مواهب
الجليل لشرح مختصر الخليل ط عالم الكتب المجلد الرابع
تابع كتاب الحج
تتمة كتاب الحج
...
بسم الله الرحمن الرحيم.
تتمة كتاب الحج.
ومنع استنابة صحيح في فرض وإلا كره كبدء
مستطيع به عن غيره وإجارة نفسه.
ـــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم
ص: "ومنع استنابة صحيح في فرض وإلا كره" ش:
يعني أن استنابة الصحيح القادر في الفرض
ممنوعة ولا خلاف في ذلك والظاهر أنها لا تصح
وتفسخ إذا عثر عليها قال في الطراز أرباب
المذاهب متفقون على أن الصحيح القادر على الحج
ليس له أن يستنيب في مرضه واختلف في تطوعه
فالمذهب أنه يكره ولو وقع صحت الإجارة انتهى .
ونقله المصنف وابن فرحون والتلمساني والقرافي
والتادلي وغيرهم يخصص الصحة بالوجه المكروه.
وكلام ابن عرفة كالصريح في ذلك ونصه ولا يصح
عن مرجو صحته . ولأشهب إن آجر صحيح من يحج عنه
لزم بلا خلاف . ابن بشير لا تصح من قادر
اتفاقا ونحوه للخمي انتهى فانظر كيف قال "لا
تصح". ونقله عن ابن بشير وجعل القول باللزوم
لأشهب ويحتمل أن يكون كلام أشهب في النافلة عن
الصحيح ولكن سياقه لا يشبه أن يدل أنه فهم
كلام أشهب في الفرض والله أعلم . وفي كلام ابن
عرفة فائدة أخرى وهي أن مرجو الصحة كالصحيح .
ويدخل في قول المصنف "وإلا كره" بحسب الظاهر
ثلاث صور استنابة الصحيح في النفل واستنابة
العاجز في الفرض وفي النفل لكن في التحقيق ليس
هنا إلا صورتان لأن العاجز لا فريضة عليه .
واعلم أن ابن الحاجب حكى في جواز استنابته
ثلاثة أقوال . قال في التوضيح المشهور عدم
الجواز الذي يكره صرح بذلك في الجلاب . وكلام
المصنف يعني ابن الحاجب لا يؤخذ من الكراهة بل
المنع وهو ظاهر ما حكاه اللخمي انتهى . وما
قال إنه ظاهر كلام اللخمي هو الذي مشى عليه
ابن عبد السلام وابن عرفة ونقل الكراهة عن
الجلاب واعترض ابن فرحون على المصنف في حمله
عدم الجواز في كلام ابن الحاجب على الكراهة
قال وينبغي حمل الكراهة على المنع فقد نص ابن
حبيب عن مالك في الواضحة لا يجوز ولفظ لا يجوز
ينفي أن تكون الكراهة على بابها انتهى وظاهر
كلام القاضي سند أن هذا القول إنما هو
بالكراهة
(4/3)
ونفذت الوصية
به من الثلث.
ـــــــ
ولم ينقل عن الواضحة لفظ لا يجوز إنما نقل لا
ينبغي. ثم لما أن أخذ يوجه الأقوال قال ووجه
القول بالكراهة وذكره فهو مساعد لما قاله
المؤلف والله أعلم.
فرع: قال سند والكلام في العمرة كالكلام في
الحج التطوع ونصه في باب النيابة في الحج وسئل
هل كان مالك يوسع أن يعتمر أحد عن أحد إذا كان
لا يوسع في الحج قال نعم ولو أسمعه منه وهو
رأى إذا أوصى بذلك ظاهر كلامه أنه يكره ذلك
ابتداء لقوله إذا أوصى بذلك وهو قول مالك في
الموازية قال لا يحج أحد عن أحد ولا يعتمر عنه
ولا عن ميت ولا عن حي إلا أن يوصي بذلك فينفذ
ذلك. والكلام في العمرة كالكلام في الحج
التطوع لأنها عبادة بدنية وشأنهما واحد فما
جاز من ذلك في الحج جاز في العمرة وما منع منع
انتهى. قلت: فلا يكون في الاستنابة في العمرة
إلا الكراهة سواء كان المستنيب صحيحا أو عاجزا
اعتمر أو لم يعتمر والله أعلم.
فرع: قال في شرح العمدة النيابة في الحج إن
كانت بغير أجرة فحسنة لأنه فعل معروف وإن كانت
بأجرة فاختلف المذهب فيها والمنصوص عن مالك
الكراهة رأى أنه من باب أكل الدنيا بعمل
الآخرة. فائدة قال الشيخ ابن عبد السلام في
شرح ابن الحاجب قال الشيخ أبو بكر الطرطوشي في
تعليقة الخلاف الفرق بين النيابة والاستنابة
أن النيابة وقوع الحج من المحجوج عنه وسقوط
الفرض عنه ومعنى الاستنابة جواز الفعل من
الغير فقط يريد بالغير المستنيب انتهى. ص:
"وإجارة لنفسه" ش: هو أتم مما قبله لأنه يقتضي
أن إجارة نفسه مكروهة سواء كان مستطيعا أم لا
فانظره. ص: "ونفذت الوصية به من الثلث" ش:
يعني أنا وإن قلنا الاستنابة في الحج مكروهة
على المشهور فإن الميت إذا أوصى أن يحج عنه
فإن الوصية تنفذ عنه على المشهور وهو مذهب
المدونة وقال ابن كنانة لا تنفذ الوصية لأن
الوصية لا تبيح الممنوع قال ويصرف القدر
الموصى به في هدايا وقال بعض من قال بقوله
يصرف في وجه من وجوه الخير انتهى من التوضيح.
وعلى المشهور فتنفذ الوصية من الثلث سواء كان
ضرورة أو غير ضرورة. وقال أشهب إن كان ضرورة
نفذت من رأس المال فإن لم يوص بها لم يحج عنه.
وقال ابن الحاجب وإن لم يوص لم يلزم وإن كان
ضرورة على الأصح فمفهوم كلامه أن مقابل الأصح
بقول يلزم أن يحج عنه وإن لم يوص وهذا القول
غير معروف أنكره ابن عرفةوقال في التوضيح
الخلاف راجع إلى الضرورة وكلامه يقتضي أن
الخلاف في اللزوم وظاهر كلام ابن بشير وابن
شاس أن الخلاف إنما هو في الجواز وهو الظاهر
وكذلك قال ابن بزيزة.
فرع: قال في التوضيح إذا أوصى بمال وحج فإن
كان صرورة فقال مالك في المدونة يتحاصان وقال
في العتبية يقدم حجة الفريضة وقال في البيان
والصحيح على مذهب مالك.
(4/4)
وحج عنه حجج إن
وسع وقال يحج به لا منه وإلا فميراث لوجوده
بأقل أو تطوع غير وهل إلا أن يقول يحج عني
بكذا فحجج تأويلان ودفع المسمى وإن زاد على
أجرته لمعين لا يرث.
ـــــــ
أن الوصية بالمال مبدأة لأنه لا يرى أن يحج
أحد عن أحد فلا قربة في ذلك على أصله وإن كان
غير صرورة ففي المدونة أن المال مبدأ وفي
العتبية يتحاصان ففي هذه قولان وفي الأولى
ثلاثة أقوال انتهى. ومحل ذكر هذا كتاب الوصايا
والله أعلم. ص: "وحج عنه حجج إن وسع وقال يحج
به لا منه وإلا فميراث" ش: يعني أن من أوصى أن
يحج عنه بثلثه فإنه يحج به عنه كله إما بحجة
واحدة أو حججا متعددة إن كان يسع ذلك. وقوله
"وإلا فميراث" أي وإن لم يسع الثلث حججا أو
وسع ولم يقل يحج به بل قال يحج منه فإنه يحج
عنه والباقي يرجع ميراثا والله أعلم. ص:
"كوجوده بأقل أو تطوع غير" ش: يعني أنه إذا
سمي الميت قدرا من المال يحج به فوجد من يحج
بدونه ألا تطوع غير واحد بالحج فإن الباقي في
المسألة الأولى يرجع ميراثا كما قاله ابن
القاسم في المدونة وهذا إذا لم يسم الميت من
يحج عنه وسيأتي حكم ما إذا سمى الميت
(4/5)
فهم إعطاؤه له
وإن عين غير وارث ولم يسم زيد إن لم يرض بأجرة
مثله ثلثها.
ـــــــ
من يحج عنه والله أعلم. ص: "وهل إلا أن يقول
يحج عني بكذا فحجج تأويلان" ش: هذا راجع إلى
قوله كوجوده بأقل وتطوع غير. والمعنى أن من
سمى قدرا من المال يحج به عنه ولم يعين من يحج
عنه ولا فهم منه إعطاء الجميع فوجد من يحج
بدون القدر المسمى أو من يتطوع عنه بالحج
وقلنا به يرجع الباقي في المسألة الأولى
ميراثا والمال كله في الثانية كما تقدم فهل
ذلك مطلقا سواء قال الميت يحج عني بكذا حجة أو
قال يحج عني بكذا ولم يقل حجة أو يرجع ميراثا
في المسألتين إلا إذا قال الميت يحج عني بكذا
ولم يقل حجة فيصرف في حجج تأويلان. ويشير إلى
ما قاله في مناسكه ونصه وإن سمى قدرا حج عنه
به فإن وجدوا من يحج عنه بدونه كان الفاضل
ميراثا إلا أن يفهم إعطاء الجميع. هذا إن سمى
حجة وإن لم يسم فكذلك عند ابن القاسم. وقال
ابن المواز يحج به حجج. واختلف هل قوله تفسير
أو خلاف والأقرب أنه خلاف انتهى. فبان لك من
كلام المؤلف في مناسكه أن ما ذكرناه في حل
كلامه هو المتعين دون ما سواه فإنه هو الذي
تساعده النقول وما عداه إنما هو احتمالات
يدفعها ظاهر كلام المؤلف وتردها النقول إما
لكونها مخالفة لها أو لعدم وجودها والله أعلم.
(4/6)
ثم تربص ثم
أوجر للصرورة فقط غير عبد وصبي وإن امرأة ولم
يضمن وصي
ـــــــ
ص: "وإن عين غير وارث ولم يسم زيد إن لم يرض
بأجرة مثله ثلثها" ش: تصوره ظاهر.
فرع: قال في كتاب الوصايا من المدونة ومن قال
في وصيته أحجوا فلانا ولم يقل عني أعطي من
الثلث قدر ما يحج به فإن أبى الحج فلا شيء له
وإن أخذ شيئا رده إلا أن يحج به. قال أبو
الحسن عن اللخمي يعطي ما يقوم به لحجة لكراء
ركوبه وزاده وثياب سفره وغير ذلك من آلات
السفر وكراء سكناه بمكة أيام مقامه حتى يحج.
والنفقة في ذلك على ما يعتاد مثله فإن انقضت
أيام الرمي سقطت النفقة عن الموصي إلا أن تكون
العادة في مثل هذا أن ينفق عليه حتى يعود إلى
أهله الشيخ ولو قال أحجوا فلانا الوارث لم
يدفع إليه شيء لأنها وصية لوارث انتهى. ص: "ثم
أوجر للصرورة فقط غير عبد وصبي وإن امرأة" ش:
لا شك أن قوله ثم أوجر للصرورة فقط من تمام ما
قبله وأن المعنى أنه إذا عين الميت شخصا يحج
عنه ولم يسم ما يعطى فإنه إن لم يرض بأجرة
مثله زيد عليها قدر ثلثها فإن لم يرض بذلك
تربص به قليلا لعله يرضى فإن لم يرض فإنه
يستأجر للميت من يحج عنه إن كان صرورة وأما إن
كان غير صرورة فإنه لا يحج عنه ويرجع المال
ميراثا وقاله في المدونة ونقله في التوضيح.
ونص المدونة ولو كان صرورة فسمى رجلا بعينه
يحج فأبى ذلك الرجل فليحج عنه غيره بخلاف
المتطوع الذي قد حج إذا أوصى أن يحج عنه رجل
بعينه تطوعا هذا إن أبى الرجل أن يحج عنه رجعت
ميراثا انتهى. قال أبو الحسن قال ابن رشد بعد
أن يزاد مثل ثلث أجرة المثل انتهى. ونص كلام
التوضيح ولو قال أحجوا فلانا عني فأبى فلان
إلا بأكثر من أجرة المثل زيد مثل ثلثها فإن
أبى أن يحج عنه إلا بأكثر من ثلثها لم يزد على
ذلك واستؤجر من يحج عنه غيره بعد الاستيناء
ولم يرجع ذلك إلى الورثة إن كانت الحجة فريضة
باتفاق أو نافلة على قول غير ابن القاسم في
المدونة خلاف قول ابن القاسم فيها. قاله في
البيان انتهى كلام التوضيح. وأما قوله "غير
عبد وصبي" فليس خاصا بهذه المسألة أعني مسألة
من عين غير وارث وإنما يعني أن المستأجر عن
الميت يكون غير عبد وصبي إن كان الميت صرورة
ولا يحج عنه عبد أو صبي إلا أن يأذن في ذلك
وأما غير الصرورة فيحج عنه العبد والصبي إلا
أن يمنع من ذلك نقله في التوضيح ونحوه في أبي
الحسن الصغير. قال في التوضيح من أوصى أن يحج
عنه وكان صرورة فلا يحج عنه عبد ولا صبي إلا
أن يأذن في ذلك الموصي. قاله في المدونة. وقال
ابن القاسم في الموازية يدفع ذلك لغيرهما وإن
أوصى.
(4/7)
.................................
ـــــــ
لهما أما إن ظن الوصي أن العبد حر وقد اجتهد
فلا يضمن على ظاهر المذهب ومن حج ثم أوصى أن
يحج عنه فلا بأس أن يحج عنه عبد أو صبي إلا أن
يمنع من ذلك انتهى. زاد الشيخ زروق في شرح
الإرشاد لأنه مشتغل فغاية شرطه التمييز
والإسلام انتهى. فانظر ما ذكره من التمييز
وكأنه للخلاف الذي في صحة حج غير المميز والله
أعلم. وقال في المدونة ومن أوصى عند موته أن
يحج عنه أنفذ ذلك ويحج عنه من قد حج أحب إلي
وإن استؤجر من لم يحج أجزأ و تحج المرأة عن
الرجل والرجل عن المرأة ولا يجزئ أن يحج عنه
عبد أو صبي أو من فيه بقية رق إذ لا حج عليهم
ويضمن الدافع إليهم إلا أن يظن أن العبد حر
وقد اجتهد ولم يعلم فإنه لا يضمن. وقال غيره
لا يزول عنه الضمان بجهله انتهى. قال أبو
الحسن قوله ومن أوصى عند موته أن يحج عنه يعني
حجة الفريضة يدل عليه قوله ويحج عنه من قد حج
أحب إلي وقوله ولا يجزئ أن يحج عنه يعني حجة
الفريضة يدل عليه قوله يحج عنه من قد حج أحب
إلي قوله "ولا يجزئ أن يحج عند عبد أو صبي".
انتهى.
فرع: قال في المتيطية وإذا عين الميت للحج
عبدا أو صبيا أنفذ ذلك عنه حسبما أوصى به إن
أذن للعبد سيده وللصبي أبوه أو وليه فإن لم
يأذن لهما رجعت وصية العبد ميراثا واستؤني
بالصبي ملك نفسه فإن حج وإلا رجعت ميراثا هذا
قول ابن القاسم لأنه لما عين من لا حج له
فكأنه قصد التطوع قال ابن القاسم وكذلك لو كان
المتوفى قد حج حجة الإسلام ثم أوصى أن يحج عنه
لفلان حر بالغ فإنه إن أبى يرجع ميراثا انتهى
وفي النوادر خلاف هذا ونصه ابن القاسم وإن
أوصى وهو صرورة أن يحج عنه عبد أو صبي دفع ذلك
لغيرهما مكانهما ولا ينتظر عتق العبد وكبر
الصبي قال أشهب وأما في التطوع يوصي أن يحج
عنه عبد أو مكاتب أو صبي فلينفذ ذلك له إن لم
يكن على الصبي مضرة فإن لم يأذن وصية أو سيد
العبد تربص ذلك حتى يؤيس من عتق العبد وبلوغ
الصبي فإن عتق العبد وبلغ الصبي فأبيا رجع
ميراثا انتهى وما ذكره المتيطي هو في المدونة
في الوصايا إلا ما ذكره من أن العبد لا يستأني
عتقه فإنه لم يذكره في المدونة ولم يذكر حكم
ما إذا لم يأذن له سيده لكن نقل أبو الحسن
الصغير عن ابن يونس عن غير واحد من فقهائه
المتأخرين أنه إذا لم يأذن السيد لا يستأني
عتق العبد كما يستأني بلوغ الصبي بخلاف العبد
يوصي أن يشتري فيعتق هنا ينتظر لحرمة العتق ثم
قال ابن يونس وقال أشهب وذكر عنه ما تقدم من
استيناء العبد حتى يؤيس من عتقه ابن يونس وهذا
صواب لأنه كما ينتظر لحرمة العتق كذلك حرمة
الحج انتهى والظاهر ما قاله غير واحد من
الفقهاء لأن لبلوغ الصبي حدا ولا حد لعتق
العبد إلا أن يقال ربما بلغ الصبي أيضا سفيها
وقول أشهب "حتى يؤيس من عتق العبد وبلوغ
الصبي" أما عتق العبد فواضح وأما بلوغ الصبي
فكيف يؤيس منه والله أعلم.
فرع: قال في النوادر ومن أوصى أن يحج عنه
فأنفذ ذلك ثم استحقت رقبته فإن كان معروفا
بالحرية فلا ضمان على الوصي ولا على الأجير
وما لم يفت من ذلك رد انتهى. ص:
(4/8)
دفع لهما
مجتهدا وإن لم يوجد بما سمى من مكانه حج من
الممكن ولو سمى إلا أن يمنع فميراث ولزمه الحج
بنفسه لا الإشهاد إلا أن يعرف .
ـــــــ
"ولم يضمن وصي دفع لهما مجتهدا" ش: مفهومه أنه
لو دفع إليهما غير مجتهد ضمن وهو كذلك كما
تقدم عن المدونة والله أعلم. ص: "ولزمه الحج
بنفسه" ش: هذا هو المشهور وقيل لا يلزم. قال
ابن عبد السلام أما إن ظهرت قرينة في التعيين
أو عدمه فالظاهر أنه يصار إليها وإن لم يكن
فهذا محل الخلاف وقياس الإجارة في غير هذا
الباب يقتضي عدم التعيين انتهى. وفي الجلاب
ومن استؤجر على أن يحج من غيره فلا يجوز له أن
يستأجر غيره إلا أن يأذن من يستأجر انتهى.
وقال ابن عسكر في شرح العمدة إن شرط عليه
الفعل بنفسه في العقد فإنه يلزمه. وإن لم
يشترط وكان مرغوبا فيه لعلمه وصلاحه تعين وإلا
لم يتعين. انتهى. وقال ابن الحاجب وفي تعليق
الفعل بذمة الأجير قولان انتهى والله أعلم. ص:
"لا الإشهاد إلا أن يعرف" ش: قال سند إن كان
بينهم شرط أو عرف عمل به وإن انتفيا فإن قبض
الأجرة فهو
(4/9)
وقام وارثه
مقامه فيمن يأخذه في حجة ولا يسقط فرض من حج
عنه وله أجر النفقة والدعاء
ـــــــ
أمين على ما يفعل ولا تسترد منه الإجارة حتى
يثبت خيانته وإن لم يقبض الأجرة فلا شيء له
يثبت أنه وفي ولا يصدق إن اتهم إلا ببينة
والله أعلم. ص: "وقام وارثه مقامه فيمن يأخذه
في حجة" ش: يعني أن وارث الأجير يقوم مقامه
إذا مات أو كانت الإجارة مضمونة في ذمة الأجير
كما قال في قول المستأجر من يأخذ كذا في حجة.
قال في الطراز في أول باب النيابة لما تكلم
على موت الأجير فلو كان الحج مضمونا ولم يشترط
حجه بنفسه وإنما أخذ المال على حجة مضمونة
عليه مثل أن يقول من يأخذ كذا في حجة أو من
يضمن لي حجة بكذا ولم يعين لفعلها أحدا فهذا
إن مات ولم يحرم قام وارثه مقامه في استحقاقه
الأجرة وتوفية الضمان كما في الكراء المضمون .
قال ابن القاسم في الموازية ومن دفع إلى رجل
عينا أو عرضا أو جارية على أن يكون عليه حجة
عن فلان فمات الذي عليه الحج فذلك في ماله حجة
لازمة تبلغ ما بلغت لا يلزمه غير ذلك بمنزلة
سلعة من السلع. وقاله أصبغ إلا أن الوارث لا
يلزمه ذلك ويكون في ماله كما في الكراء. فإن
مات بعدما أحرم فللوارث أن يحرم بذلك إن لم
تفت السنة المعينة وإن فات في غير المعينة إلا
أنه يحرم من الموضع المشترط للإحرام منه أو من
الميقات المستأجر ولا يجتزئ بما فعل الميت ولا
يبني عليه. ثم قال فإن كانت من الإجارة
المضمونة المعينة الوقت والوقت باق فللوارث أن
يحج أو يستأجر من يحج ويستحق الأجرة وإن فات
وقت الوقوف فسخ العقد ورد باقي الأجرة وإن
كانت غير معينة فإذا أراد الوارث من قابل ورضي
المستأجر جاز. وإن أراد المستأجر الفسخ
فالقياس أن لا يفسخ لأنه إنما له حج ولم يستحق
سنة بعينها. وقال بعض الشافعية له أن يفسخ
لتأخير الحج عنه انتهى. فالذي قال إنه القياس
هو الذي جزم به أولا أعني قوله إن لم تفت
السنة في السنة المعينة وإن فاتت في غير
المعينة. وإنما كرره لينبه على أن الخلاف الذي
لبعض الشافعية. ونقل القرافي كلام صاحب الطراز
مختصرا ونقله ابن غازي عنه فلذا ذكرت كلام
الطراز من أصله والله أعلم. ص: "ولا يسقط فرض
من حج عنه وله أجر النفقة والدعاء" ش: قال ابن
فرحون في شرح قول ابن الحاجب وقال يتطوع عنه
بغير هذا يهدي عنه أو يتصدق أو يعتق. قال لأن
ثواب هذه الأشياء يصل إلى الميت وثواب الحج هو
للحاج وإنما للمحجوج عنه بركة الدعاء وثواب
المساعدة على المباشرة بما يصرف من مال
المحجوج عنه. انتهى وله نحو ذلك في.
(4/10)
وركنهما
الإحرام.
ـــــــ
مناسكه. وقال فيها أيضا بعده وتنفذ الوصية
بالحج على المشهور والشاذ لا تنفذ. وعلى
المشهور فهل يكون الحج على وجه النيابة عن
الميت وعليه نزلت رواية ابن القاسم في المدونة
لأنه قال لا يحج عنه صرورة ولا من فيه عقد
حرية فاعتبار المباشرة للحج يدل أنه على وجه
النيابة. وقيل لا تصح النيابة في ذلك وإنما
للمحجوج عنه أجر النفقة وإن تطوع عنه أحد فله
أجر الدعاء انتهى. ويشهد لما قاله من أن ثواب
الحج للحاج ما قاله سند في شرح أول مسألة من
باب النيابة قال أبو حنيفة يلزم المعضوب الغني
أن يستأجر من يحج عنه ويلزم الأجير أن ينوي
حجة الإسلام عن المعضوب ثم يقع الحج للأجير
تطوعا دون المعضوب وإنما له ثواب النفقة في
إنفاق الأجير وتسهيل الطريق وهذا قريب من قول
مالك انتهى. وإنما قال قريب لأن مالكا لا يقول
يجب عليه الاستئجار والله أعلم. ونقله عنه
التادلي في أول باب النيابة ونقله ابن فرحون
في مناسكه وقال سند بعد كلامه السابق بنحو
الورقة والحج في الحقيقة منفعة لفاعله لأنه
سعيه. وقال الله تعالى {وَأَنْ لَيْسَ
لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى وَأَنَّ
سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ثُمَّ يُجْزَاهُ
الْجَزَاءَ الْأَوْفَى} [النجم:, 41,40,39]
النجم فهو يرى سعيه ويجازيه أوفى جزاء وإنما
للمستنيب بقصد استنابته وإعانته وسعيه في ذلك
انتهى. والله أعلم. والمعضوب قال ابن جماعة في
مناسكه بعين مهملة وضاد معجمة من العضب وهو
القطع كأنه قطع عن كمال الحركة والتصرف. ويقال
بالصاد المهملة كأنه ضرب على عصبه فانقطعت
أعضاؤه انتهى.
فرع: قال في المدونة ومن حج عن ميت فالنية
تجزيه وإن لم يقل لبيك عن فلان انتهى. قال سند
مقصوده أن الحج ينعقد عن الغير بمجرد النية
كما ينعقد عن المحرم بمجرد النية والله أعلم.
ص: "وركنها الإحرام" ش: لما فرغ من الكلام على
حكم الحج والعمرة وشرط صحتهما وشروط وجوب الحج
وما انجر إليه الكلام في ذلك من بيان حكم
الإجارة عليه وكان ذلك كله كالمقدمات شرع
يتكلم على المقاصد وهي الأركان. ولما كانت
العمرة تشارك الحج في ثلاثة أركان أعاد الضمير
عليها مثنى للاختصار فقال وركنهما الإحرام. ثم
قال ثم الطواف لهما ثم قال ثم السعي ثم ذكر
الركن الرابع الذي يختص به الحج وهو الوقوف
فقال وللحج حضور جزء عرفة فعلم من ذلك أن
أركان الحج أربعة الإحرام وطواف الإفاضة
والسعي والوقوف بعرفة. وأركان العمرة ثلاثة
الإحرام والطواف والسعي فأما الإحرام فحكى
الإجماع على ركنيته غير واحد من العلماء إلا
أن بعض المتأخرين من الحنفية يقولون إنه
(4/11)
............................................
ـــــــ
شرط وليس بركن لأنه خارج عن الماهية والأمر في
ذلك قريب فإن المراد أنه لا بد من الإتيان به
ولا ينجبر تركه بشيء وأما الوقوف وطواف
الإفاضة فأجمع العلماء على ركنيتهما نص على
الإجماع على ركنية الوقوف أو عمر وغيره ونقله
القباب ونص على الإجماع على ركنية طواف
الإفاضة في الإكمال ونقله التادلي وإن كان
الطحاوي حكى عن محمد بن الحسن أنه إذا مات قبل
أن يطوف ناب الدم منابه حكاه في الطراز وقد
حكى الإجماع على ركنية هذه الثلاثة ابن الحاج
في مناسكه وأما السعي فالمشهور من المذهب أنه
ركن في الحج والعمرة وبه قال الشافعي وابن
حنبل في أحد قوليه وروى ابن القصار عن القاضي
إسماعيل عن مالك أنه واجب يجبر بدم وليس بركن
وبه قال أبو حنيفة. قال في الطراز والرواية
المذكورة عن مالك هي قوله إن من ترك السعي حتى
تباعد وتطاول الأمر فأصاب النساء أنه يهدي
ويجزيه ففهم صاحب الطراز عنه أنه يقول إنه ليس
بركن وفهمه اللخمي وغيره على أنه قاله مراعاة
للخلاف وعد ابن الماجشون من الأركان الوقوف
بالمشعر ذكره في المقدمات وفي رسم ليرفعن أمره
إلى السلطان ولفظه في الرسم المذكوروذهب ابن
الماجشون إلى أنه من فرائض الحج لا يجزي عنه
الدم لقوله عز وجل {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ
عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ
الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: من
الآية198] والدليل على أنه غير واجب تقديم
رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعفة أهله بليل
ولم يفعل ذلك بعرفة مع إن الحاجة إليه بعرفة
أمس انتهى وقال في التوضيح وحكى اللخمي عنه أي
عن ابن الماجشون أنه لو ترك الوقوف بالمشعر
الحرام لا شيء عليه ولعل له قولين انتهى ولفظ
اللخمي واختلف في ثلاثة مواضع الأول إذا دفع
من عرفة إلى منى ولم ينزل بالمزدلفة فقال مالك
عليه الدم وإن نزل بها ثم دفع أول الليل أو
وسطه فلا دم عليه وقال عبد الملك بن الماجشون
في المبسوط لا دم عليه وإن دفع من عرفة إلى
منى انتهى ثم قال والثالث إذا نزل بالمزدلفة
ولم يقف بالمشعر الحرام فقال مالك وابن القاسم
لا هدي عليه وإن وقف بالمشعر الحرام ولم ينزل
بمزدلفة عليه الدم وجعلوا النزول بها أوكد من
الوقوف بالمشعر الحرام وقال عطاء وابن شهاب
وغيرهما عليه الدم وقال علقمة والشعبي والنخعي
إذا لم يقف بالمشعر فقد فاته الحج انتهى. فأنت
تراه لم يصرح عن ابن الماجشون بأنه لو ترك
الوقوف بالمشعر لا شيء عليه وإنما فهمه المصنف
عنه مما تقدم عنه ويدل على ذلك أن المصنف لما
تكلم على ترك المبيت بمزدلفة وذكر الخلاف في
لزوم الدم قال والقول بالسقوط لابن الماجشون
وهو ما يبين لك أن قوله اختلف في الوقوف
بالمشعر الحرام هل هو ركن أم لا انتهى وكذلك
فهم القباب أن نقل اللخمي مخالف لنقل ابن رشد
وكذلك أبو إبراهيم الأعرج قال لعل له قولين
نقله عنه ابن فرحون في مناسكه وإذا علم ذلك
فليس ما فهموه بظاهر لأن النزول بمزدلفة غير
الوقوف بالمشعر وقد ذكر اللخمي كل واحد منهما
على حدته وكذلك غيره فيمكن أن يكون ابن
الماجشون يقول بركنية.
(4/12)
.............................................
ـــــــ
الوقوف بالمشعر وعدم لزوم الدم بترك النزول
وقد قال الحنفية بأن المبيت سنة لا يجب بتركها
دم والوقوف بالمشعر واجب يجب بتركه الدم هكذا
نقل عنهم ابن جماعة في منسكه الكبير فإنه ذكر
عنهم في الباب الحادي عشر أن المبيت بمزدلفة
سنة وحكى في آخر الباب الثاني عشر أن الوقوف
بمزدلفة عندهم واجب قال والواجب عندهم منجبر
بالدم إلا ركعتي الطواف والفرض لا ينجبر بالدم
وغيرهما لا يحتاج إلى جابر والله أعلم وقد
عدهما أيضا ابن الفرس في أحكام القرآن فرعين
وقال بعد ذكره عن علقمة والشعبي والنخعي إن من
لم يقف بجمع فاته الحج ويجعل إحرامه في عمرة
إلا أن الطحاوي رد عليهم بأن قوله تعالى
{فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ
الْحَرَامِ} [البقرة: من الآية198] ليس فيه
دليل على وجوب الوقوف لأنه إنما أمر تعالى
بالذكر وقد أجمع على عدم وجوبه فإذا لم يجب
الذكر المأمور به فأحرى أن لا يجب الوقوف وهذا
القول الذي رده الطحاوي هو قول ابن الماجشون
انتهى وذكر هذا القول عن الأوزاعي وذكر ابن
الحاج في مناسكه عن ابن عبيد أنه يقول به وهو
من أصحابنا قاله ابن فرحون في مناسكه وعد ابن
الماجشون أيضا من الأركان رمي جمرة العقبة
وحقيقة مذهبه أن رمي جمرة العقبة في أيام منى
ركن فإن رماها يوم النحر تحلل إن لم يرمها لم
يتحلل فإن رمى الجمار ثاني يوم تحلل برمي
العقبة ولا يشترط بها تعيين نية فإن لم يذكرها
حتى زالت أيام منى بطل حجه ووجب عليه القضاء
من قابل والهدي صرح به في الطراز في الكلام
على أفعال الحج في أول كتاب الحج قبل باب
تقليد الهدي ونية الإحرام وذكره في باب رمي
جمرة العقبة واحتج بحديث "إذا رمى أحدكم جمرة
العقبة فقد حل له كل شيء إلا النساء" فجعل
رميها شرطا في التحليل ولأنها عبادة تتكرر
سبعا فتكون ركنا كالطواف والسعي والمذهب عدم
ركنيتها وهو قول الجماعة لقوله عليه السلام
"من أدرك عرفة بليل فقد أدرك الحج" رواه الشيخ
أبو بكر الأبهري بإسناده ورواه أبو داود. انظر
المقاصد الحسنة للسخاوي وذكره الشيخ جلال
الدين الأسيوطي في قواعده بلفظ "من أدرك عرفة
قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج" وعزاه للطبراني
من طريق ابن عباس. وقوله عليه السلام من أدرك
معنا هذه الصلاة وأتى قبل ذلك عرفات ليلا أو
نهارا فقد تم حجه وقضى تفثته خرجه أبو داود
والترمذي ولأنها لو كانت ركنا لما فاتت بخروج
وقتها كالطواف بالسعي والحديث المذكور لا حجة
فيه لأن أبا داود حرفه وقال إنه ضعيف وتكراره
سبعا لا يوجب ركنيتها كغيرها من الجمار
وقياسها على بقية الجمار أولى من قياسها على
الطواف قال ابن الفرس وحكى الواقدي عن مالك
مثل قول عبد الملك بوجوب رمي جمرة العقبة
وحكاه ابن عرفة عن ابن رشد عن الواقدي والله
أعلم. وحكى ابن عبد البر قولا بركنية طواف
القدوم وليس بمعروف وليس النزول بمزدلفة ركنا
خلافا لبعض التابعين وهو وجه ضعيف لبعض
الشافعية وكذلك الحلق ليس بركن عندنا خلافا
للشافعية وقال الشافعية في الأصح عندهم إن
الحلاق
(4/13)
.................................
ـــــــ
ركن وعند المالكية والحنفية والحنابلة وأحد
الأقوال عند الشافعية أنه ليس بركن وعد القاضي
عياض في قواعده من الأركان النية. قال شارحه
جمع المؤلف بين عد النية في الحج فريضة وعد
الإحرام فريضة أخرى. وما رأيته لغيره فإن منهم
من يعد النية ومنهم من يعد الإحرام. والإحرام
يشتمل على التجرد والغسل والركوع والنية وليس
في الجميع ما هو فرض غير النية خاصة فلذلك
اكتفى غيره بعد أحدهما عن الآخر وهو البين
انتهى. وقد عد ابن الفرس في أحكام القرآن
الإحرام من الفروض المتفق عليها والنية من
الفروض المختلف فيها وإن مذهب الجمهور فرضيتها
وذهب بعض الناس إلى أنها ليست بفرض قال ذكره
ابن حزم وسيأتي تحقيق ذلك. ذهب ابن حبيب إلى
أن التلبية شرط في انعقاد الإحرام فتكون
كالنية قال الشيخ زروق في شرح قول الرسالة
وينوي ما أراد من حج أو عمرة يعني مع التلبية
لأنها عند ابن حبيب بمثابة تكبيرة الإحرام
والغسل بمنزلة الإقامة والركوع كرفع اليدين في
الصلاة. وعد القاضي عياض في الفروض دخول وقت
الحج وهذا يرجع إلى الوقوف فيشترط فيه أن يكون
ليلة العاشر من ذي الحجة. وزاد التادلي تقديم
الطواف على السعي ذكره في الباب الثامن وهذا
راجع إلى السعي فيشترط فيه تقدم طواف عليه كما
سيأتي والله أعلم. فتحصل من هذا أن الواجبات
المستقلة تسعة ثلاثة مجمع عليها وهي الإحرام
والوقوف والطواف وثلاثة مختلف فيها في المذهب
وخارجه وهي السعي والمشهور أنه ركن والوقوف
بالمشعر ورمي جمرة العقبة والمشهور أنهما ليسا
بركنين بل الأول مستحب والثاني سنة أو الأول
سنة والثاني واجب يجبر بالدم على الخلاف الآتي
وواحد مختلف فيه في المذهب فقط وهو طواف
القدوم والمعروف من المذهب أنه واجب يجبر بدم
والثاني مختلف فيهما خارج المذهب فقط وهما
النزول بمزدلفة والحلاق والمذهب أنهما ليسا
بركنين بل سنتان أو واجبتان يجبران بالدم على
الخلاف أيضا ولكن ينبغي للإنسان أيضا إذا أتى
بهذه الأشياء أن ينوي بها الركنية ليخرج من
الخلاف وليكثر الثواب إذ ثواب الواجب أكثر من
ثواب السنة أشار إلى ذلك الشبيبي في شرح
الرسالة فتأمله والله أعلم. واعلم أن أفعال
الحج على ثلاثة أقسام واختلف أهل المذهب في
التعبير عنها. فمنهم من يقسمها إلى أركان
وواجبات وسنن ومنهم من يقول واجبات أركان غير
منجبرة وواجبات غير أركان منجبرة وسنن ومنهم
من يقسمها إلى فروض وسنن وفضائل أو يقول
مستحبات ومنهم من يقسمها إلى فروض وواجبات
وسنن وبعض هؤلاء يسمى القسم الثاني سننا مؤكدة
أو سننا واجبة وهو راجع إلى اختلاف في العبارة
فما يسميه الأول أركانا يسميه الثاني واجبات
أركانا غير منجبرة ويسميه الآخران فروضا وما
يسميه الأول والرابع واجبات يسميه الثاني
واجبات غير أركان منجبرة ويسميه الآخر سننا أو
سننا مؤكدة أو سننا واجبة وما يسميه الأول
والثاني والرابع سننا يسميه الثالث فضائل أو
مستحبات.
(4/14)
........................................
ـــــــ
فالقسم الأول هو ما لا بد من فعله ولا يجزئ
عنه بدل لا دم ولا غيره وهو ما تقدم ذكره من
المجمع عليه والمختلف في عند من يقول به وهو
على ثلاثة أقسام قسم يفوت الحج بتركه ولا
يترتب حكم بسبب تركه وهو الإحرام إما بتركه
بالكلية أو بترك ما هو شرط فيه وهو النية وترك
التلبية على قول ابن حبيب كترك الإحرام. وقسم
يفوت الحج بفواته ويؤمر بالتحلل بأفعال عمرة
والقضاء في قابل وإن بقي على إحرامه إلى قابل
فأتمه أجزأه وهو الوقوف بعرفة باتفاق وعلى
القول الآخر يضاف إلى الوقوف بعرفة الوقوف
بالمشعر ورمي جمرة العقبة ويضاف إلى ذلك على
قول بعض الشافعية النزول بمزدلفة. وقسم لا
يفوت الإحرام بتركه ولكن لا يتحلل من الإحرام
إلا بفعله ولو صار إلى أقصى المشرق والمغرب
رجع وإلى مكة ليفعله وهو طواف الإفاضة باتفاق
والسعي على المشهور وطواف القدوم عند من قال
بركنيته. والقسم الثاني: ما يطلب بالإتيان به
فإن تركه لزمه دم. هل يأثم بتعمد الترك قال
ابن عبد السلام تظهر ثمرة الخلاف في التسمية
بالتأثيم وعدمه فمن يرى وجوبها يقول بالتأثيم
لتاركها ومن يقول إنها سنة لا يقول بذلك
انتهى. ونقله في التوضيح ثم قال وقال الأستاذ
أبو بكر الطرطوشي أصحابنا يعبرون عن هذه
الخصال بثلاث عبارات فمنهم من يقول واجبة
ومنهم من يقول وجوب السنن ومنهم من يقول سنة
مؤكدة قال ولم أر لأصحابنا هل يأثم بتركها أو
لا أو أرادوا بالوجوب وجوب الدم والأمر محتمل
انتهى. والظاهر أن الاختلاف إنما هو في محض
عبارة كما قال في الطراز والخلاف عندي آيل إلى
عبارة محضة لأن الجميع قالوا في تركه دم
انتهى. وأما التأثيم بتعمد الترك فقد صرح به
عصري الطرطوشي الإمام القاضي أبو عبد الله
محمد بن الحاج في منسكه قال فيه وأما سنن الحج
فمنها ما يؤمر بفعله ولا يلحق مؤثم بالقصد إلى
تركه كالغسل للإحرام. ثم قال ومنها سنن مؤكدة
يجب فعلها ويتعلق الإثم مع القصد إلى تركها
كالتلبية ثم ذكر منها ثمانية ثم قال وما أشبه
ذلك مما يجب الدم بتركه انتهى وصرح به ابن
فرحون في الباب الثامن إذا ثبت ذلك فاعلم أن
الظاهر في هذه الأفعال أنها واجبة لصدق حقيقة
الواجب عليها وهو ما يثاب على فعله ويعاقب على
تركه فيكون كالأربعة المتقدمة.غاية الأمر أن
الشارع خصص كلا منها بحكم يخصه فجعل الأربعة
المتقدمة لا بد من الإتيان بها وجعل هذه تجبر
بالدم كما أنه خصص بعض الأربعة بأنه يفوت الحج
به ولا يترتب على ذلك شيء وبعضها بأنه يتحلل
من الإحرام بسبب فوته ويلزم القضاء وبعضها
بأنه لا يتحلل إلا بالإتيان به وبإطلاق الوجوب
عليه صدر ابن الحاجب والمصنف في مناسكه
وغيرهما قال ابن الحاجب والواجبات المنجبرة
وقيل سنن وقال المصنف في مناسكه القسم الثاني
واجبات ليست بأركان ومن أصحابنا من يعبر عنها
بالسنن وبعضهم يقول سننا مؤكدة. ويلزم على
الأول التأثيم لكن قال الأستاذ أبو بكر لم أر
لأحد من علمائنا هل يأثم
(4/15)
...................................
ـــــــ
بتركها أم لا وإن أرادوا بالوجوب وجوب الدم
فالأمر محتمل انتهى. وقد تقدم النص بالتأثيم
فظهر إطلاق الوجوب عليها وهذا أيضا ظاهر كلام
صاحب الجواهر حيث قال في أوائل الباب الخامس
في المقاصد من كتاب الحج.
تنبيه: اصطلاح المذهب أن الفرض والواجب سواء
إلا في الحج فقد خصص ابن الجلاب وغيره اسم
الفرض بما لا يجبر بالدم فقال فروض الحج أربعة
وليس المراد الواجبات لأن كل ما يجبر بالدم
واجب كما خصص في كتاب الصلاة في السهو السنة
بما يجبر بالسجود فجعلها خمسة مع أن سنن
الصلاة قد عدها صاحب المقدمات ثمانية عشر وقال
يسجد منها الثمانية فليعلم ذلك انتهى. وكذلك
قال الشيخ حلولو في شرح جمع الجوامع الفرض
والواجب مترادفان. قال وفرق بينهما بعض
أصحابنا في كتاب الحج انتهى. لكن قد علم أن
تفريق أصحابنا بينهما ليس كتفريق أصحاب أبي
حنيفة أن الفرض ما ثبت بقطعي والواجب بظني بل
التفريق بينهما بزيادة التأكيد. قال ابن عبد
السلام وإيجاب أهل المذهب الدم في ترك هذه
الأفعال كما أوجبوا السجود في بعض سنن الصلاة
وذلك في الصلاة أظهر منها لكثرة الأحاديث
المتضمنة لسجود السهو والهدي إنما جاء في
التمتع خاصة فيما نعلمه وفي إلحاق هذه الصور
وفيه نظر انتهى. وليس الموجب للدم في هذه
الصور القياس فقط بل قوله عليه السلام "من ترك
نسكا فعليه دم" ذكره في الطراز والله أعلم.
وهذا القسم على ثلاثة أقسام قسم متفق على وجوب
الدم فيه وقسم مختلف فيه والمشهور الوجوب وقسم
مختلف فيه والمشهور عدم الوجوب. فالأول كترك
الإحرام من الميقات لمريد النسك وترك التلبية
بالكلية وترك ركعتي الطواف حتى يرجع إلى بلده
وترك الجمار كلها أو حصاة منها حتى مضت أيام
الرمي وترك المبيت بمنى ليلة كاملة من أيام
الرمي وترك الحلاق حتى يرجع إلى بلده أو يطول
لغير عذر أو لوجع برأسه لكن لا إثم مع العذر
وتأخير طواف الإفاضة أو السعي أو هما معا إلى
المحرم وترك البداءة بالحجر الأسود في الطواف
ثم لم يعده حتى رجع إلى بلده والرفع من عرفة
نهارا قبل الإمام ولم يخرج منها إلا بعد
الغروب والتفريق بين الطواف والسعي بالزمن
الطويل ثم لم يعاوده حتى رجع إلى بلده .
