْلَمُ لَهُ مَالًا انْتَهَى.

ص (كَجَرْحٍ إنْ بَطَلَ حَقٌّ)
ش: وَعَكْسُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنْ شَهِدَ الشَّاهِدُ بِحَقٍّ وَأَنْتَ تَعْلَمُ جُرْحَتَهُ فَهَلْ يَجُوزُ لَك أَنْ تَجْرَحَهُ؟ ذَكَرَ فِيهِ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي رَسْمِ الشَّجَرَةِ وَفِي سَمَاعِ عِيسَى وَفِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ قَوْلَيْنِ وَرَجَّحَ أَنَّهُ لَا يَشْهَدُ بِجُرْحَتِهِ.
ص (بِخِلَافِ الْجَرْحِ)
ش: (مَسْأَلَةٌ) إذَا قَالَ أَحَدُ الْمُجَرِّحِينَ فِي أَحَدِ الشَّاهِدِينَ: هُوَ كَذَّابٌ وَقَالَ الْآخَرُ فِيهِ: هُوَ آكِلُ رِبًا، فَلَيْسَ بِتَجْرِيحٍ حَتَّى يَجْتَمِعَا عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ وَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا: هُوَ خَائِنٌ، وَقَالَ الْآخَرُ: يَأْكُلُ أَمْوَالَ الْيَتَامَى فَذَلِكَ تَجْرِيحٌ؛ لِأَنَّهُ مَعْنًى وَاحِدٌ، وَقَالَ أَيْضًا: إذَا جَرَحَهُ أَحَدُهُمَا بِمَعْنًى وَجَرَحَهُ الْآخَرُ بِمَعْنًى آخَرَ فَذَلِكَ تَجْرِيحٌ؛ لِأَنَّهُمَا قَدْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ رَجُلُ سُوءٍ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَسَأَلْته قَبْلَ ذَلِكَ عَنْ تَجْرِيحِهِمَا إيَّاهُ بِأَنَّهُ رَجُلٌ غَيْرُ مَقْبُولِ الشَّهَادَةِ، وَقَالَ: لَا يُسَمَّى بِالْجُرْحَةِ، فَقَالَ: هِيَ جُرْحَةٌ وَلَا يَكْشِفُ عَنْ أَكْثَرِ مِنْ هَذَا انْتَهَى مِنْ ابْنِ سَهْلٍ.
ص (وَهُوَ الْمُقَدَّمُ)
ش: قَالَ فِي النَّوَادِرِ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: وَإِذَا عُدِّلَ الشُّهُودُ عِنْدَهُ ثُمَّ أَتَى مَنْ

(6/158)


يَجْرَحُهُمْ فَإِنَّهُ يَسْمَعُ الْجُرْحَةَ فِيهِمْ أَبَدًا مَا لَمْ يَحْكُمْ، فَإِذَا حَكَمَ لَمْ يَنْظُرْ فِي حَالِهِمْ بِجُرْحَةٍ وَلَا بِعَدَالَةٍ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ انْتَهَى مِنْ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ الثَّانِي وَآخِرِ تَرْجَمَةِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ يَجِدُ بَعْدَ الْحُكْمِ بَيِّنَةً أَوْ مَنْفَعَةً مِنْ تَجْرِيحٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الطُّرَرِ فِي تَرْجَمَةِ وَثِيقَةٍ بِتَجْرِيحِ عَدَاوَةٍ وَلِابْنِ الْمَاجِشُونِ: إنْ جَرَحَ رَجُلَانِ عَدْلًا ثُمَّ جَاءَ الْمُجَرَّحُ بِمَنْ يُعَدِّلُهُ لَمْ نَقْبَلْهُ وَلَوْ بِأَلْفِ عَدْلٍ وَقَالَهُ أَصْبَغُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي زَيْدٍ عَنْهُمَا انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ.

ص (وَبِخِلَافِهَا لِأَحَدِ وَلَدَيْهِ عَلَى الْآخَرِ أَوْ أَبَوَيْهِ إنْ لَمْ يَظْهَرْ مَيْلٌ لَهُ)
ش: هَذَا مُخَرَّجٌ أَيْضًا مِنْ عَدَمِ قَبُولِ شَهَادَةِ مُتَأَكِّدِ الْقَرَابَةِ فَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى خِلَافِ مِنْ قَوْلِهِ: بِخِلَافِ أَخٍ لِأَخٍ، وَأَعَادَ الْعَامِلَ لِطُولِ الْفَصْلِ، وَالضَّمِيرُ فِي بِخِلَافِهَا عَائِدٌ إلَى الشَّهَادَةِ وَالْمَعْنَى أَنَّ شَهَادَةَ الْوَالِدِ أَوْ الْوَالِدَةِ لِأَحَدِ وَلَدَيْهِ عَلَى الْآخَرِ جَائِزَةٌ إنْ لَمْ يَظْهَرْ مَيْلٌ لِلْمَشْهُودِ لَهُ وَكَذَلِكَ شَهَادَةُ الْوَلَدِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى لِأَحَدِ أَبَوَيْهِ عَلَى الْآخَرِ جَائِزَةٌ إنْ لَمْ يَظْهَرْ مَيْلٌ لِلْمَشْهُودِ لَهُ فَقَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَظْهَرْ مَيْلٌ قَيْدٌ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ أَنَّهُ إنَّ ظَهَرَ مَيْلٌ لِلْمَشْهُودِ لَهُ لَمْ تَجُزْ الشَّهَادَةُ اتِّفَاقًا وَأَمَّا إنْ لَمْ يَظْهَرْ مَيْلٌ فَاَلَّذِي رَجَّحَهُ ابْنُ مُحْرِزٍ وَاللَّخْمِيُّ وَمَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ قَبُولُ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ اسْتَوَتْ حَالُهُ فِيمَنْ شَهِدَ لَهُ وَعَلَيْهِ فَصَارَ كَمَنْ شَهِدَ لِأَجْنَبِيٍّ وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَبِ لِابْنِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَاشْتَرَطَ بَعْضُهُمْ فِي قَبُولِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ التَّبْرِيزُ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ ظَهَرَ الْمَيْلُ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فَأَوْلَى بِالْجَوَازِ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: يُرِيدُ عَلَى الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ وَلَا يُرِيدُ أَنَّهُ يُتَّفَقُ عَلَى الْجَوَازِ؛ لِأَنَّ سَحْنُونًا يَمْنَعُ وَإِنْ شَهِدَ لِلْأَكْبَرِ عَلَى الْأَصْغَرِ وَالرَّاشِدِ عَلَى السَّفِيهِ وَلِلْعَاقِّ عَلَى الْبَارِّ وَكَأَنَّهُ رَآهُ حُكْمًا غَيْرَ مُعَلَّلٍ وَأَنَّ الْمَنْعَ فِي ذَلِكَ لِلسُّنَّةِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: وَإِنْ ظَهَرَ مَيْلٌ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ جَازَتْ عَلَى الْمَشْهُورِ انْتَهَى.
(فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَإِنْ شَهِدَ لِأَبِيهِ عَلَى وَلَدِهِ أَوْ لِوَالِدِهِ وَلَيْسَ فِي حِجْرِهِ فَيُخَرَّجُ عَلَى الْخِلَافِ فِي شَهَادَتِهِ لِأَحَدِ أَبَوَيْهِ عَلَى الْآخَرِ، وَلَوْ شَهِدَ لِأَبِيهِ عَلَى جَدِّهِ أَوْ لِوَالِدِهِ عَلَى وَلَدِ وَلَدِهِ لَانْبَغَى أَنْ لَا تَجُوزَ اتِّفَاقًا وَلَوْ كَانَ عَلَى الْعَكْسِ لَانْبَغَى أَنْ تَجُوزَ اتِّفَاقًا انْتَهَى.

ص (وَلَا عَدُوٍّ وَلَوْ عَلَى ابْنِهِ) ش: يُرِيدُ إذَا كَانَتْ الْعَدَاوَةُ بَيِّنَةٌ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ (فَإِنْ قُلْت) مَا أَفَادَ قَوْلُهُ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ

(6/159)


عَكْسَ الْقَرَابَةِ قِيلَ فَائِدَتَيْنِ: الْأُولَى: تَقْيِيدُ الْعَدَاوَةِ بِالْبَيِّنَةِ كَمَا قَيَّدَ فِي الْقَرَابَةِ تَأْكِيدَ الشَّفَقَةِ، قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ فِي الْمَجْمُوعَةِ: إنْ كَانَتْ الْهِجْرَةُ فِي أَمْرٍ خَفِيفٍ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمَا تُقْبَلُ عَلَى الْآخَرِ وَأَمَّا الْمُهَاجَرَةُ الطَّوِيلَةُ وَالْعَدَاوَةُ الْبَيِّنَةُ فَلَا تُقْبَلُ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْمَازِرِيِّ وَنَصَّهُ الْمَازِرِيُّ قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ: إنْ كَانَتْ الْعَدَاوَةُ خَفِيفَةً عَلَى أَمْرٍ خَفِيفٍ لَمْ تَبْطُلْ الشَّهَادَةُ.
(تَنْبِيهٌ) وَالْعَدَاوَةُ الْمَانِعَةُ هِيَ الْعَدَاوَةُ بِسَبَبِ أَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ، قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَشَرْطُهَا أَنْ تَكُونَ عَنْ أَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ مِنْ مَالٍ أَوْ جَاهٍ أَوْ مَنْصِبٍ أَوْ خِصَامٍ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ دُنْيَا يَتَشَوَّفُ بِهِ عَادَةً إلَى أَذًى يُصِيبُهُ، وَقَوْلُهُ: وَلَوْ عَلَى ابْنِهِ، مِثْلُهُ أَبُوهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَيَانِ وَكَذَا أُمُّهُ نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الشَّيْخِ وَتَجُوزُ عَلَى عَدُوِّ أَخِيهِ فِي الْمَالِ نَقَلَهُ فِي رَسْمِ بَاعَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ.

[فَرْعٌ الشَّهَادَة عَلَى صَبِيٍّ أَوْ سَفِيهٍ فِي وِلَايَةِ عَدُوِّهِ]
(فَرْعٌ) وَتَجُوزُ عَلَى صَبِيٍّ أَوْ سَفِيهٍ فِي وِلَايَةِ عَدُوِّهِ عَلَى الْأَصَحِّ.
(فَرْعٌ) مَنْ كَانَ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ مَعْلُومَةٌ ثُمَّ اصْطَلَحَا جَازَتْ شَهَادَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ إذَا طَالَ الْأَمْرُ وَاسْتُحِقَّ الصُّلْحُ وَظَهَرَتْ بَرَاءَتُهُمَا مِنْ دَخَلِ الْعَدَاوَةِ؛ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ إذَا شَهِدَ بِقُرْبِ صُلْحِهِ أَنَّهُ إنَّمَا صَالَحَهُ لِيَشْهَدَ عَلَيْهِ قَالَهُ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ: مَسْأَلَةٌ: قَوْمٌ بَيْنَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ بَيْنَ آبَائِهِمْ وَأَجْدَادِهِمْ ثُمَّ اصْطَلَحُوا فَلَا يَشْهَدُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ حَتَّى يَنْقَضِيَ الْقَرْنُ الَّذِينَ شَاهَدُوا الْفِتْنَةَ قَالَهُ مَالِكٌ فِي أَسْئِلَةِ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ وَفِي النَّوَادِرِ وَمِثْلُهُ لِابْنِ الْعَرَبِيِّ فِي الْأَحْكَامِ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} [آل عمران: 118] مِنْ الْأَحْكَامِ مِنْ مَسَائِلِ الْحُكَّامِ انْتَهَى.
ص (وَلْيُخْبِرْ بِهَا)
ش: أَيْ بِالْعَدَاوَةِ وَالْمَسْأَلَةُ فِي رَسْمِ الشَّجَرَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ وَفِي النَّوَادِرِ وَرَجَّحَ ابْنُ رُشْدٍ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ لَا يُخْبِرُ بِهَا وَانْظُرْ إذَا كَانَ الشَّاهِدُ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ الْجُرْحَةَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَذْكُرَ ذَلِكَ وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الصَّوْمِ أَنَّ مَرْجُوَّ الشَّهَادَةِ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ وَإِنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ الْجُرْحَةَ وَانْظُرْ أَوَّلَ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى وَسَمَاعِ سَحْنُونٍ وَنَوَازِلِهِ وَالنَّوَادِرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[مَسْأَلَة يَشْهَدُ بِمَا لَا يَرَى جَوَازَهُ]
(مَسْأَلَةٌ) الشَّاهِدُ يَشْهَدُ بِمَا لَا يَرَى جَوَازَهُ ذَكَرَهَا فِي الْوَاضِحَةِ وَنَقَلَهَا ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْفَصْلِ الثَّامِنِ فِي تَنْبِيهِ الْقَاضِي عَلَى أُمُورٍ عِنْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَنَصَّهُ.
وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ فِيمَنْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ عَلَى شَيْءٍ لَا يَعْتَقِدُ جَوَازَهُ قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ: سَأَلْت سَحْنُونًا عَنْ الرَّجُلِ تَكُونُ عِنْدَهُ الشَّهَادَةُ وَهُوَ مِمَّنْ لَا تَجُوزُ عِنْدَهُ وَالْقَاضِي مِمَّنْ يَرَى إجَازَتَهَا أَتَرَى عَلَى الشَّاهِدِ أَنْ يُؤَدِّيَهَا إلَى الْقَاضِي؟ قَالَ: كَيْفَ هَذِهِ الشَّهَادَةُ؟ قُلْت مِثْلُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى صَدَاقٍ مُعَجَّلٍ فِي نِكَاحٍ وَمَعَهُ مُؤَجَّلٌ لَمْ يُضْرَبُ لَهُ أَجَلٌ، فَقَالَ: مَا أَرَى أَنْ يَشْهَدَ فَإِنْ جَهِلَ الشَّاهِدُ فَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُنَبِّهَهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْهَدَ فِي ذَلِكَ انْتَهَى.

ص (وَاعْتُمِدَ فِي إعْسَارٍ بِصُحْبَةٍ وَقَرِينَةٍ صَبْرُ ضُرٍّ كَضَرَرِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ)
ش: يَعْنِي أَنَّ الشَّاهِدَ فِي الْإِعْسَارِ وَمَا أَشْبَهَهُ كَالتَّعْدِيلِ وَضَرَرِ الزَّوْجَيْنِ يَجُوزُ لَهُ

(6/160)


أَنْ يَعْتَمِدَ فِيمَا يَشْهَدُ بِهِ عَلَى الظَّنِّ الْقَوِيِّ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْدُورُ عَلَى تَحْصِيلِهِ غَالِبًا وَلَوْ لَمْ يُحْكَمْ بِمُقْتَضَاهُ لَزِمَ تَعْطِيلُ الْحُكْمِ فِي التَّعْدِيلِ وَالْإِعْسَارِ فَيُعْتَمَدُ فِي الْإِعْسَارِ عَلَى الصُّحْبَةِ وَصَبْرِهِ عَلَى الضَّرَرِ كَالْجُوعِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا يَكُونُ إلَّا مَعَ الْفَقْرِ، فَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ بِصُحْبَتِهِ بِمَعْنَى عَلَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى {مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ} [آل عمران: 75] بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ} [يوسف: 64] وقَوْله تَعَالَى {وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ} [المطففين: 30] بِدَلِيلِ {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ} [الصافات: 137] .

[مَسْأَلَة لَا يُكَلَّفُ الشُّهُودُ مِنْ أَيْنَ عَلِمُوا مَا شَهِدُوا بِهِ]
(مَسْأَلَةٌ) لَا يُكَلَّفُ الشُّهُودُ مِنْ أَيْنَ عَلِمُوا مَا شَهِدُوا بِهِ قَالَ ابْنُ سَهْلٍ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ: فَصْلٌ إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ كُفْءٌ لِلْيَتِيمَةِ، قَالَ ابْنُ لُبَابَةَ: الشَّهَادَةُ تَامَّةٌ وَلَيْسَ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَهُمْ مِنْ أَيْنَ عَلِمُوا ذَلِكَ انْتَهَى. وَقَالَ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ مِائَةُ دِينَارٍ وَلَمْ يَقُولَا أَقَرَّ بِذَلِكَ فَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا حَاكِيَانِ حَتَّى يُبَيِّنَا ذَلِكَ فَيَقُولَانِ أَقَرَّ عِنْدَنَا أَوْ أَسْلَفَهُ انْتَهَى. وَنَقَلَ ابْنُ فَرْحُونٍ عَنْ مُعِينِ الْحُكَّامِ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ ابْنِ الْحَارِثِ خِلَافُ ذَلِكَ وَنَصُّهُ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ حَارِثٍ: إذَا لَمْ يُبَيِّنْ الشُّهُودُ وَجْهَ الْحَقِّ الَّذِي شَهِدُوا فِيهِ وَلَا فَسَّرُوهُ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ حَتَّى يُبَيِّنُوا أَصْلَ الشَّهَادَةِ وَكَيْفَ كَانَتْ، فَيَقُولُونَ: أَسْلَفَهُ بِمَحْضَرِنَا أَوْ بِإِقْرَارِهِ عِنْدَنَا، وَفِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَذَكَرَ كَلَامَهُ الْمُتَقَدِّمَ ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ (تَنْبِيهٌ) وَفِي مُعِينِ الْحُكَّامِ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: ظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ عِنْدَهُمَا بِالدَّيْنِ مُجْمَلًا وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُقِرُّ وَجْهَهُ وَشَهِدُوا بِهِ أَنَّهُ يُؤْخَذُ بِذَلِكَ، وَظَاهِرُ مَا قَالَهُ ابْنُ حَارِثٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خِلَافُ هَذَا حَتَّى يَشْهَدَ بِإِقْرَارِهِ بِالسَّلَفِ أَوْ الْمُعَامَلَةِ انْتَهَى.

ص (فِيمَا رُدَّ فِيهِ لِفِسْقٍ)
ش: وَكَذَلِكَ جَمِيعُ مَوَانِعِ الشَّهَادَةِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ الْمَازِرِيُّ وَالشَّيْخُ لِابْنِ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ: أَجْمَعَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ الشَّهَادَةَ إذَا رُدَّتْ لِظِنَّةٍ أَوْ تُهْمَةٍ أَوْ لِمَانِعٍ مِنْ قَبُولِهَا ثُمَّ زَالَتْ التُّهْمَةُ أَوْ الْوَجْهُ الْمَانِعُ مِنْ قَبُولِهَا أَنَّهَا إذَا أُعِيدَتْ لَمْ تُقْبَلْ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ فِيمَا رُدَّ فِيهِ بِمَا لَوْ أَدَّى الشَّهَادَةَ وَلَمْ تُرَدَّ حَتَّى زَالَ الْمَانِعُ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ لَكِنْ بِشَرْطِ إعَادَتِهَا بَعْدَ زَوَالِ الْمَانِعِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْقَائِمُ بِشَهَادَتِهِ لِلْقَاضِي: عِنْدِي فُلَانٌ الْعَبْدُ أَوْ الصَّغِيرُ أَوْ النَّصْرَانِيُّ، فَقَالَ الْقَاضِي: لَا أُجِيزُ شَهَادَةَ هَؤُلَاءِ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ رَدًّا لِشَهَادَتِهِمْ وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ إنَّمَا هُوَ فَتْوَى قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَنَقَلَهُ فِي الشَّامِلِ.
ص (أَوْ عَلَى التَّأَسِّي)
ش: يَعْنِي أَنَّهُ يُتَّهَمُ فِي أَنْ يَجْعَلَ غَيْرَهُ مِثْلَهُ؛ لِأَنَّ الْمُصِيبَةَ إذَا عَمَّتْ هَانَتْ وَإِذَا نَدَرَتْ هَالَتْ وَلِهَذَا قَالَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَدَّتْ الزَّانِيَةُ أَنَّ النِّسَاءَ كُلَّهُنَّ يَزْنِينَ انْتَهَى مِنْ التَّوْضِيحِ.
ص (كَشَهَادَةِ وَلَدِ الزِّنَا)
ش: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لَمَّا كَانَ هَذَا الْوَصْفُ لَازِمًا لَهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ فِي طَاعَةٍ وَلَا فِسْقٍ اتَّفَقَ الْمَذْهَبُ عَلَى رَدِّ شَهَادَتِهِ فِي ذَلِكَ انْتَهَى. وَتَبِعَ فِي الِاتِّفَاقِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْمَازِرِيِّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي وَلَدِ الزِّنَا طَرِيقَانِ، الْمَازِرِيُّ: لَمْ يَخْتَلِفْ الْمَذْهَبُ فِي رَدِّ شَهَادَتِهِ فِي الزِّنَا وَقَبُولِهَا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالزِّنَا ثُمَّ ذَكَرَ الطَّرِيقَ الثَّانِيَةَ وَعَزَاهَا لِابْنِ رُشْدٍ وَنَصُّهُ: شَهَادَةُ وَلَدِ الزِّنَا فِي الزِّنَا وَفِي نَفْيِ الرَّجُلِ عَنْ أَبِيهِ جَارِيَةٌ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَنْ حُدَّ فِي شَيْءٍ هَلْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فِيهِ أَمْ لَا؟ وَالْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا مَرْدُودَةٌ انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: فِي هَذَا الْمَحَلِّ قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: وَكَذَلِكَ لَا تُقْبَلُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالزِّنَا كَاللَّعَّانِ وَالْقَذْفِ وَالْمَنْبُوذِ انْتَهَى.
ص (أَوْ مِنْ حَدٍّ فِيمَا حُدَّ فِيهِ)
ش: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَصَرَّحَ بِمَشْهُورِيَّتِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي الِاسْتِذْكَارِ نَقَلَهُ

(6/161)


فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ عَرَفَةَ فَعَزْوُ تَشْهِيرِهِ لِابْنِ رُشْدٍ قُصُورٌ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ عَنْ الْأَخَوَيْنِ: الْمَحْدُودُ فِي الزِّنَا يَتُوبُ شَهَادَتُهُ جَائِزَةٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي الزِّنَا وَالْقَذْفِ وَاللِّعَانِ وَكَذَلِكَ الْمَنْبُوذُ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فِي شَيْءٍ مِنْ وُجُوهِ الزِّنَا لَا قَذْفٍ وَلَا غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ عَدْلًا وَفِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ: مَنْ اُقْتُصَّ مِنْهُ فِي جِنَايَةٍ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ فِي مِثْلِ الْجُرْحِ الَّذِي اُقْتُصَّ مِنْهُ، ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا شُذُوذٌ أُغْرِقَ فِيهِ فِي الْقِيَاسِ قُلْت لِلشَّيْخِ عَنْ الْوَاضِحَة قَالَ الْأَخَوَانِ: مَنْ قَتَلَ عَمْدًا فَعُفِيَ عَنْهُ ثُمَّ حَسُنَتْ حَالَتُهُ جَازَتْ شَهَادَتُهُ إلَّا فِي الْقَتْلِ وَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ قِيلَ لِابْنِ كِنَانَةَ مَنْ ضَرَبَهُ الْإِمَامُ نَكَالًا أَيُنْتَظَرُ فِي قَبُولِ شَهَادَتِهِ تَوْبَتُهُ؟ قَالَ: لَيْسَ مَا يَنْكُلُ بِهِ سَوَاءٌ نَكَلَ نَاسٌ بِالْمَدِينَةِ لَهُمْ حَالٌ حَسَنَةٌ لِشَيْءٍ أَسْرَعُوا فِيهِ إلَى نَاسٍ وَشَهَادَتُهُمْ فِي ذَلِكَ تُقْبَلُ لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهِمْ مَغْمَزٌ وَمَنْ لَيْسَ بِحَسَنِ الْحَالِ إلَّا أَنَّ شَهَادَتَهُ تُقْبَلُ وَلَيْسَ بِمَشْهُورِ الْعَدَالَةِ يَأْتِي بِمَا فِيهِ النَّكَالُ الشَّدِيدُ فَلْيَنْظُرْ فِي هَذَا وَإِنَّمَا يُعْرَفُ هَذَا عِنْدَ نُزُولِهِ، وَأَمَّا الشَّتْمُ وَنَحْوُهُ وَهُوَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ يُعْرَفُ بِالصَّلَاحِ فَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (كَمُخَاصَمَةِ مَشْهُودٍ عَلَيْهِ مُطْلَقًا)
ش: أَيْ فِي حَقِّ اللَّهِ أَوْ فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ أَمَّا فِي حَقِّ اللَّهِ كَمَا لَوْ تَعَلَّقَ أَرْبَعَةٌ بِرَجُلٍ وَرَفَعُوهُ لِلْقَاضِي وَشَهِدُوا عَلَيْهِ بِالزِّنَا، وَأَمَّا فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَفِي الْقَبُولِ كَمُخَاصَمَةِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ إنْ أَرَادَ بِتَوْكِيلٍ مَنْ الْمَشْهُودِ لَهُ فَهُوَ، نَقَلَ الْبَاجِيُّ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ الْوَكِيلُ عَلَى خُصُومَةٍ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فِيمَا يُخَاصِمُ فِيهِ وَإِلَّا فَهُوَ أَحْرَى فِي عَدَمِ الْقَبُولِ انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَذَلِكَ إذَا خَاصَمَ بِغَيْرِ وَكَالَةٍ بَلْ هُوَ أَظْهَرُ.
(فَرْعٌ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي الْجُزْءِ الثَّانِي مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ فِي التَّرْجَمَةِ الَّتِي قَبْلَ تَرْجَمَةِ الرَّجُلِ يَشْهَدُ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ مَنْ وَكَّلَ رَجُلًا عَلَى طَلَبٍ فِي حَقٍّ ثُمَّ عَزَلَهُ وَتَوَلَّى الطَّلَبَ بِنَفْسِهِ فَشَهَادَةُ الْوَكِيلِ لَهُ جَائِزَةٌ انْتَهَى.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْمُخَاصَمَةَ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى مُبْطِلَةٌ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يُسْتَدَامُ فِيهِ التَّحْرِيمُ أَوْ لَا، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى مَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: إنَّهُ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافَ مَذْهَبِ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَعِنْد ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الْمُخَاصَمَةَ إنَّمَا تُبْطِلُ مَا لَا يُسْتَدَامُ فِيهِ التَّحْرِيمُ وَأَمَّا مَا يُسْتَدَامُ فِيهِ التَّحْرِيمُ فَلَا تُبْطِلُهُ الْمُخَاصَمَةُ كَمَا يَأْتِي فِي كَلَامِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمَازِرِيِّ فِيمَا حَكَى عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ الْإِطْلَاقُ كَكَلَامِ الْمُؤَلِّفِ.
(الثَّانِي) ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَيْضًا أَنَّ الْمُخَاصَمَةَ مُطْلَقًا فِي حَقِّهِ تَعَالَى مُبْطِلَةٌ وَلَوْ كَانَ الْقَائِمُ فِيهَا مِنْ أَصْحَابِ الشَّرْطِ الْمُوَكَّلِينَ بِتَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ مُقَيَّدٌ بِغَيْرِهِمْ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ، وَنَصُّهُ قَالَ فِي رَسْمِ أَوْصَى مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي صَاحِبِ السُّوقِ أَخَذَ سَكْرَانَ فَسَجَنَهُ وَشَهِدَ عَلَيْهِ وَآخَرُ مَعَهُ فَقَالَ: لَا أَرَى أَنْ تَجُوزَ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ خَصْمًا حِينَ سَجَنَهُ وَلَوْ رَفَعَهُ إلَى غَيْرِهِ قَبْلَ أَنْ يَسْجُنَهُ وَشَهِدَ مَعَ الرَّجُلِ جَازَتْ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ: إنَّمَا جَازَتْ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ وَإِنْ أَخَذَهُ فَرَفَعَهُ مَا لَمْ يَسْجُنْهُ؛ لِأَنَّ مَا فَعَلَ مِنْ أَخْذِهِ وَرَفْعِهِ لَازِمٌ لَهُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ مُوَكَّلٌ بِالْمَصْلَحَةِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُ السُّوقِ مُوَكَّلًا بِالْمَصْلَحَةِ فَأَخَذَ سَكْرَانَ فَرَفَعَهُ إلَى غَيْرِهِ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ عَلَى مَا قَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ بَعْدَهَا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

[مَسْأَلَة أَرْبَعَة نَفَرٍ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا فَتَعَلَّقُوا بِهِ فَأَتَوْا بِهِ إلَى السُّلْطَانِ وَشَهِدُوا عَلَيْهِ]
(مَسْأَلَةٌ) وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي أَرْبَعَةِ نَفَرٍ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا فَتَعَلَّقُوا بِهِ فَأَتَوْا بِهِ إلَى السُّلْطَانِ وَشَهِدُوا عَلَيْهِ قَالَ: لَا أَرَى أَنْ تَجُوزَ شَهَادَتُهُمْ وَأَرَاهُمْ قَذَفَةً. وَرَوَاهَا أَصْبَغُ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ، وَقَالَ مُحَمَّد بْنُ رُشْدٍ: إنَّمَا لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمْ؛ لِأَنَّ مَا فَعَلُوا مِنْ أَخْذِهِ وَتَعَلُّقِهِمْ بِهِ وَرَفْعِهِمْ إيَّاهُ إلَى السُّلْطَانِ لَا يَلْزَمُهُمْ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ بَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ لَهُمْ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مَأْمُورٌ بِالسَّتْرِ عَلَى نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِ لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ» «وَقَالَ لِهَزَّالٍ يَا هَزَّالُ لَوْ سَتَرْتَهُ بِرِدَائِك لَكَانَ خَيْرًا لَكَ»

(6/162)


فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ صَارُوا ظَالِمِينَ لَهُ وَمُدَّعِينَ الزِّنَا عَلَيْهِ وَقَذَفَةً لَهُ فَوَجَبَ عَلَيْهِمْ الْحَدُّ لَهُ إلَّا أَنْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ سِوَاهُمْ عَلَى مُعَايَنَةِ الْفِعْلِ كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ، وَلَوْ كَانُوا أَصْحَابَ شُرْطَةٍ مُوَكَّلِينَ بِتَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ وَرَفْعِهِ أَوْ أَحَدَهُمْ فَأَخَذُوهُ أَوْ أَخَذَهُ فَجَاءُوا بِهِ فَشَهِدُوا عَلَيْهِ لَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ فَعَلُوا فِي أَخْذِهِ وَرَفْعِهِ مَا يَلْزَمُهُمْ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَفِي الْوَاضِحَةِ لِمُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ أَنَّهُ إذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَا عَلَى رَجُلٍ جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ وَإِنْ كَانُوا هُمْ الْقَائِمِينَ بِذَلِكَ مُجْتَمِعِينَ جَاءُوا أَوْ مُفْتَرِقِينَ إذَا كَانَ افْتِرَاقُهُمْ قَرِيبٌ بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَا فَعَلُوا مِنْ قِيَامِهِمْ عَلَيْهِ مُبَاحًا لَهُمْ - وَإِنْ كَانَ السِّتْرُ أَفْضَلُ - لَمْ يَكُونُوا خُصَمَاءَ إذْ لَمْ يَقُومُوا لِأَنْفُسِهِمْ وَإِنَّمَا قَامُوا لِلَّهِ وَقَدْ مَضَى هَذَا الِاخْتِلَافُ مُجَرَّدًا عَنْ التَّوْجِيهِ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ هَذَا السَّمَاعِ
وَلَوْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ فِيمَا يُسْتَدَامُ فِيهِ التَّحْرِيمُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ لَجَازَتْ شَهَادَتُهُمَا فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَا هُمَا الْقَائِمِينَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ بِذَلِكَ مُتَعَيَّنٌ عَلَيْهِمَا، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: إنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَوْلِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا لِمُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَنْ قَامَ فِي حَقٍّ يُرِيدُ إتْمَامَهُ فَهُوَ يُتَّهَمُ أَنْ يَزِيدَ فِي شَهَادَتِهِ لِيُتِمَّ مَا قَامَ فِيهِ وَهُوَ عِنْدِي بَعِيدٌ انْتَهَى. وَكَرَّرَهَا فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الْحُدُودِ وَالْقَذْفِ وَذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ كَلَامَهُ عَلَيْهَا بِالْحَرْفِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ قَدَّمَهُ غَيْرَ أَنَّهُ زَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ فِي آخِرِ الشَّرْحِ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ لَفْظَ وَأَصْبَغَ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَقَالَ بَعْدَهُ: وَوُجِّهَ ذَلِكَ بِأَنَّ كُلَّ مَنْ قَامَ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ، فَجَعَلَ وُجِّهَ فِعْلًا مَاضِيًا مُسْنَدًا إلَى ضَمِيرِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ كَذَا رَأَيْته هُنَاكَ مَضْبُوطًا بِالْقَلَمِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: " بِأَنْ " بِإِدْخَالِ الْبَاءِ عَلَى أَنَّ بِخِلَافِ مَا فِي هَذَا الْمَحَلِّ فَإِنَّهُ وَجْهٌ فِيهِ مَصْدَرٌ مِمَّا يَظْهَرُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ إدْخَالُ اللَّامِ عَلَى أَنَّ وَالظَّاهِرُ مَا فِي الْحُدُودِ فَلَعَلَّ مَا هُنَا تَصْحِيفٌ مِنْ النَّاسِخِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي تَعْلِيلِهِ شَيْءٌ فَإِنَّهُ فِي أَوَّل الْكَلَامِ جَعَلَ فِعْلَهُمْ مِنْ الرَّفْعِ وَعَدَمِ السِّتْر مَكْرُوهًا ثُمَّ جَعَلَهُ مُبَاحًا، وَالْمُبَاحُ مُبَايِنٌ لِلْمَكْرُوهِ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ الْجَائِزَ فَإِنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى مَا يَشْمَلُ الْمَكْرُوهَ وَالْمُبَاحَ وَالْمَنْدُوبَ وَالْوَاجِبَ كَمَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْكِتَابِ عَنْ الْقَرَافِيِّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْعَدَاوَةِ قُلْت فَشَهَادَةُ مَنْ رَفَعَ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُوَلًّى عَلَى ذَلِكَ مَقْبُولَةٌ وَفِي غَيْرِ الْمُوَلَّى ثَالِثُهَا إنْ كَانَ فِيمَا يُسْتَدَامُ فِيهِ التَّحْرِيمُ الْأَوَّلُ لِلْأَخَوَيْنِ، الثَّانِي لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَا لَا يُسْتَدَامُ تَحْرِيمُهُ، الثَّالِثُ لِابْنِ رُشْدٍ مُحْتَجًّا بِأَنَّ الْقِيَامَ بِهِ مُتَعَيَّنٌ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي هَذَا الْمَحَلِّ: قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَاخْتُلِفَ إذَا قَامَ الشُّهُودُ وَخَاصَمُوا فِي حُقُوقِ اللَّهِ فَأَسْقَطَ ابْنُ الْقَاسِمِ شَهَادَتَهُمْ؛ لِأَنَّ خِصَامَهُمْ عَلَمٌ عَلَى شِدَّةِ الْحِرْصِ عَلَى إنْفَاذِ شَهَادَتِهِمْ وَالْحُكْمِ بِهَا وَشِدَّةُ الْحِرْصِ قَدْ تَحْمِلُ عَلَى تَحْرِيفِهَا أَوْ زِيَادَةٍ فِيهَا قَالَ مُطَرِّفٌ: شَهَادَتُهُمْ تَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ فِي أُمُورِ الْآخِرَةِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْعَدَاوَةَ فِي حَقِّ اللَّهِ لَا تُؤَثِّرُ فِي الشَّهَادَةِ وَذَكَرَ الْبَاجِيُّ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَصْمٍ وَلَا ظَنِينٍ، مَنْ قَامَ يَطْلُبُ حَقَّ اللَّهِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ فِيهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّة وَقَالَ مُطَرِّفٌ: شَهَادَتُهُ جَائِزَةٌ انْتَهَى. قُلْت وَنَحْوُهُ لِابْنِ رُشْدٍ وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ كَلَامِهِ فِي ذِكْرِ الْخُصُومَةِ فَجَعَلَ الْمَازِرِيُّ الْمَانِعَ حِرْصَهُ عَلَى الْقَبُولِ، خِلَافُ كَوْنِهِ الْخُصُومَةَ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ مِنْ الرُّكْنِ السَّادِسِ مِنْ الْبَابِ الْخَامِسِ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ: مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَكْتُمَهَا وَيَلْزَمُهُ إذَا دُعِيَ أَنْ يَقُومَ بِهَا وَإِنْ لَمْ يُدْعَ فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ حَقًّا لِلَّهِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ حَقًّا لَآدَمِيٍّ فَالْأَوَّلُ عَلَى قِسْمَيْنِ مَا لَا يُسْتَدَامُ فِيهِ عَلَى التَّحْرِيمِ وَمَا يُسْتَدَامُ فِيهِ فَالْأَوَّلُ كَالزِّنَا وَالشُّرْبِ وَشِبْهِهِ فَلَا يَضُرُّ تَرْكُ إخْبَارِهِ بِالشَّهَادَةِ

(6/163)


لِأَنَّ ذَلِكَ سَتْرٌ عَلَيْهِ وَأَشَارَ ابْنُ رُشْدٍ إلَى أَنَّ هَذَا فِي حَقِّ مَنْ يَنْدُرُ مِنْهُ وَأَمَّا مَنْ كَثُرَ مِنْهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ وَإِنْ عَلِمَ الْإِمَامُ بِذَلِكَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ: يَكْتُمُونَهُ الشَّهَادَةَ وَلَا يَشْهَدُوا بِذَلِكَ إلَّا فِي تَجْرِيحٍ إنْ شَهِدَ عَلَى أَحَدٍ (وَالثَّانِي) كَالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ وَالْخُلْعِ وَالرَّضَاعِ وَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ وَتَمَلُّكِ الْأَحْبَاسِ وَالْقَنَاطِرِ وَشِبْهِهِ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يُخْبِرَ بِشَهَادَتِهِ وَيَقُومَ بِهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ، فَإِنْ لَمْ يُخْبِرْ بِشَهَادَتِهِ سَقَطَتْ؛ لِأَنَّ سُكُوتَهُ عَنْ ذَلِكَ جُرْحَةٌ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ أَنَّ لَهُمْ عُذْرًا فِي عَدَمِ الْقِيَامِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ اُخْتُلِفَ فِي تَجْرِيحِ الشَّاهِدِ بِذَلِكَ وَاخْتُلِفَ فِي بُطْلَانِ شَهَادَتِهِ بِالسُّكُوتِ فَإِنْ كَانَ الْمُنْكِرُ هُوَ الْقَائِمُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْقَائِمُ بِالشَّهَادَةِ فَاخْتُلِفَ هَلْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ أَمْ لَا؟ وَذَهَبَ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ إذَا كَانَ هُوَ الْقَائِمُ بِهَا، وَذَهَبَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ إلَى أَنَّ شَهَادَتَهُ جَائِزَةٌ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ لَوْ كَانُوا جَمَاعَةً هُمْ الْقَائِمُونَ عَلَيْهِ وَهُمْ الشُّهُودُ انْتَهَى.
وَقَالَ بَعْدَهُ تَنْبِيهٌ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَسْأَلَةُ صَاحِبِ الشُّرْطَةِ وَذَكَرَ مَسْأَلَةَ الْبَيَانِ الْمُتَقَدِّمَةُ وَحَاصِلُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ مَا حَكَاهُ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ الَّذِي هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقَاتِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَلَا شَكَّ فِي ظُهُورِ الْفَرْقِ بَيْنَ وُجُوبِ رَفْعِ الشَّهَادَةِ وَسُقُوطِهَا بِكَوْنِ الشَّاهِدِ هُوَ الْمُدَّعِي، فَرَفْعُ الشَّهَادَةِ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَالْإِخْبَارُ بِهَا مِنْ غَيْرِ مُخَاصَمَةٍ فِيمَا يُسْتَدَامُ فِيهِ التَّحْرِيمُ وَاجِبٌ غَيْرُ مُسْقِطٍ لِلشَّهَادَةِ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَفِي مَحْضِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى تَجِبُ الْمُبَادَرَةُ بِالْإِمْكَانِ إنْ اُسْتُدِيمَ تَحْرِيمُهُ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الرَّافِعُ هُوَ الْمُخَاصِمُ فَتَسْقُطُ الشَّهَادَةُ كَمَا أَطْلَقَهُ هُنَا فِي قَوْلِهِ: كَمُخَاصَمَةِ مَشْهُودٍ عَلَيْهِ مُطْلَقًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَانْظُرْ الشِّفَاءَ فِي الشَّهَادَةِ بِشَيْءٍ فِي حَقِّ الْجَنَابِ الْعَلِيِّ.
(فَرْعٌ) قَالَ فِي الطُّرَرِ فِي تَرْجَمَةِ عَدَاوَةٍ: إذَا قَامَ أَهْلُ مَسْجِدٍ فِي حُبَاسَةِ مَسْجِدِهِمْ أَوْ حَقِّهِ عَلَى رَجُلٍ وَشَهِدُوا فِيهِ وَأَنْكَرَ الرَّجُلُ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمْ خُصَمَاؤُهُ فَإِنْ قَامَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ قَائِمٌ وَشَهِدَ غَيْرُهُ جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا خُصَمَاءَ انْتَهَى.
(فَائِدَةٌ) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي كِتَابِ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ قَالَ فِي الْإِكْمَالِ: وَهَذَا السِّتْرُ فِي غَيْرِ الْمُشْتَهِرِينَ وَأَمَّا الْمُتَكَشِّفُونَ الْمُشْتَهِرُونَ الَّذِينَ تَقَدَّمَ إلَيْهِمْ فِي السِّتْرِ وَسُتِرُوا غَيْرَ مَرَّةٍ فَلَمْ يَدَعُوا وَتَمَادَوْا فَكَشْفُ أَمْرِهِمْ وَقَمْعُ شَرِّهِمْ مِمَّا يَجِبُ؛ لِأَنَّ كَثْرَةَ السَّتْرِ عَلَيْهِمْ مِنْ الْمُهَاوَدَةِ عَلَى مَعَاصِي اللَّهِ وَمُصَانَعَةِ أَهْلِهَا، وَهَذَا أَيْضًا فِي سَتْرِ كَشْفِ مَعْصِيَةٍ انْقَضَتْ وَفَاتَتْ فَأَمَّا إذَا عُرِفَ انْفِرَادُ رَجُلٍ بِعَمَلِ مَعْصِيَةٍ أَوْ اجْتِمَاعُهُمْ لِذَلِكَ فَلَيْسَ السَّتْرُ هَهُنَا السُّكُوتُ عَلَى ذَلِكَ وَتَرْكُهُمْ وَإِيَّاهَا بَلْ يَتَعَيَّنُ عَلَى مَنْ عَرَفَ ذَلِكَ إذَا أَمْكَنَهُ تَنْفِيرُهُمْ عَنْ ذَلِكَ بِكُلِّ حَالٍ وَتَغْيِيرُهُ وَإِنْ لَمْ يُتَّفَقْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِكَشْفِهِ لِمَنْ يُعِينُهُ أَوْ السُّلْطَانِ، وَأَمَّا إيضَاحُ حَالِ مَنْ يُضْطَرُّ إلَى كَشْفِهِ مِنْ الشُّهُودِ وَالْأُمَنَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ فَبَيَانُ حَالِهِمْ مِمَّنْ يُقْبَلُ مِنْهُ وَيُنْتَفَعُ بِهِ مِمَّا يَجِبُ عَلَى أَهْلِهِ، فَأَمَّا الشَّاهِدُ فَعِنْدَ طَلَبِ ذَلِكَ مِنْهُ لِتَجْرِيحِهِ أَوْ إذَا رَأَى حُكْمًا يَقْطَعُ بِشَهَادَتِهِ وَقَدْ عُلِمَ مِنْهُ مَا يُسْقِطُهَا فَيَجِبُ رَفْعُهَا، وَأَمَّا فِي أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَحَمَلَةِ الْعِلْمِ الْمُقَلَّدِينَ فَيَجِبُ كَشْفُ أَحْوَالِهِمْ السَّيِّئَةِ لِمَنْ عَرَفَهَا مِمَّنْ يُقَلَّدُ فِي ذَلِكَ وَيُلْتَفَت إلَى قَوْلِهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِمْ وَيُقَلَّدَ فِي دِينِ اللَّهِ مَنْ لَا يَجِبُ، عَلَى هَذَا اجْتَمَعَ رَأْيُ الْأَئِمَّةِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا وَلَيْسَ السَّتْرُ هَهُنَا بِمُرَغَّبٍ فِيهِ وَلَا مُبَاحٍ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِثْمِ فِي كَشْفِهِ وَرَفْعِهِ إلَى السُّلْطَانِ وَإِنَّمَا فِيهِ التَّرْغِيبُ عَلَى سَتْرِهِ وَلَا خِلَافَ أَنَّ رَفْعَهُ لَهُ وَكَشْفَهُ لِمَعْصِيَةِ اللَّهِ مُبَاحٌ لَهُ غَيْرُ مَكْرُوهٍ وَلَا مَمْنُوعٍ إنْ كَانَتْ لَهُ نِيَّةٌ مِنْ أَجْلِ عِصْيَانِهِ لِلَّهِ وَلَمْ يَقْصِدْ كَشْفَ سِتْرِهِ وَالِانْتِقَامَ مِنْهُ مُجَرَّدًا فَهَذَا يُكْرَهُ لَهُ اهـ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَحْرُمُ بِهَذَا الْقَصْدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 19] وَالظَّاهِرُ أَيْضًا أَنَّ السَّتْرَ إذَا خَلَا عَنْ الْقُيُودِ الَّتِي ذَكَرَهَا أَوَّلًا يَكُونُ مَنْدُوبًا إلَيْهِ لِلْحَدِيثِ

(6/164)


الْمُتَقَدِّمِ وَأَنَّهُ يُكْرَهُ الرَّفْعُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

[فَرْعٌ الْجَارُ يُظْهِرُ شُرْبَ الْخَمْرِ وَغَيْرَهُ]
(فَرْعٌ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ: قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ: الْجَارُ يُظْهِرُ شُرْبَ الْخَمْرِ وَغَيْرَهُ فَلْيَتَقَدَّمْ إلَيْهِ وَيَنْهَهُ فَإِنْ انْتَهَى وَإِلَّا رَفَعَ أَمْرَهُ إلَى الْإِمَامِ، وَالشُّرْطِيُّ يَأْتِيه رَجُلٌ يَدْعُوهُ إلَى نَاسٍ فِي بَيْتٍ عَلَى شَرَابٍ قَالَ: أَمَّا الْبَيْتُ الَّذِي لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ مِنْهُ فَلَا يَتْبَعْهُ، وَإِنْ كَانَ بَيْتًا مَعْلُومًا بِالسُّوءِ قَدْ تَقَدَّمَ إلَيْهِ فِيهِ فَلْيَتْبَعْهُ الشُّرْطِيُّ انْتَهَى. مِنْ التَّرْجَمَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ.
ص (أَوْ شَهِدَ وَحَلَفَ)
ش: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ مِنْ جَهَلَةِ الْعَوَامّ فَإِنَّهُمْ يَتَسَامَحُونَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي عِنْدِي أَنْ يُعْذَرُوا بِهِ (فَإِنْ قُلْت) هَذَا الْوَجْهُ مِنْ الْحِرْصِ لَا يَدُلُّ عَلَى ضَعْفٍ فِي الشَّهَادَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ وَعَلَى مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ (قُلْتُ) قَدْ قِيلَ إنَّ الْحُكْمَ مَنْسُوخٌ وَبِتَقْدِيرِ كَوْنِهِ مُحْكَمًا فَالشُّهُودُ لَمْ يَبْدَءُوا بِالْيَمِينِ وَإِنَّمَا طُلِبَتْ مِنْهُمْ فَلَا يَضُرُّ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ فِي قَوْلِهِ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ» : يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْحَلِفَ فِي الشَّهَادَةِ يُبْطِلُهَا. قَالَ: وَحَكَى ابْنُ شَعْبَانَ فِي الزَّاهِي مَنْ قَالَ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ كَذَا لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ حَلَّافٌ وَلَيْسَتْ بِشَهَادَةٍ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: وَالْمَعْرُوفُ عَنْ مَالِكٍ خِلَافُهُ انْتَهَى.

ص (أَوْ رَفَعَ قَبْلَ الطَّلَبِ فِي مَحْضِ حَقِّ الْآدَمِيِّ)
ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: نَعَمْ، قَالَ عُلَمَاؤُنَا: يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُعْلِمَ صَاحِبَهُ بِهِ إنْ كَانَ حَاضِرًا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: ذَلِكَ مُبْطِلٌ لِشَهَادَتِهِ، قَالَ الْأَخَوَانِ: إلَّا أَنْ يَعْلَمَ صَاحِبُ الْحَقِّ بِعِلْمِهِمْ وَجَعَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ تَفْسِيرًا وَقَالَ سَحْنُونٌ: لَا يَكُونُ ذَلِكَ جُرْحَةٌ إلَّا فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ إنْ كَانَ حَاضِرًا فَقَدْ تَرَكَ حَقَّهُ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا فَلَيْسَ لِلشَّاهِدِ شَهَادَةٌ، وَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّهُ إذَا كَانَ حَاضِرًا لَا يَعْلَمُ أَنَّ تِلْكَ الرِّبَاعِ لَهُ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ أَبُوهُ أَعَارَهَا أَوْ أَكْرَاهَا لِمَنْ هِيَ بِيَدِهِ فَبَاعَهَا الَّذِي هِيَ بِيَدِهِ وَالْوَلَدُ لَا يَعْلَمُ أَنَّهَا لِأَبِيهِ أَنَّ عَلَى الشَّاهِدِ أَنْ يَعْلَمَ بِذَلِكَ وَإِلَّا بَطَلَتْ شَهَادَتُهُ الْبَاجِيُّ وَعِنْدِي أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ جُرْحَةً إذَا عَلِمَ أَنَّهُ إنْ كَتَمَ وَلَمْ يُعْلِمْ بِشَهَادَتِهِ بَطَلَ الْحَقُّ أَوْ دَخَلَ بِذَلِكَ مَضَرَّةٌ أَوْ مَعَرَّةٌ وَأَمَّا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُ الْقِيَامُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي لَعَلَّ صَاحِبَ الْحَقِّ تَرَكَهُ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَيَنْبَغِي لِهَذَا الشَّاهِدِ أَنْ يُنْكِرَ عَلَى الْمُتَصَرِّفِ فِي مَالِ غَيْرِهِ وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ فَلَا يَقُلْ لَا أُخْبِرُ بِهَا إلَّا عِنْدَ الْحَاكِمِ وَلَكِنْ لِيُخْبِرْ بِهَا لَعَلَّهُ يَرْجِعُ أَوْ يَرْعَوِي» وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ حَالُ الْحَاضِرِ تَبْطُلُ الشَّهَادَةُ بِتَرْكِ إعْلَامِ الْحَاضِرِ بِهَا لَا بِتَرْكِ رَفْعِهَا لِلسُّلْطَانِ قُلْت إلَّا أَنْ يَكُونَ رَبُّهَا مَنْ هُوَ إلَى نَظَرِ السُّلْطَانِ كَالْيَتِيمِ الْمُهْمَلِ انْتَهَى.