والقسم الثاني كترك التلبية في أول الإحرام
حتى يطول أو فعلها في أول الإحرام ثم تركها
على ما شهره ابن عرفة وظاهر كلام المؤلف عدم
وجوب الدم في هذا. وكترك طواف القدوم لغير
المراهق وترك السعي بعده وتركهما معها كترك
أحدهما من ذي الجمار إلى وقت القضاء ولو كان
لمرض به ولو رمى عنه غيره ولكن لا يأثم حينئذ
وكترك المشي في الطواف للقادر ثم لم يعده أيضا
وترك المشي في السعي لقادر ثم لم يعده أيضا
وكترك الوقوف بعرفة مع الإمام نهارا للمتمكن
وتأخير شيء من الجمار إلى وقت القضاء ولو كان
لمرض به ولو رمى عنه غيره ولكن لا يأثم حينئذ
وترك المبيت بمنى جل ليلة من ليالي الرمي وترك
النزول بمزدلفة ليلة النحر وترك السعي في حق
من
(4/16)
...................................
ـــــــ
أنشأ الإحرام من مكة وطاف وسعى قبل خروجه إلى
عرفة وتقديم الإفاضة على الرمي. والقسم
الثالث: كترك الإحرام من الميقات لمن يريد
دخول مكة ولا يريد النسك وترك طواف القدوم
والسعي بعده نسيانا حتى يخرج لعرفة وترك
المبيت بمنى ليلة يوم عرفة على ما نقله
التادلي عن ابن العربي قال وهو مما انفرد به
انتهى. وترك الحلق أو الإفاضة حتى خرجت أيام
منى كما نقله التادلي وغيره وتقديم النحر على
الرمي وتقديم الحلق على النحر وترك الرمل في
الطواف وترك الخبب في السعي وتفريق الظهر من
العصر بعرفة كما صرح به ابن فرحون في الباب
الخامس . وأما الدم اللازم لترك الإفراد فليس
لترك واجب إنما هو حكم اختصت به هذه الصفات
ألا ترى أن من يقول إن التمتع والقران مقدم
على الإفراد يقول بلزوم الدم فتأمله والله
أعلم والقسم الثالث من أفعال الحج وهو ما يطلب
بالإتيان به فإن تركه فلا دم ولا إثم وهو كثير
وأكثره مستحبات كالغسل للإحرام والركوع له
ومقارنة التلبية نية الإحرام وذلك عند توجهه
واستوائه على الراحلة إلا بالمسجد الحرام كما
سيأتي وتكرار التلبية عند كل شرف وصعود وهبوط
وأن يسمع بها نفسه ومن يليه وأن تسمع بها
المرأة نفسها والغسل لدخول مكة والدخول من
أعلاها وقطع التلبية إذا دخلها والمبادرة
للمسجد عند دخوله والدخول من باب بني شيبة
وتقبيل الحجر أول مرة ثم تقبيله في غير الأولى
واستلام الركن اليماني والإقبال على الذكر
والدعاء وتقبيل الحجر عند الخروج للسعي
والخروج للسعي عقب فراغه من الطواف من باب
الصفا أو غيره والصعود على الصفا والمروة إلى
أعلاهما إن أمكن والتوجه عليهما للقبلة والسعي
متطهرا والخروج إلى منى يوم التروية قدر ما
يصلي بها الظهر والغسل للوقوف والوقوف راكبا
وإن لم يجد ما يركب فعلى قدميه والابتهال
بالدعاء والذكر والدفع مع الإمام بعد الغروب
والإتيان إلى المزدلفة من طريق المازمين
والإسراع في بطن محسر والدفع من مزدلفة قبل
طلوع الشمس ورميه العقبة حين وصوله على هيئته
من ركوب أو مشي والوقوف عند الجمرتين للدعاء
والتكبير مع كل حصاة وتتابع الرمي ولقط الحصاة
لا كسرها وإيقاع الرمي قبل صلاة الظهر بعد
الزوال في أيام التشريق والمشي في رمي الجمار
في الأيام الثلاثة والجهر بالتكبير في أيام
التشريق وقتا بعد وقت والنزول بالأبطح وطواف
الوداع والإحرام بالحج في أشهره وفي ميقاته
المكاني وسوق الهدي فيه والإحرام في البياض
وإيقاع أعماله كلها بطهارة وإيقاع ركوع الطواف
خلف المقام وسيأتي الكلام عليها مفصلا إن شاء
الله تعالى وقد استوفينا الكلام على جميع ما
ذكرناه في كتابنا المسمى هداية السالك المحتاج
إلى بيان أفعال المعتمر والحاج فمن أراد
الشفاء في ذلك فعليه به والله أعلم وقسم ابن
الحاجب أفعال الحج إلى ما تقدم وإلى المحظور
المفسد والمحظور المنجبر فاعترض عليه ابن عبد
السلام وغيره بأن تقسيم أفعال الحج إلى
المحظور المفسد والمنجبر غير صحيح لأنه لا يصح
أن يضاف إليه إلا ما كان مشروعا فيه وما عداه
فيعد من الموانع كما يفعل في غيره من العبادات
ألا ترى أن الأفعال المفسدة للصلاة لا يصح أن
يقال فيها إنها من أفعالها انتهى. واعتذر.
(4/17)
..................................
ـــــــ
ابن راشد عنه بأنه قصد أن يبين ما يصدر من
الحاج وأضاف المحظورات إلى الحج لكونها واقعة
فيه والإضافة تكفي فيها أدنى ملابسة وحينئذ
يقال الفعل الصادر من الحاج إما مطلوب الفعل
والترك والأول قسمان واجب وغيره والواجب قسمان
ركن وغيره ومطلوب الترك مفسد ومنجبر انتهى من
التوضيح ولذلك لم يعد في أفعال الحج ترك
اللباس والحلاق والوطء وإزالة الوسخ وشبه ذلك
لأنها ممنوعات وتقسيمه ليس بشامل لما يصدر من
الحاج لأنه بقي عليه الأمور المكروهة ويأتي
ذكرها إن شاء الله تعالى وكذلك المحظورات أيضا
وعلم مما قدمناه من كلام المؤلف أن أركان
العمرة ثلاثة الإحرام والطواف والسعي أما
الإحرام فمتفق عليه عند المالكية والشافعية
والحنابلة وعند الحنفية فيه الخلاف المتقدم
وأما الطواف فاتفق على ركنيته الأئمة الأربعة
وأما السعي ففيه ما تقدم. قال في الطراز وجملة
ذلك أن السعي ركن من أركان الحج لا يتحلل من
إحرامه إلا به وكذلك في العمرة ولا يحزي عنه
دم وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة هو واجب
وليس بركن ويكون عنه الدم وهذه رواية ابن
القصار عن القاضي إسماعيل عن مالك وقاله
الثوري وإسحاق واختلف فيه قول ابن حنبل انتهى
ويأتي فيها الكلام المتقدم على النية وكذلك
التلبية وزاد الشافعي الحلاق والله أعلم
والإحرام مصدر أحرم إذا دخل الحرم أو إذا دخل
في حرمة الحج أو العمرة أو الصلاة كما يقال
أنجد وأتهم وأمسى وأصبح إذا دخل نجدا وتهامة
والمساء والصباح ولذلك يتناول قوله تعالى {لا
تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ}
[المائدة: من الآية95] الفريقين انتهى من أول
الباب الخامس من الذخيرة وقال في قتل الصيد
الأصل فيه قوله تعالى {لا تَقْتُلُوا
الصَّيْدَ} [المائدة: من الآية95] الآية
والحرم جمع محرم والمحرم من دخل الحرم أو في
الحرمات فتتناول الآية السببين ومنه قول
الشاعر:
قتلوا ابن عفان الخليفة محرما
فدعى فلم أر مثله مظلوما
أي في حرم المدينة والشهر الحرام وهو ذو الحجة
انتهى قال التادلي وفيه درك من وجهين الأول أن
محرما ليس بمفرد حرم إنما مفرده حرام الثاني
أن حرما مطلق لا يتناول إلا أحد المعنيين على
البدل لا على الجمع ثم ذكر عن الباجي أنه قال
الحرم جمع حرام. يقال أحرم فهو محرم وحرام إذا
أتى الحرم أو أحرم بحج أو عمرة وذكر البيت ثم
قال يريد في حرم المدينة ولا خلاف أنه لم يكن
محرما بنسك فتحمل الآية من كان في الحرم أو
أحرم بحج أو عمرة انتهى والوجه الأول ظاهر
وأما الثاني فما ذكره القرافي مبني على جواز
استعمال المشترك في معنييه ومذهب المالكية
جوازه إذا كانت قرينة دالة على ذلك وإن لم تكن
قرينة تحمله فيكون مجملا لا دلالة فيه والدليل
هنا سياق الآية. ويقال أيضا في اللغة أحرم إذا
دخل في ذمة وحرمة لا تنتهك ويقال أيضا إذا دخل
في الشهر الحرام ذكره في الصحاح وأنشد عليه
البيت المتقدم والحرم بضم الحاء وسكون الراء
والتحريم أيضا الإحرام وفي الحديث كنت أطيبه
لحله وحرمه والحرمة ما لا يحل انتهاكه وكذا
الحرمة بضم الراء وفتحها والأشهر الحرم أربعة
معروفة كانت العرب لا تستحل.
(4/18)
...................................
ـــــــ
فيها القتال إلا حيان خثعم و طيء وكان الذين
ينسؤن الشهور أيام الموسم يقولون حرمنا عليكم
القتال في هذه الشهور إلا دماء المحلين وهي
رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم. واختلف في
كيفية عدها. قيل كما تقدم وقيل من المحرم
لتكون في سنة واحدة. والحكمة والله أعلم في
تفرقتها كذلك لتصير وترا فإنه تعالى وتر يحب
الوتر والله أعلم. والحرم بكسر الحاء وسكون
الراء كالحرام وقرئ {وَحِرْمٌ عَلَى قَرْيَةٍ
أَهْلَكْنَاهَا} [الانبياء: من الآية95]
أهلكناها قال الكسائي أي واجب. والحرمة بالكسر
والسكون أيضا الغلمة بالضم وهي شهوة الجماع
وفي الحديث "الذين تدركهم الساعة يبعث عليهم
الحرمة ويسلبون الحياء" والحرمة أيضا الحرمان
والمحرم من لا يحل نكاحها والمحروم قال ابن
عباس هو المحارب انتهى من الصحاح بالمعنى هذا
ما يتعلق به من اللغة وأما في الشرع فقال ابن
عرفة استشكل عز الدين معرفته وأبطل كونه
التلبية بعدم ركنيتها وكونه النية بأنها شرط
الحج وعرفه تقي الدين بأنه الدخول في أحد
النسكين والتشاغل بأفعالها ورده ابن عبد
السلام بأن ما يدخل به النية والتلبية والتوجه
لغير المكي والأولان له والواجب منها النية
فقط وغير الواجب لا يكون ركن الواجب ويرد
بوجوب التوجه مطلقا لتوقف سائر الأركان عليه
انتهى وقوله مطلقا أي للمكي وغيره ثم قال
الصقلي والقاضي هو اعتقاد الدخول في حج أو
عمرة.
قلت: إن أراد تقي الدين حقيقة الدخول لزم كونه
بعده غير محرم وإن أراد مطلق فعلهما لزم نفيه
في الإحصار والنوم والإغماء ويبطل الثاني
بنفيه في الآخرين والغافل عن اعتقاده وهم
محرمون اتفاقا أو إجماعا ولا يرد بأنه الدخول
في حج مضاف إليه فتتوقف معرفته على الحج
والإحرام جزئه فتتوقف معرفته عليه فيدور لمنع
الثانية لجواز معرفته بغير الحد التام انتهى
وقوله "إن أراد حقيقة الدخول" لم يذكر قسميه
وتقديره والله أعلم وإن لم يرد حقيقة الدخول
بل تجوز وأطلق الدخول على حقيقته وهو أول ما
يدخل فيه وعلى ما بعد ذلك فليس من شأن الحدود
المجاز والله أعلم وقوله "وإن أراد مطلق
فعلهما" هو إيراد ثان على قوله والتشاغل
بأفعالهما ولم يذكر قسيمه أيضا وتقديره والله
أعلم وإن أراد فعلا من أفعال الحج بخصوصه فلم
يبينه والله أعلم وقوله "ويبطل الثاني" أي
التعريف الثاني الذي عزاه للصقلي والقاضي ثم
قال وكلامهم غلط وسببه عدم الشعور بميز
الإحرام عما به يقع الإحرام فالإحرام صفة
حكمية توجب لموصوفها حرمة مقدمات الوطء وإلقاء
الشعث والطيب ولبس الذكور المخيط والصيد لغير
ضرورة ولا تبطل بما يمنعه قال وعدم نقضه
بإحرام الصلاة وحرمة الاعتكاف واضح انتهى
قلت: الظاهر أنه غير جامع لخروج من حصل منه
التحلل الأول فقط مع أنه محرم كما صرح به صاحب
الطراز في آخر باب رمي جمرة العقبة وصاحب
المعلم وغيرهما. ونص كلام صاحب المعلم لما ذكر
من حصل منه التحلل الأول وأن الصيد حرام عليه
عندنا قال ودليلنا.
(4/19)
....................................
ـــــــ
قوله تعالى {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ
الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً} [المائدة: من
الآية96] وهذا يسمى محرما حتى يفيض لأن طواف
الإفاضة أحد أركان الحج وفرائضه فلا يذهب عنه
تسمية المحرم حتى يفعله انتهى وبدليل أنه
ممنوع من الوطء ومقدماته والصيد ولو اقتصر على
قوله يوجب حرمة مقدمات الوطء والصيد لدخل ذلك
ولا يرد إحرام الصلاة لأنه لا يمنع الصيد ولا
يرد منع من كان في المسجد الحرام من مقدمات
الوطء والصيد لأن كونه فيه ليس صفة حكمية فليس
داخلا في المحدود ولا يقال حده غير مانع لدخول
من حلف يمينا بترك مقدمات الوطء وما ذكره معها
فيه لأنا نقول ليست اليمين تمنع من فعل
المحلوف عليه وتقضي تحريم الحلال إنما توجب
الكفارة بالفعل فقط والله أعلم وما ذكره ابن
عرفة عن الشيخ تقي الدين وشيخه ذكره ابن عبد
السلام وذكر عن الشيخ تقي الدين أن الشيخ عز
الدين كان يحرم على تعيين فعل تتعلق به النية
في الابتداء ولفظ ابن عبد السلام في الإيراد
الذي ذكره ابن عرفة لو قال المؤلف هو الدخول
لقيل له الدخول حقيقة مركبة فيلزم أن تكون
أجزاؤها واجبة لأن جزء الواجب واجب وليس من
هذه الأجزاء بواجب إلا النية فيلزم أن تكون هي
الإحرام لأن ما قارنها من تلبية وسير ليسا
بركنين وهو الوجه الأول من اعتراض الشيخ عز
الدين لكن فيه نظر لأنا نمنع أن النية شرط فإن
قال حقيقة الشرط منطبقة عليها لأنه يلزم من
عدمه العدم ولا يلزم من وجوده الوجود وكذلك
النية قلنا لا نسلم أن ما ذكره حقيقة الشرط بل
لا بد من زيادة وليس بداخل في الماهية أو ما
يقوم مقام هذا اللفظ وإلا فركن الماهية وجزء
علتها يشاركان الشرط فيما ذكرت فلا يكون حد
الشرط مانعا انتهى وعرفه المصنف في مناسكه
بأنه الدخول بالنية في أحد النسكين مع قول
متعلق به كالتلبية أو فعل كالتوجه على الطريق
انتهى ويرد عليه ما تقدم وأنه غير شامل لمن
أحرم بالنسكين أو مطلقا أو كإحرام زيد والله
أعلم وقال ابن الحاج الإحرام هو الدخول في
التحريم وهو أن يعتقد الإنسان الحج أو العمرة
بنية ويلتزم بخالص معتقده تحريم الأشياء التي
ينافيها الإحرام عن نفسه ما دام محرما انتهى
ويرد عليه أيضا ما تقدم وعرفه ابن العربي بأنه
النية وعرفه ابن طلحة بأنه إخلاص النية وبحث
ابن عرفة في تعريف من عرفه بأنه الدخول وأطال
واعتراضه على ابن عرفة بذلك غير ظاهر لأن
الإحرام في لسان الفقهاء يطلق على معنيين
أحدهما الصفة المقتضية لحرمة الأمور المذكورة
أعني الصفة التي ذكرها وهو بذلك غير النية
والتوجه والدخول وجميع ما تقدم وهو المراد
بقولهم ينعقد الإحرام بكذا ويمنع الإحرام من
كذا والمعنى الثاني الدخول بالنية في حرمة أحد
النسكين أو كلاهما مع القول أو الفعل
المتعلقين به وبهذا المعنى يصح أن يقال هو
النية أو الدخول بالنية وهو المراد بقولهم
الإحرام كرن يجب الإتيان به لان ما ذكر هو
الذي يصح التكليف به وأما الصفة المذكورة
فالتكليف بها إنما هو تكليف بما يصلح به وهو
ما تقدم فكان تعريف الجماعة للإحرام الذي هو
ركن أولى من تعريق ابن عرفة للصفة الناشئة عنه
لأنهم.
(4/20)
ووقته للج شوال
لآخر الحجة.
ـــــــ
بصدد بيان الأركان التي يطلب المكلف بالإتيان
بها فتأمله والله أعلم. فإن قيل الركن ما كان
داخل الماهية والإحرام ليس كذلك لأنه إنما
ينعقد بالنية فالنية هي المميزة للحج من غيره
والمميز خارج عن حقيقة المميز فيكون شرطا. قيل
الجواب عنه من وجهين الأول أن المراد كونه
ركنا أنه لا ينجبر بالدم لأنه جزء. هكذا ذكره
القرافي في الكلام على الميقات الزماني
والثاني أنه وإن كان كذلك لكن لما أن كان تنشأ
عنه صفة تلازم تلك الماهية وتقارن جميع
الأركان كلها صار كأنه جزء منها وداخل فيها
والله أعلم. والأصل في وجوبه فعله صلى الله
عليه وسلم وأمره قاله ابن الحاج وغيره ثم
الإجماع المنعقد عليه والله أعلم ص: "ووقته
للحج شوال لآخر ذي الحجة" ش: الضمير عائد إلى
الإحرام ولما كان الإحرام ركنا للحج والعمرة
بدأ بالكلام على وقت الإحرام بالحج لأنه هو
المقصود ثم بعد ذلك ذكر وقت الإحرام بالعمرة.
واعلم أن للإحرام ميقاتين أحدهما زماني والآخر
مكاني ومراد المؤلف بيان الأول. فمعنى كلامه
أن الميقات الزماني للإحرام بالحج من أول شوال
إلى آخر الحجة. والميقات إن كان مأخوذا من
الوقت الذي هو الزمان فإطلاقه على المكاني
إنما هو بالحقيقة الشرعية لأنه قال في الحديث
وقت لأهل المدينة ذا الحليفة الحديث. وإن كانا
مأخوذين من التوقيت والتأقيت اللذين هما بمعنى
التحديد فكل منهما حقيقة لغوية باقية على
أصلها. وفي كلام المصنف رحمه الله مسامحة لأن
وقت الشيء ما يفعل فيه وليس ذو الحجة بكماله
وقتا للإحرام بل بعضه والذي ذكره المصنف إنما
هي أشهر الحج وأما الميقات الزماني فهو كما
قال ابن عرفة وميقاته الزماني في الحج ما قبل
زمنه الوقوف من الشهر وهو شوال وتالياه وآخرها
روى ابن حبيب عشر ذي الحجة. ونقل اللخمي وأيام
الرمي وذكر ابن شاس رواية أشهب باقيه انتهى.
لكن في عبارة ابن عرفة رحمه الله تعالى حذف
وتقديره ما قبل آخر زمن الوقوف الخ. ولعله
يريد وقته المختص به دون الوقوف. ومثله قول
اللخمي للحج وقت يبتدأ فيه عقده ومنتهى محل
منه بينه. والأصل في ذلك قوله تعالى {الْحَجُّ
أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: من الآية197]
فأولها شوال واختلف عن مالك في آخرها فقال عشر
من ذي الحجة وقال ذو الحجة كله وقال شوال وذو
القعدة إلى الزوال من تسع ذي الحجة محل لعقد
الإحرام والطواف والسعي لمن أتى من الحل فإذا
زالت الشمس كانت وقتا للوقوف إلى طلوع الفجر
من العاشر فإذا طلع الفجر صار وقتا للوقوف
بالمشعر ما لم تطلع الشمس ويستحب أن لا يؤخر
لبعد الإسفار وكذلك أيضا صار وقتا للرمي
والنحر لمن تعجل من ضعفة النساء والصبيان. ثم
ذلك وقت للرمي والنحر والحلاق والطوال ما لم
تغرب الشمس وهذا هو المستحب فإن أخر
(4/21)
....................................
ـــــــ
ذلك إلى آخر أيام الرمي فعل وأجزأه ولا دم
عليه لما أخر من الحلاق والطواف لأنه وقت له
واختلف في الدم عن تأخير رمي جمرة العقبة إذا
أخرها رماها قبل أن تخرج أيام التشريق فإن
خرجت لم ترم وكان عليه الدم واختلف إذا أخر
الطواف والحلاق بعد أن خرجت أيام التشريق فقيل
عليه الدم وقيل لا دم عليه لأن الوقت باق حتى
يخرج الشهر فإن خرج الشهر كان عليه الدم قولا
واحدا وعليه أن يحلق ويطوف انتهى ومرادهم أن
بالزوال من التاسع انقطع وقت الإحرام فقد صرح
اللخمي وغيره بأن من أسلم أو احتلم أو أعتق
بعرفة عشية أو قبل أن يطلع الفجر أحرم حينئذ
ووقت بها وتم حجه ونقله في النوادر عن
الموازية في أول كتاب الحج من النوادر والله
أعلم. والمسامحة التي في كلام المصنف واقعة في
كلام ابن رشد وابن الحاجب والقرافي وابن الحاج
وصاحب الشامل وغيرهم ويمكن أن يكون مرادهم أن
هذه الأشهر وقت لعقد الإحرام والإحلال منه
وعلى كل حال ففيه مسامحة لأن المقصود بيان
الوقت الذي يبتدأ فيه الإحرام بالحج لا وقت
التحلل منه فتأمله والله أعلم ولا خلاف أن أول
أشهر الحج شوال واختلف في آخرها على ثلاث
روايات المتقدمة قال في التوضيح والمشهور أنها
شوال وذو القعدة وذو الحجة حملا للفظ على
حقيقته انتهى وكذلك قال ابن القصار وهو الذي
اختاره من قولي مالك وجهه قوله تعالى
{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: من
الآية197] فأتى بلفظ الجمع وأقله اثنان أو
ثلاثة ولا خلاف أنه لم يرد هنا شهرين فلم يبق
إلا أن يريد ثلاثة أشهر انتهى من منسك ابن
الحاج ولم يذكر ابن الحاج وعبد الحق وسند
وغيرهم إلا قولين إلى آخر ذي الحجة أو إلى
عاشره وذكر ابن شاس وتابعوه وغيرهم القول
الثالث إلى آخر أيام الرمي وعزا الشارح في
الوسط القول بأن آخرها عشر ذي الحجة لابن عبد
الحكم وعلى هذين القولين الأخيرين يكون إطلاق
الأشهر على ذلك مجازا قال ابن الحاجب وفائدة
الخلاف دم تأخير الإفاضة قال في التوضيح فعلى
المشهور لا يلزمه إلا بتأخيره إلى المحرم وعلى
العشر يلزمه إذا أخره إلى الحادي عشر وهكذا
قال الباجي وعبد الحق واللخمي وغيرهم وليس ما
زعمه ابن الحاج في مناسكه من أنه اختلاف عبارة
وأنه لا خلاف في أنه لا يجب الدم إلا بخروج
الشهر بجيد انتهى وما ذكره عن ابن الحاج هو في
أوائل مناسكه قال بعد أن ذكر عن الباجي إن
فائدة الخلاف ما تقدم والصحيح أنه اختلاف في
عبارة وليس بين القولين اختلاف في أن طواف
الإفاضة لا يجب بتأخيره دم حتى يتأخر عن ذي
الحجة كله انتهى. وما ذكره المؤلف عن عبد الحق
فظاهر كلامه في النكت خلاف ذلك ونصه قال عبد
الحق وأشهر الحج شوال وذو القعدة وذو الحجة
كله في بعض الروايات وفي بعضها وعشر ذي الحجة
ويحتمل أنه إنما قال ذو الحجة كله في إحدى
الروايات من أجل أن من أخر طواف الإفاضة لا
يتعلق عليه الدم حتى يخلو ذو الحجة ويدخل
المحرم فلذلك عبر عن جميعه بأنه من أشهر الحج
وأعرف أني رأيت نحو هذا لبعض من تقدم من
العلماء انتهى.
(4/22)
....................................
ـــــــ
فتأمله. وكذلك ليس في كلام اللخمي ما يدل على
أنه إذا أخره عن يوم النحر يلزمه دم بل صرح
بنفي الدم إذا أوقعه في أيام التشريق ولم يذكر
فيه خلافا كما تقدم لفظه. وقال في موضع آخر
وقال يعني مالكا فيمن أخر الإفاضة وطاف بعد أن
ذهبت أيام منى إن قرب فلا شيء عليه وإن تطاول
فعليه الدم. وقد اختلف قوله في معنى قول الله
{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: من
الآية197] فقال مرة شوال وذو القعدة وعشر ذي
الحجة وقال مرة ذو الحجة كله. فعلى هذا لا
يكون عليه هدي إلا أن يؤخر الحلاق والإفاضة
حتى يخرج ذو الحجة وعلى القول الآخر عليه الدم
إذا خرجت أيام منى. وقوله في المدونة لا دم
عليه في تأخير الطواف وإن خرجت أيام منى ما لم
يطل استحسان للاختلاف في الأصل انتهى. فأنت
تراه لم يحك وجوب الدم إلا بعد خروج أيام منى
لكن في بنائه ذلك على القول بأن آخرها عشر ذي
الحجة نظر بل الظاهر على هذا القول كما قال
المؤلف أنه يلزم الدم بتأخيره إلى الحادي عشر
لكن لم يصرح به بل صرح صاحب الطراز بنفي
الخلاف في ذلك ونصه وجملة ذلك أن طواف الإفاضة
يجوز تأخيره عن أيام منى حتى مع القول بأن
أشهر الحج إلى آخر يوم النحر ولا يختلف المذهب
أن من أخره عن يوم النحر لا شيء عليه بل لا
يعرف في الأمة خلاف ذلك انتهى. فعلى هذا في
إطلاق ابن الحاجب أن فائدة الخلاف تظهر في
الدم وقبول ابن عبد السلام والمصنف لذلك وما
ذكره عن الباجي نظر أو يكون من اختلاف الطرق
ويبقى النظر في نقل المصنف ذلك عبد الحق
واللخمي وأشار ابن عرفة إلى أن ظاهر توجيه
اللخمي لقول مالك في المدونة المتقدم بأنه
استحسان لرعي الخلاف أن الاختلاف في لزوم الدم
ليس مبنيا على الخلاف في أشهر الحج قال إثر
نقله الخلاف في كلامه المتقدم الباجي فائدة دم
تأخير الإفاضة فتوجيه اللخمي قوله فيها إن
أفاض قرب أيام منى فلا دم وإن طال فالدم لرعي
الخلاف خلافه انتهى ولا يظهر ما أشار إليه ابن
عرفة بل صريح كلام اللخمي أن لزوم الدم ترتب
على الخلاف إلا أنه لما كان قوله في المدونة
"وإن أطال فعليه الدم" غير محدود بوقت ولا
يتفرع على قول من أقواله كما قال ابن عبد
السلام فإنه لما ذكر التفريع المذكور ذكر بعده
لفظ المدونة ثم قال وذلك خارج عما قالوه انتهى
وكذلك أشار صاحب الطراز إلى أن قول ابن القاسم
بعدم التحديد مخالف للتحديد بآخر ذي الحجة
فلما رأى اللخمي ذلك قال إنه استحسان فتأمله
والله أعلم. ولم يفرع في التوضيح على القول
بأن آخرها أيام الرمي وفرع عليه ابن عبد
السلام فقال ومن أوقعه في اليوم الرابع عشر
لزمه الدم على مذهب من يرى أن الغاية آخر أيام
الرمي وعلى القول الذي قبله انتهى. فتحصل من
هذا أن في آخر أشهر الحج ثلاثة روايات
والمشهور منها أن آخرها آخر ذي الحجة. وهل
الخلاف في ذلك خلاف عبارة وهو قول ابن الحاج
أو لا وعليه فهل لا خلاف في عدم لزوم الدم
بتأخيره عن يوم النحر وهو قول سند وظاهر كلام
اللخمي وعبد الحق أو يدخله الخلاف أيضا وهو
ظاهر ما نقل عن الباجي.
(4/23)
وكره قبله
كمكانه وفي رابع تردد وصح
ـــــــ
وظاهر كلام ابن الحاجب وابن شاس وصريح كلام
ابن عبد السلام والمصنف فتأمله والله أعلم.
وأما التوفيق بين كلام المدونة والمشهور
فسيأتي إن شاء الله عند ذكر المؤلف للزوم الدم
والله أعلم. وسمى أولها شوال لأنه يخرج فيه
الحجاج فتشول الإبل بأذنابها أي ترفعها مأخوذ
من قولهم شال الشيء يشول شولا ارتفع وشلت به
لازم يتعدى بحرف الجر وهو بالضم من باب فعل.
قال في الصحاح ولا تقل شلت يعني بكسر الشين
والجمع شوالات وشوائل وشواويل. وذو القعدة
بفتح القاف وكسرها كذا ذو الحجة بفتح الحاء
وكسرها والفتح فيها أشهر. سمي الأول بذلك
لأنهم كانوا يقعدون فيه عن القتال وسمي الآخر
بذلك لوقوع الحج فيه والجمع ذوات القعدة وذوات
الحجة ولم يقولوا ذوو على واحدة. ومن يسمي
شوالا عادلا لأنه كان يعدلهم عن الإقامة في
أوطانهم وقد حلت ويسمي ذو القعدة هواعا لأنه
يهوع الناس أي يخرجهم إلى الحج. يقال هاع فلان
إذا قاء. ويسمى ذا الحجة بركا بضم الراء
وفتحها لأنه وقت الحج فتكثر فيه البركات. ولها
أسماء أخر بلغة العرب العارية فيسمون شوالا
جفيلا وذا القعدة مجلسا وذا الحجة مسبلا والله
أعلم. ص: "وكره قبله كمكانه وفي رابع تردد
وصح" ش: أي وكره الإحرام بالحج قبل ميقاته
الزماني كما يكره الإحرام سواء كان بحج أو
عمرة أو بهما قبل ميقاته المكاني وتردد
المتأخرون من الشيوخ في رابع هل هو متقدم على
الميقات فيكره الإحرام منه أو هو أول الميقات
فلا يكره بل يكون هو المطلوب ثم إن الإحرام
يصح وينعقد في الصورتين المذكورتين وإن كان
مكروها أعني فيما إذا أحرم بالحج قبل أشهره
وفيما إذا أحرم قبل الميقات المكاني. هذا معنى
كلامه وقول ابن الفرات أي وصح الإحرام من رابغ
غير ظاهر والصواب حمله على ما ذكرنا لأنه أعم
فائدة. فأما المسألة الأولى.
(4/24)
....................................
ـــــــ
وهي من أحرم بالحج قبل ميقاته الزماني فما
ذكره من أنه يكره ذلك ويصح إن وقع فهو المشهور
في المذهب ومذهب مالك في المدونة قال فيها
وكره مالك أن يحرم أحد قبل أن يأتي ميقاته أو
يحرم بالحج قبل أشهر الحج فإن فعل في الوجهين
جميعا لزمه ذلك انتهى. وصرح غيرواحد بأنه
المشهور ومقابله ذكره اللخمي ولم يعزه ونصه
واختلف إذا عقد الإحرام بالحج قبل حلول شوال
فقال مالك ينعقد إحرامه ويكون في حج بمنزلة من
عقد ذلك بعد حلوله. وقيل لا ينعقد لأنه بمنزلة
من قدم الظهر قبل الزوال ويتحلل بعمرة لأن
شوالا وما بعده إلى الزوال من يوم عرفة محلل
للإحرام والطواف والسعي وليس للوقوف بعرفة.
ولو أحرم قبل شوال ثم قدم مراهقا لم يعد
الإحرام خاصة ولو كان المحرم وما بعده من شهور
السنة إلى شوال محلا للإحرام والطواف والسعي
ولم يكن للآية فائدة ولا لاختصاص الذكر
بالأشهر للإحرام والسعي فائدة إذا كان غيرها
من الشهور بمنزلتها. وأما قوله يتحلل بعمرة
فاستحسان وهو بمنزلة من دخل في صلاة ثم ذكر
أنه صلاها فإنه يستحب له أن ينصرف على شفع.
قال ابن القاسم فإن قطع فلا شيء عليه انتهى.
يعني فإن قطع الصلاة فلا شي عليه وليس راجعا
للإحرام بالحج إذ لا نص لابن القاسم في ذلك.
وقوله إنه بمنزلة من دخل في صلاة ثم ذكر أنه
صلاها فيه نظر لأنه ليس مثله بل إنما يشبه من
أحرم بصلاة قبل دخول وقتها فتأمله والله أعلم.
وانظر قوله ولو أحرم قبل شوال إلى آخره فإنه
غير بين لم أفهمه والقول بعدم الانعقاد قبل
أشهر الحج قال ابن فرحون قاله مالك أيضا ولم
أر من عزاه لمالك غيره والأصل في ذلك قوله
تعالى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ}
[البقرة: من الآية197] وذلك لأنه مبتدأ وخبر
فيجب أن يرجعا لغير واحد والأشهر زمان والحج
ليس بزمان فيتعين حذف أحد المضافين تصحيحا
للكلام تقديره زمان الحج أو أشهر الحج أو وقت
الحج أشهر معلومات أو يقدر الحج ذو أشهر
معلومات فيحذف المبتدأ وخبره. ثم المبتدأ يجب
حصره في الخبر فيجب انحصار الحج في الأشهر
فيكون الإحرام به قبلها كالإحرام بالظهر قبل
الزوال فلا ينعقد ووجه المذهب قوله تعالى
{يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ
مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: من
الآية189] فإنه يقتضي أن سائر الأهلة ميقات
للحج. ونقول في الجواب عما استدلوا به الإحرام
شرط لأنه ينعقد بالنية والنية هي المميزة للحج
والمميز غير المميز فيكون شرطا فيجوز تقديمه
كسائر الشروط كالطهارة وستر العورة ولا منافاة
بين هذا وبين قول أهل المذهب أنه ركن لأنهم
يعنون بكونه ركنا أنه لا ينجبر بالدم وإذا علم
ذلك فيكون المحصور إنما هو المشروط أو نقول هو
ركن والمحصور في الأشهر الحج الكامل. ونحن
نقول الإحرام فيه أفضل ليحصل الجمع بين
الآيتين. قال ابن القصار ولا يمتنع أن يجعل
الله الشهور كلها وقتا للإحرام ويجعل شهور
الحج وقتا للاختيار ويؤيد ذلك أيضا أن التحديد
وقع في الميقات المكاني والإجماع على صحة
الإحرام المتقدم عليه. وهذا الجواب أنسب
للمذهب من جهة أنهم جوزوا للقران تقديم الطواف
والسعي قبل
(4/25)
..................................
ـــــــ
أشهر الحج ولمن فاته الحج وبقي على إحرامه إلى
قابل تقديم الطواف والسعي مع الكراهة والله
أعلم. وجعل ابن بشير وتابعوه سبب الخلاف هل
إيقاعه في أشهره أولى أو واجب قال في التوضيح
وفيه بحث ولم يبينه ولعله من حيث إنه لا يلزم
من كونه واجبا أنه لا ينعقد والله أعلم . وقال
ابن عبد السلام وربما جعل سبب الخلاف اختلافهم
في الإحرام هل هو ركن أو شرط وهذا البحث حسن
في إحرام الصلاة وأما هنا فعبارة الأئمة فيه
أنه ركن ولكن من جوز تقديمه تمسك بقوله تعالى
{يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ
مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: من
الآية189] الآية. ووجد الدليل أن الألف واللام
في الأهلة للعموم. فعلى هذا كل هلال يصح أن
يكون ميقاتا للناس في انتفاعاتهم الدنيوية وفي
الحج وذلك مستلزم لصحة انعقاد الحج في كل زمان
وكذلك ما روي عن غير واحد من الصحابة في فضل
الحج أنه يحرم به من دويرة أهله وكثير من
المنازل لا يمكن الوصول منها إلى مكة إلا إذا
خرج منها قبل شوال . ومن لم يصحح الإحرام تمسك
بقوله {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ}
[البقرة: من الآية197] وهذا خاص إذا نسب إلى
دليل الأولين والأثر المذكور ليس عن جميعهم
وإما هو رأي لبعضهم انتهى. وما ذكره في
الإحرام هل هو ركن أو شرط قد علمت ما فيه وأنه
لا منافاة بين ذلك وظاهر كلامه ترجيح دليل
القول الثاني وقد علمت جوابه ودليل الأول
والله أعلم . وقال في النكت اعترض علينا
مخالفنا في هذه المسألة بالإحرام في الصلاة
قبل وقتها وأصل الحج مباين للصلاة في أمور شتى
قال الأبهري وجدنا الحج لا بد له أن يوقع في
وقته وهو الوقوف بعرفة فلذلك جاز الإحرام قبل
أشهره لأنه لا يؤدي ذلك إلى الخروج منه قبل
أشهره بخلاف الصلاة لو جوزنا الدخول فيها قبل
وقتها لخرج منها قبل وقتها انتهى. فإن قيل ما
الفرق بين الميقات الزماني والمكاني على مقابل
المشهور مع أن مراعاة المكان أولى لشرفه لقرب
البيت فالجواب أنه عليه السلام قال في المكاني
هن لهن ولمن أتى عليهن فبين أن هذه الأماكن
محصورة في الناسكين ولم يحصر الناسكين فيها
فجاز التقديم. والميقات الزماني على العكس
لأنه حصر النسك قاله القرافي وغيره انتهى.
تنبيهات: الأول: قال في النوادر عن محمد ولا
أحب لأحد أن يحرم بالحج في غيرأشهر الحج فإن
فعل لزمه وإن أحرم في المحرم إلى ذي الحجة
لزمه ولا يزال ملبيا محرما حتى يرمي ويحلق
انتهى. ونقله في الطراز وحكم ما بعد طلوع فجر
يوم النحر إلى أول المحرم حكم ما بعده لأنه قد
صرح في الطراز بأن المغمى عليه إذا لم يفق حتى
فات الوقوف لم يطلب بالإحرام وكذلك النصراني
إذا أسلم ولأن كلام ابن عرفة شامل لذلك لأنه
لما ذكر أن ميقات إحرام الحج ما تقدم قال فلا
يحرم قبله فإن فعل انعقد. ونقل اللخمي لا
ينعقد ومال إليه انتهى. فقوله فلا يحرم قبله
شامل لذلك وقول القرافي في تعليل الكراهة بقاء
من فاته الحج على إحرامه إلى قابل بعد وصوله
إلى مكة لأنه أحرم قبل ميقاته الزماني ونصه
قال سند يكره له البقاء على الإحرام خشية
ارتكاب المحظورات ولأنه أحرم بالحج قبل ميقاته
الزماني بسنة وهو
(4/26)
...................................
ـــــــ
يكره في اليسير انتهى. بل ظاهر ما ذكره في
النوادر عن ابن القاسم ونقله عنه اللخمي
والتونسي وصاحب الطراز وغيرهم ونقله عنهم ابن
عرفة والتادلي أنه لا ينبغي أن يحرم بالحج إذا
علم أنه يفوته ولو كان الآن وقته باق وأنه إن
فعل وفاته لا يتحلل لأنه دخل على البقاء هذا
ظاهر كلامهم كما ستقف عليه انتهى. قال في
الطراز في أوائل باب المحصر قال ابن القاسم في
الموازية وإن أحرم من بلد بعيد ثم جاء عليه من
الوقت ما لا يدرك فليلبث هذا حراما حتى يحج من
قابل فإن حصره عدو لم ينفعه وبقي على إحرامه
إلى قابل لأن العدو ليس الذي منعه من الحج
انتهى. ولفظ اللخمي ومن أحرم بحج من موضع بعيد
لا يدرك فيه الحج من عامه ثم أحصر عن ذلك
العام لم يحل إلا أن يصير إلى وقت لم يدرك
الحج عاما قابلا انتهى.
الثاني: حكم الإحرام بالقران قبل أشهر الحج
حكم الإفراد في الوقت وفي كراهة تقديم الإحرام
قبل وقته نص عليه في العتبية ونقله صاحب
الطراز ونصه في الباب السادس. وجملة ذلك أن
القران قبل أشهر الحج يكره عند الكافة ونص
عليه في رواية ابن القاسم في العتبية وهو قول
الجميع وذلك لمكان إحرامه بالحج قبل أشهر
الحج. وروى ابن الزبير عن جابر أنه سئل أيهل
بالحج قبل أيام الحج فقال لا واختلف الناس إن
وقع فقال مالك وأبو حنيفة وابن حنبل والثوري
وجمهور أهل العلم إنه إذا وقع صح وانعقد
الإحرام به. وقال الشافعي ينعقد الإحرام به في
الحج بعمرة وفي القران لا ينعقد إحرامه بالحج
ويكون معتمرا فقط انتهى. ونقله في النوادر.
والظاهر أن إرداف الحج على العمرة قبل أشهر
الحج كذلك أي يكره له ذلك فإن فعل انعقد وكان
قارنا. فلو شك قبل أشهر الحج هل أحرم بحج أو
بعمرة فظاهر إطلاقهم الآتي أنه شامل لهذا وأن
الحكم واحد والظاهر أنه كذلك والله أعلم.
الثالث: لو أحرم مطلقا فعند الشافعية انعقد
إحرامه عمرة مجزئة عن عمرة الإسلام. قال ابن
جماعة في منسكه الكبير وإطلاق ابن الحاجب
المالكي يقتضي أنه يخير في التعيين انتهى.
يعني إطلاقه في قوله "وإذا أحرم مطلقا جاز
وخير في التعيين" انتهى. والظاهر أنه يكره له
صرفه إلى الحج والله أعلم.
الرابع: على القول الذي نقله اللخمي أنه لا
ينعقد قبل أشهره ينعقد القران عمرة فقط وكذا
الإحرام المطلق ولا يصح الإرداف وإن شك هل
أحرم بحج أو عمرة وإن تعين أنه يحج وشك بعد
دخول أشهر الحج هل وقع قبل أشهره أم لا كان
حجا لأنه شك في المانع. وهذا التفريع لم أره
منصوصا ولكن هو مقتضى عدم الانعقاد والله
أعلم.
الخامس: قال في المدونة مالك وأحب إلي أن يحرم
أهل مكة إذا أهل هلال ذي الحجة. قال سند هذا
يختلف فيه فعند مالك يحرم أهل مكة ومن كان بها
إذا أهل ذو الحجة. وقال الشافعي المستحب يوم
التروية لما روي عن جابر أنه عليه السلام قال
إذا توجهتم
(4/27)
..............................
ـــــــ
إلى منى فأهلوا بالحج وفي الموطأ عن ابن جريج
أنه سأل ابن عمر فقال رأيتك تصنع أربعا لم أر
أحدا من أصحابك يصنعها وساق الحديث إلى أن قال
ورأيتك إذا كنت بمكة أهل الناس إذا رأوا
الهلال ولم تهل أنت حتى كان يوم التروية ووجه
المذهب ما رواه مالك عن عبد الرحمن بن القاسم
عن أبيه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال
"يا أهل مكة ما بال الناس يأتون شعثا وأنتم
مدهنون أهلوا إذا رأيتم الهلال" ولم يعرف أحد
أنكر على عمر وقد قال عليه السلام الحاج أشعث
أغبر وهذا لما يكون لبعد الإحرام من الوقوف
روى مالك عن هشام بن عروة أن عبد الله بن
الزبير أقام بمكة سبع سنين يهل لهلال ذي الحجة
وعروة بن الزبير معه يفعل ذلك فهذا ابن الزبير
يفعله بمحضر من الصحابة والتابعين فدل على أنه
إجماع وأنه العادة المعروفة عندهم من الآباء
وسنة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وحديث
جابر محمول على الجواب ولقرب إحرامهم من
إحلالهم وأثر ابن عمر حجة لنا لأنه قال لم أر
أحدا من أصحابك فدل على أن الجميع غيره على ما
قلنا على أنه روى مالك عنه أنه رجع إلى ما
قلنا وقال التادلي قال في الإكمال المستحب عند
كثير من العلماء للمكي أن يهل يوم التروية
ليكون إحرامهم متصلا بسيرهم وتلبيتهم مطابقة
لمبادرتهم للعمل واستحب بعضهم أن يكون لأول ذي
الحجة ليلحقهم من المشقة ما لحق غيرهم
والقولان عن مالك انتهى وهذا القول الثاني قول
مالك في الموطأ الباجي وعليه كان جمهور
الصحابة انتهى كلام التادلي والله أعلم
السادس: قال ابن عرفة روى الشيخ لا يقيم محرم
مطلقا بأرضه إلا إقامة المسافر انتهى ونص
النوادر ومن أهل بحج أو عمرة فلا يقيم بأرضه
إلا إقامة المسافر انتهى.
فرع: سئل سحنون عن المحرم هل له أن يسافر
اليوم واليومين والثلاثة قال نعم لا بأس بذلك
وليس هو مثل المعتكف قال ابن رشد وهذا كما قال
لأن المحرم له أن يتصرف في حوائجه ويبيع
ويشتري في الأسواق وقال الله عز وجل {لَيْسَ
عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً}
[البقرة: من الآية198] يعني التجارة في مواسم
الحج فحاله غير حال المعتكف في السفر أيضا إن
أراده انتهى من أوائل سماع سحنون من كتاب الحج
والله أعلم. وأما المسألة الثانية في كلام
المؤلف وهي من أحرم قبل ميقاته المكاني كره له
ذلك وصح إحرامه فما ذكره من صحة إحرامه
وانعقاده فلا خلاف فيه وتقدم الفرق بينه وبين
الميقات الزماني على القول بعدم انعقاد
الإحرام قبله وما ذكره من الكراهة هو المشهور
من المذهب كما صرح به سند وغير واحد قال في
التوضيح وأما كراهة تقديمه فهو الذي يحكيه
العراقيون عن المذهب من غير تفصيل وهو ظاهر
المدونة وفي الموازية لا بأس أن يحرم من منزله
إذا كان قبل الميقات ما لم يكن منزله قريبا
فيكره له ذلك انتهى. وما ذكره عن الموازية ذكر
في النوادر أنه رواه عن مالك قال ومن أحرم من
بلده قبل الميقات فلا بأس بذلك غير أنا نكره
لمن قارب الميقات أن يحرم قبله وقد أحرم ابن
عرم من بيت المقدس وأحرم من الفرع كأن خرج
لحاجة ثم بدا له فأحرم انتهى.
(4/28)
..............................
ـــــــ
وذكر اللخمي عن مالك قولا بجواز الإحرام قبل
الميقات مطلقا وذكر ابن عرفة الروايات الثلاث.
ووجه الأولى المشهورة أنه عليه السلام لم يحرم
إلا من الميقات وقال خذوا عني مناسككم. وكأن
توقيته عليه السلام لهذه المواقيت نهي عن
الإحرام من غيرها كما في الميقات الزماني فإنه
لا خلاف أنه ينهى عن الإحرام قبله. قال اللخمي
وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه أنكر على
عمران بن حصين إحرامه من البصرة انتهى. ووجه
رواية ابن المواز أنه مع القرب لا يظهر له
معنى إلا قصد المخالفة لتحديد الشارع بخلاف
البعيد فإن فيه قصد استدامة الإحرام. ووجه
الرواية الثالثة أن الميقات إنما هو لمنع
مجاوزته لا لمنع تقديم الإحرام عليه وأن القصد
منه التخفيف فمن قدم فقد زاد خيرا وقال
الشافعي في أحد قوليه وأبو حنيفة الأفضل أن
يحرم من بلده لأن عمر وعليا رضي الله عنهما
قالا في قوله تعالى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ
وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: من الآية196]
إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك ولحديث
أبي داود من أحرم من المسجد الأقصى إلى المسجد
الحرام بحج أو عمرة غفر الله له ما تقدم من
ذنبه وما تأخر ووجبت له الجنة وقال صاحب
الطراز والقرافي ما رووه يحمل على النذر جمعا
بين الأدلة انتهى وما ذكره عن سيدنا عمر فلعله
رجع عنه كما نقل اللخمي أنه أنكر على عمران بن
حصين كما تقدم والله أعلم وذكر المؤلف هذه
المسألة قبل أن يذكر الميقات المكاني للاختصار
لتساويها مع التي قبلها في الحكم والله أعلم
وقوله "وفي رابغ تردد" أشار لما ذكره في
توضيحه ومناسكه قال حكى شيخنا رحمه الله عن
بعض شيوخه أن الإحرام من رابغ من الإحرام أول
الميقات وأنه من أعمال الجحفة ومتصل بها قال
ودليله اتفاق الناس على ذلك قال سيدي أبو عبد
الله بن الحاج إنه مكروه ورآه قبل الجحفة
انتهى من التوضيح وقال في مناسكه ورأى سيدي
أبو عبد الله بن الحاج أن إحرام المصريين من
رابغ من باب تقديم الإحرام على الميقات ومال
شيخنا رحمه الله إلى أنه من أعمال الجحفة
ومتصل بها وكان ينقله عن الزواوي انتهى واقتصر
ابن فرحون في مناسكه في الباب العاشر على ما
نقله الشيخ عبد الله المتوفى عن الزواوي ونصه
ورابغ أول ميقات الجحفة انتهى وما ذكره عن
سيدي أبي عبد الله بن الحاج فهو في مدخله قال
وليحذر مما يفعله أكثرهم من الإحرام من رابغ
وهو قبل الجحفة فيبتدؤن الحج بفعل مكروه ولا
حجة لهم في أن الجحفة لا ماء بها لأن الغسل
مستحب والإحرام من الميقات سنة ولا مكان الغسل
برابغ وتأخير الإحرام إلى الجحفة لأن ذلك صحيح
كما في الإحرام من ذي الحليفة ولا حجة لهم في
أن الركب لا يدخل الجحفة لأنه ليس من شرط
الإحرام الدخول بل إذا حاذاها أحرم وينبغي له
أن يحرم من أول الجحفة فإن أحرم من أوسطها أو
من آخرها ترك الأولى والله أعلم. انتهى
بالمعنى. وقد ذكر ابن جماعة في منسكه الكبير
والسيد السمهودي في حاشية الإيضاح أن الإحرام
منها من باب تقديم الإحرام على الميقات. ونص
ابن جماعة وهي أي الجحفة بالقرب من رابغ.
(4/29)
للعمرة أبدا
إلا لمحرم بحج فلتحلله وكره بعدهما وقبل غروب
الرابع
ـــــــ
الذي يحرم منه الناس على يسار الذاهب إلى مكة.
ومن أحرم من رابغ فقد أحرم قبل محاذاتها بيسير
انتهى.
تنبيه: قاعدة المذهب أن نذر المكروه لا يلزم
بل ولا المباح فقد خالفوا ذلك في الإحرام
فألزموا به من نذره قبل ميقاته الزماني
والمكاني كما سيأتي في باب النذور والله أعلم.
ص: "وللعمرة أبدا إلا المحرم بحج فلتحليله
وكره بعدهما وقبل غروب الرابع" ش: تقدم أن
للإحرام ميقاتين زماني ومكاني. وأن المصنف بدأ
بالكلام على الزماني فلما فرغ من ذكر ميقات
الحج الزماني ذكر ميقات العمرة ويعني أن وقت
الإحرام بالعمرة جميع السنة إلا لمن أحرم
بالحج فلا ينعقد إحرامه للعمرة إلى تحليله وهي
رمي جمرة العقبة وطواف الإفاضة والسعي بعده
لمن لم يسع. ويكره الإحرام بالعمرة بعد
التحللين وقبل غروب الشمس من اليوم الرابع: من
أيام منى فإن أحرم بها حينئذ انعقد إحرامه مع
الكراهة. هذا معنى قول المصنف وعليه شرحه
الشارحان وقبلاه وكلام البساطي يقتضي أن قول
المصنف فلتحليله ثبت في نسخته بالإفراد. ولما
كان التحلل لا يحصل إلا بشيئين ثنى الضمير في
قوله وكره بعدهما. واعلم أن ميقات الإحرام
بالعمرة جميع أيام السنة لمن لم يحرم بحج حتى
يوم عرفة وأيام التشريق. وقال في المدونة
وتجوز العمرة في أيام السنة كلها إلا للحاج
فيكره لهم أن يعتمروا حتى تغيب الشمس من آخر
أيام الرمي وكذلك من تعجل في يومين أو لم
يتعجلوا أو قفلوا إلى مكة بعد الزوال من آخر
أيام الرمي فلا يحرم بالعمرة من التنعيم حتى
تغيب الشمس. قال ابن القاسم ومن أحرم منهم في
أيام الرمي لم يلزمه إلا أن يحرم بعد تم رميه
من آخر أيام الرمي وحل من إفاضته فيلزمه. قال
مالك ومن لم يكن حاجا من أهل الآفاق فجائز أن
يعتمر في أيام التشريق لأن إحلاله بعد أيام
منى. قال ابن القاسم سواء كان إحلاله منها في
أيام منى أو بعدها بخلاف الحاج انتهى. وقال في
البيان في رسم حلف من سماع ابن القاسم من كتاب
الحج وسئل عن.
(4/30)
..............................
ـــــــ
رجل يعتمر من أفق من الآفاق في أيام التشريق
قال لا بأس بذلك لأن هؤلاء لا يحلون بعد ذلك
فلا أرى هؤلاء مثل من يعتمر في آخر أيام
التشريق من الحاج قبل الغروب فهذا لا يعجبني.
قال ابن رشد جائز لمن لم يحج أن يعتمر في أيام
التشريق. والأصل فيه أمر عمر رضي الله عنه أبا
أيوب الأنصاري وهبار بن الأسود لما قدما عليه
يوم النحر وقد فاتهما الحج لإضلال راحلته
وبخطأ الثاني في العدة أن يتحللا من إحرامهما
بالحج ويقضياه قابلا ويهديا كما وقع في
الموطأ. فلمن لم يحج أن يهل بعمرة في أيام
التشريق سواء حل منها في أيام التشريق أو
بعدها. قاله ابن القاسم في المدونة. فقوله هنا
وفي المدونة أيضا إن هؤلاء يحلون بعد ذلك يريد
بعد أيام التشريق ليس بتعليل صحيح انتهى.
وقال سند من لم يكن من أهل الحج فلا حجة عليه
يعتمر متى شاء. وهذا قول الشافعي وابن حنبل.
وقال أبو حنيفة تكره العمرة في يوم عرفة وأيام
منى ووافقه أبو يوسف على غير يوم عرفة. وروي
عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت السنة كلها
للعمرة إلا خمسة أيام يوم عرفة ويوم النحر
وأيام التشريق ودليلنا أنه وقت يصح فيه الطواف
والسعي فلا تكره فيه العمرة كسائر السنة ويوم
عرفة يصح فيه القران فلا يكره فيه إفراد
العمرة كما لا يكره إفراد الحج ولأن من فاته
الحج يفعل أفعال العمرة في أيام منى وقد قال
أبو يوسف ينقلب إحرامه عمرة فإذا كان الوقت
صالحا لأفعال العمرة والذمة خالية مما ينافي
العمرة لم يبق للكراهة وجه وما رواه لا يثبت
عند أهل الحديث وإن صح فمحمول على من أحرم
بالحج انتهى. وقال اللخمي في تبصرته والوقت
الذي يؤتى بها فيه على وجهين فمن لم يتقدم له
حج ولا يريده في ذلك العام فيعتمر من السنة في
أي وقت أحب وفي أشهر الحج ويوم عرفة ويوم
النحر وأيام التشريق ويكون الناس في الوقوف
بعرفة وهو يعمل عمل العمرة وأما من حج فلا
يعتمر حتى تغيب الشمس من آخر أيام التشريق قال
وإن تعجل فلا يحرم بعمرة فإن فعل لم ينعقد قال
ابن القاسم إلا أن يحرم في أيام التشريق بعد
الرمي فيلزمه قال محمد يلزمه الإحرام ولا يحل
حتى تغرب الشمس وإحلاله قبل ذلك باطل وإن وطىء
قبل ذلك أفسد عمرته وقضاها وأهدى والقياس إذا
أكمل الإحرام للحجة أن ينعقد الإحرام لعمرة
ويصح عملها انتهى وقال ابن عبد السلام في شرح
ابن الحاجب يعني أن العمرة لا تختص بزمن معين
كالحج فقد اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
في أشهر الحج وأمر عبد الرحمن بن الصديق أن
يعمر عائشة في ذي الحجة وقال "عمرة في رمضان
تعدل حجة" أو قال "حجة معي" إلا أن الفقهاء
يقولون العمرة لا ترتدف على الحج فلذلك
يشترطون أن لا يكون في أيام منى لمن حج وأما
من لم يحج فيجوز أن يأتي بها في سائر السنة
ولو في يوم عرفة أو يوم النحر انتهى. وإذا علم
ذلك فما نقله ابن الحاج وابن فرحون عن القاضي
أبي محمد مخالف لإطلاق ما تقدم من النصوص
وصريحها ونص ابن الحاج وأما غير ابن الحاج فلا
تكره له العمرة أيام منى .
(4/31)
................................
ـــــــ
وأن يحل منها قبل انقضائها من أي بلد كان وأصل
ذلك حديث هبار. وهل لهم أن يعتمروا يوم النحر
فحكى القاضي أبو محمد عن المذهب أنهم ليس لهم
ذلك لأن يوم النحر يوم الحج الأكبر ويحتمل أن
يكون حكم يوم النحر في ذلك حكم أيام التشريق
انتهى. ونص ابن فرحون في مناسكه مثله إلا أنه
قال فحكى القاضي أبو محمد على قواعد المذهب
فلعل لفظ قواعد سقط من كلام ابن الحاج والله
أعلم. وقد تقدم نقل سند عن أبي حنيفة كراهتها
في يوم النحر ويوم عرفة وأيام التشريق وأن أبا
يوسف وافقه على ما عدا يوم عرفة. فلو كان
المذهب يوافقه في يوم النحر لبينه ولا أدري ما
مرادهما بالقاضي أبي محمد والظاهر أنه ليس هو
القاضي عبد الوهاب والله أعلم.
هذا حكم المسألة الأولى في كلام المصنف وهو
بيان ميقات الإحرام بالعمرة لمن لم يحج. وأما
حكم المسألة الثانية في كلام المصنف وهو بيان
ميقات الإحرام للعمرة لمن حج فظاهر ما ذكره
المصنف فيها مخالف لنصوص المذهب منها نص
المدونة المتقدم حيث قال وتجوز العمرة في أيام
السنة كلها إلا الحاج فيكره لهم أن يعتمروا
حتى تغيب الشمس من آخر أيام الرمي إلى آخر
كلامه. قال ابن فرحون في مناسكه وهذه الكراهة
للحاج على المنع. وقال ابن رشد في رسم حلف ابن
الحاجب قال ابن القاسم في كتاب الحج إثر كلامه
المتقدم وأما من حج فلا يجوز له أن يعتمر حتى
تغيب الشمس من آخر أيام التشريق فإن أهل بعمرة
في آخر أيام التشريق قبل أن تغيب الشمس بعد أن
رمى وأفاض وأحل من إحرامه الأول لزمه الإحرام.
قاله في كتاب الحج الأول من المدونة. قال في
كتاب ابن المواز ولا يعمل من أعمال العمرة
شيئا حتى تغيب الشمس فإن عمل فعمله باطل وهو
على إحرامه. والأصل في ذلك حديث عائشة رضي
الله عنها حين أمرها رسول الله صلى الله عليه
وسلم بقضاء عمرتها بعد قضاء حجها انتهى. ويعني
بقضاء عمرتها أن صورتها صورة القضاء لا أنها
قضاء حقيقة إذ لا يلزمها ذلك والله أعلم.
وظاهر كلام ابن رشد وابن فرحون أن المنع شامل
لما قبل غروب الرابع ولو رمى له وهو أيضا ظاهر
ما نقله المصنف في التوضيح عن ابن هارون. نعم
في كلام صاحب الطراز أن المنع بعد رمي الرابع
على الكراهة أن كل حجة بتحليلة وسواء في ذلك
من تعجل ومن لم يتعجل وذلك أنه قال في شرح
قوله في المدونة إن من أحرم بعمرة في أيام
التشريق لا يلزمه إلا أن يكون أحرم في آخر
أيام التشريق بعدما رمى الجمار وحل من إفاضته
فإن ذلك يلزمه ما نصه. وجملة ذلك أن أفعال
الحج تنافي العمرة ووقت الفعل ملحق بالفعل
فإذا سقط الفعل وبقي الوقت فإن كان وقتا لما
يكون من فعل الحج فما بعد امتنع معه فصل
العمرة وإحرام العمرة لأن صورة الفعل تركت
تخفيفا وبقي حكمه فما عدا الرخصة في ذلك قائما
وذلك كمن تعجل في يومين ولو أن المتعجل أحرم
بعمرة بعد أن حل وخرج وتم عمله لم يلزمه
الإحرام أحرم ليلا أو نهارا ولا قضاء عليه أما
إذا سقط الفعل بتوقيته وبقي الوقت المتسع له
فها هنا لا يمتنع عنده انعقاد.
(4/32)
...............................
ـــــــ
الإحرام بالعمرة وإن كره له ابتداء إلا أنه
يمتنع من فعلها حتى يخرج وقت الحج.
قال محمد فإن جهل فأحرم في آخر أيام الرمي قبل
غروب الشمس وقد كان تعجل في يومين أو لم يتعجل
وقد رمى في يوميه فإن إحرامه يلزمه ولكن لا
يحل حتى تغيب الشمس وإحلاله قبل ذلك باطل يريد
أنه لا يطوف حتى تغرب الشمس انتهى. وقوله ووقت
الفعل ملحق بالفعل على ما بينا يشير به إلى ما
قاله في تعليل كون المتعجل لا يحرم بالعمرة
إلا بعد غروب الرابع عند مالك خلافا لغيره
ونصه راعى مالك وقت الرمي ووقته إلى آخر أيام
التشريق لأنه لا دم على من أخر رمي الثالث إلى
قبل الغروب وللوقت تأثير في المنع لأن من
اعتمر قبل الزوال في أيام الرمي لا تشغله
عمرته من فعل الرمي في وقته إذ وقته قبل
الزوال فلو كان المنع لمجرد فعل الرمي لاختص
بوقت فعله ولما منع من العمرة في غير وقت
الرمي كان للزمان تأثير في المنع في حق الحاج
انتهى. فعلم من كلامه أن المنع منها بعد رمي
الرابع إنما هو على الكراهة وعلم مما نقله في
الطراز عن الموازية أن المتعجل أيضا يمنع من
الإحرام بالعمرة ولا ينعقد إحرامه بها إلا بعد
دخول وقت رمي الرابع. وفي شرح الجلاب
للتلمساني ما يدل على ذلك ونحوه للشبيبي في
شرح الرسالة في آخر كتاب الحج. ونص كلام
الشبيبي وجميع السنة لها وقت إلا أيام منى لمن
حج فإذا غربت الشمس من آخر أيام التشريق جاز
الإحرام بها فإن أحرم قبل الزوال من آخر أيام
التشريق لم ينعقد إحرامه ولا قضاء عليه وإن
أحرم بعد الزوال وقبل الغروب انعقد إحرامه
وأخر السعي والطواف إلى الغروب فإن فعلها أو
شيئا منها قبل الغروب لزمه إعادته بعد الغروب
انتهى. وقال المصنف في مناسكه وأما الزماني
ففي جميع أيام السنة وفي يوم النحر وأيام
التشريق إلا أن يحرم بالحج فيمتنع عليه
الإحرام بها من حين إحرامه إلى آخر أيام
التشريق ولا يعتمر حتى يفرغ من حجه ولو نفر في
اليوم الأول لم ينعقد إحرامه بها وكذلك لا
ينعقد إذا أحرم بها قبل رميه لليوم الثالث ولا
يلزمه أداؤها ولا قضاؤها فيكره له أن يحرم بعد
رميه وقبل غروب الشمس من آخر أيام التشريق وإن
أحرم حينئذ لزمه الإحرام بها ومضى فيها حتى
يتمها بشرط أن يكون طاف للإفاضة. وعلى هذا فلا
تنعقد إلا بشرطين أن يرمي لليوم الثالث وأن
يطوف للإفاضة. وإذا أحرم بها حينئذ فلا يفعل
منها فعلا إلا بعد الغروب ولو طاف وسعى فهما
كالعدم. انتهى ونحوه في التوضيح.
إذا علم ذلك فنرجع إلى كلام المصنف في مختصره
لنقول ظاهره بل صريحه أن من أحرم بالحج يمتنع
منه الإحرام ولا ينعقد إلى أن يتحلل من الحج
بتحليله الأصغر والأكبر وهما رمي جمرة العقبة
وطواف الإفاضة والسعي بعده إن كان لم يقدم
السعي ثم بعدهما يكره له الإحرام بها وينعقد
وهو وإن كان لم يذكر الانعقاد وعدمه في كلامه
إلا أنه معناه وبه فسره شارحاه. وشمل ذلك ما
لو وقع منه التحللان في يوم النحر أو بعده وهو
مخالف لما تقدم من نصوص المذهب في الوجهين كما
قد علمت وكلامه في توضيحه ومناسكه في غاية
الحسن والله أعلم.
(4/33)
.................................................
ـــــــ
تنبيهات: الأول: قال في النكت قال بعض شيوخنا
من أهل بلدنا ويكون خارج الحرم حتى تغيب الشمس
ولا يدخل الحرم لأن دخوله الحرم لسبب العمرة
عمل لها وهو ممنوع من أن يعمل لها عملا حتى
تغيب الشمس انتهى. ونقله المصنف في توضيحه
ومناسكه وصاحب الطراز وغيرهم وقبلوه وهو ظاهر.
وانظر لو دخل من الحل قبل الغروب ولم يعمل
عملا إلا بعد الغروب والظاهر على بحثه أن
دخوله لغو ويؤمر بالعود إلى الحل ليدخل منه
بعد الغروب ولم أقف فيه على نص والله أعلم.
الثاني: شمل قوله "إلا لمحرم بحج" من كان
محرما بقران والحكم في ذلك سواء بل لو أحرم
بعمرة لم ينعقد إحرامه بعمرة أخرى حتى تكمل
الأولى. وقد صرح بذلك المصنف وسند في باب من
أفسد حجه وغيرهما. فلو قال المصنف "إلا لمحرم
فلفراغه منه ودخول وقت رمي الرابع إن كان بحج
وكره بعدهما وقبل غروب الرابع" لوافق النقول
وشمل جميع ما ذكرناه. أو لو ترك ذكر ذلك هنا
وقال إثر قوله فيما يأتي "وألغى عمرة عليه إلى
فراغه منه ورمى الرابع وكره بعدهما وقبل غروب
الرابع" لكان صحيحا أيضا والله أعلم.
الثالث: يستثنى من قولهم "لا يصح الإحرام
بالعمرة إلا بعد تمام أفعال الحج" الحلاق فإنه
لو بقي عليه الحلاق وأحرم بعمرة انعقد إحرامه.
ذكره عبد الحق ونقله عنه سند وسيأتي عند قول
المصنف "وصح بعد سعي وحرم الحلق". وكذلك لو
أحرم بعمرة وأكملها ولم يبق منها إلا الحلاق
ثم أحرم بأخرى انعقد إحرامه الثاني كما سيأتي
والله أعلم.
الرابع: تقدم في كلام سند وغيره أن إحلاله قبل
الغروب لا يفيد. قال سند إثر كلامه المتقدم
قال محمد فإن وطئ بعد ذلك الإحلال أفسد عمرته
وليقضها بعد تمامها ويهدي. وخرج الباجي الكلام
في ذلك على نزول المحصب هل هو من عمل الحج.
قال فمن جعله من عمل الحج قال يلزمه ألا يحرم
بها قبل إتمامه انتهى. ونقل كلام ابن المواز
اللخمي وغيره وكلام الباجي والله أعلم راجع
إلى أول الكلام في انعقاد الإحرام بعد رمي
الرابع وقبل غروب الشمس منه وذلك أنه وقع في
كلام صاحب الإكمال ما نصه وقت العمرة لغير
الحاج السنة كلها وللحاج بعد أن تغيب الشمس من
آخر أيام التشريق ونحوه للشافعي. قال مالك
وسواء تعجل أم لا. فإن أحرم قبل ذلك بالعمرة
وقد بقي عليه شيء من الرمي لم ينعقد إحرامه
وإن لم يبق انعقد. وظاهر المدونة أنه لا ينعقد
واختلف في قول مالك انتهى. ونقله عنه ابن عرفة
بعد ذكره كلام المدونة ونقله أيضا التادلي
وذكره بعد كلام المدونة وفي ذكرهما كلام
المدونة مع ما قال أنه ظاهرها رد عليه والله
أعلم.
الخامس: لما ذكر ابن رشد كلام ابن المواز في
وطئه بعد إحلاله قبل غروب الرابع قال القياس
إذا كان قد حل من إحرام الحج وانعقد إحرام
العمرة أن يصح عملها. انتهى من الرسم المتقدم
ونحوه ما تقدم عن اللخمي والله أعلم.
(4/34)
ومكانه له
للمقيم بمكة.
ـــــــ
السادس: قال في النوادر ولا بأس أن يعتمر
الصرورة قبل أن يحج وقد اعتمر النبي صلى الله
عليه وسلم قبل أن يحج انتهى ونقله المصنف في
مناسكه. ويعني بذلك أن من قدم في أشهر الحج
وهو صرورة فلا يتعين عليه أن يحرم بالحج بل
يجوز له أن يعتمر وأما إذا قدم قبل أشهر الحج
فالمطلوب منه حينئذ الإحرام بالعمرة من غير
خلاف والله أعلم. ص: "ومكانه له للمقيم مكة"
ش: يعني أن الميقات المكاني للمقيم بمكة إذا
أراد أن يحرم بالحج مكة سواء كان من أهلها أو
أقام بها.
تنبيهان الأول ظاهر كلامه أنه يتعين عليه
الإحرام من مكة ولا يجوز له أن يحرم من غيرها
والذي صرح به ابن الحاجب وغيره أنه يجوز
الإحرام من غيرها. مقال ابن الحاجب ولو خرجا
يعني المكي والآفاقي المقيم بها إلى الحل جاز
على الأشهر. قال في التوضيح قال ابن هارون
قوله "على الأشهر" يقتضي أن فيهما قولا
بالكراهة والمنع ولا نعلم في ذلك خلافا إلا في
الأولوية. ونقله ابن فرحون أيضا وقال قال ابن
راشد مقابل الأشهر في كلامه قول بعدم الجواز
ولم أقف عليه معزوا انتهى. وقال في المدونة
وإذا أحرم بالحج من خارج الحرم مكي أو متمتع
فلا دم عليه في تركه الإحرام من داخل الحرم
فإن مضى إلى عرفات بعد إحرامه من الحرم ولم
يدخل الحرم وهو مراهق فلا دم عليه وهذا زاد
ولم ينقص. قال التادلي قال الباجي قوله "زاد
ولم ينقص" هذا عندي فيمن عاد إلى الحرم ظاهر
وأما من أهل من الحل وتوجه إلى عرفات دون
دخوله الحرم أو أهل من عرفات بعد أن توجه
إليها حلالا مريدا الحج فإنه نقص ولم يزد
وإنما وجب عليه الدم على هذا لأن مكة ليست من
المواقيت لأن المواقيت وقتت لئلا يدخل الإنسان
إلى مكة بغير إحرام فمن كان عند البيت فليس
البيت ميقاتا له بدليل أن المعتمر لا يحرم
منها والمواقيت يستوي في الإحرام منها الحج
والعمرة انتهى. ونقل المصنف لي التوضيح بعض
كلام الباجي ولعله حصل في نسخته من المنتقى
سقط ووجه سند كلامه في المدونة بنحو ما ذكره
الباجي. فظاهر كلام أهل المذهب أن من ترك
الإحرام من مكة وأحرم بالحج من الحل ترك
الأولى والأفضل ولا يقال إنه آثم ولا إنه
أساء. وقال ابن جماعة الشافعي لو فارق المقيم
بمكة بنيانها وأحرم في الحرم أو في الحرم أو
في الحل فهو مسيء يلزمه الدم إن لم يعد قبل
الوقوف إلى مكة وكذلك مذهب المالكية إلا أنهم
لا يوجبون الدم بالإحرام من غير مكة وإن لم
يعد إليها انتهى.
(4/35)
وندب المسجد.
ـــــــ
قلت: الذي يقتضيه كلام أصحابنا أنه لا إساءة
في ذلك وإنما هو خلاف الأولى. نعم يمكن أن
يقال فيمن أخر الإحرام إلى عرفة وهو مريد للحج
إنه مسيء. ولم أقف عليه في كلام أهل المذهب
ولا أجزم بأنه آثم.
الثاني: يخصص كلامه هنا بالمقيم الذي ليس في
نفس من الوقت أو كان في نفس من الوقت ولكنه لا
يقدر على الخروج لميقاته أي في سعة أن يخرج
إلى ميقاته أو يقال لا يرد عليه ذلك لأنه
سيأتي له أنه يستحب لمن كان مقيما بمكة وكان
في نفس من الوقت أي في سعة أن يخرج إلى ميقاته
ليحرم منه بالحج وقاله في المدونة والنفس بفتح
الفاء السعة. ص: "ندوب المسجد" ش: أي ويستحب
للمقيم بمكة إذا أراد أن يحرم منها بالحج أن
يحرم من المسجد وهذا هو المشهور وهو مذهب
المدونة قال فيها واستحب مالك لأهل مكة ولمن
دخلها بعمرة أن يحرم بالحج من المسجد الحرام
انتهى. وعن ابن حبيب أن المستحب أن يحرم من
باب المسجد. وقيل لا يستحب الإحرام من المسجد
ولا من بابه بل يحرم من حيث شاء. وظاهر كلام
ابن الحاجب أن هناك قولا بلزوم الإحرام من
المسجد. واعترض عليه بأنه لا خلاف في عدم
اللزوم. ونص كلام ابن الحاجب وفي تعيين المسجد
قولان انتهى. قال ابن عبد السلام وأكثر النصوص
استحباب ذلك وظاهر كلام المؤلف أن القولين في
الوجوب ولم أر ذلك لغيره إلا لابن بشير انتهى.
قلت: ليس في عبارة ابن بشير تصريح بالوجوب
ونصه ومريد ذلك يعني الإحرام لا يخلو من أن
يبعد بلده أو يقرب أو يكون في الحرم. ثم قال
فإن كان من أهل مكة أو ممن دخلها ثم أنشأ
الإحرام منها فإن أراد الحج أحرم من مكانه.
ومن أين هل من داخل المسجد لأنه أقصى الممكن
من البعد عن الحل فأشبه المواقيت أو من حيث
شاء من مكة في ذلك قولان انتهى فتأمله. وقال
في التوضيح وقوله يعني ابن الحاجب "ففي تعيين
المسجد للإحرام قولان" أي يستحب تعيين المسجد
إذ لا خلاف في عدم اللزوم. انتهى ونحوه لابن
فرحون. وقال بعد ذكر القول الثاني بعدم
الاستحباب وهو حسن لحديث جابر أهلنا بالأبطح.
واعترض ابن عرفة على من أنكر القول باللزوم
بأنه مفهوم من كلام الشيخ ابن أبي زيد وسماع
أشهب ابن رشد عليه ولنذكر كلامه برمته. قال
منها فيها إحرام مريده من مكة وفيها أيضا
يستحب من المسجد الحرام. وسمع القرينان يحرم
من جوف المسجد قيل من بيته قال بل من جوف
المسجد. قيل من عند باب المسجد قال لا بل من
جوف المسجد. ابن رشد لأن السنة كون الإحرام
إثر نفل بالمسجد فإذا صلى وجب إحرامه من مكانه
لأن التلبية إجابة إلى بيته الحرام أو بخروجه
يزاد من البيت بعد الخلاف خروجه من غيره من
مساجد المواقيت بخروجه يزداد من البيت قربا.
اللخمي قوله في المبسوط من حيث شاء من مكة
أصوب.
(4/36)
كخروج ذي النفس
لميقاته,
ـــــــ
الباجي في كون إحرامه من داخل المسجد أو بابه
روايتا أشهب وابن حبيب. وقول ابن عبد السلام
أكثر النصوص استحباب المسجد ولم يحك لزومه غير
ابن بشير قصور لنقل الشيخ رواية محمد وسماع
أشهب يحرم من بيته قال بل من جوف المسجد.
وعبارة ابن رشد عنه يوجب انتهى. ويشير لقول
ابن رشد في شرح مسألة سماع القرينين المتقدم
ذكره فإذا صلى في المسجد وجب أن يحرم من مكانه
ولا يخرج إلى باب المسجد لأن التلبية إجابة
الله إلى بيته الحرام فهو بخروجه من المسجد
يزداد بعدا من البيت بخلاف خروجه من غيره من
مساجد المواقيت بخروجه يزداد قربا انتهى.
والظاهر أن قول ابن رشد "وجب أن يحرم من
مكانه" لم يرد به الوجوب الذي هو أحد الأحكام
الخمسة وإنما مراده به اللزوم والترتب وكثيرا
ما يقع ذلك في عبارة ابن بشير وغيره. قال في
الطراز في مسألة ما إذا أفسد الأجير حجة وإنه
يلزمه قضاؤه ولا يجزئه. أما كونه لا يجزئه
فمتفق عليه إلا ما ذكره عن المزني ثم رده
وأطال ثم قال وإذا لم يجز عن الميت وجب أن
يكون لفاعله. وقال في المعونة في باب الأذان
والأفضل أن يكون متطهرا لأنه دعاء إلى الصلاة
فيجب أن يكون الداعي إليها على صفة من يمكنه
أن يصلي انتهى. وقال في الطراز في غسل الإحرام
وإذا ثبت الغسل للإحرام وجب أن يكون متصلا به.
وقال في كتاب العقيقة من البيان لما ذكر أن
المولود إذا مات قبل السابع لا يعق عنه لأن
العقيقة إنما يجب ذبحها في يوم السابع. ومثل
هذا كثير في عباراتهم. ولو فهم ابن رشد
الرواية المذكورة على الوجوب لنبه على أنها
مخالفة لمذهب المدونة كما هو عادته فتأمله
منصفا.
تنبيه: إذا قلنا يحرم من داخل المسجد فإنه
يحرم من موضع صلاته ويلبي وهو جالس في موضعه
كما يفهم ذلك من نصوصهم لا سيما كلام ابن رشد
المتقدم حيث قال وإذا صلى في المسجد وجب أن
يحرم من مكانه ولا يخرج إلى باب المسجد إلى
آخر ما تقدم. وفهم منه أنه لا يلزمه أن يقوم
من مصلاه ولا أن يتقدم إلى جهة البيت لأن ذلك
لو كان مطلوبا لنبهوا عليه ولم أر في كلام
أصحابنا استحباب موضع مخصوص من المسجد. وقال
الشافعي في أحد قوليه يحرم من قرب البيت إما
تحت الميزاب أو غيره. وقال صاحب المفهم من
الحنابلة من تحت الميزاب والله أعلم. ص:
"كخروج ذي النفس لميقاته" ش: يعني أن من كان
مقيما بمكة يستحب له إذا كان في نفس من الوقت
أن يخرج إلى ميقاته للإحرام بالحج وتقدم
بيانه. وظاهر كلامه أن هذا خاص بالحج وليس
كذلك بل وكذلك من أراد العمرة استحب له الخروج
لميقاته قال في النوادر عن كتاب ابن المواز
قال مالك والمواقيت في الحج
(4/37)
ولها وللقران
الحل والجعرانة أولى ثم التنعيم.
ـــــــ
والعمرة سواء إلا من منزله في الحرم أو بمكة
فعليه في العمرة أن يخرج للحل وأقل ذلك
التنعيم ما بعد مثل الجعرانة فهو أفضل ولو خرج
الطارئ إلى ميقاته كان أفضل انتهى. وقال في
الجلاب والعمرة من الميقات أفضل منها من
الجعرانة أو التنعيم. قال التلمساني إنما قال
ذلك لأن الأصل في الإحرام إنما هو من الميقات
وإنما رخص لمن بمكة من الجعرانة أو التنعيم
وإن لم يبلغوا مواقيتهم وإلا فالأفضل لهم
الإحرام من مواقيتهم انتهى. وفهم من كلام
التلمساني أن كلام ابن الجلاب في غير أهل مكة
وهو ظاهر والله أعلم. ص: "ولها وللقران الحل
والجعرانة أولى ثم التنعيم" ش: يعني أن
الميقات المكاني للعمرة والقران لمن كان بمكة
طرف الحل من أي جهة كانت ولو بخطوة واحدة
والأفضل أن يبعد عن طرف الحل. وأفضل جهات الحل
الجعرانة لأن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر
منها ولبعدها ثم يليها في الفضل التنعيم لأن
النبي صلى الله عليه وسلم أمر السيدة عائشة أن
تعتمر منها. وقوله هنا "ثم التنعيم" أحسن من
قوله في مناسكه "أو التنعيم" لأنه لا يقتضي
تفضيل الجعرانة على التنعيم وقد تقدم التصريح
بأفضليتها في كلام النوادر. والجعرانة
بالتخفيف والتشديد. وصوب الشافعي الأول وقال
إن التشديد خطأ وأكثر المحدثين على التشديد
وقال في القاموس الجعرانة وقد تكسر العين
وتشدد الراء. وقال الشافعي التشديد خطأ موضع
بين مكة والطائف انتهى. وهي إلى مكة أقرب
بكثير لأن بينها وبين مكة ثمانية عشر ميلا.
وظاهر كلام أهل المذهب أن الجهات بعدهما
متساوية. وزاد الشافعية بعد التنعيم الحديبية
لأن النبي صلى الله عليه وسلم تحلل فيها. وهي
بضم الحاء وفتح الدال المهملتين ويجوز في
يائها الثانية التخفيف والتشديد وصوب الشافعي
التخفيف وأكثر المحدثين على التشديد والله
أعلم.
فوائد: الأولى: اعتمار النبي صلى الله عليه
وسلم من الجعرانة كان في ذي القعدة حين قسم
غنائم حنين كما ثبت ذلك في الصحيح. وذكر المحب
الطبري عن الواقدي أن إحرامه بالعمرة منها كان
ليلة الأربعاء لاثنتي عشرة بقيت من ذي القعدة.
ثم قال المحب الطبري ومنها يحرم أهل مكة في كل
عام في ليلة سبع عشرة من ذي القعدة وذلك خلاف
ما ذكره الواقدي انتهى. قال القاضي تقي الدين
الفاسي في شفاء الغرام وما ذكره المحب الطبري
يخالف ما أدركنا عليه أهل مكة فإنهم يخرجون من
مكة في اليوم السادس عشر من ذي القعدة ويقيمون
اليوم السابع عشر بالجعرانة ويصلون المغرب بها
ليلة الثامن عشر ويحرمون ويتوجهون إلى مكة وهو
يلائم ما ذكره الواقدي إلا أن في بعض السنين
يحصل للناس خوف فيخرجون من الجعرانة محرمين
قبل الغروب من اليوم السابع عشر وربما خرجوا
منها قبل صلاة العصر وبعده قبل الغروب
(4/38)
..............................................
ـــــــ
انتهى وعلى ما ذكره القاضي تقي الدين أدركنا
عليه عمل أهل مكة لكن يخرج الكثير منهم قبل
صلاة العصر وبعدها قبل الغروب من غير حصول
خوف. وفي هذا الفعل الذي يفعلونه أمور منها
أنهم يفعلونها قبل الوقت الذي فعلها فيه رسول
الله صلى الله عليه وسلم في كثير من الأحيان.
ومنها أن الإحرام بالعمرة في هذا الوقت يفيت
فضيلة الإفراد بالحج لمن يحج في عامه. ومنها
اتخاذ ذلك سنة في كل عام والنبي صلى الله عليه
وسلم إنما صادف اعتماره هذا في ذلك الوقت ولم
يشهر ذلك ولم يأمر به. ومنها أن هناك حجرا
محفورا يسمونه صحفة النبي صلى الله عليه وسلم
وصخرة عظيمة يسمونها ناقة النبي صلى الله عليه
وسلم فيجتمع الرجال والنساء عندهما ويعجنون في
الصحفة عجينا ويقطعونه قطعا صغارا يضعونها في
الدراهم للبركة ويحملون من مائها ويصرون ذلك
مع قطع العجين للمقيمين بمكة. ومن فضائل
الجعرانة أن ما ذكره الجندي عن ابن مالك أنه
اعتمر من الجعرانة ثلاثمائة نبي وفيها ماء
شديد العذوبة يقال إن النبي صلى الله عليه
وسلم فحص موضع الماء بيده المباركة فانبجس
فشرب منه وسقى الناس. ويقال إنه غرز فيه رمحه
فنبع. وقد استوفيت الكلام على ذلك مع مزيد
فوائد عديدة تتعلق بأحكام العمرة والجعرانة
والتنعيم في شرح مناسك الشيخ خليل فمن أراد
الشفاء في ذلك فليراجعه والله أعلم.
الثانية أمره صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن
بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما أن يخرج
بأخته عائشة رضي الله عنها كان في حجة الوداع.
وذلك أنها أحرمت بالعمرة فحاضت قبل أن تطوف
وتسعى للعمرة وأدركهم وقت الوقوف قبل أن تطهر
فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تردف الحج
على العمرة فلما قضت الحج قالت يرجع الناس
بنسكين وارجع أنا بنسك واحد يعني يرجع الناس
بنسكين مفردين وترجع هي بنسك واحد أي بصورة
نسك فإن عمل العمرة اضمحل فأمر أخاها أن
يعمرها من التنعيم. وفي بعض روايات الحديث
وهذه مكان عمرتك وتقدم في عبارة ابن رشد أمرها
رسول الله صلى الله عليه وسلم بقضاء عمرتها
بعد انقضاء حجها وتقدم أن المعنى في ذلك أن
صورتها صورة القضاء لا أنها قضاء حقيقة إذ لا
يلزمها قضاء وإنما يستحب لها أن تأتي بعمرة
كما سيأتي عند قول المصنف وإن أردف الخوف فوات
أو لحيض. وفي مراسيل أبي داود عن ابن سيرين
قال وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل
مكة التنعيم. وقال سفيان هذا حديث لا يعرف
والله أعلم.
الثالثة قال سند وقد رغب الشرع في العمرة في
رمضان لما يرجى من تضاعف الحسنات ففي الموطأ
عن أبي بكر بن عبد الرحمن أن امرأة أتت النبي
صلى الله عليه وسلم فقالت إني كنت قد تجهزت
للحج فاعترض لي فقال النبي صلى الله عليه وسلم
اعتمري في رمضان فإن عمرة فيه بحجة. روي عن
ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد
الحج فقالت امرأة لزوجها أحجني مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم وذكر الحديث إلى أن قال
إنها أمرتني أن أسألك ما يعدل حجة معك فقال
النبي صلى الله عليه وسلم اقرأها السلام ورحمة
الله وأخبرها أنها تعدل حجة معي عمرة في
رمضان. خرجه أبو داود انتهى.
(4/39)
وإن لم يخرج
أعاد طوافه وسعيه بعده,
ـــــــ
وفي مختصر الواضحة ونقله ابن فرحون أفضل شهور
العمرة رجب ورمضان. انتهى. وقال في القوانين
وتجوز في جميع السنة إلا لمن كان مشغولا بالحج
وأفضلها في رمضان انتهى. والحديث في فضلها في
رمضان وأنها تعدل حجة معه عليه الصلاة والسلام
ثابت في صحيح البخاري وغيره وقد استمر عمل
الناس اليوم على الإكثار منها في رجب وشعبان
ورمضان وبعد أيام من آخر الحجة والله أعلم. ص:
"وإن لم يخرج أعاد طوافه وسعيه بعده" ش: يعني
أن من أحرم بالعمرة قبل أن يخرج إلى الحل فإن
إحرامه بها ينعقد على المعروف من المذهب ويؤمر
بالخروج إلى الحل قبل أن يطوف ويسعى لها فإن
طاف وسعى للعمرة قبل خروجه إلى الحل فطوافه
وسعيه كالعدم ويؤمر بإعادتهما بعد الخروج إلى
الحل.
تنبيهات: الأول: ظاهر كلام أهل المذهب أو
صريحه أن الإحرام بها من الحل واجب. قال
القاضي عبد الوهاب في التلقين والمعونة لا
يجوز من الحرم. وكذا قال التلمساني في شرح
الجلاب لا يجوز أن ينشىء الإحرام بها من مكة.
وظاهر كلام صاحب النوادر وابن بشير وغيرهما بل
نقل التادلي في موضعين من مناسكه وابن جماعة
الشافعي في منسكه الكبير عن ابن جماعة التونسي
المالكي أنه حكي قولا في المذهب أنها لا تنعقد
والمعروف من المذهب انعقادها وظاهر كلام
المصنف في التوضيح أنه يتفق على انعقادها
والله أعلم.
الثاني: إذا قلنا إن الإحرام ينعقد فلا دم
عليه على المعروف. وحكى ابن جماعة التونسي أن
عليه الدم. ونص كلامه في تذكرته في الفرعين
على ما نقله التادلي وابن جماعة من أحرم
بالعمرة من الحرم انعقد إحرامه وخرج إلى الحل
ولزمه الدم لمجاوزته الميقات وقيل لا ينعقد.
انتهى.
الثالث: حكم من كان منزله بالحرم كأهل منى
ومزدلفة حكم أهل مكة.