ص (وَفِي مَحْضِ حَقِّ اللَّهِ تَجِبُ الْمُبَادَرَةُ إلَخْ)
ش: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: إنْ كَانَ هُنَاكَ غَيْرُهُ مِمَّنْ يَتِمُّ الْحُكْمُ بِشَهَادَتِهِ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْمُبَادَرَةُ تَحْصِيلًا لِفَرْضِ الْكِفَايَةِ فَإِنْ أَبَى غَيْرُهُ أَوْ مَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ مَانِعٌ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْقِيَامُ انْتَهَى.
ص (كَعِتْقٍ وَطَلَاقٍ وَوَقْفٍ وَرَضَاعٍ)
ش: نَحْوُهُ لِابْنِ الْحَاجِبِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَيَّدَ ابْنُ شَاسٍ الْوَقْفَ بِأَنْ يَكُونَ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنِينَ وَأَطْلَقَ الْقَوْلَ فِيهِ الْبَاجِيُّ

(6/165)


وَابْنُ رُشْدٍ انْتَهَى. وَفِي كَوْنِ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مِنْ مَحْضِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدِي نَظَرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) بِهَذَا الْقِسْمِ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ انْدَفَعَ التَّعَارُضُ بَيْنَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَعْرِضِ الذَّمِّ «ثُمَّ يَكُونُ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ» وَقَوْلُهُ «تَبْدُرُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ» وَبَيْنَ قَوْلِهِ فِي مَعْرِضِ الْمَدْحِ «أَلَا أُخْبِركُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ الَّذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا» فَحُكْمُ الْأَوَّلِ عَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّانِي عَلَى الثَّانِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَإِلَّا خُيِّرَ كَالزِّنَا)
ش: تَقَدَّمَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ كَمُخَاصَمَةِ مَشْهُودٍ عَلَيْهِ أَنَّ السَّتْرَ أَوْلَى

(6/166)


وَالرَّفْعَ مَكْرُوهٌ وَهَذَا فِي حَقِّ مَنْ يَنْدُرُ مِنْهُ وَأَمَّا فِي حَقِّ مَنْ يَكْثُرُ ذَلِكَ مِنْهُ فَلْيَرْفَعْهُ كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي كَلَامِ ابْنِ فَرْحُونٍ وَابْنِ رُشْدٍ وَالْقَاضِي عِيَاضٍ بَلْ أَوَّلُ كَلَامِ عِيَاضٍ يَقْتَضِي أَنَّ الرَّفْعَ وَاجِبٌ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (بِخِلَافِ الْحِرْصِ عَلَى التَّحَمُّلِ)
ش: قَالَ ابْن الْحَاجِبِ: فَفِي التَّحَمُّلِ كَالْمُخْتَفِي، فَتَحَمُّلُهَا لَا يَضُرُّ كَالْمُخْتَفِي عَلَى الْمَشْهُورِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مَخْدُوعًا أَوْ خَائِفًا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَلَيْسَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ تَقْيِيدًا لِلْمَشْهُورِ بَلْ هُوَ مِنْ تَمَامِهِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلَيْنِ قَعَدَا لِرَجُلٍ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ يَشْهَدَانِ عَلَيْهِ قَالَ: إنْ كَانَ ضَعِيفًا أَوْ مَخْدُوعًا أَوْ خَائِفًا لَمْ يَلْزَمْهُ وَيَحْلِفُ مَا أَقَرَّ إلَّا بِمَا ذُكِرَ، وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ لَزِمَهُ وَلَعَلَّهُ يُقِرُّ خَالِيًا وَيَأْبَى مِنْ الْبَيِّنَةِ فَهَذَا يَلْزَمُهُ مَا سُمِعَ مِنْهُ. قِيلَ: فَرَجُلٌ لَا يُقِرُّ إلَّا خَالِيًا أَقْعُدُ لَهُ بِمَوْضِعٍ لَا يَعْلَمُ لِلشَّهَادَةِ عَلَيْهِ؟ قَالَ: لَوْ أَعْلَمُ أَنَّك تَسْتَوْعِبُ أَمْرَهُمَا، وَلَكِنِّي أَخَافُ أَنْ تَسْمَعَ جَوَابَهُ لِسُؤَالِهِ وَلَعَلَّهُ يَقُولُ لَهُ فِي سِرٍّ: إنْ جِئْتُك بِكَذَا مَا الَّذِي لِي عَلَيْك؟ فَيَقُولُ لَهُ: عِنْدِي كَذَا. فَإِنْ قَدَرَتْ أَنْ تُحِيطَ بِسِرِّهِمْ فَجَائِزٌ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ شَهَادَةُ الْمُخْتَفِي لَا خَفَاءَ فِي رَدِّهَا عَلَى الْقَوْلِ بِلَغْوِ الشَّهَادَةِ عَلَى إقْرَارِ الْمُقِرِّ دُونَ قَوْلِهِ اشْهَدُوا عَلَيَّ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِيهَا فَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ فَمَنَعَهَا سَحْنُونٌ مُطْلَقًا وَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَ لَهُ الِاخْتِفَاءَ لِتَحَمُّلِهَا وَقَبُولِهَا إنْ شَهِدَ بِهَا وَهُمْ الْأَكْثَرُ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ عِيسَى هُنَا، خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي تَفْرِقَتِهِ بَيْنَ مَنْ يُخْشَى أَنْ يُخْدَعَ لِضَعْفِهِ وَجَهْلِهِ وَبَيْنَ مَنْ يُؤْمَنُ ذَلِكَ مِنْهُ، وَلَوْ أَنْكَرَ الضَّعِيفُ الْجَاهِلُ الْإِقْرَارَ جُمْلَةً لَزِمَتْهُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يُصَدَّقُ فِيهِ مَعَ يَمِينِهِ إذَا قَالَ: إنَّمَا أَقْرَرْت لِوَجْهِ كَذَا مِمَّا يُشْبِهُ. انْتَهَى. وَدَلَّ

(6/167)


الْمَشْهُورُ هُنَا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الشَّهَادَةِ قَوْلُ الْمُقِرِّ لِلشَّهَادَةِ أَشْهَدُ عَلَى، ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَفِي ذَلِكَ قَوْلَانِ. وَذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ بَاعَ شَاةً مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ الْقَوْلَيْنِ وَذَكَرَ أَنَّ الْقَوْلَ بِجَوَازِهَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَقَوْلُ أَشْهَبَ وَسَحْنُونٍ وَعِيسَى بْنِ دِينَارٍ وَكَافَّةِ أَصْحَابِ مَالِكٍ انْتَهَى. قَالَ الدَّمَامِينِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْبُخَارِيِّ: فَإِذَا صَرَّحَ الْمُقِرُّ بِالْإِشْهَادِ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يَكْتُبَ الشَّاهِدُ أَشْهَدَنِي بِذَلِكَ فَشَهِدْت عَلَيْهِ بِهِ حَتَّى يَخْلُصَ الْخَصْمُ مِنْ الْخِلَافِ انْتَهَى. وَانْظُرْ آخِرَ سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَجَعْلُ الْمَازِرِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ عِلَّةَ رَدِّ شَهَادَةِ الْمُخْتَفِي الْحِرْصَ عَلَى التَّحَمُّلِ بَعِيدٌ فَتَأَمَّلْهُ انْتَهَى.
ص (وَلَا إنْ جَرَّ بِهَا)
ش: يَعْنِي أَنَّ شَهَادَةَ الشَّاهِدِ إذَا كَانَتْ تَجُرُّ لَهُ نَفْعًا فَلَا تَجُوزُ وَهَذَا ظَاهِرٌ.

[فَرْعٌ شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ فِي حَقّ لَهُ عَلَيْهِ فَحِنْث]
(فَرْعٌ) قَالَ فِي رَسْمِ الْقَضَاءِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ فِي حَقٍّ لَهُ عَلَيْهِ لِيَدْفَعَنَّهُ إلَيْهِ فَحَنِثَ فَقَالَ: مَا هُوَ بِجَائِزِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لَيْسَ إسْقَاطُ شَهَادَتِهِ فِي هَذَا بِبَيِّنٍ وَكَانَ الْأَظْهَرُ أَنْ تَجُوزَ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ حَنِثَ؛ لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ عَلَيْهِ لَا يَدْعُوهُ إلَى أَنْ يُعَجِّلَ حَقَّهُ وَإِنَّمَا يَدْعُوَهُ بِالطَّلَاقِ لِيَقْضِيَنَّهُ إلَى أَجَلٍ مَخَافَةَ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ إنْ لَمْ يَقْضِهِ قَبْلَ الْأَجَلِ لِمَا كَانَ لَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَحْنَثَ وَالْحَقُّ عَلَيْهِ لَمْ يَدْفَعْهُ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ لِاتِّهَامِهِ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا شَهِدَ عَلَيْهِ لِيُعَجِّلَ لَهُ الْقَضَاءَ وَلَا يَحْنَثَ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ إذَا شَهِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ حَنِثَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ قَدْ ادَّعَى ذَلِكَ عَلَيْهِ قَبْل الْحِنْثِ فَأَرَادَ أَنْ يُحَقِّقَ دَعْوَاهُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْحِنْثِ لِشَهَادَتِهِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْحِنْثِ وَهُوَ ضَعِيفٌ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَمْ يَذْكُرْ فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَإِنَّمَا ذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ عَلَى سَبِيلِ الْبَحْثِ.
وَقَدْ نَقَلَ فِي النَّوَادِرِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ فِي أَوَّلِ الْجُزْءِ الثَّانِي مِنْ الشَّهَادَاتِ فِي تَرْجَمَةِ شَهَادَةِ الْأَجِيرِ وَالشَّرِيكِ وَالْمُقَارِضِ وَالْغَرِيمِ عَنْ الْمَجْمُوعَةِ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ وَنَصُّهُ مِنْ الْمَجْمُوعَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَإِذَا غَرِمَ الْجَمِيلُ مَا تَحَمَّلَ بِهِ ثُمَّ قَدِمَ الْمَطْلُوبُ فَأَنْكَرَ الْحِمَالَةَ فَشَهِدَ الْغَرِيمُ عَلَى الْحِمَالَةِ فَلَا تَجُوزُ وَكَذَلِكَ مَنْ حَلَفَ لِغَرِيمِهِ بِالْعِتْقِ لِيَقْضِيَنَّهُ إلَى أَجَلٍ فَحَنِثَ فَقَامَ رَقِيقُهُ فَشَهِدَ لَهُمْ الطَّالِبُ بِالْحِنْثِ فَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ.
وَرَوَاهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِيهِ وَفِي الْعُتْبِيَّة وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ إنَّ شَهَادَتَهُ تَجُوزُ قَبَضَ مِنْهُ حَقَّهُ أَوْ لَمْ يَقْبِضْ، إذْ لَا يَجُرُّ بِهَا إلَى نَفْسِهِ شَيْئًا وَقَالَهُ أَصْبَغُ انْتَهَى وَقَالَ قَبْلَ هَذَا فِي تَرْجَمَةِ مَا يَلْزَمُ الرَّجُلَ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ مِمَّا عَلِمَهُ مِنْ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ الشَّهَادَاتِ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ سَمِعَ رَجُلًا حَنِثَ فِي طَلَاقٍ وَلَا يَشْهَدُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ قَالَ: فَلْيَرْفَعْهُ إلَى السُّلْطَانِ. وَكَذَلِكَ لَوْ حَنِثَ بِذَلِكَ فِي حَقِّ الشَّاهِدِ عَلَيْهِ فَلْيَرْفَعْ ذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ السُّلْطَانُ يَنْظُرُ فِي أَمْرِهِ يُرِيدُ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فِي حِنْثِهِ فِي دَيْنِهِ عَلَيْهِ وَقَدْ ذَكَرَهَا بَعْدَ هَذَا انْتَهَى. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ بَطَّالٍ فِي مُقْنِعِهِ بِلَفْظِ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فِي حِنْثِهِ فِي دَيْنِهِ.
وَانْظُرْ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ الثَّامِنَةِ مِنْ رَسْمِ الطَّلَاقِ الثَّانِي مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ مِنْ الْبَيَانِ وَانْظُرْ كَلَامَ الْبُرْزُلِيِّ فِي مَسَائِلِ الْأَيْمَانِ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ حَلَفَ بِالْحَلَالِ عَلَيْهِ حَرَامٌ لَا أَشْتَرِي مِنْهُ غَلَّةَ زَيْتُونٍ أَبَدًا ثُمَّ اشْتَرَاهَا بَعْدَ سِنِينَ وَشَهِدَ عَلَيْهِ الْبَائِعُ فَإِنَّهُ قَالَ: الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِشَهَادَتِهِ؛ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ أَنَّهُ أَرَادَ فَسْخَ صَفْقَتِهِ.

[فَرْعٌ قَالَ حَبَسْت عَلَى أَهْلِ الْحَاجَةِ مِنْ قَرَابَتِي حَبْسًا فَشَهِدَ فِيهِ مِنْهُمْ أَهْلُ الْغِنَى]
(فَرْعٌ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ: إذَا قَالَ: حَبَسْت عَلَى أَهْلِ الْحَاجَةِ مِنْ قَرَابَتِي حَبْسًا فَشَهِدَ فِيهِ مِنْهُمْ أَهْلُ الْغِنَى فَإِنْ كَانَ الْحَبْسُ يَسِيرًا بِحَيْثُ لَا يَنْفَعُ هَؤُلَاءِ إنْ احْتَاجُوا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ وَإِلَّا رُدَّتْ انْتَهَى.
مِنْ الْبَابِ الثَّامِنِ فِي آخِرِ الْمَانِعِ الثَّالِثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَصْلُهُ فِي النَّوَادِرِ فِي أَوَائِلِ الْجُزْءِ الثَّانِي مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ فِي تَرْجَمَةِ الرَّجُلِ يَشْهَدُ

(6/168)


لِغَيْرِهِ وَلِنَفْسِهِ، نُقِلَ عَنْ ابْنِ سَحْنُونٍ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْت بَعْضَ أَصْحَابِنَا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَأَجَابَ بِمَا ذَكَرَهُ وَفِي رَسْمِ الْوَصَايَا مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ نَحْوُهُ وَقَبِلَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَيْهِ بَلْ قَالَ: هَذِهِ مَسْأَلَةٌ صَحِيحَةٌ بَيِّنَةٌ.

[فَرْعٌ لَهُ عَلَى شَخْصَيْنِ حَقٌّ فَأَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَالْآخَرُ يَقُولُ دَفَعْتُهُ إلَيْهِ]
(فَرْعٌ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي التَّرْجَمَةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ النَّوَادِرِ وَمِنْ الْعُتْبِيَّةِ: رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ لَهُ قِبَلَ رَجُلَيْنِ حَقٌّ وَأَيُّهُمَا شَاءَ أَخَذَهُ بِحَقِّهِ فَأَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَالْآخَرُ يَقُولُ: أَنَا دَفَعْته إلَيْهِ فَشَهَادَةُ الْقَابِضِ لِلدَّافِعِ هَهُنَا جَائِزَةٌ إذْ لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِمَا شَيْءٌ يَجُرُّ بِهِ إلَى نَفْسِهِ شَيْئًا انْتَهَى.
وَوَقَعَتْ مَسْأَلَةٌ وَهِيَ أَنَّ رَجُلًا شَهِدَ عَلَى حَاكِمٍ بِثُبُوتِ وَقْفٍ عِنْدَهُ وَالْحَالَةُ أَنَّ الرَّجُلَ الْمَذْكُورَ لَيْسَ لَهُ الْآنَ اسْتِحْقَاقٌ فِي الْوَقْفِ حَالَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَإِنَّمَا يَئُولُ إلَيْهِ بِمُقْتَضَى مَا رَتَّبَهُ الْوَاقِفُ فَهَلْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي ذَلِكَ فَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ لَا يَحْصُلُ لَهُ انْتِفَاعٌ بِهَذَا الشَّيْءِ الْمَوْقُوفِ إذَا صَارَ مِنْ أَهْلِهِ بِأَنْ يَكُونَ الْوَقْفُ يَسِيرًا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وَإِلَّا رُدَّتْ قِيَاسًا عَلَى الْفَرْعِ الْمُتَقَدِّمِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَالْمَسْأَلَةُ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ الشَّهَادَاتِ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ أَيْضًا فِي النَّوَادِرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[مَسْأَلَةٌ شَهِدَ الشَّاهِدَانِ عَلَى حُكْمِ قَاضٍ عُزِلَ أَوْ مَاتَ وَقَالَا كَانَ الْقَاضِي حَكَمَ بِشَهَادَتِنَا]
(مَسْأَلَةٌ) إذَا شَهِدَ الشَّاهِدَانِ عَلَى حُكْمِ قَاضٍ عُزِلَ أَوْ مَاتَ وَقَالَا: كَانَ الْقَاضِي حَكَمَ بِشَهَادَتِنَا فَهَلْ تَبْطُلُ شَهَادَتُهُمَا عَلَى الْحُكْمِ وَعَلَى أَصْلِ الشَّهَادَةِ أَوْ تَجُوزُ عَلَى الْحُكْمِ أَوْ لَا تَجُوزُ عَلَى الْحُكْمِ وَتَجُوزُ عَلَى أَصْلِ الشَّهَادَةِ؟ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَظْهَرُهَا رِوَايَةُ يَحْيَى أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْحُكْمِ جَائِزَةٌ وَلَا يَضُرُّهُمَا مَا ذَكَرَاهُ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ كِرَاءِ الدُّورِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ الشَّهَادَاتِ.

[مَسْأَلَة شَهِدَ شَاهِدٌ بِطَلَاقِ امْرَأَة مِنْ زَوْجِهَا فَأَثْبَتَ زَوْجُهَا أَنَّهُ كَانَ يَخْطُبُهَا]
(مَسْأَلَةٌ) إذَا شَهِدَ شَاهِدٌ بِطَلَاقِ امْرَأَةٍ مِنْ زَوْجِهَا فَأَثْبَتَ زَوْجُهَا أَنَّهُ كَانَ يَخْطُبُهَا فَهَلْ تَسْقُطُ بِذَلِكَ شَهَادَتُهُ وَلَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ يَمِينٌ؟ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا فِي النَّوَادِرِ.
(فَائِدَةٌ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: يَجُوزُ قَبُولُ أَخْبَارِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الرَّاوِي لَهَا الْعَدْلِ وَإِنْ كَانَ جَرَّ لِنَفْسِهِ بِذَلِكَ نَفْعًا أَوْ وَلَدِهِ أَوْ سَاقَ بِذَلِكَ مَضَرَّةً لِعَدُوِّهِ كَإِخْبَارِهِ عَنْ الْخَوَارِجِ انْتَهَى.

[مَسْأَلَة شَهِدَ شَهَادَةً تُؤَدِّي إلَى رِقِّهِ]
(مَسْأَلَةٌ) مَنْ شَهِدَ شَهَادَةً تُؤَدِّي إلَى رِقِّهِ فَقَالَ أَصْبَغُ فِي نَوَازِلِهِ: إنَّهَا لَا تَجُوزُ وَنَصَّهُ، وَسَمِعْته أَيْ أَصْبَغَ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ أَعْتَقَ عَبْدَيْنِ لَهُ فَشَهِدَا بَعْدَ عِتْقِهِمَا أَنَّ الَّذِي أَعْتَقَهُمَا غَصَبَهُمَا مِنْ رَجُلٍ مَعَ مِائَةِ دِينَارٍ أَنَّ شَهَادَتَهُمَا تَجُوزُ فِي الْمِائَةِ وَلَا تَجُوزُ فِي غَصْبِهِ رِقَابَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا يُتَّهَمَانِ أَنْ يُرِيدَا إرْقَاقَ أَنْفُسِهِمَا وَلَا يَجُوزُ لِحُرٍّ أَنْ يُرِقَّ نَفْسَهُ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَلِسَحْنُونٍ فِي كِتَابِ ابْنِهِ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا وَلَا فِي الْمِائَةِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ إذَا رُدَّ بَعْضُهَا لِلتُّهْمَةِ رُدَّتْ كُلُّهَا بِخِلَافِ إذَا رُدَّ بَعْضُهَا لِلسُّنَّةِ وَالْمَشْهُورُ إذْ رُدَّ بَعْضُ الشَّهَادَةِ لِلتُّهْمَةِ أَنْ تُرَدَّ كُلُّهَا وَقِيلَ إنَّهُ يُرَدُّ مَا لَا تُهْمَةَ فِيهِ وَهُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ هَذَا، وَالْمَشْهُورُ إذَا رُدَّ بَعْضُ الشَّهَادَةِ لِلسُّنَّةِ كَشَهَادَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَوْ امْرَأَتَيْنِ فِي وَصِيَّةٍ فِيهَا عِتْقٌ وَمَالٌ أَنْ يَجُوزَ مِنْهَا مَا أَجَازَتْهُ السُّنَّةُ وَهُوَ الشَّهَادَةُ بِالْمَالِ فَيَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ مَعَ الْيَمِينِ أَوْ بِشَهَادَةِ الْمَرْأَتَيْنِ مَعَ يَمِينٍ وَقِيلَ يَبْطُلُ الْجَمِيعُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا رُدَّ بَعْضُهَا وَجَبَ رَدُّهَا كُلُّهَا وَذَلِكَ قَائِمٌ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَحَكَاهُ الْبَرْقِيُّ عَنْ أَشْهَبَ وَجَمِيعِ جُلَسَائِهِ انْتَهَى مُخْتَصَرًا. وَذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي نَوَازِلِ أَصْبَغَ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ وَفِي مَسَائِلِ الْأَقْضِيَةِ مِنْ الْبُرْزُلِيِّ مِنْ ذَلِكَ مَسَائِلُ، وَذَكَرَ فِي نَوَازِلِ أَصْبَغَ أَيْضًا مَسْأَلَةَ مَنْ شَهِدَ شَهَادَةً تُؤَدِّي إلَى حَدِّهِ أَنَّهُ تَسْقُطُ شَهَادَتُهُ وَيُحَدُّ كَمَا إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ رَجُلًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ وَأَنَّهُمَا رَأَيَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَزْنِي بِهَا كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: الْحَدُّ سَاقِطٌ عَنْهُمَا لِسُقُوطِ شَهَادَتِهِمَا فِي الطَّلَاقِ وَقَالَ سَحْنُونٌ الشَّهَادَةُ سَاقِطَةٌ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَقِيلَ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ وَيُحَدَّانِ وَهُوَ الَّذِي يَأْتِي عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكٍ، وَقَوْلُ أَصْبَغَ فِي إيجَابِ الْحَدِّ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ وَإِنْ سَقَطَتْ شَهَادَتُهُمَا فِي الطَّلَاقِ أَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ

(6/169)


وَسَحْنُونٍ انْتَهَى. وَانْظُرْ تَوْجِيهَ الْأَقْوَالِ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (كَعَلَى مُوَرِّثِهِ الْمُحْصَنِ بِالزِّنَا)
ش: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَوَّلِ سَمَاعِ سَحْنُونٍ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ: وَإِذَا سَقَطَتْ شَهَادَتُهُمْ بِأَيِّ وَجْهٍ سَقَطَتْ وَجَبَ الْحَدُّ عَلَيْهِمْ وَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ: إذَا سَقَطَتْ شَهَادَتُهُمْ بِالظِّنَّةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَسْقُطَ بِالظِّنَّةِ أَوْ بِالْجُرْحَةِ انْتَهَى.

ص (أَوْ بِدَيْنٍ لِمَدِينِهِ)
ش: يَعْنِي أَنَّ شَهَادَةَ رَبِّ الدَّيْنِ لِلْمِدْيَانِ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَى شَخْصٍ آخَرَ لَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ أَنْ يَكُونَ شَهِدَ لَهُ بِذَلِكَ لِيَقْضِيَهُ مِنْهُ.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَيَّدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمَسْأَلَة بِكَوْنِ رَبِّ الدَّيْنِ شَهِدَ لِلْمِدْيَانِ بِدَيْنٍ وَلَا خُصُوصِيَّةَ لَلدِّينِ، وَفَرْضُهَا فِي التَّوْضِيحِ فِيمَا إذَا شَهِدَ لَهُ بِمَالٍ وَيَدْخُلُ فِيهِ مَا إذَا شَهِدَ لَهُ بِقَضَاءِ دَيْنٍ عَلَيْهِ فَإِنَّهَا شَهَادَةٌ بِمَالٍ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا سَيَأْتِي.
(الثَّانِي) أَطْلَقَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رَدِّ شَهَادَتِهِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمِدْيَانُ مَلِيئًا أَوْ مُعْسِرًا وَتَبِعَ فِي ذَلِكَ ابْنَ الْحَاجِبِ وَعَلَى ذَلِكَ اقْتَصَرَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ وَذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: (الْأَوَّلُ) رَدُّ شَهَادَتِهِ مُطْلَقًا وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ (الثَّانِي) إجَازَتِهَا لَهُ وَإِنْ كَانَ مُعْدِمًا وَعَزَاهُ لِأَشْهَبَ (الثَّالِثُ) التَّفْرِقَةُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمِدْيَانُ مُعْدِمًا فَتُمْنَعُ الشَّهَادَةُ، وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَلِيئًا فَتَجُوزُ وَتَبِعَ الْمُصَنِّفُ فِي حِكَايَةِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ وَتَبِعَهُمَا صَاحِبُ الشَّامِلِ فَقَالَ: وَلَوْ شَهِدَ رَبُّ دَيْنٍ لِمِدْيَانِهِ بَطَلَتْ عَلَى الْأَصَحِّ، وَثَالِثُهَا إنْ كَانَ مُعْسِرًا انْتَهَى. وَنَقَلَ فِي الْبَيَانِ الْقَوْلَ بِجَوَازِ شَهَادَتِهِ لَهُ مُطْلَقًا عَنْ مَالِكٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَذَكَرَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ مَالِكٍ الْقَوْلُ بِالتَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْمَلِيءِ وَالْمُعْدِمِ وَجَعَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ تَفْسِيرًا فَقَالَ فِي رَسْمِ اغْتَسَلَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ: قَالَ مَالِكٌ: شَهَادَةُ الرَّجُلِ لِرَجُلٍ وَلِلشَّاهِدِ عَلَى الْمَشْهُودِ لَهُ حَقٌّ جَائِزَةٌ ابْنُ الْقَاسِمِ بَلَغَنِي عَنْهُ إنْ كَانَ الْمَشْهُودُ لَهُ مُوسِرًا قُبِلَتْ وَإِلَّا لَمْ تُقْبَلْ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا شَهِدَ لِنَفْسِهِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: مَا بَلَغَ ابْنَ الْقَاسِمِ مِنْ تَفْرِقَةِ مَالِكٍ بَيْنَ كَوْنِ الْمَشْهُودِ لَهُ مَلِيًّا أَوْ مُعْدِمًا مُفَسِّرٌ لِمَا سَمِعَهُ مِنْهُ مُجْمَلًا وَهَذَا إنْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا أَوْ قَرُبَ الْحُلُولُ، وَإِنْ بَعُدَ جَازَتْ شَهَادَتُهُ كَمَا لَوْ كَانَ مَلِيًّا، وَشَهَادَتُهُ لَهُ فِيمَا عَدَا الْأَمْوَالِ جَائِزَةٌ قَالَهُ بَعْضُ أَهْلِ النَّظَرِ وَهُوَ صَحِيحٌ انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ ابْنُ عَرَفَةَ وَعَلَى كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ هَذَا اقْتَصَرَ ابْنُ عَرَفَةَ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا فَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ رَدِّ شَهَادَتِهِ مُطْلَقًا، وَأَيْضًا فَقَدْ نَقَلَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ الْقَوْلَ بِالتَّفْرِقَةِ عَنْ بَعْضِهِمْ وَجَعَلُوهُ خِلَافًا وَنَقَلَهُ فِي الْبَيَانِ عَنْ مَالِكٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ

(6/170)


وَجَعَلَهُ تَفْسِيرًا وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَلِذَلِكَ اعْتَمَدَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ الْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ.
(الثَّالِثُ) أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي رَدِّ الشَّهَادَةِ وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ تَقْيِيدُ الْمَسْأَلَةِ بِحُلُولِ الدَّيْنِ أَوْ قُرْبِ حُلُولِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (بِخِلَافِ الْمُنْفِقِ لِلْمُنْفَقِ عَلَيْهِ) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ وَأَمَّا عَكْسُهُ وَهُوَ شَهَادَةُ الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ لِلْمُنْفِقِ فَإِنَّهَا لَا تَجُوزُ لَهُ كَمَا نَقَلَهَا الشَّارِحُ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَنَقَلَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ أَنَّهَا جَائِزَةٌ إذَا كَانَ مُبَرِّزًا فِي الْعَدَالَةِ وَنَصُّهُ فِيمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّبْرِيزُ شَهَادَةُ الصُّنَّاعِ لِمَنْ يَكْثُرُ اسْتِعْمَالُهُمْ لِلتُّهْمَةِ فِي جَرِّ أَعْمَالِهِمْ لَهُمْ وَتَوْقِيفِهَا عَلَيْهِمْ، وَزَادَ أَيْضًا الشَّهَادَةُ لِلصَّانِعِ إذَا كَانَ مِثْلُهُ يَرْغَبُ فِي عَمَلِهِ وَلَا عِوَضَ مِنْهُ وَزَادَ أَيْضًا الْمُنْفَقُ عَلَيْهِ لِلْمُنْفِقِ انْتَهَى مِنْ الْمُتَيْطِيَّةِ وَمُعِينِ الْحُكَّامِ وَابْنُ رَاشِدٍ اهـ كَلَامَهُ، وَلَعَلَّ صَوَابَهُ الْمُنْفِقُ لِلْمُنْفَقِ عَلَيْهِ أَعْنِي الصُّورَةَ الْأُولَى الَّتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَإِلَّا فَهُوَ مُشْكِلٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَلَا مَنْ شَهِدَ لَهُ بِكَثِيرٍ وَلِغَيْرِهِ بِوَصِيَّةٍ وَإِلَّا قُبِلَ لَهُمَا)
ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ.

[مَسْأَلَة شَهَادَةُ الْوَصِيِّ عَلَى الْمَيِّتِ أَوْ لَهُ]
(مَسْأَلَةٌ)

(6/171)


وَأَمَّا شَهَادَةُ الْوَصِيِّ عَلَى الْمَيِّتِ أَوْ لَهُ فَقَالَ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الْوَصِيَّيْنِ أَوْ الْوَارِثَيْنِ بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ. ابْنُ يُونُسَ مَعَ يَمِينِ الطَّالِبِ أَنَّهُ مَا قَبَضَ مِنْهُ شَيْئًا وَلَا سَقَطَ عَنْهُ بِوَجْهٍ مَا اهـ ثُمَّ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْوَصِيِّ بِدَيْنٍ لِلْمَيِّتِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَرَثَةُ كِبَارًا وَهُمْ بِحَالِ الرُّشْدِ يَلُونَ أَنْفُسَهُمْ لَا يُتَّهَمُ عَلَى قَبْضٍ لَهُمْ فَتَجُوزُ انْتَهَى. وَفِي الْمُقَرِّبِ وَشَهَادَةُ الْوَصِيِّ عَلَى الْمَيِّتِ جَائِزَةٌ وَإِنْ شَهِدَ بِدَيْنٍ لِلْمَيِّتِ عَلَى أَحَدٍ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ يَجُرُّ إلَى نَفْسِهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْوَرَثَةُ كُلُّهُمْ كِبَارًا مَرْضِيِّينَ وَلَا يَجُرُّ بِشَهَادَتِهِ إلَى نَفْسِهِ شَيْئًا فَشَهَادَتُهُ جَائِزَةٌ وَقَالَ مَالِكٌ وَإِنْ شَهِدَ أَوْصِيَاءُ مَيِّتٍ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لِفُلَانٍ جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ وَقَالَ غَيْرُهُ وَهَذَا إذَا ادَّعَى ذَلِكَ فُلَانٌ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمَا فِيمَا شَهِدَا بِهِ شَيْءٌ يَجُرَّانِهِ إلَى أَنْفُسِهِمَا وَكَذَلِكَ شَهَادَةُ الْوَارِثَيْنِ فِي مِثْلِ هَذَا إذَا شَهِدَا أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لِفُلَانٍ فَشَهَادَتُهُمَا فِي ذَلِكَ جَائِزَةٌ إذَا لَمْ يَجُرَّا بِهَا شَيْئًا إلَى أَنْفُسِهِمَا اهـ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ.

ص (وَلَا إنْ شَهِدَ بِاسْتِحْقَاقٍ وَقَالَ: أَنَا بِعْته لَهُ)
ش: قَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي أَوَائِلِ الْجُزْءِ الثَّانِي مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ فِي آخِرِ تَرْجَمَةِ الرَّجُلِ يَشْهَدُ لِغَيْرِهِ وَلِنَفْسِهِ مَا نَصُّهُ: سُئِلْت عَمَّنْ شَهِدَ لِرَجُلٍ اسْتَحَقَّ ثَوْبًا أَنَّهُ لَهُ بِعْته أَنَا مِنْهُ فَأَجَبْت بِأَنَّهُ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّ مَنْ شَهِدَ لَهُ بِشَيْءٍ أَنَّهُ مِلْكُهُ بِشِرَائِهِ إيَّاهُ مِنْ فُلَانٍ فَلَا تَتِمُّ فِيهِ الشَّهَادَةُ حَتَّى يَقُولُوا: إنَّ فُلَانًا الْبَائِعَ عَلِمْنَا أَنَّهُ يَمْلِكُهُ أَوْ يَحُوزُهُ حِيَازَةَ الْمَالِكِ حَتَّى بَاعَهُ مِنْ هَذَا، فَهَذَا الشَّاهِدُ الْبَائِعُ لَمْ يَثْبُتْ مِلْكُهُ لِلثَّوْبِ إلَّا بِقَوْلِهِ انْتَهَى.

(6/172)


[فَرْعٌ شَهِدَ لِرَجُلٍ فِي سَهْمٍ فِي شُرْبِ عَيْنٍ وَكَانَ أَصْلُ ذَلِكَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فَقَاسَمَهُ ثُمَّ شَهِدَ لَهُ الْآنَ بِمِلْكِهِ]
فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّرْجَمَةِ الْمَذْكُورَةِ وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ: وَإِنْ شَهِدَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ فِي سَهْمٍ فِي شُرْبِ عَيْنٍ أَوْ نَهْرٍ أَوْ حَوَائِضَ وَكَانَ أَصْلُ ذَلِكَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فَقَاسَمَهُ ثُمَّ شَهِدَ لَهُ الْآنَ بِمِلْكِهِ لِذَلِكَ الَّذِي صَارَ لَهُ فِي الْقِسْمَةِ مِنْ أَصْلِ عَيْنٍ أَوْ أَرْضٍ قَالَ: شَهَادَتُهُ لَهُ فِيهِ جَائِزَةٌ اهـ.

[فَرْعٌ ادَّعَى أَنَّ بَعْضَ الْغَنَمِ الَّتِي يَرْعَاهَا لَهُ أَوْ لِشَخْصٍ]
(فَرْعٌ) قَالَ فِي الطُّرَرِ فِي تَرْجَمَةِ اسْتِئْجَارِ رَاعٍ لِغَنَمٍ بِأَعْيَانِهَا فِي الرَّاعِي إذَا ادَّعَى أَنَّ بَعْضَ الْغَنَمِ الَّتِي يَرْعَاهَا لَهُ أَوْ لِشَخْصٍ: أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِيمَا يَدَّعِيهِ لِنَفْسِهِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِسَبَبٍ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ فَيَحْلِفُ مَعَهُ، قَالَ: وَأَمَّا إنْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ مِنْهَا لِغَيْرِ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ فَهُوَ شَاهِدٌ لَهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إنْ كَانَ عَدْلًا، وَسَوَاءٌ كَانَ يَأْوِي الرَّاعِي إلَى دَارِهِ أَوْ إلَى دَارِ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ انْتَهَى آخِرُهُ بِاللَّفْظِ وَتَقَدَّمَ بَعْضُهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ وَهُوَ أَمِينٌ.

ص (وَلَا عَالِمٍ عَلَى مِثْلِهِ)
ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: فَرْعٌ قَالَ فِي الطُّرَرِ فِي تَرْجَمَةِ تَقْيِيدِ عَدَاوَةِ مَالَ بَعْضُ أَهْلِ الشُّورَى: إنَّ شَهَادَةَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ جَائِزَةٌ عَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ يُرِيدُ أَصْحَابَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَقَالَ فِي الِاسْتِغْنَاءِ إنَّ هَذَا إجْمَاعٌ.

ص (وَلَا إنْ أَخَذَ مِنْ الْعُمَّالِ أَوْ أَكَلَ عِنْدَهُمْ

(6/173)


بِخِلَافِ الْخُلَفَاءِ)
ش: قَالَ فِي آخِرِ سَمَاعِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ فِي مَسْأَلَةٍ طَوِيلَةٍ سُئِلَ عَنْهَا سَحْنُونٌ: وَقَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ يَقْبَلُ صِلَةَ السُّلْطَانِ وَيَأْكُلُ طَعَامَهُ وَسَلَاطِينُ هَذَا الزَّمَانِ مَنْ قَدْ عَلِمْت أَتَرَاهُ بِذَلِكَ مُجَرَّحًا سَاقِطَ الشَّهَادَةِ (فَإِنْ قُلْت) إنَّ ذَلِكَ جُرْحَةٌ فِي شَهَادَتِهِ فَقَدْ قَبِلَ جَوَائِزَ السُّلْطَانِ مَنْ قَدْ عَلِمْت مِنْ أَئِمَّةِ الْهُدَى وَالْعِلْمِ قَدْ أَخَذَ ابْنُ عُمَرَ جَوَائِزَ الْحَجَّاجِ وَالْحَجَّاجُ مَنْ قَدْ عَلِمْت وَأَخَذَ ابْنُ شِهَابٍ جَوَائِزَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ وَغَيْرِهِ مِنْ الْخُلَفَاءِ وَأَخَذَ مَالِكٌ جَوَائِزَ أَبِي جَعْفَرٍ (فَإِنْ قُلْت) إنَّهُمْ يَأْخُذُونَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْخَوْفِ فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَأْمَنُ السُّلْطَانَ بِتَرْكِ الْأَخْذِ مِنْهُ فَلَمْ نَرَ إلَّا خَيْرًا وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ أَمَرَ لِمَالِكٍ بِثَلَاثِ صُرَرِ دَنَانِيرَ فَاتَّبَعَهُ الرَّسُولُ بِهَا فَسَقَطَتْ مِنْهُ صُرَّةٌ فِي الزِّحَامِ فَلَمَّا أَتَاهُ بِالصُّرَّتَيْنِ سَأَلَهُ عَنْ الثَّالِثَةِ فَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ أَخَذَ غَيْرَ الصُّرَّتَيْنِ فَأَلْزَمَهُ مَالِكٌ بِالثَّالِثَةِ وَأَلَحَّ عَلَيْهِ فِيهَا حَتَّى أَتَى بِهَا بَعْضُ مَنْ وَجَدَهَا فَدَفَعَهَا إلَيْهِ، فَمَالِكٌ لَمْ يَفْعَلْ هَذَا إلَّا مُتَطَوِّعًا فَإِنْ رَأَيْت طَرْحَ شَهَادَةِ مَنْ أَخَذَ مِنْ السُّلْطَانِ فَجَمِيعُ الْقُضَاةِ مِنْهُ يُرْزَقُونَ وَإِيَّاهُ يَأْكُلُونَ، فَقَالَ سَحْنُونٌ: مَنْ قَبِلَ جَوَائِزَ السُّلْطَانِ سَاقِطُ الشَّهَادَةِ عِنْدَنَا وَأَمَّا الْأَكْلُ فَمَنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ الزَّلَّةَ وَالْفَلْتَةَ فَغَيْرُ مَرْدُودِ الشَّهَادَةِ
وَأَمَّا الْمُدْمِنُ الْأَكْلَ فَسَاقِطُ الشَّهَادَةِ، وَأَمَّا احْتِجَاجُك بِقَبُولِ ابْنِ شِهَابٍ وَمَالِكٍ لِجَوَائِزِ السُّلْطَانِ فَقَدْ قِسْت بِغَيْرِ قِيَاسٍ وَاحْتَجَجْت بِمَا لَا يُحْتَجُّ بِهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ قَبُولَ مَالِكٍ لَهَا مِنْ عِنْدِ مَنْ تَجْرِي عَلَى يَدِهِ الدَّوَاوِينُ وَهُوَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَجَوَائِزُ الْخُلَفَاءِ جَائِزَةٌ لَا شَكَّ فِيهَا عَلَى مَا شَرَطَ مَالِكٌ لِإِجْمَاعِ الْخَلْقِ عَلَى قَبُولِ الْعَطَاءِ مِنْ الْخُلَفَاءِ مِمَّنْ يَرْضَى بِهِ وَمِمَّنْ لَا يَرْضَى بِهِ وَلَمْ نَعْلَمْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْكَرَ أَخْذَ الْعَطَاءِ مِنْ زَمَنِ مُعَاوِيَةَ إلَى الْيَوْمِ وَأَمَّا قَوْلُك فِي الْقُضَاةِ فَإِنَّمَا هُمْ أُجَرَاءُ الْمُسْلِمِينَ آجَرُوا أَنْفُسَهُمْ فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَّا مَا ذَكَرْت عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَقَدْ سَمِعْت عَلِيَّ بْنَ زِيَادٍ يُنْكِرُ

(6/174)


ذَلِكَ عَلَى ابْنِ عُمَرَ وَيَدْفَعُهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُ سَحْنُونٍ إنَّ قَبُولَ الْجَوَائِزِ مِنْ الْعُمَّالِ الْمَضْرُوبِ عَلَى أَيْدِيهِمْ جُرْحَةٌ تُسْقِطُ الشَّهَادَةَ وَالْعَدَالَةَ صَحِيحٌ، وَمَعْنَاهُ عِنْدِي إذَا قَبَضُوا ذَلِكَ مِنْ الْعُمَّالِ عَلَى الْجِبَايَةِ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا جُعِلَ إلَيْهِمْ قَبْضُ الْأَمْوَالِ وَتَحْصِيلِهَا دُونَ وَضْعِهَا فِي وُجُوهِهَا وَمَوَاضِعِهَا، وَأَمَّا الْأُمَرَاءُ الَّذِينَ فَوَّضَ إلَيْهِمْ الْخَلِيفَةُ أَوْ خَلِيفَةُ الْخَلِيفَةِ قَبْضَ الْأَمْوَالِ وَجِبَايَتِهَا وَتَصْرِيفِهَا بِاجْتِهَادِهِمْ كَالْحَجَّاجِ وَشِبْهِهِ مِنْ الْأُمَرَاءِ عَلَى الْبِلَادِ الْمُفَوِّضِ جَمِيعَ الْأُمُورِ فِيهَا إلَيْهِمْ فَقَبْضُ الْجَوَائِزِ مِنْهُمْ كَقَبْضِهَا مِنْ الْخُلَفَاءِ، فَإِنْ صَحَّ أَخْذُ ابْنِ عُمَرَ جَوَائِزَ الْحَجَّاجِ فَهَذَا وَجْهُهُ، ثُمَّ تَكَلَّمَ عَلَى حُكْمِ أَخْذِ الْقَضَاءِ وَالْحُكَّامِ الِارْتِزَاقَ مِنْ الْعُمَّالِ الَّذِينَ فُوِّضَ إلَيْهِمْ النَّظَرُ فِي ذَلِكَ وَضُرِبَ عَلَى أَيْدِيهِمْ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ وَأَجَازَ لَهُمْ أَخْذُ ذَلِكَ مِنْهُمْ ثُمَّ تَكَلَّمَ عَلَى حُكْمِ مَا إذَا كَانَ الْمُجْبَى حَلَالًا أَوْ حَرَامًا أَوْ مَشُوبًا بِحَلَالٍ وَحَرَامٍ وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ فَرَاجِعِهِ إنْ أَرَدْته وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (وَلَا إنْ تَعَصَّبَ) ش: قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: مِنْ مَوَانِعِ الشَّهَادَةِ الْعَصَبِيَّةُ وَهُوَ أَنْ يُبْغَضُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَنِي فُلَانٍ أَوْ مِنْ قَبِيلَةِ كَذَا انْتَهَى.
ص (وَتَلْقِينُ خَصْمٍ)
ش: قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: وَمِنْ الْمَوَانِعِ تَلْقِينُ الْخَصْمِ الْخُصُومَةَ فَقِيهًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ: لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فَقِيهًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَيُضْرَبُ وَيُشَهَّرُ فِي الْمَجَالِسِ وَيُعَرَّفُ بِهِ وَسُجِّلَ عَلَيْهِ وَقَدْ فَعَلَهُ بَعْضُ الْقُضَاةِ بِقُرْطُبَةَ بِكَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ بِمَشُورَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ انْتَهَى.

ص (وَمَطْلٌ)
ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ الْحَوَالَةِ: فَرْعٌ: وَإِذَا مَطَلَ الْغَنِيُّ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ عِنْدَ سَحْنُونٍ؛ لِأَنَّهُ ظَالِمٌ لَا عِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، خَلِيلٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَنْ عَلِمَ مِنْ صَاحِبِ الدَّيْنِ الِاسْتِحْيَاءَ فِي الْمُطَالَبَةِ أَنَّ ذَلِكَ كَالْمَطْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى. وَزَادَ أَبُو الْحَسَنِ فِي الْقَوْلِ الثَّانِي مَا لَمْ تَكُنْ عَادَتُهُ انْتَهَى.
(فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْبَخِيلُ الَّذِي ذَمُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ هُوَ الَّذِي لَا يُؤَدِّي زَكَاةَ مَالِهِ فَمَنْ أَدَّى زَكَاةَ مَالِهِ فَلَيْسَ بِبَخِيلٍ وَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: شَهَادَةُ الْبَخِيلِ مَرْدُودَةٌ وَإِنْ كَانَ مَرَضِيَّ الْحَالِ يُؤَدِّي زَكَاةَ مَالِهِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي شَهَادَةِ الْبَخِيلِ وَإِنْ كَانَ يُؤَدِّي زَكَاتَهُ، قَالَ الْمَازِرِيُّ: الْبُخْلُ مَنْعُ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ وَأَمَّا مَنْعُ مَا لَا يَجِبُ فَالْقَدْحُ بِهِ فِي الشَّهَادَةِ مُفْتَقِرٌ إلَى تَفْصِيلٍ يَعْرِفُهُ مَنْ يَعْرِفُ الِاسْتِدْلَالَ بِحَرَكَاتِ النَّاسِ وَطَبَائِعِهِمْ وَسِيَرِهِمْ فِي دِينِهِمْ وَصِدْقِهِمْ انْتَهَى.

ص (وَحَلِفٌ بِطَلَاقٍ وَعِتْقٍ)
ش: ظَاهِرُهُ أَنَّ مُجَرَّدَ الْحَلِفِ بِهِمَا وَلَوْ مَرَّةً يَكُونُ جُرْحَةً وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْأَيْمَانِ أَنَّهُ جُرْحَةٌ فِي حَقِّ مَنْ اعْتَادَ الْحَلِفَ بِذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْوَاضِحَةِ وَكَمَا وَقَعَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ النَّوَادِرِ وَاللَّخْمِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ وَالْمُتَيْطِيِّ وَغَيْرِهِمْ نَاقِلِينَ لَهُ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَكُلُّهُمْ

(6/175)


قَبِلُوهُ وَقَدْ نَقَلْت كَلَامَهُمْ فِي الْحَاشِيَةِ عَلَى رِسَالَةِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ عِنْدَ قَوْلِ صَاحِبِ الرِّسَالَةِ وَيُؤَدَّبُ مَنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ، وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: مِنْ الْمَوَانِعِ اعْتِيَادُ الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ انْتَهَى. فَالْجُرْحَةُ إنَّمَا تَكُونُ لِمَنْ اعْتَادَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) ذَكَرَ الشَّارِحُ هُنَا حَدِيثَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ مِنْ أَيْمَانِ الْفُسَّاقِ وَذَكَرَهُ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ وَقَالَ السَّخَاوِيُّ فِي الْمَقَاصِدِ الْحَسَنَةِ: لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ فَرْحُونٍ الْحَدِيثَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ.

ص (وَبِمَجِيءِ مَجْلِسِ الْقَاضِي ثَلَاثًا بِلَا عُذْرٍ)
ش: لَمْ يُبَيِّنْ الْبِسَاطِيُّ وَلَا الشَّارِحُ فِي الْوَسَطِ مَعْنَى قَوْلِهِ ثَلَاثًا هَلْ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ فِي الْيَوْمِ؟ أَوْ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَاتٍ؟ وَقَالَ الشَّارِحُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ: ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي الْيَوْمِ وَرُبَّمَا فُهِمَ مِنْهُ أَنَّ مَجِيئَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَاتٍ لَا يَقْدَحُ مَعَ أَنَّهُ قَادِحٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يُفَسَّرَ بِهِ كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ لِيَدْخُلَ الْأَوَّلُ مِنْ بَابٍ أَحْرَى. قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: وَمِنْ الْمَوَانِعِ إتْيَانُ مَجْلِسِ الْقَاضِي ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَاتٍ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إظْهَارَ مَنْزِلَتِهِ عِنْدَ الْقَاضِي وَيَجْعَلُ ذَلِكَ مَأْكَلَةً لِلنَّاسِ وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْعَارِضَةِ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ فِي كَوْنِ الصَّحَابَةِ جُلُوسًا حَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا نَصُّهُ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْجُلُوسِ لِلنَّاسِ حَوْلَ الْقَاضِي يَسْمَعُونَ قَضَاءَهُ وَيَتَعَلَّمُونَ أَعْمَالَهُ، وَقَالَ الْفُقَهَاءُ: لَا يُجْلَسُ حَوْلَهُ وَذَلِكَ مُنْقَسِمٌ أَمَّا مَنْ كَانَ قَصْدُهُ التَّعَلُّمُ وَيَظُنُّ ذَلِكَ فَلْيَقْرُبْ وَمَنْ كَانَتْ إرَادَتُهُ الدُّنْيَا لَيْسَ الْعِلْمُ فَلْيُبَاعِدْ وَمَنْ كَانَ قَصْدُهُ التَّعَلُّمَ وَيَطْوِي فِي ذَلِكَ نَيْلَ مَعَاشٍ حَلَالٍ فَيُمَكَّنُ وَذَلِكَ بِحَسَبِ مَا يَظْهَرُ لِلْعَالِمِ الْقَاضِي مِنْ شَمَائِلَ أَوْ فِرَاسَةٍ انْتَهَى.

ص (وَسُكْنَى مَغْصُوبَةٍ)
ش: قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: مِنْ الْمَوَانِعِ أَنْ يَسْكُنَ فِي دَارٍ يَعْلَمُ أَنَّ

(6/176)


أَصْلَهَا مَغْصُوبَةٌ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُهُ: وَمِنْ ذَلِكَ مُعَامَلَةُ أَهْلِ الْغُصُوبِ وَالسَّلَفِ مِنْهُمْ، وَقَالَ بَعْدَهُ: وَمِنْهُ الطَّحْنُ فِي الرَّحَا الْمَغْصُوبَةِ إذَا عُلِمَ ذَلِكَ انْتَهَى.
ص (وَالشَّاهِدُ حُرٌّ)
ش: يُرِيدُ مَحْكُومًا بِإِسْلَامِهِ كَمَا قَالَهُ فِي الشَّامِلِ وَغَيْرِهِ.