الرابع: بين المصنف حكم من أحرم بالعمرة من
الحل ولم يذكر حكم من أحرم بالقران. وذكر صاحب
الطراز وابن عرفة وغيرهما أنه إذا أحرم
بالقران من مكة أو من الحرم لزمه ذلك ويلزمه
الخروج إلى الحل ولكنه إذا دخل من الحل فلا
يطوف ولا يسعى لأن سعيه يقع في الحج وهو قد
أحرم بالحج من مكة. وقال في المدونة وإذا أحرم
مكي بعمرة من مكة ثم أضاف إليها حجة لزمتاه
وصار قارنا ويخرج للحل ولا دم عليه للقران
لأنه مكي انتهى. ونقله ابن الحاجب. وانظر إذا
فعل ذلك ولم يخرج إلى الحل حتى خرج إلى عرفة
ثم رجع وسعى بعد الإفاضة والظاهر أنه يجزئه
كما يظهر ذلك من كلام ابن بشير وغيره وهو ظاهر
والله أعلم.
(4/40)
وأهدى إن حلق
وإلا فلهما ذو الحليفة والجحفة ويلملم وقرن
وذات عرق.
ـــــــ
الخامس: ما ذكره المصنف من خروج القارن إلى
الحل هو المشهور ومقابله ما عزاه في التوضيح
لسحنون وعبد الملك وإسماعيل وعزاه ابن عرفة
لسحنون ومحمد وإسماعيل. وقال ابن عبد السلام
وهو الظاهر لأن عمل العمرة في القران مضمحل
فوجب أن يكون المعتبر إنما هو الحج والحج ينشأ
من مكة والله أعلم. ص: "وأهدى إن حلق" ش: في
إطلاق الهدي على هذا مسامحة وإنما هو فدية.
وقد اعترض ابن عبد السلام على ابن الحاجب في
إطلاق الدم عليه ولو قال وعليه الفدية كان
أولى لأن غالب استعمالهم لفظ إنما هو في الهدي
لتعينه فيه ابتداء وعدم تعين الدم في الفدية
انتهى. وإطلاق الهدي عليه أشد والله أعلم. ص:
"وإلا فلهما ذو الحليفة والجحفة ويلملم وقرن
وذات عرق" ش: الضمير في لهما راجع للحج
والعمرة أي وإن لم يكن مقيما بمكة فالميقات
المكاني إذا أراد الإحرام بالحج والعمرة هذه
المواقيت المذكورة. والأصل في هذا ما ورد في
الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل
المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل
نجد قرن المنازل ولأهل اليمن يلملم. وقال هن
لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن فمن أراد
الحج والعمرة ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ
حتى أهل مكة من مكة. وفي رواية للبخاري ومن
كان دونهن فمهله من أهله حتى أهل مكة يهلون من
مكة. فأما ذو الحليفة فهو ميقات أهل المدينة
وهو بضم الحاء المهملة وفتح اللام وبالفاء
تصغير حلفة وهو مال لبني جشم بالجيم والشين
المعجمة وهو أبعد المواقيت من مكة بينهما عشر
مراحل أو تسع وبينها وبين المدينة أربعة أميال
على قول ابن حزم. وقال النووي ستة. وقال غيره
سبعة. وقال ابن مسدي وهي من المدينة على أربعة
أميال أو دونها وبين ذي الحليفة ومكة نحو
المائتي ميل تقريبا. قال ابن جماعة ومسجده
يسمى مسجد الشجرة وقد خرب وبها البئر التي
يسمونها العوام بئر علي ينسبونها إلى علي رضي
الله عنه ويزعمون أنه قاتل الجن بها ونسبتها
إليه رضي الله عنه غير معروفة عند أهل العلم
ولا يرمى بها حجر ولا غيره كما يفعله بعض
الجهلة انتهى. قال ابن فرحون في شرح ابن
الحاجب وهي داخل حرم المدينة. وفي بعدها معنى
لطيف وهو أن أهل المدينة يتلبسون بالإحرام في
حرم المدينة ويخرجون محرمين من حرم إلى حرم
فيتميز الإحرام من المدينة بحصول شرف الابتداء
والانتهاء والحاصل بغيره شرف الانتهاء انتهى
بالمعنى.
(4/41)
..............................
ـــــــ
وأما الجحفة فهي ميقات أهل الشام ومصر وأهل
المغرب. قال ابن الحاج ومن وراءهم من أهل
الأندلس انتهى. وكذلك أهل الروم وبلاد
التكرور. قال ابن فرحون في الشرح وهي بضم
الجيم وسكون الحاء المهملة وبالفاء قرية خربة
بين مكة والمدينة على نحو خمسة مراحل من مكة
وهي على نحو ثمان مراحل من المدينة. قال
النووي في تهذيبه وكانت عامرة ذات منبر. قال
صاحب المطالع وغيره سميت جحفة لأن السيل
أجحفها وحمل أهلها انتهى. وذكر ذلك غير واحد
وذكر الشيخ يوسف بن عمر في شرح الرسالة عن
بعضهم أن هذا لا يصح لأن النبي صلى الله عليه
وسلم سماها بذلك في زمانه والسيل إنما أجحفها
في سنة ثمانين من الهجرة انتهى.
قلت: والظاهر أن السيل أجحفها قبل هذا الإجحاف
الذي ذكره الشيخ يوسف بن عمر فقد ذكر في
القاموس أنها كانت تسمى مهيعة فنزلها بنو عبيد
وهم إخوة عاد حين أخرجهم العماليق من يثرب
فجاءهم سيل فأجحفهم فسميت الجحفة. وذكره الشيخ
أبو الحسن الصغير في شرح المدونة وقال في آخره
فأجحفهم أي أهلكهم ويشير إلى ما ذكرناه من قول
ابن الفاكهاني في شرح العمدة سميت بذلك لأن
السيل أجحفها في وقت انتهى. ومهيعة بفتح الميم
وسكون الهاء وفتح المثناة التحتية. قال ابن
جماعة هذا هو المشهور. وقيل بفتح الميم وكسر
الهاء وسكون الياء على وزن جميلة وهي التي دعا
النبي صلى الله عليه وسلم أن ينقل إليها حمى
المدينة وكانت يومئذ دار اليهود ولم يكن بها
مسلم. ويقال إنه لا يدخلها أحد إلا حم وهي
بالقرب من رابغ الذي يحرم الناس منه على يسار
الذاهب إلى مكة انتهى. وقال ابن عبد السلام في
شرح ابن الحاجب وقال بعضهم إن مهيعة قرية
قريبة من الجحفة انتهى. وحديث الدعاء بنقل حمى
المدينة إلى الجحفة في كتاب الحج من الصحيحين
والجحفة قريبة من البحر بينها وبينه ستة
أميال.
وأما يلملم فهو ميقات أهل اليمن والهند ويماني
تهامة وهي بفتح الياء المثناة التحتية واللام
الأولى والثانية وبينهما ميم ساكنة وآخره ميم.
ويقال ألملم بهمزة مفتوحة في موضع الياء ثم
لام مفتوحة ثم ميم ساكنة ثم لام مفتوحة ثم ميم
ساكنة. قال ابن عبد السلام في شرح ابن الحاجب
وابن جماعة الشافعي وهو الأصل. والياء بدل من
الهمزة ويقال يرمرم براءين بدل اللامين وهو
جبل من جبال تهامة على مرحلتين من مكة
وأما قرن بفتح القاف وسكون الراء فهو ميقات
أهل نجد اليمن وأهل نجد الحجاز. والنجد بفتح
النون وسكون الميم ما ارتفع من الأرض وحده ما
بين العذيب إلى ذات عرق وإلى اليمامة وإلى
جبلي طيء وإلى جدة وإلى اليمن وذات عرق أول
تهامة إلى البحر وجدة. وقيل تهامة ما بين ذات
عرق إلى مرحلتين من وراء مكة وما وراء ذلك من
المغرب فهو غور والمدينة لا تهامية ولا نجدية
فإنها فوق الغور ودون نجد قاله في النهاية
وقرن هو جبل في جهة المشرق بينه وبين مكة
مرحلتان قال في التوضيح وهو أقرب المواقيت إلى
مكة وقاله.
(4/42)
..............................
ـــــــ
النووي في شرح مسلم. ثم قال في التوضيح وبينه
وبين مكة أربعون ميلا انتهى. وقال ابن مسدي في
منسكه إن أقرب المواقيت إلى مكة يلملم وقال إن
بينها وبين مكة ثلاثين ميلا. وقال بين مكة
وقرن اثنان وأربعون ميلا وهو غريب فإن الذي
ذكره التادلي أن بين مكة وقرن أربعين ميلا
وبين مكة ويلملم أربعين ميلا. وقال ابن جماعة
الشافعي وغيره في قرن ويلملم وذات عرق إن هذه
الثلاثة على مرحلتين من مكة. ونقل ابن جماعة
أيضا عن ابن حزم أن ذات عرق بينها وبين مكة
اثنان وأربعون ميلا. وقال في الطراز وأبعد
المواقيت ذو الحليفة ويليه في البعد الجحفة
وأما يلملم وذات عرق وقرن فقيل مسافة الجميع
واحدة بين الميقات بينها وبين مكة ليلتان
قاصرتان.
قلت: فالذي تحصل من كلامهم أن هذه المواقيت
الثلاثة متقاربة المسافة إلا أن أقربها كما
قاله النووي والمصنف في التوضيح. وقال في
الإكمال وأصل القرن الجبل الصغير المستطيل
المنقطع عن الجبل الكبير وهوقرن المنازل أو
قرن الثعالب. وقال بعضهم وهو بفتح الراء وهو
خطأ انتهى. وقال ابن جماعة الشافعي بعد أن ذكر
نحو ما تقدم هذا هو المشهور. وقال بعض
المتقدمين من فقهاء الشافعية إن القرن اثنان
أحدهما في هبوط يقال له قرن المنازل والآخر
على ارتفاع وهي القرية وكلاهما ميقات. وقيل
قرن بإسكان الراء لجبل المشرف على الموضع وقرن
بفتح الراء الجبل الذي تفترق منه فإنه موضع
فيه طرق مفترقه انتهى. وعزا صاحب الإكمال هذا
القول الآخر للقابسي. وقال ابن جماعة ويقال له
قرن غير مضاف وسماه في رواية للشافعي في
المسند قرن المعادن. قال في التوضيح قال
النووي وأخطأ الجوهري فيه خطأين فاحشين أحدهما
أنه قال بفتح الراء والثاني أنه زعم أن أويسا
القرني منسوب إليه والصواب أنه منسوب إلى
قبيلة يقال لها بنو قرن بفتح الراء وهي بطن من
مراد كما قاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه في
حديثه الذي ذكر فيه أويسا القرني. وقال ابن
بشير في التنبيه قرن بفتح الراء وإسكانها
والله أعلم. وأما ذات عرق فهو ميقات أهل
العراق وبلاد فارس وخراسان وأهل المشرق ومن
وراءهم وهي بكسر العين المهملة قرية خربة على
مرحلتين من مكة. وقال ابن حزم بينهما اثنان
وأربعون ميلا. ويقال إن بناءها تحول إلى جهة
مكة فتحرى القرية القديمة. ويذكر عن الشافعي
أن من علاماتها المقابر القديمة. قال صاحب
الطراز هذه المواقيت معتبرة بنفسها لا
بأسمائها فإن كان الميقات قرية فخربت وانتقلت
عمارتها واسمها إلى موضع آخر كان الاعتبار
بالأول لأن الحكم تعلق به. وروى ابن عيينة أن
سعيد بن جبير رأى رجلا يريد أن يحرم من ذات
عرق فأخذ به حتى خرج به من البيوت وقطع به
الوادي وأتى به المقابر ثم قال هذه ذات عرق
الأولى انتهى.
تنبيهات: الأول: قال القاضي عبد الوهاب هذه
المواقيت منقسمة على جهات الحرم.
(4/43)
.................................
ـــــــ
انتهى والمواقيت الأربعة الأولى وهي ذو
الحليفة والجحفة ويلملم وقرن متفق على أنها من
توقيت الرسول صلى الله عليه وسلم واختلف في
ذات عرق فقيل إنها من توقيت سيدنا عمر رضي
الله عنه لما روى البخاري عن ابن عمر أنه لما
فتح هذان المصران أتوا عمر فقالوا يا أمير
المؤمنين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حد
لأهل نجد قرنا وهو جور عن طريقنا وإن أردنا
قرنا شق علينا. قال انظر واحذوها من طريقكم
فحد لهم ذات عرق. والمراد بالمصران البصرة
والكوفة والمراد بفتحهما بناؤهما فإنهما بنيتا
في خلافة سيدنا عمر رضي الله عنه وهو الذي
جعلهما مصرين. وقوله جور بفتح الجيم وسكون
الواو أي مائلة عن طريقنا. وقال مالك في
المدونة وقت عمر لأهل العراق ذات عرق ولم يذكر
في الموطأ من وقتها والصحيح أنها من توقيت
النبي صلى الله عليه وسلم ففي صحيح مسلم من
حديث أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله
يسأل عن المهل فقال سمعت أحسبه رفعه إلى النبي
صلى الله عليه وسلم فقال مهل أهل المدينة من
ذي الحليفة والطريق الآخر الجحفة ومهل أهل
العراق من ذات عرق ومهل أهل نجد من قران ومهل
أهل اليمن من يلملم. وقوله عن المهل هو بضم
الميم وفتح الهاء وتشديد اللام أي من موضع
الإهلال وكذلك مهل أهل المدينة وأهل العراق
وأهل نجد وأهل اليمن أي موضع إهلالهم اسم مكان
من أهل. وقوله "أحسبه" يعني أبا الزبير فقال
أظن أن جابرا رفعه إلى النبي صلى الله عليه
وسلم. قال النووي ولا يحتج بهذا الحديث مرفوعا
لكونه لم يجزم برفعه انتهى.
قلت: لكن رواه أبو داود والنسائي على الجزم
وبرفعه من حديث عائشة أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم وقت لأهل العراق ذات عرق وقال ابن
جماعة وإسناده صحيح. ورواه الإمام أحمد من
حديث أبي الزبير عن جابر وجزم برفعه لكن في
سنده ابن لهيعة. ورواه الإمام أحمد من حديث
ابن عمر لكن في سنده إبراهيم بن يزيد الجويري
وهو ضعيف لكن ظهر بما تقدم من طرق الحديث قوته
وصلاحيته للاحتجاج به.
الثاني: قال صاحب الطراز فإن قيل لو وقته رسول
الله صلى الله عليه وسلم لما خفي على عمر ولا
غيره. قلت: يجوز أن يخفى لأن العراق لم تفتح
في زمن الرسول حتى يكون إهلالا شائعا ذائعا
وإنما كان النبي عليه السلام يقول ذلك في بعض
مجالسه بيانا لما سيكون ومثل ذلك يجوز أن يخفى
على معظم الصحابة كما خفي على عمر توريث
المرأة من دية زوجها حتى روي له الحديث بذلك
وخفي على أبي بكر أمر الجدة حتى روي له حكم
الرسول صلى الله عليه وسلم فيها انتهى.
قلت: فيحمل توقيت سيدنا عمر على أنه لم يبلغه
الحديث فوقت ذلك باجتهاده فوافق نص الحديث وقد
نزل القرآن على وفق قوله رضي الله عنه. ثم قال
في الطراز فإن قيل فأهل العراق كانوا مشركين
في زمنه صلى الله عليه وسلم فكيف يكون له
ميقات قلنا عنه جوابان أحدهما
(4/44)
..............................
ـــــــ
أن ذلك لمن جاء من ناحية العراق وإن لم يكن من
أهل العراق نفسها والثاني أنه عليه السلام علم
أنهم يسلمون كما يسلم أهل الشام وكما قال لعدي
بن حاتم يوشك أن تخرج الظغينة من الحيرة تؤم
البيت لا جوار معها لا تخاف إلا الله انتهى.
قلت: يعني أنه كما وقت لأهل الشام ومصر الجحفة
ولم تكونا فتحتا فكذلك وقت لأهل العراق ذات
عرق وإن لم تكن فتحت وقد علم صلى الله عليه
وسلم ما سيفتح بعده وزويت له مشارق الأرض
ومغاربها وقال سيبلغ ملك أمتي ما روي لي منها
وكما أخبر صلى الله عليه وسلم بغير ذلك من
المغيبات وقد ضعف الدارقطني الحديث بما تقدم
أعني كون العراق لم تفتح حينئذ ورد عليه
القاضي عياض بنحو ما تقدم والله أعلم.
الثالث: أجمع العلماء على هذه المواقيت الخمسة
إلا أن الشافعي رضي الله عنه استحب لأهل العرب
أن يهلوا من العقيق لحديث أبي رواه الترمذي عن
ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم وقت لأهل
المشرق العقيق وهو أبعد من ذات عرق بمرحلتين
أو مرحلة والعقيق كل واد نسفته السيول وفي
بلاد العرب مواضع كثيرة تسمى بالعقيق عدها
بعضهم عشرة. ووجه قول الجمهور ما تقدم من نصوص
الأحاديث وإجماع الناس على ما فعله عمر رضي
الله عنه. قال صاحب الطراز ولأنه لا خلاف أنهم
إذا جاوزوا العقيق وأحرموا من ذات عرق فإنه لا
دم عليهم فلو كان العقيق ميقاتا لهم لوجب
عليهم الدم بتركه. قلت: والحديث الذي استدل به
الشافعي في إسناده يزيد بن أبي زياد وقد ضعفوه
وذكر البيهقي أنه قد تفرد به والله أعلم. وقد
نظم بعضهم المواقيت الخمسة في بيتين فقال:
عرق العراق يلملم اليمني.
...
وبذي الحليفة يحرم المدني.
والشامي جحفة إن مررت بها
...
ولأهل نجد قرن فاستبن.
ولم ينون الجحفة ولا قرن اه .
الرابع: قال في الطراز في باب حكم المواقيت
يكره لأهل المدينة أن يحرموا من المدينة لأن
ذلك مخالف لفعله صلى الله عليه وسلم انتهى
والله أعلم.
الخامس: قوله صلى الله عليه وسلم "هن لهن" قال
القاضي عياض كذا جاءت الرواية في الصحيحين
وغيرهما ثم أكثر الرواة يعني أنه بالتأنيث في
قوله لهن قال ووقع عند بعض رواة البخاري ومسلم
هن لهم يعني بتذكير الضمير في قوله لهم قال
وكذا رواه أبو داود وغيره وهو الوجه لأنه ضمير
أهل هذه المواضع. قال ووجه الرواية المشهورة
أن الضمير في لهن عائد إلى المواضع والأقطار
المذكورة وهي المدينة والشام واليمن ونجد أي
هذه المواقيت لهذه الأقطار والمراد لأهلها
فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه انتهى.
وقوله هن بالتأنيث قال الفاكهاني في شرح
العمدة أكثر ما تستعمل العرب هذه الصيغة فيما
دون العشرة وما جاوز العشرة استعملته بالألف
والهاء. قال الله تعالى {إِنَّ عِدَّةَ
الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ
شَهْراً فِي
(4/45)
ومسكن دونها
وحيث حاذى واحدا أو مر,
ـــــــ
كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ}
[التوبة: من الآية36] أي من الاثني عشر ثم قال
{فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ}
[التوبة: من الآية36] أي في هذه الأربعة. وقد
قيل في الاثني عشر وهو ضعيف شاذ فاعلم هذه
القاعدة فإنها من النفائس. قلت: ذكرها القاضي
عياض في الإكمال في شرح هذا الحديث قال وأما
قوله فهن فجمع من لا يعقل بالهاء والنون فإن
العرب تستعمله وأكثر ما تستعمله فيما دون
العشرة وتستعمل ما جاوز العشرة بالهاء ثم ذكر
الآية. ص: "ومسكن دونها" ش: يعني به أن من بين
مكة والمواقيت فميقاته منزله وهذا ظاهر والأصل
فيه قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق
لما ذكر المواقيت ومن كان دونهن فمهله من أهله
حتى أهل مكة يهلون من مكة رواه البخاري كما
تقدم.
تنبيهات: الأول: ظاهره سواء كان منزله في الحل
أو في الحرم وهو كذلك لمن أراد الإحرام بالحج.
وأما من أراد الإحرام بالعمرة فإن كان منزله
في الحل أحرم منه فإن كان في الحرم فلا بد من
الخروج إلى الحل كما تقدم وكذلك إن أراد
القران على المشهور وقد تقدم بيان جميع ذلك
والله أعلم.
الثاني: إذا قلنا يحرم من منزله فمن أين يحرم
قال في الطراز قال مالك في الموازية يحرم من
داره أو من مسجده ولا يؤخر ذلك. وهذا بين لأنا
إن قلنا من داره فلقوله صلى الله عليه وسلم
"فمن كان دونهن فمن أهله" . وإن قلنا من
المسجد فواسع لأنه موضع الصلاة ولأن أهل مكة
يأتون المسجد فيحرمون منه وكذلك أهل ذي
الحليفة يأتون مسجدهم. والأحسن أن يحرم من
أبعدهما من مكة واستحب أصحاب الشافعي أن يحرم
من حد قريته الأبعد من مكة ويجري ذلك على قول
مالك في الموازية. وقد سئل في ميقات الجحفة
أيحرم من وسط الوادي أو من آخره قال كله مهل
ومن أوله أحب إليه انتهى. وسيأتي كلام
الموازية بكماله عند قول المصنف كإحرامه أوله.
الثالث: سيأتي عند قول المصنف "إلا كمصري" حكم
ما إذا سافر من منزله دون الميقات لما وراء
منزله أو لما وراء الميقات والله أعلم.
الرابع: قال في الجلاب ومن كان منزله بعد
المواقيت إلى مكة أحرم منه فإن أخر الإحرام
منه فهو كمن أخر الإحرام من ميقاته في جميع
صفاته انتهى وهذا بين والله أعلم. ص: "وحيث
حاذى واحدا أو مر" ش: يعني أن من حاذى واحدا
من هذه المواقيت أو مر عليه وجب عليه الإحرام
منه إلا المصري ومن ذكر معه إذا مروا بالحليفة
فلا يجب عليهم
(4/46)
ولو ببحر
ـــــــ
الإحرام منه ولكن يستحب كما سيأتي . قال أبو
إسحاق التونسي ومن كان بلده بعيدا من الميقات
مشرقا عن الميقات أو مغربا عنه وإذا قصد إلى
مكة من موضعه لم ير ميقاتا وإذا قصد إلى
الميقات شق عليه ذلك لإمكان أن تكون مسافة
بلده إلى الميقات مثل مسافة بلده إلى مكة فإذا
حاذى الميقات بالتقدير والتحري أحرم ولم يلزمه
السير إلى الميقات وكذلك من حج في البحر فإذا
حاذوا الميقات أحرموا انتهى . فرع: حكم من كان
منزله حذاء الميقات حكم من حاذى الميقات في
السر . قال في النوادر ومن كان منزله حذاء
الميقات فليحرم من منزله وليس عليه أن يأتي
الميقات انتهى . لكن إن كان منزله قريبا من
الميقات فيستحب له الذهاب إلى الميقات . قال
سند في باب حكم المواقيت إن من كان منزله بقرب
المواقيت فيستحب له أن يذهب إلى الميقات فيحرم
منه . قاله فيمن أراد الإحرام بالعمرة.
قلت: والظاهر أن مريد الحج أو القران كذلك
والله أعلم . وشمل كلام المصنف المكي إذا مر
بميقات من هذه المواقيت أو حاذاه فإنه يجب
عليه الإحرام منه ولا يتعداه وهو كذلك . قال
الشيخ أبو محمد في مختصر المدونة وإذا مر مكي
بأحد المواقيت فجاوزه ثم أحرم بحج أو عمرة فإن
لم يكن حين جاوزه يريد إحراما بأحدهما فلا دم
عليه وإلا فعليه الدم وكذلك لو لم يحرم حتى
دخل مكة فأحرم فإن كان إذا جاوزه مريدا وإلا
فلا شيء عليه وقد أساء في دخوله مكة بغير
إحرام . ثم قال وأهل الشام ومصر وأهل المغرب
يقدم معهم فذلك ميقات له . قال سند إذا مروا
على ذات عرق أو يلملم أو قرن صار ذلك ميقاتا
لهم فإن تعدوه فعليهم دم إذ لا يتعدونه إلى
ميقات لهم . قال وكذلك المكي يقدم معهم فذلك
ميقات له . قال سند في باب المواقيت لما تكلم
على إحرام المكي بالحج من خارج الحرم ما نصه
لو سافر المكي من مكة ثم رجع إليها أحرم من
الميقات الذي يمر به . وصرح بذلك في موضع آخر
وسيأتي كلامه فيه عند قول المصنف "إلا كمصري".
فإن قيل مقتضى ما ذكروه في المصري ومن ذكر معه
من جواز تأخيرهم والإحرام للجحفة لأنها
ميقاتهم أن يجوز للمكي تأخير الإحرام إلى مكة
لقوله صلى الله عليه وسلم "حتى أهل مكة من
مكة". فالجواب ما ذكره صاحب الطراز وغيره أن
المواقيت إنما شرعت لئلا يدخل مكة بغير إحرام.
فلو أجزنا للمكي دخول مكة بغير إحرام لزم منه
إبطال الحكم التي لأجلها شرعت المواقيت وتقدم
نحوه في كلام الباجي في المكي إذا أحرم بالحج
من الحل. قلت: ومقتضى هذا الكلام أن المكي إذا
مر بذي الحليفة وجب عليه الإحرام منه ولا يؤخر
للجحفة وهو ظاهر وفي كلام ابن أبي زيد وصاحب
الطراز ما يدل على ذلك والله أعلم. ص: "لو
ببحر" ش: يعني أن من سافر في البحر فإنه يحرم
إذا حاذى الميقات ولا يؤخر إلى البر . وهكذا
قال في مناسكه ونصه ومن سافر في البحر أحرم
أيضا في البحر إذا حاذاه
(4/47)
إلا كمصري يمر
بالحليفة فهو أولى
ـــــــ
على ظاهر المذهب خلافا لسند في قوله إنه يؤخر
للبر خوفا من أن ترده الريح فيبقى محرما وهو
ظاهر من جهة المعنى. ونقل ابن الحاج عن ابن
نافع مثل قول سند فقال وقال ابن نافع لا يحرم
في السفن ورواه عن مالك انتهى. ويشير بقوله
"على ظاهر المذهب" إلى قول مالك في الموازية
قال في النوادر قال محمد قال مالك ومن حج في
البحر من أهل مصر وشبههم إذا حاذى الجحفة
انتهى. ونقله جماعة وأبقوه على ظاهره وهو ظاهر
كلام المؤلف هنا وأجمل رحمه الله فيما حكاه عن
سند وذلك لأن سندا يقول من أتى بحر عيذاب حيث
لا يحاذي البر فلا يجب عليه الإحرام في البحر
إلى أن يصل إلى البر إلا أن يخرج على بر أبعد
من ميقات أهل الشام وأهل اليمن ولا يلزمه
بتأخير الإحرام إلى البر هدي. وأما إن أتى على
بحر القلزم حيث يحاذي البر فالإحرام عليه في
البحر واجب لكن يرخص له التأخير إلى البر
ويلزمه الهدي. والفرق بينهما أن الأول في
إحرامه في البحر على محاذاة الجحفة خطر خوفا
من أن ترده الريح فيبقى محرما حتى يتيسر له
إقلاع سالم. قال وهذا من أعظم الحرج المنفي من
الدين. وإذا ثبت الجواز ترتب عليه نفي الدم
حتى يدل دليل على وجوبه ولا دليل وأما الثاني:
فإنه قادر على الإحرام من البر من نفس الجحفة
والسير فيه لكن عليه ضرر في النزول إلى البر
ومفارقة رحله فيجوز له التأخير للضرورة مع
إلزامه الهدى كما يجوز استباحة ممنوعات
الإحرام للضرورة مع وجوب الفدية والله أعلم
انتهى مختصرا بالمعنى. فقد ظهر الإجمال الذي
في كلام المصنف الذي حكاه عن سند وأن قول سند
ليس كرواية ابن نافع من كل وجه وقد ذكر المصنف
التوضيح كلام سند كما ذكرناه ولم يتعقبه بأنه
خلاف ظاهر المذهب كما قال في مناسكه وكذلك
القرافي في ذخيرته وابن عرفة والتادلي وابن
فرحون في شرح ابن الحاج وفي مناسكه ولم
يتعقبوه بأنه خلاف بل ظاهر كلامهم أنهم قبلوا
تقييده كلام مالك بما ذكر وهذا هو الظاهر
فيتعين تقييد كلام المصنف به وقد شاهدت الوالد
يفتي بما قاله سند غير مرة والله أعلم.
تنبيهان: الأول: قال سند ولا يرحل من جدة إلا
محرما لأن جواز التأخير إنما كان للضرورة وقد
زالت. وهل يحرم إذا وصل البر أو إذا ظعن من
جدة يحتمل والظاهر إذا ظعن لأن سنة من أحرم
وقصد البيت أن يتصل إهلاله بالمسير.
الثاني: هذا التفصيل التي ذكره سند في جهة
الشام في بحر عيذاب وبحر القلزم يقال مثله في
جهة اليمن والهند وهذا ظاهر والله أعلم. ص:
"إلا كمصري بما يمر بالحليفة فهي أولى" ش:
أشار بالكاف للمغاربة والشاميين ومن وراءهم
ويمكن أن يقال أشار بها لذلك ولما
(4/48)
...................................
ـــــــ
ذكره سند من أنه يلحق بهم في جواز تأخير
الإحرام عن الميقات الذي يمر به وهو من كان
منزله بين مكة والمواقيت إذا سافر لما وراء
الميقات ونصه من كان منزله دون الميقات وسافر
لما وراء الميقات ثم أتى مريدا لدخول مكة فهذا
له أن يحرم من الميقات وله أن يؤخر إلى منزله
كما يؤخر المصري إحرامه من الحليفة إلى الجحفة
فينظر هاهنا إن كان يريد الحج أخر إحرامه إلى
منزله إن شاء إذا كان منزله بغير مكة ولا
يؤخره إذا كان مسكنه مكة إذ لا يدخل المكي مكة
إلا محرما فلما وجب عليه الإحرام قبل منزله
وجب عليه الإحرام من الميقات الذي مر به وهو
كمن لا ميقات لإحرامه بعده وإن كان هذا الداخل
معتمرا نظرت فإن كان منزله في الحل جاز له
التأخير له وإن كان في الحرم لم يجز كالمكي
انتهى. ونقله في الذخيرة على أنه المذهب وهو
ظاهر ولم أقف على ما يخالفه إلا ما ذكره
القرطبي في شرح مسلم فإنه قال ما نصه ولو مر
من منزله بعد المواقيت بميقات من المواقيت
المعينة العامة وهو يريد الإحرام وجب عليه أن
يحرم منه ولا يؤخر الإحرام إلى بيته لقوله صلى
الله عليه وسلم "هن لهن ولمن أتى عليهن من غير
أهلهن" ويخالف هذا من كان ميقاته الجحفة ومر
بذي الحليفة فإن له أن يؤخر الإحرام إلى
الجحفة لأن الجحفة ميقات منصوب نصبا عاما لا
يتبدل بخلاف المنزل فإنه إضافي يتبدل بالساكن
فانفصلا انتهى.
قلت: وما قاله سند أظهر والله أعلم. ولا شك أن
إحرامه من الميقات أفضل كما يؤخذ ذلك من قياسه
على المصري إذا مر بذي الحليفة وإن كان ليس في
كلامه التصريح بأن إحرامه من الميقات أولى
ولكنه ظاهر من جهة المعنى وللخروج من الخلاف.
وانظر على ما قال القرطبي إذا سافر من منزله
دون الميقات إلى منزل أبعد منه ولكنه دون
الميقات أيضا ثم أراد دخول مكة أو أراد
الإحرام فهل يلزمه أن يحرم من المنزل الأبعد
أو له أن يؤخر إلى منزله لأن المنزل الذي هو
به ليس بميقات عام وهذا هو الذي يدل عليه
تعليله والله أعلم. وأما على ما قاله سند
وصاحب الذخيرة فيجوز له التأخير إلى منزله ولا
إشكال في ذلك والظاهر أنه يستحب له الإحرام من
المنزل الأبعد والله أعلم.
قلت: ومقتضى كلام صاحب الطراز أن من كان منزله
في الحرم وأراد الإحرام بالحج جاز له أن يؤخر
ذلك إلى منزله وأن يدخل الحرم بغير إحرام
ومقتضى ذلك أيضا أنه لا يجب على من أراد دخول
الحرم ولم يرد دخول مكة الإحرام كما لو كان
مسكنه بالحرم وأراد دخوله ولم يرد دخول مكة أو
أراد دخول الحرم لحاجة دون مكة وبذلك صرح ابن
جماعة الشافعي في منسكه الكبير فقال وقال غير
المالكية إن حكم دخول الحرم حكم دخول مكة فيما
ذكرنا لاشتراكهما في الحرمة ولم يلحق المالكية
الحرم بمكة في ذلك انتهى. وقول المصنف الآتي
والمار به إن لم يرد مكة أو كعبد فلا إحرام
عليه ولا دم كالصريح في ذلك ولم أر في كلام
أهل المذهب ما يخالف ذلك إلا ما وقع في
المدونة فيمن دخل مكة بغير إحرام وإن لم يكن
مريد
(4/49)
...............................
ـــــــ
النسك قال فيها لا دم عليه وقد أساء حين دخل
الحرم حلالا. ويمكن أن يكون مراده بالحرم مكة
لأن فرض المسألة فيمن دخل مكة بغير إحرام
فتأمله والله أعلم. وهذا فيمن دخل الحرم إلى
منزله ولم يحتج إلى دخول مكة أما لو لم يمكنه
المرور إلى منزله إلا بالمرور على مكة فلا
إشكال في أنه يجب عليه الإحرام والله أعلم.
تنبيهان: الأول: ما ذكره المصنف من أن المصري
ومن ذكر معه إذا مروا بالحليفة فالأولى لهم أن
يحرموا منها ويجوز لهم التأخير للجحفة إنما
ذلك إذا كان المصري ومن ذكر معه يمرون بالجحفة
أو يحاذونها وأما إن أرادوا ترك المرور
بالجحفة فلا رخصة لهم في ترك الإحرام من ذي
الحليفة. قال ابن حبيب في الواضحة إن أراد
المصري ومن ذكر معه ترك الممر بالجحفة فلا
رخصة لهم حينئذ في ترك الإحرام من ذي الحليفة
انتهى. وقال اللخمي لما ذكر أن لأهل الشام
ومصر وأهل المغرب إذا مروا على ذي الحليفة أن
يؤخروا إلى الجحفة ما نصه وإن لم يمروا
بالجحفة فلهم أن يؤخروا ليحرموا إذا حاذوها
وكذلك كل من لا يمر بميقاته فمهله إذا حاذاه
في بر أو بحر. وقال ابن حبيب إذا لم يكن مرور
أهل الشام وأهل المغرب بالجحفة فلا رخصة لهم
في ترك الإحرام من ذي الحليفة يريد إذا لم يكن
مرورهم على موضع يحاذي ميقاتهم انتهى. ونقله
المصنف في التوضيح وابن عرفة والتادلي وابن
فرحون وظاهر كلامهم أن كلام اللخمي تقييد لما
قاله ابن حبيب لا خلاف وهو ظاهر إذ لو ترك على
ظاهره لكان مشكلا ولذلك استشكله الشيخ أبو
محمد وقال انظر لم ذلك وهم يحاذون الجحفة نقله
عنه ابن عبد السلام والمصنف في التوضيح وابن
فرحون وغيرهم. ولم يذكر سند وابن عبد السلام
تقييد اللخمي وكلام سند في غير موضع من الطراز
يقتضي اعتباره والله أعلم.
الثاني: فهم من قول المصنف "إلا كمصري" الخ أن
غير المصري ومن ذكر معه كالعراقي ونحوه إذا
مروا بذي الحليفة أنه يتعين عليهم الإحرام
منها وصرح بذلك في مناسكه قال ولو مر العراقي
ونحوه من ذي الحليفة تعين عليهم الإحرام إذ لا
يتعداه إلى ميقات له. فقوله "إنه يتعين عليهم
الإحرام" يقتضي أن ذلك واجب عليهم وأنهم إن
أخروا الإحرام عن ذي الحليفة لزمهم الدم وهذا
ظاهر المدونة. وصرح بذلك الشيخ أبو محمد في
مختصر المدونة فقال ومن مر من أهل اليمن أو
نجد العراق بذي الحليفة صارت ميقاتا له لا
يتعداها فإن تعداها إلى الجحفة فعليه دم إذ لا
يتعداها إلى ميقات له وكذلك سائر أهل البلدان
خلا أهل الشام ومصر والمغرب فذلك لهم إذ
الجحفة ميقاتهم والفضل لهم في إحرامهم من ذي
الحليفة انتهى. وقال في الرسالة بعد أن ذكر
أهل العراق واليمن ونجد ومن مر من هؤلاء
بالمدينة فواجب عليه أن يحرم من ميقات أهلها
من ذي الحليفة إذ لا يتعداه إلى ميقات له
انتهى. وقال أبو إسحاق وكل من مر بميقات ليس
له فعليه أن يحرم منه إذا لم يكن ميقاته بين
يدي هذا الذي مر لأنه قد صار هذا الذي مر به
ميقاتا له لما لم يكن بين يديه ميقات له ومن
تعداه كان
(4/50)
وإن لحيض رجي
رفعه
ـــــــ
عليه الدم انتهى. ونحوه في كلام صاحب التلقين
وغير واحد من أهل المذهب. وقال في الطراز بعد
أن ذكر لفظ المدونة هذا يقتضي أن ذلك يجب
عليهم حتى إنهم إن أخروا عن ذي الحليفة أهدوا.
وقال في المختصر وأحب لأهل المشرق إن مروا بذي
الحليفة أن يحرموا منها. وهذا يقتضي أن ذلك
على الاستحباب ثم وجه كلا من القولين ثم قال
والأول أبين انتهى. وقال في النوادر بعد أن
ذكر كلام مالك في المختصر وقال في المدونة ليس
لمن مر بها من أهل العراق أن يجاوزها لأنه لا
يتعداه إلى ميقات له انتهى. فنبه على أنه خلاف
مذهب المدونة. ويوجد في بعض نسخ ابن عبد
السلام بعد أن ذكر كلام المختصر وهو خلاف
المدونة ولم يذكر المصنف في التوضيح ولا ابن
عرفة القول الثاني فتأمله والله أعلم. ص: "وإن
لحيض رجي رفعه" ش: يعني أن إحرام الحائض من
أهل مصر والشام ونحوهم من الحليفة أولى من
تأخيرهم الإحرام إلى الجحفة وإن أدى ذلك إلى
إحرامها الآن من غير صلاة وكانت ترتجي إذا
أخرت إلى الجحفة أن تطهر وتغتسل وتصلي للإحرام
وقال في الطراز في باب ما يفعل عند الإحرام.
وقال مالك في المختصر لا تؤخر إلى الجحفة رجاء
أن تطهر وهو بين لأن الإحرام بذي الحليفة أفضل
إجماعا فإنها تقيم في العبادة أياما قبل أن
تصل إلى الجحفة فلا يفي غسلها بفضل تقدمه
إحرامها من ميقات النبي صلى الله عليه وسلم
اه.
قلت: وفي قوله لا يفي غسلها نظر لأنه يقتضي أن
الحائض لا تغتسل وليس كذلك كما صرح به هو غيره
ولعله أراد أن يقول فلا يفي ركوعها لأن الركوع
هو الذي يفوتها في تعجيل الإحرام من ذي
الحليفة. ووقع له ذلك أيضا في موضع آخر قبل
هذا ونصه إن كانت الحائض والنفساء من أهل ذي
الحليفة وأمكنها المقام في أهلها حتى تطهر
فاستحسن الشافعي أن لا تعجل بالسفر إن لم
تدعها إليه ضرورة وتؤخر حتى تطهر فتغتسل وتركع
وتحرم على أكمل حالها. وقال مالك عند محمد
تغتسل ولا تؤخر لانتظار الطهر وهو بين فإنها
إذا أحرمت من الآن دخلت في العبادة والذي
يفوتها من الفضيلة بالحرمان فوق ما يفوتها من
فضيلة الغسل بعد أيام وزمان انتهى. ونقله ابن
عبد السلام في الكلام على سنن الإحرام وذكره
في الشامل أيضا. وفي كلام سند الأخير فائدة
أخرى وهي التصريح بأن الحائض والنفساء إذا
كانتا ممن يجب عليهما الإحرام من ذي الحليفة
لا يرخص لهما عند مالك في تأخير الإحرام إلى
الجحفة رجاء أن تطهر وهو ظاهر كلام النوادر
ونصه ولا تؤخر الحائض من
(4/51)
.................................
ـــــــ
ذي الحليفة الجحفة رجاء أن تطهر انتهى فظاهره
سواء كانت ممن يجب عليهما الإحرام من ذي
الحليفة أو ممن يستحب لها وهو أيضا ظاهر كلام
سند الأول الذي نقله عن مالك في المختصر والله
أعلم.
فرع: والمستحب لمن أحرم من ذي الحليفة غير
الحائض أن يصلي في مسجدها ثم يركب ثم يهل
والحائض تحرم من فناء مسجدها قال سند في باب
ما يفعل عند الإحرام قال مالك في الموازية
والعتبية ويجبر الكري أن ينيخ بالمكتري بباب
مسجد ذي الحليفة حتى يصلوا ثم يركبون فيهلون
وليس له أن يقول اذهبوا فصلوا ثم تأتون إلي
فأحملكم. قال في الموازية وتحرم الحائض من
رحلها إن كانت بالجحفة وبينها وبين المسجد
هنيهة وإن كانت بالشجرة يريد من ذي الحليفة
فمن فناء المسجد ولأنه خلل وذلك أن ذا الحليفة
موضع يقصد لركوع الإحرام اقتداء بالنبي صلى
الله عليه وسلم فأما من أحرم من سائر المواقيت
عداه فالأفضل له أول الميقات انتهى. ومسألة
الكري في رسم مساجد القبائل من سماع ابن
القاسم وقال ابن رشد من شرحها وهذا كما قال
لأن ذلك عرف فدخل عليه الكري انتهى.
فرع: اختلف في المدني المريض هل يرخص له في
تأخير الإحرام إلى الجحفة أم لا على قولين
وهما لمالك في الموازية فقال مرة لا ينبغي له
أن يجاوز الميقات لما يرجوه من قوة وليحرم فإن
احتاج إلى شيء افتدى. وقال مرة لا بأس أن يؤخر
إلى الجحفة. نقل القولين صاحب النوادر واللخمي
وصاحب الطراز والمصنف في التوضيح وغيرهم. قال
اللخمي والأول أقيس وهو مخاطب بالإحرام من
ميقاته فإن احتاج إلى شيء مخيط أو تغطية الرأس
فعل وافتدى انتهى. وقال في الطراز والأول أحسن
لأن المرض لا يبيح مجاوزة الميقات كما في سائر
المواقيت. والقول الآخر استحسان لأنه ميقات
يجوز لبعض النساك أن يتجاوزه فكانت الضرورة
وجها في جواز مجاوزته إلى غيره وهذا استحسان
والقياس الأول انتهى. وقال في التوضيح بعد ذكر
القولين عن مالك اللخمي وغيره والأول أقيس.
ابن بزيزة والمشهور الثاني للضرورة انتهى.
وقال في النوادر بعد أن ذكر الروايتين وفي
رواية ابن عبد الحكم لا يؤخر إلى مكة ورب مريض
أرى له ذلك حتى يأتي الجحفة انتهى. وقال ابن
عرفة وفي تأخير المدني إحرامه للجحفة لمرض
رواية ابن عبد الحكم مع إحدى روايتي محمد.
ونقل ابن عبد السلام القولين لا بقيد المرض لا
أعرفه إلا نقل أبي عمر إن أخر المدني للجحفة
ففي لزوم الدم قولا مالك وبعض أصحابنا انتهى.