ص (وَلَمْ يَحْضُرْ كَبِيرٌ) ش: أَطْلَقَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْكَبِيرِ فَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ الْكَبِيرُ مِمَّنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ أَوْ مِمَّنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ عِلَّةَ عَدَمِ قَبُولِ شَهَادَةِ الصِّبْيَانِ مَعَ حُضُورِ الْكَبِيرِ إنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ خَوْفِ التَّخْبِيبِ وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا حَضَرَ بَيْنَهُمْ كَبِيرٌ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فَشَهَادَتُهُمْ سَاقِطَةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ خِلَافًا لِسَحْنُونٍ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ مَعَ حُضُورِ كَبِيرٍ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: لَمْ يُخَالِفْ فِي ذَلِكَ إلَّا سَحْنُونٌ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ انْتَهَى.
وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ سُقُوطِ شَهَادَتِهِمْ هَلْ هُوَ خَوْفُ التَّخْبِيبِ أَوْ لِلِاسْتِغْنَاءِ بِشَهَادَةِ الْكَبِيرِ؟ ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: فَإِنْ كَانَ فَاسِقًا أَوْ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا فَقَوْلَانِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: أَيْ الْكَبِيرُ الْحَاضِرُ إنْ كَانَ مِمَّنْ

(6/177)


لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ كَالْكَافِرِ وَالْفَاسِقِ وَالْعَبْدِ، فَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ: لَا يَضُرُّ حُضُورُهُمْ بِشَهَادَةِ الصِّبْيَانِ الْمَازِرِيُّ: وَلَا خِلَافَ مَنْصُوصٌ فِيهِ عِنْدَنَا، وَقَالَهُ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ ثُمَّ تَوَقَّفَ، فَالْقَوْلُ بِعَدَمِ الْإِجَازَةِ عَلَى هَذَا لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ إلَّا أَنَّهُ لَازِمٌ عَلَى التَّعْلِيلِ بِالتَّخْبِيبِ بَلْ التَّخْبِيبُ فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ أَشَدُّ وَالْأَوَّلُ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّعْلِيلِ بِارْتِفَاعِ الضَّرُورَةِ بِشَهَادَةِ الْكَبِيرِ انْتَهَى. وَتَبِعَهُ عَلَى هَذَا فِي الشَّامِلِ فَقَالَ: وَلَا يَضُرُّ رُجُوعُهُمْ بِخِلَافِ دُخُولِ كَبِيرٍ بَيْنَهُمْ خِلَافًا لِسَحْنُونٍ إلَّا إنْ كَانَ كَافِرًا أَوْ عَبْدًا أَوْ فَاسِقًا عَلَى الْمَنْصُوصِ انْتَهَى. فَتَبِعَ صَاحِبُ الشَّامِلِ الْمَازِرِيَّ فِي أَنَّ الْقَوْلَ بِسُقُوطِ شَهَادَتِهِمْ غَيْرُ مَنْصُوصٍ وَجَعَلَ الرَّجْرَاجِيُّ الْقَوْلَ الثَّانِيَ مَنْصُوصًا، وَنَصُّهُ: إذَا حَضَرَ كَبِيرٌ فَإِنْ كَانَ شَاهِدًا عَدْلًا فَلَا خِلَافَ أَنَّ شَهَادَةَ الصِّبْيَانِ سَاقِطَةٌ لِوُجُودِ الْكَبِيرِ الْعَدْلِ، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ بِعَدْلٍ فَالْمَذْهَبُ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ شَهَادَتَهُمْ جَائِزَةٌ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ وَرَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ مِثْلَهُ، وَالثَّانِي أَنَّ شَهَادَتَهُمْ لَا تَجُوزُ لِحُضُورِ الْكَبِيرِ وَإِنْ كَانَ لَيْسَ بِعَدْلٍ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سَحْنُونٍ فِي كِتَابِ أَبِيهِ وَإِنْ كَانَ مَشْهُودًا عَلَيْهِ فَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ عَلَيْهِ بِاتِّفَاقٍ وَكَذَا شَهَادَتُهُمْ فِي الْجِرَاحِ أَوْ فِي النَّفْسِ إنْ كَانَ عَاشَ حَتَّى يَعْرِفَ مَا هُوَ فِيهِ وَإِنْ مَاتَ مِنْ سَاعَتِهِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ لَهُ انْتَهَى. وَصَرَّحَ ابْنُ يُونُسَ بِالْقَوْلِ الثَّانِي وَنَصِّهِ بَعْدَ أَنْ حَكَى قَوْلَ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ، وَهَذَا خِلَافُ مَا فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِيهِ: إنَّمَا يُتَّقَى مِنْ الْكَبِيرِ أَنْ يُعَلِّمَهُمْ أَوْ يُخَبِّبَهُمْ فَلَا تُرَاعَى فِي ذَلِكَ الْجُرْحَةُ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَزَادَ فَقَالَ: حَاصِلُهُ قَوْلَانِ فَنَظَرَ مُطَرِّفٌ وَمَنْ مَعَهُ لِلضَّرُورَةِ، وَإِذَا كَانَ الْكَبِيرُ غَيْرَ عَدْلٍ لَمْ تَرْتَفِعْ الضَّرُورَةُ وَانْظُرْ ابْنَ الْمَوَّازِ لِلتَّخْبِيبِ وَالتَّعْلِيمِ وَهُوَ مِنْ غَيْرِ الْعَدْلِ أَكْثَرُ انْتَهَى.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقَتْلِ وَالْجَرْحِ مَا لَمْ يَفْتَرِقُوا أَوْ يُخَبِّبُوا، قَالَ الرَّجْرَاجِيُّ: وَالتَّخْبِيبُ تَعْلِيمُ الْخُبْثِ وَهُوَ أَنْ يَدْخُلَ بَيْنَهُمْ كَبِيرٌ أَوْ كِبَارٌ عَلَى وَجْهٍ يُمَكِّنُهُمْ أَنْ يُلَقِّنُوهُمْ الْكَذِبَ وَيَصُدُّونَهُمْ عَمَّا يَحْصُلُ عِنْدَهُمْ مِنْ يَقِينٍ أَوْ يُزَيِّنُوا لَهُمْ الزِّيَادَةَ فِيهَا وَالنُّقْصَانَ مِنْهَا فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ لَمْ تُقْبَلْ وَبَطَلَتْ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: شَرَطَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي شَهَادَتِهِمْ كَوْنَهَا قَبْلَ تَفَرُّقِهِمْ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: هَذَا مُرَادُ الْفُقَهَاءِ بِقَوْلِهِمْ مَا لَمْ يُخَبِّبُوا فَإِنَّ افْتِرَاقَهُمْ مَظِنَّةُ مُخَالَطَتِهِمْ مَنْ يُلَقِّنُهُمْ مَا يُبْطِلُ شَهَادَتَهُمْ قُلْت مُقْتَضَى قَوْلِهَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ مَا لَمْ يَفْتَرِقُوا أَوْ يُخَبِّبُوا مَعَ اخْتِصَارِهَا، أَبُو سَعِيدٍ كَذَلِكَ أَنَّهُمَا غَيْرُ مُتَرَادِفَيْنِ، وَكَذَا لَفْظُ اللَّخْمِيُّ قَبْلَ تَفَرُّقِهِمْ وَتَخَبُّبِهِمْ، ثُمَّ قَالَ الْبَاجِيُّ: التَّخْبِيبُ أَنْ يَدْخُلَ بَيْنَهُمْ كَبِيرٌ عَلَى وَجْهٍ يُمَكِّنُهُ أَنْ يُلَقِّنَهُمْ انْتَهَى. وَقَالَ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ أَوْ يَدْخُلَ بَيْنَهُمْ كَبِيرٌ قَالَ أَبُو عِمْرَانَ: هَذَا تَفْسِيرٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ أَوْ يُخَبِّبُوا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ قَوْلَهُ: أَوْ يَدْخُلُ بَيْنَهُمْ كَبِيرٌ بَعْدَ الْمَعْرَكَةِ وَقَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَكَانَ يَتَلَقَّى مِنْهُمْ الشَّهَادَةُ، فَقَالَ: إنَّمَا هَذَا إذَا دَخَلَ بَيْنَهُمْ الْكَبِيرُ عَلَى وَجْهِ التَّخْبِيبِ وَأَمَّا إذَا كَانَ عَلَى جِهَةِ سَمَاعِ الشَّهَادَةِ فَيَجُوزُ وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِالْقَرَائِنِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الدَّاخِلُ عَدْلًا لَا يُتَّهَمُ وَالْفَاسِقُ يُتَّهَمُ انْتَهَى. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: وَاخْتُلِفَ إذَا خَالَطَهُمْ رَجُلٌ هَلْ تَسْقُطُ الشَّهَادَةُ لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ خَبَّبَهُمْ، وَوَقْفُ الشَّهَادَةِ أَوْلَى وَإِنْ كَانَ عَدْلًا، وَقَالَ: لَا أَدْرِي مَنْ رَآهُ ثَبَتَتْ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ انْتَهَى.
إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَالْفَرْعُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَلَمْ يَحْضُرْ كَبِيرٌ وَأَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ غَيْرُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ الرِّسَالَةِ بِقَوْلِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ بَيْنَهُمْ كَبِيرٌ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ الْحُضُورَ وَقْتَ الْجِرَاحِ أَوْ الْقَتْلِ وَكَلَامُ الشَّيْخِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ فِيمَا إذَا حَضَرَ بَعْدَ ذَلِكَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ حِينَئِذٍ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ مِنْهُ التَّخْبِيبُ سَقَطَتْ شَهَادَتُهُمْ وَإِنْ كَانَ عَدْلًا لَمْ تَسْقُطْ كَمَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (وَلِلزِّنَا وَاللِّوَاطِ أَرْبَعَةٌ)
ش: أَيْ عَلَى فِعْلِ

(6/178)


الزِّنَا وَاللِّوَاطِ، وَأَمَّا عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الشَّهَادَةِ بِهِ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ أَنَّ الْمُقِرَّ بِالزِّنَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ عَنْ الْإِقْرَارِ وَلَوْ لَمْ يَأْتِ بِشُبْهَةٍ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّ إنْكَارَهُ كَتَكْذِيبِ نَفْسِهِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ الشَّهَادَاتِ وَفِي بَابِ الزِّنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (بِوَقْتٍ وَرُؤْيَةٍ اتَّحِدَا)
ش: يَعْنِي بِالْوَقْتِ الْمُتَّحِدِ أَنْ يَأْتُوا بِشَهَادَتِهِمْ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ مُجْتَمِعِينَ غَيْرَ مُفْتَرِقِينَ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ اشْتِرَاطِ اتِّحَادِ الرُّؤْيَةِ هُوَ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا تُلَفَّقُ الشَّهَادَةُ فِي الْأَفْعَالِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَسَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي الزِّنَا لَا تَجُوزُ حَتَّى يَشْهَدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى أَرْبَعَةٍ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَيَوْمٍ وَاحِدٍ وَسَاعَةٍ وَاحِدَةٍ فِي مَوْقِفٍ وَاحِدٍ عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ. ابْنُ رُشْدٍ: لَيْسَ مِنْ شَرْطِهَا تَسْمِيَةُ الْمَوْضِعِ وَلَا الْيَوْمِ وَلَا السَّاعَةِ إنَّمَا شَرْطُهَا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنْ لَا يَخْتَلِفَ الْأَرْبَعَةُ فِي ذَلِكَ فَإِنْ قَالُوا: رَأَيْنَاهُ مَعًا يَزْنِي بِفُلَانَةَ غَائِبًا فَرْجُهُ فِي فَرْجِهَا كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ - تَمَّتْ شَهَادَتُهُمْ، وَإِنْ قَالُوا: لَا نَذْكُرُ الْيَوْمَ وَلَا نَحُدُّ الْمَوْضِعَ، وَإِنْ قَالُوا: فِي مَوْضِعِ كَذَا وَيَوْمِ كَذَا أَوْ سَاعَةِ كَذَا مِنْ يَوْمِ كَذَا - كَانَ أَتَمَّ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي الْمَوْضِعِ أَوْ الْأَيَّامِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِ كَذَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ كَانَ فِي مَوْضِعِ كَذَا، أَوْ قَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ كَانَ فِي يَوْمِ كَذَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ كَانَ فِي يَوْمِ كَذَا - بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمْ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَجَازَتْ عِنْدَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ؛ لِأَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِيمَا لَوْ لَمْ يَذْكُرُوهُ تَمَّتْ شَهَادَتُهُمْ وَلَمْ يَلْزَمْ الْحَاكِمُ أَنْ يَسْأَلَهُمْ عَنْهُ انْتَهَى. وَمِنْهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ إنْ قَالَ أَحَدُهُمْ: زَنَا بِهَا مُنْكَبَّةً، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مُسْتَلْقِيَةً - بَطَلَتْ الشَّهَادَةُ وَحُدُّوا لِلْقَذْفِ انْتَهَى. وَمِنْهُ أَيْضًا وَسَمِعَ عِيسَى إنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِزِنَا رَجُلٍ بِامْرَأَةٍ شَهِدَ اثْنَانِ بِأَنَّهَا طَاوَعَتْهُ وَاثْنَانِ بِأَنَّهُ اغْتَصَبَهَا حُدَّ الْأَرْبَعَةُ.
ص (وَلِكُلٍّ النَّظَرُ لِلْعَوْرَةِ)
ش: ذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ نَصَّ الْمُدَوَّنَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَذَكَرَ مُعَارَضَتَهَا بِمَسْأَلَةِ عَدَمِ إجَازَةِ النَّظَرِ لِلْفَرْجِ فِي اخْتِلَافِ الزَّوْجَيْنِ فِي الْعَيْبِ وَذَكَرَ جَوَابَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَرَدَّهُ ثُمَّ ذَكَرَ ثَلَاثَةَ أَجْوِبَةٍ ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ قُلْت وَهَذَا كُلُّهُ إنْ عَجَزَ الشُّهُودُ عَنْ مَنْعِ الْفَاعِلَيْنِ مِنْ إتْمَامِ مَا قَصَدَاهُ أَوْ ابْتَدَآهُ مِنْ الْفِعْلِ وَلَوْ قَدَرَا عَلَى ذَلِكَ بِفِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ فَلَمْ يَفْعَلَا بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمْ لِعِصْيَانِهِمْ بِعَدَمِ تَغْيِيرِ هَذَا الْمُنْكَرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِعْلُهُمَا بِحَيْثُ لَا يَمْنَعُهُ التَّغْيِيرُ لِسُرْعَتِهِمَا انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ غَازِيٍّ وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ وَهُوَ بِبَادِئِ الرَّأْيِ ظَاهِرٌ وَلَكِنْ صَرَّحَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ فِي ثَالِثِ مَسْأَلَةٍ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ بْنِ الْفَرَجِ مِنْ كِتَابِ الْحُدُودِ فِي السَّرِقَةِ بِخِلَافِهِ وَنَصَّهُ. مَسْأَلَةٌ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الرَّجُلِ يَرَى السَّارِقَ يَسْرِقُ مَتَاعَهُ فَيَأْتِي بِشَاهِدَيْنِ لِيَنْظُرَا

(6/179)


إلَيْهِ وَيَشْهَدَا عَلَيْهِ بِسَرِقَتِهِ فَيَنْظُرَانِ إلَيْهِ وَرَبُّ الْمَتَاعِ مَعَهُمْ قَالَ: لَوْ أَرَادَ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْهُ، قَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ قَطْعٌ، وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّهُ قَوْلُ مَالِكٍ، قَالَ أَصْبَغُ: أَرَى عَلَيْهِ الْقَطْعَ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ: قَوْلُ أَصْبَغَ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ الْمَتَاعَ مُسْتَتِرًا بِهِ لَا يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا يَرَاهُ لَا رَبُّ الْمَتَاعِ وَلَا غَيْرُهُ كَمَنْ زَنَى وَالشُّهُودُ يَنْظُرُونَ إلَيْهِ وَلَوْ شَاءُوا أَنْ يَمْنَعُوهُ مَنَعُوهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّ الْحَدَّ عَلَيْهِ وَاجِبٌ بِشَهَادَتِهِمْ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَا حَكَاهُ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ هُوَ أَنَّهُ رَآهُ مِنْ نَاحِيَةِ الْمُخْتَلِسِ لَمَّا أَخَذَ الْمَتَاعَ مِنْ صَاحِبِهِ وَهُوَ يَنْظُرُ إلَيْهِ وَلَيْسَ بِمَنْزِلَةِ الْمُخْتَلِسِ عَلَى الْحَقِيقَةِ إذْ لَمْ يَعْلَمْ هُوَ بِنَظَرِ صَاحِبِ الْمَتَاعِ إلَيْهِ انْتَهَى. بِلَفْظِهِ فَتَأَمَّلْهُ.

ص (وَنُدِبَ سُؤَالُهُمْ كَالسَّرِقَةِ مَا هِيَ وَكَيْفَ أُخِذَتْ)
ش: قَالَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ السَّرِقَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ إذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ عِنْدَهُ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ سَرَقَ مَا يُقْطَعُ فِي مِثْلِهِ أَنْ يَسْأَلَهُمْ عَنْ السَّرِقَةِ مَا هِيَ؟ وَكَيْفَ أُخِذَتْ؟ وَمِنْ أَيْنَ أَخَذَهَا؟ وَإِلَى أَيْنَ أَخْرَجَهَا؟ كَمَا يَكْشِفُهُمْ عَنْ الشَّهَادَةِ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا فَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ مَا يَدْرَأُ بِهِ الْحَدَّ دَرَأَهُ انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: قَوْلُهُ: مَا هِيَ؟ هَذَا سُؤَالٌ عَنْ جِنْسِهَا؛ لِأَنَّ السُّؤَالَ بِمَا إنَّمَا يَكُونُ عَنْ الْحَقِيقَةِ وَالْمَاهِيَّةِ، وَقَوْلُهُ: كَيْفَ هِيَ؟ أَيْ كَيْفَ صِفَةُ أَخْذِهَا، وَقَوْلُهُ: مِنْ أَيْنَ أَخَذَهَا هَلْ مِنْ حِرْزٍ أَمْ لَا وَإِلَى أَيْنَ أَخْرَجَهَا هَلْ أَخْرَجَهَا مِنْ الْحِرْزِ أَوْ أَخَذَ قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَهَا، ثُمَّ قَالَ: وَقَوْلُهُ: يَنْبَغِي مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي شَهَادَتِهِمْ مَا يُسْقِطُ الْحَدَّ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى أَنْ يَقْطَعَ عُضْوًا شَرِيفًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ» انْتَهَى. وَقَالَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الزِّنَا مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَيَنْبَغِي إذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ عِنْدَهُ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا أَنْ يَكْشِفَهُمْ عَنْ شَهَادَتِهِمْ وَكَيْفَ رَأَوْهُ وَكَيْفَ صَنَعَ فَإِنْ رَأَى فِي شَهَادَتِهِمْ مَا تَبْطُلُ بِهِ الشَّهَادَةُ أَبْطَلَهَا انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: اُنْظُرْ قَوْلَهُ يَنْبَغِي هَلْ مَعْنَاهُ يَجِبُ أَوْ هُوَ عَلَى بَابِهِ الْأَقْرَبِ الْوُجُوبُ كَمَا قَالَ فِي السَّرِقَةِ؟ أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ وَأَنَّ السَّرِقَةَ اُخْتُلِفَ فِي نِصَابِهَا اخْتِلَافًا كَثِيرًا وَفِي الزِّنَا لَمْ يُخْتَلَفْ إلَّا أَنْ يُقَالَ فِي الزِّنَا أَيْضًا شَدِيدٌ؛ لِأَنَّهُ قِيلَ زِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ وَالْيَدَانِ تَزْنِيَانِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَيَجِبُ الْكَشْفُ عَنْ هَذَا لِئَلَّا يَظُنَّ الشَّاهِدُ أَنَّ ذَلِكَ زِنًا انْتَهَى. فَحَاصِلُ كَلَامِهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ أَنَّهُ يَمِيلُ إلَى أَنْ يَنْبَغِي لِلْوُجُوبِ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَتَأَمَّلْهُ.
(تَفْرِيعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَيَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يَسْأَلَهُمْ فِي السَّرِقَةِ إلَى آخِرِهِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: فَإِنْ غَابُوا قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَهُمْ غَيْبَةً بَعِيدَةً أَوْ مَاتُوا أُنْفِذَتْ الشَّهَادَةُ وَأُقِيمَ الْحَدُّ قَالَ: وَإِنْ كَانَ الشُّهُودُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةٍ فَغَابَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةٌ بَعْدَ أَنْ شَهِدُوا لَمْ يَسْأَلْ مَنْ حَضَرَ وَثَبَتَ الْحَدُّ؛ لِأَنَّ مَنْ حَضَرَ لَوْ رَجَعُوا عَنْ شَهَادَتِهِمْ لَثَبَتَ الْحَدُّ بِمَنْ غَابَ وَرَأَى بَعْضُ الشُّيُوخِ أَنَّ غَيْبَةَ أَرْبَعَةٍ لَا يَمْنَعُ سُؤَالَ مَنْ حَضَرَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَذْكُرَ الْحَاضِرُونَ مَا يُوجِبُ التَّوْقِيفَ عَنْ شَهَادَةِ الْغَائِبِينَ وَالْحَاضِرِينَ جَمِيعًا وَقَيَّدَ اللَّخْمِيُّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ إذَا غَابُوا بِمَا إذَا كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ انْتَهَى.

ص (وَلِمَا لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا آيِلٍ إلَيْهِ) ش يُرِيدُ وَلَيْسَ بِزِنًا وَلَا مِمَّا يَخْتَصُّ بِهِ النِّسَاءُ وَاكْتَفَى الشَّيْخُ عَنْ ذِكْرِ الزِّنَا بِمَا تَقَدَّمَ وَعَنْ ذِكْرِ مَا يَخْتَصُّ بِالنِّسَاءِ بِمَا سَيَذْكُرُهُ وَمِمَّا لَا يَكْفِي فِيهِ الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ إسْقَاطُ الْحَضَانَةِ نَقَلَهُ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ وَمَنْ حَبَسَ دَارًا، قَالَ: وَمِنْ ذَلِكَ الْوَصِيَّةُ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ قَالَ: وَكَذَلِكَ الْأَدَبُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَمِنْ ذَلِكَ الطَّلَاقُ وَالْخُلْعُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: اُخْتُلِفَ فِي إلْحَاقِ مَا هُوَ آيِلٌ إلَى الْمَالِ بِالْمَالِ وَالْمَشْهُورُ الْإِلْحَاقُ ثُمَّ قَالَ وَعَلَى الْمَشْهُورِ فَالْخُلْعُ آيِلٌ إلَى الْمَالِ وَفِيهِ خِلَافٌ انْتَهَى. قُلْت إنْ أَرَادَ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا ادَّعَتْ عَلَى زَوْجِهَا أَنَّهُ خَالَعَهَا عَلَى شَيْءٍ مِنْ مَالِهَا فَهَذَا مِنْ دَعْوَى الطَّلَاقِ وَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الرَّجُلَ ادَّعَى

(6/180)


عَلَى الزَّوْجَةِ أَنَّهَا خَالَعَتْهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ مَالِهَا فَهَذِهِ دَعْوَى بِمَالٍ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ إنَّمَا لَزِمَهُ بِإِقْرَارِهِ وَيَثْبُتُ الْمَالُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ كَمَا قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ إرْخَاءِ السُّتُورِ وَنَصُّهُ: وَإِنْ صَالَحَتْهُ عَلَى شَيْءٍ هُوَ فِيمَا بَيْنَهُمَا فَلَمَّا أَتَى بِالْبَيِّنَةِ لِتَشْهَدَ جَحَدَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ تَكُونَ أَعْطَتْهُ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا فَالْخُلْعُ ثَابِتٌ وَلَا يَلْزَمُهَا غَيْرُ الْيَمِينِ فَإِنْ نَكَلَتْ حَلَفَ هُوَ وَاسْتَحَقَّ، وَإِنْ أَتَى الزَّوْجُ بِشَاهِدٍ عَلَى مَا يَدَّعِي حَلَفَ مَعَهُ وَاسْتَحَقَّ انْتَهَى.
ص (وَإِلَّا فَعَدْلٌ وَامْرَأَتَانِ)
ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ.

[فَرْعٌ شَهَادَةَ النِّسَاءِ فِي الْأَحْبَاسِ]
(فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ: الْمَشْهُورُ الْمَعْلُومُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَصْحَابِهِ أَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ فِي الْأَحْبَاسِ عَامِلَةٌ؛ لِأَنَّ الْأَحْبَاسَ مِنْ الْأَمْوَالِ وَلَا اخْتِلَافَ أَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ فِي الْأَمْوَالِ جَائِزَةٌ وَإِنَّمَا اُخْتُلِفَ فِيمَا جَرَّ إلَى الْأَمْوَالِ كَالْوَكَالَةِ وَإِنَّمَا يَتَخَرَّجُ أَنَّ شَهَادَتَهُنَّ غَيْرُ عَامِلَةٍ فِي ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَسَحْنُونٍ فِي أَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ لَا تَجُوزُ إلَّا حَيْثُ يَجُوزُ الْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ إذَا قُلْنَا إنَّ الْحَبْسَ لَا يُسْتَحَقُّ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، وَفِي ذَلِكَ بَيْنَ أَهْل الْعِلْمِ اخْتِلَافٌ انْتَهَى. وَقَدْ عَدَّ ابْنُ فَرْحُونٍ فِيمَا يَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ وَالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ الْحَبْسَ.
ص (وَإِيصَاءٌ بِتَصَرُّفٍ فِيهِ)
ش: ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّ هَذَا مِمَّا يُقْبَلُ فِيهِ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ، وَامْرَأَتَانِ وَيَمِينٌ، وَشَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ، وَلَكِنَّ الشَّارِحَ بَهْرَامَ وَالْبِسَاطِيَّ لَمْ يَذْكُرَا الْخِلَافَ فِيهِ إلَّا فِي الشَّاهِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ، وَمِثْلُ الْإِيصَاءِ بِالتَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ الشَّهَادَةُ بِالْوَكَالَةِ عَلَيْهِ كَذَا جَمَعَهُمَا ابْنُ الْحَاجِبِ وَاعْلَمْ أَنَّ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمَا ذَكَرَ مَرَاتِبَ الشَّهَادَةِ قَالَ مَا نَصُّهُ: الثَّالِثَةُ الْأَمْوَالُ وَمَا يَئُولُ إلَيْهَا كَالْأَجَلِ وَالْخِيَارِ وَالشُّفْعَةِ وَالْإِجَارَةِ وَقَتْلِ الْخَطَأِ وَمَا يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَتَهُ مُطْلَقًا وَجِرَاحُ الْمَالِ مُطْلَقًا وَفَسْخُ الْعُقُودِ وَنُجُومُ الْكِتَابَةِ وَإِنْ عَتَقَ بِهَا فَيَجُوزُ لِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَكَذَلِكَ الْوَكَالَةُ بِالْمَالِ وَالْوَصِيَّةُ بِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ اهـ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ الْوَكَالَةُ بِالْمَالِ أَيْ وَكَّلَهُ فِي حَيَاتِهِ لِيَتَصَرَّفَ لَهُ وَالْوَصِيَّةُ بِهِ أَيْ أَوْصَاهُ بِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي أَمْوَالِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ انْتَهَى.
وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ وَلَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ الشَّاهِدَ وَالْيَمِينَ يَجُوزَانِ عَلَى الْوَكَالَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَإِنَّمَا تَكَلَّمَا فِيمَا تَكَلَّمَ عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ ثُمَّ إنَّ ابْنَ عَرَفَةَ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَة ذَكَرَ هَذَا الْخِلَافَ فِي الشَّاهِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ وَلَمَّا تَكَلَّمَ فِي فَصْلِ الشَّاهِد وَالْيَمِينِ ذَكَرَ عَنْ

(6/181)


ابْنِ رُشْدٍ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِمَا أَنَّهُ قَالَ: لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْوَكَالَةِ، ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى مَسْأَلَتِهِ قَالَ: وَقَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْوَكَالَةِ خِلَافُ نَقْلِ اللَّخْمِيِّ وَالْمَازِرِيُّ، قَالَ اللَّخْمِيُّ: اُخْتُلِفَ إذَا شَهِدَ عَلَى وَكَالَةٍ مِنْ غَائِبٍ هَلْ يَحْلِفُ الْوَكِيلُ؟ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ وَهُوَ أَحْسَنُ إنْ كَانَتْ الْوَكَالَةُ بِحَقٍّ لِغَائِبٍ فَقَطْ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهَا حَقٌّ لِلْوَكِيلِ لِأَنَّ لَهُ عَلَى الْغَائِبِ دَيْنًا أَوْ لِيَكُونَ ذَلِكَ الْمَالُ بِيَدِهِ قِرَاضًا أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ حَلَفَ وَاسْتَحَقَّ إنْ أَقَرَّ الْمُوَكَّلُ عَلَيْهِ بِالْمَالِ لِلْغَائِبِ وَإِنْ وُكِّلَ عَلَى قَضَاءِ دَيْنٍ فَقَضَاهُ بِشَاهِدٍ فَجَحَدَهُ الْقَابِضُ حَلَفَ الْوَكِيلُ وَبَرِئَ الْغَرِيمُ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الطَّالِبُ وَغَرِمَ الْوَكِيلُ إنْ كَانَ مُوسِرًا، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا حَلَفَ الْمَطْلُوبُ وَبَرِئَ وَكَانَتْ تَبَاعَةُ الطَّالِبِ عَلَى الْوَكِيلِ مَتَى أَيْسَرَ قُلْت فَظَاهِرُ لَفْظِ اللَّخْمِيِّ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فِي الْوَكَالَةِ.
، وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: مَعْرُوفُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الشَّاهِدَ وَالْيَمِينَ لَا يُقْضَى بِهِ فِي الْوَكَالَةِ لَكِنَّ مَنْعَ الْقَضَاءِ بِهَا لَيْسَ مِنْ نَاحِيَةِ تَصَوُّرِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ فِي الْقَضَاءِ بِهَا فِي الْوَكَالَةِ بَلْ لِأَنَّ الْيَمِينَ مَعَ الشَّاهِدِ فِيهَا مُتَعَذِّرَةٌ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ لَا يَحْلِفُهَا إلَّا مَنْ لَهُ نَفْعٌ وَالْوَكِيلُ لَا نَفْعَ لَهُ فِيهَا وَإِنْ كَانَ وَقَعَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الْوَكِيلَ يَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ بِالْوَكَالَةِ وَقَبْضِ الْحَقِّ فَتَأَوَّلَ الْأَشْيَاخُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا وَكَالَةٌ بِأُجْرَةٍ يَأْخُذُهَا الْوَكِيلُ أَوْ يَقْبِضُ الْمَالَ لِمَنْفَعَةٍ لَهُ فِيهَا انْتَهَى.
وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ وَمِنْ الْعُتْبِيَّة قَالَ سَحْنُونٌ قَالَ أَشْهَبُ: لَا يُقْضَى بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ فِي وَكَالَةٍ فِي مَالٍ، قَالَ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ فِيمَنْ أَقَامَ شَاهِدًا أَنَّهُ أَوْصَى إلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ مَعَهُ وَلَا يَثْبُتُ لَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَرَاهُ الْإِمَامُ أَهْلًا لِذَلِكَ فَيُوَلِّيَهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ سَحْنُونٌ الْوَصَايَا وَالْوَكَالَةُ لَيْسَتَا بِمَالٍ إذْ لَا يَحْلِفُ وَصِيٌّ وَلَا وَكِيلٌ مَعَ شَاهِدِ رَبِّ الْمَالِ، إذْ الْمَالُ لِغَيْرِهِمَا انْتَهَى.

ص (وَقِصَاصٌ فِي جُرْحٍ) ش:

(6/182)


يَعْنِي أَنَّ الْقِصَاصَ فِي الْجِرَاحِ يَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ قَالَ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَقَامَ شَاهِدًا عَلَى جُرْحٍ عَمْدًا فَيَحْلِفُ وَيُقْتَصُّ، فَإِنْ نَكَلَ قِيلَ لِلْجَارِحِ احْلِفْ وَابْرَأْ فَإِنْ نَكَلَ حُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ ثُمَّ قَالَ: قِيلَ لِابْنِ الْقَاسِمِ لِمَ قَالَ مَالِكٌ ذَلِكَ فِي جِرَاحِ الْعَمْدِ وَلَيْسَتْ بِمَالٍ؟ فَقَالَ كَلَّمْت مَالِكًا فِي ذَلِكَ فَقَالَ: إنَّهُ لِشَيْءٍ اسْتَحْسَنَّاهُ وَمَا سَمِعْنَا فِيهِ شَيْئًا انْتَهَى. وَقَالَ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ: وَكُلُّ جُرْحٍ فِيهِ قِصَاصٌ يُقْتَصُّ فِيهِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ وَكُلُّ جُرْحٍ لَا قِصَاصَ فِيهِ مِمَّا هُوَ مُتْلِفٌ كَالْجَائِفَةِ وَالْمَأْمُومَةِ وَشِبْهِهِمَا فَالشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ فِيهِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْعَمْدَ وَالْخَطَأَ فِيهِ إنَّمَا هُوَ مَالٌ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ يُونُسَ أَيْ بِشَاهِدٍ وَيَمِينِ الطَّالِبِ؛ لِأَنَّ الْجِرَاحَةَ لَا قَسَامَةَ فِيهَا بِذَلِكَ مَضَتْ السُّنَّةُ وَإِنَّمَا الْقَسَامَةُ فِي النَّفْسِ فَلَمَّا كَانَتْ النَّفْسُ تُقْتَلُ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ مَعَ الْقَسَامَةِ فَلِذَلِكَ اُقْتُصَّ بِشَاهِدٍ مَعَ يَمِينِ الْمَجْرُوحِ وَقَالَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ انْتَهَى. وَفِي النَّوَادِرِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَيُقْضَى بِالْقِصَاصِ فِي الْجِرَاحِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ صَغِيرِهَا وَعَظِيمِهَا فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ وَلَا شَكَّ فِي الْخَطَأِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَا أَرَى ذَلِكَ فِي الْعَمْدِ إلَّا فِي الْيَسِيرِ مِنْ الْجِرَاحِ، وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُقْتَصُّ بِذَلِكَ رِوَايَةٌ مُبْهَمَةٌ لَمْ يَذْكُرْ مَا صَغُرَ أَوْ كَبُرَ، وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ فِيمَا لَا خَوْفَ فِيهِ مِنْ مُوضِحَةٍ وَدَامِيَةٍ وَجِرَاحِ الْجَسَدِ وَأَمَّا الْيَدُ وَالْعَيْنُ وَشِبْهُ ذَلِكَ فَلَا يُقْتَصُّ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ وَهَذَا قَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ

(6/183)


ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مِنْ قَوْلِهِ أَحَبُّ إلَيَّ، قَالَ مُحَمَّدٌ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ عَنْهُ أَنَّهُ يُقْتَصُّ بِذَلِكَ فِيمَا عَظُمَ أَوْ صَغُرَ مِنْهَا مِنْ قَطْعِ الْيَدِ وَغَيْرِهَا يَحْلِفُ يَمِينًا وَاحِدَةً وَيُقْتَصُّ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْقَاطِعُ وَبَرِئَ فَإِنْ نَكَلَ حُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ وَقِيلَ يُقْطَعُ انْتَهَى.
(فَرْعٌ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ: قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ كَانَ الشَّاهِدُ غَيْرُ عَدْلٍ حَلَفَ الْمَطْلُوبُ وَلَيْسَ كَالْقَسَامَةِ وَمَا قَالَ أَحَدٌ غَيْرَ هَذَا إلَّا بَعْضُ مَنْ لَا يُؤْخَذُ بِقَوْلِهِ انْتَهَى.
(فَرْعٌ) قَالَ فِيهَا أَيْضًا: فَإِذَا تَعَلَّقَ بِهِ وَقَالَ أَنْتَ جَرَحْتنِي فَلَهُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ التُّهَمِ أُدِّبَ، وَاَلَّذِي فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ إذَا تَنَازَعَا ثُمَّ أَتَى أَحَدُهُمَا بِأُصْبُعِهِ مَجْرُوحَةً تَدْمَى يَزْعُمُ أَنَّ صَاحِبَهُ عَضَّهَا، قَالَ: يَحْلِفُ لَهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ التُّهَمِ أُدِّبَ، قَالَ فِي الْكِتَابَيْنِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ ادَّعَى أَنَّ فُلَانًا جَرَحَهُ: فَلَا يُسْتَحْلَفُ فِي جُرْحٍ ادَّعَاهُ أَوْ ضَرْبٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَشْهُورًا بِذَلِكَ فَيَحْلِفُ فَإِنْ نَكَلَ سُجِنَ حَتَّى يَحْلِفَ، وَقَالَ أَصْبَغُ: فَإِنْ طَالَ حَبْسُهُ وَلَمْ يَحْلِفْ عُوقِبَ وَأُطْلِقَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَمَرِّدًا فَيَخْلُدُ فِي السِّجْنِ ثُمَّ ذَكَرَ مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْعَبْدِ إذَا قَامَ عَلَى جُرْحِهِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ فَرَاجِعْهُ إنْ أَرَدْته وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (وَبَيْعُ مَا يَفْسُدُ وَوَقْفُ ثَمَنِهِ مَعَهُمَا بِخِلَافِ الْعَدْلِ فَيَحْلِفُ وَيَبْقَى بِيَدِهِ)
ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ ادَّعَى شَيْئًا مِمَّا يَفْسُدُ بِالتَّأْخِيرِ كَاللَّحْمِ وَرُطَبِ الْفَوَاكِهِ وَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ وَاحْتِيجَ إلَى تَزْكِيَتِهِمَا فَإِنَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ يُبَاعُ وَيُوقَفُ ثَمَنُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَامَ عَدْلًا وَاحِدًا فَإِنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَحْلِفُ أَنَّ الْمُدَّعِي لَا يَسْتَحِقُّ فِيهِ شَيْئًا وَيُتْرَكُ ذَلِكَ الشَّيْءُ بِيَدِهِ هَكَذَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ مُتَبَرِّئًا مِنْهُ بِقَوْلِهِ قَالَهُ، وَقَبِلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَالَ تَبَرَّأَ مِنْهُ لِإِشْكَالِهِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ كَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الشَّاهِدِ الثَّانِي كَذَلِكَ يَتَوَقَّفُ عَلَى عَدَالَةِ الشَّاهِدَيْنِ فَإِمَّا أَنْ يُبَاعَ وَيُوقَفَ ثَمَنُهُ فِيهِمَا أَوْ يُخَلَّى بِيَدِهِ فِيهِمَا وَأَجَابَ صَاحِبُ النُّكَتِ بِأَنَّ مُقِيمَ الْعَدْلِ قَادِرٌ عَلَى إثْبَاتِ حَقِّهِ بِيَمِينِهِ فَلَمَّا تَرَكَ ذَلِكَ اخْتِيَارًا صَارَ كَأَنَّهُ مَكَّنَهُ مِنْهُ بِخِلَافِ مَنْ أَقَامَ شَاهِدَيْنِ أَوْ شَاهِدًا وَوَقَفَ ذَلِكَ الْقَاضِي لِيَنْظُرَ فِي تَعْدِيلِهِمْ لَا حُجَّةَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى إثْبَاتِ حَقِّهِ بِغَيْرِ عَدَالَتِهِمْ، وَأَشَارَ الْمَازِرِيُّ إلَى فَرْقٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ الْمَجْهُولَيْنِ أَقْوَى مِنْ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ يُعْلَمُ الْآنَ قَطْعًا أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَقِلٍّ، وَالشَّاهِدَانِ الْمَجْهُولَانِ إذَا عُدِّلَا فَإِنَّمَا أَفَادَ تَعْدِيلُهُمَا بَعْدَ الْكَشْفِ عَنْ وَصْفٍ كَانَ عَلَيْهِ حِينَ الشَّهَادَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ وَجْهُ الْإِشْكَالِ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ قَالَ: إنَّمَا تَبَرَّأَ مِنْهُ لِأَنَّهُمْ مَكَّنُوا مِنْ الطَّعَامِ مَنْ هُوَ بِيَدِهِ بَعْدَ قِيَامِ شَاهِدٍ، وَلَمْ يُمَكِّنُوهُ مِنْهُ إنْ قَامَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ بَلْ قَالُوا يُبَاعُ وَيُوقَفُ ثَمَنُهُ وَالشَّاهِدُ أَضْعَفُ.
قَالَ: قُلْت: وَلِأَجْلِ أَنَّ الشَّاهِدَ أَضْعَفُ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ أُبْقِيَ الطَّعَامُ بِيَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا ضَعُفَتْ الدَّعْوَى لِضَعْفِ الْحُجَّةِ ضَعُفَ بِسَبَبِ ذَلِكَ أَثَرُهَا فَإِبْقَاءُ الطَّعَامِ بِيَدِهِ لَيْسَ هُوَ لِمَا تُوُهِّمَ مِنْ تَقْدِيمِ الْأَضْعَفِ عَلَى الْأَقْوَى بَلْ هُوَ عَيْنُ تَرْجِيحِ الْأَقْوَى فَأَجَابَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ صَحِيحًا لَلَزِمَ مِثْلُهُ فِيمَا لَا يُخْشَى فَسَادُهُ أَنْ يَحْلِفَ مَنْ هُوَ بِيَدِهِ وَيُتْرَكُ لَهُ يَفْعَلُ فِيهِ مَا أَحَبَّ، قَالَ: وَيُجَابُ عَنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ بِأَنَّ مَا يُخْشَى فَسَادُهُ قَدْ تَعَذَّرَ الْقَضَاءُ بِعَيْنِهِ لِلْمُدَّعِي لِمَا يُخْشَى عَلَيْهِ مِنْ الْفَسَادِ قَبْلَ ثُبُوتِ الدَّعْوَى فَلَمْ يَبْقَ إلَّا النِّزَاعُ فِي ثَمَنِهِ فَهُوَ كَدَيْنٍ عَلَى مَنْ هُوَ بِيَدِهِ فَمُكِّنَ مِنْهُ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ لِيَسْقُطَ حَقُّ الْمُنَازَعِ فِي تَعْجِيلِهِ لَهُ وَلَا يَلْزَمُ مِثْلُ ذَلِكَ فِيمَا قَامَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُدَّعِي فِيهِ أَقْوَى مِنْ حَقِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ. قُلْت وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِيهَا: وَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى فِيمَا يَفْسُدُ مِنْ اللَّحْمِ وَرَطْبِ الْفَوَاكِهِ وَقَدْ أَقَامَ لَطْخًا أَوْ شَاهِدًا عَلَى الْحَقِّ وَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ وَادَّعَى بَيِّنَةً قَرِيبَةً عَلَى الْحَقِّ أَجَّلَهُ الْقَاضِي بِإِحْضَارِ شَاهِدَيْنِ أَوْ شَاهِدٍ إنْ أَتَى بِشَاهِدٍ قَبْلَهُ وَلَمْ يَحْلِفْ مَا لَمْ يَخَفْ فَسَادَ ذَلِكَ الشَّيْءِ فَإِنْ جَاءَ بِمَا

(6/184)


يُنْتَفَعُ بِهِ وَإِلَّا أُسْلِمَ ذَلِكَ الشَّيْءُ إلَى الْمَطْلُوبِ وَنُهِيَ الْمُدَّعِي عَنْ التَّعَرُّضِ لَهُ، وَإِنْ كَانَ الطَّالِبُ قَدْ أَقَامَ شَاهِدَيْنِ فَأَوْقَفَ الْقَاضِي ذَلِكَ الشَّيْءَ إلَى الْكَشْفِ عَنْهُمَا فَإِنْ خَافَ عَلَى فَسَادِهِ بَاعَهُ وَأَوْقَفَ ثَمَنَهُ فَإِنْ زُكِّيَتْ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي وَهُوَ مُبْتَاعٌ أَخَذَهُ وَأَدَّى الثَّمَنَ الَّذِي قَالَتْ بَيِّنَتُهُ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ، وَيُقَالُ لِلْبَائِعِ إذَا كَانَ يَأْخُذُ أَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الْمَوْقُوفِ أَنْتَ أَعْلَمُ بِالتَّحَرُّجِ عَنْ الزِّيَادَةِ، وَإِنْ لَمْ يُزَكَّوْا أَخَذَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الثَّمَنَ الْمَوْقُوفَ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ بَيْعٌ نَظَرًا، وَلَوْ ضَاعَ الثَّمَنُ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ كَانَ لِمَنْ قُضِيَ لَهُ بِهِ انْتَهَى.
قَالَ فِي النُّكَتِ: إذَا أَقَامَ شَاهِدَيْنِ وَأَوْقَفَ الْقَاضِي الشَّيْءَ الْمُدَّعَى فِيهِ لِيَنْظُرَ فِي تَعْدِيلِهِمَا فَخَافَ فَسَادَهُ أَوْ أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا فَكَانَ الْحَاكِمُ يَنْظُرُ فِي تَعْدِيلِهِ. الْجَوَابُ سَوَاءٌ يُبَاعُ ذَلِكَ الشَّيْءُ بِخِلَافِ إذَا أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا عَدْلًا وَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ مَعَهُ، وَقَالَ: آتِي بِآخَرَ، فَخَافَ الْحَاكِمُ فَسَادَ ذَلِكَ الشَّيْءِ هَهُنَا يُسَلِّمُهُ إلَى الْمَطْلُوبِ، يُرِيدُ لِأَنَّ هَذَا قَادِرٌ عَلَى إثْبَاتِ حَقِّهِ بِيَمِينِهِ مَعَ شَاهِدِهِ الَّذِي ثَبَتَ لَهُ فَتَرَكَ ذَلِكَ اخْتِيَارًا مِنْهُ وَاَلَّذِي يُنْظَرُ فِي تَعْدِيلِ شَاهِدَيْهِ أَوْ شَاهِدِهِ الَّذِي أَقَامَهُ لَا حُجَّةَ عَلَيْهِ انْتَهَى. فَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ اسْتِحْلَافَ الْمَطْلُوبِ وَكَذَلِكَ قَالَ اللَّخْمِيُّ، وَنَصُّهُ: وَمَنْ ادَّعَى مَالًا يَبْقَى وَيُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ كَاللَّحْمِ وَرَطْبِ الْفَوَاكِهِ وَأَتَى بِلَطْخٍ أَوْ بَيِّنَةٍ لَا يَعْرِفُهَا الْقَاضِي فَقَالَ الْجَاحِدُ وَهُوَ الْبَائِعُ أَوْ الْمُدَّعِي وَهُوَ الْمُشْتَرِي: نَخَافُ فَسَادَهُ أَوْ لَمْ يَقُولَاهُ فَإِنْ أَثْبَتَ لَطْخًا وَقَالَ: لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ، أَوْ أَقَامَ شَاهِدًا وَقَالَ: عِنْدِي شَاهِدٌ آخَرُ وَلَا أَحْلِفُ فَإِنْ لَمْ يُحْضِرْ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَخَشِيَ عَلَيْهِ الْفَسَادَ خُلِّيَ بَيْنَ الْبَائِعِ وَبَيْنَ مَتَاعِهِ وَأَمَّا الشَّاهِدَانِ فَيُنْظَرُ فِي عَدَالَتِهِمَا فَإِنْ خَشِيَ الْفَسَادَ بِيعَ وَأُوقِفَ الثَّمَنُ انْتَهَى. فَلَمْ يَذْكُرْ اسْتِحْلَافَ الْمَطْلُوبِ أَيْضًا وَقَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: قَوْلُهُ فِي تَوْقِيفِ مَا يُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ إذَا قَالَ الْمُدَّعِي عِنْدِي شَاهِدٌ وَاحِدٌ وَلَا أَحْلِفُ مَعَهُ أَنَّهُ يُؤَجِّلُهُ مَا لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ الْفَسَادَ وَإِلَّا خُلِّيَ بَيْنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبَيْنَ مَتَاعِهِ.
مَعْنَى قَوْلِهِ لَا أَحْلِفُ مَعَهُ أَيْ أَلْبَتَّةَ وَلَوْ أَرَادَ أَنْ لَا يَحْلِفَ مَعَهُ الْآنَ لِأَنِّي أَرْجُو شَاهِدًا آخَرَ فَإِنْ وَجَدْته وَإِلَّا حَلَفْت مَعَ شَاهِدِي بِيعَ حِينَئِذٍ وَوُقِفَ ثَمَنُهُ إنْ خَشِيَ عَلَيْهِ الْفَسَادَ، وَلَيْسَ هَذَا بِأَضْعَفَ مِنْ شَاهِدَيْنِ يُطْلَبُ تَعْدِيلُهُمَا فَقَدْ جَعَلَهُ يَبِيعُهُ هُنَا، وَنَحْنُ عَلَى شَكٍّ مِنْ تَعْدِيلِهِمَا، وَهُوَ إنْ لَمْ يُعَدِّلْهُمَا بَطَلَ الْحَقُّ، وَشَاهِدٌ وَاحِدٌ فِي الْأَوَّلِ ثَابِتٌ بِكُلِّ حَالٍ وَالْحَلِفُ مَعَهُ مُمْكِنٌ إنْ لَمْ يَجِدْ آخَرَ وَيَثْبُتُ الْحَقُّ انْتَهَى. وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ وَكَلَامَ التَّنْبِيهَاتِ ثُمَّ قَالَ بَعْدُ: فَحَاصِلُهَا إنْ لَمْ يُقِمْ الْمُدَّعِي إلَّا لَطْخًا قَاصِرًا عَنْ شَاهِدِ عَدْلٍ وَعَنْ شَاهِدَيْنِ يُمْكِنُ تَعْدِيلُهُمَا وُقِفَ الْمُدَّعَى فِيهِ مَا لَمْ يَخْشَ فَسَادَهُ فَإِنْ خَشِيَ فَسَادَهُ خُلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَكَذَا إنْ أَقَامَ شَاهِدًا عَدْلًا وَقَالَ: لَا أَحْلِفُ مَعَهُ بِوَجْهٍ، وَإِنْ قَالَ: أَحْلِفُ مَعَهُ، أَوْ أَتَى بِشَاهِدَيْنِ يُنْظَرُ فِي تَعْدِيلِهِمَا بِيعَ وَوُقِفَ ثَمَنُهُ حَسْبَمَا ذَكَرَهُ فِي الْأُمِّ، وَمِثْلُ مَا ذَكَرَهُ عِيَاضٌ عَنْ الْمَذْهَبِ ذَكَرَ أَبُو حَفْصٍ الْعَطَّارُ وَزَادَ: إنْ كَانَ أَتَى الطَّالِبُ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ وَإِنْ لَمْ يُزَكِّهِ وَهُوَ قَابِلٌ لِلتَّزْكِيَةِ فَهُوَ كَقِيَامِ شَاهِدَيْنِ يُنْظَرُ فِي تَزْكِيَتِهِمَا يُبَاعُ الْمُدَّعَى فِيهِ لِخَوْفِ فَسَادِهِ وَنَقَلَ أَبُو إبْرَاهِيمَ قَوْلُ عِيَاضٍ وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ، انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ وَلَيْسَ فِيهِ وَلَا فِي كَلَامِ التَّنْبِيهَاتِ اسْتِحْلَافُ الْمَطْلُوبِ لَكِنْ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِلَّا سُلِّمَ ذَلِكَ الشَّيْءُ إلَى الْمَطْلُوبِ: ظَاهِرُهُ مِنْ غَيْرِ يَمِينِ الشَّيْخِ وَهَذَا لَا يَصِحُّ فَمَعْنَاهُ بِيَمِينٍ اُنْظُرْهُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ مِنْ النَّوَادِرِ: وَإِذَا كَانَتْ الدَّعْوَى فِيمَا يَفْسُدُ مِنْ اللَّحْمِ وَالْفَاكِهَةِ الطَّرِيَّةِ وَأَقَامَ لَطْخًا أَوْ قَامَ لَهُ شَاهِدٌ فَإِنَّهُ يُوقَفُ إلَى مَجِيءِ شَاهِدِهِ الْآخَرِ أَوْ يَمِينِهِ إلَى مِثْلِ مَا لَا يُخْشَى فِيهِ فَسَادُ الَّذِي فِيهِ الدَّعْوَى فَإِنْ خَافَ فَسَادَهُ أَحْلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَتَرَكَ لَهُ مَا أُوقِفَ عَلَيْهِ انْتَهَى.
وَفِي كَلَامِ التَّنْبِيهَاتِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَقَبِلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ تَقْيِيدُ عَدَمِ بَيْعِ الْمُدَّعَى فِيهِ مَعَ قِيَامِ الشَّاهِدِ الْعَدْلِ بِمَا إذَا قَالَ الْمُدَّعِي: لَا أَحْلِفُ مَعَهُ أَلْبَتَّةَ، وَأَمَّا إذَا قَالَ: لَا أَحْلِفُ

(6/185)


الْآنَ لِأَنِّي أَرْجُو شَاهِدًا آخَرَ فَإِنْ وَجَدْتُهُ وَإِلَّا حَلَفْت مَعَ شَاهِدَيَّ أَنَّهُ يُبَاعُ وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الشَّاهِدَيْنِ، وَكَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ فَإِنَّهُ قَالَ فِي كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ: وَمِثْلُ مَا ذَكَرَهُ عِيَاضٌ عَنْ الْمَذْهَبِ ذَكَرَ أَبُو حَفْصٍ الْعَطَّارُ وَقَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنَ الْحَاجِبِ وَابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ: حَاصِلُ كَلَامِهِ - يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ - أَنَّ الْمَذْهَبَ عِنْدَهُ هُوَ مَا نَقَلَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَأَشَارَ إلَى التَّبَرِّي مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: وَمَنْ تَأَمَّلَ كَلَامَ عِيَاضٍ وَأَبِي حَفْصِ بْنِ الْعَطَّارِ مُرَاعِيًا أُصُولَ الْمَذْهَبِ عَلِمَ مِنْهُ أَنَّ مَا فَهِمَهُ الشَّيْخُ - يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ الْمَذْهَبِ وَفَسَّرَ بِهِ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ التَّبَرِّي غَيْرُ صَحِيحٍ انْتَهَى.
وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا التَّقْيِيدَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي التَّنْبِيهَاتِ يَزُولُ بِهِ الْإِشْكَالُ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُقَرِّرَ وَجْهَ التَّبَرِّي فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ بِأَنَّهُ كَيْفَ قَالُوا إنَّهُ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ يُمَكَّنُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ الشَّيْءِ الْمُدَّعَى فِيهِ وَمَعَ الشَّاهِدَيْنِ اللَّذَيْنِ يُرِيدُ أَنْ يُزَكَّيَا لَا يُمَكَّنُ مِنْهُ وَيُبَاعُ وَيُوقَفُ ثَمَنُهُ مَعَ أَنَّ الْحَقَّ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ أَقْرَبُ إلَى الثُّبُوتِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ سَوَاءٌ وَجَدَ شَاهِدًا ثَانِيًا أَوْ لَمْ يَجِدْهُ بِخِلَافِ الشَّاهِدَيْنِ اللَّذَيْنِ يُزَكَّيَانِ فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُزَكِّيهِمَا لَمْ يَثْبُتْ الْحَقُّ فَقِيَامُ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ أَقْوَى فِي إثْبَاتِ الْحَقِّ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ اللَّذَيْنِ يُزَكَّيَانِ، فَيُجَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ إنَّمَا يُمَكَّنُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ الْمُدَّعَى فِيهِ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ إذَا قَالَ الْمُدَّعِي: لَا أَحْلِفُ مَعَهُ أَلْبَتَّةَ وَإِنَّمَا أَطْلُبُ شَاهِدًا ثَانِيًا فَإِنْ وَجَدْته أَثْبَتَ حَقِّي وَإِنْ لَمْ أَجِدْهُ لَمْ أَحْلِفْ، فَحِينَئِذٍ يُمَكَّنُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ الْمُدَّعَى فِيهِ إذَا خِيفَ عَلَيْهِ الْفَسَادُ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ الْوَاحِدَ حِينَئِذٍ أَضْعَفُ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ عَدَمِ ثُبُوتِ الْحَقِّ مَعَهُ حَاصِلٌ وَالْوَاحِدُ أَضْعَفُ مِنْ الِاثْنَيْنِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمُدَّعِيَ مُخْتَارٌ لِعَدَمِ إثْبَاتِ حَقِّهِ بِامْتِنَاعِهِ عَنْ الْيَمِينِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ النُّكَتِ
وَأَمَّا إذَا قَالَ الْمُدَّعِي: أَنَا لَا أَحْلِفُ الْآنَ لِأَنِّي أَرْجُو شَاهِدًا ثَانِيًا فَإِنْ وَجَدْته وَإِلَّا حَلَفْت فَهَذَا يُبَاعُ ذَلِكَ الشَّيْءُ وَيُوقَفُ ثَمَنُهُ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ الْوَاحِدَ حِينَئِذٍ أَقْوَى مِنْ الشَّاهِدَيْنِ (فَإِنْ قِيلَ) لِمَ لَمْ يُفَصِّلُوا فِيمَا لَا يُخْشَى فَسَادُهُ فِي قِيَامِ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ بَلْ قَالُوا: إنَّهُ يُحَالُ بَيْنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالشَّيْءِ الْمُدَّعَى فِيهِ مَعَ قِيَامِ الشَّاهِدِ الْعَدْلِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ؟ .
(فَالْجَوَابُ) إنَّ مَا يُخْشَى فَسَادُهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْقَضَاءُ بِعَيْنِهِ لِلْمُدَّعِي لِمَا يُخْشَى مِنْ فَسَادِهِ قَبْلَ ثُبُوتِ الدَّعْوَى وَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ يَقْضِيَ لَهُ بِثَمَنِهِ وَقَوِيَ حَقُّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِسَبَبِ وَضْعِ الْيَدِ مَعَ تَرْكِ الْمُدَّعِي إثْبَاتَ حَقِّهِ الْقَادِرِ عَلَيْهِ اخْتِيَارًا أُبْقِيَ الشَّيْءُ الْمُدَّعَى فِيهِ بِيَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا لَا يُخْشَى فَسَادُهُ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِعَيْنِهِ لِلْمُدَّعِي مُمْكِنٌ وَلَا كَبِيرَ ضَرَرٍ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي إيقَافِهِ فَتَأَمَّلْهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ بِخِلَافِ الْعَدْلِ فَيَحْلِفُ مَعَهُ وَيَبْقَى بِيَدِهِ، يُقَيَّدُ ذَلِكَ بِمَا إذَا قَالَ الْمُدَّعِي: أَنَا لَا أَحْلِفُ أَلْبَتَّةَ مَعَ شَاهِدَيْ الْعَدْلِ وَإِنَّمَا أَطْلُبُ شَاهِدًا ثَانِيًا فَإِنْ وَجَدْته وَإِلَّا تَرَكْت، وَأَمَّا إذَا قَالَ: أَنَا لَا أَحْلِفُ الْآنَ لِأَنِّي أَرْجُو شَاهِدًا ثَانِيًا فَإِنْ وَجَدْته وَإِلَّا حَلَفْت فَإِنَّ الْمُدَّعَى فِيهِ يُبَاعُ وَيُوقَفُ ثَمَنُهُ كَمَا يُوقَفُ مَعَ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى مَا قَالَهُ عِيَاضٌ وَأَبُو حَفْصٍ الْعَطَّارُ وَقَبْلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فَتَأَمَّلْهُ مُنْصِفًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (وَإِنَّ سَأَلَ ذُو الْعَدْلِ إلَخْ) ش: يُشِيرُ إلَى قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ ادَّعَى عَبْدًا بِيَدِ رَجُلٍ فَأَقَامَ شَاهِدًا عَدْلًا يَشْهَدُ عَلَى الْقَطْعِ أَنَّهُ عِنْدَهُ أَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً يَشْهَدُونَ أَنَّهُمْ سَمِعُوا أَنَّ عَبْدًا سُرِقَ لَهُ مِثْلُ مَا يَدَّعِي، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ شَهَادَتُهُ قَاطِعَةً وَلَهُ بَيِّنَةٌ بِبَلَدٍ آخَرَ فَسَأَلَ وَضْعَ قِيمَةِ الْعَبْدِ لِيَذْهَبَ بِهِ إلَى بَيِّنَتِهِ لِتَشْهَدَ عَلَى عَيْنِهِ عِنْدَ قَاضِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ فَذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُقِمْ شَاهِدًا وَلَا بَيِّنَةَ سَمَاعٍ عَلَى ذَلِكَ وَادَّعَى بَيِّنَةً قَرِيبَةً بِمَنْزِلَةِ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ فَسَأَلَ وَضْعَ قِيمَةِ الْعَبْدِ لِيَذْهَبَ بِهِ إلَى بَيِّنَتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ قَالَ أَوْقِفُوا الْعَبْدَ حَتَّى آتِيَ بِبَيِّنَتِي لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَدَّعِي بِبَيِّنَةٍ حَاضِرَةٍ عَلَى الْحَقِّ أَوْ سَمَاعًا يَثْبُتُ لَهُ بِهِ دَعْوَاهُ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُوقِفُ الْعَبْدَ وَيُوَكَّلُ بِهِ حَتَّى يَأْتِيَهُ بِبَيِّنَةٍ فِيمَا قَرُبَ مِنْ يَوْمٍ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ جَاءَ

(6/186)


بِشَاهِدٍ أَوْ سَمَاعٍ وَسَأَلَ إيقَافَ الْعَبْدِ لِيَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ فَإِنْ كَانَتْ بَعِيدَةً وَفِي إيقَافِهِ ضَرَرٌ اسْتَحْلَفَ الْقَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَأَسْلَمَهُ إلَيْهِ بِغَيْرِ كَفِيلٍ، وَإِنْ ادَّعَى شُهُودًا حُضُورًا عَلَى حَقِّهِ أُوقِفَ لَهُ نَحْوُ الْخَمْسَةِ الْأَيَّامِ وَالْجُمُعَةِ، وَهَذَا التَّحْدِيدُ لِغَيْرِ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَرَأَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنْ يُوقَفَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْجَائِيَ بِشَاهِدٍ أَوْ سَمَاعٍ لَهُ وَضْعُ الْقِيمَةِ عِنْدَ مَالِكٍ وَالذَّهَابُ بِهِ إلَى بَيِّنَتِهِ فَهَذَا كَالْإِيقَافِ انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ: قَوْلُهُ عَبْدًا لَيْسَ يُرِيدُ خُصُوصِيَّةَ الْعَبْدِ وَإِنَّمَا نَبَّهَ بِهِ عَلَى مَا سِوَاهُ، وَقَوْلُهُ وَأَقَامَ شَاهِدًا يُرِيدُ وَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ مَعَهُ ابْنُ رُشْدٍ: وَكَذَا لَوْ أَقَامَ شَاهِدَيْنِ مَجْهُولَيْ الْحَالِ. قَوْلُهُ: عِنْدَ قَاضِي تِلْكَ الْبَلَدِ ظَاهِرُهَا كَانَ قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا انْتَهَى. وَنَبَّهَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ: لَا إنْ انْتَفَيَا وَطَلَبَ إيقَافَهُ إلَى أَنَّهُ لَا يُجَابُ إلَى الذَّهَابِ بِهِ مِنْ بَابٍ أَوْلَى فَتَأَمَّلْهُ وَنَقَلَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ فِي شَرْحِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَسْأَلَةَ كِتَابِ الصُّنَّاعِ فِي عَكْسِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ مَنْ اُسْتُحِقَّتْ مِنْ يَدِهِ دَابَّةٌ فَسَأَلَ الْقَاضِيَ وَضْعَ قِيمَتِهَا وَيَذْهَبُ بِهَا إلَى بَلَدِ الْبَائِعِ وَلَمْ يَنْقُلْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فَقَدْ يُشَوِّشُ ذَلِكَ عَلَى فَهْمِ الطَّالِبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَضْعُ قِيمَةِ الْعَبْدِ هَذَا فِي الْمُسْتَحَقِّ بِالرِّقِّ وَأَمَّا الْمُسْتَحَقُّ بِالْحُرِّيَّةِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي آخِرِ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ الْجِهَادِ وَفِي رَسْمِ الْقِبْلَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الِاسْتِحْقَاقِ.
ص (وَالْغَلَّةُ لَهُ لِلْقَضَاءِ وَالنَّفَقَةِ عَلَى الْمَقْضِيِّ لَهُ بِهِ)
ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إثْرَ الْكَلَامِ السَّابِقِ: وَنَفَقَةُ الْعَبْدِ فِي الْإِيقَافِ عَلَى مَنْ يَقْضِي لَهُ بِهِ، ثُمَّ قَالَ: الْغَلَّةُ أَبَدًا لِلَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَهَا مِنْهُ حَتَّى يَقْضِيَ بِهَا لِلطَّالِبِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: فِي الْمَسْأَلَة ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ النَّفَقَةُ وَالْغَلَّةُ لِمَنْ ذَلِكَ بِيَدِهِ وَقِيلَ لِمَنْ يَقْضِي لَهُ بِهِ وَالتَّفْصِيلُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْكِتَابِ. قَالَ: وَمَذْهَبُ الْكِتَابِ مُشْكِلٌ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَجْهُهُ أَنَّهُ لَمَّا ادَّعَى الْعَبْدَ كَأَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّ نَفَقَتَهُ عَلَيْهِ فَيُؤْخَذُ بِإِقْرَارِهِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي الْغَلَّةِ؛ لِأَنَّهُ مُدَّعٍ فِيهَا اُنْظُرْهُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي النُّكَتِ: فَإِنْ تَشَاحَّا فِي النَّفَقَةِ كَانَتْ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا ثُمَّ يُنْظَرُ بَعْدَ ذَلِكَ وَيُقْضَى لَهُ بِهِ، وَقَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا مِنْ أَهْلِ بَلَدِنَا: إنْ لَمْ يَتَطَوَّعْ أَحَدُهُمَا بِالنَّفَقَةِ وَتَشَاحَّا كَانَتْ عَلَى مَنْ هُوَ بِيَدِهِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى أَصْلِ مِلْكِهِ لَا يُخْرِجُهُ الْإِيقَافُ حَتَّى يُنْظَرَ فِيهِ، يُرِيدُ فَإِذَا أُلْزِمَ النَّفَقَةَ ثُمَّ ثَبَتَ لِلْآخَرِ رَجَعَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ انْتَهَى.

[فَرْعٌ أُلْزِمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِإِحْضَارِ الْمُدَّعَى بِهِ لِتَشْهَدَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ]
(فَرْعٌ) قَالَ فِي آخِرِ كِتَابِ الدَّعَاوَى مِنْ الذَّخِيرَةِ: قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إذَا أُلْزِمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِإِحْضَارِ الْمُدَّعَى بِهِ لِتَشْهَدَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ فَإِنْ ثَبَتَ الْحَقُّ فَالْمُؤْنَةُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُبْطِلٌ مُلِحٌّ وَإِلَّا فَعَلَى الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّهُ مُبْطِلٍ فِي ظَاهِرِ الشَّرْعِ، وَلَا تَجِبُ أُجْرَةُ تَعْطِيلِ الْمُدَّعَى بِهِ فِي مُدَّةِ الْإِحْضَارِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلْحَاكِمِ لَا يَتِمُّ مَصَالِحُ الْحُكَّامِ إلَّا بِهِ انْتَهَى.

[فَرْعٌ تَنَازَعْتُمَا حَائِطًا مُبَيَّضًا هَلْ هُوَ مُنْعَطَفٌ لِدَارِك أَوْ لِدَارِهِ]
وَقَالَ بَعْدَهُ بِنَحْوِ صَفْحَةٍ (فَرْعٌ) إذَا تَنَازَعْتُمَا حَائِطًا مُبَيَّضًا هَلْ هُوَ مُنْعَطَفٌ لِدَارِك أَوْ لِدَارِهِ فَأَمَرَ الْحَاكِمُ بِكَشْفِ الْبَيَاضِ لِيَنْظُرَ إنْ جُعِلَتْ الْأُجْرَةُ فِي الْكَشْفِ عَلَيْهِ فَمُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ قَدْ يَكُونُ لِخَصْمِك، وَالْأُجْرَةُ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ لِمَنْ لَهُ نَفْعُ الْعَمَلِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَقَعَ الْأُجْرَةُ عَلَى أَنَّ الْإِجَارَةَ عَلَى مَنْ يَثْبُتُ لَهُ الْمِلْكُ لِأَنَّكُمَا جَزَمْتُمَا بِالْمِلْكِيَّةِ فَمَا وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ إلَّا جَازِمَةً، وَكَذَلِكَ الْغَائِبُ لَوْ امْتَنَعَ إلَّا بِأَجْرٍ قَالَ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ يُلْزِمُ الْحَاكِمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِاسْتِئْجَارِهِ وَتَلْزَمُ الْأُجْرَةُ فِي الْأَخِيرِ مَنْ ثَبَتَ لَهُ الْمِلْكُ كَمَا يَحْلِفُ فِي اللِّعَانِ وَغَيْرِهِ وَأَحَدُهُمَا كَاذِبٌ انْتَهَى. وَهَذَا الْأَخِيرُ هُوَ الظَّاهِرُ كَمَا فِي الْفَرْعِ قَبْلَهُ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (وَجَازَتْ عَلَى خَطِّ مُقِرٍّ)
ش: ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَتْ

(6/187)


الْوَثِيقَةُ بِخَطِّهِ أَوْ فِيهَا شَهَادَتُهُ فَقَطْ عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ.
قَالَ فِي رَسْمِ الشَّجَرَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ كَتَبَ: عَلَى رَجُلٍ ذِكْرُ حَقٍّ، وَأَشْهَدَ فِيهِ رَجُلَيْنِ فَكَتَبَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ شَهَادَتَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِيَدِهِ فِي الذِّكْرِ الْحَقِّ فَهَلَكَ الشَّاهِدُ ثُمَّ جَحَدَ فَأَتَى رَجُلَانِ فَقَالَا: نَشْهَدُ أَنَّهُ كِتَابُهُ بِيَدِهِ.
قَالَ مَالِكٌ: إذَا شَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ أَنَّهُ كِتَابُهُ بِيَدِهِ رَأَيْت أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ الْحَقُّ، وَلَا يَنْفَعُهُ إنْكَارُهُ وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ لَوْ أَقَرَّ ثُمَّ جَحَدَ فَشَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ بِإِقْرَارِهِ فَأَرَى أَنْ يَغْرَمَ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا بَيِّنٌ عَلَى مَا قَالَهُ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الرَّجُلِ عَلَى نَفْسِهِ شَهَادَةُ إقْرَارٍ عَلَيْهَا وَإِقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ شَهَادَةٌ عَلَيْهَا وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ.
ص (وَإِنْ بِغَيْرِ مَالٍ فِيهِمَا)
ش: هَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْ الشَّهَادَةَ عَلَى الْخَطِّ جَائِزَةٌ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَغَيْرِهِمَا، وَكَأَنَّهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعْتَمَدَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ وَنَصِّهِ، وَفِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَرَجِ مَوْلَى ابْنِ الطَّلَّاعِ أَنَّهُ قَالَ: الْأَصْلُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْخُطُوطِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ أَنَّهَا تَجُوزُ فِي الْحُقُوقِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْأَحْبَاسِ وَغَيْرِهَا انْتَهَى. وَهُوَ خِلَافُ مَا نَقَلَهُ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ السُّيُورِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى الْخَطِّ فِي طَلَاقٍ وَلَا عَتَاقٍ وَلَا حَدٍّ مِنْ الْحُدُودِ عَلَى مَا فِي الْوَاضِحَةِ وَغَيْرِهَا انْتَهَى مِنْ أَوَائِلِ مَسَائِلِ الْأَيْمَانِ وَنَقَلَهُ فِي مَسَائِلِ الْأَقْضِيَةِ وَالشَّهَادَاتِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ اُنْظُرْ كَلَامَهُ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ فِي أَثْنَاءِ مَسَائِلِ النِّكَاحِ فِي رَجُلٍ يُقِيمُ عَلَيْهِ بِعَقْدٍ يَتَضَمَّنُ إشْهَادَهُ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ مَتَى تَزَوَّجَ فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَقَدْ تَزَوَّجَهَا فَأَنْكَرَ الْعَقْدَ فَشَهِدَ شُهُودٌ أَنَّ الْعَقْدَ خَطُّ يَدِهِ فَقَالَ: إنْ كَانَ الْعَقْدُ الَّذِي قِيمَ عَلَى الرَّجُلِ الْمَذْكُورِ ثَبَتَ بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ الَّذِينَ أَشْهَدَهُمْ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا تَضَمَّنَهُ وَعَجَزَ عَنْ الدَّفْعِ فَاَلَّذِي أَرَاهُ وَأَتَقَلَّدُهُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي مِنْ الْأَقْوَالِ الْمَشْهُورَةِ فِي الْمَذْهَبِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ جُرْحَةً تُسْقِطُ شَهَادَتُهُ إلَّا أَنْ يُقِرَّ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ أَنْ حَلَفَ بِطَلَاقِهَا أَلْبَتَّةَ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَهَا وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ لَهُ جُرْأَةً عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إذْ لَوْ أَقَرَّ بِطَلَاقِهَا عَلَى مَا تَضَمَّنَهُ الْعَقْدُ وَقَالَ: إنَّمَا تَزَوَّجَهَا؛ لِأَنَّهُ اعْتَقَدَ أَنَّ ذَلِكَ يُسَوَّغُ لَهُ لِاخْتِلَافِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ لَعُذِرَ فِيمَا فَعَلَهُ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ جُرْحَةً لَا سِيَّمَا إنْ

(6/188)


كَانَ مِمَّنْ يَنْظُرُ فِي الْعِلْمِ وَيَسْمَعُ الْأَحَادِيثَ.
وَأَمَّا إنْ لَمْ يَثْبُتْ الْعَقْدُ الَّذِي قِيمَ بِهِ إلَّا بِالشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ فَلَا يُحْكَمُ بِهِ عَلَيْهِ إنْ أَنْكَرَ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا أَوْ إنْ عَجَزَ عَنْ الدَّفْعِ فِي شَهَادَةِ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ خَطُّ يَدِهِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْخَطِّ لَا تَجُوزُ فِي طَلَاقٍ وَلَا عَتَاقٍ وَلَا نِكَاحٍ وَلَا حَدٍّ مِنْ الْحُدُودِ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ حَبِيبٍ فِي وَاضِحَتِهِ وَغَيْرُهُ، وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ خَطُّهُ كَتَبَهُ بِيَدِهِ وَزَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يَكْتُبْهُ عَازِمًا عَلَى إنْفَاذِهِ وَإِنَّمَا كَتَبَهُ عَلَى أَنْ يَسْتَشِيرَ وَيَنْظُرَ فِي ذَلِكَ لَصُدِّقَ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ فِي وَاضِحَتِهِ نَقَلَهُ ابْنُ حَبِيبٍ فِيهَا عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ وَأَنَّهَا لَا تَجُوزُ فِي طَلَاقٍ وَلَا عَتَاقٍ وَلَا حَدٍّ مِنْ الْحُدُودِ وَلَا كِتَابِ قَاضٍ وَإِنَّمَا تَجُوزُ فِي الْأَمْوَالِ فَقَطْ، وَحَيْثُ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ وَلَا الشَّاهِدِ مَعَ الْيَمِينِ فَلَا تَجُوزُ عَلَى الْخَطِّ، وَحَيْثُ يَجُوزُ هَذَا يَجُوزُ هَذَا، وَوَقَعَ فِي رَسْمِ الْقَضَاءِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ فِي امْرَأَةٍ كَتَبَ إلَيْهَا زَوْجُهَا بِطَلَاقِهَا مَعَ مَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ إنْ وَجَدَتْ مَنْ يَشْهَدُ لَهَا عَلَى خَطِّهِ نَفَعَهَا ذَلِكَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَمِثْلُهُ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَكَانَ يُمْضِي لَنَا عِنْدَ مَنْ أَدْرَكْنَاهُ مِنْ الشُّيُوخِ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ لَا خِلَافَ فِيهِ، وَأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ نَفَعَهَا ذَلِكَ أَنَّهُ يَكُونُ لَهَا شُبْهَةٌ تُوجِبُ لَهَا الْيَمِينَ عَلَى الزَّوْجِ أَنَّهُ مَا طَلَّقَ، وَاَلَّذِي أَقُولُ بِهِ أَنَّ مَعْنَى مَا حَكَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ إنَّمَا هُوَ أَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَجُوزُ عَلَى خَطِّ الشَّاهِدِ فِي طَلَاقٍ وَلَا عَتَاقٍ وَلَا نِكَاحٍ لَا أَنَّهَا لَا تَجُوزُ عَلَى خَطِّ الرَّجُلِ أَنَّهُ طَلَّقَ أَوْ أَعْتَقَ أَوْ أَنْكَحَ بَلْ هِيَ جَائِزَةٌ عَلَى خَطِّهِ بِذَلِكَ كَمَا تَجُوزُ عَلَى خَطِّهِ بِالْإِقْرَارِ بِالْمَالِ وَهُوَ بَيِّنٌ مِنْ قَوْلِهِ، فَالصَّوَابُ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ مَالِكٍ " نَفَعَهَا " عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ الْحُكْمِ لَهَا بِالطَّلَاقِ عَلَيْهِ إذَا شَهِدَ عَلَى خَطِّهِ شَاهِدَانِ عَدْلَانِ وَذَلِكَ إذَا كَانَ الْخَطُّ بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ مِثْلُ أَنْ يَكْتُبَ إلَى رَجُلٍ يُعْلِمُهُ بِأَنَّهُ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ أَوْ إلَيْهَا يُعْلِمُهَا بِذَلِكَ وَأَمَّا إنْ كَانَ الْكِتَابُ إنَّمَا هُوَ بِطَلَاقِهِ إيَّاهَا ابْتِدَاءً فَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِهِ إلَّا أَنْ يُقِرَّ أَنَّهُ كَتَبَهُ مُجْمِعًا عَلَى الطَّلَاقِ، وَفِي قَبُولِ قَوْلِهِ أَنَّهُ كَتَبَهُ غَيْرَ مُجْمِعٍ عَلَى الطَّلَاقِ بَعْدَ أَنْ أَنْكَرَ أَنَّهُ كَتَبَهُ اخْتِلَافٌ انْتَهَى.
بَعْضَهُ بِالْمَعْنَى وَأَكْثَرُهُ بِاللَّفْظِ فَيَكُونُ اخْتِيَارُ ابْنِ رُشْدٍ ثَالِثًا يُفَرَّقُ بَيْنَ الشَّهَادَةِ عَلَى خَطِّ الشَّاهِدِ فَلَا تَجُوزُ إلَّا فِي الْأَمْوَالِ وَبَيْنَ الشَّهَادَةِ عَلَى خَطِّ الْمُقِرِّ فَتَجُوزُ فِي الْأَمْوَالِ وَغَيْرِهَا إذَا كَانَ الْخَطُّ بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ طَلَّقَ أَوْ أَعْتَقَ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْخَطُّ إنَّمَا هُوَ بِطَلَاقِهِ إيَّاهَا ابْتِدَاءً فَلَا، وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ سَهْلٍ نَحْوَ اخْتِيَارِ ابْنُ رُشْدٍ وَعَنْ الْبَاجِيِّ أَيْضًا.
وَظَاهِرُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ فِي النِّكَاحِ أَنَّهُ حَمَلَ قَوْلَ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَقَالَ فِي مَسَائِلِ الشَّهَادَاتِ مِنْ نَوَازِلِهِ ظَاهِرُ مَا حَكَى ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْخَطِّ لَا تَجُوزُ فِيمَا عَدَا الْأَمْوَالِ لَا عَلَى خَطِّ الشَّاهِدِ وَلَا عَلَى خَطِّ الْمُعْتِقِ أَوْ الْمُطَلِّقِ وَسَائِرُ مَا ذَكَرَهُ مِمَّا لَيْسَ بِمَالٍ.
وَعَلَى ذَلِكَ كَانَ الشُّيُوخُ يَحْمِلُونَهُ، وَمَعْنَى ذَلِكَ إذَا وُجِدَ الْكِتَابُ بِالْعِتْقِ عِنْدَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ بِيَدِهِ فِي حَيَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ خَطُّهُ وَقَالَ كَتَبْته عَلَى أَنِّي أَسْتَخِيرُ فِي تَنْفِيذِهِ وَلَمْ أُنَفِّذْهُ بَعْدُ صُدِّقَ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا إذَا كَانَ دَفَعَهُ إلَى الْعَبْدِ أَوْ كَانَ قَدْ نَصَّ فِيهِ عَلَى أَنَّهُ أَنْفَذَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَالشَّهَادَةُ عَلَيْهِ عَامِلَةٌ كَالشَّهَادَةِ عَلَى خَطِّهِ بِالْإِقْرَارِ بِالْمَالِ وَهُوَ ظَاهِرُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّة وَمَا فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ بَعْدَ نَقْلِهِ قَوْلَ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذِهِ التَّفْرِقَةُ لَا مَعْنَى لَهَا إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَنَّ الْأَمْوَالَ أَخَفُّ وَالصَّوَابُ الْجَوَازُ فِي الْجَمِيعِ. قَالَ ابْنُ الْهِنْدِيِّ: وَيَلْزَمُ مَنْ أَجَازَهَا فِي الْأَحْبَاسِ الْقَدِيمَةِ أَنْ يُجِيزَهَا فِي

(6/189)


غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْحُقُوقَ عِنْدَ اللَّهِ سَوَاءٌ انْتَهَى.
ص (وَأَنَّهُ كَانَ يَعْرِفُ مَشْهَدَهُ وَتَحَمَّلَهَا عَدْلًا)
ش: مَا ذَكَرَهُ مِنْ مَعْرِفَةِ مَشْهَدِهِ هُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ قَوْلِهِ وَتَحَمَّلَهَا عَدْلًا هُوَ تَعْدِيلٌ لِلْمَشْهُودِ عَلَى خَطِّهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الشَّاهِدَ عَلَى الْخَطِّ لَا بُدَّ أَنْ يَشْهَدَ بِذَلِكَ.
وَذَكَرَ الْمُتَيْطِيُّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ بَلْ يَكْفِي أَنْ يَشْهَدَ بِذَلِكَ غَيْرُهُمَا.
قَالَ فِي كِتَابِ الْحَبْسِ فِي فَصْلٍ ذَكَرَ فِيهِ أَنَّ قَائِمًا قَامَ بِالْحِسْبَةِ أَنَّ فُلَانًا بَاعَ حَبْسًا مَا نَصُّهُ: وَإِنْ كَانَ الشُّهُودُ الَّذِينَ شَهِدُوا عَلَى خُطُوطٍ شُهُودَ مَوْتَى فِي كِتَابِ الْحَبْسِ قُلْت فَأَتَى إلَيْهِ بِفُلَانٍ وَفُلَانٍ شَهِدَا عِنْدَهُ أَنَّ شَهَادَةَ فُلَانٍ وَفُلَانٍ الْوَاقِعَةَ فِي كِتَابِ الْحَبْسِ الْمُنْتَسِخِ فِي هَذَا الْكِتَابِ بِخُطُوطِ أَيْدِيهِمَا لَا يَشُكَّانِ فِي ذَلِكَ وَأَنَّهُمَا مَيِّتَانِ فَقَبِلَ الْقَاضِي شَهَادَةَ الشَّهِيدَيْنِ عِنْدَهُ، وَشَهَادَةُ الشَّهِيدَيْنِ الْمَشْهُودِ عَلَى خُطُوطِهِمَا وَإِنْ عَدَّلَهُمَا الشَّاهِدَانِ عِنْدَهُ عَلَى خُطُوطِهِمَا جَازَ ذَلِكَ وَقُلْت فِي إثْرِ قَوْلِك: وَإِنَّهُمَا مَيِّتَانِ وَإِنَّهُمَا كَانَا فِي رَسْمِ الْعَدَالَةِ وَقَبُولِ الشَّهَادَةِ فِي تَارِيخِ شَهَادَتِهِمَا عَنْ الشَّهَادَةِ

(6/190)


أَوْ الْمَذْكُورَةِ وَبَعْدَهَا إلَى أَنْ تُوُفِّيَا وَإِنْ عَدَّلَهُمَا عِنْدَهُ غَيْرُ الشَّاهِدَيْنِ اللَّذَيْنِ شَهِدُوا عَلَى خُطُوطِهِمَا قُلْت فِي الشَّهِيدَيْنِ وَقَبِلَ شَهَادَتَهُمَا لِمَعْرِفَتِهِ بِهِمَا وَقَبِلَ شَهَادَةَ فُلَانٍ وَفُلَانٍ الْمَشْهُودِ عَلَى خُطُوطِهِمَا بِتَعْدِيلِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ لَهُمَا عِنْدَهُ بِالْعَدْلِ وَالرِّضَا إلَى أَنْ تُوُفِّيَا عَلَى ذَلِكَ انْتَهَى.

ص (وَجَازَ الْأَدَاءُ إنْ حَصَلَ الْعِلْمُ وَلَوْ بِامْرَأَةٍ)
ش: مَسْأَلَةٌ قَالَ فِي نَوَازِل ابْنِ رُشْدٍ فِي مَسَائِلِ الشَّهَادَاتِ فِي رَجُلٍ شَهِدَ عَلَى امْرَأَةٍ أَنَّهَا أَوْصَتْ لِأَخِيهَا لِأُمِّهَا بِثُلُثِهَا وَأَدَّى الشَّهَادَةَ عَلَى ذَلِكَ وَقَطَعَ بِمَعْرِفَتِهَا ثُمَّ شَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ أَنَّهُ أَقَرَّ عِنْدَهُمَا بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ: إنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُهَا قَبْلَ ذَلِكَ الْإِشْهَادِ وَلَا رَآهَا قَطُّ وَإِنَّمَا عَيَّنَهَا لَهُ فِي حِينِ ذَلِكَ الْإِشْهَادِ امْرَأَةٌ وَثِقَ بِهَا فَهَلْ ذَلِكَ مُسْقِطٌ لِشَهَادَتِهِ فِي هَذِهِ النَّازِلَةِ خَاصَّةً وَيَكُونُ كَالرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ أَوْ يَرَاهُ إقْرَارًا مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ بِتَعَمُّدِ الْكَذِبِ فَيَكُونُ جُرْحَةً وَتَسْقُطُ شَهَادَتُهُ فِي ذَلِكَ وَغَيْرِهِ فَأَجَابَ شَهَادَتُهُ عَامِلَةٌ إذَا كَانَ هُوَ ابْتِدَاءُ سُؤَالِ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ نَاحِيَةِ قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَبْتَدِئْ هُوَ بِسُؤَالِهَا وَإِنَّمَا قَالَتْ لَهُ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الشَّهَادَةِ عِنْدَهُ، مِثْلُ أَنْ تَقُولَ لَهُ الْمَرْأَةُ الَّتِي أَشْهَدَتْهُ عَلَى نَفْسِهَا بِالْوَصِيَّةِ: هَذِهِ فُلَانَةُ تَعْرِفُ أَنِّي فُلَانَةَ بِنْتَ فُلَانٍ، وَتُعَرِّفُهُ بِذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهَا بِتَعْيِينِ الْمَرْأَةِ لَهُ إيَّاهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَإِنْ كَانَتْ عِنْدَهُ ثِقَةً فَإِنْ جَهِلَ سَقَطَتْ شَهَادَتُهُ عَلَيْهَا وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ جُرْحَةً تُسْقِطُ شَهَادَتَهُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ اهـ.

ص (وَجَازَتْ بِسَمَاعٍ فَشَا عَنْ ثِقَاتٍ وَغَيْرِهِمْ)

(6/191)


ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَشَهَادَةُ السَّمَاعِ لَقَبٌ لِمَا يُصَرِّحُ الشَّاهِدُ فِيهِ بِاسْتِنَادِ شَهَادَتِهِ لِسَمَاعٍ مِنْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَتَخْرُجُ شَهَادَةُ الْبَتِّ وَالنَّقْلِ انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ السَّمَاعُ فَاشِيًا عَنْ الثِّقَاتِ وَغَيْرِهِمْ وَهَذَا قَوْلٌ ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ بَعْضٍ وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهَا أَنْ يَكُونَ السَّمَاعُ فَاشِيًا سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الثِّقَاتِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ.
قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَتَجُوزُ شَهَادَةُ السَّمَاعِ الْفَاشِي عَنْ الثِّقَاتِ: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ الثِّقَاتِ وَهُوَ مَذْهَبُ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ قَالَا وَلَا تَجُوزُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْعَدْلِ مِنْ سَامِعٍ أَوْ مَسْمُوعٍ مِنْهُمْ وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ نَفْيُ اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فِي الْمَنْقُولِ عَنْهُمْ قَالَهُ الْمَازِرِيُّ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ اشْتِرَاطُ الْعَدَالَةِ فِي الْمَنْقُولِ عَنْهُمْ إلَّا فِي الرَّضَاعِ وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ السَّمَاعِ مِنْ غَيْرِ الْعُدُولِ مَعَ الْعُدُولِ لِأَنَّ قَصْرَ السَّمَاعِ عَلَى الْعُدُولِ يُخْرِجُهُ إلَى نَقْلِ الشَّهَادَةِ عَنْ الْمُعَيَّنِينَ وَذَلِكَ بَابٌ آخَرُ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ فِي صِفَةِ هَذَا السَّمَاعِ الْفُشُوَّ وَأَنْ يَكُونَ عَنْ الثِّقَاتِ فَأَمَّا الْفُشُوُّ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَأَمَّا كَوْنُهُ عَنْ الثِّقَاتِ فَمِنْهُمْ مَنْ شَرَطَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ أَنْ يَحْصُلَ لِلشَّاهِدِ عِلْمٌ أَوْ ظَنٌّ يُقَارِبُهُ وَرُبَّمَا كَانَ خَبَرُ غَيْرِ الْعَدْلِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ مُفِيدًا لِمَا يُفِيدُهُ خَبَرُ الْعَدْلِ لِقَرَائِنَ تَحْتَفُّ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ السَّمَاعِ مِنْ غَيْرِ الْعَدْلِ مَعَ الْعَدْلِ وَإِنْ كَانَ السَّمَاعُ مَقْصُورًا عَلَى الْعَدْلِ يُخْرِجُهُ إلَى نَقْلِ الشَّهَادَةِ عَنْ الْمُعَيَّنِينَ وَذَلِكَ بَابٌ آخَرُ انْتَهَى. قُلْت فَيُحْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْمَحْمَلِ الثَّانِي لِيَكُونَ مُوَافِقًا لِظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ كَمَا قَالَهُ الْمَازِرِيُّ وَعَلَى هَذَا عَوَّلَ الْعَبْدُوسِيّ فِي قَصِيدَتِهِ حَيْثُ قَالَ
وَلَيْسَ مِنْ شُرُوطِهَا الْعُدُولُ ... بَلْ اللَّفِيفُ فَادْرِ مَا أَقُولُ
وَقَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: لَوْ قَالَ عِوَضًا مِنْهُ: وَلَيْسَ سَمْعُهَا مِنْ الْعُدُولِ شَرْطٌ بَلْ اللَّفِيفُ فِي النُّقُولِ لَكَانَ أَدَلَّ عَلَى الْمُرَادِ.
ص (بِمِلْكٍ لِحَائِزٍ مُتَصَرِّفًا طَوِيلًا)
ش: أَفَادَ بِقَوْلِهِ لِحَائِزٍ أَنَّ شَهَادَةَ السَّمَاعِ فِي الْمِلْكِ إنَّمَا تُفِيدُ لِلْحَائِزِ فَقَطْ وَأَنَّهَا لَا تُفِيدُ فِي الِانْتِزَاعِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ - يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ - أَنَّ شَهَادَةَ السَّمَاعِ تَكُونُ بِالْمِلْكِ فِي الِانْتِزَاعِ وَاَلَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ لَا يُسْتَخْرَجُ بِهَا مِنْ يَدِ حَائِزٍ وَإِنَّمَا تَصِحُّ لِلْحَائِزِ، ثُمَّ قَالَ: وَحَكَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يُسْتَخْرَجُ بِهَا مِنْ الْيَدِ، وَهَلْ يُسْتَحَقُّ بِهَا مَا لَيْسَ فِي حَوْزِ وَاحِدٍ كَعَفْوٍ مِنْ الْأَرْضِ؟ قَوْلَانِ عِنْدَنَا بَنَاهُمَا الْمَازِرِيُّ عَلَى اخْتِلَافِ الْمَذْهَبِ فِي بَيْتِ الْمَالِ هَلْ يُعَدُّ حَائِزًا لِمَا لَا مِلْكَ لَهُ أَوْ لَا؟ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ: وَلَا يَقُومُ بِشَهَادَةِ السَّمَاعِ إلَّا الَّذِي الْمِلْكُ بِيَدِهِ وَلَا تَجُوزُ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ السَّمَاعِ لَا يُسْتَخْرَجُ بِهَا مِنْ يَدِ حَائِزٍ شَيْئًا تَحْتَ يَدِهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْيَدُ كَلَا يَدٍ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ غَاصِبًا وَذَا سُلْطَانٍ غَيْرِ مُسْقِطٍ وَثَبَتَ أَنَّهُ مَالُ الْقَائِمِ أَوْ وَرَثَتِهِ عَلَى السَّمَاعِ أَوْ ثَبَتَ أَيْضًا أَنَّهُ يَصِيرُ إلَى الَّذِي يَمْلِكُهُ مِنْ الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فَيُسْتَخْرَجُ مِنْ تَحْتِ يَدِهِ مَا يَدُهُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَمْلَاكِ وَيُسْتَحَقُّ ذَلِكَ بِشَهَادَةِ السَّمَاعِ وَيُحْكَمُ بِذَلِكَ.
ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ الْحَاجِّ فِي مَسَائِلِهِ انْتَهَى. وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ لِمُتَصَرِّفٍ طَوِيلًا أَنَّهُ إنَّمَا يُشْهَدُ بِالْمِلْكِ إذَا طَالَتْ الْحِيَازَةُ وَكَانَ يَتَصَرَّفُ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ مِنْ الْهَدْمِ وَنَحْوِهِ وَلَا يُنَازِعُهُ أَحَدٌ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ، وَهَكَذَا قَالَهُ فِي الْجَوَاهِرِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي التَّوْضِيحِ.
وَذَكَرَ الشَّارِحُ كَلَامَ الْجَوَاهِرِ بِأَوْ فَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: وَأَنْ يَشْهَدَ بِالْمِلْكِ إذَا طَالَتْ الْحِيَازَةُ أَوْ كَانَ يَتَصَرَّفُ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ مِنْ الْهَدْمِ وَنَحْوِهِ ثُمَّ اعْتَرَضَ فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ كَلَامَهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ وَأَنَّهُ خِلَافُ نَقْلِ ابْنُ شَاسٍ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ كَلَامَ ابْنِ شَاسٍ

(6/192)


مُوَافِقٌ لِمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَعَلَّ ذَلِكَ وَقَعَ فِي نُسْخَةِ الشَّارِحِ مِنْ الْجَوَاهِرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) بَيِّنَةُ السَّمَاعِ فِي الرَّهْنِ مُقْتَضَى مَا فِي نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ فِي كِتَابِ الدَّعَاوَى وَالْخُصُومَاتِ أَنَّهَا عَامِلَةٌ وَسَيَأْتِي كَلَامُهُ فِي آخِرِ الْبَابِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَإِنْ حَازَ أَجْنَبِيٌّ.

ص (وَقُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْمِلْكِ)
ش: يَعْنِي أَنَّهُ إذَا شَهِدَتْ بِالْمِلْكِ بَيِّنَةٌ بِالسَّمَاعِ وَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أُخْرَى بِالْمِلْكِ لِشَخْصٍ آخَرَ بِالْقَطْعِ فَبَيِّنَةُ الْمِلْكِ الَّتِي قَطَعَتْ مُقَدَّمَةٌ عَلَى بَيِّنَةِ السَّمَاعِ.
ص (إلَّا بِكَسَمَاعٍ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ كَأَبِي الْقَائِمِ)
ش: تَصَوُّرُهُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ وَاضِحٌ وَالْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى السَّمَاعِ وَمِثْلُ الشِّرَاءِ مِنْهُ أَنَّهُ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ أَوْ وَهَبَهَا لَهُ كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي شَرْحِ أَوَّلِ مَسْأَلَةٍ مِنْ رَسْمِ الْجَوَابِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ وَنَصُّ مَسْأَلَةِ السَّمَاعِ، وَسَأَلْته عَنْ رَجُلٍ غَابَ عَنْ دَارِهِ أَوْ أَرْضِهِ فَدَخَلَهَا رَجُلٌ بَعْدَ غَيْبَتِهِ فَسَكَنَهَا زَمَانًا ثُمَّ مَاتَ عَنْهَا وَبَقِيَ وَرَثَتُهُ فِيهَا وَقَدِمَ الْغَائِبُ فَادَّعَى ذَلِكَ وَأَصْلُهُ مَعْرُوفٌ لَهُ، وَالْبَيِّنَةُ تَشْهَدُ أَنَّهُ إنَّمَا دَخَلَ فِيهَا الْمَيِّتُ بَعْدَ مَغِيبِ هَذَا وَإِنْ كَانَ يُخْتَلَفُ إنْ كَانَ سَمِعَ مِنْ الْهَالِكِ يَذْكُرُ أَنَّهُ اشْتَرَى أَوْ لَمْ يَسْمَعْ ذَلِكَ مِنْهُ طَالَ زَمَانُ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَطُلْ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الْقَادِمُ أَوْلَى بِهَا إذَا كَانَ عَلَى مَا ذَكَرْت كَانَ الرَّجُلُ فِيهَا حَيًّا أَوْ مَيِّتًا وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى مَا كَانَ يُسْمَعُ مِنْ الدَّاخِلِ الْهَالِكِ يَذْكُرُ أَنَّهُ اشْتَرَى إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلدَّاخِلِ بَيِّنَةٌ عَلَى الشِّرَاءِ أَوْ هِبَةٌ أَوْ صَدَقَةٌ أَوْ سَمَاعٌ صَحِيحٌ عَلَى مَا اشْتَرَى مَعَ طُولِ الزَّمَانِ وَتَقَادُمِهِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذِهِ مَسْأَلَةٌ صَحِيحَةٌ بَيِّنَةٌ عَلَى مَعْنَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّهُ لَا حِيَازَةَ عَلَى غَائِبٍ فَإِذَا قَدِمَ وَالْأَصْلُ مَعْرُوفٌ لَهُ وَشَهِدَتْ لَهُ الْبَيِّنَةُ بِدُخُولِ الْمَيِّتِ فِيهَا بَعْدَ مَغِيبِهِ كَمَا ذَكَرْت كَانَ عَلَى وَرَثَةِ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا ادَّعَوْا مِنْ شِرَاءٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ سَمَاعٍ عَلَى ذَلِكَ فِيمَا طَالَ مِنْ السِّنِينَ انْتَهَى. فَقَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ: أَوْ سَمَاعٍ عَلَى ذَلِكَ شَامِلٌ لِلشِّرَاءِ وَالصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَوَقْفٌ)
ش: أَيْ لِحَائِزٍ كَمَا قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا تَسْمِيَةُ الْمُحْبَسِ وَلَا إثْبَاتُ مِلْكِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَا عَلَى الْحَبْسِ بِالْقَطْعِ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْحَبْسُ حَتَّى يَشْهَدُوا بِالْمِلْكِ لِلْمُحْبَسِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ ابْنُ سَهْلٍ فِي أَحْكَامِهِ الصُّغْرَى وَالْكُبْرَى: كَيْفِيَّةُ الشَّهَادَةِ بِالسَّمَاعِ فِي الْأَحْبَاسِ أَنْ يَشْهَدَ الشَّاهِدُ أَنَّهُ يَعْرِفُ الدَّارَ الَّتِي بِمَوْضِعِ كَذَا، وَحَدُّهَا كَذَا وَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ يَسْمَعُ مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً أَوْ عِشْرِينَ عَامًا مُتَقَدِّمًا لِتَارِيخِ شَهَادَتِهِ هَذِهِ سَمَاعًا فَاشِيًا مُسْتَفِيضًا مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ.
وَهَذَا الْمِلْكَ حَبْسٌ عَلَى مَسْجِدِ كَذَا أَوْ عَلَى الْمَرْضَى بِحَاضِرَةِ كَذَا وَعَلَى فُلَانٍ وَعَقِبِهِ أَوْ حَبْسٌ لَا غَيْرُ وَأَنَّهَا كَانَتْ مُحْتَرَمَةً بِحُرْمَةِ الْأَحْبَاسِ، وَتَحَوُّزِهِمَا بِالْوَقْفِ إلَيْهَا وَالتَّبْيِينِ لَهَا، بِهَذَا جَرَى الْعَمَلُ فِي أَدَاءِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ، زَادَ فِي الْكُبْرَى فَإِذَا أُدِّيَتْ هَكَذَا وَكَانَ الشُّهُودُ بِهَا شَاهِدَيْنِ فَصَاعِدًا حُكِمَ بِهَا بَعْدَ حِيَازَةِ الشُّهُودِ بِتَحْبِيسِهِ وَالْإِعْذَارِ إلَى مَنْ يَعْتَرِضُ فِيهِ وَيَدَّعِيهِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ عِيسَى فِي حَبْسِ الْعُتْبِيَّة: إذَا شَهِدَ رَجُلَانِ أَنَّهُمَا كَانَا يَسْمَعَانِ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ حَبْسٌ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا وَكَانَتْ حَبْسًا عَلَى الْمَسَاكِينِ إنْ كَانَ لَمْ يُسَمِّ أَحَدًا انْتَهَى.
(تَنْبِيهٌ) اُسْتُفِيدَ مِنْ

(6/193)


هَذِهِ الْمَسْأَلَة النَّصُّ فِي أَنَّ مَصَارِفَ الْحَبْسِ وَصُرُوفَ الْوَاقِفِ تَثْبُتُ بِشَهَادَةِ السَّمَاعِ وَنَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ قَوْمٍ شَهِدُوا عَلَى السَّمَاعِ فِي حَبْسٍ عَلَى قَوْمٍ أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ لَا يَدْخُلُ فِي نَصِيبِهِ زَوْجَتُهُ وَتَهْلِكُ ابْنَةُ الْمَيِّتِ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ وَلَدُهَا وَلَا زَوْجُهَا، فَقَالَ: أَرَاهُ حَبْسًا ثَابِتًا وَإِنْ لَمْ يَشْهَدُوا عَلَى أَصْلِ الْحَبْسِ وَلَمْ يَذْكُرُوا ذَلِكَ كُلَّهُ، وَذَكَرُوا فِي السَّمَاعِ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ انْتَهَى.
ص (وَمَوْتٌ بِبُعْدٍ)
ش: قَيْدُ الْبُعْدِ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ وَمَوْتٌ.
ص (وَشَهِدَ اثْنَانِ)
ش: قَالَ ابْنُ يُونُسَ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ وَمِنْ كِتَابِ الشَّهَادَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَمَّا إنْ شَهِدَ شَاهِدٌ وَاحِدٌ عَلَى السَّمَاعِ لَمْ يُقْضَ لَهُ بِالْمَالِ وَإِنْ حَلَفَ؛ لِأَنَّ السَّمَاعَ نَقْلُ شَهَادَةٍ وَلَا يَجُوزُ نَقْلُ شَهَادَةِ وَاحِدٍ عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِ انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ: بَلْ أَضْعَفُ مِنْ نَقْلِ الشَّهَادَةِ وَانْظُرْ الدَّمَامِينِيَّ فِي حَاشِيَةِ الْبُخَارِيِّ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْإِنْسَانِ وَالْمَوْتِ الْقَدِيمِ وَالرَّضَاعِ وَانْظُرْ فِي مَسَائِلِ الْأَقْضِيَةِ وَالشَّهَادَاتِ مِنْ الْبُرْزُلِيِّ وُرُودِ كِتَابِ الْمُسَافِرِينَ بِأَنَّ فُلَانًا مَاتَ وَنَحْوَ ذَلِكَ.
ص (وَعِتْقٌ)
ش: (مَسْأَلَةٌ) عَدَّ ابْنُ جُزَيٍّ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي تَجُوزُ فِيهَا الشَّهَادَةُ بِالسَّمَاعِ الْفَاشِي الْحُرِّيَّةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (وَالتَّحَمُّلُ إنْ اُفْتُقِرَ إلَيْهِ فَرْضُ كِفَايَةٍ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ التَّحَمُّلُ

(6/194)


عُرْفًا عِلْمُ مَا يَشْهَدُ بِهِ بِسَبَبٍ اخْتِيَارِيٍّ فَيَخْرُجُ عِلْمُهُ دُونَهُ كَمَنْ قَرَعَ أُذُنَهُ صَوْتٌ مُطْلَقٌ وَنَحْوُهُ مِنْ قَوْلٍ يُوجِبُ عَلَى قَائِلِهِ حُكْمًا فَالْمَعْرُوضُ لِلتَّكْلِيفِ بِهِ الْأَوَّلُ لَا الثَّانِي وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ، ثُمَّ قَالَ: وَالْأَدَاءُ عُرْفًا إعْلَامُ الشَّاهِدِ الْحَاكِمَ بِشَهَادَتِهِ بِمَا يَحْصُلُ لَهُ الْعِلْمُ بِمَا شَهِدَ بِهِ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَسْمِ نَذْرِ سَنَةٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الْجَامِعِ مَنْ دُعِيَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى أَمْرٍ جَائِزٍ أَوْ مُسْتَحَبٍّ أَوْ وَاجِبٍ فَالْإِجَابَةُ عَلَيْهِ فَرْضٌ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ وَمَنْ دُعِيَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى مَكْرُوهٍ فَيُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ وَمَنْ دُعِيَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى حَرَامٍ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَقَالَ الدَّمَامِينِيُّ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ:» قَالَ الْمُهَلِّبُ فِي الْحَدِيثِ مِنْ الْفِقْهِ: إنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَضَعُ اسْمَهُ فِي وَثِيقَةٍ لَا تَجُوزُ وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ رَأَى جَوَازَهُ بِقَصْدِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْمَمْنُوعِ لِيَرُدَّ، قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: إنَّمَا يُرِيدُ لَا يَضَعُ خَطَّهُ فِي وَثِيقَةٍ بِظَاهِرِ الْجَوَازِ مَعَ أَنَّ الْبَاطِنَ بَاطِلٌ وَأَمَّا الْمَسَاطِيرُ الَّتِي تُكْتَبُ لِإِبْطَالِ الْمَفَاسِدِ بِصِيغَةِ الِاسْتِدْرَاكِ لَا الْبِنَاءِ فَلَا خِلَافَ وَلَا خَفَاءَ فِي وُجُوبِ وَضْعِ الشَّهَادَةِ فِيهَا، وَلَوْ وَضَعَ شَهَادَتَهُ فِي وَثِيقَةٍ كُتِبَتْ بِظَاهِرِ الْجَوَازِ وَالْعَقْدُ فَاسِدٌ زَادَ فِي خَطِّهِ فَقَالَ: وَالْأَمْرُ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا يُصَحِّحُهُ الشَّرْعُ مِنْ ذَلِكَ أَوْ يُبْطِلُهُ وَمِثْلُ هَذَا الْمَوْضِعِ لَا يَكَادُ يُخْتَلَف فِيهِ انْتَهَى. وَانْظُرْ الْوَاضِحَةَ فِي الْكَلَامِ عَلَى شَهَادَةِ الشَّاهِدِ بِمَا لَا يَرَى جَوَازَهُ وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي التَّبْصِرَةِ فِي فَصْلِ تَنْبِيهِ الْقَاضِي عَلَى أُمُورٍ عِنْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَلْيُخْبِرْ بِهَا، وَانْظُرْ كَلَامَ الرَّجْرَاجِيِّ فِي أَجْرِ قَسَّامِ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الشَّهَادَةِ فَإِنَّهُ تَكَلَّمَ عَلَى أَخْذِ الشُّهُودِ الْأُجْرَةَ عَلَى الشَّهَادَةِ.