قلت: لعله سقط من نسخة ابن عبد السلام قيد
المرض والذي رأيته في نسخ من ابن عبد السلام
ما نصه واختلف في المدني المريض هل يرخص له في
تأخير الإحرام إلى الجحفة والقياس أنه لا يؤخر
انتهى. واعتمده في الشامل تشهير ابن بزيزة
فقال ورخص للمدني يمر
(4/52)
كإحرامه أوله
ـــــــ
بذي الحليفة مريضا في تأخيره للجحفة على
المشهور لا لمكة انتهى. وكذا التلمساني وسيدي
الشيخ أحمد زروق وفي شرح الإرشاد وعليه اقتصر
أبو إسحاق التونسي ونصه والمريض يحرم بذي
الحليفة وإن أصابه شيء افتدى وإن أخر إلى
الجحفة فهو في سعة وأما إن أراد أن يترك
الإحرام لمرضه حتى يقرب من مكة لغير ميقات له
فلا يفعل وليحرم من الميقات انتهى. فتحصل من
هذا أن في المسألة قولين أحدهما أنه يرخص له
في التأخير وهو الذي شهره ابن بزيزة والثاني:
أنه لا يرخص له في التأخير وقد علمت أن هذا
القول رجحه اللخمي وصاحب الطراز وابن عبد
السلام والله أعلم. وانظر على هذا القول هل
التأخير حرام ويجب بسبب الهدي أم لا ولفظ
النوادر المتقدم لا ينبغي وهكذا نقله اللخمي
وسند المصنف وغيرهم وهو لا يقتضي التحريم
ونقله ابن بشير في التنبيه بلفظ لا يجوز وهو
يقتضي التحريم ونصه وهل للمريض من أهل المدينة
ومن غيرها أن يؤخر إذا مر بذي الحليفة حتى
يحرم من الجحفة قولان أحدهما أن ذلك جائز
لعذره والثاني: أن ذلك لا يجوز وليحرم فإن طرأ
عليه ما يوجب الفدية افتدى انتهى. فلعله فهم
قول لا ينبغي على التحريم. وفي كلامه فائدة
أخرى وهي أن القولين جاريان في المريض ولو كان
من غير أهل المدينة وهو ظاهر ومثله ما تقدم في
كلام أبي إسحاق التونسي ويعني بغير أهل
المدينة من يجب عليه الإحرام من ميقات أهلها
احترازا من المصري ومن ذكر معه لأن الإحرام من
الحليفة في حق هؤلاء مستحب والله أعلم.
تنبيه: قال ابن فرحون في شرحه لو كان المدني
غير مريض وأخر الإحرام إلى الجحفة ففي وجوب
الدم وسقوطه قولان. والوجوب لمالك. واختلف
أصحابه في الوجوب والسقوط. ذكره ابن عبد البر
في الاستذكار ونقله التادلي في مناسكه انتهى
ونحوه في مناسكه. والذي نقله التادلي عن ابن
زرقون عن ابن عبد البر أنه قال اختلف في مريد
الحج والعمرة يجاوز ميقاته إلى ميقات أقرب منه
مثل أن يترك المدني الإحرام من ذي الحليفة
ويحرم من الجحفة فقال مالك عليه دم. ومن
أصحابه من أوجب الدم فيه ومنهم من أسقطه
انتهى. وهكذا نقل المصنف في التوضيح عن ابن
عبد البر في الاستذكار ولم يقيده بمرض ولا
بغير مرض ولكنه ظاهر في أن المراد به الصحيح
ولذا قال في الشامل ولا يؤخره صحيح وإلا فالدم
على الأصح. وتقدم في كلام ابن عرفة أنه لا
يعرف الخلاف بغير قيد المرض إلا لابن عبد البر
والله أعلم. ص: "كإحرامه أوله" ش: يعني أن
الإحرام من أول الميقات أولى لأن المبادرة إلى
الطاعة مستحبة. قال في النوادر ومن كتاب ابن
المواز قيل لمالك في ميقات الجحفة أيحرم من
وسط الوادي أو آخره قال كله مهل وليحرم من
أوله أحب إلي. وكذلك ما كان مثل الجحفة من
(4/53)
وإزالة شعثه
ـــــــ
المواقيت. وسئل أيضا أيحرم من الجحفة من
المسجد الأول أو الثاني قال ذلك واسع ومن
الأول أحب إلينا انتهى. ونقله سند وذكر
المسألة الأخيرة في رسم حلف ليرفعن من سماع
ابن القاسم إلا أنه لم يقل ومن الأول أحب
إلينا ولم يزد ابن رشد في شرحها شيئا غير أنه
ذكر كلام مالك الأول أعني قوله مهل ومن أوله
أحب إلي وعزاه للمختصر الكبير. وانظر هل مراد
مالك بالمسجد الأول رابغ أم لا والله أعلم.
تنبيه: يستثنى من هذا من أحرم من ذي الحليفة
فإنه تقدم أن الأفضل له أن يركع للإحرام في
مسجدها ثم يحرم إذا خرج منه وتحرم الحائض من
فنائه ولا تدخل. وتقدم قول صاحب الطراز أن
مسجدها يقصد لركوع الإحرام اقتداء به عليه
السلام وإن من أحرم من سائر المواقيت عداء
فالأفضل له أول الميقات والله أعلم.
فائدة قال ابن مسدي في خطبة منسكه وعن سفيان
بن عيينة قال قال رجل لمالك بن أنس من أين
أحرم قال أحرم من حيث أحرم صلى الله عليه
وسلم. فأعاد عليه مرارا وقال فإن زدت على ذلك
قال فلا تفعل فإني أخاف عليك الفتنة. قال وما
في هذه من الفتنة إنما هي أميال أزيدها فقال
مالك قال الله تعالى {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ
يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ
فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}
[النور: من الآية63] قال وأي فتنة في هذا قال
وأي فتنة أعظم من أن ترى أنك أصبت فضلا قصر
عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ترى أن
اختيارك لنفسك في هذا خيرا من اختيار الله لك
واختيار رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى.
وقال فيه أيضا روينا عن ينعقد بن عيسى قال
سمعت مالكا يقول إنما أنا بشر أخطئ وأصيب
فانظروا في رأيي فكل ما وافق الكتاب والسنة
فخذوا به وما لم يوافق السنة من ذلك فاتركوه
انتهى. ص: "وإزالة شعثه" ش: الضمير عائد إلى
الذي يريد الإحرام يعني أن الأفضل لمن يريد
الإحرام أن يزيل شعثه بأن يقلم أظفاره ويقص
شاربه ويحلق عانته وينتف إبطه ويزيل الشعر
الذي على بدنه ما عدا شعر رأسه فإن الأفضل له
إبقاؤه طلبا للشعث في الحج لكن نص ابن بشير
على أن الأفضل أن يلبده بصمغ أو غاسول فيلتصق
بعضه على بعض وتقل دوابه أي لا يكثر فيه
القمل. ونقله المصنف في التوضيح بلفظ ويقتل
دوابه. ونقل في مناسكه بلفظ وتموت دوابه. وذلك
مشكل لأنه يقتضي أن ذلك يقتل دواب رأسه بعد أن
يلتصق الشعر بعضه على بعض فيكون حاملا للنجاسة
أو شاكا في ذلك لأن القملة إذا ماتت نجست على
المشهور كما تقدم في كتاب الطهارة. وأيضا فإن
يحمل على أن يقع القتل للقمل بعد الإحرام
والذي في لفظ ابن بشير إنما هو لتقل دوابه من
القلة ضد الكثرة
(4/54)
وترك اللفظ به
والمار به إن لم يرد مكة أو كعبد فلا إحرام
عليه ولا دم وإن أحرم إلا الضرورة.
ـــــــ
والله أعلم. قال الشيخ زروق في شرح الإرشاد
ويستحب المبالغة في إزالة درنه وتقليم إظفاره
قبل إحرامه. والشعث الدرن والوسخ والقشب
انتهى. ص: "وترك اللفظ به" ش: يعني أن من ترك
التلفظ بالنسك الذي يريده والاقتصار على النية
أفضل من التلفظ بذلك عند مالك. قال المصنف في
منسكه هذا هو المعروف. وروي عن مالك كراهة
التلفظ وروي عن ابن وهب التسمية أحب إلي. وفي
الموازية قال مالك ذلك واسع سمى أو ترك. وصفة
التسمية أن يقول لبيك بحجة أو لبيك بعمرة وحجة
أو يقول أحرمت بحجة أو عمرة أو بهما.
تنبيه: قال الشيخ عبد الرحمن الثعالبي في جامع
الأمهات قبل التلفظ أولى للخروج من الخلاف فإن
أبا حنيفة يقول إنه إن لم ينطق ينعقد إحرامه
انتهى والله أعلم. ص: "والمار به إن لم يرد
مكة أو كعبد فلا إحرام عليه ولا دم وإن أحرم"
ش: يعني أن المار بالميقات إذا لم يرد دخول
مكة بل كانت حاجته دون مكة أو في جهة أخرى
فإنه لا إحرام عليه ولو بدا له بعد أن جاوز
الميقات دخول مكة وأحرم بعد مجاوزته للميقات
لا دم عليه. وهذا لا خلاف فيه إلا أن يكون
صرورة ففيه خلاف كما سيأتي. وكذلك لا يجب
الإحرام على من لا يخاطب بفريضة الحج كالعبد
والصبي وإليه أشار بقوله أو كعبد وشمل كلامه
رحمه الله من لا يخاطب بفريضة الحج كالعبد
والجارية والصبي والمجنون والمغمى عليه ومن لا
يصح منه الإحرام به كالكافر. وقال في المدونة
وللسيد أن يدخل عبده أو أمته مكة بغير إحرام
ويخرجهما إلى منى وعرفات غير محرمين فإن أذن
السيد لعبده بعد ذلك فأحرم من مكة فلا دم على
العبد لترك الميقات. وإذا أسلم النصراني أو
عتق بعد أو بلغ صبي أو حاضت الجارية بعد
دخولهم مكة أو وهم بعرفات فأحرموا حينئذ
فوقفوا أجزأتهم عن حجة الإسلام ولا دم عليهم
لترك الميقات. قال ابن يونس لأنهم جاوزوا قبل
توجه حج الفرض عليهم. وقال في المغمى عليه إذا
أفاق وأحرم وأدرك الوقوف بعرفة أجزاه حجه
وأرجو أن لا يكون عليه دم لترك الميقات. وانظر
هل يدخل في كلام المصنف المرأة في التطوع
والظاهر أنه ينظر فإن كان الزوج محرما فيجب
عليه الإحرام لأنه لا يجوز له أن يحللها إذا
أحرم وكانت صحبته كما صرح به صاحب الطراز وأما
إن كان ممن يجوز له الدخول بغير الإحرام فها
هنا ليس لها أن تحرم بالتطوع إلا بإذنه ومقتضى
ذلك أنه يجوز له أن يدخلها بغير إحرام فتأمله
والله أعلم. ص: "إلا الصرورة المستطيع
فتأويلان" ش: ظاهر كلامه أن التأويلين إذا
أرادهما بعد ذلك وأحرم وأن المعنى أن
(4/55)
المستطيع
فتأويلان ومريدها إن تردد أو عادلها لأمر
فكذلك,
ـــــــ
الصرورة المستطيع إذا جاوز الميقات غير مريد
لمكة ثم أرادها بعد ذلك وأحرم فاختلف في لزوم
الدم له والمسألة كذلك مفروضة في المدونة وفي
شروحها. ونقل ابن بشير الخلاف في الصرورة لا
بقيد كونه أحرم بعد ذلك وتبعه على ذلك المصنف
في مناسكه وتوضيحه وهو بعيد والتأويلان لابن
شبلون على أن الصرورة يلزمه الدم سواء كان
مريدا للحج حين جاوز الميقات أو غير مريد.
وتأولها الشيخ ابن أبي زيد على أن الصرورة
وغيره سواء وأنه لا يلزمه الدم إلا إذا جاوز
الميقات وهو مريد للحج. قال ابن يونس وقول أبي
محمد هو الصواب ولا بد من تقييد قول ابن شبلون
بأن يكون ذلك في أشهر الحج. ص: "ومريدها أن
تردد أو عاد لها الأمر فكذلك" ش: يعني أن من
أراد دخول مكة ولكنه كان من المترددين إليها
كالمتسببين في الفواكه والطعام وكالحطابين
ونحوهم فإنهم لا يجب عليهم الإحرام وقاله في
المدونة واستحب اللخمي لهم أن يحرموا أول مرة.
وقوله "أو عاد لها الأمر" يشير به إلى ما ذكره
في المدونة بعد أن ذكر المترددين بالفواكه
والحطب وأنه لا إحرام عليهم. قال أو مثل ما
فعل ابن عمر حين خرج إلى قديد فبلغه خبر فتنة
المدينة فرجع فدخل مكة بغير إحرام. واعلم أنه
وقع في سماع سحنون من كتاب الحج أن من خرج
لحاجة لمثل جدة والطائف وعسفان ونيته العود
أنه لا يجوز له الدخول بغير إحرام. قال وإن لم
تكن نيته العود فلما خرج بدا له فأراد العود
فعليه الإحرام. قال ابن رشد إن مسألة العتبية
ليست مخالفة لما في المدونة من قضية ابن عمر.
وحاصل ما قاله أن من خرج من مكة إما أن يخرج
بنية العود أو لا. فإن خرج على أن لا يعود ثم
رجع من قريب لأمر عاقه كما فعل ابن عمر فيدخل
بغير إحرام بخلاف ما إذا بدا له عن سفره لأمر
رآه على ما في هذه الرواية فليست بخلاف لقول
مالك في المدونة وإن خرج بنية العود فإن كان
الموضع الذي خرج إليه قريبا ولم يقم فيه كثيرا
فله الرجوع بغير إحرام وإن
(4/56)
وإلا وجب
الإحرام وأساء تاركه ولا دم إن لم يقصد نسكا
ـــــــ
كان الموضع بعيدا أو قريبا وأقام به فعليه أن
يدخل محرما. قال وإن كان من أهل مكة قال وحد
القرب في ذلك ما إذا خرج على أن يعود لم يلزمه
الوداع. قال وهو ما دون المواقيت انتهى مختصرا
بالمعنى. وظاهره أن ما بعد المواقيت بعيد
مطلقا وليس كذلك فإن الطائف وراء الميقات وقد
جعلها في الرواية من القريب. ولو حدد القريب
بما كان على مسافة القصر فأقل لكان حسنا لأن
المواضع المذكورة في الرواية جعلها مالك في
الموطأ حد المسافة القصر ولم يفصل في الرواية
بين أن يقيم في الموضع الذي خرج إليه أو يرجع
بسرعة. وقيده ابن رشد بأن لا يقيم كما تقدم
وعبر عن ذلك ابن عرفة بطول الإقامة. ولم
يبينوا الطول ما هو وكأنهم أحالوا ذلك على
العرف فقول المصنف "أو عاد لها الأمر" فكذلك
يقيد بقيدين على ما قاله ابن رشد بأن يكون عاد
من قريب وأن يكون عوده لأمر عاقه عن السفر
ويلحق بهذا في جواز الدخول بغير إحرام من دخل
لقتال بوجه جائز كما ذكره المصنف في مناسكه
وذكره غيره. ويلحق بهذا أيضا على ما قاله صاحب
الطراز من كان خائفا من سلطانها ولا يمكنه أن
يظهر أو كان خائفا من جور يلحقه بوجه قال فهذا
لا يكره له دخولها حلالا في ظاهر المدونة لأن
ذلك يجوز مع عذر التكرار فكيف بعذر المخالفة
وقاله الشافعي وغيره انتهى. قلت: وما قاله
ظاهر والله أعلم.
فرع: إذا أجزنا له الدخول بغير إحرام كما في
الرواية فإن ذلك لم يرد الدخول بأحد النسكين
وأما إن أراد ذلك فيتعين عليه الإحرام من
موضعه الذي خرج إليه إن كان دون الميقات كجدة
وعسفان وإن جاوزه بغير إحرام مع إرادته لأحد
النسكين ثم أحرم من دونه لزمه الدم وهو ظاهر
كما صرحوا بأن من جاوز الميقات ولم يكن مريدا
لدخول مكة ثم أراد بعد ذلك الدخول بأحد
النسكين فإنه يلزمه الإحرام من موضعه ذلك وأنه
متى جاوزه كان عليه دم كما صرح به في التلقين
وغيره وبذلك شاهدت والدي يفتي غير مرة فيمن
خرج لجدة بنية العود ثم إنه لما رجع أخر
الإحرام إلى حدة ولم يحرم من جدة. وحدة بالحاء
المهملة قرية بين مكة وجدة. وعرضته على جماعة
من المشايخ فوافقوا عليه وخالف في ذلك بعض
مشايخنا وليس بظاهر وكلمه الوالد في ذلك وما
أدري هل رجع عن ذلك أم لا والله أعلم. ص:
"وإلا وجب الإحرام وأساء تاركه ولا دم إن لم
يقصد نسكا" ش: يعني أن المار بالميقات إذا كان
مريدا لدخول مكة ولم يكن كعبد ولا من
المترددين ولا ممن عاد لأمر فإنه يجب عليه
الإحرام سواء أراد دخولها لأحد النسكين أو
لغير ذلك. فإن دخلها بغير إحرام فقد
(4/57)
وإلا رجع وإن
شارفها
ـــــــ
أساء أي أثم إلا أنه لا دم عليه إن لم يقصد
دخولها لأجل نسك وإنما دخلها لحاجة أخرى أو
لأنها بلده أو لغير ذلك. وظاهره ولو أراد
النسك بغير ذلك وأحرم من الطريق أو من مكة وهو
كذلك على مذهب المدونة وسيأتي لفظه في المسألة
التي بعد هذه. وتقدم لفظ مختصر ابن أبي زيد في
شرح قوله "وحيث حاذى واحدا" وهو اختيار القاضي
عبد الوهاب. وقال ابن القصار عليه الدم.
فرع: فإذا دخل مكة بغير إحرام ثم أراد الإحرام
منها فاستحب له أن يخرج إلى ميقاته إن كان
عليه نفس. قاله اللخمي وسند وهو داخل في قول
المصنف كخروج ذي النفس لميقاته فإن لم يقدر
على ميقاته فيستحب له الخروج للحل قاله في
الموازية والله أعلم. ص: "وإلا رجع وإن
شارفها" ش: يعني أن من جاوز الميقات بغير
إحرام وهو مريد لأحد النسكين فإنه يجب عليه أن
يرجع إلى الميقات فيحرم منه وإن شارف مكة وقرب
منها وقد يتبادر إلى الذهن من كلام المصنف
رحمه الله تعالى أنه لا يرجع إذا دخلها لأنه
جعل المشارفة غاية في محل الرجوع. وظاهر
إطلاقاتهم خلاف ذلك ولأنه يرجع ما لم يحرم ولو
دخلها قال في المدونة ومن جاوز الميقات ممن
يريد الإحرام جاهلا ولم يحرم منه فليرجع فيحرم
إلا أن يخاف فوات الحج فليحرم من موضعه ويتماد
وعليه دم. قال ابن يونس في اختصار المدونة قال
مالك ومن جاوز الميقات ممن يريد الحج جاهلا
ولم يحرم منه فليرجع ويحرم منه ولا دم عليه.
قال ابن المواز وقيل يرجع ما لم يشارف مكة فإن
شارفها أحرم وأهدى. ابن يونس يريد ولو لم يحرم
فرجع فأحرم من الميقات لم يكن عليه دم. وقال
الشيخ أبو محمد في مختصر المدونة ومن مر
بميقات يريد حجا أو عمرة فجاوزه ولم يحرم منه
جهلا أو نسيانا فإن ذكر قبل أن يحرم رجع وأحرم
من الميقات. قال ابن المواز وقيل يرجع ما لم
يشارف مكة فإن شارفها أحرم وأهدى. وقال ابن
القاسم يرجع إلا أن يكون مراهقا فليحرم. وقال
في الإكمال ومن جاوز الميقات ونيته النسك بحج
أو عمرة رجع ما لم يحرم عند مالك ولا دم عليه.
وقيل يرجع ما لم يشارف مكة. وقال التلمساني في
شرح الجلاب اعلم أن من جاوز الميقات ممن يريد
الإحرام ولم يحرم منه فليرجع إلى الميقات
فيحرم منه إن لم يخف فوات الحج أو فوات أصحابه
ولا دم عليه لأنه لم يحل بنسك من مناسك الحج
ولا أدخل نقصانا على إحرامه. وظاهر هذا
(4/58)
ولا دم وإن علم
ـــــــ
أنه يرجع أينما كان حتى لم يحرم. قال ابن
المواز وقيل يرجع ما لم يشارف مكة فإن شارفها
أحرم وأهدى. وهذا قول جمهور أهل العلم. انتهى.
وقال بعد ذلك في شرح مسألة أخرى من أراد
دخولها بحج أو عمرة فلا يجوز له دخولها إلا
حراما فإن دخلها بغير حرام ثم رجع إلى بلده
فقد عصى ولا قضاء عليه لأن الإحرام إنما شرع
لتحية البقعة فإذا لم يأت به سقط فعله كما في
تحية المسجد. واختلف هل عليه دم أو لا فقال
ابن القاسم لا دم عليه ورواه عن مالك. وقال
مالك في الموازية عليه دم انتهى. وما ذكره عن
ابن القاسم هو مذهب المدونة كما صرح به سند.
وظاهر هذه النقول كلها أنه يرجع ما لم يحرم
ولو دخل مكة وبذلك أفتى الشيخ العلامة مفتي
الديار المصرية ناصر الدين اللقاني أدام الله
النفع به آمين. وذكر في فتواه بعض كلام
البراذعي وصاحب الإكمال. وجعل اللخمي القول
الذي ذكره محمد بن المواز تقييد للأول فقال
ومن تعدى الميقات وهو يريد الإحرام رجع ما لم
يحرم أو يخاف فوات أصحابه ولا يجد من يصحبه
ألا يشارف مكة فإنه يمضي ويهدي. وكذا ذكره
التادلي عن أبي إبراهيم في طرزه على المدونة.
وقال ابن عرفة وجعل اللخمي وابن بشير وابن شاس
منقول محمد وفاقا بعيد انتهى. وما قاله ابن
عرفة ظاهر غير أني لم أقف في كلام ابن بشير
وابن شاس على الكلام في هذه المسألة أعني
مسألة الرجوع وعدمه مع المشارفة ولم أر لها
ذكرا لا في التنبيه ولا في الجواهر. فتحصل من
هذا أنه يؤمر بالرجوع إلى الميقات إلى الإحرام
وجوبا. ولو دخل مكة فإن رجع فلا دم عليه وإن
لم يرجع وأحرم من مكة فعليه الدم. قال
البراذعي ومن جاوز الميقات وهو يريد الحج فلم
يحرم حتى دخل مكة بغير إحرام فأحرم منها بالحج
فعليه دم لترك الميقات وحجه تام وإن جاوز
الميقات غير مريد للحج فلا دم عليه وقد أساء
فيما فعل حين دخل الحرم حلالا من أي أهل
الآفاق كان ولا شيء عليه انتهى. وهذا بعد
الوقوع أما ابتداء فمريد النسك يجب عليه
الخروج إلى الميقات وغير مريد النسك يستحب له
الخروج لميقات فإنه لم يقدر فإلى الحل كما
تقدم والله أعلم. ص: "ولا دم ولو علم" ش: يعني
أنه إذا رجع إلى الميقات قبل أن يحرم فأحرم
منه فإنه لا دم عليه ولو كان حين جاوزه عالما
بأنه لا يجوز له مجاوزته. وكلام المصنف هنا
أحسن من كلامه في مناسكه حيث قال ثم إن الدم
إنما يسقطه بالرجوع إذا جاوزه جاهلا وأما إن
جاوزه عالما بقبح فعله فمفهوم المدونة وغيرها
أن عليه الدم ولا يسقط رجوعه. وحمل بعضهم
المدونة على سقوط الدم بالرجوع مطلقا انتهى.
(4/59)
مالم يخف فوتا
فالدم كراجع بعد إحرامه ولو أفسد لا فات.
ـــــــ
قلت: يشير إلى قوله في المدونة ومن جاوز
الميقات ممن يريد الإحرام جاهلا ولم يحرم
فليرجع فيحرم منه ولا دم عليه إلا أن يخاف
فوات الحج فليحرم من موضعه وعليه دم انتهى.
ولم أر من حمل المدونة على المفهوم الذي ذكره
إلا ابن الحاجب وأنكره عليه ابن عرفة فقال
وقول ابن الحاجب إن كان جاهلا وإلا فدم لا
أعرفه. وقوله في المناسك "وحمل بعضهم" يوهم أن
الأكثر حملوها على الأول وليس كذلك إنما حملها
عليه ابن الحاجب ومن تبعه ونحوه قول ابن شاس
إنه إن عاد بعد العبد لم يسقط فإنه خلاف
المذهب وقد أنكره ابن عرفة والله أعلم. ص: "ما
لم يخف فوتا فالدم" ش: ما هذه ظرفية متعلقة
بقوله وإلا رجع والمعنى أن من جاوز الميقات
غير محرم وهو مريد لأحد النسكين فإنه يؤمر
بالرجوع للميقات ليحرم منه ما لم يخف فوت
الرفقة أو فوت الحج فإنه إن خاف ذلك أحرم من
محله وعليه دم لمجاوزة الميقات. ص: "كراجع بعد
إحرامه" ش: يعني أن من جاوز الميقات بغير
إحرام وهو مريد لأحد النسكين ثم أحرم بعد
مجاوزته الميقات فإن الدم لازم له ولا يسقط
عنه برجوعه إلى الميقات بعد إحرامه وهذا هو
المشهور المعروف من المذهب. وقيل يسقط الدم
برجوعه وله نظائر. ص: "ولو أفسد لا فات" ش:
يعني أن من جاوز الميقات ثم أحرم بالحج ثم
أفسده فإنه لا يسقط عنه دم
(4/60)
وإنما ينعقد
بالنية وإن خالفها لفظه ولا دم وإن بجماع
ـــــــ
مجاوزة الميقات إلا بالإفساد أما لو جاوز
الميقات ثم أحرم بالحج ثم فاته الحج فإنه يسقط
عنه دم مجاوزة الميقات. وهذا إذا تحلل من
إحرامه بعمل عمرة وأما لو بقي عليه إلى قابل
لم يسقط عنه الدم. والفرق بين الإفساد والفوات
أنه في الإفساد مستمر على إحرامه بخلاف الفوات
فإن الحج الذي قصده لم يحصل والعمرة لم يقصدها
فأشبه من جاوز الميقات غير مريد للنسكين
وإتمامه لإحرامه بعمل عمرة كإنشائه العمرة
حينئذ ولم يحصل فيها تعد يجب به الدم. وعن
أشهب إن الدم لا يسقط بالفوات. وكلام المصنف
قد يتبادر منه أن في مسألة الفساد قولا بسقوط
الدم بالفساد ولا أعلم في لزوم الدم خلافا
والخلاف إنما هو في سقوط الدم بالفوات فتأمله.
والله أعلم. ص: "وإنما ينعقد بالنية" ش: تصوره
ظاهر وذكر ابن غازي أنه احتج للقول بانعقاده
بمجرد النية لقوله في المدونة ومن قال إنه
محرم يوم أكلم فلانا فهو يوم يكلمه محرم. قال
وقول ابن عبد السلام لم أر لمتقدم في انعقاده
بمجرد النية نصا قصور. قلت: ظاهر كلامه أن
المذهب في المسألة المذكورة انعقاد الإحرام
يوم يفعل ذلك بمجرد النية وأنه يكون محرما من
غير تجديد إحرام وليس كذلك فقد ذكر ابن يونس
وأبو الحسن والرجراجي وغيرهم أن هذا قول سحنون
وأن مذهب مالك وابن القاسم أنه لا يكون محرما
بذلك حتى ينشىء الإحرام. قال في التوضيح
واستشكل اللخمي قول سحنون قال وهو حقيق
بالإشكال فإن الإحرام عبادة تفتقر إلى نية
انتهى. وقد بينت ذلك في باب النذر. ص: "وإن
خالفها لفظه" ش: يعني أن المعتبر ما نواه ولا
يعتبر ما تلفظ به إذا خالف النية. قال ابن
الحاجب ولو اختلف عقده ونطقه فالعقد على
الأصح. قال في التوضيح كما لو نوى الإفراد
بلفظ القران أو بالعكس والأصح اعتبار نيته
وليس في المذهب من صرح بالعمل على ما تلفظ به
كما تعطيه عبارته وانظر بقية الكلام على
المسألة في حاشيتي على المناسك.
فرع: لو كان في نفسه الحج مفردا فسها حينئذ
فقرن ثم رجع إلى ذكر ما في نفسه فلا ينفعه ذلك
بعدما وقع القران. نقله سند وهو واضح فإن هذا
وقت الإحرام بنية القران ولفظ بالقران يخالف
ما ذكره الشيخ فإن ذلك نيته مثلا الإفراد
وإنما سبق لفظه إلى القران والله أعلم. ص:
"ولا دم وإن بجماع" ش: قوله ولا دم من تتمة
المسألة الأولى وهي مسألة مخالفة
(4/61)
..................................
ـــــــ
اللفظ النية وما ذكره هو أحد قولي مالك. قال
في التوضيح قال في العتبية ثم رجع مالك وقال
عليه دم. قال المصنف في مناسكه والأول أقيس.
وقوله وإن بجماع مسألة مستقلة كما شرحه على
ذلك الشارح في الشرح الصغير وعلى ذلك شرحه
الشراح وجمع في الكبير بين قوله ولا دم وقوله
وإن بجماع وكذلك يوجد في بعض نسخ الأوسط وذلك
يوهم أنه متعلق بقوله "وإن بجماع" وصرح بذلك
في الشامل فقال وينعقد بنية وقول كتلبية أو
فعل كتوجه بطريق وإن بجماع ولا دم وتمادى
وقضى. فقوله في الشامل لا دم إن أراد به نفي
هدي الفساد المترتب على إيقاع الإحرام حالة
الجماع فلا قائل به فإنه قد صرح سند بأنه إذا
أحرم وهو بجامع انعقد إحرامه فاسدا وكان عليه
تمامه وقضاؤه ولازم ذلك وجوب الهدي ولا إشكال
في ذلك ولعله في الشامل أراد نفي وجوب الدم
لكونه أوقعه حالة الجماع.
تنبيهات: الأول: اعترض ابن غازي على المصنف
بأنه سلم هذا الفرع: مع أنه يقول لا ينعقد
بمجرد النية. قلت: ويجاب بأنه ليس في كلام
المصنف تسليم لذلك وإنما قال ينعقد في حالة
الجماع يريد مع قول كالتلبية بأن ينوي ويلبي
وهو بجامع أو يفعل كأن يكون في محفة وهو سائر
متوجه إلى مكة فينوي الإحرام في حالة الجماع
وهو متوجه وإذا لم يقل المصنف بانعقاد الإحرام
بمجرد النية لمن يكون في المسجد متطهرا فأحرى
أن لا ينعقد لمن يجامع بالنية وجدها.
الثاني: إن قيل لو لزمه في الحج القضاء وفي
الصوم إذا طلع عليه الفجر وهو يجامع فنزعه لا
يلزمه قضاء قيل لأنه في الحج أدخل ذلك على
نفسه بخلاف الصوم فإنه لا اختيار له في طلوع
الفجر وعدمه. والظاهر أنه يجب عليه النزع كما
في الصوم ولم أر من نص عليه والله أعلم.
الثالث: قال في طراز التلقين وشرط صحة انقعاد
الإحرام أن لا ينوي عند الدخول فيه وطأ فإن
نوى ذلك مع إحرامه لم ينعقد ولم يكن عليه من
أفعال الحج والعمرة ولا من لوازم الإحرام بهما
شيء. انتهى فتأمله والله أعلم.
فرع: قال ابن جماعة في منسكه الكبير قال
اللخمي إذا نذر أن يصوم بعضا أو يعتكف الليل
دون النهار أو يطوف شوطا أو يقف بعرفة ولا
يزيد على ذلك فاختلف في هذا الأصل فقيل لا شيء
عليه وقيل يأتي بمثل تلك الطاعة تامة والمشهور
اللزوم في الاعتكاف انتهى.
(4/62)
مع قول أو فعل
تعلقا به بين أو أبهم وصرفه لحج والقياس لقران
ـــــــ
ص: "مع قول أو فعل تعلقا به" ش: هذا متعلق
بمحذوف لأنه في موضع الحال من النية أي ينعقد
الإحرام بالنية حال كونها مع قول أو فعل
يتعلقان بالإحرام والقول المتعلق به كالتلبية
والتسبيح والتهليل والتكبير قال في منسك
التادلي وفي كتاب ابن محرز قال أشهب ولو كبر
أو هلل أو سبح يريد بذلك الإحرام كان محرما
والفعل المتعلق به كالتوجه على الطريق
والتقليد والإشعار. قاله المصنف في مناسكه.
وهذا هو المشهور في المذهب. قال في التوضيح
وقال صاحب التلقين وصاحب المعلم وصاحب القبس
وسند النية وحدها كافية.
تنبيه: قال في التوضيح ثم قول ابن الحاجب
"وينعقد الإحرام بالنية مقرونا بقول أو فعل
متعلق به كالتلبية والتوجه لا بنحو التقليد
والإشعار قوله لا بنحو التقليد والإشعار" يريد
إذا تجرد عن النية وليس المراد ما فهمه ابن
عبد السلام أن الإحرام لا ينعقد بالنية معهما
واستشكله بأن قال وفي عدم انعقاد النسك بمجموع
النية وتقليد الهدي وإشعاره نظر. وكيف يقال
هذا وقد نقل ابن يونس عن القاضي إسماعيل أنه
قال لا خلاف أنه إذا قلد وأشعر يريد بذلك
الإحرام أنه محرم انتهى. وقوله "وكيف يقال هذا
وقد نقل ابن يونس إلى آخر كلامه" ليس هو من
كلام ابن عبد السلام وإنما هو من كلام المصنف.
وانظر ما أنكره المصنف وابن عبد السلام مع ما
نقله الإمام الحافظ ابن عرفة ونصه وفيه أي في
الانعقاد بالتقليد والإشعار معها أي مع النية
قولا إسماعيل عن المذهب والأكثر عنه انتهى.
فظاهره أن الأكثر نقلوا عن المذهب عدم
الانعقاد فهو موافق لظاهر كلام ابن الحاجب
تركها والله أعلم. ص: "بين أو أبهم" ش: يريد
أن الإحرام ينعقد سواء بين النسك الذي يحرم به
من حج أو عمرة أو قران أو أبهمه بأن نوى
الإحرام فقط ولم يعين نسكا معينا وهذا بالنسبة
إلى الانعقاد وأما بالنسبة إلى الفضيلة فقال
سند والأفضل في الإحرام أن يعين نسكه من حج أو
عمرة انتهى. ص: "وصرفه للحج والقياس القران"
ش: يعني أنه إذا أحرم وأبهم ولم يعين النسك
الذي يحرم به فإن الإحرام ينعقد مطلقا ويخير
في صرفه إلى أحد الأوجه الثلاثة والأولى أن
يصرفه للحج
(4/63)
.................................
ـــــــ
فقوله "وصرفه للحج" هو على جهة الأولى. قال
ابن الحاجب وإذا أحرم مطلقا جاز وخير في
التعيين. وقال في التوضيح قال مالك في
الموازية إذا أحرم مطلقا أحب إلي أن يفرد
والقياس أن يقرن وقاله أشهب. وقيل القياس أن
يصرفه إلى العمرة. ثم قال ابن عبد السلام ما
نقله المصنف هو المذهب بلا شك ونقله غير واحد
وإن كان بعض شيوخ المذهب ممن تكلم على الحديث
نقل عن المذهب خلافه انتهى. وقال ابن عرفة ومن
نوى مطلق الإحرام فلابن محرز عن أشهب خير في
الحج والعمرة وللصقلي واللخمي عنه الاستحسان
إفراده والقياس قرانه وتعقبه التونسي بأن لازم
قوله في القران فمحتمل أقله العمرة انتهى.
وقال سند الصحيح أن العمرة تجزئه كما أنه إذا
التزم الإحرام من غير تعيين تجزئه العمرة
انتهى. يعني إذا نظر الإحرام فظهر أن قول
المصنف صرفه للحج إنما هو على جهة الأولى
والله أعلم. وقال الشيخ زروق في شرح الإرشاد
ومن أحرم بالإطلاق أي دون تعيين نسك قال أشهب
يخير بين الحج والعمرة والمشهور يحمل على الحج
وقاله مالك في الموازية والقياس على القران
لأنه أحوط. وقال اللخمي إن كان آفاقيا كأهل
المغرب حمل على الحج وهذا كله ما لم يقصد أحد
الأقوال ويعمل عليها والله سبحانه أعلم انتهى.
تنبيه وهذا إذا أحرم في أشهر الحج فإن أحرم
مطلقا قبل أشهر الحج فقال ابن جماعة الشافعي
إطلاق ابن الحاجب يقتضي أنه يخير في التعيين
انتهى.
قلت: ولكنه يكره له صرفه إلى الحج قبل أشهره
على المشهور لأن ذلك كإنشاء الحج حينئذ وعلى
مقابله إنما ينعقد عمرة وهذا ظاهر والله أعلم.
فرع: قال سند إذا أحرم مطلقا ولم يعينه حتى
طاف فالصواب أن يجعله حجا ويقع هذا طواف
القدوم. وإنما قلنا لا يجعله عمرة لأن طواف
القدوم ليس بركن في الحج وطواف العمرة ركن
فيها وقد وقع هذا الطواف بغير نية فلم يصلح أن
يقع ركنا في العمرة بغير نية وخف ذلك في
القدوم ويؤخر سعيه إلى إفاضته انتهى. وانظر لو
سعى وصرفه لحج بعد السعي هل يعيد السعي بعد
الإفاضة أم لا والذي ظهر للذاكرين أنه يعيد
احتياطا والله أعلم. وذكر الفرع الذي قاله سند
القرافي ولم يعزه لسند وسقط منه "ويؤخر سعيه
إلى إفاضته" وعزا نقله للمصنف في توضيحه
ومناسكه وتأمل قوله "ويؤخر سعيه إلى إفاضته"
والذي يظهر أنه لما كان السعي لا يصح إلا بعد
طواف ينوي به القدوم وهذا الطواف لم ينو به
القدوم ولكنه لما كان أول طوافه جعلوه بمنزلة
طواف القدوم ففات محل طواف القدوم أخر سعيه
إلى ذلك وهذا تكلف والله أعلم.
فرع: قال ابن جماعة في منسكه الكبير في أوجه
الإحرام لو أحرم بعمرة ثم أحرم مطلقا فوجهان
عند الشافعية أحدهما أن يكون مدخلا للحج على
العمرة والثاني إن صرفه
(4/64)
وإن نسي فقران
ونوى الحج وبرئ منه فقط
ـــــــ
إلى الحج كان كذلك وإن صرفه إلى العمرة يبطل
الثاني وعند المالكية أنه يصير قارنا انتهى.
ص: "وإن نسي فقران ونوى الحج وبريء منه فقط"
ش: يعني أن من أحرم بنسك معين ثم إن نسي ما
أحرم به فإنه يبني على القران ويجدد الآن نية
الإحرام بالحج احتياطا فإن إحرامه الأول إن
كان حجا أو قرانا لم يضره ذلك وإن كان عمرة
ارتد في ذلك الحج عليها وقد صار قارنا ويكمل
حجه فإذا فرغ من حجة الأول أتى بعمرة لاحتمال
أن يكون إحرامه الأول إنما هو بحجة فقط فلم
يحصل له عمرة وهذا معنى قوله وبريء منه فقط.
قال في التوضيح إذا أحرم بمعين ثم نسي ما أحرم
به أهو عمرة أو قران أو إفراد فإنه يحمل على
الحج والقران أن يحتاط بأن ينوي الحج إذ ذاك
ويطوف ويسعى بناء على أنه قارن ويهدي للقران
ويأتي بعمرة لاحتمال أن يكون إنما أحرم أولا
بإفراد انتهى. وقوله "ويطوف ويسعى" يعني إن لم
يكن طاف وسعى وإن كان طاف وسعى أجزاه. وقوله
"إذ ذاك" أي وقت شكه وإطلاقه مخالف لما قاله
سند من أنه إذا وقع شكه في أثناء الطواف
والسعي فليمر على ما هو عليه حتى إذا فرغ من
سعيه أحرم بالحج. وما قاله سند هو الظاهر ثم
قال فإن عجل فنوى الحج في أثناء الطواف والسعي
جرى على الاختلاف في إرداف الحج فيهما ونص
كلامه ولو نوى شيئا ونسيه فهذا قارن ولا بد.
وقاله أشهب في المجموعة والوجه عندي أن ينوي
إحراما بالحج فإن كان إحرامه الأول بالحج لم
يضره وإن كان بالعمرة ولم يطف بعد فهو قارن
ويصح الحج في الصورتين وإن كان بعد السعي
فأحرم بالحج فهو متمتع إن كان في أشهر الحج
ويصح حجه أيضا وهو أصلح من أن يبقى على إحرامه
ولعله بعمرة فلا يصح له به حج وينبغي أن يهدي
احتياطا لخوف تأخير الحلاق إن وقع شكه بعد
سعيه وإن كان في أثناء الطواف والسعي فليس
(4/65)
كشكه أفرد أو
تمتع
ـــــــ
على ما هو عليه حتى إذا فرغ من سعيه أحرم
بالحج وإن عجل فنوى الحج هل يجزئه ذلك يخرج
على الاختلاف في إرداف الحج في أثناء الطواف
أو السعي وذلك لأنه لا يتعين ما كان إحرامه.
فإن قدرناه عمرة وصححنا الإرداف فقد صح حجه
وإن لم نصحح الإرداف لم يصح حجه فلهذا قلنا
يجدد نية الحج بعد السعي ليكون على يقين من
صحة حجه وإن لم يفعل لم يجزئ بحجه وعليه
القضاء لكونه على غير يقين من إحرامه انتهى.
والمشهور أن الإرداف يصح من غير كراهة في
أثناء الطواف وبالكراهة بعد الطواف وقبل
الركوع وأما بعد الركوع وأثناء السعي فلا يصح
الإرداف. وقوله في التوضيح ويطوف ويسعى بناء
على أنه قارن ظاهره أنه لو وقع شكه في أثناء
الطواف ونوى الحج أن يكمل طوافه ويسعى في هذه
الصورة كذلك والله أعلم. وليس هذا بمنزلة من
أردف في الحرم لأن هذا ليس على يقين مما أحرم
به لاحتمال أن يكون إحرامه الأول قرانا أو
إفرادا والله أعلم. وأما لو وقع شكه بعد
الركوع أو في أثناء السعي ونوى الحج لم يصح
ويعيد النية بعد السعي كما قال سند والله
أعلم. ص: "كشكه أفرد أو تمتع" ش: هذا التشبيه
لهذا الفرع بما قبله في الأخذ بالأحوط وكان
الأولى أن يقول كشكه أحرم بحج أو بعمرة وتبع
رحمه الله عبارة ابن الحاجب مع أنه قد اعترض
عليه بنحو ما ذكرنا. وفهم من تشبيه المصنف أنه
ينوي الحج هنا أيضا لاحتمال أن يكون إحرامه
الأول عمرة وهو ظاهر. وقال ابن عبد السلام في
شرح قول ابن الحاجب وينوي الحج يعني بعد فراغه
من السعي وهذا لا يحتاج إليه باعتبار قصد
براءة الذمة لأنه إن كان في نفس الأمر في حج
فهو متماد وإن كان في عمرة فالمطلوب إنما هو
تصحيحها وقد حصل جميع أركانها وإنما أمره بذلك
ندبا ليوفي بما نواه إن كان قد نواه وهو
التمتع لأنه قد يكون أتى بأحد جزأي التمتع وهو
العمرة وبقي الجزء الآخر وهو الحج ولهذا لما
فرض اللخمي المسألة فيمن شك هل أفرد أو اعتمر
لم يذكر إنشاء الحج وتبعه على ذلك غير واحد
انتهى. وقال ابن عرفة قال اللخمي والشك في
إفراد وقران قران وفي حج وعمرة حج وأهدى
لتأخير حلق العمرة لا لقران فإنه لم يحدث نية
فإن كانت نية بحج فواضح وإن كانت بعمرة فما
زاد على فعلها لا يصيره قارنا. ثم اعترض على
ابن الحاجب في قوله وينوي الحج بأنه خلاف قول
اللخمي. قلت: في كلام اللخمي وابن عبد السلام
وابن عرفة نظر لأنه إذا لم يحدث فيه الحج لم
يبرأ منه لاحتمال أن يكون الإحرام الأول إنما
هو بعمرة وما ذكره إنما هو كاف في خلوصه من
عمرة الإحرام الذي هو فيه أما إذا لم يحج
الفرض فلا يخلص بذلك من حجة الإسلام وإن كان
قد حج لم يحصل له ثواب الحج التطوع. الصواب ما
قاله ابن الحاج وتبعه المصنف عليه من أنه ينوي
الحج ولا نقول إنه ينويه بعد فراغه من السعي
كما قاله ابن عبد السلام بل ينويه حين وقع له
الشك لأنه إن كان ذلك قبل الطواف كان مردفا
(4/66)
ولغا عمرة عليه
كالثاني في حجتين أو عمرتين ورفضه,
ـــــــ
للحج على العمرة إن كان إحرامه الأول عمرة وإن
كان حجا لم يضره ذلك وإن كان بعد فراغه من
السعي كان محرما بحج من العمرة إن كان الأول
عمرة وإن كان حجا ذلك. نعم إن وقع له الشك في
أثناء الطواف أو في أثناء السعي فليصبر حتى
يفرغ من سعيه ثم ينوي الحج للخلاف الذي في
الإرداف إذا وقع في أثناء الطواف والسعي كما
سيأتي فإن نواه في الطواف أو بعد الفراغ منه
وقبل الركوع صح على المشهور وإن نواه بعد
الركوع أو في أثناء السعي لم يصح ويعيد النية
والله أعلم. وفي كلام صاحب الطراز المتقدم
إشارة إلى ذلك وأما كونه لا يبرأ إلا من الحج
فقط فلم أر من صرح به في هذه المسألة بل صرح
في الشامل بنفيها فقال ولو نسي ما أحرم به نوى
الحج وتمادى قارنا فطاف وسعى وأهدى ثم اعتمر
كما لو شك أفرد أو تمتع ولا عمرة ولكن ما قاله
المصنف ظاهر من جهة المعنى إذ لا فرق بين هذه
المسألة والتي قبلها في موجب العمرة فتأمله
والله أعلم. وقال ابن غازي قوله "كشكه أفرد أو
تمتع" ليس بمثال لأصل المسألة فإن الذي قبله
نسي ما أحرم به من كل الوجوه وهذا جزم بأنه لم
يحرم بعمرة ولا بقران وشك هل أحرم بالإفراد أو
بالتمتع انتهى. قلت: نحوه لابن عبد السلام وهو
سهو ظاهر لأن الإحرام بالعمرة هو التمتع ويظهر
من كلام ابن عبد السلام السابق أن بينهما فرقا
وليس كذلك والله أعلم.