[مَسْأَلَة يَشْهَدُ بِدَيْنٍ فَشَهِدَ عِنْدَهُ شَاهِدَانِ بِقَضَائِهِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ]
ص (وَتَعَيَّنَ الْأَدَاءُ)
ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ (مَسْأَلَةٌ) قَالَ

(6/195)


فِي النَّوَادِرِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ: مَنْ كَانَ يَشْهَدُ بِدَيْنٍ فَشَهِدَ عِنْدَهُ شَاهِدَانِ بِقَضَائِهِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ أَنَّهُ لَا يَشْهَدُ قِيلَ لَهُ فَإِنْ أَخْبَرَهُ شَاهِدٌ وَاحِدٌ فَوَقَفَ وَقَالَ: مَا تَبَيَّنَ لِي `. انْتَهَى.

ص (وَحَلِفٌ بِشَاهِدٍ فِي طَلَاقٍ وَعِتْقٍ)
ش: يُرِيدُ أَوْ امْرَأَتَيْنِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَتَكَلَّمَ فِي شَهَادَةِ النِّسَاءِ مِنْ قَرَابَتِهَا، فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ فَانْظُرْهُ وَنَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ الْعِتْقِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَانْظُرْ فِي ابْنِ عَرَفَةَ أَيْضًا إذَا شَهِدَ شَاهِدٌ فِي زِنًا أَوْ قَذْفٍ أَوْ سُكْرٍ وَنَحْوِهِ.

ص (وَحِلْفُ عَبْدٍ وَسَفِيهٍ مَعَ شَاهِدِهِ)
ش: فَإِنْ نَكَلَ السَّفِيهُ وَحَلَفَ الْمَطْلُوبُ ثُمَّ رَشَدَ السَّفِيهُ فَهَلْ لَهُ

(6/196)


أَنْ يَحْلِفَ الْآنَ مَعَ شَاهِدِهِ أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَحْلِفُ، وَأَمَّا الْعَبْدُ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ اللَّخْمِيُّ: إنْ كَانَ بِمَالٍ وَهُوَ مَأْذُونٌ لَهُ فَهُوَ كَالْحُرِّ إنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمَطْلُوبُ وَبَرِئَ وَلَا مَقَالَ لِسَيِّدِهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَأْذُونٍ لَهُ حَلَفَ وَاسْتَحَقَّ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ سَيِّدُهُ وَاسْتَحَقَّ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ نَحْوَهُ.

ص (وَلَمْ يَشْهَدْ عَلَى حَاكِمٍ قَالَ: ثَبَتَ عِنْدِي إلَّا بِإِشْهَادِهِ)
ش: (مَسْأَلَةٌ) قَالَ الْبَاجِيُّ فِي الْمُنْتَقَى: اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ

(6/197)


فِي الرَّجُلَيْنِ يَتَحَاسَبَانِ بِحَضْرَةِ رَجُلَيْنِ وَيَشْتَرِطَانِ عَلَيْهِمَا أَنْ لَا يَشْهَدَا بِمَا يُقِرَّانِ بِهِ فَيُقِرُّ أَحَدُهُمَا فَيَطْلُبُهُمَا الْآخَرُ بِالشَّهَادَةِ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ يُمْنَعَانِ مِنْ الشَّهَادَةِ وَلَا يُعَجَّلَانِ فَإِنْ اصْطَلَحَ الْمُتَدَاعِيَانِ وَإِلَّا فَلْيُؤَدِّيَا الشَّهَادَةَ، وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ نَافِعٍ: لَا أَرَى بِامْتِنَاعِهِمَا مِنْ الشَّهَادَةِ بَأْسًا، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْحَاكِمِ بِمَا سَمِعَ مِنْ الْخُصُومِ وَكَذَلِكَ شَهَادَةُ مَنْ تَوَسَّطَ بَيْنَ اثْنَيْنِ اهـ مِنْ تَرْجَمَةِ الشَّهَادَاتِ، وَذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ الْقَوْلَيْنِ فِي التَّرْجَمَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ وَزَادَ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ كُنْت أُحِبُّ أَنْ لَا يَقْبَلَا. يَعْنِي أَنْ لَا يَدْخُلَا عَلَى الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ قَوْلَ ابْنِ نَافِعٍ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ: وَإِذَا أَدْخَلَا بَيْنَهُمَا رَجُلَيْنِ عَلَى أَنْ لَا يَشْهَدَا عَلَيْهِمَا فَذَكَرَا نَحْوَ قَوْلِ مَالِكٍ إلَخْ وَذَكَرَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْبَابِ الْحَادِي وَالْخَمْسِينَ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَوْلَ ابْنِ نَافِعٍ وَجَعَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَرْعًا مُسْتَقِلًّا وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَنَقَلَهُمَا عَنْ الْمُقْنِعِ لِابْنِ بَطَّالٍ، وَكَلَامُ صَاحِبِ الْمُقْنِعِ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ وَمَا ذَكَرَهُ الْبَاجِيُّ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اخْتِيَارٌ مِنْهُ لِرِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ أَعْنِي مَا ذَكَرَهُ الْبَاجِيُّ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ وَنَصُّهُ: شَهَادَةُ الْمُتَوَسِّطِ الَّذِي يَدْخُلُ بَيْنَ اثْنَيْنِ بِالصُّلْحِ لَا تَجُوزُ وَإِنْ اسْتَوْعَبَ كَلَامُهُمَا مِنْ الْكَافِي لِابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْمُنْتَقَى لِلْبَاجِيِّ إلَخْ.

ص (وَلَمْ يَطْرَأُ فِسْقٌ أَوْ عَدَاوَةٌ بِخِلَافِ جِنٍّ)
ش: يَعْنِي أَنَّ طُرُوُّ

(6/198)


الْفِسْقِ وَالْعَدَاوَةِ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ أَدَاءِ الْفَرْعِ يُبْطِلُ شَهَادَةَ الْفَرْعِ بِخِلَافِ طُرُوُّ الْجُنُونِ عَلَى الْأَصْلِ فَإِنَّهُ لَا يُبْطِلُ شَهَادَةَ الْفَرْعِ، وَإِذَا طَرَأَ عَلَى الْأَصْلِ تُهْمَةُ الْقَرَابَةِ كَأَنْ يَتَزَوَّجَ الشَّاهِدُ الْمَنْقُولُ عَنْهُ الْمَرْأَةَ الْمَشْهُودَ لَهَا أَوْ الْعَكْسِ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَلَمَّا كَانَ تَمَامُ شَهَادَةِ النَّقْلِ بِأَدَاءِ نَاقِلِهَا عَنْهُ كَانَ طُرُوُّ مَانِعِ شَهَادَةِ الْأَصْلِ قَبْلَ أَدَاءِ نَاقِلِهَا لِطُرُوِّ الْمَانِعِ عَلَى شَاهِدِهِ قَبْلَ أَدَاءِ شَهَادَتِهِ أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا، وَالْأَوَّلُ وَاضِحٌ وَالثَّانِي تَقَدَّمَ حُكْمُهُ عَنْ الْمَازِرِيِّ وَتَقَدَّمَتْ الرِّوَايَةُ بِأَنَّ حُدُوثَ سَبَبِ الْعَدَاوَةِ بَعْدَ تَقْيِيدِ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ لَا يَمْنَعُ الْقَضَاءَ بِهَا؛ لِأَنَّ أَدَاءَ شَهَادَتِهِ قَبْلَ صَيْرُورَتِهِ عَدُوًّا لَا يُوجِبُ تُهْمَةً، وَمَنَعَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْقَضَاءَ بِمَا نُقِلَ عَمَّنْ صَارَ عَدُوًّا لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ رَأَى ظُهُورَ عَدَاوَتِهِ يُشْعِرُ بِمُقَدِّمَاتٍ وَسَوَابِقَ (قُلْت) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمَازِرِيِّ أَنَّ الْمَذْهَبَ عَدَمُ سُقُوطِ شَهَادَةِ الْمَنْقُولِ عَنْهُ بِحُدُوثِ عَدَاوَتِهِ بَعْدَ سَمَاعِ نَقْلِهَا مِنْهُ وَقَبْلَ أَدَاءِ نَقْلِهَا كَحُدُوثِ ذَلِكَ بَعْدَ أَدَائِهَا لِلْحَاكِمِ قَبْلَ نُفُوذِ حُكْمِهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ أَدَاءَهُ أَدَلُّ عَلَى ثُبُوتِهَا مِنْ سَمَاعِهَا لِلنَّقْلِ عَنْهُ وَلِذَا قَالَ ابْنُ شَاسٍ: إذَا طَرَأَ عَلَى الْأَصْلِ فِسْقٌ أَوْ عَدَاوَةٌ أَوْ رِدَّةٌ امْتَنَعَتْ شَهَادَةُ الْفَرْعِ، قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَحُدُوثُ فِسْقِ الْأَصْلِ بَعْدَ سَمَاعِ النَّقْلِ عَنْهُ وَقَبْلَ أَدَائِهِ يُبْطِلُ شَهَادَتَهُ وَأَشَارَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّ الْفِسْقَ إنْ كَانَ مِمَّا يَخْفَى وَيُكْتَمُ كَالزِّنَا أَشْعَرَ بِسَابِقِ مُتَقَدِّمَاتٍ تَمْنَعُ الْعَدَالَةَ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا تَجَاهَرَ بِهِ كَالْقَتْلِ لَمْ يُشْعِرْ بِأَنَّهُ كَانَ قَبْلَ طُرُوُّ ذَلِكَ، كَذَلِكَ قَالَ، وَلَوْ انْتَقَلَ مَنْ طَرَأَ فِسْقُهُ لِعَدَالَةٍ فَفِي صِحَّةِ النَّقْلِ عَنْهُ بِالسَّمَاعِ مِنْهُ أَوَّلًا أَوْ بِسَمَاعٍ مِنْهُ بَعْدَ انْتِقَالِهِ خِلَافٌ بَيْنَ النَّاسِ اهـ كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ

ص (وَإِنْ قَالَا وَهَمْنَا بَلْ هُوَ هَذَا سَقَطَتَا)
ش: هَذَا شُرُوعٌ مِنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْكَلَامِ عَلَى الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الرُّجُوعُ عَنْ الشَّهَادَةِ هُوَ انْتِقَالُ الشَّاهِدِ بَعْدَ أَدَاءِ شَهَادَتِهِ بِأَمْرٍ إلَى عَدَمِ الْجَزْمِ بِهِ دُونَ نَقِيضِهِ فَيَدْخُلُ انْتِقَالُهُ إلَى شَكٍّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الشَّاكَّ حَاكِمٌ أَوْ غَيْرُ حَاكِمٍ وَالْأَوَّلُ قَوْلُ الْفَاكِهَانِيِّ شَارِحِ الْمَحْصُولِ وَالثَّانِي لِلْقَرَافِيِّ، وَقَيَّدَ بَعْدَ أَدَاءِ شَهَادَتِهِ وَهُوَ

(6/199)


ظَاهِرُ الرِّوَايَاتِ وَظَاهِرُ لَفْظِ الْمَازِرِيِّ صِدْقُهُ عَلَى مَا قَبْلَ الْأَدَاءِ فَعَلَيْهِ يُحْذَفُ لَفْظُ بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ إلَخْ. وَقَالَ فِي الطِّرَازِ فِي أَثْنَاءِ الْجُزْءِ التَّاسِعِ فِي تَرْجَمَةِ وَثِيقَةِ تَجْرِيحٍ بِعَدَاوَةٍ: لَوْ شَهِدَ الشَّاهِدُ ثُمَّ قَالَ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ مَا شَهِدْت إلَّا بِالْحَقِّ لَكِنِّي أَرْجِعُ عَنْ شَهَادَتِي فَلَا يُقْضَى بِهَا فَأَفْتَى بِهَا ابْنُ خُزَيْمَةَ وَأَصْبَغُ بْنُ سَعِيدٍ أَنَّهُ يُقْضَى بِهَا وَلَيْسَ هَذَا بِرُجُوعٍ وَالرُّجُوعُ أَنْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ وَيَدْخُلَهُ الشَّكُّ، وَأَفْتَى ابْنُ زَرْبٍ أَنَّهُ لَا يُقْضَى بِهَا؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ رَجَعَ عَنْ حَقٍّ عَلِمَهُ فَقَدْ فَعَلَ مَا لَا يَجُوزُ لَهُ وَأَسْقَطَ شَهَادَتَهُ إلَخْ وَيَنْبَغِي أَنْ يُفْصَلَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْعَامِّيِّ الَّذِي يَجْهَلُ حُرْمَةَ ذَلِكَ فَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِمَّنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (لَا رُجُوعُهُمْ)
ش: اُنْظُرْ قَوْلَهُ فِي كِتَابِ الْقَذْفِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ قَالَتْ الْبَيِّنَةُ بَعْدَ مَا وَجَبَ الْحَدُّ مَا شَهِدْنَا إلَّا بِالزُّورِ دَرَأْت الْحَدَّ إلَخْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَلَا يُشَارِكُهُمْ شَاهِدُ الْإِحْصَانِ)
ش: ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ رَجَعَا وَحْدَهُمَا أَوْ مَعَ شُهُودِ الزِّنَا أَوْ مَعَ رُجُوعِ الْكُلِّ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ: يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سُدُسُ الدِّيَةِ، وَبَاقِيهَا عَلَى بَيِّنَةِ الزِّنَا، وَقِيلَ: عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ شَاهِدَيْ الْإِحْصَانِ رُبُعُهَا، وَبَاقِيَهَا عَلَى بَيِّنَةِ الزِّنَا، قَالَ الْمَازِرِيِّ: وَلَوْ رَجَعَ أَحَدُ شَهِيدَيْ الْإِحْصَانِ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا غُرْمَ عَلَيْهِ وَعَلَى الثَّانِي يَغْرَمُ سُدُسَ الدِّيَةِ وَعَلَى الثَّانِي يَغْرَمُ رُبُعَهَا نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ انْتَهَى. وَعَلَى هَذَا فَلَوْ رَجَعَا وَحْدَهُمَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا عَلَى الْأَوَّلِ الْمَشْهُورِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (كَرُجُوعِ الْمُزَكِّي)
ش: يَعْنِي أَنَّ رُجُوعَ

(6/200)


الْمُزَكِّيَيْنِ عَنْ تَزْكِيَةِ مَنْ زَكَّوْهُ لَا تُوجِبُ عَلَيْهِمْ غُرْمًا وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ رَجَعَا وَحْدَهُمَا أَوْ مَعَ شُهُودِ الْأَصْلِ وَهُوَ كَذَلِكَ، قَالَ فِي النَّوَادِرِ مِنْ كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ: قَالَ سَحْنُونٌ: وَإِنْ شَهِدَ رَجُلَانِ بِحَقٍّ وَالْقَاضِي لَا يَعْرِفُهُمَا فَزَكَّاهُمَا رَجُلَانِ فَقِبَلَهُمَا الْقَاضِي وَحَكَمَ بِالْحَقِّ ثُمَّ رَجَعَ الْمُزَكِّيَانِ بِالْبَيِّنَةِ وَقَالَا: زَكَّيْنَا غَيْرَ عَدْلَيْنِ وَمَا لَا يُزَكَّى مِثْلُهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ أُخِذَ لِغَيْرِهِمَا، وَمَنْ لَوْ شَاءَ لَمْ يَشْهَدْ وَلَوْ رَجَعَ الشَّاهِدَانِ وَمَنْ زَكَّاهُمَا لَمْ يَغْرَمْ إلَّا الشَّاهِدَانِ إذْ لَوْ شَاءَا لَمْ يَشْهَدَا فَبِهِمَا قَامَ الْحَقُّ. قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي كِتَابِهِ اهـ مِنْ تَرْجَمَةِ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ فِي التَّعْدِيلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَإِنْ رَجَعَ اثْنَانِ مِنْ سِتَّةٍ فَلَا غُرْمَ إلَخْ)
ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: نَحْوُهُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ عُلِمَ بَعْدَ الرَّجْمِ أَوْ الْجَلْدِ أَنَّ أَحَدَهُمْ عَبْدٌ حُدَّ الشُّهُودُ أَجْمَعُ، وَإِنْ كَانَ مَسْخُوطًا لَمْ يُحَدَّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ

(6/201)


الشَّهَادَةَ قَدْ تَمَّتْ بِاجْتِهَادِ الْإِمَامِ فِي عَدَالَتِهِمْ وَلَمْ تَتِمَّ فِي الْعَبْدِ، وَتَصِيرُ مِنْ خَطَأِ الْإِمَامِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الشُّهُودُ كَانَتْ الدِّيَةُ فِي الرَّجْمِ عَلَى عَاقِلَةِ الْإِمَامِ وَإِنْ عَلِمُوا فَذَلِكَ عَلَى الشُّهُودِ فِي أَحْوَالِهِمْ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْعَبْدِ فِي الْوَجْهَيْنِ، فَإِنْ قِيلَ: هَلْ مَا فِي الْكِتَابَيْنِ مُخَالِفٌ فَيَتَخَرَّجُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ خِلَافٌ أَمْ لَا؟ قِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ مَسْأَلَةُ الْمُدَوَّنَةِ انْتَقَضَ الْحُكْمُ فِيهَا لِظُهُورِ كَوْنِ الرَّاجِعِ مِنْ الشُّهُودِ عَبْدًا وَإِذَا انْتَقَضَ وَجَبَ حَدُّ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِينَ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْمَوَّازِيَّةِ فَإِنَّ الْحُكْمَ لَمْ يُنْتَقَضْ؛ لِأَنَّ قُصَارَى الْأَمْرِ أَنَّهُ شَهِدَ خَمْسَةٌ وَأُقِيمَ الْحَدُّ فَرَجَعَ اثْنَانِ وَذَلِكَ غَيْرُ مُوجِبٍ لِنَقْضِ الْحُكْمِ فَلِهَذَا لَمْ تُحَدَّ الثَّلَاثَةُ الْبَاقُونَ، فَإِنْ قُلْت: كَانَ يَنْبَغِي عَلَى مَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ أَنْ يَسْقُطَ الْحَدُّ عَنْ الْعَبْدِ قُلْت قَذْفُ الْعَبْدِ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ سَابِقٌ عَلَى حَدِّ الزِّنَا فَلَعَلَّهُ إنَّمَا كَانَ مُطَالَبًا بِهِ وَقَدْ ظَهَرَتْ الشُّبْهَةُ فِي زِنَا الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِرُجُوعِ بَعْضِ الشُّهُودِ اُسْتُصْحِبَ الْقَذْفُ وَوَجَبَ حَدُّ الْعَبْدِ وَالْمَسْأَلَةُ مَعَ ذَلِكَ مُشْكِلَةٌ انْتَهَى.

ص (وَإِلَّا فَنِصْفٌ) ش: يَعْنِي وَإِنْ رَجَعَ الشَّاهِدَانِ بِالطَّلَاقِ عَنْ شَهَادَتِهِمَا وَكَانَتْ الْمَرْأَةُ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا فَعَلَيْهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ: نَصَّ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى أَنَّهُمَا يَغْرَمَانِ نِصْفَ الصَّدَاقِ وَسَكَتَ عَمَّنْ يَسْتَحِقُّهُ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِيهَا إنْ رَجَعَا بَعْدَ قَضَاءِ قَاضٍ عَنْ شَهَادَتِهِمَا بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَعَلَيْهِمَا نِصْفُ الصَّدَاقِ. عِيَاضٌ كَذَا قَيَّدْنَا فِي الْأَصْلِ، قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: لَمْ يُبَيِّنْ لِمَنْ هَذَا النِّصْفُ وَحَمَلَهُ أَكْثَرُ الشُّيُوخِ عَلَى أَنَّ غُرْمَهُ لِلزَّوْجِ، وَكَذَا جَاءَ مُفَسَّرًا فِي كِتَابِ الْعُشُورِ مِنْ الْأَسْمِعَةِ وَحَمَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَلَى أَنَّ غُرْمَهُ لِلْمَرْأَةِ لِيَكْمُلَ لَهَا صَدَاقُهَا الَّذِي أَبْطَلَاهُ عَلَيْهَا بِالْفِرَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَعَلَيْهِ اخْتَصَرَ الْمَسْأَلَةَ الْقَرَوِيُّونَ قَالُوا: وَهُوَ مُقْتَضَى النَّظَرِ وَالْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ غُرْمَهُ لِلزَّوْجِ لَا وَجْهَ لَهُ إذْ النِّصْفُ عَلَيْهِ مَتَى حَصَلَ الْفِرَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَأَشْهَبُ وَسَحْنُونٌ لَا يَرَيَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ الْمَهْرِ شَيْئًا انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إلَّا أَنَّ هَذَا أَتَمُّ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ بَعْدَ ذِكْرِ خِلَافِ الشَّيْخِ الْمُتَقَدِّمِ، وَانْظُرْ كَلَامَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى كُلٍّ مِنْ التَّأْوِيلَيْنِ فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَمْلِكُ بِالْعَقْدِ نِصْفَ الصَّدَاقِ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَا يَلْتَئِمُ مَعَ مَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ بَعْدَ هَذِهِ وَهِيَ قَوْلُهُ: وَلَوْ رَجَعَا فِي شَهَادَةِ الدُّخُولِ فِي مُطَلَّقَةٍ لَغَرِمَا نِصْفَ الصَّدَاقِ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ انْتَهَى. وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ عَلَى كُلٍّ مِنْ التَّأْوِيلَيْنِ لَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّهُ عَلَى التَّأْوِيلِ الثَّانِي لَا مُخَالَفَةَ فِيهِ لِقَوْلِهِمْ أَنَّهَا تَسْتَحِقُّ بِالْعَقْدِ النِّصْفَ وَيَلْتَئِمُ مَعَ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ

(6/202)


بِلَا كَلَامٍ فَتَأَمَّلْهُ، وَعَلَى التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ فَهُوَ جَارٍ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ بِالْعَقْدِ شَيْئًا وَهَذَا الْقَوْلُ أَحَدُ الْمَشْهُورِينَ فِي كَلَامِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّ صَاحِبَ الْجَوَاهِرِ وَابْنَ رَاشِدٍ الْقَفْصِيَّ صَرَّحَا بِأَنَّهُ الْمَشْهُورُ فَاعْلَمْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (بِمَا فَوَّتَاهَا مِنْ إرْثٍ وَصَدَاقٍ)
ش: يَعْنِي نِصْفَ الصَّدَاقِ.
ص (وَإِنْ كَانَ عَنْ تَجْرِيحِ أَوْ تَغْلِيظِ شَاهِدَيْ طَلَاقِ أَمَةٍ)
ش: يَجُوز فِي " تَجْرِيحِ " التَّنْوِينُ بَلْ الْغَالِبُ فِي مِثْلِهِ الَّذِي لَا يَحْتَاجُ إلَى شَرْطٍ وَيَجُوزُ حَذْفُ التَّنْوِينِ لِلْإِضَافَةِ؛ لِأَنَّ شُرُوطَ ذَلِكَ مَوْجُودَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَهَذَا الصَّحِيحُ إذَا كَانَ السَّيِّدُ مُدَّعِيًا لِلطَّلَاقِ أَوْ غَيْرَ مُكَذِّبٍ لِلشُّهُودِ وَإِنْ كَانَ مُكَذِّبًا لِلشُّهُودِ فَلَا يُرْجَعُ عَلَى شَاهِدَيْ التَّجْرِيحِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لَهُمَا فِيمَا شَهِدَا بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (فَالْقِيمَةُ حِينَئِذٍ كَالْإِتْلَافِ)
ش: يَعْنِي بِقِيمَةِ الثَّمَرَةِ عَلَى الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ وَقِيمَةِ الْآبِقِ وَالْبَعِيرِ الشَّارِدِ عَلَى أَقْرَبِ صِفَتِهِمَا، فَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ مَيِّتًا قَبْلَ الْخُلْعِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمَا شَيْءٌ، وَلَوْ ظَهَرَ أَنَّهُ أَصَابَهُ عَيْبٌ قَبْلَ الْخُلْعِ لَمْ يَلْزَمْهُمَا إلَّا قِيمَتُهُ، كَذَلِكَ وَيَسْتَرِدَّانِ مَا يُقَابِلُ الْعَيْبَ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَبَعْضُهُ فِي التَّوْضِيحِ.
ص (بِلَا تَأْخِيرٍ لِلْحُصُولِ فَيَغْرَمُ الْقِيمَةَ حِينَئِذٍ)
ش: يُشِيرُ بِهَذَا إلَى الْقَوْلِ الثَّانِي الَّذِي يَقُولُ تُؤَخَّرُ الْغَرَامَةُ حَتَّى تُجَدَّ الثَّمَرَةُ وَيُوجَدَ الْآبِقُ وَالشَّارِدُ فَتُؤْخَذَ الْقِيمَةُ حِينَئِذٍ ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ مُحَمَّدٌ: بَلْ قِيمَتُهَا يَوْمَ جَذَّهَا الزَّوْجُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُؤَخَّرُ الْجَمِيعُ لِلْحُصُولِ فَيَغْرَمَانِ مَا يَحْصُلُ انْتَهَى.
ص (وَعَلَى الْأَحْسَنِ) ش: رَاجِعٌ إلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَيُشِيرُ إلَى قَوْلِ ابْنِ رَاشِدٍ الْقَفْصِيِّ وَقَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ أَقْيَسُ انْتَهَى. مِنْ التَّوْضِيحِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

ص (وَإِنْ كَانَ بِعِتْقٍ غَرِمَا قِيمَتَهُ)
ش: وَإِنْ كَانَ الرُّجُوعُ عَنْ

(6/203)


شَهَادَةٍ بِعِتْقٍ بَعْدَ الْحُكْمِ بِهِ نَفَذَ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ الْمَعْتُوقُ عَبْدًا أَوْ أَمَةً ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ، إلَّا أَنَّ الْأَمَةَ إنْ عَلِمَتْ أَنَّ الْبَيِّنَةَ شَهِدَتْ بِزُورٍ فَلَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تُبِيحَ فَرْجَهَا وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ فَذَلِكَ لَهَا انْتَهَى. وَإِنْ اسْتَمَرَّ السَّيِّدُ مُقِيمًا عَلَى الْجَحْدِ وَطَلَبَ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ الرَّاجِعَيْنِ قِيمَةَ الْمَشْهُودِ بِعِتْقِهِ غَرِمَا قِيمَتَهُ انْتَهَى.

ص (وَإِنْ كَانَ بِبُنُوَّةٍ فَلَا غُرْمَ إلَّا بَعْدَ أَخْذِ الْمَالِ بِإِرْثٍ)
ش: تَصَوُّرُهُ مِنْ شَارِحِهِ ظَاهِرٌ.
تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ: اُنْظُرْ لَوْ كَانَ الِابْنُ صَغِيرًا يَلْزَمُ الْأَبُ نَفَقَتَهُ فَهَلْ يَرْجِعُ الْأَبُ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ بِالنَّفَقَةِ؟ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَالظَّاهِرُ الرُّجُوعُ وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الْبِسَاطِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الثَّانِي: قَوْلُهُ بِإِرْثٍ احْتَرَزَ بِهِ مِمَّا لَوْ أَخَذَهُ بِدَيْنٍ لَهُ أَوْ غَصْبٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا غُرْمَ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ قَالَهُ الْبِسَاطِيُّ.
ص (وَتَرَكَ آخَرَ)
ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ وَلَمْ يُفَرِّعْ الْمُؤَلِّفُ عَلَى مَا إذَا تَرَكَهُ فَقَطْ وَلَمْ يَتْرُكْ وَلَدًا آخَرَ، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ

(6/204)


فَقَالَ: وَلَوْ لَمْ يَتْرُكْ غَيْرَ الْمُسْتَلْحَقِ وَالْمَالُ مِائَتَانِ وَكَانَتْ الْقِيمَةُ الْمَأْخُوذَةُ مِائَةٌ أَخَذَ الْمُسْتَحِقُّ مِائَةً وَبَيْتُ الْمَالِ مِائَةً ثُمَّ غَرِمَ الشَّاهِدَانِ مِائَةً أُخْرَى الَّتِي فَوَّتَاهَا، فَلَوْ طَرَأَ دَيْنُ مِائَةٍ أُخِذَتْ مِنْ الْمُسْتَحِقِّ وَرَجَعَ الشَّاهِدَانِ بِمِائَةٍ عَلَى مَنْ غَرِمَاهَا لَهُ انْتَهَى. وَانْظُرْ لَوْ طَرَأَ دَيْنٌ أَكْثَرُ مِنْ مِائَةٍ هَلْ يُؤْخَذُ الْفَاضِلُ عَلَى الْمِائَةِ الَّتِي بِيَدِ الْوَلَدِ مِنْ مِائَةِ الْقِيمَةِ الَّتِي بِيَدِ الْوَرَثَةِ أَوْ بِيَدِ نَائِبِ بَيْتِ الْمَالِ؟ لَمْ أَرَ الْآنَ التَّصْرِيحَ بِهِ، وَالظَّاهِرُ الْأَخْذُ أَخْذًا مِنْ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ بِالْأَحْرَوِيَّةِ وَإِنَّمَا تَرَكُوا التَّصْرِيحَ بِهِ لِوُضُوحِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (أَخَذَ مِنْ كُلٍّ نِصْفَهُ وَكَمَّلَ بِالْقِيمَةِ) ش وَيُؤْخَذُ مِنْهُ لُغْزٌ وَهُوَ أَنَّ ذَكَرَيْنِ يَأْخُذُ أَحَدُهُمَا ثُلُثَ تَرِكَةِ وَالِدِهِ وَالْآخَرُ الثُّلُثَيْنِ وَإِنْ طَرَأَ دَيْنٌ عَلَى أَبِيهِمَا غَرِمَاهُ بِالسَّوِيَّةِ هِيَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ إذَا فُرِضَ مُخَلَّفُ الْأَبِ ثَلَاثُمِائَةٍ فَمِائَةٌ لِلْقِيمَةِ، وَلِلدَّيْنِ الطَّارِئِ مِائَتَانِ فَأَقَلُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الْبِسَاطِيُّ: وَإِنَّمَا قُدِّمَ الْوَفَاءُ مِنْ الْمَالِ عَلَى الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ مُحَقَّقٌ لِلْمَيِّتِ بِخِلَافِ الْقِيمَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَرَجَعَا عَلَى الْأَوَّلِ بِمَا غَرِمَهُ الْعَبْدُ لِلثَّانِي)
ش: بِمَا غَرِمَهُ الْعَبْدُ لِلْغَرِيمِ كَقَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: بِمَا غَرِمَهُ الْمُسْتَلْحَقُ لِلْغَرِيمِ، وَلَوْ عَبَّرَ الْمُؤَلِّفُ بِالْمُلْحَقِ كَمَا فَعَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ لَكَانَ أَوْضَحَ لَكِنَّ الشَّارِحَ عَبَّرَ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى كَمَا عَبَّرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ بِقَوْلِهِمَا: ثُمَّ يَرْجِعُ الشَّاهِدَانِ عَلَى الثَّابِتِ النَّسَبِ بِمَا غَرِمَاهُ لَهُ؛ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا غَرِمَاهُ لَهُ بِسَبَبِ إتْلَافِهِمَا لَهُ بِشَهَادَتِهِمَا فَلَمَّا وَجَبَ الدَّيْنُ وَجَبَتْ التَّرِكَةُ لَهُ فَلَمْ يُتْلِفَا شَيْئًا انْتَهَى. وَهُوَ غَيْرُ وَافٍ بِشَرْحِ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ كَمَا تَرَى، وَحَاوَلَ الْبِسَاطِيُّ شَرْحَ هَذَا الْمَعْنَى فَقَالَ بَعْدَ أَنْ شَرْحَ كَلَامَ الْمُؤَلِّفِ بِمَا شَرَحُوهُ بِهِ: فَإِنْ قُلْت عِبَارَتُهُ لَيْسَ مَعْنَاهَا مَا حَلَلْتُمَا بِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، قُلْت: إنَّمَا عَدَلَ عَنْ ذَلِكَ إلَى قَوْلِهِ: بِمَا غَرِمَهُ الْعَبْدُ لِلْغَرِيمِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ قَدْ لَا يَسْتَغْرِقُ التَّرِكَةَ فَلَا يَخْرُجُ مِنْ يَدِ الِابْنِ الثَّانِي جَمِيعُ مَا أَخَذَ بَلْ يَبْقَى شَيْءٌ فَلَا يَرْجِعَانِ عَلَى الْأَوَّلِ بِمَا يَلْزَمُ الثَّانِي لِلْغَرِيمِ انْتَهَى. وَهُوَ ظَاهِرٌ إلَّا أَنَّ فَرْضَ مَسْأَلَةِ الْمُؤَلِّفِ وَابْنِ الْحَاجِبِ إنَّمَا هُوَ طُرُوُّ دَيْنٍ مُسْتَغْرِقٍ فَلَا يُلَائِمُ حِينَئِذٍ مَا قَالَهُ الْبِسَاطِيُّ.
وَيَظْهَرُ لِي شَيْءٌ وَإِنْ سَاعَدَهُ النَّقْلُ كَانَ حَسَنًا وَهُوَ أَنَّ الِابْنَ الْمُسْتَلْحَقَ لَمَّا أَخَذَ نِصْفَ الْمَالِ غَيْرَ الْقِيمَةِ قَدْ يَسْتَهْلِكُ بَعْضَهُ قَبْلَ ظُهُورِ الدَّيْنِ فَإِذَا ظَهَرَ الدَّيْنُ فَلَا يُوجَدُ فِي يَدِهِ إلَّا بَعْضُ الْمَالِ وَهُوَ مُعْسِرٌ فَيَأْخُذُ الْغَرِيمُ مِنْهُ مَا وَجَدَهُ فِي يَدِهِ، فَالظَّاهِرُ هُنَا أَنَّ الشُّهُودَ لَا يَرْجِعَانِ عَلَى الْأَوَّلِ إلَّا بِمَا دَفَعَهُ الْمُسْتَلْحَقُ لِلْغَرِيمِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أُتْلِفَ بِشَهَادَتِهِمَا بَعْضُ الْمَالِ فَتَأَمَّلْهُ وَحَرِّرْ النَّقْلَ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَإِنْ كَانَ بِرِقٍّ لِحُرٍّ فَلَا غُرْمَ) .
ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ فِيمَا إذَا رَجَعَا عَنْ الشَّهَادَةِ بِعُبُودِيَّةِ شَخْصٍ: وَيَتَخَرَّجُ عَلَى مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ فُقَهَاءُ قُرْطُبَةَ فِي أَيَّامِ الْقَاضِي ابْنِ بَشِيرٍ فِيمَنْ بَاعَ حُرًّا وَتَعَذَّرَ رُجُوعُهُ وَفُسِخَ الْبَيْعُ أَنَّ عَلَيْهِ الدِّيَةَ أَنْ يَكُونَ هُنَا عَلَيْهِ الدِّيَةُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قُلْت: هَذَا يُنَاقِضُ مَا ذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ قَالَ فِي سَمَاعِ عَبْدِ الْمَلِكِ مِنْ جَامِعِ الْبَيَانِ: مَنْ بَاعَ حُرًّا وَغَابَ فَعَلَيْهِ طَلَبُهُ حَتَّى يَرُدَّهُ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ رَدِّهِ فَقِيلَ: يَغْرَمُ دِيَةً لِلْوَرَثَةِ، وَكُتِبَ بِهَا إلَى الْقَاضِي بِقُرْطُبَةَ فَجَمَعَ أَهْلَ الْعِلْمِ وَكَتَبَ لِقَاضِيهِ الَّذِي سَأَلَهُ أَنْ أَغْرِمْهُ دِيَةً كَامِلَةً.
قُلْت: وَحَكَاهُ اللَّخْمِيُّ رِوَايَةً لِابْنِ حَبِيبٍ فِي تَرْجَمَةِ غَصْبِ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَكَانَ يُجْرِي الْجَوَابَ عَنْ الْمُنَاقَضَةِ بِأَنَّ تَسَبُّبَ الشَّاهِدَيْنِ فِي رِقِّهِ أَهْوَنُ مِنْ تَسَبُّبِ الْبَائِعِ فِي رِقِّهِ لِاسْتِقْلَالِ بَائِعِهِ بِرِقِّهِ وَعَدَمِ اسْتِقْلَالِ الشَّاهِدَيْنِ بِرِقِّهِ لِمُشَارَكَةِ مُدَّعِي رِقِّهِ لَهُمَا فِي ذَلِكَ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَلَمْ يَنْقُلْ فِي التَّوْضِيحِ الْجَوَابَ وَاقْتَصَرَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَيَأْتِي مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَفُرُوعِهَا أَلْغَازٌ كَثِيرَةٌ ظَاهِرَةٌ مِنْ لَفْظِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَرْعٌ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ عَبْدٌ لِمَنْ ادَّعَاهُ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَجْحَدُ فَحَكَمَ بِرِقِّهِ ثُمَّ قَاطَعَهُ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ بِمَالٍ أَخَذَهُ مِنْهُ وَأَعْتَقَهُ أَوْ كَاتَبَهُ عَلَيْهِ]
(فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ مِنْ كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ: إنْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ عَبْدٌ لِمَنْ ادَّعَاهُ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَجْحَدُ فَحُكِمَ بِرِقِّهِ ثُمَّ قَاطَعَهُ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ بِمَالٍ أَخَذَهُ مِنْهُ وَأَعْتَقَهُ أَوْ كَاتَبَهُ عَلَيْهِ فَأَدَّى وَعَتَقَ

(6/205)


ثُمَّ أَقَرَّ بِالزُّورِ غُرْمًا لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ مَا أَدَّى لِلسَّيِّدِ وَالْحُكْمُ مَاضٍ وَالْوَلَاءُ قَائِمٌ انْتَهَى.

ص (وَلَهُ عَطِيَّتُهُ)
ش: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَصْدَرُ مُضَافًا لِلْمَفْعُولِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى: أَنَّ مَا أُعْطِيَ لَهُ يَكُونُ لَهُ لَا لِلسَّيِّدِ. وَأَنْ يَكُونَ مُضَافًا لِلْفَاعِلِ وَهُوَ الظَّاهِرُ يَعْنِي بِهِ وَلَهُ عَطِيَّتُهُ أَيْ الْمَالُ يَعْنِي لَهُ أَنْ يُعْطَى مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ الَّذِي تَحْتَ يَدِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَإِنْ أَعْتَقَ مِنْ هَذَا الْمَالِ عَبْدًا جَازَ عِتْقُهُ وَكَانَ وَلَاؤُهُ بَعْدَهُ لِمَنْ كَانَ يَرِثُ عَنْهُ الْوَلَاءَ لَوْ كَانَ حُرًّا وَلَا يَرِثُهُ الْعَبْدُ إنْ مَاتَ وَمُعْتِقُهُ حَيٌّ قُلْت كَذَا وَجَدْته فِي نُسْخَةٍ عَتِيقَةٍ مِنْ النَّوَادِرِ وَأَنَّهُ لَا يَرِثُهُ الْعَبْدُ إنْ مَاتَ وَمُعْتِقُهُ حَيٌّ وَهُوَ مُشْكِلٌ إنْ أُرِيدَ بِالْعَبْدِ الْمَرْجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ بِرِقِّهِ وَقَدْ عَتَقَ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ (وَمُعْتِقُهُ حَيٌّ) أَنَّ الْمُعْتَقَ هُوَ مَنْ أَعْتَقَهُ الْعَبْدُ الْمَرْجُوعُ عَنْ شَهَادَتِهِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ وَنَصُّهُ وَلَوْ أَعْتَقَ الْعَبْدُ قَبْلَ مَوْتِهِ مِنْ هَذَا الْمَالِ عَبْدًا فَإِنَّ وَلَاءَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِمَنْ كَانَ يَرِثُ عَنْهُ الْوَلَاءَ لَوْ كَانَ حُرًّا وَيَرِثُهُ الْعَبْدُ إنْ مَاتَ وَمُعْتِقُهُ حَيٌّ انْتَهَى. وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْجَوَاهِرِ
(تَنْبِيهٌ) وَصَايَاهُ فِي هَذَا الْمَالِ نَافِذَةٌ مِنْ الثُّلُثِ قَالَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (وَإِنْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا غَرِمَ نِصْفَ الْحَقِّ)
ش: فَلَوْ ثَبَتَ الْحَقُّ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ ثُمَّ رَجَعَ الشَّاهِدُ فَهَلْ يَلْزَمُهُ نِصْفُ الْحَقِّ أَوْ الْحَقُّ كُلُّهُ؟ اخْتِلَافٌ فِي ذَلِكَ. وَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْقَضَاءِ بِالْحَقِّ هَلْ هُوَ مُسْتَنِدٌ لِلشَّاهِدِ فَقَطْ وَالْيَمِينِ اسْتِظْهَارًا؟ أَوْ مُسْتَنِدٌ لِلشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ مَعًا وَالْيَمِينُ كَالشَّاهِدِ الثَّانِي؟ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ فِي تَرْجِيحِ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ وَذَكَرَ الْخِلَافَ فِي الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ انْتَهَى.

ص (وَهُوَ مَعَهُنَّ فِي الرَّضَاعِ كَاثْنَتَيْنِ)
ش: فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ الْغُرْمُ فِي الرَّضَاعِ وَالْحَالُ أَنَّهُمَا إنْ شَهِدَا

(6/206)


بِالرَّضَاعِ قَبْلَ الدُّخُولِ انْفَسَخَ النِّكَاحُ بِلَا مَهْرٍ وَإِنْ شَهِدَا بِهِ بَعْدَ الدُّخُولِ فَالْمَهْرُ لِلْوَطْءِ وَإِنَّمَا فَوَّتَا بِشَهَادَتِهِمَا الْعِصْمَةَ وَهِيَ لَا قِيمَةَ لَهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الطَّلَاقِ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ الزَّوْجِ أَوْ الزَّوْجَةِ فَيَغْرَمُ الشَّاهِدَانِ لِلْبَاقِي مِنْ الزَّوْجَيْنِ مَا فَوَّتَاهُ مِنْ الْإِرْثِ وَيَغْرَمَانِ لِلْمَرْأَةِ بَعْدَ مَوْتِ الزَّوْجِ مَا فَوَّتَاهَا مِنْ الصَّدَاقِ وَإِنْ شَهِدَا بِالرَّضَاعِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ قَبْلَ الدُّخُولِ مِنْ جِهَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُمَا يَغْرَمَانِ نِصْفَ الصَّدَاقِ إذَا شَهِدَا بِطَلَاقِ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا ثُمَّ رَجَعَا وَيُتَلَمَّحُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (وَإِنْ أَمْكَنَ جَمْعٌ بَيْنَ الْبَيِّنَتَيْنِ جُمِعَ)
ش: هَذَا

(6/207)


شُرُوعٌ مِنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْكَلَامِ عَلَى تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَهُوَ اشْتِمَالُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى مَا يُنَافِي الْآخَرَ فَمَهْمَا أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا جُمِعَ كَالدَّلِيلَيْنِ وَتَتَقَرَّرُ صُورَةُ الْجَمْعِ بِمِثْلِ قَوْلِهَا. وَمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ: أَسْلَمْت إلَيْك هَذَا الثَّوْبَ فِي مِائَةِ إرْدَبِّ حِنْطَةٍ. وَقَالَ الْآخَرُ: بَلْ هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ بِثَوْبَيْنِ سِوَاهُ فِي مِائَةِ إرْدَبٍّ وَأَقَامَا جَمِيعًا الْبَيِّنَةَ لَزِمَهُ أَخْذُ الثَّلَاثَةِ فِي مِائَتَيْ إرْدَبٍّ وَلَوْ قَالَ الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ: أَسْلَمْت إلَيَّ هَذَا الثَّوْبَ الَّذِي ذَكَرْت مَعَ الْعَبْدِ فِيمَا سَمَّيْت وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ قَضَى بِالْبَيِّنَةِ الزَّائِدَةِ فَيَأْخُذُ الثَّوْبَ وَالْعَبْدَ وَتَلْزَمُهُ الْمِائَةُ إرْدَبٍّ انْتَهَى. وَمَسْأَلَةُ الْمُدَوَّنَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي كِتَابِ السَّلَمِ الثَّانِي فِي أَوَاخِرِ تَرْجَمَةِ دَفْعِ السَّلَمِ قَبْلَ مَحِلِّ الْأَجَلِ.
وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ إثْرَ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَزِمَهُ أَخْذُ الثَّلَاثَةِ إلَى آخِرِهِ يُرِيدُ سَوَاءً كَانَا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي مَجْلِسَيْنِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: مِثْلُ عَدَمِ التَّعَارُضِ لَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ أَنَّهُ أَقَرَّ بِمِائَةٍ، وَآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِخَمْسِينَ فِي مَجْلِسَيْنِ انْتَهَى. وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي نُسْخَتَيْنِ لَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ. وَصَوَابُ الْعِبَارَةِ أَنْ يَقُولَ بَيِّنَةً أَوْ وَاحِدَةً لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ فِي شَيْءٍ ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَلِابْنِ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ الشَّهَادَاتِ إنْ شَهِدَتْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ بِخِلَافِ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْأُخْرَى مِثْلَ أَنْ تَشْهَدَ إحْدَاهُمَا بِعِتْقٍ وَالثَّانِيَةُ بِطَلَاقٍ أَوْ إحْدَاهُمَا بِطَلَاقِ امْرَأَةٍ وَالثَّانِيَةُ بِطَلَاقِ امْرَأَةٍ أُخْرَى وَشِبْهُ هَذَا فَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ بِهِمَا مَعًا وَرِوَايَةُ الْمِصْرِيِّينَ فَإِنَّهُ تَهَاتُرٌ مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ وَتَكَاذُبٌ يُحْكَمُ فِيهِ بِأَعْدَلِ الْبَيِّنَتَيْنِ فَإِنْ تَكَافَأَتَا سَقَطَتَا وَرَوَى الْمَدَنِيُّونَ يُقْضَى بِهِمَا مَعًا اسْتَوَيَتَا فِي الْعَدَالَةِ أَوْ إحْدَاهُمَا أَعْدَلُ انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَمَهْمَا أَمْكَنَ الْجَمْعُ جُمِعَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنْ شَهِدَتْ إحْدَاهُمَا بِأَنَّهُ طَلَّقَ الْكُبْرَى وَالْأُخْرَى بِأَنَّهُ إنَّمَا طَلَّقَ الصُّغْرَى أَنَّهُ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا. وَتَقَدَّمَ مِنْ نَقْلِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَةُ الْمِصْرِيِّينَ انْتَهَى. وَفِي كَلَامِهِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ (الْأَوَّلُ) مَا لَزِمَ ابْنُ الْحَاجِبِ لَزِمَهُ لِأَنَّهُ صَدَرَ فِي أَوَّلِ كَلَامِهِ بِمِثْلِ مَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ (الثَّانِي) فَرْضُهُ هُوَ وَمَا نَقَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ فِيهِ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، وَكُلُّ وَاحِدَةٍ تَنْفِي أَنْ يَكُونَ تَكَلَّمَ لِغَيْرِ مَا شَهِدَتْ بِهِ، يَتَبَيَّنُ ذَلِكَ بِنَقْلِ الْمَسْأَلَةِ بِلَفْظِهَا. قَالَ فِي أَثْنَاءِ الْمَسْأَلَةِ الْخَامِسَةِ مِنْ رَسْمِ الصُّبْرَةِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَوْ أَنَّ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ شَهِدَ مِنْهُمْ رَجُلَانِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَشَهِدَ الْآخَرَانِ أَنَّهُ لَمْ يَتَفَوَّهْ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ بِشَيْءٍ مِنْ الطَّلَاقِ وَلَكِنَّهُ حَلَفَ بِعِتْقِ غُلَامٍ لَهُ سَمَّيَاهُ لَمْ أَرَ لَهُمْ شَهَادَةً أَجْمَعِينَ فِي طَلَاقٍ وَلَا عَتَاقٍ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ أَكْذَبَ بَعْضًا وَهُوَ الَّذِي سَمِعْنَاهُ.
قَالَ: وَإِنْ اخْتَلَفُوا فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَشْهَدُ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فُلَانَةَ أَوْ أَعْتَقَ غُلَامَهُ فُلَانًا وَقَالَ الْآخَرُ: نَشْهَدُ أَنَّهُ مَا ذَكَرَ امْرَأَتَهُ فُلَانَةَ حَتَّى تَفَرَّقْنَا وَمَا حَلَفَ بِطَلَاقِهَا وَلَكِنَّهُ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ فُلَانَةَ يُرِيدُ امْرَأَةً أُخْرَى أَوْ قَالَ: نَشْهَدُ مَا أَعْتَقَ الَّذِي شَهِدْتُمْ لَهُ بِالْعَتَاقَةِ وَلَكِنَّهُ أَعْتَقَ فُلَانًا غُلَامًا آخَرَ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ تَبْطُلُ وَتَسْقُطُ مِنْ قَوْلِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ فِي الْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ عَلَى هَذَا النَّحْوِ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ أَكْذَبَ بَعْضًا انْتَهَى. وَذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِهَا مَا نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْهُ فَتَأَمَّلْهُ مُنْصِفًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[فَرْعٌ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِقَتْلِ زَيْدٍ عَمْرًا يَوْمَ كَذَا وَبَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمَ بِبَلَدٍ بَعِيدٍ عَنْ مَوْضِعِ الْقَتْلِ]
(فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ قَالَ فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ إنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِقَتْلِ زَيْدٍ عَمْرًا يَوْمَ كَذَا وَبَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمَ بِبَلَدٍ بَعِيدٍ عَنْ مَوْضِعِ الْقَتْلِ قُضِيَ بِبَيِّنَةِ الْقَتْلِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا مَشْهُورُ الْمَذْهَبِ وَقَالَهُ أَصْبَغُ وَقَالَ إسْمَاعِيلُ الْقَاضِي يَقْضِي بِبَيِّنَةِ الْبَرَاءَةِ إنْ كَانَتْ أَعْدَلَ وَإِنْ كَانَتَا فِي الْعَدَالَةِ سَوَاءً طُرِحَتَا وَقَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ

(6/208)


انْتَهَى.
(قُلْت) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ الَّذِي كُنْت أَسْمَعُ فِيمَا كُنَّا نَتَنَاظَرُ عَلَيْهِ مَعَ أَصْحَابِنَا: أَنَّ شَاهِدَيْنِ لَوْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَقَرَّ عِنْدَهُمْ بِعَرَفَاتٍ يَوْمَ عَرَفَةَ مِنْ الْعَامِ الْفُلَانِيِّ لِرَجُلٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُمْ بِمِصْرَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بِعَيْنِهِ أَنَّ شَهَادَةَ الَّذِينَ شَهِدُوا عَلَيْهِ بِالْمِائَةِ أَحَقُّ وَأَوْلَى قَالُوا: لِأَنَّ هَذَيْنِ شَهِدُوا بِحَقٍّ وَلَمْ يَشْهَدْ الْآخَرَانِ بِحَقٍّ وَلَسْت أَعْرِفُ هَذَا الْمَعْنَى وَاَلَّذِي أَرَى إنْ كَانَ الشَّاهِدَانِ اللَّذَانِ شَهِدَا أَنَّهُ كَانَ بِمِصْرَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَعْدَلَ: أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ شَيْءٌ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ بِحَقٍّ أَقَرَّ بِهِ عِنْدَهُمَا فِي سَنَةِ مِائَتَيْنِ وَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَعْدَلُ مِنْهُمَا أَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ بِشَهْرٍ أَنَّهُ جُرْحَةٌ وَلَوْ كَانَتَا فِي الْعَدَالَةِ سَوَاءً لَطَرَحْتهمَا. وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ وُلِدَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لِكِلَا الْقَوْلَيْنِ وَجْهٌ وَحَظٌّ مِنْ النَّظَرِ. وَسَتَأْتِي هَذِهِ الْكَلِمَةُ فِي نَوَازِلِ أَصْبَغَ فَنَتَكَلَّمُ عَلَيْهَا انْتَهَى.
(قُلْت) زَادَ فِي النَّوَادِرِ عَنْ الْمَجْمُوعَةِ وَكِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ مَا نَصُّهُ قَالَ سَحْنُونٌ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ مِثْلُ أَهْلِ الْمَوْسِمِ فِي جَمَاعَتِهِمْ أَنَّهُ أَقَامَ لَهُمْ الْحَجَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ أَوْ أَهْلُ مِصْرَ أَنَّهُ صَلَّى بِهِمْ الْعِيدَ ذَلِكَ الْيَوْمَ فَيَبْطُلُ الْقَتْلُ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْمَوْسِمِ لَا يَجْتَمِعُونَ عَلَى الْغَلَطِ وَلَا يَشْتَبِهُ عَلَيْهِمْ وَقَدْ يَشْتَبِهُ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ.
(قُلْت) ذِكْرُهُ لِأَهْلِ الْمَوْسِمِ وَأَهْلِ مِصْرَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا تَرُدُّ شَهَادَةُ الشَّاهِدَيْنِ إلَّا بِمِثْلِ ذَلِكَ الْعَدَدِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ مَقْصُودًا لِذَاتِهِ فَإِذَا شَهِدَ جَمَاعَةٌ يَسْتَحِيلُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ فَالظَّاهِرُ بُطْلَانُ شَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ وَلَا يَنْضَبِطُ ذَلِكَ بِعَدَدٍ وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّرْجِيحِ بِالْعَدَدِ وَنَصَّهُ. وَفِي لَغْوِ التَّرْجِيحِ بِالْكَثْرَةِ وَاعْتِبَارِهِ قَوْلَهُ وَرِوَايَةَ ابْنِ حَبِيبٍ وَفِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ: لَوْ شَهِدَ لِهَذَا شَاهِدَانِ وَلِهَذَا مِائَةٌ وَتَكَافَئُوا فِي الْعَدَالَةِ لَمْ تُرَجَّحْ بِالْكَثْرَةِ اللَّخْمِيُّ وَالْمَازِرِيُّ مَحْمَلُهُ عَلَى الْمُغَايَاةِ وَلَوْ كَثُرُوا حَتَّى يَقَعَ الْعِلْمُ بِصِدْقِهِمْ لَقُضِيَ بِهِمْ انْتَهَى. قَالَ: وَنَصُّ مَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِ أَصْبَغَ عَلَى اخْتِصَارِ ابْنِ عَرَفَةَ إنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِزِنَى رَجُلٍ بِمِصْرَ فِي الْمُحَرَّمِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأُخْرَى أَنَّهُ كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمَ بِالْعِرَاقِ حُدَّ وَكَذَا لَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ قَتَلَ فُلَانًا بِمِصْرَ وَشَهِدَتْ أُخْرَى أَنَّهُ قَتَلَ فُلَانًا بِالْعِرَاقِ قُتِلَ بِهِمَا.
ابْنُ رُشْدٍ تَفْرِقَةُ أَصْبَغَ هَذِهِ عَلَى قِيَاسِ مَشْهُورِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ إذَا اخْتَلَفَتَا بِالزِّيَادَةِ أُعْمِلَتْ ذَاتُ الزِّيَادَةِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ فِي الْأَنْوَاعِ سَقَطَتَا إلَّا أَنْ تَكُونَ إحْدَاهُمَا أَعْدَلَ فَيُقْضَى بِهَا. وَقَالَ أَيْضًا إنْ اخْتَلَفَتَا بِالزِّيَادَةِ سَقَطَتَا إلَّا أَنْ تَكُونَ إحْدَاهُمَا أَعْدَلَ فَيُقْضَى بِهَا كَاخْتِلَافِ الْأَنْوَاعِ فَلَزِمَ عَلَى قِيَاسِ هَذَا إنْ شَهِدَتْ الْأُخْرَى أَنَّهُ زَنَى ذَلِكَ الْيَوْمَ بِالْعِرَاقِ أَنْ تَسْقُطَ إلَّا أَنْ تَكُونَ إحْدَاهُمَا أَعْدَلَ فَيُقْضَى بِهَا كَمَا لَوْ شَهِدَتْ أَنَّهُ سَرَقَ ذَلِكَ الْيَوْمَ بِالْعِرَاقِ وَهُوَ الَّذِي يُوجِبُهُ الْقِيَاسُ لِتَكْذِيبِ كُلِّ بَيِّنَةٍ الْأُخْرَى وَتَعْلِيلُ أَصْبَغَ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ وَالْقَتْلِ فَإِنَّهُ يُعْلَمُ أَنَّ صِدْقَ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا عُلِمَ أَنَّ إحْدَاهُمَا كَاذِبَةٌ وَاحْتُمِلَ أَنْ تَكُونَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا هِيَ الْكَاذِبَةُ اُحْتُمِلَ كَذِبُهُمَا مَعًا وَإِذَا اُحْتُمِلَ كَذِبُهُمَا مَعًا أَوْ كَذِبِ إحْدَاهُمَا لَمْ يَصِحَّ الْحُكْمُ بِأَنَّ إحْدَاهُمَا صَادِقَةٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ هِيَ أَعْدَلُ وَإِلَى هَذَا نَحَا ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا عَنْهُ فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ وَيَأْتِي عَلَى قِيَاسِ الْأَخَوَيْنِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْبَيِّنَتَيْنِ إذَا شَهِدَتْ إحْدَاهُمَا بِخِلَافِ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْأُخْرَى وَاسْتَوَيَا فِي الْعَدَالَةِ أَنَّهُ يَقْضِي بِشَهَادَتِهِمَا مَعًا أَنَّهُ يُحَدُّ لِلزِّنَا وَالسَّرِقَةِ إذَا شَهِدَتَا بِهِ مَعًا وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا انْتَهَى.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ الْقَرَافِيُّ وَلَا يُقْضَى بِأَعْدَلِ الْبَيِّنَتَيْنِ إلَّا فِي الْأَمْوَالِ. قَالَهُ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ فِي تَمْيِيزِ الْفَتَاوَى عَنْ الْأَحْكَامِ وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَبِيَدٍ)
ش: قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي كِتَابِ الدَّعَاوَى (تَنْبِيهٌ) الْيَدُ عِبَارَةٌ عَنْ الْقُرْبِ وَالِاتِّصَالِ فَأَعْظَمُهَا ثِيَابُ

(6/209)


الْإِنْسَانِ الَّتِي عَلَيْهِ وَنَعْلُهُ وَمِنْطَقَتُهُ وَيَلِيه الْبِسَاطُ الَّذِي هُوَ جَالِسٌ عَلَيْهِ وَالدَّابَّةُ الَّتِي هُوَ رَاكِبُهَا وَتَلِيهِ الدَّابَّةُ الَّتِي هُوَ سَائِقُهَا أَوْ قَائِدُهَا وَالدَّارُ الَّتِي هُوَ سَاكِنُهَا فَهِيَ دُونَ الدَّابَّةِ لِعَدَمِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَى جَمِيعِهَا. قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: فَيُقَدَّمُ أَقْوَى الْيَدَيْنِ عَلَى أَضْعَفِهِمَا فَلَوْ تَنَازَعَ السَّاكِنَانِ الدَّارَ سُوِّيَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ أَيْمَانِهِمَا وَالرَّاكِبُ مَعَ الرَّاكِبِ وَالسَّائِقِ قِيلَ يُقَدَّمُ الرَّاكِبُ مَعَ يَمِينِهِ انْتَهَى فَتَأَمَّلْهُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (وَبِالْمِلْكِ عَلَى الْحَوْزِ)
ش: (مَسْأَلَةٌ) إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ بِمِلْكٍ لِرَجُلٍ وَشَهِدَا لِمَنْ هُوَ بِيَدِهِ بِالْحِيَازَةِ فَنَقَلَ ابْنُ سَهْلٍ فِي مَسَائِلِ الْأَقْضِيَةِ عَنْ ابْنِ عَتَّابٍ أَنَّ شَهَادَتَهُمْ جَائِزَةٌ وَلَا يَضُرُّهَا اجْتِمَاعُهُمَا فِيهَا لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا فِي الْأَمْرَيْنِ بِعِلْمِهِمْ وَرَأَوْا حِيَازَةً يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ بِإِرْفَاقٍ أَوْ تَوْكِيلٍ أَوْ ابْتِيَاعٍ وَلَيْسَ يَلْزَمُهُمْ الْكَشْفَ عَنْ ذَلِكَ انْتَهَى.

ص (وَبِنَقْلٍ عَلَى مُسْتَصْحَبَةٍ)
ش: تَصَوُّرُهُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ ظَاهِرٌ قَالَ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً فِي دَارٍ أَنَّهُ ابْتَاعَهَا مِنْ فُلَانٍ وَأَنَّهُ بَاعَهُ مَا مَلَكَ وَأَقَامَ مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ بَيِّنَةً أَنَّهُ يَمْلِكُهَا قُضِيَ بِأَعْدَلِهِمَا وَإِنْ تَكَافَأَتَا سَقَطَتَا وَبَقِيَتْ الدَّارُ بِيَدِ حَائِزِهَا أَبُو الْحَسَنِ لَا بُدَّ مِنْ فَصْلَيْنِ أَنَّهُ ابْتَاعَهَا مِنْهُ وَأَنَّهُ بَاعَهُ مَا مَلَكَ وَإِذَا لَمْ يُذْكَرْ فِي الْعَقْدِ إلَّا الشِّرَاءُ دُونَ هَذِهِ اللَّفْظَةِ لَمْ تُعَارِضْ الْحَوْزَ وَالْبَيِّنَةَ بَلْ لَا تُعَارِضُ إلَّا الْحَوْزَ وَحْدَهُ قَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ: قِفْ عَلَى هَذِهِ اللَّفْظَةِ فَإِنَّهُ أَصْلٌ جَيِّدٌ وَعَلَيْهِ تَدُورُ أَحْكَامُهُمْ. وَفَائِدَتُهُ إذَا كَانَ فِي عَقْدِ الشِّرَاءِ عِنْدَ ذِكْرِ التَّارِيخِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الدَّارُ لَمْ يَحْتَجْ الْمُشْتَرِي إلَى إثْبَاتِ الْمِلْكِ ثَانِيَةً إذْ قَدْ يَطُولُ الزَّمَانُ وَتَمُوتُ الْبَيِّنَتَانِ وَلَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ: أَعْطِنِي عَقْدَ الشِّرَاءِ فَذَلِكَ لَهُ وَفَائِدَتُهُ إذَا طَرَأَ الِاسْتِحْقَاقُ رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ عَلَى مَنْ وَجَدَ مِنْهُمَا وَفَائِدَتُهُ أَيْضًا خَوْفُ أَنْ يَدَّعِيَ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ أَنَّهُ لَمْ يَبِعْ قَطُّ وَلَهُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ الرُّجُوعُ عَلَى غَرِيمِ الْغَرِيمِ وَكَذَلِكَ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ. الشَّيْخُ: وَالْعَمَلُ الْيَوْمَ عَلَى أَخْذِ النُّسْخَةِ وَهُوَ الْحَزْمُ. وَفِي النَّوَادِرِ وَإِذَا شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِالشِّرَاءِ لَا يَنْتَفِعُ إلَّا أَنْ يَشْهَدُوا لَهُ بِطُولِ الْمِلْكِ وَالْحَوْزِ وَالتَّصَرُّفِ وَأَنْ لَا مُنَازِعَ. سَوَاءٌ أَثْبَتَ ذَلِكَ بِشُهُودِ الشِّرَاءِ أَوْ بِغَيْرِهِمْ سَوَاءٌ ذَكَرُوا الشِّرَاءَ أَمْ لَا انْتَهَى.

ص (وَصِحَّةُ الْمِلْكِ بِالتَّصَرُّفِ وَعَدَمِ مُنَازِعٍ وَحَوْزٍ)
ش: أَيْ وَشَرْطُ صِحَّةِ الشَّهَادَةِ بِالْمِلْكِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ رَأَى الْمَشْهُودَ لَهُ يَتَصَرَّفُ فِي الشَّيْءِ الْمَشْهُودِ بِهِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ فِي أَمْلَاكِهِمْ مِنْ غَيْرِ مُنَازِعٍ.
ص (وَأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ فِي عِلْمِهِمْ وَتُؤُوِّلَتْ

(6/210)


أَيْضًا عَلَى الْكَمَالِ)
ش: قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَيُشْتَرَطُ فِي بَيِّنَةِ الْمِلْكِ بِالْأَمْسِ مَثَلًا أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ فِي عِلْمِهِمْ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَوْلُهُ بِالْأَمْسِ تَنْبِيهٌ بِالْأَخَفِّ عَلَى الْأَشَدّ لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَطَ هَذَا

(6/211)


فِي أَقْرَبِ الْأَيَّامِ الْمَاضِيَةِ مَعَ بُعْدِ خُرُوجِ الْمِلْكِ مِنْ يَدِ مَالِكِهِ فِي هَذَا الزَّمَانِ الْقَرِيبِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِي أَبْعَدِ مِنْ ذَلِكَ مِنْ بَابِ أَوْلَى. وَهَذَا الشَّرْطُ الَّذِي ذَكَرَهُ هُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الشَّهَادَاتِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَفِيهَا مِنْ تَمَامِ شَهَادَتِهِمْ أَنْ يَقُولُوا مَا عَلِمْنَاهُ بَاعَ وَلَا وَهَبَ وَلَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ قَالَ مَالِكٌ: وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ عَلَى الْبَتِّ أَنَّهُ مَا بَاعَ وَلَا وَهَبَ وَلَوْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِذَلِكَ كَانَتْ زُورًا وَبِهَذَا الظَّاهِرِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لِأَنَّهُ قَالَ: فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَقُولُوا مَا عَلِمُوهُ بَاعَ وَلَا وَهَبَ وَلَا تَصَدَّقَ فَشَهَادَتُهُمْ بَاطِلَةٌ وَظَاهِرُ مَا فِي الْعَارِيَّةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ. قَالَ: وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّ الدَّارَ لَهُ لَمْ يَقُولُوا لَا نَعْلَمُ أَنَّهُ مَا بَاعَ وَلَا وَهَبَ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ مَا بَاعَ وَلَا وَهَبَ وَلَا تَصَدَّقَ وَيُقْضَى لَهُ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَقَدْ أَكْثَرَ الشُّيُوخُ هَلْ كَلَامُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ مُتَنَاقِضٌ أَمْ لَا وَهَلْ تُقْبَلُ شَهَادَةُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ شَهِدُوا بِالْبَتِّ مَعَ إطْلَاقِهَا عَلَيْهَا بِالزُّورِ أَوْ يُفَصَّلُ فِيهِمْ بَيْنَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْعُلَمَاءِ فَلَا تُقْبَلُ أَوْ يَكُونُوا مِنْ عَوَامِّ النَّاسِ فَتُقْبَلُ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَأَبُو عِمْرَانَ وَاَلَّذِي قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ: إنَّ مَا فِي الشَّهَادَةِ شَرْطُ كَمَالٍ. أَبُو الْحَسَنِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ عَلَى مَيِّتٍ فَذَلِكَ شَرْطُ صِحَّةٍ وَمُرَادُهُ بِقَوْلِهِ كَانَتْ زُورًا أَنَّهَا غَيْرُ مَقْبُولَةٍ وَلَا يُخْتَلَفُ أَنَّهُمْ لَا يَلْزَمُهُمْ مَا يَلْزَمُ شُهُودَ الزُّورِ.

[فَرْعٌ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى شَيْءٍ فَقَضَى لَهُ بِهِ ثُمَّ أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً بِخِلَافِ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ الْأُولَى]
(فَرْعٌ) مَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى شَيْءٍ فَقُضِيَ لَهُ بِهِ ثُمَّ أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً بِخِلَافِ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ الْأُولَى فَإِنَّهُ مِنْ تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ وَيُنْظَرُ فِي أَعْدَلِهِمَا. وَكَذَلِكَ إنْ أَقَامَ شَخْصٌ بَيِّنَةً عَلَى شَيْءٍ فَقُضِيَ لَهُ بِهِ ثُمَّ أَتَى آخَرُ فَأَقَامَ بَيِّنَةَ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ فِيهِمَا. قَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي الَّذِي يَدَّعِي الشَّيْءَ فَيُقِيمُ بَيِّنَةً فَيُحْكَمُ لَهُ بِهِ ثُمَّ يَدَّعِيه آخَرُ فَيُقِيمُ بَيِّنَةً عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ لَيْسَ عَلَى الْأَوَّلِ إعَادَةُ بَيِّنَةٍ وَلَا يُرَدُّ الشَّيْءُ إلَى الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ أَوَّلًا وَلَكِنْ يُقْضَى بِهِ لِأَعْدَلِ الْبَيِّنَتَيْنِ انْتَهَى بِالْمَعْنَى مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ فِي التَّرْجَمَةِ الْمَذْكُورَةِ وَمَا قَبْلَهَا. وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ مَسَائِلِ الدَّعْوَى وَالْخُصُومَاتِ نَحْوُ ذَلِكَ فَانْظُرْهُ. وَنَقَلَ الْبُرْزُلِيُّ عَنْهُ فِي مَسَائِلِ الضَّرَرِ نَحْوَ ذَلِكَ وَنَصُّهُ إذَا ثَبَتَ حُكْمُ الْقَاضِي بِقَطْعِ جَرْيِ الْمَاءِ فِي الطَّرِيقِ بِبَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ لَا مَدْفَعَ فِيهَا بَطَلَ حَقُّ أَصْحَابِ الْجَنَّاتِ إلَّا أَنْ يَقْدِرُوا عَلَى قَطْعِ ضَرَرِ الطَّرِيقِ أَوْ يَثْبُتُوا أَنَّهُ لَيْسَ بِضَرَرٍ عَلَى الطَّرِيقِ بِبَيِّنَةٍ أَعْدِلَ مِنْ الْأُولَى أَوْ تَجْرِيحِ شُهُودِ الْعَقْدِ الَّذِينَ حَكَمَ بِهِمْ الْحَاكِمُ فَهُمْ حِينَئِذٍ أَحَقُّ بِالْمَاءِ انْتَهَى. وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي أَشَرْنَا إلَيْهَا فِي نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّامِنَةِ مِنْ مَسَائِلِ الْوَصَايَا مِنْ نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فِي بَيِّنَةٍ شَهِدَتْ بِرُشْدِ شَخْصٍ وَحَكَمَ الْقَاضِي بِتَرْشِيدِهِ ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أَعْدَلُ مِنْهَا بِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُتَّصِلَ السَّفَهِ أَنَّهُ يُحْكَمُ بِسَفَهِهِ، وَذُكِرَ فِيهَا فَائِدَةٌ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ أَفْعَالَهُ مِنْ يَوْمِ حُكْمِ الْقَاضِي بِتَرْشِيدِهِ إلَى يَوْمِ الْحُكْمِ بِتَسْفِيهِهِ جَائِزَةٌ مَاضِيَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (وَإِنْ قَالَ: أَبْرَأَنِي مُوَكِّلُك الْغَائِبُ. اُنْتُظِرَ)

(6/212)


ش: هَكَذَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ وَيَعْنِي بِهِ إذَا قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِوَكِيلِ الْمُدَّعِي: قَدْ أَبْرَأَنِي مُوَكِّلُك الْغَائِبُ مِنْ الْحَقِّ الَّذِي تَدَّعِي بِهِ فَإِنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَنْظُرُ حَتَّى يَحْلِفَ الْمُوَكِّلُ الْغَائِبُ أَنَّهُ مَا أَبْرَأَهُ. وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَتْ غِيبَتُهُ قَرِيبَةً أَوْ بَعِيدَةً. وَهَذَا الْقَوْلُ ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَعَزَاهُ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَحَكَاهُ اللَّخْمِيُّ فِي آخِرِ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ بِلَفْظِ قِيلَ وَلَمْ يَعْزُهُ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَلَا لِغَيْرِهِ لَكِنَّهُ قَالَ بَعْدَهُ أَنَّهُ الْأَصْلُ.
وَذَكَرَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ هَذَا الْقَوْلَ عَنْ اللَّخْمِيِّ وَقَالَ: إنَّهُ ذَكَرَهُ بِقِيلِ. وَذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الْعِتْقِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ وَفِي رَسْمٍ. حَمَلَ صَبِيًّا مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْبَضَائِعِ وَالْوَكَالَاتِ فِيمَنْ وُكِّلَ عَلَى طَلَبِ عَبْدٍ بِمِصْرَ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ لِمُوَكِّلِهِ فَإِنَّهُ لَا يُقْضَى لَهُ بِهِ حَتَّى يَحْلِفَ الْمُوَكَّلُ أَنَّهُ مَا بَاعَ وَلَا وَهَبَ سَوَاءً كَانَ الْمُوَكِّلُ قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا وَالْمَنْصُوصُ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْبَضَائِعِ وَالْوَكَالَاتِ فِي مَسْأَلَةِ دَعْوَى الْمَطْلُوبِ: الْقَضَاءُ أَنَّهُ يُقْضَى عَلَى الْمَطْلُوبِ بِالْحَقِّ وَلَا يُؤَخَّرُ إلَى لُقِيِّ صَاحِبِ الْحَقِّ وَمِثْلُهُ دَعْوَى الْإِبْرَاءِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْغَيْبَةِ الْقَرِيبَةِ وَالْبَعِيدَةِ، لَكِنْ نَقَلَ فِي النَّوَادِرِ فِي تَرْجَمَةِ الْمَقْضِيِّ لَهُ بِالسِّلْعَةِ هَلْ يَحْلِفُ؟ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فِي وَكِيلِ الْغَائِبِ يَطْلُبُ دِينًا بِبَيِّنَةٍ لَهُ فَقَالَ: الْمَطْلُوبُ بَقِيَ مِنْ حَقِّي أَنْ يَحْلِفَ لِي الْمَحْكُومُ لَهُ أَنَّهُ مَا قَبَضَهُ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَتْ غِيبَتُهُ قَرِيبَةً اُنْتُظِرَ حَتَّى يَقْدُمَ وَكَتَبَ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ بَعِيدَةً فَإِنَّهُ يَدْفَعُ الْحَقَّ السَّاعَةَ وَيُقَالُ لِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ: إذَا اجْتَمَعْت مَعَ الطَّالِبِ فَحَلَّفَهُ وَكَتَبَ لَهُ الْقَاضِي بِذَلِكَ كِتَابًا يَكُونُ بِيَدِهِ فَإِنْ مَاتَ الْمَقْضِيُّ لَهُ حَلَفَ أَكَابِرُ وَرَثَتِهِ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ وَلَا يَحْلِفُ الصِّغَارُ وَإِنْ كَبِرُوا بَعْدَ مَوْتِهِ انْتَهَى وَكَذَلِكَ نَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْغَيْبَةِ الْقَرِيبَةِ وَالْبَعِيدَةِ فَقَالَ: إنَّهُ يُؤَخِّرُ فِي الْقَرِيبَةِ حَتَّى يَكْتُبَ لِلْمُوَكِّلِ فَيَحْلِفُ وَلَا يُؤَخِّرُ فِي الْبَعِيدَةِ وَيَقْضِي عَلَيْهِ بِالْحَقِّ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَقَوْلُهُ عِنْدِي تَفْسِيرٌ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ زَادَ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ فِي الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ فَقَالَ: لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُقْضَى لَهُ فِي الْغَيْبَةِ الْقَرِيبَةِ إلَّا بَعْدَ يَمِينِ الْمُوَكَّلِ. وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ إنْ كَانَتْ الْغِيبَةُ قَرِيبَةً كَالْيَوْمَيْنِ اُنْتُظِرَ الْمُوَكِّلُ حَتَّى يَحْلِفَ وَإِنْ كَانَتْ الْغَيْبَةُ بَعِيدَةً حَلَفَ الْوَكِيلُ عَلَى أَنَّهُ مَا يَعْلَمُ مُوَكِّلُهُ قَبَضَ مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا وَيُقْضَى لَهُ.
وَذَكَرَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ فِي الْبَابِ الْعَاشِرِ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي أَنَّ صَاحِبَ مُعِينِ الْحُكَّامِ حَكَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مِثْلَ قَوْلِ ابْنِ كِنَانَةَ وَذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهُ يُقْضَى عَلَى الْمَطْلُوبِ وَتُرْجَى لَهُ الْيَمِينُ عَلَى الْمُوَكَّلِ فَإِذَا لَقِيَهُ حَلَّفَهُ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمَطْلُوبُ وَاسْتَرْجَعَ مَا دَفَعَ وَذَكَرَ هَذَا الْقَوْل أَيْضًا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَكِنَّهُ لَمْ يَعْزُهُ لِابْنِ الْمَوَّازِ قَالَ: فَعَلَى الْقَوْلِ الَّذِي

(6/213)


نَقَلْنَاهُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ عِيسَى ابْنُ رُشْدٍ قَيَّدَهُ بِالْغَيْبَةِ الْبَعِيدَةِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ فِي آخِرِهِ مِنْ تَحْلِيفِهِ لِلْمُوَكِّلِ إذَا لَقِيَهُ فَلَا يُخَالِفُ فِيهِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَلِابْنِ كِنَانَةَ أَيْضًا فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ فِي الْغَيْبَةِ الْقَرِيبَةِ يُنْظَرُ الْمَطْلُوبُ حَتَّى يَحْلِفَ الْمُوَكِّلُ بِلَا خِلَافٍ عَلَى مَا نَقَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَأَمَّا الْغَيْبَةُ الْبَعِيدَةُ فَالْمَنْصُوصُ فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَابْنِ الْمَوَّازِ وَابْنِ كِنَانَةَ أَنَّهُ يُقْضَى عَلَى الْمَطْلُوبِ بِالْحَقِّ وَلَا يُؤَخَّرُ لَكِنَّ ابْنَ كِنَانَةَ يَقُولُ: لَا يُقْضَى عَلَيْهِ حَتَّى يَحْلِفَ الْوَكِيلُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ وَمُقَابِلُ الْمَنْصُوصِ الْقَوْلُ الَّذِي حَكَاهُ اللَّخْمِيُّ بِقِيلَ وَخَرَّجَهُ ابْنُ رُشْدٍ مِنْ يَمِينِ الِاسْتِحْقَاقِ (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) إذَا عَلِمَ ذَلِكَ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ (انْتَظِرْ) كَمَا هُوَ الْمَوْجُودُ فِي غَالِبِ النُّسَخِ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُنْظَرُ فِي الْغَيْبَةِ الْبَعِيدَةِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ خِلَافُ الْمَنْصُوصِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَقَدْ اعْتَرَضَ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ فِي عَزْوِهِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَعَلَى ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَبُولِهِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ خِلَافُ مَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ عِيسَى وَإِنَّ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ غَيْرُ الْمَنْصُوصِ وَإِنَّمَا هُوَ مُخَرَّجٌ عَلَى مَا فِي نَوَازِلِ عِيسَى لَكِنْ قَدْ عَلِمْت أَنَّ اللَّخْمِيَّ حَكَاهُ بِقِيلَ فَكَانَ يَنْبَغِي لَلْمُصَنَّفِ أَنْ يَقُولَ: وَإِنْ قَالَ أَبْرَأَنِي مُوَكِّلُك الْغَائِبُ أَوْ قَضَيْته، لَمْ يُنْتَظَرْ فِي الْبَعِيدَةِ بِخِلَافِ الْقَرِيبَةِ فَيُؤَخَّرُ كَيَمِينِ الْقَضَاءِ.
وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَعَلَيْهَا تَكَلَّمَ ابْنُ غَازِيٍّ مَا صُورَتُهُ: وَإِنْ قَالَ أَبْرَأَنِي مُوَكِّلُك الْغَائِبُ. اُنْظُرْ فِي الْقَرِيبَةِ وَفِي الْبَعِيدَةِ يَحْلِفُ الْوَكِيلُ مَا عَلِمَ بِقَبْضِ مُوَكِّلِهِ وَيُقْضَى لَهُ فَإِنْ حَلَفَ وَاسْتَمَرَّ الْقَبْضُ وَإِلَّا حَلَفَ الْمَطْلُوبُ وَاسْتَرْجَعَ مَا أُخِذَ مِنْهُ فَقَالَ الشَّيْخُ ابْنُ غَازِيٍّ أَمَّا حَلِفُ الْوَكِيلِ فَهُوَ قَوْلُ ابْنِ كِنَانَةَ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: إنَّهُ بَعِيدٌ جِدًّا لِأَنَّهُ يَحْلِفُ لِيَنْتَفِعَ غَيْرُهُ وَأَمَّا مَا بَعْدَهُ مِنْ الْكَلَامِ فَإِنَّمَا سَاقَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَوْلًا آخَرَ وَلَمْ يَزِدْ فِي تَوْضِيحِهِ عَلَى نِسْبَتِهِ لِابْنِ الْمَوَّازِ وَأَنْتَ تَرَاهُ هُنَا رَكَّبَ هَذِهِ الْفَتْوَى مِنْ الْقَوْلَيْنِ فَتَأَمَّلْهُ انْتَهَى.
(قُلْت) أَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ حَلِفِ الْوَكِيلِ فَهُوَ قَوْلُ ابْنِ كِنَانَةَ كَمَا ذَكَرَ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ بَعْدُ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ ابْنَ كِنَانَةَ وَابْنَ الْقَاسِمِ وَابْنَ الْمَوَّازِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِ، وَلَا يُؤَخَّرُ لَا يُخَالِفُونَ فِي أَنَّهُ إذَا لَقِيَ الْمُوَكِّلَ لَهُ أَنْ يُحَلِّفُهُ عَلَى مَا ادَّعَاهُ وَكِيلُهُ فَإِنْ حَلَفَ مَضَى وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمَطْلُوبُ وَاسْتَرْجَعَ مَا كَانَ غَرِمَهُ وَهَذَا بَيِّنٌ فَتَأَمَّلْهُ فَهَذِهِ النُّسْخَةُ حَسَنَةٌ مُوَافَقَةٌ لِلرَّاجِحِ مِنْ الْأَقْوَالِ إلَّا مَا ذَكَرَهُ فِي حَلِفِ الْوَكِيلِ فَإِنَّهُ قَوْلُ ابْنِ كِنَانَةَ الثَّانِي لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ الْمَطْلُوبُ أَبْرَأَنِي مُوَكِّلُك كَمَا فَرَضَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُمَا أَوْ يَقُولَ قَضَيْته الْحَقَّ الَّذِي تَدَّعِي بِهِ أَوْ بَعْضَهُ كَمَا فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْبَضَائِعِ وَالْوَكَالَاتِ (الثَّالِثُ) إذَا قَضَى عَلَى الْمَطْلُوبِ بِالْحَقِّ ثُمَّ لَقِيَ الْمُوَكِّلَ فَاعْتَرَفَ بِمَا ادَّعَاهُ الْمَطْلُوبُ مِنْ الْإِبْرَاءِ أَوْ الْقَضَاءِ أَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ وَحَلَفَ الْمَطْلُوبُ عَلَى ذَلِكَ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالْحَقِّ الَّذِي قَضَى بِهِ عَلَيْهِ عَلَى الْوَكِيلِ أَوْ عَلَى الْمُوَكِّلِ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِ الْبَضَائِعِ وَالْوَكَالَاتِ قَالَ: فَإِنْ رَجَعَ صَاحِبُ الْحَقِّ رَجَعَ صَاحِبُ الْحَقِّ عَلَى الْوَكِيلِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ دَفَعَ ذَلِكَ إلَى الْمُوَكِّلِ وَيُقِيمَ عَلَى ذَلِكَ الْبَيِّنَةَ
(قُلْت) وَإِنْ رَجَعَ عَلَى الْوَكِيلِ فَلَا كَلَامَ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ دَفَعَ ذَلِكَ لِمُوَكِّلِهِ فَلَهُ مُطَالَبَتُهُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الرَّابِعُ) أَمَّا يَمِينُ الِاسْتِحْقَاقِ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ فِي الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى أَنَّهُ إنْ كَانَتْ الْغَيْبَةُ قَرِيبَةً فَلَا اخْتِلَافَ أَنَّهُ لَا يَقْضِي لِلْوَكِيلِ إلَّا بَعْدَ حَلِفِ مُوَكِّلِهِ وَإِنْ كَانَتْ بَعِيدَةً فَاَلَّذِي فِي نَوَازِلِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْبَضَائِعِ وَالْوَكَالَاتِ أَنَّهُ لَا يَقْضِي لِلْوَكِيلِ إلَّا بَعْدَ حَلِفِ مُوَكِّلِهِ وَحَكَى ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ عَنْ أَصْبَغَ أَنَّهُ يَقْضِي لِلْوَكِيلِ إذَا كَانَتْ الْغَيْبَةُ بَعِيدَةً كَمَا فِي مَسْأَلَةِ دَعْوَى الْقَضَاءِ وَالْإِبْرَاءِ وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ: يَحْلِفُ الْوَكِيلُ عَلَى الْعِلْمِ وَيُقْضَى لَهُ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ فَتَحَصَّلَ أَنَّهُ لَا يُقْضَى لِلْوَكِيلِ فِي

(6/214)


الْغَيْبَةِ الْقَرِيبَةِ إلَّا بَعْدَ يَمِينِ مُوَكِّلِهِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا فِي الْغَيْبَةِ الْبَعِيدَةِ فَقِيلَ يُقْضَى لِلْوَكِيلِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ حَمْلًا لِمَسْأَلَةِ الِاسْتِحْقَاقِ عَلَى مَسْأَلَة دَعْوَى الْقَضَاءِ وَالْإِبْرَاءِ وَهُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ وَقِيلَ لَا يُقْضَى لَهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ حَتَّى يَكْتُبَ إلَى مُوَكِّلِهِ فَيَحْلِفُ حَمْلًا لِمَسْأَلَةِ دَعْوَى الْقَضَاءِ وَالْإِبْرَاءِ عَلَى مَسْأَلَة يَمِينِ الِاسْتِحْقَاقِ وَقِيلَ: يُقْضَى لِلْوَكِيلِ بَعْدَ حَلْفِهِ عَلَى الْعِلْمِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ لَا فَرْقَ بَيْنَ يَمِينِ الِاسْتِحْقَاقِ وَيَمِينِ دَعْوَى الْقَضَاءِ وَالْإِبْرَاءِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَقَالَ فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الْبَضَائِعِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ الَّذِي يُعْزَى إلَى ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّ الْيَمِينَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ تَمَامِ الشَّهَادَةِ لَا يَتِمُّ الْحُكْمُ إلَّا بِهَا. وَيَمِينُ صَاحِبِ الدَّيْنِ أَنَّهُ مَا اقْتَضَى مِنْ دَيْنِهِ شَيْئًا إنَّمَا تَجِبُ بِدَعْوَى الْغَرِيمِ أَنَّهُ قَدْ قَضَى فَيُقَالُ لَهُ: أَدِّ الدَّيْنَ إلَى الْوَكِيلِ وَاسْتَحْلِفْ صَاحِبَك إذَا لَقِيته عَلَى دَعْوَاك.
(الْخَامِسُ) هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَسْتَحْلِفَ الْمُوَكِّلِ عَلَى قَبْضِ حَقِّهِ الْغَائِبِ أَنَّهُ مَا قَبَضَ مِنْهُ شَيْئًا وَأَنَّهُ يَكْتُبُ لَهُ بِهَا دُونَ يَمِينٍ سَوَاءٌ خَرَجَ أَوْ وَكَّلَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي رَسْمِ حَمَلَ صَبِيًّا مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْبَضَائِعِ وَالْوَكَالَاتِ وَمَا فِي نَوَازِلِ أَصْبَغَ مِنْهُ وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي رَسْمِ الْعِتْقِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ أَنَّهُ لَا يَكْتُبُ لَهُ حَتَّى يَسْتَحْلِفَهُ فِي الْوَجْهَيْنِ خَرَجَ أَوْ وَكَّلَ أَنَّهُ مَا اقْتَضَى وَلَا أَحَالَ وَلَا قَبِلَ قَالَ: وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى جَرَى الْعَمَلُ لِأَنَّهُ يَقُولُ لِلْقَاضِي: لَا تُحَلِّفْنِي. فَلَعَلَّهُ لَا يَدَّعِي أَنَّهُ قَضَانِي شَيْئًا وَقِيلَ إنَّهُ يَسْتَحْلِفُهُ إذَا وَكَّلَ وَلَا يَسْتَحْلِفُهُ إذَا خَرَجَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا أَوْلَى الْأَقْوَالِ وَأَعْدَلُهَا.
هَذَا مُلَخَّصُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ عِيسَى فِي الْمَوْضِعَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي نَوَازِلِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْبَضَائِعِ وَالْوَكَالَاتِ. (السَّادِسُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ كَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ يَقْتَضِي أَنَّ قَوْلَ ابْنِ كِنَانَةَ خِلَافٌ. لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَحَمَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ قَوْلَيْهِمَا عَلَى الْوِفَاقِ وَأَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ يُوَافِقُ عَلَى الِانْتِظَارِ فِي الْمُدَّةِ الْقَرِيبَةِ انْتَهَى.
(قُلْت) هَذَا سَهْوٌ مِنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِن الْقَوْلَ الَّذِي نَقَلَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْغَيْبَةِ الْقَرِيبَةِ وَالْبَعِيدَةِ فَهَلْ يَشُكُّ أَحَدٌ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ يَقُولُ بِالِانْتِظَارِ فِي الْغَيْبَةِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَتَأَمَّلْهُ.
(السَّابِعُ) لَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى غَائِبٍ أَوْ مَيِّتٍ فَقَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي تَرْجَمَةِ الْمَقْضِيِّ لَهُ بِالسِّلْعَةِ هَلْ يَحْلِفُ وَلَوْ كَانَ الْحُكْمُ بِالدَّيْنِ عَلَى غَائِبٍ أَوْ مَيِّتٍ لَمْ يُقْضَ لِلطَّالِبِ حَتَّى يَحْلِفَ أَنَّهُ مَا قَبَضَ مِنْهُ شَيْئًا وَلَا مِنْ أَحَدٍ بِسَبَبِهِ لِإِمْكَانِ أَنْ يَدَّعِيَ الْغَائِبُ أَوْ الْمَيِّتُ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ لِمَيِّتٍ قَامَ بِهِ وَرَثَتُهُ عَلَى غَائِبٍ أَوْ مَيِّتٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يَحْلِفَ أَكَابِرُهُمْ أَنَّهُمْ مَا يَعْلَمُونَ وَلِيَّهُمْ قَبَضَ مِنْ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ وَلَا مِنْ أَحَدٍ بِسَبَبِهِ وَلَوْ كَانَ الْمَطْلُوبُ حَيًّا لَمْ يَحْلِفُوا حَتَّى يَدَّعِيَ ذَلِكَ عَلَى الْمَيِّتِ أَوْ عَلَيْهِمْ وَقَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فِي وَكِيلِ الْغَائِبِ يَطْلُبُ دَيْنًا فَيَثْبُتُ لَهُ فَقَالَ الْمَطْلُوبُ بَقِيَ مِنْ حَقِّي أَنْ يَحْلِفَ لِي الْمَحْكُومُ لَهُ أَنَّهُ مَا قَبَضَهُ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ.

[فَرْعٌ الْحَقُّ عَلَى الْغَائِبِ أَوْ الْمَيِّتِ مُؤَجَّلًا وَقَامَ الطَّالِبُ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ]
(فَرْعٌ) إذَا كَانَ الْحَقُّ عَلَى الْغَائِبِ أَوْ الْمَيِّتِ مُؤَجَّلًا وَقَامَ الطَّالِبُ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ فَلَا بُدَّ مِنْ يَمِينِ الْقَضَاءِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ وَسَمِعْت أَنَّ بَعْضَ الْقُضَاةِ أَسْقَطَ الْيَمِينَ فِي ذَلِكَ مُحْتَجًّا بِكَوْنِهِ لَمْ يَتَوَجَّهْ طَلَبُهُ إلَى الْآنَ وَهَذَا بَاطِلٌ لِأَنَّ يَمِينَ الْقَضَاءِ لِلتُّهْمَةِ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الْأَقْضِيَةِ عَنْ الْمَازِرِيِّ وَنَصَّهُ. وَسُئِلَ الْمَازِرِيُّ عَمَّنْ أَوْصَى فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ بِأَثَرِهِ أَنَّ فِي ذِمَّتِهِ مِنْ كِرَاءِ دَارٍ كَذَا كَذَا ثُمَّ وَصَلَ وَكِيلٌ مِنْ رَبِّ الدَّارِ فِي الْمَرْكَبِ يَطْلُبُ تِلْكَ الدَّنَانِيرَ فَهَلْ يَلْزَمُ الْمُوَكِّلُ يَمِينٌ مَعَ أَنَّهُ بِبِلَادِ الْمَشْرِقِ وَلَمْ يَمْضِ مِنْ الْمُدَّةِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ قَبَضَ فِيهَا شَيْئًا مِنْ وَقْتِ اعْتَرَفَ لَهُ الْمَيِّتُ وَطَلَبَ وَصِيُّ الْأَيْتَامِ الْحُكْمَ فِي ذَلِكَ مَا تَرَاهُ فَأَجَابَ: إذَا لَمْ تَطُلْ حَيَاةُ

(6/215)


الْمُقِرِّ مِنْ حِينِ إقْرَارِهِ بَلْ مَاتَ فِي زَمَنٍ لَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ فِيهِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا مِنْ الْوَصْلَةِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمُوَكِّلَ وَهَبَهُ ذَلِكَ وَهُوَ غَائِبٌ غَيْبَةً بَعِيدَةً لَمْ يُوقَفْ الْحَقُّ لِأَجْلِ يَمِينِهِ لِأَنَّهَا يَمِينُ اسْتِظْهَارٍ وَبَعْدَ غِيبَتِهِ وَالْقَرَائِنُ الْمَذْكُورَةُ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ قَضَاءِ الْحَقِّ أَوْ إسْقَاطِهِ بِالْهِبَةِ انْتَهَى. فَلَمْ يُسْقِطْ عَنْهُ الْيَمِينَ مَعَ الْقَرَائِنِ الدَّالَّةِ عَلَى عَدَمِ الْقَضَاءِ بَلْ جَعَلَ الْقَرَائِنَ مُقْتَضِيَةً لِعَدَمِ إيقَافِ الْحَقِّ لِأَجْلِ الْيَمِينِ إذَا كَانَتْ الْغَيْبَةُ بَعِيدَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (وَيُجِيبُ عَنْ الْقِصَاصِ الْعَبْدُ وَعَنْ الْأَرْشِ السَّيِّدُ)
ش: قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي التَّبْصِرَةِ فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ فِي تَقْسِيمِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ
(مَسْأَلَةٌ) وَمِنْ أَنْوَاعِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ الْعَبْدُ فَإِذَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِ بِمَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ فَيَلْزَمُهُ الْجَوَابُ وَإِنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ بِمَا يُوجِبُ الْأَرْشَ فَيُطْلَبُ الْجَوَابُ مِنْ السَّيِّدِ وَإِنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ بِمَا يُوجِبُ الْمَالَ فَيُطْلَبُ الْجَوَابُ مِنْ الْعَبْدِ فَإِنْ أَقَرَّ وَكَانَ مَأْذُونًا فَهُوَ كَالْحُرِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا وَقَفَ إقْرَارُهُ عَلَى سَيِّدِهِ فَيَرُدُّهُ أَوْ يُلْزِمُهُ إيَّاهُ فَإِنْ أُعْتِقَ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ مَا عِنْدَ السَّيِّدِ لَزِمَهُ الدَّيْنُ وَلَا يَحْكُمُ الْقَاضِي بِإِلْزَامِ الدَّيْنِ ذِمَّتَهُ حَتَّى يَثْبُتَ عِنْدَهُ مَا عِنْدَ السَّيِّدِ فِيهِ مِنْ إلْزَامٍ أَوْ إسْقَاطٍ وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَهُ حَالُ الْعَبْدِ مِنْ إذْنٍ أَوْ حَجْرٍ فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ شَيْءٌ فَهُوَ عَلَى الْحَجْرِ حَتَّى يَثْبُتَ عِنْدَهُ خِلَافُهُ.

[فَرْعٌ شَهِدَ لِلْمَأْذُونِ شَاهِدٌ بِحَقٍّ وَنَكَلَ]
(فَرْعٌ) قَالَ مُطَرِّفٌ إذَا شَهِدَ لِلْمَأْذُونِ شَاهِدٌ بِحَقٍّ وَنَكَلَ لَا يُحَلِّفُ السَّيِّدُ سَيِّدَهُ وَنُكُولُهُ كَإِقْرَارِهِ جَائِزٌ فَإِنْ مَاتَ حَلَفَ السَّيِّدُ لِأَنَّهُ وَرِثَهُ.

[فَرْعٌ الرَّسُولُ لِقَبْضِ الثَّمَنِ يُنْكِرُ الْقَبْضَ مِنْ الْمُبْتَاعِ]
(فَرْعٌ) قَالَ مَالِكٌ الرَّسُولُ لِقَبْضِ الثَّمَنِ يُنْكِرُ الْقَبْضَ مِنْ الْمُبْتَاعِ يَحْلِفُ الرَّسُولُ مَعَ الشَّاهِدِ فَإِنْ تَعَذَّرَ لِصِغَرٍ وَنَحْوِهِ حَلَفْت أَنَّك مَا تَعْلَمُ وُصُولَهُ لِرَسُولِك وَتَسْتَحِقُّ.

[فَرْعٌ بِعْت لِابْنِك الصَّغِيرِ]
(فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ إنْ بِعْت لِابْنِك الصَّغِيرِ حَلَفْت مَعَ الشَّاهِدِ فَإِنْ رَدَدْت الْيَمِينَ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ حَلَفَ وَبَرِيءُ وَغَرِمْته وَكَذَلِكَ يَغْرَمُ الْوَصِيُّ إذَا ادَّعَى غَرِيمُ الْمَيِّتِ الدَّفْعَ لِلْوَصِيِّ فَرَدَّ الْوَصِيُّ الْيَمِينَ عَلَى الْغَرِيمِ لِجِنَايَتِهِ بِرَدِّ الْيَمِينِ.