فرع: فإن شك هل أفرد أو قرن تمادى على نية
القران وحده. قال اللخمي وانظر لو شك هل قرن
أو تمتع والظاهر أنه يمضي على القران والله
أعلم. ص: "وألغى عمرة عليه كالثاني في حجتين
أو عمرتين" ش: يعني أن من أحرم بحج ثم أحرم
بعمرة فإن العمرة لغو وكذا إذا أحرم بحجة ثم
أحرم بحجة أخرى أو بعمرة ثم أحرم بعمرة أخرى
فإن الحجة الثانية والعمرة الثانية لغو يريد
ويكره له ذلك. قال في المدونة وكره مالك لمن
أحرم بالحج أن يضيف إليه حجة أو عمرة فإن أردف
ذلك أو دخوله مكة بعرفة أو في أيام التشريق
فقد أساء وليتماد على حجه ولا يلزمه شيء فيما
أردفه ولا قضاؤه ولا دم قران انتهى. وكذلك لو
أحرم بحجتين أو بعمرتين فإنه يلزمه حجة واحدة
وعمرة واحدة. وقوله وعمرة فاعل ألغى لأنه
لازم. ص: "ورفضه" ش: يعني أن رفض الإحرام لغو
لا يعتد به ولا يرتفض الإحرام في صورة من
الصور إلا من ارتد عن الإسلام والعياذ بالله
فإنه ينفسخ إحرامه ولا يلزمه قضاؤه نص عليه
(4/67)
وفي كإحرام زيد
تردد وندب إفراد
ـــــــ
في باب الردة من النوادر ونقلت كلامه في باب
الردة فانظره. ص: "وفي كإحرام زيد تردد" ش:
يعني أن من نوى الإحرام بما أحرم به زيد وهو
لا يعلم ما أحرم به فقد تردد المتأخرون في صحة
إحرامه وأشار بالتردد لتردد المتأخرين في
النقل عن المذهب فإن الذي نقله سند وصاحب
الذخيرة وغيرهما عن المذهب الصحة والذي نقله
القرطبي في المفهم عن مالك المنع والظاهر
الأول. وعليه فلو بان أن زيدا لم يحرم قال سند
فإحرامه يقع مطلقا ويعينه بما شاء ويجري على
ما تقدم انتهى. فلو مات زيد ووجده محرما
بالإطلاق لم أر فيه نصا في المذهب والظاهر أنه
يقع إحرامه أيضا مطلقا ويخير في تعيينه والنص
فيه للمخالف مثل ما ذكرت. وإذا قلنا يتبع زيدا
في إحرامه فالظاهر أنه إنما يتبعه في أوجه
الإحرام خاصة وأما كل شخص فهو على ما نواه من
فرض ونفل وهو ظاهر والله أعلم. ص: "وندب
إفراد" ش: يعني أن الإحرام بالحج مفردا أفضل
من الإحرام بالقران أو التمتع وظاهر كلامه وإن
كان لم يأت بعد الحج بعمرة وهو ظاهر كلامه في
التوضيح والمناسك. وقال في مناسكه في فصل أوجه
الإحرام والإفراد أفضلها وهو أن يحرم بالحج
مفردا ثم إذا فرغ يسن له أن يحرم بعمرة فلم
يجعل العمرة داخلة في حقيقة الإفراد المحكوم
له بالأفضلية بل جعلها سنة مستقلة فإذا أحرم
بالإفراد وترك العمرة ترك السنة وهو نحو قوله
في التوضيح والإفراد وإن لم يكن مستلزما
للعمرة لكنه إذا أتى بالعمرة بعد الحج فقد أتى
بهما وإن كان حجه إفرادا وهو ظاهر كلام غيره
من أهل المذهب. قال ابن عرفة الإفراد الإحرام
بنية حج فقط. وقال المقري في قواعده قال مالك
ومحمد الإفراد أفضل إذا كان بعده عمرة وأما
إذا لم يعتمر بعده فالقران أفضل انتهى.
(4/68)
..................................
ـــــــ
ولم أر من صرح بذلك من المالكية بل إنما نقله
سند عن الشافعي. وقال ابن جماعة الشافعي وعند
المالكية أن الإفراد أن يأتي بالحج وحده ولم
يذكروا العمرة وأطلقوا القول بأنه أفضل من
القران والتمتع ونص على ذلك مالك رحمه الله
تعالى ونقل الطرطوشي اتفاق مالك وأصحابه عليه
انتهى.
قلت: ولعل المقري أخذ ما قاله مما وقع في رسم
حلف من سماع ابن القاسم من كتاب الحج ونصه
وسئل مالك عمن أحرم بعمرة ثم حج أذلك أحب إليك
أم إفراد الحج والعمرة بعده في ذي الحجة فقال
بل إفراد الحج والعمرة في ذي الحجة بعد الحج
أحب إلي صرورة كان أو غير صرورة. قال ابن رشد
كما فعلت عائشة رضي الله عنها حين أعمرها رسول
الله صلى الله عليه وسلم من التنعيم وهذا على
مذهبه في تفضيل الإفراد ثم ذكر قول ابن عمر
بتفضيل المتمتع انتهى. لكنه لم يصرح في
العتبية بأنه إذا لم يعتمر بعد الحج فلا يكون
الإفراد أفضل كما قال المقري. قلت: ومما يستدل
به على خلاف ما قاله المقري استدلال أهل
المذهب على أفضلية الإفراد بفعله عليه الصلاة
والسلام ولم ينقل عنه عليه الصلاة والسلام أنه
اعتمر بعد حجته والله أعلم. قال سند وإنما كان
الإفراد أفضل من القران والتمتع لأنه لا يترخص
فيه بالخروج من الإحرام ولأنه يأتي بكل نسك
على انفراده فاجتمع فيه أمران ولأنه مجمع عليه
وغيره مختلف فيه فكان عمر ينهى عن التمتع وكان
عثمان ينهى عن القران ولأنه لا خلل فيه بدليل
أنه لا يتعلق به وجوب الدم وغيره يوجب الدم
ووجوبه دليل على الخلل فكان الإفراد الذي لا
خلل فيه أفضل ولأنه فعل الأئمة انتهى.
فائدة مثلثات الحج أوجه الإحرام الثلاثة وهي
حج وعمرة وقران والإطلاق والإحرام بما أحرم به
زيد يرجع إلى أحدها والاغتسالات ثلاثة على
المشهور والركوع ثلاثة للإحرام ولطواف القدوم
وللإفاضة ومن يجمع بين الحل والحرم ثلاثة
الحاج والمعتمر والهدي والخبب في ثلاثة مواضع
في الطواف وفي السعي وفي بطن محسر وخطب الحج
ثلاثة والجمار ثلاثة وأيام التشريق ثلاثة
وأيام النحر ثلاثة ومتعدي الميقات ثلاثة مريد
النسك ومريد مكة بغير النسك وغير مريد لمكة
والمحرمون بالنسبة إلى الحلق والتقصير ثلاثة
قسم يتعين لهم الحلق وهم الملبدون ومن كان
شعره قصيرا ومن يكن برأسه شعر وقسم يتعين لهم
التقصير وذلك في حق المرأة الكبيرة وقسم يجوز
في حقهم الأمران والحلق أفضل وهم من عدا من
ذكر. والهدي ثلاثه إبل وبقر وغنم. وعلاماته
ثلاثة تقليد وإشعار وتجليل وذلك في الإبل وأما
البقر فتقلد فقط إلا أن يكون لها أسنمة فتقلد
وتشعر فقط ولا يفعل في الغنم شيء من ذلك. وقال
الشيخ زروق في شرح الرسالة وكل أفعال الحج
يطلب فيها المشي إلا الوقوف بعرفة والوقوف
بالمشعر ورمي جمرة العقبة انتهى. وانظر
الجزولي والله
(4/69)
ثم قران بأن
يحرم بهما وقدمها أو يردفه بطوافها,
ـــــــ
أعلم. ص: "ثم قرن بأن يحرم بهما وقدمها أو
يردفه بطوافها" ش: يعني أن القران يلي الإفراد
في الفضل. قال المصنف وفي الاستدلال على
أفضليته من السنة عسر وإنما راعوا فيه كون
المتمتع فيه ترخص بالخروج من الإحرام. وقاله
سند بعبارة أخرى ونصه وجه قول مالك هو أن
القارن في عمله كالمفرد والمفرد أفضل فما قارب
فعله كان أفضل بعده وإن المتمتع يتحلل بمدة
فتعطل من العبادة ولا يكره القران خلافا لمن
روى ذلك عن عثمان ولا التمتع خلافا لمن تأوله
عن عمر انتهى. وذكر المؤلف أن القران له
صورتان الأول أن يحرم بالحج والعمرة معا أي
يقصد الدخول في حرمتهما معا وسواء ذكر العمرة
في لفظه قبل الحج أو بعده. قال سند قال في
التوضيح قال علماؤنا ويقدم العمرة في نيته
لارتداف الحج على العمرة دون العكس فإن قدم
الحج على العمرة فقال الأبهري يجزيه الباجي
ومعنى ذلك أنه نواهما جميعا انتهى. قلت: وما
قاله الباجي متعين. قال سند القران هو الجمع
بين إحرام العمرة والحج فإن نواهما معا جاز
ذكر العمرة في لفظه قبل أو بعد وإن نوى أحدهما
قبل صاحبه نظرت فإن سبقت نية العمرة جاز أن
يدخل الحج عليها وإن سبقت نية الحج لم يجز أن
يدخل العمرة عليه. ثم قال في باب الإفراد
وغيره إذا ابتدأ فأهل بالحج ثم أضاف إليه عمرة
هل يكون قارنا يختلف فيه فالمعروف في المذهب
أنه لا يكون قارنا. وقال الشيخ أبو نصر يعني
الأبهري فيمن قدم الحج على العمرة في تلبيته
إنه يجزئه ويكون قارنا. قال الباجي معنى ذلك
أنه نواهما جميعا وزعم اللخمي أنه اختلف فيه
كما يختلف في غيره انتهى. وما قاله الباجي هو
الصواب فلا يبعد قول الأبهري خلافا. وقال في
المعونة القران على وجهين أحدهما أن يعقد
الإحرام بالحج والعمرة معا في حال واحد ينوي
بقلبه ويعتقد أنه داخل فيهما مقدما للعمرة في
نيته من غير اعتبار باللفظ انتهى. والصورة
الثانية من صورتي القران هي الإرداف التي أشار
إليها بقوله "أو يردفه بطوافها إن صحت" الخ.
قال في المعونة الوجه الثاني: أن يبتدئ
الإحرام بالعمرة مفردا ثم يضيف الحج إليها.
ومعنى ذلك أن يجدد اعتقادا أنه قد شرك بينها
وبين الحج في ذلك الإحرام فهذا يكون قارنا
كالمتمتع انتهى. ولو قال المصنف ولو بطوافها
لكان أبين ولكان مشيرا إلى الخلاف في الإرداف
في الطواف لأن المراد أن وقت الإرداف من حين
يحرم بالعمرة إلى أن يشرع في الطواف بلا خلاف
فإذا شرع
(4/70)
إن صحت وكمله
ولا يسعى
ـــــــ
في الطواف فات الإرداف عند أشهب. هكذا نقل
الباجي عنه. وفي الجلاب عنه إذا طاف شوطا
واحدا ثم أحرم بالحج لم يلزمه إحرامه ولا يكون
قارنا. واعلم أن أشهب إنما يقول بفوات الإرداف
بشرط أن يتمادى على إكمال الطواف أما لو قطعه
لصح عنده الإرداف. نقله اللخمي وعياض ونقله
عنهما المصنف في التوضيح. وأما على مذهب ابن
القاسم في المدونة فيجوز الإرداف في الطواف من
غير كراهة. قال في التوضيح ومقتضى كلام ابن
الحاجب أن بمجرد الشروع في الطواف يكره
الإرداف عند ابن القاسم وليس كذلك بل هو جائز
عنده وإن أتم الطواف ما لم يركع قاله ابن يونس
انتهى. قلت: قوله في التوضيح جائز عنده وإن
أتم الطواف فيه سهو والصواب أن يقال جائز عنده
ما لم يتم الطواف فإنه إذا أتم الطواف كره
الإرداف كما قال في المختصر وكره قبل الركوع
ونص على ذلك في المدونة ونقل ذلك في التوضيح
عن المدونة قبل كلامه هذا بيسير. وقال ابن
يونس في آخر كلامه صار الإرداف عند ابن القاسم
على أربعة أوجه أن يردف قبل الطواف أي قبل
كماله فهذا جائز وبعد الطواف وقبل الركوع وهذا
مكروه وبعد الطواف والسعي جائز وليس بقران
وبعد الركوع وقبل السعي فهذا مكروه وليس
بقران. وليس في كلام ابن يونس ما يقتضي جواز
الإرداف بعد كمال الطواف والله أعلم وقول ابن
يونس إنه بعد السعي جائز يريد أنه صحيح كما
سيأتي. ص: "إن صحت" ش: يعني أن شرط الإرداف أن
تكون العمرة صحيحة فإن كانت فاسدة لم يصح
الإرداف عند ابن القاسم ويكون باقيا على عمرته
ولا يحج حتى يقضيها فإن أحرم بالحج قبل أن
يقضيها صح إحرامه بالحج وإن كانت عمرته
الفاسدة في أشهر الحج فحل منها ثم حج من عامه
قبل قضائها فهو متمتع وعليه قضاء عمرته بعد أن
يحل من حجه وحجه تام. قاله محمد ونقله صاحب
الطراز. وقال عبد الملك يرتدف الحج على العمرة
الفاسدة ويكون قارنا وعليه دم في عامه الأول
لقرانه وعليه القضاء من قابل ويريق دمين دم
لقران القضاء ودم الفساد. قاله في الطراز
أيضا.
فرع: قال سند فإن قلنا لا ينعقد الحج فلا قضاء
عليه له وإن قلنا ينعقد فلا يجزئه ذلك عن حجة
الإسلام أو النذر أو التطوع انتهى. ص: "وكمله
ولا يسعى" ش: يعني أنه إذا أردف في أثناء
الطواف في العمرة الصحيحة فإن يكمل الطواف ولا
يسعى بعده لأن حكم من
(4/71)
وتندرج,
ـــــــ
أنشأ الحج من مكة أن لا يسعى إلا بعد طواف
الإفاضة إذ لا طواف قدوم عليه وإن أردف بعد
كمال الطواف وقبل الركعتين فيركع تكميلا
للطواف وإن أردف بمكة أو في الحرم قبل أن يشرع
في الطواف لم يلزمه طواف ولا سعي وإن أردف قبل
أن يدخل الحرم لزمه طواف القدوم وتقديم السعي
بعده. وقال الشارح في الوسط والصغير إن معنى
كلام المصنف أنه إذا أردفه في الطواف على
العمرة الفاسدة فإنه يكمله ولا يسعى سهو ظاهر
لأن الإرداف في العمرة الفاسدة لا يصح على
المشهور فيستمر على طوافه وسعيه ويكمل عمرته.
ص: "وتندرج" ش: قال ابن عبد السلام معنى
اندراج العمرة في الحج أن يستغني بطواف الحج
وسعيه وحلاقه عما وافق ذلك من عمل العمرة حتى
لو كان هذا القارن مراهقا جاز له ترك طواف
القدوم ويقع حلقه قبل طوافه وسعيه. وقال ابن
فرحون في شرح ابن الحاجب وإذا دخل مكة فالطواف
الذي يوقعه هو طواف القدوم وليس هو للعمرة لأن
العمرة اندرجت في أفعال الحج انتهى. فعلم من
هذا أن القارن إنما يقصد بأفعاله التي يأتي
بها أفعال الحج وأنها الواجبة عليه لإحرامه
الذي أحرم به بالحج والعمرة ولا يقصد أفعال
العمرة بخصوصها ولا يقصد التشريك في الطواف
الأول والسعي وأنهما للحج والعمرة بل ينوي
بالطواف الأول طواف القدوم الواجب عليه في
إحرامه الذي أحرمه بالحج والعمرة وبالسعي بعده
السعي الذي هو ركن الإحرام المذكور وبالوقوف
الوقوف الذي هو ركن للإحرام المذكور وبالطواف
الذي يأتي به بعد الوقوف طواف الإفاضة الذي هو
ركن للإحرام المذكور ولا يعتقد أن أفعال
العمرة قد انقضت بالطواف الأول والسعي بل
حكمها باق. وقال في المدونة في كتاب الحج
الثالث في ترجمة الذي يفسد حجه وإذا طاف
القارن أول ما دخل مكة وسعى ثم جامع فليقض
قارنا لأن طوافه وسعيه إنما كانا للحج والعمرة
جميعا ألا ترى أنه لو لم يجامع ومضى على
القران صحيحا لم يلزمه إذا رجع من عرفات أن
يسعى لحجه وأجزاه السعي الأول انتهى. فمعنى
قوله للحج والعمرة جميعا أنه للإحرام الذي
أحرم به لا أنه يقصد بالطواف الأول أنه للقدوم
وللعمرة وبالسعي أنه سعي العمرة والحج وأن
العمرة قد تمت. قال سند في شرح كلام المدونة
المذكور وهذا الذي قاله بين وهو حجة على من
ذهب من أصحابنا إلى أنه لا ينبغي أن يكون عليه
من عمل العمرة شيء لأنها قد تمت على الصحة
وإنما بقي الحج وحده وإنما حمل هذا القائل على
ذلك والله أعلم أن العمرة لا يؤتى لها إلا
بطواف واحد وسعي واحد فيقع الطواف الأول وسعيه
مشتركا بين النسكين وما بقي من الأفعال يختص
به الحج دون العمرة.
(4/72)
...................................
ـــــــ
فيقابل الفساد أفعال الحج المختصة بدون أفعال
العمرة وهو وهم فإن أفعال العمرة قائم بالقران
حتى يتحلل القارن ولولا ذلك لوجب عليه دم إذا
قدم سعيه لتأخير حلق العمرة انتهى. ففيه إشارة
إلى ما ذكرته وإن لم يكن مفصحا به. ومثل كلامه
السابق في المدونة قوله في الحج الأول من دخل
مكة قارنا فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة
في غير أشهر الحج ثم حج من عامه فعليه دم
القران ولا يكون طوافه حين دخوله مكة لعمرته
لكن لهما جميعا ولا يحل من واحدة منهما دون
الأخرى لأنه لو جامع فيهما قضاهما قارنا.
فقوله لهما جميعا أنه للإحرام الذي أحرمه بهما
وبذلك يجمع بين قولهم إن أفعال العمرة تندرج
وكلام المدونة في الموضعين وعلى هذا يحمل ما
ذكره ابن عرفة عن اللخمي ونصه وفيها على من
دخل قارنا فطاف وسعى قبل أشهر الحج وحج من
عامه دم القران فخرجه اللخمي على اختصاص حج
القارن بالطواف والسعي دونها كقول مالك فيها
إن رمى قارن مراهق جمرة العقبة حلق. ونفيه على
اشتراكهما فيهما كقول ابن الجهم في القارن إن
المراهق لا يحلق حتى يسعى انتهى. فقوله على
اختصاص حج القارن بالطواف والسعي يعني به أن
لا يقصد التشريك فيهما بل يقصد بذلك طواف
القدوم والسعي الواجبين عليه في إحرامه بالحج
والعمرة وأما على ما ذكره ابن الجهم فيمكن أن
يقال إنه يقصد بهما التشريك ويمكن أن يقال
إنما مرادهما صورة الطواف والسعي وإن كان إنما
يقصد بالطواف طواف القدوم وبالسعي سعي الركن
في إحرامه المذكور.
تنبيهان الأول لا يلزم المحرم القارن أن
يستحضر عند إتيانه بالأفعال المذكورة أنها
لإحرامه بالحج والعمرة بل إذا نوى طواف القدوم
الواجب عليه أجزاه وكذلك السعي والوقوف
وغيرهما بل لو لم يستشعر العمرة أجزاه كما
سيأتي فيمن طاف لعمرته على غير وضوء ثم أحرم
بالحج أنه يصير قارنا. قال ابن عبد السلام وإن
كان في ظنه أنه متمتع بل قال سند في شرح مسألة
كتاب الحج الأول المتقدمة في القارن إذا طاف
وسعى قبل أشهر الحج إنه لو اعتقد أنه في
العمرة فقط لوقوع فعله قبل أشهر الحج ثم حج
إنه يجزئه وأنه لا يؤثر اعتقاده ذلك. نعم إن
تحلل بعد طوافه وسعيه لزمته الفدية لما فعله
من التحلل وإن جامع لزمه القضاء قارنا انتهى
بالمعنى. وما ذكره من الإجزاء ظاهر إذا رجع
إلى بلده وأما إن ذكر وهو بمكة فيؤمر بالإعادة
كما سيأتي في الكلام على طواف القدوم. فإن ذكر
ذلك قبل الوقوف أعاد الطواف والسعي بنية طواف
القدوم والسعي الواجبين عليه في إحرامه بالحج
والعمرة وإن ذكر بعد الوقوف وقبل طواف الإفاضة
أعاد السعي إثر طواف الإفاضة وإن ذكره بعد
طواف الإفاضة أعاد طواف الإفاضة والسعي بعده
وإن دخل شهر المحرم أعادهما ويستحب له أن يهدي
كما سيأتي فيمن ترك ركعتي الطواف والله سبحانه
أعلم. ويستفاد من كلام صاحب الطراز أن من طاف
طواف الإفاضة على غير وضوء أو بطل طوافه بوجه
من الوجوه وسعى بعده ثم أحرم بعمرة وطاف لها
وسعى لها بوضوء أن طوافه للعمرة وسعيه يجزئه
عن طواف
(4/73)
وكره قبل
الركوع لا بعده
ـــــــ
حجه وسعيه ويحمل ذلك على ما إذا رجع إلى بلده
وأما إن ذكر ذلك بمكة فيعيد كما تقدم وهو ظاهر
لا سيما وقد قالوا إنه إذا تطوع بعد الإفاضة
بطواف إنه يجزئه فتأمله.
الثاني: قال صاحب الطراز في القارن إذا دخل
مكة قبل أشهر الحج إنه يكره له تقديم السعي بل
يؤخر سعيه لإفاضته وما قاله غير ظاهر بل ظاهر
المدونة أنه يطوف ويسعى قبل الوقوف. نعم يمكن
أن يقال يؤخر طواف القدوم والسعي حتى تدخل
أشهر الحج ثم يطوف ويسعى فيوقع أفعال الحج في
أشهره ولا يلزمه بالتأخير شيء لأنه إنما يجب
الدم إذا أخرها حتى وقف بعرفة. نعم تفوته
فضيلة التعجيل فقد يقال إن ذلك مغتفر لإيقاع
أفعال الحج في أشهره والذي يظهر من كلامهم عدم
التأخير فتأمله والله أعلم. ص: "وكره قبل
الركوع" ش: أي وكره الإرداف قبل الركوع. قال
في المدونة في كتاب الحج الأول فإذا طاف
بالبيت ولم يركع كره له أن يردف الحج فإن فعل
لزمه وصار قارنا وعليه دم القران انتهى. وقد
تقدم بيان ذلك والله أعلم. ص: "لا بعده" ش:
هذا معطوف على قوله "أو يردفه بطوافها"
والضمير للركوع أي فلا يردف الحج على العمرة
بعد الركوع ولا يصح الإرداف حينئذ ولا يكون
قارنا وكذلك الإرداف في السعي لا يصح ويكره له
فعل ذلك في الصورتين كما صرح به في المدونة
ونصه وإن أردف الحج بعد أن طاف وركع ولم يسع
أو سعى بعض السعي وهو من أهل مكة أو غيرها كره
مالك ذلك فإن فعل فليمض على سعيه فيحل ثم
يستأنف الحج انتهى. فالنفي راجع إلى الإرداف
فهو مخرج من قوله "أو يردفه بطوافها" إن صحت
وليس هو مخرجا من قوله وكره قبل الركوع لأن
الكراهة باقية بعد الركوع وكذلك في السعي ونبه
على ذلك ابن غازي والبساطي والله أعلم.
تنبيه: وإذا قلنا بأنه لا يصح الإرداف بعد
الركوع وقبل السعي أو في أثنائه فلا يلزم قضاء
الإحرام الذي أردفه على المشهور كما صرح به
ابن يونس وغيره ونقله في التوضيح. قال ابن
يونس إثر قول المدونة المتقدم ثم يستأنف الحج.
قال يحيى بن عمر إن شاء انتهى. واقتصر على هذا
القول ولم يحك غيره وكذلك ابن الحاجب إذ قال
فإن شرع في الطواف قبل أن يركع كره وكان قارنا
بذلك خلافا لأشهب. وقيل ولو ركع. وقيل وفي
السعي وعلى الصحة يكون كمحرم بالحج من مكة
فيركع إن كمل الطواف ولا يسعى وعلى نفيها
فكالعدم انتهى. قال في التوضيح أي وإذا فرعنا
على نفي صحة الإرداف فيكون إحرامه الثاني
كالعدم فلا يلزمه قضاؤه ولا دم عليه. اللخمي
وحكى عبد الوهاب في هذا الأصل أعني إذا
(4/74)
...................................
ـــــــ
لم يصح إرداف الحج على العمرة قولين بوجوب
القضاء وسقوطه انتهى ونحوه في ابن عبد السلام
وزاد وأجرى ابن بشير وجوب القضاء هنا على
الخلاف في وجوب قضاء صوم النذر الذي لا يجوز
الوفاء به وهو صحيح لوجود الخلاف هناك. وقال
في الذخيرة وإذا قلنا يصير قارنا في بعض
الطواف لسقط عنه باقي العمرة ويتم طوافه نافلة
ولا يسعى لأن سعي الحج لا بد من اتصاله بطواف
واجب. وإن قلنا يصير قارنا في أثناء السعي قطع
سعيه لأن السعي لا يتطوع به مفردا. وحيث قلنا
لا يكون قارنا فإن كان الحج حج الإسلام بقي في
ذمته أو تطوعا سقط عنه عند أشهب كما لو أردف
حجا على حج أو عمرة على عمرة على حج. وقيل
يلزمه الإحرام به لأنه التزم شيئين في إحرامه
الحج وتداخل العمل بطل الثاني فيبقى الأول
عملا بالاستصحاب انتهى. وهو مختصر من كلام
صاحب الطراز فإنه قال بعد أن ذكر الأحوال
المتقدمة قال "وإذا قلنا لا يصح إردافه الحج
في الأحوال المتقدمة" فإنه يبقى على عمرته فإن
كان الحج حج الإسلام فهو في ذمته وإن كان
تطوعا فهل يجب عليه الإحرام به أو لا اختلف
فيه قال أشهب وغيره في الموازية لا يلزمه إلا
أن يشاء وذكر القاضي في معونته قولين أحدهما
أنه لا يلزمه والآخر أنه يلزمه ثم ذكر احتجاج
كل قول بما يطول. قلنا وقوله وإذا قلنا لا يصح
إردافه في يعني إذا أردف بعد شروعه في الطواف
على قول أشهب القائل بعدم صحة الإرداف حينئذ
أو بعد إكمال الطواف وقبل الركوع على مقابل
المشهور القائل بعدم الصحة أيضا أو بعد الطواف
والركوع على المشهور والله أعلم. وقال ابن
بشير في التنبيه وإذا قلنا إن الحج لا يرتدف
في هذه الصور فهل يلزم قضاؤه قولان المشهور
عدم اللزوم وقد قدمنا الخلاف فيمن نذر صوم ما
لا يحل صومه هل يلزمه قضاؤه أم لا وهذا من ذلك
النظم لأنه إنما التزمه بشرط الصحة فمن نظر
إلى نفس الالتزام أوجب القضاء ومن التفت إلى
الشرط أسقطه انتهى. ونقل القولين في التنبيهات
وقال وأكثرهم على القضاء اه ونقله عنه أبو
الحسن. ونص كلام التنبيهات وإذا لم يكن قارنا
هل يلزمه إحرامه الذي أحرم به بالحج أم لا
وذلك إذا أردف الحج في طوافه وسعيه على القول
بأنه لا يرتدف حينئذ ولا يكون قارنا فقيل إنه
يلزمه ذلك الحج وهو ظاهر قوله في الكتاب
ويستأنف الحج وإلى هذا ذهب أكثرهم. وذهب يحيى
بن عمر إلى أن ذلك لا يجب عليه وأن معنى قوله
يستأنف الحج أي إن شاء انتهى. وعلى قول يحيى
اقتصر عبد الحق في تهذيبه ونصه وأما إن أردف
الحج بعد طوافه لعمرته وركوعه وبعد أن سعى بعض
السعي أو لم يعمل من السعي شيئا فهذا يمضي على
سعيه ويحل من عمرته ولا يلزمه الحج إلا أن
يشاء أن يبتدئه كما قال يحيى بن عمر انتهى.
والله أعلم. وتقدم في شرح قول المصنف أو يردفه
بطوافها مناقشته في التوضيح لقول ابن الحاجب
فإن شرع في الطواف بعد كره والله أعلم.
فرع: قال في التوضيح قال في النوادر قال في
الموازية ومن تمتع ثم ذكر بعد أن يحل
(4/75)
وصح بعد سعي
وحرم الحلق وأهدى لتأخيره ولو فعله
ـــــــ
من حجه إن نسي شوطا لا يدري من حجته أو عمرته
فإن لم يكن أصاب النساء رجع فطاف وسعى وأهدى
لقرانه وفدية واحدة لحلاقه ولباسه لأنه إذا
كان الشوط من حجه فقد أتى به يعني لإتيانه
الآن بالطواف وأهدى لتمتعه وإن كان من العمرة
صار قارنا قاله ابن القاسم وعبد الملك وأشهب
يوافقهما في هذه المسألة لأنه وإن كان يرى أن
المعتمر إذا طاف شوطا لا يرتدف حجه لكن إنما
قال ذلك في الطواف الكامل. وهذا الطواف الذي
نسي منه الشوط إن كان من العمرة فقد أساء
للتباعد فيصير إرداف الحج قبل الطواف. ولو
وطيء النساء فإنه يرجع فيطوف ويسعى ويهدي
لقرانه أو لتمتعه وعليه فدية واحدة ثم يعتمر
ويهدي وبقي من كلام محمد في هذه المسألة شيء
ذكر فيه أنه إن كان الشوط من العمرة صار قارنا
وأفسد قارنه فيجب عليه بدله مقرنا في قولهم
أجمعين. وهذا من قول محمد لا أعلم معناه إلا
على قول عبد الملك الذي يرى أنه يردف الحج على
العمرة الفاسدة وأما في قول ابن القاسم فلا
إلا أن يطأ بعد الإحرام بالحج وقبل رمي جمرة
العقبة والإفاضة في يوم النحر انتهى بمعناه.
انتهى كلام التوضيح. ص: "وصح بعد سعي" ش: أي
وصح الإحرام بالحج من طواف بعد الفراغ من طواف
العمرة وسعيها لأنه لم يبق إلا الحلق وليس
بركن. وعبر المصنف بالصحة ليفهم منه أنه لا
يجوز له ذلك ابتداء وهو ظاهر لأن ذلك يستلزم
تأخير حلق العمرة أو سقوطه على ما سيأتي.
وتقدم في كلام ابن يونس أنه جائز ويتعين حمله
على أنه أراد أنه صحيح لا أنه يجوز الإقدام
عليه ابتداء والله أعلم. ص: "وحرم الحلق وأهدى
لتأخيره ولو فعله" ش: يعني أن المحرم بالعمرة
إذا أحرم بالحج بعد سعيها وقلنا إن إحرامه
صحيح فإنه يحرم عليه الحلق ويلزمه هدي لتأخير
حلاق العمرة. قال في مناسكه فإن أردف بعد
السعي لم يكن قارنا اتفاقا ولا متمتعا إلا أن
يحل من عمرته في أشهر الحج ويصح إحرامه بالحج
ولهذا لا يحلق لعمرته حتى يخلو من حجه وعليه
دم لتأخير الحلاق انتهى. وهو نحو قوله في
المدونة وعليه دم لتأخير الحلاق في عمرته.
ويفهم منه أنه لو لم يحصل تأخير الحلاق أنه لا
دم عليه وبذلك جزم ابن عطاء الله في شرح
المدونة كما نقله عنه التادلي فإنه قال بعد أن
ذكر أن عليه دما لتأخير الحلاق ما نصه. هذا
إذا كان بين إحرامه بالحج ويوم عرفة زمن طويل.
قال في شرح المدونة لعبد الكريم الإسكندراني
فيمن
(4/76)
ثم تمتع بأن
يحج بعدها وإن بقران
ـــــــ
اعتمر في آخر يوم عرفة ثم أحرم بالحج ولم يحلق
حتى وصل إلى منى يوم النحر فحلق أجزأه وكأنه
تداخل الحلاقان معا قال وانظر إذا فرغ من
عمرته ثم أحرم بأخرى قبل أن يحلق الأولى هل
يكون مثله تردد في ذلك ولا فرق في الموضعين
وهما معا من باب التداخل انتهى.
قلت: وذكر صاحب الطراز في كتاب الحلاق عن عبد
الحق ما يقتضي أن الدم لا يسقط ولو حلق بالقرب
لأن الحلق للنسك الثاني فإنه قال لما تكلم على
من أخر الحلق عن الإفاضة ما نصه إذا قلنا يحلق
بعد إفاضته ولا شيء عليه فلو اعتمر بعد أيام
منى قبل أن يحلق قال عبد الحق عليه الهدي وإن
كان بالقرب لأنه لما أحدث العمرة وجب عليه أن
يحلق لها انتهى.
قلت: وهو الذي يظهر من كلام عبد الحق وابن
يونس في الكلام على مسألة من أحرم بالحج بعد
سعي العمرة وقبل الحلاق. وقال عبد الحق عليه
دم لتأخير الحلاق لأنه لما أحرم بالحج لم يقدر
على الحلاق فإن عمد فعجل الحلاق. وقال عبد
الحق عليه دم لتأخير الحلاق لأنه لما أحرم
بالحج لم يقدر على الحلاق فإن عمد فعجل الحلاق
فعليه الفدية لأنه محرم حلق رأسه ولا يسقط عنه
دم تأخير الحلاق لأنه قد وجد عليه ولزم ذمته
انتهى. وقال ابن يونس قال لي بعض أصحابنا إن
تعدى لهذا الذي لزمه تأخير الحلاق فحلق فظهر
لي أنه لا يسقط عنه دم تأخير الحلاق لأنه نقص
لزمه كمن تعدى الميقات ثم أحرم بالحج فلزمه دم
التعدي فلا يسقط عنه رجوعه إلى الميقات. وقال
بعض أصحابنا يتخرج على قول ابن القاسم وأشهب
فيمن قام من اثنتين فلما استوى قائما رجع فجلس
. قال ابن القاسم يسجد بعد. وقال أشهب قبل.
فعلى قول ابن القاسم يسقط عنه دم تأخير الحلاق
وعلى قول أشهب يجب أن لا يسقط عنه دم تأخير
الحلاق. انتهى أوله باللفظ وآخره مختصرا
بالمعنى. وإلى عدم سقوط الدم أشار المصنف
بقوله "ولو فعله". واختار صاحب الطراز أن دم
التأخير يسقط عنه إذا حلق ورد القول الذي صححه
ابن الحاجب والمصنف فقال وزعم بعض القرويين
أنه وإن حلق لا يسقط عنه الهدي لأن حلقه غير
جائز. قال وهذا فاسد لأن الهدي عليه لتأخير
الحلاق وإن لم يثبت التأخير فلا يثبت حكمه
والحلق ههنا غير جائز من وجه وهو صحيح من وجه
ويضاهي الصلاة في الدار المغصوبة فإن حلق فلا
هدي عليه وعليه الفدية انتهى.
قلت: ولا يؤخذ من كلامه هذا مثل ما نقله
التادلي عن ابن عطاء الله لأن هذا حلق لكل نسك
حلاقا فتأمله. ص: "ثم تمتع بأن يحج بعدها وإن
بقران" ش: يعني أن حقيقة التمتع
(4/77)
وشرط دمهما عدم
إقامة بمكة أو ذي طوى وقت فعلهما وإن بانقطاع
بها
ـــــــ
بأن يحرم بعمرة ويحل منها في أشهر الحج ثم يحج
بعدها في عامه ذلك ولو كان حجه بقران بأن يحرم
بعد فراغه من العمرة بحجة وعمرة معا ويصير
متمتعا قارنا. قال في التوضيح اتفاقا ويجب
عليه دمان دم لتمتعه ودم لقرانه. وقال بعض
القرويين يحتمل أن لا يكون عليه إلا هدي واحد
لما ثبت في الشرع من قاعدة التداخل. وقال في
الشامل وعليه دمان على المنصوص.
فرع: قال في النوادر والمعتمر مرارا في أشهر
الحج من عامه فهدي واحد يجزئه لتمتعه انتهى.
وقال في الشامل ويتكرر الدم بتكررها في زمنه
ولا حجة في هذا لما قاله بعض القرويين في
المسألة الأولى لأنه في المسألة الأولى جمع
فيه بين السببين الموجبين للدم وأما في
المسألة الثانية فلم يأت إلا بسبب واحد والله
أعلم. ص: "وشرط دمهما عدم إقامة بمكة أو ذي
طوى وقت فعلهما وإن بانقطاع بها" ش: يعني أن
شرط وجوب دم القران ودم المتعة أن لا يكون
الشخص من المقيمين بمكة أو ذي طوى وقت فعل
القران أو التمتع ولو كانت الإقامة بالانقطاع
إلى مكة يريد أو بالانقطاع إلى ذي طوى. وإنما
وحد الضمير في قوله بها لأن مراده أن ينبه على
أن مكة وذا طوى في حكم البلد الواحد والمراد
بالإقامة الاستيطان. قال في التوضيح قال
الباجي إنما لا يكون متمتعا من كمل استيطانه
قبل أن يحرم بالعمرة مثل أن يدخل معتمرا في
رمضان فيحل في رمضان من عمرته ثم يستوطن مكة
ثم يعتمر في أشهر الحج فإنه لا يكون متمتعا
وهو بمنزلة أهل مكة. قاله أشهب ومحمد وهو معنى
قول مالك انتهى. وقال بعدها هذا إطلاق التوطن
على طول الإقامة مجاز لأن حقيقة التوطن
الإقامة بنية عدم الانتقال انتهى. وقال ابن
عرفة ويوجب الدم شرط كونه غير مكي وهو متوطنها
أو ما لا
(4/78)
....................................
ـــــــ
يقصر مسافر منها فيه كذي طوى. ثم قال والمعتبر
استيطانه قبل العمرة فلو قدم بعمرة ناويه لم
يفده لإنشائها غير مستوطن. وقوله في المدونة
لأنه قد يبدو له مشكل انتهى. يشير لقوله في
المدونة ومن دخل مكة في أشهر الحج بعمرة وهو
يريد سكناها ثم حج من عامه ذلك فعليه دم
المتعة وليس هو كأهل مكة لأنه إنما يريد
السكنى وقد يبدو له ومن حل من أهل الآفاق من
عمرته قبل أشهر الحج ثم اعتمر عمرة ثانية من
التنعيم في أشهر الحج ثم حج من عامه فذلك عليه
دم المتعة وهو أبين من الذي قدم ليسكن لأن هذا
لم تكن إقامته الأولى سكنى انتهى قال سند
استنبط ابن القاسم حكم الدم من قول مالك في
المسألة الأولى من حيث الأولى وهو بين لأن
الأولى أوجبنا عليه الدم وإن كان سفره لسكنى
مكة لما لم يتحقق كونه عند الإحرام حاضر
المسجد الحرام فهو الذي لم يرد سكنى مكة
واستيطانها وإنما أراد الحج فقط وإنما بادر
بسفره فيه أحرى بوجوب الدم وثبوت حكم المتعة
انتهى. وقال في الموطأ قال مالك وكل من انقطع
إلى مكة من أهل الآفاق وسكنها ثم اعتمر في
أشهر الحج ثم أنشأ الحج فليس بمتمتع وهو
بمنزلة أهل مكة إذا كان من ساكنها. وقال في
المعونة ويلزمه الهدي لقرانه إذا لم يكن مقيما
بمكة مستوطنا. وقال في شروط التمتع والسادس أن
يكون وطنه غير مكة من سائر الآفاق من الحرم أو
الحل. وقال في الجواهر المراعى في حضور المسجد
الحرام وقت فعل النسكين وابتداؤه بهما فإن كان
في ذينك الوقتين مستوطنا مكة فحكمه حكم أهلها
وإن كان مستوطنا سائر الآفاق انتهى. ولابن
فرحون نحوه وزاد وإن كان مكي الأصل فظهر أن
المسقط للدم هو الاستيطان وأن الإقامة بغير
نية الاستيطان لا تسقط الدم ولو طالت. ولما
كان المستوطن نوعين أحدهما أهل مكة والثاني من
انقطع إليها بنية عدم الانتقال بالغ المصنف
بقوله "وإن بانقطاع بها". وفيه إشارة إلى أن
المراد بالإقامة الاستيطان إذ لو كان المراد
مطلق الإقامة لما حسنت المبالغة بالانقطاع.
وقال ابن الحاجب والمنقطع إليها كأهلها. قال
ابن فرحون المنقطع بها هو الآفاقي الذي أقام
بها وأعرض عن سكنى غيرها وهذا حكمه حكم المكي
انتهى. وقول المصنف في التوضيح "المنقطع إليها
كالمجاور كأهلها" فمراده بالمجاور من جاور
بنية عدم الانتقال لا مطلق المجاورة كما تقدم
في كلامه. وذو طوى هو ما بين الثنية التي يهبط
منها إلى مقبرة مكة المسماة بالمعلاة والثنية
الأخرى التي إلى جهة الزاهر وتسمى عند أهل مكة
بين الحجوقين. هكذا قال شيخ شيوخنا القاضي تقي
الدين الفاسي في تاريخ مكة قال وفي صحيح
البخاري ما يؤيده ونقل ابن جماعة الشافعي عن
والده نحو ذلك. قلت: وهو الذي يفهم من كلامه
في القران فإنه قال في أول باب دخول مكة فإذا
دنا من مكة بات بذي طوى بين التثنيتين حتى
يصبح ثم قال بعد ذلك وهو ربض من أرباض مكة
بطرفها ثم قال قيل لمالك ذي طوي في مر الظهران
قال الذي سمعت بقرب مكة انتهى وله نحو ذلك في
باب ما يفعل عند الإحرام. ثم قال ابن جماعة
وقال المحب الطبري:
(4/79)
أو خرج لحاجة
ـــــــ
هو موضع عند باب مكة يسمى بذلك لبئر مطوية
فيه. ثم قال وما ذكره والدي هو المعروف عند
أهل مكة انتهى.
قلت: ما ذكره عن المحب الطبري مأخوذ من قول
النووي في تهذيبه إنه موضع عند باب مكة بأسفل
مكة في صوب طريق العمرة ويعرف اليوم بآبار
الزاهر انتهى وقال الفاسي قال الداودي إن ذا
طوى هو الأبطح نقله عنه صاحب المطالع وقال
الفاسي وهو بعيد. قلت: وأبعد منه قول البساطي
في شرحه في هذا المحل إنه الموضع الذي يعبر
عنه اليوم ببطن مر لأن بطن مر هو مر الظهران.
وقد صرح في المدونة بأن أهله ليسوا من حاضري
المسجد الحرام والأقرب في تفسيره ما ذكره
الفاسي أولا ونقله ابن جماعة عن والده وهو
الموضع الذي يستحب لداخل مكة أن يغتسل فيه كما
سيأتي وهو مثلث الطاء مقصور الألف وأما
المذكور في القرآن العظيم فهو بضم الطاء
وكسرها قريء بهما في السبعة وهو موضع بالشام.