[فَرْعٌ اسْتَحَقَّ مِنْ يَدِك مَا اشْتَرَاهُ شَرِيكُك الْغَائِبُ الْمُفَاوِضُ وَشَهِدَ شَاهِدٌ أَنَّ شَرِيكَك اشْتَرَاهُ]
(فَرْعٌ) قَالَ مَالِكٌ إذَا اسْتَحَقَّ مِنْ يَدِك مَا اشْتَرَاهُ شَرِيكُك الْغَائِبُ الْمُفَاوِضُ وَشَهِدَ شَاهِدٌ أَنَّ شَرِيكَك اشْتَرَاهُ حَلَفْت أَنْتَ مَعَهُ (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ إنْ وَكَّلْته وَثَبَتَتْ الْوَكَالَةُ وَجَحَدَ الْبَائِعُ وَشَهِدَ شَاهِدٌ حَلَفْت مَعَهُ وَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ الْوَكَالَةُ حَلَفَ الْوَكِيلُ انْتَهَى. جَمِيعُ الْفُرُوعِ مِنْ الذَّخِيرَةِ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ عِنْدَ الْأَقْضِيَةِ

ص (وَالْيَمِينُ فِي كُلِّ حَقٍّ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ)
ش: قَدْ يَتَبَادَرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي الْيَمِينِ حَرْفُ الْقَسَمِ فِيهِ بِالْبَاءِ لِأَنَّ غَالِبَ مَنْ وَقَفْت عَلَى كَلَامِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ يَقُولُ لَمَّا يَتَكَلَّمُ عَلَى صِفَةِ الْيَمِينِ: وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ. أَوْ يَقُولُ: وَصِفَةُ الْيَمِينِ أَنْ يَقُولَ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ وَنَحْوَ ذَلِكَ إلَّا أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَاءِ وَغَيْرِهَا مِنْ حُرُوفِ الْقَسَمِ لَكِنَّنِي لَمْ أَقِفْ عَلَى نَصٍّ فِي التَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ وَأَمَّا الْوَاوُ فَغَالِبُ مَنْ رَأَيْت كَلَامَهُ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ كَاللَّخْمِيِّ وَابْنِ فَرْحُونٍ وَابْنِ عَرَفَةَ وَالْجَزِيرِيِّ وَالشَّيْخِ زَرُّوقٍ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَغَيْرِهِمْ يَقُولُونَ بَعْدَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ: وَاخْتُلِفَ إذَا قَالَ وَاَللَّهِ وَلَمْ يَزِدْ أَوْ قَالَ وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ.
وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ أَشْهَبُ وَإِنْ حَلَفَ فَقَالَ: وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ وَكَذَا إذَا قَالَ: وَاَللَّهِ. فَقَطْ فَلَا يُجْزِئُهُ حَتَّى يَقُولَ: وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ. اللَّخْمِيُّ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيه قَوْلُ مَالِكٍ أَنَّهَا أَيْمَانٌ انْتَهَى. وَرَأَيْت فِي الْجُزُولِيِّ الْكَبِيرِ فِي قَوْلِ الرِّسَالَةِ وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ اُنْظُرْ إذَا قَالَ وَاَللَّهِ بِالْوَاوِ فَهَلْ يُجْزِئُهُ قَالَهُ أَشْهَبُ أَوْ لَا يُجْزِئُهُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَانْظُرْ أَيْضًا إذَا اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ وَاَللَّهِ أَوْ بِاَللَّهِ وَلَمْ يَقُلْ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ هَلْ يُجْزِئُهُ أَوْ لَا. قَوْلَانِ وَانْظُرْ إذَا قَالَ

(6/216)


بِاَلَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ وَلَمْ يَقُلْ بِاَللَّهِ فَهَلْ يُجْزِئُهُ أَمْ لَا؟ فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُجْزِئُهُ وَعَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ يُجْزِئُهُ انْتَهَى. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ غَرِيبٌ مُخَالِفٌ لِجَمِيعِ مَا رَأَيْته لِأَنَّ الْمَنْقُولَ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ كَمَا نَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ وَغَيْرهمْ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ الْجُزُولِيُّ أَعْنِي الْخِلَافَ فِي الْوَاوِ لَا يُعْرَفُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْجَوَاهِرِ فَإِنَّهُ صَدَّرَ الْكَلَامَ بِالْوَاوِ فَقَالَ أَمَّا الْحَلِفُ فَهُوَ وَاَللَّهُ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ وَلَا يُزَادُ عَلَى ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْحُقُوقِ ثُمَّ نَقَلَهُ بِالْبَاءِ بَعْدَ ذَلِكَ وَذَكَرَ الْقَرَافِيُّ فِي ذَخِيرَتِهِ لَفْظَ الْجَوَاهِرِ الْمُتَقَدِّمَ ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ وَقَالَهُ فِي الْكِتَابِ يَعْنِي الْمُدَوَّنَةَ وَاَلَّذِي فِيهَا إنَّمَا هُوَ بِالْبَاءِ فَدَلَّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَاءِ وَالْوَاوِ وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ الْإِجْزَاءُ بِقَوْلِ وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ انْتَهَى. وَفِي الْمُنْتَقَى لِلْبَاجِيِّ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ الَّذِي يُجْزِئُ مِنْ التَّغْلِيظِ بِالْيَمِينِ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ فَإِنْ قَالَ وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ أَوْ قَالَ وَاَللَّهِ فَقَطْ فَقَالَ أَشْهَبُ لَا يُجْزِئُهُ حَتَّى يَقُولَ وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ التَّاءَ كَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ فِي حَدِيثِ ضِمَامٍ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَغْلِيظِهِ الْيَمِينَ بِالْأَلْفَاظِ وَذَلِكَ جَائِزٌ لِلْحَاكِمِ وَكَرِهَهُ عُلَمَاؤُنَا وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَمَا أَحْسَنَهُ وَقَالَ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْلِيفِ الشَّاهِدِ وَيَمِينُهُ لَا تُبْطِلُ شَهَادَتَهُ وَهَذَا نَصٌّ انْتَهَى.

[مَسْأَلَة وَجَبَ عَلَيْهِ يَمِينٌ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَوْ بِاللَّازِمَةِ]
(مَسْأَلَةٌ) مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ يَمِينٌ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَوْ بِاللَّازِمَةِ اُنْظُرْ الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الظِّهَارِ مِنْ الْمَشَذَّالِيِّ.

ص (وَغُلِّظَتْ فِي رُبْعِ دِينَارٍ بِجَامِعٍ) ش تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ وَمِنْ التَّبْصِرَةِ وَأَمَّا التَّغْلِيظُ بِالتَّحْلِيفِ عَلَى الْمُصْحَفِ فَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ هُوَ بِدْعَةٌ لَمْ يَرِدْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَقَدْ أَجَازَهُ الشَّافِعِيَّةُ اُنْظُرْ الْأَحْكَامَ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ انْتَهَى

[فَرْعٌ ادَّعَى أَحَدُ الْمُتَفَاوِضِينَ عَلَى شَخْصٍ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمِ]
(فَرْعٌ) قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي كِتَابِ الدَّعَاوَى عَنْ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ إذَا ادَّعَى أَحَدُ الْمُتَفَاوِضِينَ عَلَى شَخْصٍ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُحَلِّفَهُ فِي الْجَامِعِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ إنَّمَا يَجِبُ لَهُ دِرْهَمٌ وَنِصْفُ وَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِمَا بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمِ حَلَّفَهُمَا فِي الْجَامِعِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ وَنِصْفُهُ وَهُوَ كَفِيلٌ بِالثَّانِي فَالثَّلَاثَةُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا انْتَهَى بَعْضُهُ بِاللَّفْظِ وَبَعْضُهُ بِالْمَعْنَى.

[فَرْعٌ لَا يَحْلِفُ الْعَلِيلُ فِي بَيْتِهِ إلَّا أَنْ تَشْهَدَ بَيِّنَةٌ أَنَّ بِهِ عِلَّةٌ]
(فَرْعٌ) لَا يَحْلِفُ الْعَلِيلُ فِي بَيْتِهِ إلَّا أَنْ تَشْهَدَ بَيِّنَةٌ أَنَّ بِهِ عِلَّةٌ لَا يَسْتَطِيعُ الْخُرُوجَ مَعَهَا لَا رَاجِلًا وَلَا رَاكِبًا. وَالْمَسْأَلَةُ مُطَوَّلَةٌ فِي الْبُرْزُلِيِّ نَقَلَهَا الْمُتَيْطِيُّ قَبْلَ الْكَلَامِ عَلَى حَرِيمِ الْبِئْرِ وَقَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ وَمِنْ التَّبْصِرَةِ كَانَ ابْنُ لُبَابَةَ يُفْتِي فِي الْمَرِيضَةِ تَجِبُ عَلَيْهَا الْيَمِينُ فِي مَقْطَعِ الْحَقِّ أَنَّهَا تَحْلِفُ فِي بَيْتِهَا عَلَى الْحَقِّ انْتَهَى.

[فَرْعٌ تَغْلِيظِ الْيَمِينِ بِالزَّمَانِ فِي اللِّعَان وَالْقَسَامَةِ]
(فَرْعٌ) وَأَمَّا التَّغْلِيظُ بِالزَّمَانِ فَانْظُرْ كَلَامَهُ فِي التَّوْضِيحِ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَتَّفِقُ عَلَى تَغْلِيظِ الْيَمِينِ بِالزَّمَانِ فِي اللِّعَان وَالْقَسَامَةِ وَجَعَلَ التَّغْلِيظَ بِالزَّمَانِ فِي مُخْتَصَرِهِ فِي بَابِ اللِّعَان مُسْتَحَبًّا فَتَأَمَّلْهُ وَانْظُرْ ابْنَ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْبَاجِيُّ وَهَلْ تَغْلُظُ بِالزَّمَانِ؟ رَوَى ابْنُ كِنَانَةَ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ يَتَحَرَّى بِأَيْمَانِهِمْ فِي الْمَالِ الْعَظِيمِ وَالدِّمَاءِ وَاللِّعَانِ وَقْتًا يَحْضُرُ النَّاسُ فِيهِ الْمَسَاجِدَ وَيَجْتَمِعُونَ لِلصَّلَاةِ وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ مَالٍ وَحَقٍّ فَفِي كُلِّ حِينٍ وَلِابْنِ حَبِيبٍ عَنْ الْأَخَوَيْنِ لَا يَحْلِفُ حِينَ الصَّلَاةِ إلَّا فِي الدِّمَاءِ وَاللِّعَانِ وَأَمَّا فِي الْحُقُوقِ فَفِي أَيِّ وَقْتٍ حَضَرَ الْإِمَامُ اسْتَحْلَفَهُ وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغُ انْتَهَى.
ص (وَبِالْقِيَامِ)
ش: قَالَ فِي الرِّسَالَةِ فِي بَابِ الْأَقْضِيَةِ يَحْلِفُ قَائِمًا وَقَالَ فِي الْقَسَامَةُ وَيَحْلِفُونَ فِي الْقَسَامَةِ قِيَامًا قَالَ شَارِحُهَا فَإِنْ لَمْ يَحْلِفُوا قِيَامًا فَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ نُكُولًا أَوْ لَا اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ انْتَهَى. وَلَمْ يَذْكُرُوا خِلَافًا فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ فِي بَابِ الْأَقْضِيَةِ وَيَحْلِفُ قَائِمًا

ص (وَخَرَجَتْ الْمُخَدَّرَةُ)
ش: ذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ فِي

(6/217)


مَسَائِلِ الْيَمِينِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُخَدَّرَةَ لَا تَخْرُجُ وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ الطَّالِبَ لِلْيَمِينِ لَا يَحْضُرُ مَعَهَا وَبَعَثَ الْقَاضِي يَكْفِي وَنَزَلَتْ وَحَكَمَ فِيهَا بِأَنَّهُ يَقِفُ حَيْثُ يَسْمَعُ يَمِينَهَا وَلَا يَرَى شَخْصَهَا لِأَنَّهُ قَابِضٌ لِلْيَمِينِ وَعَلَى مَا ذَكَرَ هُنَا يَكُونُ عَلَى وَجْهِ النِّيَابَةِ عَنْهُ انْتَهَى. وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى مَا ذَكَرَهُ الْمَشَذَّالِيّ فِي آخِرِ بَابِ الْوَلَاءِ فَإِنَّهُ نَقَلَ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّهُ قَالَ ذَكَرَ لَنَا شَيْخُنَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ حَكَمَ لِرَجُلٍ بِيَمِينٍ عَلَى امْرَأَةٍ وَطَلَبَ حُضُورَهُ مَعَهَا لِحَلِفِهَا فَأَبَتْ هِيَ وَزَوْجُهَا خَوْفَ اطِّلَاعِهِ عَلَيْهَا قَالَ فَحَكَمْنَا بِحُضُورِهِ إيَّاهَا مُتَبَاعِدًا عَنْهَا أَقْصَى مَا يَسْمَعُ مِنْهَا لَفْظَ الْيَمِينِ انْتَهَى.
وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ الْمَسْأَلَةَ فِي مُخْتَصَرِهِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الْيَمِينِ وَقَالَ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ وَفِيهَا يَعْنِي الْمُدَوَّنَةَ فِي الْحَالِفَةِ فِي بَيْتِهَا وَيَبْعَثُ الْقَاضِي إلَيْهَا مَنْ يُحَلِّفُهَا لِصَاحِبِ الْحَقِّ يُجْزِئُهُ رَجُلٌ وَاحِدٌ (قُلْت) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُقْضَى لَهُ بِحُضُورِ يَمِينِهَا فِي بَيْتِهَا انْتَهَى.

ص (وَاعْتَمَدَ الْبَاتُّ عَلَى ظَنٍّ قَوِيٍّ)
ش: (فَرْعٌ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي تَرْجَمَةِ جَامِعِ الْأَيْمَانِ مِنْ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ الْأَقْضِيَةِ فِيمَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ: وَرِثَ أَبَاهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ أَنَّهُ أَوْدَعَ أَبَاهُ عَبْدًا بِعَيْنِهِ فَقَالَ الِابْنُ لَا نَدْرِي أَصَدَقْت أَمْ لَا فَلَهُ أَنْ يُحَلِّفَ الِابْنَ عَلَى عِلْمِهِ وَيَبْرَأُ وَهَذَا صَوَابٌ انْتَهَى.

ص (وَنَفَى سَبَبًا إنْ عَيَّنَ)
ش: تَصَوُّرُهُ مِنْ كَلَامِ شَارِحِهِ ظَاهِرٌ وَسُئِلَتْ عَنْ شَخْصٍ بِيَدِهِ أَمْتِعَةٌ فَادَّعَى عَلَيْهِ شَخْصٌ قَرِيبٌ لَهُ أَنَّهَا مُخَلَّفَةٌ عَنْ مُوَرِّثِ مُوَرِّثِهِ وَأَنَّهَا مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ مُورِثِهِ وَبَيْنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَأَجَابَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِأَنَّهَا مِلْكُهُ وَلَيْسَتْ مُخَلَّفَةً عَنْ مُوَرِّثِهِ فَهَلْ تَلْزَمُهُ الْيَمِينُ كَذَلِكَ أَوْ يَحْلِفُ أَنَّهَا مِلْكُهُ فَقَطْ فَأَجَبْت

(6/218)


إذَا ادَّعَى الْمُدَّعِي أَنَّ الْأَمْتِعَةَ مُخَلَّفَةً عَنْ مُوَرِّثِ مُورِثِهِ يَلْزَمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْيَمِينُ عَلَى نَفْيِ ذَلِكَ فَيَحْلِفُ أَنَّهَا مِلْكُهُ وَلَيْسَتْ مُخَلَّفَةً عَنْ مُوَرِّثِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (وَإِنْ قَامَتْ لِفُلَانٍ فَإِنْ حَضَرَ ادَّعَى عَلَيْهِ فَإِنْ حَلَفَ فَلِمُدَّعٍ تَحْلِيفُ الْمُقِرِّ وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ وَغَرِمَ مَا فَوَّتَهُ أَوْ غَابَ لَزِمَهُ يَمِينٌ أَوْ بَيِّنَةٌ وَانْتَقَلَتْ الْحُكُومَةُ لَهُ فَإِنْ نَكَلَ أَخَذَهُ بِلَا يَمِينٍ وَإِنْ جَاءَ الْمُقَرُّ لَهُ فَصَدَّقَ الْمُقِرَّ أَخَذَهُ)
ش: أَيْ وَإِنْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَيْسَ هَذَا الشَّيْءُ الْمُدَّعَى فِيهِ مِلْكًا لِي بَلْ هُوَ لِفُلَانٍ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ فُلَانٌ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا فَإِنْ حَضَرَ فُلَانٌ وَصَدَّقَهُ الْمُقِرُّ فِيمَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ ادَّعَى عَلَيْهِ فَإِنْ رَجَعَ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لِلْمُدَّعِي فَوَاضِحٌ وَإِنْ صَمَّمَ عَلَى أَنَّهُ لَهُ فَإِمَّا أَنْ يُقِيمَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ أَوْ يَحْلِفَ الْمُقَرُّ لَهُ فَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَوَاضِحٌ وَإِنْ حَلَّفَهُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَحْلِفَ أَوْ يَنْكُلَ فَإِنْ نَكَلَ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْمَازِرِيِّ حَلَفَ الْمُدَّعِي وَثَبَتَ حَقُّهُ فَإِنْ نَكَلَ الْمُدَّعِي فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهِ وَهَلْ لَهُ تَحْلِيفُ الْمُقِرِّ أَنَّهُ مَا أَقَرَّ إلَّا بِالْحَقِّ كَمَا فِي الصُّورَةِ الْآتِيَةِ أَمْ لَا؟ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهَا لَوْ وَجَبَتْ لَكَانَ لِلْمُقِرِّ النُّكُولُ عَنْهَا وَإِذَا نَكَلَ عَنْهَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَحْلِفَ لِأَنَّهُ قَدْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ هَذَا الْحَلِفُ وَنَكَلَ عَنْهُ.
(قُلْت) وَنَحْوُهُ قَوْلُ عِيَاضٍ فِي الْوَكَالَاتِ إذَا أَطْلَعَ بَائِعٌ السِّلْعَةِ مَنْ وُكِّلَ عَلَى شِرَائِهَا عَلَى زَائِفٍ فِي الثَّمَنِ فَأُحْلِفَ الْآمِرُ فَنَكَلَ فَوَجَبَتْ الْيَمِينُ لِلْبَائِعِ قَالَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَ الْمَأْمُورَ. عِيَاضٌ لِأَنَّ نُكُولَهُ عَنْ يَمِينِ الْآمِرِ نُكُولٌ عَنْ يَمِينِ الْمَأْمُورِ انْتَهَى. وَلَمْ يَتَكَلَّمْ الْمُؤَلِّفُ عَلَى هَذَا الْقِسْمِ وَهُوَ نُكُولُ الْمُقِرِّ لَهُ وَإِنَّمَا تَكَلَّمَ عَلَى قَسِيمَيْهِ فَقَالَ: فَإِنْ حَلَفَ صَحَّ لَهُ مَا ادَّعَى ثُمَّ يَكُونُ الْخِصَامُ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُقِرِّ كَمَا قَالَ الْمُؤَلِّفُ فَلِلْمُدَّعِي تَحْلِيفُ الْمُقِرِّ أَنَّهُ مَا أَقَرَّ إلَّا بِالْحَقِّ. ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْمَازِرِيِّ وَأَنَّهُ مَا أَقَرَّ إلَّا لِإِتْلَافِ حَقِّ الْمُدَّعِي إذْ لَوْ اعْتَرَفَ أَنَّهُ أَقَرَّ بِالْبَاطِلِ وَأَنَّ الْمُقَرَّ بِهِ إنَّمَا هُوَ لِمُدَّعِيهِ لَزِمَهُ الْغُرْمُ فَإِنْ حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ إلَّا بِالصِّدْقِ وَلَا حَقَّ فِيهِ لِلْمُدَّعِي سَقَطَ مَقَالُ الْمُدَّعِي انْتَهَى. وَإِنْ نَكَلَ الْمُقِرُّ عَنْ الْيَمِينِ حَلَفَ الْمُدَّعِي وَغَرِمَ لَهُ الْمُقِرُّ مَا فَوَّتَهُ أَيْ مَا أُتْلِفَ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ إنْ كَانَ مُقَوَّمًا فَقِيمَتُهُ وَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا فَمِثْلُهُ قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ
قَالَ الْمَازِرِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ أَنَّ لِلْمُدَّعِي بَعْدَ تَحْلِيفِ الْمُقِرِّ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَ الْمُقِرَّ أَيْضًا قَالَ وَعَلَى قَوْلِ مَنْ ذَهَبَ مِنْ النَّاسِ إلَى أَنَّ مُتْلِفَ الشَّيْءَ بِإِقْرَارِهِ لِغَيْرِ مُسْتَحَقِّهِ لَا يُطْلَبُ بِالْغَرَامَةِ، لَا يَمِينَ هُنَا عَلَى الْمُقِرِّ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْ الْإِتْلَافَ وَإِنَّمَا قَالَ قَوْلًا حَكَمَ الشَّرْعُ فِيهِ بِإِخْرَاجِ مَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ يَدِهِ وَكَانَ سَبَبًا فِي إتْلَافِهِ فَلِهَذَا لَا يُمَكَّنُ مِنْ تَحْلِيفِهِ وَأَشَارَ الْمَازِرِيُّ أَيْضًا إلَى أَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ رَأَى أَنَّهُ لَا غَرَامَةَ عَلَى الْمُقِرِّ إذَا نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ بَعْدَ الْقَوْلِ بِتَوَجُّهِهَا عَلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَفِيهِ نَظَرٌ انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ. وَعَلَى مَا ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْمُؤَلِّفُ لَوْ نَكَلَ الْمُدَّعِي عَنْ الْيَمِينِ بَعْدَ نُكُولِ الْمُقِرِّ عَنْ الْحَلِفِ فَلَا شَيْءَ لَهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الَّذِي نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ

(6/219)


فَرَاجِعْهُ وَهَذَا الْكَلَامُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَقَرُّ لَهُ حَاضِرًا وَأَمَّا إذَا كَانَ غَائِبًا فَهُوَ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ أَوْ غَابَ وَكَانَ الْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ وَإِنْ غَابَ أَيْ الْمَقَرُّ لَهُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فَإِنْ غَابَ غَيْبَةً بَعِيدَةً فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُسَلَّمُ لِمُدَّعِيهِ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ وَلَا خِلَافَ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُجَرَّدًا عَنْ يَمِينٍ أَوْ بَيِّنَةٍ انْتَهَى.
فَلِذَلِكَ قَالَ الْمُؤَلِّفُ لَزِمَهُ أَيْ الْمُقِرُّ يَمِينٌ أَنَّهُ لِفُلَانٍ الْغَائِبِ أَوْ بَيِّنَةٌ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَلَا كَلَامَ فِي أَنَّ الْخُصُومَةَ تَنْتَقِلُ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْغَائِبِ كَمَا قَالَ الْمُؤَلِّفُ وَانْتَقَلَتْ الْحُكُومَةُ لَهُ أَيْ لِلْغَائِبِ وَإِنْ لَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ وَأَرَادَ الْمُدَّعِي تَحْلِيفَ الْمُقِرِّ فَقَالَ أَشْهَبُ أَنَّ الْيَمِينَ تَلْزَمُهُ كَمَا قَالَ الْمُؤَلِّفُ وَلِلْمَازِرِيِّ كَلَامٌ خِلَافَ هَذَا نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ فَإِنْ نَكَلَ الْمُقِرُّ عَنْ الْيَمِينِ أَخَذَهُ الْمُدَّعِي بِلَا يَمِينٍ وَإِنْ جَاءَ الْمَقَرُّ لَهُ فَصَدَّقَ الْمُقِرَّ أَخَذَهُ وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فَإِنْ جَاءَ الْمَقَرُّ لَهُ فَصَدَّقَ الْمُقِرَّ أَخَذَهُ فَإِنْ كَانَ مُرَادُهُمْ إذَا أَقَامَ الْمُقِرُّ بَيِّنَةً أَوْ حَلَفَ فَوَاضِحٌ وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُمْ إذَا نَكَلَ الْمُقِرُّ عَنْ الْيَمِينِ وَأَخَذَهُ الْمُدَّعِي بِلَا يَمِينٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُهُ الْمَقَرُّ لَهُ إلَّا بَعْدَ يَمِينِهِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (وَإِنْ نَكَلَ فِي مَالٍ وَحَقُّهُ اُسْتُحِقَّ بِهِ بِيَمِينٍ إنَّ حَقَّقَ)
ش: أَيْ اسْتَحَقَّ الْمُدَّعِي فِيهِ بِهِ أَيْ بِالنُّكُولِ الْمَفْهُومِ مِنْ السِّيَاقِ وَقَوْلُهُ بِيَمِينٍ أَيْ مَعَ يَمِينٍ إنْ حَقَّقَ الدَّعْوَى وَإِنْ كَانَتْ يَمِينَ تُهْمَةٍ فَإِنَّ الْحَقَّ يَثْبُتُ فِيهَا بِمُجَرَّدِ النُّكُولِ عَلَى الْمَشْهُورِ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ رُشْدٍ انْتَهَى مِنْ التَّوْضِيحِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ زَرْقُونٍ اُخْتُلِفَ فِي تَوْجِيهِ يَمِينِ التُّهْمَةِ فَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ فِي تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ وَالسَّرِقَةِ أَنَّهَا تَتَوَجَّهُ وَقَالَهُ غَيْرُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي غَيْرِ الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَ أَشْهَبُ لَا تَتَوَجَّهُ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَالْمَشْهُورُ لَا تَنْقَلِبُ وَفِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الشَّرِكَةِ أَنَّهَا تَنْقَلِبُ (قُلْت) هُوَ كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ الْبَاجِيُّ إنْ ادَّعَى الْمُودِعُ تَلَفَ الْوَدِيعَةِ وَادَّعَى الْمُودِعُ تَعَدِّيه عَلَيْهَا صُدِّقَ الْمُودِعُ إلَّا أَنْ يُتَّهَمَ فَيَحْلِفُ قَالَهُ أَصْحَابُ مَالِكٍ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فَإِنْ نَكَلَ ضَمِنَ وَلَا تُرَدُّ الْيَمِينُ هُنَا. ابْنُ زَرْقُونٍ وَفِي تَوْجِيهِ يَمِينِ الِاسْتِحْقَاقِ عَلَى الْمُسْتَحِقِّ أَنَّهُ مَا بَاعَ وَلَا وَهَبَ وَلَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ عَلَى الْبَتِّ كَانَ الْمُسْتَحَقُّ رُبْعًا أَوْ غَيْرَهُ ثَالِثُهَا إنْ كَانَ الْمُسْتَحَقُّ غَيْرَ رُبْعٍ لِلْمَشْهُورِ. وَابْنُ كِنَانَةَ وَبَعْضُ شُيُوخِ ابْنِ أَبِي زَمَنِينَ انْتَهَى.
ص (وَلَا يُمَكَّنُ مِنْهَا إنْ نَكَلَ)
ش: وَسَوَاءٌ كَانَ نُكُولُهُ عِنْدَ حَاكِمٍ أَوْ غَيْرِهِ إذَا شَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ قَالَ فِي رَسْمِ الْجَوَابِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْمِدْيَانِ وَسُئِلَ

(6/220)


عَنْ الَّذِي يَدَّعِي قَبْلَ الرَّجُلِ حَقًّا فَيَقُولُ: احْلِفْ لِي عَلَى أَنَّ مَا ادَّعَيْت عَلَيْك لَيْسَ بِحَقٍّ وَتَبْرَأُ. فَيَقُولُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: بَلْ احْلِفْ أَنْتَ وَخُذْ. فَإِذَا هَمَّ الْمُدَّعَى أَنْ يَحْلِفَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَالَ: لَا أَرْضَى بِيَمِينِك وَلَا أَظُنُّك تَجْتَرِئُ عَلَى الْيَمِينِ.
وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ عِنْدَ السُّلْطَانِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَيْسَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ وَلَكِنْ يَحْلِفُ الْمُدَّعِي وَيَسْتَحِقُّ حَقَّهُ عَلَى مَا أَحَبَّ الْآخَرُ أَوْ كَرِهَ لِأَنَّهُ قَدْ رَدَّ الْيَمِينَ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ عِنْدَ السُّلْطَانِ أَوْ غَيْرِهِ إذَا شَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَأَقَرَّهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُتَكَرِّرَةٌ فِي هَذَا السَّمَاعِ مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى وَمِثْلُهُ فِي الدِّيَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَلَا اخْتِلَافَ أَعْلَمُهُ فِي أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْيَمِينِ بَعْدَ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَى الْمُدَّعِي. وَاخْتُلِفَ هَلْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهَا بَعْدَ أَنْ نَكَلَ عَنْهَا مَا لَمْ يَرُدَّهَا عَلَى الْمُدَّعِي فَقِيلَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الدِّيَاتِ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَرِوَايَةُ عِيسَى عَنْ ابْنِ نَافِعٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَقِيلَ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ نَافِعٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ اهـ وَانْظُرْ رَسْمَ الْغِيلَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الدِّيَاتِ وَلَا يُعَارِضُ هَذَا مَا وَقَعَ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ وَقَدْ فَرَّقَ ابْنُ عَرَفَةَ بَيْنَهُمَا فِي بَابِ الْإِقْرَارِ

ص (وَإِنْ حَازَ أَجْنَبِيٌّ غَيْرُ شَرِيكٍ وَتَصَرَّفَ ثُمَّ ادَّعَى حَاضِرٌ سَاكِتٌ بِلَا مَانِعٍ عَشْرَ سِنِينَ لَمْ تُسْمَعْ وَلَا بَيِّنَتُهُ إلَّا بِإِسْكَانٍ وَنَحْوِهِ)
ش: خَتَمَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كِتَابَ الشَّهَادَاتِ بِالْكَلَامِ عَلَى الْحِيَازَةِ لِأَنَّهَا كَالشَّاهِدِ عَلَى الْمِلْكِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمٍ سَلَفَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ: الْحِيَازَةُ لَا تَنْقُلُ الْمِلْكَ عَنْ الْمَحُوزِ عَنْهُ إلَى الْحَائِزِ بِاتِّفَاقٍ وَلَكِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ كَإِرْخَاءِ السُّتُورِ وَمَعْرِفَةِ الْعِفَاصِ وَالْوِكَاءِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَيَكُونُ الْقَوْلُ مَعَهَا قَوْلُ الْحَائِزِ مَعَ يَمِينِهِ «لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ حَازَ شَيْئًا عَشْرَ سِنِينَ فَهُوَ لَهُ» لِأَنَّ الْمَعْنَى عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ لَهُ أَيْ أَنَّ الْحُكْمَ يُوجِبُهُ لَهُ بِدَعْوَاهُ فَإِذَا حَازَ الرَّجُلُ مَال غَيْرُهُ فِي وَجْهِهِ مُدَّةً تَكُونُ فِيهَا الْحِيَازَةُ عَامِلَةً وَهِيَ عَشَرَةُ أَعْوَامٍ دُونَ هَدْمٍ وَلَا بُنْيَانٍ أَوْ مَعَ الْهَدْمِ وَالْبُنْيَانِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ مِنْ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ بَعْدَ هَذَا وَادَّعَاهُ مِلْكًا لِنَفْسِهِ بِابْتِيَاعٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ هِبَةٍ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ مَعَ يَمِينِهِ انْتَهَى. وَسَوَاءٌ ادَّعَى صَيْرُورَةَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ الْمُدَّعِي أَوْ ادَّعَى أَنَّهُ صَارَ إلَيْهِ مِنْ الْمُدَّعِي أَمَّا فِي الْبَيْعِ فَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا وَأَمَّا إنْ أَقَرَّ أَنَّهُ مِلْكُ الْمُدَّعِي وَصَارَ إلَيْهِ بِصَدَقَةٍ أَوْ هِبَةٍ فَفِيهِ خِلَافٌ ذَكَرَهُ فِي رَسْمِ إنْ خَرَجَتْ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ.
وَقَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْحَائِزِ مَعَ يَمِينِهِ هُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ قَالَ فِي الشَّامِلِ وَفِي يَمِينِ الْحَائِزِ حِينَئِذٍ قَوْلَانِ وَالْقَوْلُ بِنَفْيِ الْيَمِينِ عَزَاهُ فِي التَّوْضِيحِ لِظَاهِرِ نَقْلِ ابْنِ يُونُسَ وَغَيْرِهِ وَالْقَوْلُ بِالْيَمِينِ عَزَاهُ لِصَرِيحِ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فَهُوَ أَقْوَى وَهُوَ الظَّاهِرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَالْحِيَازَةُ تَنْقَسِمُ إلَى سِتَّةِ أَقْسَامٍ أَضْعَفُهَا حِيَازَةُ الْأَبُ عَنْ ابْنِهِ وَيَلِيهَا حِيَازَةُ الْأَقَارِبِ الشُّرَكَاءِ بِالْمِيرَاثِ أَوْ بِغَيْرِهِ وَيَلِيهَا حِيَازَةُ الْقَرَابَةِ فِيمَا لَا شِرْكَ بَيْنَهُمْ فِيهِ وَالْمَوَالِي وَالْأُخْتَانِ الشُّرَكَاءُ بِمَنْزِلَتِهِمْ وَيَلِيهَا حِيَازَةُ الْمَوَالِي وَالْأُخْتَانِ فِيمَا لَا شِرْكَ بَيْنَهُمْ فِيهِ وَيَلِيهَا حِيَازَةُ

(6/221)


الْأَجْنَبِيَّيْنِ الشُّرَكَاءِ وَتَلِيهَا حِيَازَةُ الْأَجَانِبِ فِيمَا لَا شِرْكَ بَيْنَهُمْ فِيهِ وَهِيَ أَقْوَاهَا. وَالْحِيَازَةُ تَكُونُ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ أَضْعَفُهَا وَالسُّكْنَى وَالِازْدِرَاعُ وَيَلِيهَا الْهَدْمُ وَالْبُنْيَانُ وَالْغَرْسُ وَالِاسْتِغْلَالُ وَيَلِيهَا التَّفْوِيتُ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالنِّحْلَةِ وَالْعِتْقِ وَالْكِتَابَةِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْوَطْءِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَفْعَلُهُ الرَّجُلُ إلَّا فِي مَالِهِ وَالِاسْتِخْدَامُ فِي الرَّقِيقِ وَالرُّكُوبُ فِي الدَّابَّةِ كَالسُّكْنَى فِيمَا يُسْكَنُ وَالِازْدِرَاعُ فِيمَا يُزْرَعُ وَالِاسْتِغْلَالُ فِي ذَلِكَ كَالْهَدْمِ وَالْبُنْيَانِ فِي الدُّورِ وَالْغَرْسِ فِي الْأَرْضِينَ انْتَهَى.

فَبَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِالْكَلَامِ عَلَى الْقِسْمِ السَّادِسِ وَهِيَ حِيَازَةُ الْأَجْنَبِيِّ غَيْرِ الشَّرِيكِ فَقَالَ: وَإِنْ حَازَ أَجْنَبِيٌّ غَيْرُ شَرِيكٍ. وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ أَجْنَبِيٌّ مِنْ الْقَرِيبِ فَإِنَّهُ سَيَأْتِي حُكْمُهُ وَبِقَوْلِهِ غَيْرُ شَرِيكٍ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ الشَّرِيكِ فَإِنَّهُ سَيَأْتِي أَيْضًا حُكْمُهُ وَمَفْعُولُ قَوْلِهِ حَازَ مَحْذُوفٌ أَيْ حَازَ عَقَارًا مِنْ دَارٍ أَوْ أَرْضٍ وَأَمَّا غَيْرُ الْعَقَارِ فَلَا يَفْتَقِرُ فِي الْحِيَازَةِ إلَى عَشَرَةِ أَعْوَامٍ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَقَوْلُهُ وَتَصَرَّفَ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْحِيَازَةِ أَنْ يَكُونَ الْحَائِزُ يَتَصَرَّفُ فِي الْعَقَارِ الْمَحُوزِ وَأَطْلَقَ التَّصَرُّفَ لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّ حِيَازَةَ الْأَجْنَبِيِّ غَيْرِ الشَّرِيكِ يَكْفِي فِيهَا مُطْلَقُ التَّصَرُّفِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ السُّكْنَى وَالِازْدِرَاعُ الَّذِي هُوَ أَضْعَفُ أَنْوَاعِ الْحِيَازَةِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ.
وَقَالَ فِي الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ: الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الْحِيَازَةَ بَيْنَهُمْ يَعْنِي بَيْنَ الْأَجَانِبِ غَيْرِ الشُّرَكَاءِ تَكُونُ فِي الْعَشَرَةِ الْأَعْوَامِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَدْمٌ وَلَا بُنْيَانٌ وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا لَا تَكُونُ حِيَازَةً إلَّا مَعَ الْهَدْمِ وَالْبُنْيَانِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهَا تَكُونُ حِيَازَةً مَعَ الْهَدْمِ وَالْبُنْيَانِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ ثُمَّ ادَّعَى حَاضِرٌ يَعْنِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي كَوْنِ الْحِيَازَةِ مَانِعَةٌ مِنْ سَمَاعِ دَعْوَى الْمُدَّعِي أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعِي حَاضِرًا أَوْ اُحْتُرِزَ بِذَلِكَ مِمَّا لَوْ كَانَ الْمُدَّعِي غَائِبًا فَإِنَّ لَهُ الْقِيَامَ وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ إذَا كَانَتْ غَيْبَتُهُ بَعِيدَةً كَالسَّبْعَةِ الْأَيَّامِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَإِنْ كَانَتْ الْغَيْبَةُ قَرِيبَةً كَأَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَثَبَتَ عُذْرُهُ عَنْ الْقُدُومِ وَالتَّوْكِيلِ مِنْ عَجْزٍ وَنَحْوِهِ فَلَا حُجَّةَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَشْكَلَ أَمْرُهُ فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ عَلَى قَوْلَيْنِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَسْقُطُ حَقُّهُ لِأَنَّهُ قَدْ يَضْعُفُ عَنْ الْقُدُومِ قِيلَ لَهُ فَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ عَجْزُهُ عَنْ ذَلِكَ قَالَ قَدْ يَكُونُ مَعْذُورًا مَنْ لَا يَتَبَيَّنُ عُذْرُهُ.
وَذَكَرَ ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّهُ يَسْقُطُ حَقُّهُ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ عُذْرُهُ انْتَهَى. وَانْظُرْ رَسْمَ الْجَوَابِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ وَقَوْلُهُ سَاكِتٌ يَعْنِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَيْضًا فِي الْحِيَازَةِ أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعِي سَاكِتًا فِي مُدَّةِ الْحِيَازَةِ وَاحْتَرَزَ بِذَلِكَ مِمَّا لَوْ تَكَلَّمَ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْحِيَازَةِ فَإِنَّ حَقَّهُ لَا يَبْطُلُ. وَقَوْلُهُ بِلَا مَانِعٍ يَعْنِي أَنَّ سُكُوتَ الْمُدَّعِي فِي الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ إنَّمَا يُبْطِلُ حَقَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَانِعٌ يَمْنَعُهُ مِنْ الْكَلَامِ فَلَوْ كَانَ هُنَاكَ مَانِعٌ يَمْنَعُهُ مِنْ الْكَلَامِ فَإِنَّ حَقَّهُ لَا يَبْطُلُ وَفَسَّرَ ابْنُ الْحَاجِبِ الْمَانِعَ بِالْخَوْفِ وَالْقَرَابَةِ وَالصِّهْرِ وَقَدْ احْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْقَرَابَةِ وَالصِّهْرِ بِقَوْلِهِ أَوَّلًا أَجْنَبِيٌّ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْمَانِعِ فِي كَلَامِهِ الْخَوْفَ أَيْ خَوْفَ الْمُدَّعِي مِنْ الَّذِي فِي يَدِهِ الْعَقَارُ لِكَوْنِهِ ذَا سُلْطَانٍ أَوْ مُسْتَنِدًا لِذِي سُلْطَانٍ فَإِنْ كَانَ سُكُوتُهُ لِذَلِكَ لَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُ قَالَ الْجُزُولِيُّ: وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ لِلْحَائِزِ عَلَى الْمُدَّعِي دَيْنٌ وَيَخَافُ إنْ نَازَعَهُ أَنْ يَطْلُبَهُ وَلَا يَجِدُ مِنْ أَيْنَ يُعْطِيه انْتَهَى. فَتَأَمَّلْهُ وَيَدْخُلُ فِي الْمَانِعِ مَا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي صَغِيرًا أَوْ سَفِيهًا فَإِنَّ سُكُوتَهُ لَا يَقْطَعُ دَعْوَاهُ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ فِي الْبَابِ السَّادِسِ وَالسِّتِّينَ قَالَ قَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ وَلَا يَقْطَعُ قِيَامُ الْبِكْرِ غَيْرِ الْمُعَنِّسَةِ وَلَا قِيَامُ الصَّغِيرِ وَلَا قِيَامُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ الِاعْتِمَارَ الْمَذْكُورَ بِحَضْرَتِهِ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ الصَّغِيرُ وَيَمْلِكَ نَفْسَهُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ وَتُعَنِّسُ الْجَارِيَةُ وَتُحَازُ عَنْهُمْ عَشَرَةَ أَعْوَامٍ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَهُمْ عَالِمُونَ بِحُقُوقِهِمْ لَا يَتَعَرَّضُونَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ انْتَهَى.
وَيَدْخُلُ فِي الْمَانِعِ أَيْضًا مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُدَّعِي بِالْحِيَازَةِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ الْعَقَارَ الْمَحُوزَ مِلْكُهُ قَالَ فِي الرِّسَالَةِ وَمَنْ حَازَ دَارًا عَلَى حَاضِرٍ عَشْرَ سِنِينَ تُنْسَبُ إلَيْهِ وَصَاحِبُهَا حَاضِرٌ عَالِمٌ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ

(6/222)


الشَّهَادَاتِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الْحِيَازَةِ وَفِي الرِّسَالَةِ وَصَاحِبُهَا حَاضِرٌ عَالِمٌ. الشَّيْخُ أَيْ عَالِمٌ بِالْمَعْلُومِينَ بِتَصَرُّفِ الْحَائِزِ وَبِأَنَّهَا مِلْكُهُ قَالَ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ حَاضِرٌ عَالِمٌ بِأَنَّهَا مِلْكُهُ وَإِذَا كَانَ وَارِثًا وَيَدَّعِي أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ فَيَحْلِفُ وَيُقْضَى لَهُ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ عَنْ الطِّخِّيخِيِّ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ بِلَفْظِ لَا بُدَّ هُنَا مِنْ الْعِلْمِ بِشَيْئَيْنِ وَهُمَا الْعِلْمُ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَالْعِلْمُ بِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِيهِ وَلَا يُفِيدُ الْعِلْمُ بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخِرِ لِأَنَّهُ إذَا عُلِمَ بِالتَّصَرُّفِ قَدْ يُقَالُ مَا عَلِمْت أَنَّهُ مِلْكِي كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ الْآنَ وَجَدْت الْوَثِيقَةَ عِنْدَ فُلَانٍ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ وَيَحْلِفُ وَالْعِلْمُ بِهَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ قَالَهُ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ وَابْنُ أَبِي زَيْدٍ انْتَهَى

[فَرْعٌ قَالَ عَلِمْت الْمِلْكَ وَلَمْ أَجِدْ مَا أَقُومُ بِهِ وَوَجَدْته الْآنَ هَلْ يُعْذَرُ أَمْ لَا]
(فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَانْظُرْ إذَا قَالَ عَلِمْت الْمِلْكَ وَلَمْ أَجِدْ مَا أَقُومُ بِهِ وَوَجَدْته الْآنَ هَلْ يُعْذَرُ أَمْ لَا (قُلْت) اخْتَارَ شَيْخُنَا أَبُو مَهْدِيٍّ أَنَّهُ يُقْبَلُ وَذَلِكَ عُذْرٌ سَوَاءٌ كَانَتْ الْبَيِّنَةُ الَّتِي وَجَدَ بَيِّنَةَ اسْتِرْعَاءٍ أَمْ لَا وَالصَّوَابُ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ لِأَنَّهُ كَالْمُقِرِّ وَالْمُعْتَرِفُ بِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ مُدَّعٍ رَفْعَهُ انْتَهَى. زَادَ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ ثُمَّ وَقَعَتْ بِالْقَيْرَوَانِ بَعْدَ عَشَرَةِ أَعْوَامٍ فَكُتِبَ فِيهَا لِشَيْخِنَا أَبِي مَهْدِيٍّ فَأَفْتَى بِمَا صَوَّبْت انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ لَا يَدَّعِي شَيْئًا هَذَا إذَا لَمْ يَمْنَعْهُ مَانِعٌ مِنْ الْقِيَامِ وَأَمَّا إنْ خَافَ سَطْوَةَ الْحَائِزِ وَأَثْبَتَ ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى قِيَامِهِ وَإِنْ ادَّعَى مَغِيبَ الْبَيِّنَةِ وَقَالَ مَا سَكَتَ إلَّا لِانْتِظَارِ بَيِّنَتِي فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَالدَّعْوَةُ الَّتِي تَنْفَعُهُ إذَا كَانَ يُخَاصِمُهُ عِنْدَ الْقَاضِي وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ فَلَا يَنْفَعُهُ اهـ وَنَحْوُهُ لِلْجُزُولِيِّ وَنَصَّهُ. وَأَمَّا إذَا قَالَ عَلِمْت أَنَّهَا مِلْكِي وَلَكِنْ مَنَعَنِي مِنْ الْقِيَامِ عَدَمُ الْبَيِّنَةُ وَالْآنَ وَجَدْت الْبَيِّنَةَ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ وَيُقْضَى بِهَا لِلْحَائِزِ بَعْدَ يَمِينِهِ إذْ لَا بُدَّ مِنْ يَمِينِ الْقَضَاءِ. ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَمَّا إنْ قَالَ عَلِمْت بِأَنَّهَا مِلْكِي وَلَمْ أَعْلَمْ بِالْحِيَازَةِ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ لِأَنَّ الْعُرْفَ يُكَذِّبُهُ وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ مَنَعَنِي مِنْ الْقِيَامِ عَدَمُ الْبَيِّنَةِ وَالْآنَ وَجَدْتهمَا فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُهُ وَلَا قِيَامَ لَهُ انْتَهَى. وَفِي أَوَّلِ مَسْأَلَةٍ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إذَا ادَّعَى عَدَمَ الْعِلْمِ بِالْحِيَازَةِ يَنْفَعُهُ ذَلِكَ وَيَحْلِفُ وَأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى عَدَمِ الْعِلْمِ وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ وَصَاحِبُهَا حَاضِرٌ عَالَمٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّ الْحَاضِرَ مَحْمُولٌ عَلَى عَدَمِ الْعِلْمِ بِالْمِلْكِيَّةِ حَتَّى يُثْبِتَ وَعَزَاهُ بَعْضُ مَنْ لَقِينَاهُ لِابْنِ سَهْلٍ وَهُوَ ظَاهِرُ التَّهْذِيبِ
وَقِيلَ: إنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْعِلْمِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ خِلَافُهُ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ وَقِيلَ بِالْأَوَّلِ إنْ كَانَ وَارِثًا وَبِالثَّانِي إنْ لَمْ يَكُنْ قَالَهُ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ وَبِهِ الْقَضَاءُ عِنْدَنَا هَكَذَا كَانَ يَتَقَدَّمُ لَنَا أَنَّهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ وَالْحَقُّ أَنَّ الَّذِي فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ إنَّمَا هُوَ التَّنْبِيهُ عَلَى فَرْعٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ وَهُوَ إذَا ادَّعَى الْوَارِثُ الْجَهْلَ بِمِلْكِيَّةِ مُوَرِّثِهِ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ. ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَانْظُرْ إذَا قَالَ عَلِمْت الْمَالِكَ إلَى آخِر الْفَرْعِ الْمُتَقَدِّمِ وَيُشِيرُ بِالْفَرْعِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ إلَى مَا نَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَابْنُ فَرْحُونٍ عَنْ الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ فِي كَلَامِهَا الْمُتَقَدِّمِ.

وَقَوْلُهُ عَشْرُ سِنِينَ يَعْنِي أَنَّ مُدَّةَ الْحِيَازَةِ الَّذِي تُبْطِلُ دَعْوَى الْمُدَّعِي عَشْرُ سِنِينَ وَهَذَا التَّحْدِيدُ ذَكَرَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ رَبِيعَةَ وَنَصَّهُ وَلَمْ يَحُدَّ مَالِكٌ فِي الْحِيَازَةِ فِي الرُّبْعِ عَشْرَ سِنِينَ وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ وَقَالَ رَبِيعَةُ حَوْزُ عَشْرِ سِنِينَ بِقَطْعِ دَعْوَى الْحَاضِرِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً أَنَّهُ إنَّمَا أَكْرَى أَوْ أَسْكَنَ أَوْ أَخْدَمَ أَوْ أَعَارَ وَنَحْوُهُ وَلَا حِيَازَةَ عَلَى غَائِبٍ وَذَكَرَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ حَازَ شَيْئًا عَشْرَ سِنِينَ فَهُوَ لَهُ» انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَبِهَذَا أَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ عَبْدُ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ وَدَلِيلُهُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ ثُمَّ قَالَ وَلِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّ السَّبْعَ وَالثَّمَانِ وَمَا قَارَبَ الْعَشَرَةَ مِثْلُ الْعَشَرَةِ انْتَهَى. فَتَحَصَّلَ فِي مُدَّةِ الْحِيَازَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الْأَوَّلُ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهَا لَا تُحَدَّدُ بِسِنِينَ مُقَدَّرَةٍ بَلْ بِاجْتِهَادِ الْإِمَامِ وَهَكَذَا نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ فَقَالَ وَلَمْ يَحُدَّ مَالِكٌ

(6/223)


فِي الرُّبَاعِ عَشْرَ سِنِينَ وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ وَلَكِنْ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى أَنَّ هَذَا قَدْ حَازَهَا دُونَ الْآخَرِ فِيمَا يُهْدَمُ وَيُبْنَى وَيُسْكَنُ وَيُكْرَى. اهـ وَهَكَذَا نَقَلَهُ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ عَرَفَةَ وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ مُدَّةَ الْحِيَازَةِ عَشْرُ سِنِينَ وَهُوَ الْقَوْلُ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي الرِّسَالَةِ قَالَ فِي النَّوَادِرِ وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ وَهَكَذَا عَزَاهُ ابْنُ يُونُسَ وَابْنُ شَاسٍ وَتَقَدَّمَ نَحْوُهُ عَنْ التَّوْضِيحِ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ النَّوَادِرِ وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ: لَمَّا أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ بِالْقِتَالِ بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ كَانَتْ أَبْلَغَ شَيْءٍ فِي الْأَعْذَارِ وَاعْتَمَدَ أَهْلُ الْمَذْهَبِ عَلَى الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ وَعَلَى أَنَّ كُلَّ دَعْوَى يُكَذِّبُهَا الْعُرْفُ فَإِنَّهَا غَيْرُ مَقْبُولَةٍ وَلَا شَكَّ أَنَّ بَقَاءَ مِلْكِ الْإِنْسَانِ بِيَدِ الْغَيْرِ يَتَصَرَّفُ فِيهِ عَشْرَ سِنِينَ دَلِيلٌ عَلَى انْتِقَالِهِ عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ مُدَّةَ الْحِيَازَةِ سَبْعُ سِنِينَ فَأَكْثَرُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ الثَّانِي وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ الْأَقْوَالَ فَقَالَ وَفِي تَحْدِيدِ مُدَّةِ الْحِيَازَةِ بِعَشْرٍ أَوْ سَبْعٍ ثَالِثُهَا لَا تَحْدِيدَ بِعِدَّةٍ بَلْ بِاجْتِهَادِ الْإِمَامِ وَقَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ.

[مَسْأَلَة قَنَاةٍ تَجْرِي مُنْذُ سَنَةٍ فِي أَرْضِ رَجُلٍ وَاَلَّذِي تَجْرِي عَلَيْهِ سَاكِتٌ]
(مَسْأَلَةٌ) فِي قَنَاةٍ تَجْرِي مُنْذُ سَنَةٍ فِي أَرْضِ رَجُلٍ وَاَلَّذِي تَجْرِي عَلَيْهِ سَاكِتٌ لَا تَكُونُ السَّنَةُ حِيَازَةً لِلتَّغَافُلِ عَنْ مِثْلِهَا وَسُكُوتُ أَرْبَعِ سِنِينَ طُولٌ وَحَوْزٌ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ لِابْنِ يُونُسَ انْتَهَى فَتَأَمَّلْهُ مَعَ مَا تَقَدَّمَ وَهَلْ يَكُونُ قَوْلًا رَابِعًا أَوْ لَا؟ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ لَمْ تُسْمَعْ وَلَا بَيِّنَةَ هُوَ جَوَابُ الشَّرْطِ يَعْنِي أَنَّ الْحِيَازَةَ إذَا وَقَعَتْ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فَهِيَ مَانِعَةٌ مِنْ سَمَاعِ دَعْوَى الْمُدَّعِي وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِعَدَمِ سَمَاعِهَا عَدَمُ الْعَمَلِ بِهَا وَبِمُقْتَضَاهَا مِنْ أَنَّهُ لَا يَتَوَجَّهُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَمِينٌ إذَا أَنْكَرَ أَنَّهُ لَا تُسْمَعُ ابْتِدَاءً وَلَا يُسْأَلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ جَوَابِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ ظَاهِرٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُقِرَّ الْمُدَّعِي وَيَعْتَقِدَ أَنَّ مُجَرَّدَ حَوْزِهِ يُوجِبُ لَهُ الْمِلْكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْحَوْزَ وَحْدَهُ لَا يَنْقُلُ الْمِلْكَ وَإِنَّمَا هُوَ دَلِيلٌ عَلَى انْتِقَالِ الْمِلْكِ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَبْطُلُ حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ وَإِنْ قَدُمَ» قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي آخِرِ الْكَلَامِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الرَّابِعَةِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ وَأَنَّ الْحَائِزَ لَا يَنْتَفِعُ بِحِيَازَتِهِ إلَّا إذَا جَهِلَ أَصْلَ مَدْخَلِهِ فِيهَا وَهَذَا أَصْلٌ فِي الْحُكْمِ بِالْحِيَازَةِ انْتَهَى. وَسَيَأْتِي كَلَامُهُ بِرُمَّتِهِ فِي التَّنْبِيهِ الْخَامِسِ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِنَّمَا تَفْتَرِقُ الدَّارُ مِنْ غَيْرِهَا وَقَوْلُهُ وَلَا بَيِّنَتِهِ. يَعْنِي أَنَّ الْحِيَازَةَ الْمَذْكُورَةَ مَانِعَةٌ مِنْ سَمَاعِ دَعْوَى الْمُدَّعِي وَمَنْ سَمَاعِ بَيِّنَتِهِ أَيْضًا فَإِنْ قِيلَ قَوْلُهُ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ يُغْنِي عَنْ قَوْلِهِ وَلَا بَيِّنَتِهِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ تُسْمَعْ الدَّعْوَى لَمْ تُسْمَعْ الْبَيِّنَةُ فَالْجَوَابُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إنَّمَا قَالَ وَلَا بَيِّنَتِهِ خَشْيَةَ أَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّ الدَّعْوَى الْمُجَرَّدَةَ عَنْ الْبَيِّنَةِ هِيَ الَّتِي لَا تُسْمَعُ وَأَمَّا إذَا قَامَتْ بِهَا الْبَيِّنَةُ فَتُسْمَعُ كَمَا تَقُولُ فِي دَعْوَى الْعَبْدِ عَلَى سَيِّدِهِ الْعِتْقَ، وَالْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا الطَّلَاقَ. فَإِنَّ دَعْوَاهُمَا لَا تُسْمَعُ إذَا كَانَتْ مُجَرَّدَةً عَنْ الْبَيِّنَةِ أَعْنِي أَنَّهُ لَا يَتَوَجَّهُ عَلَى السَّيِّدِ وَلَا عَلَى الزَّوْجِ بِسَبَبِهِمَا يَمِينٌ فَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى دَعْوَاهُمَا سُمِعَتْ وَأَيْضًا فَإِنَّمَا قَالَ وَلَا بَيِّنَةٍ لِيُفَرِّعَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ إلَّا بِإِسْكَانٍ وَنَحْوِهِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا تُسْمَعُ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي إلَّا أَنْ تَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ لِلْمُدَّعِي بِأَنَّهُ أَسْكَنَ الْحَائِزَ أَوْ أَعْمَرَهُ أَوْ سَاقَاهُ أَوْ زَارَعَهُ أَوْ شِبْهَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ حَلَفَ الْمُدَّعِي عَلَى رَدِّ دَعْوَى الْحَائِزِ وَقُضِيَ لَهُ هَذَا إنْ ادَّعَى الْحَائِزُ أَنَّ الْمَالِكَ بَاعَهُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ وَأَمَّا إنْ لَمْ يَدَّعِ نَقْلَ الْمِلْكِ وَإِنَّمَا تَمَسَّكَ بِمُجَرَّدِ الْحِيَازَةِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى يَمِينٍ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ.

[تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ الْحِيَازَةُ عَلَى النِّسَاءِ]
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) الْهَدْمُ وَالْبِنَاءُ مُقَيَّدَانِ بِمَا إذَا لَمْ يَهْدِمْ مَا يُخْشَى سُقُوطُهُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَنْقُلُ الْمِلْكَ وَكَذَا الْإِصْلَاحَ الْيَسِيرَ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ (الثَّانِي) الْحِيَازَةِ عَلَى النِّسَاءِ عَامِلَةٌ إنْ كُنَّ فِي الْبَلَدِ. ذَكَرَهُ ابْنُ بَطَّالٍ فِي الْمُقْنِعِ (الثَّالِثُ) تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا حِيَازَةَ عَلَى الْغَائِبِ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ إلَّا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ إذَا عَلِمَ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ عَلَى حَقِّهِ وَقَالَهُ الرَّجْرَاجِيُّ (الرَّابِعُ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمٍ سَلَفَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ وَأَمَّا الْمُدَّةُ فَيَنْبَغِي أَنْ

(6/224)


يَسْتَوِيَ فِيهَا الْوَارِثُ وَالْمَوْرُوثُ لِعُمُومِ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَازَ شَيْئًا عَشْرَ سِنِينَ فَهُوَ لَهُ» وَتُضَافُ مُدَّةُ حِيَازَةِ الْوَارِثِ إلَى مُدَّةِ حِيَازَةِ الْمَوْرُوثِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ الْوَارِثُ قَدْ حَازَ خَمْسَةَ أَعْوَامٍ مَا كَانَ مُوَرِّثُهُ قَدْ حَازَهُ خَمْسَةَ أَعْوَامٍ فَيَكُونُ ذَلِكَ حِيَازَةً عَنْ الْحَاضِرِ انْتَهَى.

(الْخَامِسُ) اُخْتُلِفَ هَلْ يُطَالَبُ الْحَائِزُ بِبَيَانِ سَبَبِ مِلْكِهِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ لَا يُطَالَبُ وَقَالَ غَيْرُهُ يُطَالَبُ وَقِيلَ إنْ لَمْ يَثْبُتْ أَصْلُ الْمِلْكِ الْمُدَّعَى فَلَا يُسْأَلُ الْحَائِزُ عَنْ بَيَانِ أَصْلِ مِلْكِهِ وَإِنْ ثَبَتَ الْأَصْلُ لِلْمُدَّعِي بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِإِقْرَارِ الْحَائِزِ سُئِلَ عَنْ سَبَبِ ذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ عَتَّابٍ وَابْنُ الْقَطَّانِ لَا يُطَالَبُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا بِالْغَصْبِ وَالِاسْتِطَالَةِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي رَسْمٍ سَلَفَ أَنَّ الْحَائِزَ يُطَالَبُ بِبَيَانِ سَبَبِ مِلْكِهِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ قَالَ إذَا حَازَ الرَّجُلُ مَالَ غَيْرِهِ فِي وَجْهِهِ مُدَّةً تَكُونُ فِيهَا الْحِيَازَةُ عَامِلَةً وَادَّعَاهُ مِلْكًا لِنَفْسِهِ بِابْتِيَاعٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ هِبَةٍ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي ذَلِكَ مَعَ يَمِينِهِ وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَ هَذَا الْحَائِزُ وَارِثًا فَقِيلَ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي وَرِثَ ذَلِكَ عَنْهُ فِي أَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهَا دُونَ أَنْ يَدَّعِيَ الْوَجْهَ الَّذِي يَصِيرُ بِهِ ذَلِكَ إلَى مُوَرِّثِهِ وَهُوَ قَوْلُ مُطَرِّفٍ وَأَصْبَغَ وَقِيلَ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُسْأَلَ عَنْ شَيْءٍ لِأَنَّهُ يَقُولُ وَرِثْنَا ذَلِكَ وَلَا أَدْرِي بِمَاذَا صَارَ ذَلِكَ إلَيْهِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي رَسْمِ إنْ خَرَجَتْ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ هَذَا الْكِتَابِ وَقَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَقَوْلُهُ عِنْدِي بَيِّنٌ فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ شَيْءٍ انْتَهَى. وَأَفْتَى فِي نَوَازِلِهِ بِأَنَّ الْحَائِزَ لَا يُطَالَبُ بِشَيْءٍ حَتَّى يُثْبِتَ الْقَائِمُ عَلَيْهِ الْمِلْكَ وَسَيَأْتِي كَلَامُهُ فِي التَّنْبِيهِ السَّادِسِ وَجَزَمَ فِي شَرْحٍ آخِرِ مَسْأَلَةٍ مِنْ نَوَازِلِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ السَّدَادِ وَالْأَنْهَارِ بِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ أَصْلُ الْمِلْكِ لِغَيْرِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ سَبَبِ مِلْكِهِ قَالَ بِأَنْ يَقُولَ اشْتَرَيْته مِنْهُ أَوْ وَهَبَ لِي أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيَّ أَوْ يَقُولَ وَرِثْته عَنْ أَبِي أَوْ عَنْ فُلَانٍ وَلَا أَدْرِي بِأَيِّ وَجْهٍ يَصِيرُ إلَيَّ الَّذِي وَرَثَتُهُ مِنْهُ قَالَ وَأَمَّا مُجَرَّدُ دَعْوَى الْمِلْكِ دُونَ أَنْ يَدَّعِيَ شَيْئًا مِنْ هَذَا فَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ مَعَ الْحِيَازَةِ إذَا ثَبَتَ أَصْلُ الْمِلْكِ لِغَيْرِهِ انْتَهَى.

[فَرْعٌ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ بِأَمْلَاكٍ فَقَالَ عِنْدِي وَثَائِقُ غَائِبَةٌ ثُمَّ طُولِبَ عِنْدَ حَاكِم آخَرَ فَأَنْكَرَ تِلْكَ الْمَقَالَةَ]
(فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ سَهْلٍ فِي مَسَائِلِ الْأَقْضِيَةِ مَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ بِأَمْلَاكٍ فَقَالَ عِنْدِي وَثَائِقُ غَائِبَةٌ ثُمَّ طُولِبَ عِنْدَ حَاكِمٍ آخَرَ فَأَنْكَرَ تِلْكَ الْمَقَالَةَ فَقَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ لَيْسَ عَلَيْهِ إحْضَارُ الْوَثَائِقِ انْتَهَى. اُنْظُرْ تَمَامَهَا فِيهِ.

(الثَّالِثُ) لَا تَسْقُطُ الْحِيَازَةُ وَلَوْ طَالَتْ الدَّعْوَى فِي الْحَبْسِ بِذَلِكَ أَفْتَى ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ فِي جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ الْخَامِسَةِ مِنْ مَسَائِلِ الْوَقْفِ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ تَتَضَمَّنُ السُّؤَالَ عَنْ جَمَاعَةٍ وَاضِعِينَ أَيْدِيَهُمْ عَلَى أَمْلَاكِهِمْ وَمَوْرُوثِهِمْ وَمَوْرُوثِ مَوْرُوثِهِمْ نَحْوًا مِنْ سَبْعِينَ عَامًا يَتَصَرَّفُونَ فِيهِ بِالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ وَالتَّعْوِيضِ وَالْقِسْمَةِ وَكَثِيرًا مِنْ وُجُوهِ التَّفْوِيتِ فَادَّعَى عَلَيْهِمْ بِوَقْفِيَّتِهَا شَخْصٌ حَاضِرٌ عَالِمٌ بِالتَّفْوِيتِ الْمَذْكُورِ وَالتَّصَرُّفِ هُوَ وَمُوَرِّثُهُ مِنْ قَبْلِهِ وَنَصُّهُ وَلَا يَجِبُ الْقَضَاءُ بِالْحَبْسِ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَثْبُتَ التَّحْبِيسُ وَمِلْكُ الْمُحْبِسِ لِمَا حَبَسَهُ يَوْمَ التَّحْبِيسِ وَبَعْدَ أَنْ تَتَعَيَّنَ الْأَمْلَاكُ الْمُحْبَسَةُ بِالْحِيَازَةِ لَهَا عَلَى مَا تَصِحُّ فِيهِ الْحِيَازَةُ فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ كُلُّهُ عَلَى وَجْهِهِ وَأُعْذِرَ إلَى الْمُقَوَّمِ عَلَيْهِمْ فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ حُجَّةٌ إلَّا مِنْ تَرْكِ الْقَائِمِ وَأَبِيهِ قَبْلَهُ عَلَيْهِمْ وَطُولِ سُكُوتِهِمَا عَنْ طَلَبِ حَقِّهِمَا مَعَ عِلْمِهِمَا بِتَفْوِيتِ الْأَمْلَاكِ فَالْقَضَاءُ بِالْحَبْسِ وَاجِبٌ وَالْحُكْمُ بِهِ لَازِمٌ انْتَهَى. وَأَفْتَى بِذَلِكَ أَيْضًا فِي الْمَسْأَلَةِ السَّادِسَةِ مِنْ مَسَائِلِ الدَّعْوَى وَالْخُصُومَاتِ فِي مَسْأَلَةِ ابْنِ زَهْرٍ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ تَتَضَمَّنُ أَنَّ رَجُلًا فِي مِلْكِهِ ضَيْعَةٌ وَرِثَهَا عَنْ سَلَفِهِ مُنْذُ سَبْعِينَ عَامًا هُوَ وَأَبُوهُ وَهُمْ يَتَصَرَّفُونَ فِيهَا تَصَرُّفَ الْمَالِكِ فِي مِلْكِهِ فَقَامَ عَلَيْهِ رَجُلٌ وَادَّعَى أَنَّ الضَّيْعَةَ رَهْنٌ بِيَدِهِ وَبِذَلِكَ مَلَكَهَا سَلَفُهُ قَبْلَهُ مِنْهُمْ وَاسْتَدْعَى عَقَدَ السَّمَاعِ بِالرَّهْنِ فَأَثْبَتَ الَّذِي بِيَدِهِ الضَّيْعَةُ أَنَّ جَدَّهُ ابْتَاعَهَا مِنْ جَدِّ الْقَائِمِ عَلَيْهِ فِيهَا فَأَفْتَى أَنَّ شَهَادَةَ الشِّرَاءِ عَمَلٌ ثُمَّ قَامَ ذَلِكَ الرَّجُلُ الْمُشْتَرِي الْمُدَّعِي الرَّهِينَةَ بِعَيْنِهِ وَادَّعَى أَنَّهَا حَبْسٌ عَلَيْهِ وَأَثْبَتَ عَقَدَ التَّحْبِيسِ بِالشَّهَادَةِ عَلَى

(6/225)


خُطُوطِ شُهَدَائِهِ فَهَلْ تَرَى قِيَامَهُ أَوَّلًا بِالرَّهْنِ يُبْطِلُ قِيَامَهُ بِالْحَبْسِ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ كَانَ مِنْ وَجْهِ الْحُكْمِ أَنْ لَا يُكَلَّفَ الَّذِي بِيَدِهِ الضَّيْعَةُ مِنْ أَيْنَ صَارَتْ إلَيْهِ حَتَّى يُثْبِتَ الْقَائِمُ مِلْكَ الرَّاهِنِ لَهَا وَرَهْنَهُ إيَّاهَا وَمَوْتَهُ وَأَنَّهُ وَارِثُهُ أَوْ وَارِثُ وَارِثِهِ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي قِيَامِهِ بِالْحَبْسِ سَوَاءٌ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ غَيْرَ أَنَّ قَوْلَ الْمُقَوَّمِ عَلَيْهِ أَنَّ جَدَّهُ ابْتَاعَهَا مِنْ جَدِّ الْقَائِمِ عَلَيْهِ إقْرَارٌ مِنْهُ لَهُ بِمِلْكِهَا فَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُحْبِسُ وَأَثْبَتَ حَفِيدُهُ عَقْدَ التَّحْبِيسِ وَأَنَّهُ مِنْ عَقِبِهِ لَا عَقِبَ لَهُ غَيْرُهُ بِالسَّمَاعِ إنْ عَجَزَ عَنْ الْبَيِّنَةِ الْقَاطِعَةِ وَأَعْذَرَ إلَى الْمَقُومِ عَلَيْهِ فِيمَا ثَبَتَ مِنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ فِيهِ مَدْفَعٌ فَالْوَاجِبُ أَنْ يَسْأَلَ الْمُقَوَّمَ عَلَيْهِ فَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهَا هِيَ الَّتِي وَقَعَ ذِكْرُهَا فِي كِتَابِ التَّحْبِيسِ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْقَائِمِ فِيهَا حِيَازَةٌ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ وَانْظُرْ إلَى تَارِيخِ كِتَابِ صَاحِبِ التَّحْبِيسِ وَتَارِيخِ السَّمَاعِ بِشِرَاءِ جَدِّ الْمُقَوَّمِ عَلَيْهِ مِنْ جَدِّ الْقَائِمِ فَإِنْ وَجَدَ تَارِيخَ الْحَبْسِ أَقْدَمَ قَضَى بِهِ وَبَطَلَ الشِّرَاءُ وَوَجَبَ الرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ وَإِنْ وَجَدَ تَارِيخَ السَّمَاعِ بِالشِّرَاءِ أَقْدَمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَيُّهُمَا أَقْدَمُ قَبْلَ صَاحِبِهِ قَضَى بِالشِّرَاءِ وَبَطَلَ التَّحْبِيسُ وَهَكَذَا الرِّوَايَةُ فِي ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ فِي جَوَابٍ ثَانٍ عَلَى الْمَسْأَلَةِ بِعَيْنِهَا إثْرَ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ وَسَائِرُ مَا تَضَمَّنَهُ عَقْدُ التَّحْبِيسِ الثَّابِتِ لَا يُوجِبُ أَنْ يُسْأَلَ مَنْ بِيَدِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مِنْ أَيْنَ صَارَ لَهُ وَلَا يُعْتَقَلُ عَلَيْهِ وَلَا يُكَلَّفُ إثْبَاتًا وَلَا عَقْلًا إلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يُثْبِتَ الْقَائِمُ بِالتَّحْبِيسِ مِلْكَ الْمُحْبِسِ لِمَا حَبَسَهُ وَيَحُوزُ مَا أَثْبَتَ تَحْبِيسَهُ حِيَازَةً صَحِيحَةً عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَهَذَا أَصْلٌ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ أَعْنِي أَنَّ مَنْ بِيَدِهِ مِلْكٌ لَا يَدَّعِيه يُكَلَّفُ إثْبَاتَ مِنْ أَيْنَ صَارَ لَهُ حَتَّى يُثْبِتَ الْمُدَّعِي مَا ادَّعَاهُ وَيَحُوزَهُ وَلَا يُلْزَمُ الْمُقَوَّمُ عَلَيْهِ إذَا قَضَى بِبَقَاءِ الْمِلْكِ بِيَدِهِ وَحَكَمَ بِقَطْعِ الِاعْتِرَاضِ عَنْهُ بِشَيْءٍ مِنْ ثَمَنِ مَا ادَّعَى شِرَاءَهُ إذَا مَضَى مِنْ طُولِ الْمُدَّةِ مَا صَدَقَ فِيهِ الْمُبْتَاعُ عَلَى أَدَاءِ ثَمَنِ مَا ابْتَاعَهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ وَلَوْ لَمْ يَمْضِ لَمْ يَحْكُمْ لِلْمُدَّعِي أَيْضًا بِالثَّمَنِ حَتَّى يَرْجِعَ عَمَّا ادَّعَاهُ مِنْ التَّحْبِيسِ إلَى تَصْدِيقِ دَعْوَى الْمُشْتَرِي عَلَى اخْتِلَافِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ أَيْ وَاسْتُفِيدَ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَوَائِدُ مِنْهَا أَنَّهُ مَشَى عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْأَلُ وَاضِعُ الْيَدِ عَنْ شَيْءٍ حَتَّى يُثْبِتَ الْقَائِمُ الْمِلْكَ. وَمِنْهَا حُكْمُ شَهَادَةِ السَّمَاعِ فِي الرَّهْنِ وَمِنْهَا الْقَضَاءُ بِالتَّارِيخِ السَّابِقِ وَمِنْهَا إذَا جُهِلَ السَّابِقُ مِنْ تَارِيخِ الشِّرَاءِ أَوْ الْحَبْسِ قُضِيَ بِتَارِيخِ الشِّرَاءِ وَبَطَلَ الْحَبْسُ وَأَفْتَى غَيْرُهُ أَنَّهُ إذَا جَهِلَ التَّارِيخَ قَدَّمَ الْحَبْسَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (وَفِي الشَّرِيكِ الْقَرِيبِ مَعَهُمَا قَوْلَانِ) ش يَعْنِي أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي الشَّرِيكِ الْقَرِيبِ إذَا حَازَ الْعَقَارَ بِالْبِنَاءِ وَالْهَدْمِ هَلْ تَكُونُ مُدَّةُ الْحِيَازَةِ فِي حَقِّهِ عَشْرُ سِنِينَ كَالْأَجْنَبِيِّ أَوْ لَا يَكْفِي فِي ذَلِكَ عَشْرُ سِنِينَ

(6/226)


وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ قَدْرَ مُدَّةِ الْحِيَازَةِ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي وَالْقَوْلَانِ لِابْنِ الْقَاسِمِ ذَكَرَهُمَا فِي رَسْمِ الْكَبْشِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ فَكَانَ أَوَّلًا يَقُولُ أَنَّ الْعَشْرَ سِنِينَ حِيَازَةٌ ثُمَّ رَجَعَ إلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ حِيَازَةً إلَّا أَنْ يَطُولَ الْأَمْرُ أَزْيَدَ مِنْ أَرْبَعِينَ سَنَةً (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ مُتَسَاوِيَانِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْقَوْلَ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ حِيَازَةً وَلَا شَكَّ أَنَّ الْعَمَلَ عَلَى الْقَوْلِ الْمَرْجُوعِ إلَيْهِ فَتَأَمَّلْهُ (الثَّانِي) عُلِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مَعَهُمَا أَنَّهُ لَا تَحْصُلُ الْحِيَازَةُ بَيْنَ الْقَرَابَةِ الشُّرَكَاءِ إذَا لَمْ يَكُنْ هَدْمٌ وَلَا بُنْيَانٌ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِنَّمَا تَفْتَرِقُ الدَّارُ مِنْ غَيْرِهَا وَيَأْتِي أَيْضًا هُنَاكَ بَيَانُ حُكْمِ الْحِيَازَةِ بَيْنَ الْقَرَابَةِ الشُّرَكَاءِ فِي غَيْرِ الْعَقَارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّالِثُ) لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ الْقَرِيبِ الَّذِي لَيْسَ بِشَرِيكٍ وَذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمٍ سَلَفَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ فَجَعَلَهُ مَرَّةً كَالْقَرِيبِ الشَّرِيكِ قَالَ فَيَكُونُ قَدْ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ أَنَّ الْحِيَازَةَ لَا تَكُونُ بَيْنَهُمْ فِي الْعَشَرَةِ الْأَعْوَامِ مَعَ الْهَدْمِ وَالْبُنْيَانِ إلَى أَنَّهُ لَا حِيَازَةَ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ إلَّا مَعَ الطُّولِ الْكَثِيرِ وَهُوَ نَصُّ قَوْلِهِ فِي سَمَاعِ يَحْيَى الْمَذْكُورِ وَمَرَّةً رَآهُمْ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَلَمْ يَرْجِعْ عَنْ قَوْلِهِ أَنَّ الْحِيَازَةَ تَكُونُ بَيْنَهُمْ فِي الْعَشَرَةِ الْأَعْوَامِ مَعَ الْهَدْمِ وَالْبُنْيَانِ وَهُوَ دَلِيلُ قَوْلِهِ فِي السَّمَاعِ الْمَذْكُورِ انْتَهَى.
(قُلْت) فَعُلِمَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ هَذَا أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ حُكْمَ الْقَرِيبِ الَّذِي لَيْسَ بِشَرِيكٍ كَحُكْمِ الْقَرِيبِ الشَّرِيكِ هُوَ الرَّاجِحُ لِقَوْلِهِ أَنَّهُ نَصُّ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَنَّ الثَّانِي إنَّمَا هُوَ مَفْهُومٌ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَتَأَمَّلْهُ وَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْحِيَازَةَ بَيْنَ الْقَرَابَةِ سَوَاءٌ كَانُوا شُرَكَاءَ أَوْ غَيْرَ شُرَكَاءَ لَا تَكُونُ بِالسُّكْنَى وَالِازْدِرَاعِ وَإِنَّمَا تَكُونُ بِالْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ فِي الْأَمَدِ الطَّوِيلِ الَّذِي يَزِيدُ عَلَى أَرْبَعِينَ سَنَةً عَلَى الْأَرْجَحِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الرَّابِعُ) مُحَصِّلُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي رَسْمٍ سَلَفَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ وَأَنَّ الْحِيَازَةَ لَا تَكُونُ بَيْنَ أَبٍ وَابْنِهِ بِالسُّكْنَى وَالِازْدِرَاعِ وَالِاسْتِخْدَامِ وَالرُّكُوبِ اتِّفَاقًا وَكَذَلِكَ الْأَقَارِبُ الشُّرَكَاءُ بِمِيرَاثٍ وَغَيْرِهِ عَلَى الْأَظْهَرِ وَكَذَا الشُّرَكَاءُ الْأَجَانِبُ الَّذِينَ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمْ فَتَكْفِي الْحِيَازَةُ عَشَرَةَ أَعْوَامٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَدْمٌ وَلَا بُنْيَانٌ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَإِنْ حَصَلَ هَدْمٌ وَبِنَاءٌ وَغَرْسٌ فَتَكْفِي الْعَشَرَةُ الْأَعْوَامُ فِي الشَّرِيكِ الْأَجْنَبِيِّ وَفِي الشَّرِيكِ الْقَرِيبِ مَعَ ذَلِكَ قَوْلَانِ وَفِي كَوْنِ ذَلِكَ الْقَرِيبِ غَيْرِ الشَّرِيكِ وَالْمَوْلَى وَالصِّهْرِ الشَّرِيكَانِ ثَالِثُهَا فِي الصِّهْرِ وَالْمَوْلَى دُونَ الْقَرِيبِ وَفِي كَوْنِ السُّكْنَى وَالِازْدِرَاعِ فِي الْعَشَرَةِ حِيَازَةً لِمَوْلَى وَصِهْرٍ غَيْرِ شَرِيكَيْنِ أَوْ إنْ هَدَمَ وَبَنَى أَوْ إنْ طَالَ جِدًّا أَقْوَالٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (لَا بَيْنَ أَبٍ وَابْنِهِ إلَّا بِكَهِبَةٍ) ش قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمٍ

(6/227)


سَلَفَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ وَتَحْصُلُ الْحِيَازَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْكِتَابَةِ وَالْوَلَاءِ وَلَوْ بَيْنَ أَبٍ وَابْنِهِ وَلَوْ قَصُرَتْ الْمُدَّةُ إلَّا أَنَّهُ إنْ حَضَرَ مَجْلِسَ الْبَيْعِ فَسَكَتَ حَتَّى انْقَضَى الْمَجْلِسُ لَزِمَهُ الْبَيْعُ فِي حِصَّتِهِ وَكَانَ لَهُ الثَّمَنُ وَإِنْ سَكَتَ بَعْدَ الْعَامِ وَنَحْوِهِ حَتَّى اسْتَحَقَّ الْبَائِعُ الثَّمَنَ بِالْحِيَازَةِ مَعَ يَمِينِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْبَيْعِ إلَّا بَعْدَ وُقُوعِهِ فَقَامَ حِينَ عَلِمَ أَخَذَ مِنْهُ وَإِنْ سَكَتَ الْعَامَ وَنَحْوَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا الثَّمَنَ وَإِنْ لَمْ يَقُمْ حَتَّى مَضَتْ مُدَّةُ الْحِيَازَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ وَاسْتَحَقَّهُ الْحَائِزُ وَإِنْ حَضَرَ مَجْلِسَ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْعِتْقِ فَسَكَتَ حَتَّى انْقَضَى الْمَجْلِسُ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ. وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ ثُمَّ عَلِمَ فَإِنْ قَامَ حِينَئِذٍ كَانَ لَهُ حَقُّهُ وَإِنْ سَكَتَ الْعَامَ وَنَحْوَهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَيُخْتَلَفُ فِي الْكِتَابَةِ هَلْ تُحْمَلُ عَلَى الْبَيْعِ أَوْ عَلَى الْعِتْقِ؟ قَوْلَانِ انْتَهَى مُخْتَصَرًا.

ص (وَإِنَّمَا تَفْتَرِقُ الدَّارُ مِنْ غَيْرِهَا فِي الْأَجْنَبِيِّ فَفِي الدَّابَّةِ وَأَمَةِ الْخِدْمَةِ السَّنَتَانِ وَيُزَادُ فِي عَبْدٍ وَعَرَضٍ)
ش: يَعْنِي أَنَّهُ إنَّمَا يَفْتَرِقُ بَيْنَ الدُّورِ وَغَيْرِهَا فِي مُدَّةِ الْحِيَازَةِ إذَا كَانَتْ الْحِيَازَةُ بَيْنَ الْأَجَانِبِ وَأَمَّا فِي حِيَازَةِ الْقَرَابَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الدُّورِ وَغَيْرِهَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمٍ سَلَفَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ أَنَّ الْأَقَارِبَ وَالشُّرَكَاءَ بِالْمِيرَاثِ أَوْ بِغَيْرِ الْمِيرَاثِ لَا خِلَافَ أَنَّ الْحِيَازَةَ بَيْنَهُمْ لَا تَكُونُ بِالسُّكْنَى وَالِازْدِرَاعِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهَا لَا تَكُونُ بِالتَّفْوِيتِ بِالْبَيْعِ وَالصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ وَالْعِتْقِ وَالْكِتَابَةِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْوَطْءِ وَإِنْ لَمْ تَطُلْ الْمُدَّةُ وَالِاسْتِخْدَامُ فِي الرَّقِيقِ وَالرُّكُوبُ فِي الدَّوَابِّ كَالسُّكْنَى فِيمَا يُسْكَنُ وَالِازْدِرَاعِ فِيمَا يُزْرَعُ قَالَ وَالِاسْتِغْلَالُ فِي ذَلِكَ كَالْهَدْمِ وَالْبُنْيَانِ فِي الدُّورِ وَكَالْغَرْسِ فِي الْأَرْضِينَ ثُمَّ قَالَ: وَلَا فَرْقَ فِي مُدَّةِ حِيَازَةِ الْوَارِثِ عَلَى وَارِثِهِ بَيْنَ الرَّبَاعِ وَالْأُصُولِ وَالثِّيَابِ وَالْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ وَإِنَّمَا يَفْتَرِقُ ذَلِكَ فِي حِيَازَةِ الْأَجْنَبِيِّ بِالِاعْتِمَارِ وَالسُّكْنَى وَالِازْدِرَاعِ فِي الْأُصُولِ وَالِاسْتِخْدَامِ وَالرُّكُوبِ وَاللِّبَاسِ فِي الرَّقِيقِ وَالدَّوَابِّ وَالثِّيَابِ فَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ: إنَّ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ فِي الثِّيَابِ حِيَازَةٌ إذَا كَانَتْ تُلْبَسُ وَتُمْتَهَنُ وَإِنَّ السَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ حِيَازَةٌ فِي الدَّوَابِّ إذَا كَانَتْ تُرْكَبُ وَفِي الْإِمَاءِ إذَا كُنَّ يُسْتَخْدَمْنَ وَفِي الْعَبِيدِ وَالْعُرُوضِ فَوْقَ ذَلِكَ وَلَا يُبْلَغُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ بَيْنَ الْأَجْنَبِيَّيْنِ إلَى الْعَشَرَةِ الْأَعْوَامِ كَمَا يُصْنَعُ فِي الْأُصُولِ انْتَهَى.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) عُلِمَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ اللِّبَاسَ فِي الثِّيَابِ كَالسُّكْنَى فِي الدُّورِ وَأَنَّهُ لَا تَحْصُلُ حِيَازَةٌ بَيْنَ الْأَقَارِبِ وَلَوْ طَالَتْ الْمُدَّةُ وَأَنَّ الِاسْتِقْلَالَ فِي الرَّقِيقِ وَالدَّوَابِّ وَالثِّيَابِ بِمَعْنَى قَبْضِ أُجْرَةِ الْعَبِيدِ وَالدَّوَابِّ وَالثِّيَابِ كَالْهَدْمِ وَالْبُنْيَانِ فِي الْعَقَارِ فَلَا تَحْصُلُ الْحِيَازَةُ بَيْنَ الْأَقَارِبِ فِي الرَّقِيقِ وَالثِّيَابِ وَالْعُرُوضِ إلَّا بِالِاسْتِغْلَالِ وَيُخْتَلَفُ فِي مُدَّتِهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ السَّابِقَيْنِ اللَّذَيْنِ أَشَارَ إلَيْهِمَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَفِي الشَّرِيكِ الْقَرِيبِ مَعَهُمَا قَوْلَانِ أَوْ بِالْأُمُورِ الْمُفَوِّتَةِ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ وَالْوَطْءِ وَيُعْلَمُ هَذَا مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ ذَلِكَ مُفَوِّتًا بَيْنَ الْأَبِ وَابْنِهِ عُلِمَ أَنَّهُ مُفَوِّتٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا مِنْ بَابٍ أَحْرَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّانِي) فُهِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي الْأَجْنَبِيِّ أَنَّ الْقَرِيبَ لَا تَفْتَرِقُ الدَّارُ مِنْ غَيْرِهَا فِي حَقِّهِ سَوَاءٌ كَانَ شَرِيكًا أَوْ غَيْرَ شَرِيكٍ فَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى تَرْجِيحِ الْقَوْلِ بِتَسَاوِيهِمَا كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ (الثَّالِثُ) تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ الثِّيَابُ يَكْفِي فِي حِيَازَتِهَا السَّنَةُ وَالسَّنَتَانِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا الْمُصَنِّفُ بَلْ قَدْ يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ دُخُولُهَا فِي الْعُرُوضِ فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ (الرَّابِعُ) التَّفْصِيلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ لَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَلَمْ يَنْقُلْهُ فِي التَّوْضِيحِ وَهُوَ أَتَمُّ فَائِدَةً فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(الْخَامِسُ) فِي الْمُدَّةِ الَّتِي يَسْقُطُ بِهَا طَلَبُ الدَّيْنِ قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ مِنْ الْكُتُبِ الْمَبْسُوطَةِ الْمَنْسُوبِ لِوَالِدِ ابْنُ فَرْحُونٍ السَّاكِتُ عَنْ طَلَبِ الدَّيْنِ ثَلَاثِينَ سَنَةً لَا قَوْلَ لَهُ وَيُصَدَّقُ الْغَرِيمُ فِي دَعْوَى الدَّفْعِ وَلَا يُكَلَّفُ الْغَرِيمُ بِبَيِّنَةٍ لِإِمْكَانِ

(6/228)


مَوْتِهِمْ أَوْ نِسْيَانِهِمْ لِلشَّهَادَةِ انْتَهَى مِنْ مُنْتَخَبِ الْحُكَّامِ لِابْنِ أَبِي زَمَنِينَ وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ بْنِ يَاسِينَ فِي مُدَّعِي دَيْنٍ سَلَفَ بَعْدَ عِشْرِينَ سَنَةً أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُصَدَّقٌ فِي الْقَضَاءِ إذْ الْغَالِبُ أَنْ لَا يُؤَخَّرَ السَّلَفُ مِثْلَ هَذِهِ الْمُدَّةِ كَالْبُيُوعَاتِ انْتَهَى كَلَامُ الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ. وَقَالَ وَالِدُهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ فِي الْبَابِ الثَّانِي وَالسِّتِّينَ فِي الْقَضَاءِ فِي شَهَادَةِ الْوَثِيقَةِ وَالرَّهْنِ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ (فَرْعٌ) وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ فِي آخِرِ بَابِ الْحِيَازَةِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَقَالَ لِي مُطَرِّفٌ وَأَصْبَغُ إذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ حَقًّا قَدِيمًا وَقَامَ عَلَيْهِ بِذِكْرِ حَقِّهِ وَذَلِكَ الْقِيَامُ بَعْدَ الْعِشْرِينَ سَنَةً وَنَحْوِهَا أَخَذَهُ بِهِ وَعَلَى الْآخَرِ الْبَرَاءَةُ مِنْهُ وَفِي مُفِيدِ الْحُكَّامِ أَنَّ ذِكْرَ الْحَقِّ الْمَشْهُودِ فِيهِ لَا يَبْطُلُ إلَّا بِطُولِ الزَّمَانِ كَالثَّلَاثِينَ سَنَةً وَالْأَرْبَعِينَ وَكَذَلِكَ الدَّيْنُ وَإِنْ كَانَتْ مَعْرُوفَةً فِي الْأَصْلِ إذَا طَالَ زَمَانُهَا هَكَذَا وَمَنْ هِيَ لَهُ وَعَلَيْهِ حُضُورٌ فَلَا يَقُومُ عَلَيْهِ بِدَيْنِهِ إلَّا بَعْدَ هَذَا بِطُولِ الزَّمَانِ فَيَقُولُ قَدْ قَضَيْتُك وَبَادَ شُهُودِي بِذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمِدْيَانِ غَيْرُ الْيَمِينِ. قَالَ وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ يَقُومُ عَلَيْهِ الْيَتِيمُ بَعْدَ طُولِ الزَّمَانِ وَيُنْكِرُ قَبْضَ مَالِهِ مِنْ الْوَصِيِّ فَإِنْ كَانَتْ مُدَّةٌ يَهْلِكُ فِي مِثْلِهَا شُهُودُ الْوَصِيِّ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ بِالدَّفْعِ انْتَهَى. وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي أَثْنَاءِ مَسَائِلِ الْبُيُوعِ رَأَيْت جَوَابًا وَأَظُنّهُ لِلْمَازِرِيِّ فِي الدُّيُونِ فَقَالَ إذَا طَالَ الزَّمَانُ عَلَى الطَّالِبِ وَبِيَدِهِ وَثَائِقُ وَأَحْكَامٌ وَهُوَ حَاضِرٌ مَعَ الْمَطْلُوبِ وَلَا عُذْرَ لَهُ يَمْنَعُهُ مِنْ الطَّلَبِ مِنْ ظُلْمٍ وَنَحْوِهِ وَسَكَتَ عَنْ الطَّلَبِ فَاخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ فِي حَدِّ السُّكُوتِ الْقَاطِعِ لِطَلَبِ الدُّيُونِ الثَّابِتَةِ فِي الْوَثَائِقِ وَالْأَحْكَامِ هَلْ حَدُّ ذَلِكَ عِشْرُونَ سَنَةً وَهُوَ قَوْلُ مُطَرِّفٍ أَوْ ثَلَاثُونَ سَنَةً وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَاتَّفَقَا جَمِيعًا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ دَلَالَةٌ قَاطِعَةٌ لِطَلَبِ الطَّالِبِ وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا يَبْطُلُ حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ وَإِنْ قَدُمَ مُعَلَّلٌ بِوُجُودِ الْأَسْبَابِ الْمَانِعَةِ مِنْ الطَّلَبِ بِالْغَيْبَةِ الْبَعِيدَةِ وَعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الطَّلَبِ مَعَ الْحُضُورِ حَتَّى إذَا ارْتَفَعَتْ هَذِهِ الْأَسْبَابُ مِنْ الطَّلَبِ كَانَ طُولُ الْمُدَّةِ مَعَ السُّكُوتِ وَالْحُضُورِ دَلَالَةٌ يَقْوَى بِهَا سَبَبُ الْمَطْلُوبِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَازَ شَيْئًا عَلَى خَصْمِهِ عَشْرَ سِنِينَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» فَأَطْلَقَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ذِكْرَ الْحِيَازَةِ فَهُوَ عَامٌ فِي كُلِّ مَا يُحَازُ مِنْ رَبْعٍ وَمَالٍ مُعَيَّنٍ وَغَيْرِهِ وَمَنْ اجْتَهَدَ فَحَدَّ فِي الرِّبَاعِ الْعَشْرَ سِنِينَ وَحَّدَ فِي الدَّيْنِ الْعِشْرِينَ وَالثَّلَاثِينَ رَأَى أَنَّ ذَلِكَ رَاجِعٌ إلَى حَالِ الطَّالِبِ مَعَ الْمَطْلُوبِ فَمَنْ غَلَبَ عَلَى حَالِهِ كَثْرَةُ الْمُشَاحَّةِ وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَسْكُتَ عَنْ خَصْمِهِ عَشْرَ سِنِينَ جَعَلَهَا حَدًّا قَاطِعًا وَمَنْ جَعَلَهَا عِشْرِينَ سَنَةً أَوْ ثَلَاثِينَ أَيْ أَنَّهَا أَقْصَى مَا يُمْكِنُ السُّكُوتُ فِي بَيْعِ الْمُتَحَمَّلِ فَجَعَلَهُمَا حَدًّا قَاطِعًا لِأَعْذَارِ الطَّالِبِينَ لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْ الْحَالِ أَنَّهُ قَضَاءٌ وَقَدْ قَضَى بِتَغْلِيبِ الْأَحْوَالِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَقَالَهُ مَالِكٌ فِيمَنْ لَهُ شَيْءٌ تَرَكَ غَيْرَهُ يَتَصَرَّفُ فِيهِ وَيَفْعَلُ فِيهِ مَا يَفْعَلُ الْمَالِكُ الدَّهْرَ الطَّوِيلَ فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُسْقِطُ الْمِلْكَ وَيَمْنَعُ الطَّالِبَ مِنْ الطَّلَبِ قَالَهُ مَالِكٌ وَابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ وَإِذَا كَانَ طُولُ الْمُدَّةِ مَعَ حُضُورِ الطَّالِبِ وَسُكُوتِهِ مَانِعًا لَهُ مِنْ الطَّلَبِ فَالطَّلَبُ مَمْنُوعٌ فِي سَائِرِ الْمَطَالِبِ دُونَ وَثَائِقَ وَأَحْكَامٍ وَرِبَاعٍ بِدَلِيلِ أَنَّ السُّكُوتَ فِي ذَلِكَ يُعَدُّ كَالْإِقْرَارِ الْمَنْطُوقِ بِهِ مِنْ الطَّالِبِ لِلْمَطْلُوبِ بِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ عَلَيْهِ وَلَا تِبَاعَةَ وَلَا طَلَبَ (قُلْت) هَذَا الْجَوَابُ يَقْتَضِي أَنَّ مَا بَعْدَ الثَّلَاثِينَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَإِذَا أَجْرَاهُ عَلَى مَسَائِلِ الْحِيَازَةِ فَفِيهَا قَرِيبُ الْقَرَابَةِ وَالْبَعِيدُ وَالْمُتَوَسِّطُ وَالْمُقَاطِعُ لِقَرِيبِهِ وَالْمُوَاصِلُ لَهُ فَيَجْرِي عَلَيْهَا وَفِي بَعْضِهَا مَا يَبْلُغُ الْخَمْسِينَ وَأَكْثَرَ مَعَ أَنِّي أَحْفَظُ لِابْنِ رُشْدٍ فِي شَرْحِهِ أَنَّهُ إذَا تَقَرَّرَ الدَّيْنُ وَثَبَتَ لَا يَبْطُلُ وَإِنْ طَالَ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ وَاخْتَارَهُ التُّونُسِيُّ إذَا كَانَ ذَلِكَ بِوَثِيقَةٍ مَكْتُوبَةٍ وَهِيَ فِي يَدِ الطَّالِبِ وَالطَّلَبُ بِسَبَبِهَا لِأَنَّ بَقَاءَهَا بِيَدِ رَبِّهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ دِينَهُ إذْ الْعَادَةُ إذَا قَبَضَ دَيْنَهُ أَخَذَ عَقْدَهُ أَوْ مَزَّقَهُ بِخِلَافِ إذَا كَانَتْ الدُّيُونُ بِغَيْرِ عُقُودٍ وَلَوْ وُجِدَتْ بِغَيْرِ الْمَطْلُوبِ وَإِلَّا فَفِيهَا قَوْلَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ رُشْدٍ

(6/229)


وَخَرَّجَهُمَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الرَّهْن إذَا وُجِدَ بِيَدِ الرَّاهِنِ هَلْ هُوَ إبْرَاءٌ لَهُ أَمْ لَا؟ لِجَوَازِ وُقُوعِهِ وَسُقُوطِهِ أَوْ التَّسَوُّرِ عَلَيْهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَقِيَاسُهُ عَلَى بَابِ الْحِيَازَةِ فِيهِ نَظَرٌ لِمَا أَصَّلَ ابْنُ رُشْدٍ أَنَّ تَرْجِيحَ الْحِيَازَةِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا جُهِلَ أَصْلُهُ وَأَمَّا إذَا ثَبَتَ أَصْلُهُ بِكِرَاءٍ أَوْ إعَارَةٍ أَوْ إعْمَارٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا يَزَالُ الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ وَالدَّيْنُ إنْ ثَبَتَ أَصْلُهُ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ فِي هَذَا الْأَصْلِ خِلَافٌ فِي كِتَابِ الْوَلَاءِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ لَكِنَّ مَذْهَبَ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا ذَكَرَهُ خِلَافًا لِقَوْلِ الْغَيْرِ وَعَلَيْهِ جَرَى عَمَلُ الْقُضَاةِ فِي هَذَا الزَّمَانِ بِتُونُسَ مَا لَمْ تَقْتَرِنْ قَرَائِنُ تَدُلُّ عَلَى دَفْعِ الدَّيْنِ مَعَ طُولِ الزَّمَانِ فَيُعْمَلُ عَلَيْهَا فِي الْبَرَاءَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى. وَيُشِيرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِقَوْلِهِ: وَقِيَاسُهُ عَلَى بَابِ الْحِيَازَةِ فِيهِ نَظَرٌ لِمَا أَصَّلَ ابْنُ رُشْدٍ أَنَّ تَرْجِيحَ الْحِيَازَةِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا جُهِلَ أَصْلُهُ إلَى مَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ الرَّابِعَةِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ وَلْنَذْكُرْ الْمَسْأَلَةَ وَكَلَامَهُ عَلَيْهَا وَنَصّهَا.

[مَسْأَلَة تَرَكَتْ بَعْض مَا أصدقها وَالِد زَوْجهَا حتي مَاتَ ثُمَّ أَرَادَتْ الْمَرْأَة أَخَذَهَا فمنعها ورثة الحمو]
مَسْأَلَةٌ قَالَ يَحْيَى وَسَأَلْت ابْنَ الْقَاسِمِ عَنْ رَجُلٍ أَصْدَقَ امْرَأَةً عَنْ ابْنِهِ مَنْزِلًا فَلَمَّا دَخَلَ ابْنُهُ بِالْمَرْأَةِ أَخَذَتْ الْمَنْزِلَ إلَّا حُقُولًا يَسِيرَةً تَرَكَتْهَا فِي يَدِ حَمُوهَا فَلَمْ تَزَلْ فِي يَدِهِ حَتَّى مَاتَ بَعْدَ طُولِ زَمَانٍ ثُمَّ أَرَادَتْ الْمَرْأَةُ أَخْذَهَا فَمَنَعَهَا وَرَثَةُ الْحَمْوِ وَقَالُوا قَدْ عَايَنْتهَا زَمَانًا مِنْ دَهْرِك وَهِيَ فِي يَدِهِ وَلَا تَشْهَدِي عَلَيْهِ بِعَارِيَّةٍ وَلَا كِرَاءٍ وَلَا نَدْرِي لَعَلَّك أَرْضَاك مِنْ حَقِّك أَتَرَى لِلْمَرْأَةِ فِي ذَلِكَ حَقًّا؟ قَالَ: نَعَمْ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ تِلْكَ الْحُقُولَ الَّتِي هِيَ مِمَّا كَانَ أَصْدَقَهَا الْحَمْوُ عَنْ ابْنِهِ وَلَا يَضُرُّهَا طُولُ مَا تَرَكَتْ ذَلِكَ فِي الْحَمْوِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِالصَّدَقَةِ فَتَلْزَمُ حِيَازَتُهَا وَإِنَّمَا الصَّدَاقُ ثَمَنٌ مِنْ الْأَثْمَانِ. وَكَذَلِكَ لَوْ تَرَكَتْ كُلَّ مَا أَصْدَقَهَا فِي يَدِ الْحَمْوِ لَمْ يَضُرَّهَا ذَلِكَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ صَحِيحَةٌ بَيِّنَةٌ لَا إشْكَالَ فِيهَا وَلَا اخْتِلَافَ لِأَنَّ حَقَّهَا تَرَكَتْهُ فِي يَدِ حَمُوهَا فَلَا يَضُرُّهَا ذَلِكَ طَالَ الزَّمَانُ أَوْ قَصُرَ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَبْطُلُ حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ وَإِنْ قَدُمَ» وَلَيْسَ هَذَا مِنْ وَجْهِ الْحِيَازَةِ الَّتِي يَنْتَفِعُ بِهَا الْحَائِزُ وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْقَرَابَةِ وَالْأَجْنبِيِّينَ وَالْأَصْهَارِ فِيهَا إذْ قَدْ عُرِفَ وَجْهُ كَوْنِ الْأَحْقَالِ بِيَدِ الْحَمْوِ فَهِيَ عَلَى ذَلِكَ مَحْمُولَةٌ حَتَّى يُعْرَفَ مَصِيرُهَا إلَيْهِ بِوَجْهٍ صَحِيحٍ لِأَنَّ الْحَائِزَ لَا يَنْتَفِعُ بِحِيَازَتِهِ إلَّا إذَا جَهِلَ أَصْلَ مَدْخَلِهِ فِيهَا وَهَذَا أَصْلٌ فِي الْحُكْمِ بِالْحِيَازَةِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.