وفي طريق الطائف موضع يقال له طواء بفتح الطاء
والمد قاله ابن جماعة الشافعي. وقال الشيخ
بهرام في الكبير أبو علي وطوى واد من أودية
مكة منون مقصور على فعل أبو زيد طواء ممدود
على وزن فعال. قال فأنكر هذا الأصمعي أو قال
طواء الذي بالطائف ممدود الذي بمكة مقصور
انتهى. وقال ابن فرحون في مناسكه في باب دخول
مكة وطوى بفتح الطاء مقصورة والذي بطريق
الطائف طواء بالمد انتهى. وحكى المصنف في
مناسكه تثليث الطاء كما تقدم وكذلك الفاسي في
تاريخه ولم يحك في الصحاح إلا الضم والله
أعلم. ص: "أو خرج لحاجة" ش: هو معطوف على ما
في حيز المبالغة من يعني أن من كان من أهل مكة
انقطع إليها واستوطنها من غير أهلها فإنه من
الحاضرين وإن خرج لحاجة من غزو أو تجارة أو
رباط أو أمر عرض له ولو طالب إقامته بغيرها
إذا لم يرفض سكناها وسواء كان له بها أهل أو
لم يكن. قال في التوضيح وقوله الخارج لرباط أو
تجارة شمل الخارج من أهلها وغيرهم وهو صحيح
فقد قال مالك في العتبية والموازية إنه ليس
على من ترك أهله بمكة من أهل الآفاق وخرج لغزو
أو تجارة إذا قدم في أشهر الحج متعة كما ليس
على أهل مكة متعة وقال محمد معناه أنه دخل
للسكنى قبل أن يحرم بالعمرة وكذلك قال في
البيان معناه أنه قدم مكة قبل أشهر الحج فتركه
أهله بها على نية الاستيطان بها ثم خرج لغزو
أو تجارة فقدم معتمرا في أشهر الحج كذلك لو
سكنها بغير أهل قبل أن يتمتع. قاله ابن المواز
انتهى. وقال ابن عرفة وسمع ابن القاسم إن ترك
آفاقي أهله بمكة أو خرج لغزو أو تجر وقدمها
متمتعا فلا دم. ابن رشد لأن تركه بنية
الاسيتطان. محمد وكذلك لو سكنها دون أهل فقول
أبي عمر لا يكون مكيا حتى
(4/80)
لا انقطع
بغيرها أو قدم بها ينوي الإقامة وندب لذي
أهلين وهل إلا أن يقيم بأحدهما أكثر
ـــــــ
يستوطنها عاما مشكل. انتهى والله أعلم. ص: "لا
إن انقطع بغيرها" ش: يعني أن من انقطع من أهل
مكة أو ممن استوطنها بغير مكة فإن رفض سكنى
مكة فإنه يخرج عن حكم الحاضرين ويلزمه دم
التمتع إذا تمتع. ص: "أو قدم بها ينوي
الإقامة" ش: هو معطوف على قوله لا إن انقطع
بغيرها والضمير في بها عائد إلى أشهر الحج أو
إلى العمرة ومعناه أن من قدم بها أي فيها يعني
أشهر الحج أو قدم بها أي بالعمرة في أشهر الحج
ونيته الإقامة أي الاستيطان فليس من الحاضرين
ويشير إلى مسألة المدونة المتقدمة التي قال
فيها ولعله أن يبدو له. ص: "وندب لذي أهلين
وهل إلا أن يقيم بأحدهما أكثر فيعتبر تأويلان"
ش: يعني أن من كان له أهل بمكة وأهل بغيرها ثم
تمتع فإنه يستحب له أن يهدي. ثم اختلف شيوخ
المدونة في فهمها فقيل مستحب مطلقا ولو كان
يقيم بأحدهما أكثر وقيل إذا أقام بأحدهما أكثر
اعتبر فإن أقام بمكة أكثر فهو مكي ولا دم عليه
وإن أقام بمكة أقل فهو غير مكي ولا دم عليه
ولفظ المدونة على اختصار البراذعي وابن يونس.
قال مالك ومن له أهل بمكة وأهل ببعض الآفاق
فقدم مكة معتمرا في أشهر الحج ثم حج من عامه
فهذا من مشتبهات الأمور والأحوط أن يهدي. قال
ابن يونس قال ابن القاسم وذلك رأي. قال ابن
المواز قال أشهب إن كان إنما يأتي أهله بمكة
منتابا فعليه دم التمتع. وإن كان سكناه بمكة
ويأتي أهله بغيرها منتابا فلا هدي عليه قال
اللخمي وهذا صحيح ولم يتكلم مالك في مثل هذا
وإنما جاوب على من يكثر المقام بالموضعين
انتهى. وقال أبو إسحاق التونسي ومن كان له أهل
بمكة وأهل ببعض الآفاق احتاط بدم المتعة. وقيل
إن كان يأتي مكة منتابا وأكثر إقامته بغيرها
فعليه دم المتعة وإن كان أكثر إقامته بها فلا
دم عليه. وظاهر مذهب ابن القاسم خلاف هذا ألا
ترى أنه وإن كان يأتي مكة منتابا فهي وطنه لا
يقصر الصلاة بها انتهى. وأشار المصنف في دلالة
لفظ المدونة المتقدم بالتأويلين إلى كلام
اللخمي وكلام أبي إسحاق التونسي فلم يذكر ابن
عرفة كلام أبي إسحاق التونسي.
تنبيه: في دلالة لفظ المدونة المتقدم على كون
الدم مستحبا نظر بل المتبادر منه أنه واجب نعم
نقلها سند وابن الحاجب بلفظ هذا من مشبهات
الأمور والاحتياط في ذلك
(4/81)
فيعتبر تأويلان
وحج من عامه وللتمتع عدم عوده لبلده أو مثلها
ولو بالحجاز لا أقل
ـــــــ
أعجب إلي وهذا يقتضي الاستحباب فتأمله والله
أعلم. والمنتاب الذي يأتي مرة بعد أخرى قاله
في الصحاح. وهو بالنون والتاء الفوقية وآخره
موحدة. ص: "وحج من عامه" ش: يعني أن شرط وجوب
دم القران والتمتع أن يحج من عامه فإن فاته
الحج في عامه ذلك فلا دم عليه للقران ولا
للتمتع وهذا ظاهر بالنسبة إلى التمتع وكذا إلى
القران إذا فعل الأولى وتحلل فإن ترك الأولى
في حقه وهو التحلل واستمر على إحرامه إلى قابل
لم يسقط عنه هدي القران وهذا ظاهر وقد نص عليه
في التوضيح وغيره. ص: "وللمتمتع دم عوده
لبلده" ش: يريد أو ما قاربه. قال في التوضيح
ولا إشكال أنه إذا عاد إلى بلده أو ما قاربه
في سقوط الدم. وحكى البناجي الاتفاق على ذلك
والله أعلم. ص: "أو مثله ولو بالحجاز" ش: يعني
أن المتمتع إذا عاد إلى مثل بلده في البعد عن
مكة سقط عنه الدم ولو كان بلده بالحجاز.
والخلاف المشار إليه ب"لو" إنما هو إذا عاد
لمثل بلده فالمشهور سقوط الدم ولو كان بلده
بالحجاز وفي الموازية إنه لا يسقط بعوده إلى
مثله إذا كان بلده بالحجاز وإنما يسقط بعوده
إلى نفس بلده أو بالخروج عن أرض الحجاز
بالكلية. كذا نقل في التوضيح ونصه المشهور إنه
لا فرق بين قطر الحجاز وغيره. وأشار ابن
المواز إلى ما فهمه ابن يونس وغيره عنه إلى
أنه إنما يسقط عنه الدم بالعود إلى مثل أفقه
إذا كان أفقه غير أفق الحجاز وأما الحجاز فلا
يسقط عنه الدم إلا بالعود إلى نفس أفقه أو
بالخروج عن أرض الحجاز بالكلية انتهى. ونص
كلام ابن المواز ومن اعتمر من أهل الآفاق في
أشهر الحج ثم رجع إلى مثل أفقه ثم حج من عامه
فإن كان ذلك إلى أفق غير الحجاز كالشام ومصر
والعراق أو أفق من الآفاق أو أفقه فلا هدي
عليه انتهى. قال ابن عبد السلام وظاهره أنه لو
رجع إلى الحجاز وهو أفقه أو مثل أفقه لما سقط
عنه الهدي. وأنكر ذلك بعض الشيوخ انتهى. وضعف
ابن يونس واللخمي ما في الموازية ورأوا أنه لا
فرق بين الحجاز وغيره فعلم منه أن العود إلى
البلد نفسه مسقط للدم بلا خلاف. وظاهر كلام
ابن عبد السلام أن الخلاف في ذلك ولو رجع
لبلده وتبعه على ذلك الشارح وليس كذلك كما
بينا والله أعلم. ص: "لا بأقل" ش: هذا هو
المشهور. قال في التوضيح وأطلق المتقدمون في
هذا الشرط وقيده أبو محمد بما إذا كان أفقه
يدركه إن ذهب إليه ويعود فيدرك الحج من عامه
وأما من أفقه إفريقية فيرجع إلى مصر فيسقط
التمتع
(4/82)
وفعل بعض ركنها
في وقته وفي شرط كونهما عن واحد تردد
ـــــــ
لأن موضعه لا يدرك أن يذهب إليه ثم يعود من
عامه انتهى. وقبل ابن عرفة وغيره تقييد الشيخ
أبي محمد وهو ظاهر. ص: "وفعل بعض ركنها في
وقته" ش: يعني أن من شروط وجوب الدم على
المتمتع أن يفعل بعض أركان العمرة في وقت الحج
أي في أشهره. قال في المدونة ومن اعتمر في
رمضان فطاف وسعى بعض السعي ثم أهل هلال شوال
فأتم سعيه فيه ثم حج من عامه كان متمتعا. قال
اللخمي هذا قول مالك. ويصح أن يقال إذا لم يبق
إلا الشوط والشوطان من السعي أن ليس عليه شيء
لأن اليسير في حيز اللغو انتهى. وقال ابن يونس
يريد أنه إذا تم سعيه بعد غروب الشمس من آخر
يوم من رمضان لأن تلك الليلة من شوال وأما لو
رأى هلال شوال نهارا فأتم سعيه بعد أن رآه
نهارا فليس بمتمتع لأن ذلك اليوم من رمضان
والله أعلم. ص: "وفي شرط كونهما عن واحد تردد"
ش: أشار بالتردد لتردد المتأخرين في النقل
فالذي نقله صاحب النوادر وابن يونس واللخمي
عدم اشتراط ذلك. وقال ابن الحاجب الأشهر
اشتراط كونها عن واحد. وحكى ابن شاس في ذلك
قولين. قال في التوضيح لم يعزهما ولم يعين
المشهور منهما ولم يحك صاحب النوادر وابن يونس
إلا ما وقع في الموازية أنه تمتع انتهى. وقال
في مناسكه بعد أن ذكر كلام ابن الحاجب خليل
ولم أر في ابن يونس وغيره إلا القول بوجوب
الدم. وقال ابن عرفة وشرط ابن شاس كونهما عن
واحد ونقل ابن الحاجب لا أعرفه بل في كتاب أبي
محمد من اعتمر عن نفسه ثم حج من عامه عن غيره
متمتع. فما ذكره المصنف من التردد صحيح لكن
المعروف عدم اشتراط ذلك وعادته أنه يشير
بالتردد لما ليس فيه ترجيح. وقال ابن جماعة
الشافعي في منسكه الكبير لا يشترط أن يقع
النسكان عن واحد عند جمهور الشافعية وهو قول
الحنفية ورواية ابن المواز عن مالك وعلى ذلك
جرى جماعة من أئمة المالكية منهم الباجي
والطرطوشي ومن الشافعية من شرط ذلك. وقال ابن
الحاجب إنه الأشهر من مذهب مالك وتبع ابن
الحاجب في اشتراط ذلك صاحب الجواهر. وقوله
وأنه الأشهر غير مسلم فإن القرافي في الذخيرة
ذكر ما سوى هذا الشرط وقال إن صاحب الجواهر
زاد هذا الشرط ولم يعزه إلى غيره انتهى.
تنبيه: شروط القران لا شك أنها شرط في وجوب
الدم لا في تسمية الفعل قرانا وأما شروط
التمتع فهل شروط في وجوب الدم أو في تسميته
متمتعا فظاهر كلام المصنف وابن
(4/83)
..................................
ـــــــ
الحاجب أنها شروط في وجوب الدم. وصرح القاضي
في المعونة بأنه إذا فقد شرط منها لا يسمى
متمتعا. قال لأن أصل التمتع الجمع بين العمرة
والحج في سفر واحد. ثم قال بشرط أن يأتي
بالعمرة في أشهر الحج لأن أصل الرخصة بذلك
تعلقت وهو إيقاع العمرة في أشهر الحج لأن
العرب كانت تراه فجورا. وبذلك صرح اللخمي
وغيره. نعم وقع في المدونة والرسالة إطلاق
التمتع على ما يفعله المكي ولعل ذلك على سبيل
التجوز والله أعلم. وقال القباب في شرح قواعد
القاضي عياض عند قوله وعلى القارن غير المكي
والمتمتع الهدي يعني والمتمتع غير المكي وقد
يقال إنه لا يحتاج إلى هذه العناية لأنه قد
قدم أن المتمتع إنما هو غير المكي فلا يسمى
المكي متمتعا فلذلك لم يقيده انتهى. ويشير بما
قدمه إلى قوله في كلامه السابق والتمتع هو أن
يعتمر غير المكي في أشهر الحج ثم يحل ويحرم من
عامه ولا يكون متمتعا إلا بشروط ستة إلا أن
يكون مكيا انتهى. وقال بعض المالكية في منسكه
من تمتع بالعمرة إلى الحج ولم تجتمع فيه شروط
التمتع فهو مفرد مع أنه قدم العمرة على الحج
انتهى. وقال ابن جماعة في منسكه الكبير
والشروط المذكورة معتبرة عند الشافعية لوجوب
الدم كما بيناه. وهل تعتبر في تسميته تمتعا
قال القفال تعتبر وحكاه عن نص الشافعي وبه جزم
الدارمي. فلو فات شرط لم يمكن متمتعا وكانت
الصورة صورة إفراد. وقال الرافعي إن الأشهر أن
ذلك لا يعتبر وهو قول المالكية ومذهب الحنابلة
انتهى.
تنبيه: ذكر التادلي للمتمتع تسعة شروط الخمسة
التي ذكرها المصنف وزاد عن الباجي سادسا وهو
تقديم العمرة على الحج وسابعا وهو أن يحل من
العمرة قبل الإحرام بالحج وهما في الحقيقة شيء
واحد لأن الإحلال من العمرة قبل الإحرام بالحج
يستلزم تقديم العمرة على الحج وقد نبه على ذلك
التادلي والمصنف في التوضيح وهذا أن الشرطان
مأخوذان من قول المصنف في تعريف التمتع بأن
يحج بعدها. وزاد عن الباجي أيضا ثامنا وهو كون
العمرة صحيحة وهو غير صحيح لأن ذلك ليس بشرط
كما نص عليه ابن يونس ونقله المصنف في التوضيح
ونصه ولا يشترط في التمتع صحة العمرة لأنه في
الموازية من أفسد عمرته في الحج يعني في أشهر
الحج ثم حل منها ثم حج من عامه قبل قضاء عمرته
فهو متمتع وعليه قضاء عمرته قبل أن يحل من حجه
وحجه تام. ذكر ابن يونس انتهى. وتقدم ذلك في
كلام صاحب الطراز عند قول المصنف إن صحت. وزاد
عن الباجي تاسعا وهو كون العمرة مقصودة وهو
يشير به إلى ما قاله المصنف في فصل الموانع
ولا يتحلل إن دخل وقته وإلا فثالثها يمضي وهو
متمتع. وذكر للقران شروطا لا يحتاج إليها منها
أن يقدم العمرة على الحج في نيته وأن يبدأ
بفعل العمرة إن أتى بهما في عقدين وأن يحرم
بالحج قبل تمام العمرة إن كان مردفا وأن لا
يتمادى على الطواف إذا أردف في أثنائه وأن
تكون العمرة صحيحة وهذه كلها مستغنى عنها بما
ذكره المصنف في صفة القران. ص:
(4/84)
ودم التمتع يجب
بإحرام الحج وأجزأ قبله
ـــــــ
"ودم التمتع يجب بإحرام الحج وأجزأ قبله" ش:
ذكر رحمه الله مسألتين الأولى منهما أن دم
التمتع يجب بإحرام الحج وبذلك صرح ابن شاس
وابن الحاجب وقبله ابن عبد السلام والمصنف
وابن فرحون وغيرهم ونحوه للخمي وسيأتي لفظه في
شرح المسألة الثانية. خالف في ذلك ابن رشد
وابن العربي وصاحب الطراز وابن عرفة. قال ابن
عرفة سمع ابن القاسم إن مات يعني المتمتع قبل
رمي جمرة العقبة فلا دم عليه. ابن رشد لأنه
إنما يجب في الوقت الذي يتعين فيه نحره وهو
بعد رمي جمرة العقبة فإن مات قبله لم يجب
عليه. قال ابن عرفة قلت: ظاهره لو مات يوم
النحر قبل رميه لم يجب وهو خلاف نقل النوادر
عن كتاب محمد عن ابن القاسم وعن سماع عيسى من
مات يوم النحر ولم يرم فقد لزمه الدم. ثم قال
ابن عرفة فقول ابن الحاجب يجب بإحرام الحج
يوهم وجوبه على من مات قبل وقوفه ولا أعلم في
سقوطه خلافا. ولعبد الحق عن ابن الكاتب عن بعض
أصحابنا من مات بعد وقوفه فعليه الدم انتهى.
وقال صاحب الطراز لما تكلم على تقليد هدي
التمتع قبل الإحرام بالحج أو عند الإحرام
بالعمرة ووجه جواز ذلك بأن الصحابة كانت تتمتع
وتسوق الهدي معها للمتعة ما نصه فإن قيل ما
وجب بعد. قلنا لا يشترط في تقليد هدي المتعة
وجوبه لأنه لو اشتراه بعد الفراغ من العمرة
وقبل أن يحرم بالحج وقلده ليوقفه في الحج
وينحره عن متعته أجزأه ولا خلاف أنه لو قلده
في إحرامه بالحج أنه يجزئه ولم يجب بعد. وعند
مالك روى عنه ابن القاسم فيمن تمتع ثم مات قال
إن مات قبل رمي جمرة العقبة لا شيء عليه وإن
مات بعد رميها فقد لزمه هدي التمتع وإذا أخر
تقليدها عند إحرام الحج ولم يجب عليه جاز عند
إحرام العمرة لأنها إحدى نسكي التمتع فهي من
سبب الهدي في الجملة ونحوه لا يكون حتى يجب
فيقلده لوجوب سببه وينحره لتمام وجوبه انتهى.
وقال في باب صوم الهدي يختلف في وقت وجوبه ثم
ذكر الخلاف فيمن مات يوم النحر ولم يرم ثم قال
فراعى ابن القاسم خروج وقت الوقوف بعرفة وراعى
مالك خروجه من إحرامه. وقال الشافعي وأبو
حنيفة يجب إذا أحرم بالحج انتهى. ونحوه لابن
العربي وسيأتي لفظه في المسألة الثانية. وقال
ابن عبد السلام في شرح قول ابن الحاجب ودم
التمتع يجب بإحرام الحج يعني أن دم التمتع
يتحقق وجوبه بأوائل درجات الجمع بين العمرة
والحج وذلك يجمل بالإحرام بالحج من غير زيادة
ركن آخر وذلك لأن الإحرام لا يرتفض فقام لذلك
الركن الواحد مقام الجمع. ولا يراعى احتمال
الفوات إذ الأصل عدمه وذلك أن المتمتع إذا
فاته
(4/85)
..................................
ـــــــ
الحج وعاد فعله إلى عدم العمرة سقط عنه الهدي
على ما رواه أصبغ عن ابن القاسم بخلاف ما لو
فسد والفرق بين الفوات والفساد ظاهر.
فإن قلت: إذا كان هدي التمتع إنما ينحر بمنى
إن وقف به بعرفة أو بمكة بعد ذلك على ما سيأتي
فما فائدة الوجوب هنا
قلت: يظهر في جواز تقليده وإشعاره بعد الإحرام
بالحج وذلك أنه لو لم يجب الهدي حينئذ مع كونه
يتعين بالتقليد لكان تقليده إذ ذاك قبل وجوبه
فلا يجزئ إلا إذا قلد بعد كمال الأركان وقد
اختلف المذهب فيمن مات وهو متمتع ثم ذكر ما
تقدم عن ابن القاسم وأشهر وسحنون والله أعلم.
وإذا علم ذلك فتحصل أن في وقت وجوبه طريقتين
إحداهما لابن رشد وابن العربي وصاحب الطراز
وابن عرفة أنه يجب برمي جمرة العقبة أو بخروج
وقت الوقوف والثانية للخمي ومن تبعه أنه يجب
بإحرام الحج. والطريقة الأولى أظهر لأن ثمرة
الوجوب إنما تظهر فيما إذا مات المتمتع والحكم
فيها ما تقدم وسيذكره المصنف فيما سيأتي وفي
مسألة الفوات والمذهب سقوط الدم كما تقدم وفي
وجوب التقليد والإشعار وفيه الخلاف ومراعاة
المسألتين الأوليين أولى لأن التقليد والإشعار
قد أجازه ابن القاسم قبل الإحرام بالحج بل عند
الإحرام بالعمرة ورواه عن مالك بل فيما روي
عنه إذا ساق في عمرته هديا تطوعا ولم ينحره
فيها وأخره إلى يوم النحر ونحره عن متعته أنه
قال أولا لا يجزئه. ثم رجع وقال رجوت أن يجزئه
وقد فعله أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأحب
إلي أن ينحره ولا يؤخره. ونحو هذا ما قال في
مسألة القران وهي ما إذا ساق الهدي لعمرته ثم
أردف لخوف فوات الحج أن ذلك الهدي يجزئه
لقرانه. وإلى المسألتين أشار المصنف بقوله
فيما سيأتي وإن أردف لخوف فوات أو لحيض أجزأ
التطوع لقرانه كأن ساقه فيها ثم حج من عامه.
وتؤولت أيضا فيما إذا سيق للتمتع وسيأتي بيان
ذلك إن شاء الله في محله. والحاصل أن دم
التمتع والقران يجوز تقليدهما قبل وجوبهما على
قول ابن القاسم ورواية عن مالك وهو الذي مشى
عليه المصنف. فإذا علم ذلك فلم يبق للحكم
بوجوب دم التمتع بإحرام الحج فائدة. نعم على
القول بأنه لا يجزئه من قلده قبل الإحرام
بالحج تظهر ثمرة الوجوب في ذلك ويكون المعنى
أنه يجب بإحرام الحج وجوبا غير متحتم لأنه
معرض للسقوط بالموت والفوات فإذا رمى جمرة
العقبة تحتم الوجوب فلا يسقط بالموت كما نقول
في كفارة الظهار إنها تجب بالعود وجوبا غير
محتم بمعنى أنها تسقط بموت الزوجة وطلاقها فإن
وطئ تحتم الوجوب ولزمت الكفارة ولو ماتت
الزوجة أو طلقها.
وأما المسألة الثانية وهي قوله "وأجزأ قبله"
فالذي يتبادر من كلامه أنه يجزئ نحو هدي
التمتع قبل الإحرام بالحج وهو الذي يتبادر من
كلام الشارح في شروحه الثلاثة حيث
(4/86)
....................................
ـــــــ
فسر كلام المصنف بأنه إذا أخرجه قبل الإحرام
بالحج أجزأه غير أنه نقل في الكبير بعد تفسيره
المذكور كلام اللخمي في تقديم التقليد
والإشعار وقال في الوسط بعد أن فسره بما ذكر
وهو قول ابن القاسم خلافا لأشهب وعبد الملك
واقتصر في الصغير على التفسير المذكور. فذكره
الخلاف في جواز التقليد والإشعار يدل على أنه
إنما أراد بإخراج الهدي جواز تقليده وإشعاره
لا سيما كلامه في الوسط وأما البساطي فلم يفسر
كلام المصنف وإنما ذكر في شرحه الخلاف في جواز
التقليد والإشعار. فيفهم منه أنه إنما حمل
كلام المصنف على ذلك وكذلك ابن الفرات بل زاد
بعد أن ذكر الخلاف المذكور وعلى قول ابن
القاسم اقتصر المصنف ولم أر من صرح بحمل كلام
المصنف على جواز نحر الهدي وذبحه قبل الإحرام
بالحج إلا بعض المعاصرين لنا ولمشايخنا ولم أر
من صرح بذلك من أهل المذهب إلا ما وقع في كلام
أبي الحسن الصغير مما لا ينبغي أن يعول عليه
وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى قال ابن الحاجب
ويجب دم التمتع بإحرام الحج. وخرج اللخمي جواز
تقديمه عليه بعد إحرام العمرة على خلاف
الكفارة. وقال ابن عبد السلام قوله "وخرج
اللخمي" الخ. يعني أن اللخمي خرج إجزاء الهدي
المقلد قبل الإحرام بالحج وبعد الإحرام
بالعمرة عن التمتع على الخلاف في جواز تقديم
الكفارة قبل الحنث. وظاهر كلام المصنف يعني
ابن الحاجب في تعبيره بلفظ الجواز أن التخريج
المذكور وإنما هو في نحر الهدي حينئذ لتشبيهه
بالكفارة ولا بأس في ذلك إن أراده. وظاهر
كلامه أيضا أن المسألة مخرجة غير منصوصة وليس
كذلك بل هي في الكتب التي جرته عادته بالنقل
منها مختلف فيها ثم ذكر الخلاف عن اللخمي
وصاحب النوادر وابن بشير وابن شاس ونحوه لابن
فرحون. وأما المصنف في التوضيح فلم يتعرض
لبيان المراد من كلام ابن الحاجب هل هو
التقليد والإشعار أو نحو لكن كلامه يدل على
تقديم التقليد والإشعار ونصه في شرح المسألة
بكمالها يعني أن المتمتع لا يجب عليه دم
المتعة بإحرامه بالعمرة وإنما يجب عليه إذا
أحرم بالحج إذ المتمتع إنما يتحقق حينئذ. قال
ابن الجلاب والاختيار تقديمه في أول الإحرام
ولم يراعوا احتمال الفوات لأن الأصل عدمه.
اللخمي واختلف إذا قلد وأشعر قبل الإحرام
بالحج فقال أشهب وعبد الملك في الموازية لا
تجزئه. وقال ابن القاسم يجزئه في القول الأول
لأن دم التمتع إنما يجب بإحرام الحج فإذا قلد
قبل ذلك كان تطوعا والتطوع لا يجزئ عن الواجب
وأجزأ في القول الآخر قياسا على تقديم الكفارة
قبل الحنت والزكاة إذا قرب الحول والذي تقتضيه
السنة التوسعة في جميع ذلك انتهى. وكذلك ذكر
في النوادر هذين القولين. فقول المصنف "وخرج
اللخمي" ليس بظاهر. انتهى كلامه في التوضيح.
وعلم منه أنه إذا حمل كلام ابن الحاجب على
جواز تقديم التقليد والإشعار لا على جواز
تقديم نحر الهدي وأول كلام ابن الحاجب على
جواز تقديم التقليد والإشعار لا على جواز
تقديم نحر الهدي وأول كلام اللخمي ولا يقلد دم
المتعة إلا بعد الإحرام بالحج وكذلك القارن ثم
ذكر ما حكاه
(4/87)
...................................
ـــــــ
عنه في التوضيح إلا أن قوله في التوضيح لأن دم
المتعة إنما يجب إذا أحرم بالحج ليس هو كذلك
في تبصرة اللخمي وإنما لفظه لأن المتعة إنما
تجب إذا أحرم بالحج وكذلك نقله ابن عبد السلام
وابن فرحون لكن كلامه يدل على أن المراد دم
المتعة وهذا كلام اللخمي الموعود به في
المسألة الأولى. وإنما يدل على ما قاله ابن
شاس وابن الحاجب والمصنف وقول المصنف في
التوضيح. قال ابن الجلاب والاختيار تقديمه في
أول الإحرام يوهم أن ذلك في الهدي وليس كذلك
إنما قاله في الصيام ونصه والاختيار له تقديم
الصيام في أول الإحرام إذا علم ذلك. فلم يحمل
أحد من شراح ابن الحاجب كلامه على تقديم نحر
هدي التمتع بل صرح ابن عبد السلام وابن فرحون
أنه ليس كذلك إن أراده بل تقدم في كلام ابن
عبد السلام في شرح المسألة الأولى أن هدي
التمتع إنما ينحر بمنى إن وقف به بعرفة أو
بمكة بعد ذلك إلى آخره وهو يدل على أنه لا
يجزئ نحره قبل ذلك والله أعلم. ونصوص أهل
المذهب شاهدة لذلك. قال القاضي عبد الوهاب في
المعونة. ولا يجوز نحر هدي التمتع والقران قبل
يوم النحر خلافا للشافعي لقوله تعالى {وَلا
تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ
الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: من الآية196]
وقد ثبت أن الحلق لا يجوز قبل يوم النحر فدل
على أن الهدي لم يبلغ محله إلا يوم النحر وله
نحو ذلك في شرح الرسالة. وقال في التلقين
والواجب لكل واحد من التمتع والقران هدي ينحره
بمنى ولا يجوز تقديمه قبل فجر يوم النحر وله
مثله في مختصر عيون المجالس. وقال في النوادر
في ترجمة نحر الهدي وقال مالك والقارن إذا ساق
معه الهدي فدخل به مكة فعطب بها قبل أن يخرجه
إلى عرفة فلينحره بمكة إن شاء ولا يجزئ عنه ثم
قال بعده قال مالك وكل هدي دخل مكة فعطب بها
فيجزئ إلا هدي التمتع لأنه إنما يبتدئ الحج
بمكة. قال ابن حبيب عن ابن الماجشون فكأنه عطب
قبل محله انتهى. ونقل أبو إسحاق التونسي كلام
مالك المذكور وقال بعده أبو إسحاق هذا صواب
وقال سند في باب الهدي إذا ساق الهدي لينحره
في عمرته نحره ثم إذا تمتع بالحج أهدى لمتمتعه
سواء قلد هدية بنية التطوع أو بنية أنه
للمتعة. وبه قال أبو حنيفة إن ما نحره قبل
تحلله من حجه لا يجزئه لتمتعه سواء ساق الهدي
مع إحرامه بالعمرة أو مع إحرامه بالحج. واختلف
فيه قول الشافعي فمرة قال إذا نحره بعده تحلل
من العمرة أجزأه عن المتعة. ومرة قال لا يجزئه
إلا أن ينحره بعد أن يحرم بالحج وإن كان قبل
الوقوف بعرفات. ولا يشترط الشافعي تحلله قولا
واحدا. أو احتج بأنه دم تعلق بالإحرام وينوب
عنه الصيام فجاز قبل يوم النحر كفدية الأذى
ودليلنا قوله تعالى {فَمَنْ تَمَتَّعَ
بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا
اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: من
الآية196] فإنما يشرع الهدي لذلك إذا وقع
التمتع ولا يقع التمتع بالنسكين حتى يحرم بهما
جميعا فإذا أهدى قبل أن يحج أهدى قبل أن يكون
متمتعا فأشبه ما لو أهدى قبل أن يحل من عمرته
فلا خلاف أنه لا يجزئه كذلك مسألتنا ولأن كل
زمان لا يجوز فيه ذبح أضحية لا يجوز فيه ذبح
هدي المتعة كقبل التحلل من العمرة وبخلاف فدية
الأذى لأنها عندنا
(4/88)
...................................
ـــــــ
ليست بهدي حتى إذا جعلها هديا لا يجزئه قبل
يوم النحر. ثم الفدية حجتنا لأنها لا تجزئ قبل
كمال سبب وجوبها وكذلك تجب في التمتع لا يجزئ
هديه قبل حصوله انتهى. ثم قال في باب صوم
الهدي لما ذكر الاحتجاج على أن الهدي لا يجب
بإحرام الحج ما نصه ولأن الهدي لو وجب بها
لجاز نحره إذ شرط الوجوب التمكن من فعل ما
وجب. وسلم أبو حنيفة أنه لا يجوز نحر الهدي
حتى يحل وإذا كان لا يتمكن من نحر الهدي حتى
يحل وجب أن لا يجب حتى يحل. ثم قال إذا ثبت
ذلك فلا يجوز الهدي عند مالك حتى يحل وهو قول
أبي حنيفة وجوزه الشافعي من حين يحرم بالحج.
واختلف قوله فيما بعد التحلل بعد العمرة قبل
الإحرام بالحج ودليلنا أن الهدي متعلق بالتحلل
وهو المفهوم من قوله تعالى {وَلا تَحْلِقُوا
رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ
مَحِلَّهُ} [البقرة: من الآية196] إلى آخر
الآية وقال في باب المواقيت فيمن تجاوز
الميقات ثم فاته الحج قال ابن القاسم يسقط عنه
دم تجاوز الميقات. قال سند رأى ابن القاسم أن
الدم المتعلق بنقص الإحرام إنما يستقر وجوبه
عند انتهاء الإحرام بدليل أنه لو فعله قبل ذلك
لم يجزه وبدليل دم المتعة لأنه لو مات قبل
الوقوف أو قبل الرمي لم يلزمه عند أشهب وابن
القاسم ولو مات بعد الرمي لزمه ذلك انتهى.
وقال ابن العربي في أحكامه يجب على المتمتع
الهدي إذا رمى جمرة العقبة إن الحج حينئذ يتم
ويصح منه وصف التمتع. وقال أبو حنيفة والشافعي
يجب عليه الهدي إذا أحرم بالحج لأن الحج وجب
عليه بضم الحج إلى العمرة وإذا أحرم بالحج
فأول الحج كآخره وهذه دعوى لا برهان عليها ولو
ذبحه قبل يوم النحر لم يجز وبه قال أبو حنيفة
وقال الشافعي وهذا كلام ابن العربي الموعود به
في أحكامه. وقال في الإكمال قال مالك وأبو
حنيفة لا يجوز نحره قبل فجر يوم النحر. وأجازه
الشافعي ونحوه لابن الفرس في أحكامه. وقال
الحفيد قال مالك إن ذبح هدي التمتع والتطوع
قبل فجر يوم النحر لم يجزه وجوزه أبو حنيفة في
التطوع والشافعي فيهما ومراده بالتطوع الذي
ساقه ليذبحه في حجه والله أعلم.
تنبيه: قال الشيخ أبو الحسن الصغير في شرح
قوله في المدونة ومن اعتمر في أشهر الحج فساق
معه هديا وسعى فلينحره إذا أتم سعيه قال أبو
محمد صالح يريد ويجزيه عن تمتعه إذا حج من
عامه. ثم قال في المدونة فإن كان لما حل من
عمرته أخر هديه إلى يوم النحر فنحره لم يجزه
عن تمتعه. قال أبو محمد صالح قال الفقيه قف
على هذا فإنه مشكل لأنه إذا كان لا يجزيه
الأدنى إذا أخره مع أن الهدي وجب عليه فكيف
يجزيه مع التقديم مع أنه لم يجب عليه بعد قال
فيحتمل أن يكون هذا جاريا على أحد القولين في
الهدي إذا أخره عن محله الذي أمر أن ينحر فيه
هل يجزئه أم لا انتهى. قلت: وقوله إنه مشكل لا
شك في ذلك ولكنه إنما جاء الإشكال من حيث قال
يريد ويجزئه إذ لم يقل ذلك أحد من أهل المذهب
ولا غيرهم كما علمت ذلك من نصوص العلماء لأن
الشافعي وإن قال بجواز ذبحه بعد التحلل من
العمرة فإنما ذلك إذا قصد به التمتع فلا يلتفت
إلى هذا ولا يعول عليه ولا يحل لأحد أن
(4/89)
ثم الطواف لهما
سبعا
ـــــــ
يعتمده. وهذه المسألة يغلط فيها كثير من الناس
يتمسكون بظاهر كلام المصنف وذلك حرام لا يحل
خصوصا مع الوقوف على نصوص العلماء المخالفة
لذلك فتأمله منصفا. وإذا علم ذلك فيتعين حمل
كلام المصنف على أن المراد وأجزأه تقليده
وإشعاره قبل الإحرام بالحج كما تقدم بيان ذلك
في المسألة الأولى وكما سيأتي في قول المصنف
كأن ساقه فيها ثم حج من عامه وهي مسألة
المدونة التي ذكرها أبو الحسن وزاد بعد قوله
لم يجزه عن تمتعه ما نصه لأنه قد لزمه أن
ينحره أولا. ثم قال مالك إن أخر هذا المتمتع
هديه إلى يوم النحر فنحره عن متعته رجوت أن
يجزئه وقد فعله أصحاب النبي صلى الله عليه
وسلم وأحب إلي أن ينحره ولا يؤخره والله أعلم.
ص: "ثم الطواف لهما سبعا" ش: هذا معطوف على
الإحرام في قوله "وركنهما الإحرام" ويعني أن
الركن الثاني من الأركان التي يشترك فيها الحج
والعمرة الطواف فإن الطواف ركن في العمرة
والطواف الركني في الحج طواف الإفاضة وللطواف
مطلقا سواء كان واجبا أو غير واجب كان في حج
أو في عمرة. شروط الأول أن يكون سبعة أطواف
فإن ترك من الطواف الركني شوطا أو بعض شوط رجع
له من بلاده. قال في التلقين ولا يجزئ
لاستيفاء أشواطه فمن ترك شوطا أو بعضا منه أو
من السعي عاد على إحرامه من بلاده لإتمامه
انتهى. وقال في شرح الرسالة ومن ترك شيئا منه
لم يجزه ولم ينب عنه الدم انتهى. وهذا هو
المعروف في المذهب. قال في النوادر ومن كتاب
ابن المواز قال مالك ومن ذكر شوطا من طوافه
فليرجع له من بلاده. وإلى هذا رجع ابن القاسم
بعد أن كان يخفف الشوط والشوطين وكذلك إن شك
في ذلك فليرجع انتهى. فعلم منه أن ابن القاسم
إنما كان يخفف الشوط والشوطين إذا رجع إلى
بلاده وأما إن كان بمكة فلا يختلف في إعادته
والظاهر أن ابن القاسم لما كان يقول بتخفيف
ذلك كان يوجب عليه في ذلك دما والله أعلم.
تنبيهات: الأول: لم يذكر المصنف في هذا
المختصر حكم الابتداء من الحجر الأسود في
الطواف وقال في مناسكه والبداءة بالحجر الأسود
سنة انتهى. وقال سند لم يجعل مالك ذلك شرطا
وجعله سنة يجبر بالدم انتهى. قلت: يعد في
الأفعال التي اختلف أهل المذهب في التعبير
عنها هل هي واجبة أو سنة والتحقيق فيها أنها
واجبة لصدق حد الواجب عليها كما بينت ذلك في
المناسك التي جمعتها. قال في النوادر وعن كتاب
ابن المواز قال مالك ومن
(4/90)
..................................
ـــــــ
بدأ في طوافه بالركن اليماني فإذا فرغ من سعيه
أتم ذلك فتمادى من اليماني إلى الأسود فإن لم
يذكر حتى طال أو انتقض وضوؤه أعاد الطواف
والسعي وإن خرج من مكة وتباعد أجزأه أن يبعث
بهدي ولا يرجع. وقاله أصبغ. وإن كان بتعمد
فليبتدئ إلا فيما لا تراخي في مثله مثل أن
يعدل إلى بعض المسجد ثم يستفيق فليبن كمن يخرج
من مصلاه إلى مثل جوانب المسجد وإيوانه وإن
كان ذلك منه بنسيان أو جهل ولم يتباعد فليبن
ما لم ينتقض وضوؤه أو يطل انتهى. وقوله من
سبعه بضم السين وسكون الموحدة يعني طوافه.
وقوله وإن كان متعمدا إلى آخره يعني أن من
ابتدأ من الركن اليماني عمدا وأتم إليه فإنه
يبتدئ الطواف إلا أن يكون لم يحصل في ذلك طوال
فإنه يبن ما لم ينتقض وضوؤه أو يطل جدا ففرق
في ذلك بين العمد وبين النسيان والجهل فمن فعل
ذلك عمدا ثم خرج إلى السعي وسعى بعض السعي
فظاهر كلامه أنه لا يبني وهو ظاهر وإن فعل ذلك
نسيانا أو جهلا ثم ذكر في أثناء السعي ولم
ينتقض وضوؤه فإنه يرجع فيبني وكذلك لو ذكر بعد
السعي بالقرب ولم ينتقض وضوؤه كما سيأتي فيمن
نسي بعد طواف. وجعل الجاهل في هذه المسألة
كالناسي فتأمله. ثم قال في الموازية ومن ابتدأ
طوافه من بين الحجر الأسود وبين الباب بالشيء
اليسير ثم ذكر قال يجزئه ولا شيء عليه. وإن
ابتدأ من باب البيت ألغى ما مشى من باب البيت
إلى الركن الأسود ولا يعتد به انتهى. قلت:
ونقله المصنف في توضيحه ومناسكه ونقله أيضا
غيره وهو محتاج إلى بيان. فأما من ابتدأ من
باب البيت فالحكم فيه كما تقدم فيمن ابتدأ
بالركن اليماني في البناء والابتداء وعمد
الرجوع وأما من ابتدأ من بين الحجر الأسود
والباب وأتم إلى الحجر الأسود فقوله يجزئه
يريد أنه لا يلغي ذلك بل يتم إلى المحل الذي
ابتدأ منه ويجزئه وأما من ابتدأ من بين الحجر
الأسود والباب ولم يتم إلى المحل الذي ابتدأ
منه بل أتم إلى الحجر الأسود فهذا لا يجزئه
ويرجع فيكمل ما بقي عليه إن كان قريبا فإن طال
أو انتقض وضوؤه أعاد طوافه وسعيه فإن لم يذكر
حتى رجع إلى بلده فيرجع لذلك من بلده هكذا كان
والدي يقرره وخالفه في ذلك بعض طلبة العلم
وقال قولهم هذا يسير ويجزئه يدل على أنه
مغتفر. قلت: والصواب الأول وقد تقدم عن
التلقين أن من ترك بعض شوط يرجع له. وقال
التادلي قال الباجي وإن بقي عليه بعض شوط فهل
يتم ذلك الشوط أو يبتدئه الذي يقتضيه قول
أصحابنا أنه يبتدئ الطواف من أوله انتهى.
وسيأتي أن المقبل ينصب قامته عند تقبيل الحجر
لئلا يكون قد طاف وبعضه في البيت فيبطل طوافه
لذلك. وقال ابن الحاج في مناسكه من ترك من
السعي ذراعا فإنه يرجع له من بلده. ونقله
التادلي وابن فرحون ولم يحكوا فيه خلافا فإذا
كان السعي لا يغتفر منه ذراع وهو أخف من
الطواف فأحرى أن لا يغتفر ذلك في الطواف
وسيأتي في التنبيه الثاني في كلام ابن
الفاكهاني وصاحب المدخل ما يقتضي أن نقص ذلك
يبطل الطواف والله أعلم.
(4/91)
...................................
ـــــــ
الثاني قال ابن معلى قال بعض العلماء رضي الله
عنهم وكيفية الطواف أن يمر بجميع بدنه على
الحجر وبذلك بأن يستقبل البيت ويقف إلى جانب
الحجر الذي إلى جهة الركن اليماني بحيث يصير
جميع الحجر عن يساره يمينه ويصير منكبه الأيمن
عند طرف الحجر ثم ينوي الطواف لله تعالى ثم
يمشي مستقبل الحجر مارا إلى جهة يمينه حتى
يجاوز الحجر بجميع بدنه فإذا جاوزه انفتل وجعل
يساره إلى البيت ويمينه إلى خارج ولو فعل هذا
في الأول وترك استقبال الحجر جاز ذكر هذه
الكيفية حذاق الشافعية. قلت: ولم أرد من تعرض
لها من أئمة المالكية ولا شك أن الإتيان بها
للخروج من الخلاف من باب الأولوية لأن النووي
رحمه الله قال لا يصح طواف من لم يمر بجميع
بدنه على جميع الحجر. انتهى كلام ابن المعلى
ونقله التادلي عنه وأصله للنووي في الإيضاح.
وحاصل كلامه فيه أنه يشترط في صحة الطواف أن
يمر بجميع بدنه على جميع الحجر والمستحب في
ذلك أن يستقبله على الكيفية المذكورة فإن جعل
الحجر الأسود عن يساره من الأول ومر بجميع
بدنه عليه جاز ولكن فاته المستحب كما صرح بذلك
النووي في الكلام على الواجب الرابع من واجبات
الطواف ولم يذكر ابن المعلى كلام النووي جميعه
بل اقتصر على كلامه في كيفية ابتداء الطواف.
وظاهر كلام ابن معلى بل صريحه أن هذه الكيفية
ينبغي أن تكون مطلوبة أيضا في المذهب وكذلك
ظاهر كلام التادلي. وما قالاه غير ظاهر فقد
نازع المتأخرون من الشافعية النووي في استحباب
الكيفية المذكورة قال ابن جماعة إثر كلامه
المتقدم حكى ابن الصلاح استحباب الكيفية
الأولى من هاتين الكيفيتين في الطوفة الأولى
خاصة دون ما بعدها عن الشيخ أبي حامد والقاضي
أبي الطيب في طائفة من العراقيين وجزم النووي
بأنه إذا تركها فاتته الفضيلة. ثم قال ابن
جماعة ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة أتى
الحجر فاستلمه ثم مشى على يمينه فرمل ثلاثا
ومشى أربعا فمن بدأ بالطواف مستقبلا للحجر إلى
أن جاوزه ثم انفتل فقد خالف السنة ومضى جزء من
طوافه والبيت ليس على يساره ولم ينقل ذلك عن
سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم المبين عن
الله ولا عن الصحابة رضي الله عنهم أجمعين مع
توفر الدواعي على النقل ولم يذكره الشافعي
رحمه الله ولا الخراسانيون من الشافعية ولا
الرافعي واقتصروا على الكيفية الثانية فالصحيح
عدم استحباب الكيفية الأولى وكراهتها لما
قدمناه ولأن ارتكابها قد يوقع في الأذى وأنا
ممن تأذى بها فإن بعض فقهاء الشافعية عمل بها
وأنا معه في الطواف وكنت وراءه حين مشى مستقبل
الحجر قبل أن يجاوزه ولم أدر به فانفتل عند
مجاوزته الحجر ولم يرني فداس رجلي فآذاني
برجله بدوسته انتهى.
وقال الزركشي مع الشافعية أيضا يلزم على
الكيفية الأولى يعني التي استحبها النووي
ثلاثة أمور تأخيره إلى صوب الركن اليماني بعد
استلام الحجر ومشيه مستقبلا حتى يقطع الحجر
وانفتاله بعد مجاوزته الحجر. وإذا كان أبو
الطيب لم يسمح بتكبيرة لم تثبت فكيف
(4/92)
...................................
ـــــــ
يسمح بهذا بل في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه
وسلم أتى الحجر فاستلمه ثم مشى على يمينه
وظاهر كلام الأئمة أن ذلك لا يجوز لأن من بدأ
بالطواف مستقبلا الحجر إلى أن جاوزه ثم انفتل
بعد مضي جزء من طوافه والبيت ليس على يساره
فالوجه امتناعه وقد أشار ابن الرفعة لذلك.
وقال إن الإمام احترز عنه بقوله المراد بالبدن
في المحاذاة شق الطائف اليسار لا غير لكن كلام
القاضي أبي الطيب والبندنيجي وغيرهما مصرح بأن
اشتراط جعل البيت على يساره هو من حين مجاوزة
الحجر لا عند محاذاته وهو يؤيد كلام النووي
انتهى. فهؤلاء من أئمة الشافعية أنكروا هذه
الكيفية وأنكروا استحبابها بل جعلوها مكروهة
وممنوعة. وأما اشتراط أن يمر بجميع بدنه على
جميع الحجر فقد اعترض عليه في ذلك بأنه صرح في
الروضة وأصلها بأنه يكفي أن يحاذي بجميع بدنه
بعض الحجر قال وينبغي أن يمر بجميع بدنه على
جميع الحجر. وقال في شرح المهذب إنه المذهب.
وأما المالكية فليس في كلامهم تعرض للكيفية
المذكورة بل الواقع في كلامه أنهم يقولون
يستلم الحجر ثم يجعل البيت على يساره. بل في
كلام القاضي سند في الطراز ما يقتضي أنها غير
مطلوبة فإنه قال يبدأ في الطواف من الحجر
الأسود فيستقبل الحجر بجميعه لما روي عن ابن
عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل
المسجد استقبل الحجر واستلمه والأحسن أن يأتي
عن يمين الحجر ويحاذي بيساره يمين الحجر ثم
يقبله ويضعه على يساره ويطوف على يده اليمنى
ولو حاذى بعضه أجزأه لأنه منه بدأ فإذا انتهى
إلى ذلك الموضع كان شوطا. وزعم بعض أصحاب
الشافعي أنه لا يجزئه ذلك الشوط حتى يستقبل
جميع الحجر عن يمينه لأنه ما لزمه استقباله
لزمه بجميع بدنه كالقبلة. وما قلناه أبين لأن
الواجب طواف بالبيت وموضع البداءة الحجر وقد
بدأ منه ويخالف القبلة فإن عليه أن لا يستقبل
غيرها ولأنه في البيت أيضا لا يستقبل جميعه في
الصلاة وإنما يستقبل بعضه وكذا يجزئه من الحجر
بعضه انتهى.
قال ابن فرحون بعد أن ذكر كلام ابن معلى وهذا
من الحرج الذي لا يلزم والمذهب مبني على عدم
هذا التحديد ومراعاة هذه الكيفيات والمراعى أن
يبتدئ من الحجر الأسود ويحتاط في ابتداء الشوط
الأول بحيث يكون ابتداؤه من الحجر الأسود
انتهى. وقد صرح سند بأن البداءة من الحجر ليست
شرطا عندنا بل هي مما يجبر بالدم بل صرحوا
بأنه لو بدأ من بين الحجر والباب أنه يسير
ويجزئه والله أعلم. ولا يقال قوله في الطراز
يستقبل الحجر بجميعه معارض لقوله بعد والأحسن
أن يأتي من يمين الحجر ويحاذي يساره بيمين
الحجر لأنا نقول المراد أنه يستقبل الحجر
بجميع بدنه وتكون يده اليسرى محاذية ليمين
الحجر ثم يقبله ويمشي على جهة يده اليمنى
والله أعلم.
الثالث: ذكر الشيخ أبو عبد الله بن الحاج في
المدخل في ابتداء الطواف أمرا لا يحتاج إليه
بل هو مشوش على كثير من الناس ويوجب لهم
الوسواس وربما حصل منه إذا فعلوه تشويش على
الطائفين ونصه وليحذر مما يفعله بعضهم وهو أن
يأتي الحجر فيقبله ثم يأخذ في
(4/93)
بالطهرين
والستر
ـــــــ
الطواف وبعض الحجر خلفه وإذا فعل ذلك لم
يستكمل الطواف بالبيت سبعة أشواط بل ستة فإذا
كان في طواف القدوم وجب عليه دم وإن كان في
طواف الإفاضة بطل طوافه ووجب عليه القضاء من
قابل وهو باق على إحرامه فيلزمه في كل ما يقع
له مما يخالف إحرامه ما ذكره العلماء في ذلك.
وهذا إذا لم يمكنه التدارك وكيفية ما يفعله
حتى يسلم مما ذكر هو أن يمشي ثلاث خطوات أو
نحوها من ناحية الركن اليماني ثم يرد البيت
على يساره ثم يأخذ في الطواف فيكون على يقين
من إكماله ومثل ذلك يفعل في الشوط الأخير يمشي
فيه حتى يترك الحجر خلفه بخطوتين أو ثلاث لكي
يوقن ببراءة ذمته انتهى. قلت: وهذا غير لازم
لأنه قد تقدم أنه إذا ابتدأ من أي ناحية من
الحجر أجزأه إذا تم الشوط السابع إلى الموضع
الذي ابتدأ منه بل لو ابتدأ من بين الركن
والباب فقد تقدم أنه يجزئه إذا أتم إليه. فإن
كان مراد صاحب المدخل أنه إذا ابتدأ من وسط
الحجر الأسود أو من جانبه الذي يلي البيت ثم
أتم الطواف إلى طرفه الذي يلي الركن اليماني
فما قاله من عدم صحة الطواف صحيح ولكنه لا
يحتاج إلى ذكره من الرجوع إلى جهة الركن
اليماني بثلاث خطوات أو نحوها ولأن ذلك ربما
آذى الطائفين وشوش عليهم وتقدم بيان ما يفعله
في ابتداء الطواف. وقال ابن الفاكهاني في شرح
الرسالة ينبغي أن يحتاط عند ابتدائه الطواف
بأن يقف قبل الركن بقليل بأن يكون الحجر عن
يمين موقفه ليستوعب جملته بذلك لأنه إن لم
يستوعب الحجر لم يعتد بذلك الشوط الأول
فليتنبه لذلك فإن كثيرا ما يقع فيه الجاهل
انتهى. قلت: إن أراد أن هذا هو الأول فظاهر
لكن قوله إن لم يستوعب الحجر لم يعتد بذلك
الشوط ليس بظاهر لما تقدم.
الرابع: قال سند إطلاق الأطواف مجمع عليه وجوز
مالك الأشواط وكره الشافعي الأشواط والأدوار
وقد ورد في حديث الرمل. انتهى يعني إطلاقه
الأشواط. ونقل ابن فرحون عن ابن حبيب عن مجاهد
أنه كره أن يقال شوط أو دور وإنما يقال طواف
انتهى. وظاهر كلام صاحب الطراز أن الأدوار
لاتكره أيضا فإنه قال في آخر كلامه أيضا ولا
فرق بين قولك أطاف به ودار به. ولم يذكر ابن
فرحون كلام صاحب الطراز والله أعلم. ص:
"بالطهرين والستر" ش: الألف واللام في الطهرين
والستر للعبد يشير بذلك إلى ما تقدم في الصلاة
فأما اشتراط طهارة الحدث في الطواف فهذا هو
المعروف من المذهب. فمن طاف محدثا متعمدا أو
جاهلا أو ناسيا لم يصح طوافه ورجع إلى ذلك من
بلده على المعروف خلافا للمغيرة وأما طهارة
الخبث فعدها غير واحد من أهل المذهب من شروطه
قالوا كالصلاة ويعنون بذلك أنها واجبة مع
الذكر والقدرة ساقطة مع العجز والنسيان وجعلها
ابن عرفة شرط كمال فيه وذكر في صحة طواف من
طاف بها عامدا وإعادته أبدا قولين وسيأتي لفظه
عند قول المصنف "أو علم بنجس". والظاهر
(4/94)
وبطل بحدث بناء
ـــــــ
من القولين هو القول بالإعادة أبدا وهو الذي
يفهم من المدونة وكلام أئمة المذهب. قال سند
إن قلنا إزالة النجاسة شرط في الصلاة على
الإطلاق فكذلك في الطواف وإن قلنا شرط مع
الذكر فكذلك في الطواف أيضا وإن قلنا ليست
بشرط بحال فكذلك أيضا انتهى. وأما من طاف بها
ناسيا فإن ذكر في أثناء الطواف فسيأتي في كلام
المصنف أنه يطرحها ويبني وسيأتي الكلام على
ذلك. وإن ذكر بعد فراغه من الطواف وقبل ركعتين
فإنه لا يفيد الطواف عند ابن القاسم قال لأنه
بمنزلة من صلى بنجاسة ثم رآها بعد خروج الوقت
قال ويقلع الركعتين بثوب طاهر. هكذا نقل ابن
يونس وابن رشد في سماع أشهب والمصنف وغيرهم عن
ابن القاسم. وقال ابن عرفة فإن ذكرها بعده
نقبل ركعتيه فقال ابن رشد ابتدأه. فظاهره أن
ابن رشد ذكره على أنه المذهب وليس كذلك وإنما
قال بعد أن ذكر كلام ابن القاسم والقياس أن
يستأنف. وقال أشهب يعيد الطواف والسعي فيما
قرب إن كان واجبا وإن تباعد فلا شيء عليه
ويهدي وليس بواجب. وإن ذكر بعد فراغه من
الركعتين فسيأتي في كلام المصنف أنه يعيدهما
بالقرب وسيأتي الكلام على ذلك إن شاء الله.
وقد فرع أهل المذهب الكلام على الطهرين وأما
الستر فلم يذكروا من فروعه إلا القليل. قال
ابن فرحون في مناسكه الثالث ستر العورة وحكمه
أيضا في الطواف حكم الطهارة وحكم من صلى بثوب
نجس أو طاف به انتهى. وذكر ابن معلى في منسكه
عن النووي أن المرأة المكشوفة إذا طافت وهي
مكشوفة الرجل أو شيء منها أو شعر رأسها لم يصح
طوافها وإن طافت كذلك ورجعت فقد رجعت بلا حج
ولا عمرة. قال ابن معلى وظاهر مذهبنا في هذه
المسألة صحة حجها لأن مالكا قال في المدونة
إذا صلت الحرة بادية الشعر أو الوجه أو الصدر
أو ظهور قدمين أعادت في الوقت والإعادة إنما
هي من باب الاستحباب نعم إن كانت بمكة أو حيث
يمكنها الإعادة فلتعد على جهة الاستحباب
انتهى.
قلت: والظاهر أنها لا يستحب لها الإعادة ولو
كانت بمكة لأن بالفراغ من الطواف خرج وقته كما
تقدم فيمن طاف بنجاسة ناسيا فتأمله والله
أعلم.
تنبيه: قال ابن فرحون إثر قول ابن الحاجب من
واجبات الطواف شروط الصلاة إلا الكلام. مقتضاه
أنه لا يجوز أن يشرب فيه لأنه لم يستثن من
شروط الصلاة إلا الكلام وقد أجازوه إذا اضطر
إلى ذلك انتهى. ومفهومه أنه لا يجوز إذا لم
يضطر ذلك وليس كذلك. قال في الجلاب ولا يتحدث
مع أحد في طوافه ولا يأكل ولا يشرب في أضعافه.
قال التلمساني في أثناء شرحه ويكره أن يشرب
الماء إلا أن يضطره العطش فحمل قوله لا يشرب
على الكراهة ولم يتعرض للأكل والظاهر أنه مثله
والله أعلم. ص: "وبطل بحدث بناء" ش: يعني
(4/95)
..................................
ـــــــ
أن طهارة الحدث شرط في ابتداء الطواف ودوامه
فمن أحدث في أثناء طوافه فقد بطل طوافه ولا
يجوز له البناء على ما مضى منه إذا تطهر ولو
كان قريبا وسواء كان حدثه غلبة أو سهوا أو
عمدا وسواء كان الطواف واجبا أو تطوعا فإن كان
الطواف واجبا توضأ واستأنفه وإن كان تطوعا لم
يكن عليه إعادته إلا أن يتعمد الحدث فإن توضأ
وبنى على ما طافه فهو كمن لم يطف. هكذا قال
ابن القاسم. وقال ابن حبيب عن مالك إذا أحدث
في الطواف فليتوضأ ويبني. قال ابن يونس ورواية
ابن حبيب هذه ضعيفة. وظاهر كلام ابن يونس أن
له أن يفعل ذلك ابتداء على رواية ابن حبيب
وظاهر كلام ابن الحاجب أن خلاف ابن حبيب إنما
هو بعد الوقوع وهذا هو الظاهر. وقد نص ابن
حبيب في الواضحة على أنه إذا انتقض وضوؤه وهو
يطوف أنه يقطع ويبتدئ الطواف من أوله إن كان
واجبا وهو مخير في التطوع. ونقل المصنف في
التوضيح عن صاحب النوادر والباجي أنهما نقلا
عن ابن حبيب أنه قال إن انتقض وضوؤه قبل
ركعتين ابتدأ الطواف إن كان واجبا وهو مخير في
التطوع انتهى. فإذا كان يبتدئه إذا انتقض
وضوؤه قبل الركعتين فأحرى أن يبتدئه إذا انتقض
في أثنائه ولم أقف في مختصر الواضحة على حكم
ما إذا لم يقطع ويبني والله أعلم.
تنبيهات: الأول: لم يذكر المصنف حكم من انتقض
وضوؤه قبل أن يصلي الركعتين والحكم فيه أن
يتوضأ ويعيد الطواف فإن توضأ وصلى الركعتين
وسعى فإنه يعيد الطواف والركعتين والسعي ما
دام بمكة أو قريبا منها فإن تباعد من مكة
فليركعهما بموضعه ويبعث بهدي. قال ابن المواز
لا تجزئه الركعتان الأوليان. انتهى من ابن
يونس.
الثاني: إذا قلنا لا يجوز للمحدث البناء فجاء
وبنى على ما طاف أولا ثم علم أنه لا يصح له
البناء على ما قبل الحدث فالظاهر أن له أن
يبني على ما طافه الآن ويكمل سبعة أشواط
ويجزئه وكذا أيضا من شرع في سبع فطاف بعضه
فلما وصل للحجر الأسود في بعض الأشواط ظن أنه
قد أكمله فنوى سبعا آخر ثم تذكر فالظاهر أنه
يبني على ما طافه أولا إن كان الطواف نافلة.
ومثله أيضا لو غفل من الأول بالكلية ولم يخطر
بباله إكماله ولا عدمه غير أنه لما وصل إلى
الحجر الأسود ظن أنه كما جاء ليبتدئ الطواف
فنوى حينئذ طواف سبع ثم تذكر بعد ذلك فالظاهر
أنه يبني هنا أيضا على ما طافه أولا ويكمل
سبعة أشواط ويجزئه إن كان الطواف نافلة وأما
إن كان الطواف الأول فريضة والذي نواه نافلة
فالأمر محتمل والأحوط أنه يبتدئ الطواف. وقد
قال في الطراز في شرح المسألة الثامنة عشر في
باب حكم منى والرمي لو اعتقد شخص أنه في الشوط
السابع ثم تبين له أنه الخامس أنه يتم على ذلك
ولا يقول أحد إنه يعيد انتهى والله أعلم.
الثالث: وقع في كلام الشارح هنا في الكبير
والوسط بعد أن ذكر المشهور وذكر عن
(4/96)
وجعل البيت عن
يساره
ـــــــ
ابن حبيب أنه يتوضأ ويبني ما نصه وكذلك إذا
أحدث في السعي وظاهره أنه تشبيه في أصل
المسألة وأن من أحدث في أثناء السعي يقطع
ويبني ويبتدئ على المشهور وليس هذا مراده رحمه
الله وإنما هو راجع إلى قول ابن حبيب ومراده
أن ما ذكره ابن حبيب في الطواف من الوضوء
والبناء هو المذهب في السعي إذا أحدث في
أثنائه ولم يقل أحد بأنه يبتدئ السعي إلا أن
بين الطواف والسعي فرقا من جهة أخرى وهو أن
هذا في الطواف واجب لأن الطهارة شرط في صحته
وتستحب في السعي لأن الطهارة ليست شرطا في
صحته وإنما هي مستحبة فلو أتم سعيه وهو محدث
أجزأه ولم يذكر الشارح في الشرح الصغير قول
ابن حبيب فتقوى الإشكال في كلامه والله أعلم.
الرابع: من شرع في الطواف ثم رفضه في أثنائه
هل يرتفض ويبطل كالصلاة أو لا يبطل بالرفض
كالحج والعمرة والوضوء لم أقف الآن على نص في
المسألة فليتأمل ذلك والله أعلم. ص: "وجعل
البيت عن يساره" ش: يعني أن من واجبات الطواف
وشروطه أن يجعل البيت على يساره فلو طاف وجعل
البيت على يمينه أو طاف ووجهه إلى البيت أو
ظهره لم يجز طوافه وهو كمن لم يطف فيرجع لذلك
من بلده وهو مذهب مالك والشافعي وابن حنبل
لأنه صلى الله عليه وسلم طاف كذلك وقال خذوا
عني مناسككم. وقال أبو حنيفة إن ذلك سنة من
تركه صح طوافه ويعيد ما دام بمكة فإن خرج إلى
بلده لزمه دم. هكذا نقل عنه في الطراز. فإن
قيل فلم جعلتم الترتيب هنا واجبا وجعلتموه في
الوضوء سنة فالجواب أنه هنا مطلوب إجماعا ولم
ينقل أحد من الصحابة والتابعين أنه طاف منكوسا
وأما الوضوء فقد ورد عن ابن عباس أنه قال ما
أبالي بأي أعضائي بدأت إذا أتممت وضوئي. هكذا
نقل الشارح عن أبي الحسن الصغير.
تنبيه: فلو جعل البيت عن يساره ولكنه طاف
منكوسا فرجع القهقري من الحجر الأسود إلى
اليماني فالظاهر أنه لا يجزئه وكلام صاحب
الطراز وغيره يدل على ذلك.
فائدة حكمة جعل الطائف البيت على يساره ليكون
قلبه إلى جهة البيت. وقال في الذخيرة فلو جعله
على يمينه لم يصح ولزمته الإعادة لأن جنبي باب
البيت يسبتهما إليه كنسبة يمين الإنسان ويساره
إليه فالحجر موضع اليمين لأنه يقابل يسار
الإنسان وباب البيت وجهه فلو جعل البيت على
يمينه وعرض عن باب البيت الذي هو وجهه ولو
جعله على يساره أقبل على الباب ولا يليق
بالآداب الإعراض عن وجوه إلا ماثل وتعظيم بيت
الله تعظيم له انتهى.
(4/97)
وخروج كل البدن
عن الشاذروان
ـــــــ
ص: "وخروج كل البدن عن الشاذروان" ش:
الشاذروان بفتح الذال المعجمة وسكون الراء وهو
بناء لطيف جدا ملصق بحائط الكعبة. قاله النووي
وقال ابن رشيد في رحلته الشاذروان لفظة عجمية
هي في لسان الفرس بكسر الذال. واعلم أن المصنف
مشى في كتبه كلها على أن الشاذروان من البيت
معتمدا في ذلك على ما قاله صاحب الطراز وابن
شاس ومن تبعهما من المتأخرين. قال صاحب الطراز
في شرح قوله في المدونة وسئل عن ممر الطائف في
الحجر. فقال قال مالك ليس بطواف ويلغيه ويبني
على ما طاف. وهذا أبين لأن الطواف إنما شرع
بجميع البيت إجماعا فإذا سلك في طوافه الحجر
أو على جداره أو على شاذروان البيت لم يعتد
بذلك وهو قول الجمهور لأنه لم يطف بجميع
الكعبة وقد حيز ذلك بالحواجز لاستكمال الطواف.
وعند أبي حنيفة يجزئه انتهى. وعد ابن شاس من
شروط الطواف أن يكون جميع بدنه خارجا عن البيت
فلا يمشي على شاذروانه وتبعه على ذلك القرافي
في الذخيرة وابن جزي في قوانينه وابن جماعة
التونسي وابن الحاجب وابن عبد السلام وابن
هارون في شرح المدونة وابن راشد في اللباب
وأظن أنهما وافقا على ذلك في شرحيهما على ابن
الحاجب لأنهما لو خالفا لنقل ذلك عنهم المصنف
وابن فرحون. ونقل ابن عرفة كلام ابن شاس وقبله
ولم يتعقبه مع كثرة تعقبه له فيما لا يكون
موافقا لنقول المذهب بل جزم في فصل الاستقبال
بأنه من البيت وتبعه على ذلك الأبي. وممن تبع
ابن شاس ابن معلى والتادلي وغيرهما وهذا هو
المعتمد عند الشافعية. وقد أنكر جماعة من
العلماء المتأخرين من المالكية والشافعية كون
الشاذروان من البيت فمن المالكية العلامة
الخطيب أبو عبد الله بن رشيد بضم الراء وفتح
الشين المعجمة بعدها ياء تصغير ذكر ذلك في
رحلته وبالغ في إنكاره. وقال لا توجد هذه
التسمية ولا ذكر مسماها في حديث صحيح ولا سقيم
ولا عن صحابي ولا عن أحد من السلف فيما علمت
ولا لها ذكر عند الفقهاء المالكيين المتقدمين
والمتأخرين إلا ما وقع في جواهر ابن شاش وتبعه
ابن الحاجب ولا شك أن ذلك منقول من كتب
الشافعية وأقدم من ذكره فيما وقفت عليه المزني
ووقع لها ذكر مقتطف في كتاب الصريح من شرح
الصحيح للقاضي أبي بكر بن العربي من غير تعرض
لبيان حكم وهو أقدم من ابن شاس قال شاهدت
الكعبة في سنة تسع وثمانين وأربعمائة مكشوفة
لم تستر ذلك العام لأمر بيناه في كتاب ترتيب
الرحلة فتأملتها مرارا وقست خارجها والحجر
والشاذروان. ثم قال ولنرجع إلى الكلام على هذه
المسألة فنقول انعقد إجماع أهل العلم قبل طرو
هذا الاسم الفارسي على أن البيت متمم على
قواعد إبراهيم من جهة الركنين
(4/98)
....................................
ـــــــ
اليمانيين ولذلك استلمهما النبي صلى الله عليه
وسلم دون الآخرين وعلى أن ابن الزبير لما نقض
وبناه إنما زاد فيه من جهة الحجر وأنه أقامه
على الأسس الظاهرة التي عاينها العدول من
الصحابة وكبراء التابعين ووقع الاتفاق على أن
الحجاج لم ينقض إلا جهة الحجر خاصة. ثم نقل عن
الشيخ أبي الحسن القابسي والقاضي عياض من
المالكية وابن الصباغ والنووي من الشافعية
التصريح بأن الركنين اليمانيين على قواعد
إبراهيم. ثم نقل عن أبي عبيد في كتاب المسالك
والممالك أن ابن الزبير لما هدم الكعبة ألصقها
بالأرض من جوانبها وظهرت أسسها وأشهد الناس
عليها ورفع البناء على ذلك الأساس. ثم ذكر عن
ابن عبد ربه في كتابه العقد وعن ابن تيمية من
الحنابلة أن الشاذروان وإنما جعل عمادا للبيت.
قال وهذا أمر لا يحتاج عندي إلى نقل والمتشكك
فيه كمن شك في قاعدة من قواعد الشريعة
المعروفة عند جميع الأمة. وممن أنكر ذلك من
المالكية الإمام العلامة أبو العباس القباب في
شرح قواعد القاضي عياض وسيأتي كلامه عند قول
المصنف ونصب المقبل قامته. وتبع ابن رشيد
والقباب على ذلك ابن فرحون في مناسكه وشرحه
قال واعلم أن ابن شاس هو المتبوع في هذه
المسألة. ثم ذكر كلام ابن رشيد وزاد عليه
وسيأتي عند قول المصنف ونصب المقبل قامته شيء
من كلامهما وكلام ابن جماعة الشافعي.
قلت: وقول ابن رشيد وابن فرحون أن ابن شاس هو
المتبوع في ذلك وأنه أقدم من ذكرها من
المالكية ليس كذلك كما تقدم من كلام صاحب
الطراز وهو أقدم من ابن شاس وقول ابن رشيد أن
أقدم من ذكرها من الشافعية المزني ليس كذلك
وقد نقل ابن جماعة الشافعي عن نص الشافعي في
الأم أنه لو طاف على شاذروان الكعبة أعاد مع
أن ابن جماعة ممن رجح أنه ليس من البيت. قال
في منسكه الكبير الذي يظهر لي أنه ليس من
البيت كما نقله السروجي عن الحنفية واختاره
جماعة من محققي العلماء. وقال ابن مسدي في
منسكه قال أبو حنيفة الطواف على الشاذروان
جائز والبيت هو الظاهر من البناء القائم ويروى
نحو ذلك عن مالك بن أنس والدليل على الاحتياط
أرجح انتهى.
قلت: وبالجملة فقد كثر الاضطراب في الشاذروان
وصرح جماعة من الأئمة المقتدى بهم بأنه من
البيت فيجب على الشخص الاحتراز منه في طوافه
ابتداء وأنه إن طاف وبعض بدنه في هوائه أنه
يعيد ما دام بمكة فإن لم يتذكر ذلك حتى بعد عن
مكة فينبغي أن لا يلزم بالرجوع لذلك مراعاة
لمن يقول إنه ليس من البيت والله أعلم.
تنبيه: ذكر المحب الطبري عن الأزرقي أن عرض
الشاذروان ذراع. قال وقد نقص عما ذكره الأزرقي
في الجهات قال فتجب إعادته ويجب أن يحترز من
ذلك الزائد وألف في ذلك تأليفا سماه استقصاء
البيان في مسألة الشاذروان نحو نصف الكراس هذا
ملخصه والله أعلم.
(4/99)
وستة أذرع من
الحجر
ـــــــ
ص: "وستة أذرع من الحجر" ش: يعني أن من شرط
صحة الطواف أن يخرج الطائف بجميع بدنه عن
مقدار ستة أذرع من الحجر لأن ذلك من البيت كما
ورد ذلك في الحديث الصحيح. والحجر بكسر الحاء
المهملة وسكون الجيم. هذا هو الصواب المعروف.
قال النووي وحكى بعضهم فتح الحاء. وسمى حجرا
لاستدارته وهو محوط مدور على صورة نصف دائرة
خارج عن جدار الكعبة في جهة الشام. ويقال له
الجدر بفتح الجيم وسكون الدال المهملة وهو من
وضع الخليل عليه الصلاة والسلام وعلى ما ذكره
الأزرقي في خبر رواه عن أبي إسحاق قال وجعل
إبراهيم عليه الصلاة والسلام الحجر إلى جانب
البيت عريشا من أراك تقتحمه العنز وكان زربا
لغنم إسماعيل عليه الصلاة والسلام. ثم إن
قريشا أدخلت فيه أذرعا من الكعبة كما سيأتي.
وقول المصنف "ستة أذرع" بإثبات التاء في العدد
لأن الذراع تذكر وتؤنث. قال في الصحاح ذراع
اليد يذكر ويؤنث. وتبع المصنف رحمه الله في
التقييد بستة أذرع اللخمي وإن كان اللخمي لم
يصرح في كتاب الحج بستة أذرع إلا أنه صرح في
كتاب الصلاة بأن الذي من البيت في الحجر هو
مقدار ستة أذرع وكلامه في كتاب الحج يقتضي أن
ذلك القدر هو الذي يطلب الخروج عنه في الطواف
ونصه ولا يطاف في الحجر وإن طاف فيه لم يجزه
فإن الموضع الذي ينصرف الناس منه يلي البيت
وهو من البيت فكأنما طاف ببعض البيت ولو تسور
من الطرف لأجزأه لأنه ليس من البيت وليس بحسن
له أن يفعل ذلك انتهى. وقد أسقط المصنف رحمه
الله هنا وفي التوضيح والمناسك من كلام اللخمي
قوله وليس بحسن أن يفعل مع أن ذلك متعين لأن
كلام المصنف يقتضي أنه لو فعل ذلك لم يكن فيه
بأس وكلام اللخمي يقتضي أنه ليس بحسن وغير
الحسن مكروه أو خلاف الأولى. قلت: وكلام
أصحابنا المتقدمين يقتضي أنه لا يصح الطواف
إلا من وراء الحجر جميعه. قال في المدونة ولا
يعتد بما طاف في داخل الحجر ويبني على ما طاف
خارجا منه وإن لم يذكر حتى ترجع إلى بلده
فليرجع وهو كمن لم يطف. قال صاحب الطراز في
شرح هذه المسألة لأن الطواف إنما شرع بجميع
البيت إجماعا فإذا سلك في طوافه الحجر أو على
جداره أو على شاذروان البيت لم يعتد بذلك وهو
قول الجمهور انتهى. فصرح بأنه إذا طاف على
جدار الحجر أنه لا يعتد بذلك. وقد تقدم كلامه
في شرح مسألة الشاذروان. وقال القاضي عبد
الوهاب في المعونة ولا يجزئ الطواف داخل الحجر
خلافا لأبي حنيفة لقوله صلى الله عليه وسلم
"الحجر من البيت" وإذا ثبت أنه من البيت لم
يجز أن يطوف فيه لقوله تعالى
{وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ
(4/100)
..............................
ـــــــ
الْعَتِيقِ} [الحج: من الآية29] وذلك يقتضي
استيفاء جميعه ولأنه صلى الله عليه وسلم طاف
خارج الحجر وقال خذوا عني مناسككم. واعتبارا
بالطواف داخل البيت انتهى. وقال في التلقين ثم
يطوف خارج الحجر. وقال ابن عسكر في عمدته لما
ذكر شروط الطواف وأن يطوف من وراء الحجر. وقال
ابن بشير ولا يجزئ الطواف في الحجر فمن طاف
فيه كان بمنزلة من طاف ببعض البيت وقال ابن
شاس الواجب الثالث أن يكون بجميع بدنه خارجا
عن البيت فلا يمشي على شاذروانه ولا في داخل
الحجر فإن بعضه من البيت. وقال ابن الحاجب لما
ذكروا واجبات الطواف الثالث: أن يطوف خارجه لا
في محوط الحجر ولا شاذروانه. وقال ابن جزي
الرابع: أن يكون بجميع بدنه خارجا عن البيت
فلا يمشي على الشاذروان ولا على الحجر. وذكر
ابن عبد السلام كلام اللخمي بتمامه وعزاه لبعض
المتأخرين ويشبه أنه جعله تقييدا. وقال ابن
عرفة في شروط الطواف وكونه خارج البيت فلا
يجزئ داخل الحجر. ثم ذكر مسألة من ابتدأ من
غير الحجر الأسود ثم ذكر كلام اللخمي بتمامه
ولم ينبه على أنه تقييد لما قبله ولا خلاف.
وقال ابن مسدي في منسكه وأما قولنا ويطوف من
وراء حجر إسماعيل فهو الإجماع. ثم اختلفوا
فقال أصحاب الرأي يطوف من وراء الحجر
استحبابا. وقال جمهور العلماء بالوجوب استبراء
لأن بعض الحجر من البيت مقدر غير معلوم العين.
ثم اتفقوا على أن من طاف ببناء البيت الظاهر
ولم يدخل الحجر في طوافه أنه يعيد الطواف ما
دام بمكة ثم اختلفوا فقال أبو حنيفة ومن تبعه
يعيد استحبابا. وقال جمهور العلماء يعيد وجوبا
لأنه كمن لم يطف فإن لم يذكر حتى انصرف إلى
بلاده فقال ابن عباس هو كمن لم يطف وإليه ذهب
مالك والشافعي وأبو ثور وأحمد بن حنبل وإسحاق
وداود وغيرهم من أهل العلم وقالوا عليه أن
يرجع من حيث كان يطوف من وراء الحجر انتهى إذا
علم ذلك فالذي يظهر من كلام أصحابنا المتقدمين
أنه لا يصح الطواف في شيء من الحجر ولا على
جداره وذلك والله أعلم على وجهين
الأول: منهما أنه قد اختلفت الروايات في الحجر
وقال ابن جماعة الشافعي قال ابن الصلاح إن
الروايات اضطربت في الحجر ففي رواية أنه من
البيت وفي رواية ستة أذرع من الحجر وفي أخرى
ست أو نحوها وفي رواية خمسة ويروى قريب من تسع
وكل هذه الروايات في الصحيح فإذا طاف في شيء
من الحجر يكون في شك من أداء الواجب وفي صحيح
البخاري من قول ابن عباس من طاف بالبيت فليطف
من وراء الحجر .
الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف
بالحجر وقال حذوا عني مناسككم وهكذا فعل
الخلفاء الراشدون وغيرهم من الصحابة ومن بعدهم
قال النووي في شرح المهذب وذلك يقتضي وجوب
الطواف من خارج الحجر سواء كان كله من البيت
أو بعضه لأنه وإن كان بعضه من البيت فالمعتمد
في باب الحج الاٍقتداء بفعل النبي صلى الله
عليه وسلم فوجب الطواف بجميعه انتهى.
(4/101)
................................
ـــــــ
قلت: وهذا هو الظاهر من قول مالك في المدونة
ولا يعتد بما طاف داخل الحجر لأن ذلك شامل
لستة أذرع ولما زاد عليها وهو الذي يظهر من
كلام أصحابنا كما تقدم والذي قاله اللخمي رحمه
الله إنما هو تفقه منه على عادته في اختياره
لما يقتضيه الدليل والقياس وإن خالف المنصوص
عن مالك وقوله وليس بحسن أن يفعل ذلك يدل على
ذلك والله أعلم.وبما قاله اللخمي قال جماعة من
الشافعية منهم إمام الحرمين وأبوه والبغوي
وصححه الرافعي وبالقول الآخر قال جماهير
الشافعية قال النووي وهو الصواب واحتج شيخ
شيوخنا القاضي تقي الدين الفاسي المالكي في
تاريخ مكة لما قاله اللخمي والرافعي بأن
أفعاله صلى الله عليه وسلم في الحج منها ما هو
واجب ومنها ما ليس بواجب فطوافه خارج الحجر ما
يكون واجبا إلا بدليل و لا دليل إلا ما وقع في
بعض رواية عائشة أن الحجر من البيت وهي رواية
مطلقة فتحمل على الروايات المقيدة ويحمل طوافه
صلى الله عليه وسلم خارج الحجر ليزيل عن غيره
مشقة الاحتراز عن تحرير الستة أذرع ونحوها
ومشقة تسور جدار الحجر خصوصا للنساء ومثل ذلك
يقال في طواف الخلفاء ومن بعدهم فيكون الطواف
هكذا مطلوبا منه متأكدا لا وجوبا لعدم نهوض
الدلالة على الوجوب من طوافه صلى الله عليه
وسلم فإن خالف إنسان وتسور على جدار الحجر
فطاف فيما ليس من الكعبة خصوصا على رواية سبعة
أذرع ففي الجزم بفساد طوافه نظر كبير مما لا
ينهض عليه دليل انتهى مختصرا وآخره باللفظ.
قلت: فيما قاله رحمه الله نظر لأن أفعاله صلى
الله عليه وسلم محمولة على الوجوب حتى يدل
دليل على الندب لا سيما في باب الحج قال
النووي في شرح المهذب لما تكلم على اشتراط
الطهارة في الطواف ثبت في صحيح مسلم من رواية
جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في آخر
حجته لتأخذوا عني مناسككم قال أصحابنا في
الحديث دليلان أحدهما أن طوافه صلى الله عليه
وسلم بيان للطواف المجمل في القرآن. الثاني:
قوله صلى الله عليه وسلم لتأخذوا عني يقتضي
وجوب كل ما فعله إلا ما قام دليل على عدم
وجوبه انتهى.
قلت: ولا سيما في الطواف الذي ثبتت فرضيته
بالقرآن مجملا ولم يعلم بيانه إلا من فعل
الرسول صلى الله عليه وسلم فتحمل أفعاله فيه
على الوجوب إلا ما دل دليل على عدم وجوبه
كاستلام الحجر والاضطباع وقد استدل أئمة
مذهبنا وغيرهم على وجوب كثير من أفعال الحج
بفعله صلى الله عليه وسلم لذلك مع قوله " خذوا
عني مناسككم" إذا علم ذلك فالذي يظهر والله
أعلم . وجوب الطواف من وراء محوط الحجر وإن
طاف داخله يعيد طوافه ولو تسور الجدار وطاف من
وراء الستة الأذرع أو السبعة وهذا ما دام بمكة
فإن عاد إلى بلاده وكان طوافه من وراء الستة
الأذرع فينبغي أن لا يؤمر بالعود مراعاة لمن
يقول بالإجزاء كما تقدم في مسألة الشاذروان.
وقد تبع المصنف على التقييد بالستة الأذرع
صاحب الشامل وغيره من المتأخرين وقد تبعتهم في
المناسك التي كنت جمعتها ثم ظهر لي الآن خلاف
ذلك والله أعلم بالصواب.
(4/102)
ونصب المقبل
قامته
ـــــــ
تنبيهات: الأول: قوله في المدونة ويبني على ما
طاف خارجا منه قال أبو إبراهيم الأعرج في طرره
على التهذيب يعني يبني على الأشواط الكاملة
وأما بعض الشوط فلا. نقله عنه التادلي وابن
فرحون في منسكيهما ولم ينبه على ذلك أبو الحسن
ولا صاحب الطراز ولا غيرهما من شراح المدونة
فيما علمت. والظاهر أنه يبني على ما طاف خارجا
عنه ولو كان بعض شوط إلا أن يريد أبو إبراهيم
إذا لم يعمل بذلك في ذلك الشوط بل طاف بعده
شوطا أو أشواطا ثم تذكر فإنه إنما يبني على
الأشواط الكاملة وهو مراده والله أعلم.
والثاني قد تقدم في كتاب الصلاة في استقبال
القبلة في الستة الأذرع قولين وتقدم أن الظاهر
من القولين والراجح منهما أنه لا يصح
استقبالها. فإن قيل لا ينبغي أن يجري الخلاف
في صحة الطواف فيها على ذلك الخلاف وإذا صححتم
عدم الاستقبال فينبغي أن تصححوا الطواف فيها.
قلنا أما على ما رجحناه هنا من منع الطواف به
كله فلا يرد السؤال لأنا إنما منعناه لفعل
الرسول الله صلى الله عليه وسلم وأما على ما
قاله اللخمي وغيره فالجواب أنه احتيط في كل من
البابين فمنعوا الصلاة فيه لعدم القطع لأنه من
البيت ومنعوا الطواف فيه لأنه قد ثبت بحديث
الصحيحين أنه من البيت.
الثالث: قال القاضي تقي الدين الفاسي سعة فتحة
الحجر الشرقية يعني التي تلي المقام خمسة أذرع
وكذلك سعة الغربية بزيادة القيراط وذلك بذراع
الحديد. وذكر ابن جبير في رحلته أن سعة فتحة
الحجر ستة أذرع بذراع اليد وقد ذرعت ذلك
فرأيته قريبا من ذلك والله أعلم. ص: "ونصب
المقبل قامته" ش: هذه الدقيقة التي نبه عليها
النووي وغيره من متأخري الشافعية وبنوه على أن
الشاذروان من البيت. قال النووي في إيضاحه
وينبغي أن ينتبه هنا لدقيقة وهي أن من قبل
الحجر الأسود فرأسه في حال التقبيل في جزء من
البيت فيلزمه أن يثبت قدمه في موضعهما حتى
يخلو من التقبيل ويعتدل قائما لأنه لو زالت
قدماه عن موضعهما إلى جهة الباب قليلا ثم لما
فرغ من التقبيل اعتدل عليهما في الموضع الذي
زالتا إليه ومضى من هناك لكان قد قطع جزءا من
طوافه ويده في هواء الشاذروان فتبطل طوفته تلك
انتهى. ونقله ابن معلى ثم نقل عن غير النووي
من الشافعية أنه ينبغي للطائف أن يحترز في حال
استلامه الحجر والركن اليماني من هذا
الشاذروان لأنه إن طاف ويده ورأسه في هواء
الشاذروان أو وطئه برجله لم يصح طوافه.
فالواجب على الطائف أن يثبت قدميه حتى يخلو من
تقبيله ويعتدل قائما ثم يمشي. قال وهذه من
الدقائق النفيسة وكثير من الناس يرجعون بلا حج
بسبب الجهل بما قلناه. قال ابن معلى بعد نقله
هذا الكلام قلت: وقد نبه المتأخرون من
المالكية على التحفظ من الشاذروان كابن الحاجب
وغيره. وأما هذه الدقيقة التي حذرت الشافعية
منها وبالغت في الإيضاح على التنبيه عليها فلم
أر أحدا من المالكية نبه عليها غير شيخنا
الفقيه المحقق أبي يحيى بن جماعة فقال في
كتابه المسمى
(4/103)
.................................................
ـــــــ
بتذكرة المبتدي ما نصه وإذا قبل الطائف الحجر
وقف حتى يعتدل قائما وحينئذ يأخذ في السير.
قال ابن معلى فيجب التحفظ من ذلك عند التقبيل.
انتهى كلامه ونقله التادلي أيضا وقبله ونقل
ابن فرحون في مناسكه وشرحه كلام التادلي وجعل
قول ابن معلى. وقد نبه المتأخرون من المالكية
على قوله إلا شيخنا الفقيه المحقق من كلام
التادلي وكأنه لم يقف على كلام ابن معلى في
منسكه فظن أنه من كلام التادلي وقد أشار
المصنف إلى ما ذكره ابن معلى والتادلي في
مناسكه وتوضيحه. قال في منسكه ولكون الشاذروان
من البيت قالوا ينتبه عند تقبيل الحجر إلى
نكتة وهو أنه لا يطوف وهو مطأطئ الرأس بل يثبت
قدميه ثم يرجع ويطوف لأنه إن طاف مطأطئ الرأس
يكون قد طاف بعض الطواف وبعضه في البيت انتهى.
وقول المصنف في المناسك ثم يرجع أي يرجع قائما
وليس مراده يرجع إلى جهة خلفه كما يفعله بعض
الناس فيؤذي الطائفين بذلك كما يأتي في كلام
ابن جماعة الشافعي ويبين ذلك كلام المصنف في
توضيحه. قال قال بعضهم إذا قبل الحجر فليثبت
قدميه ثم يرجع قائما كما كان ولا يجوز أن
يقبله ثم يمشي وهو مطأطئ الرأس لئلا يحصل بعض
الطواف وليس جميع بدنه خارجا عن البيت انتهى.
قلت: والذي يقتضيه كلام المصنف ومن نبه على
هذه الدقيقة من المالكية أن من لم ينتبه لها
وطاف ورأسه أو يده في هواء الشاذروان أن طوافه
ذلك لا يصح فإن تنبه لذلك بالقرب عاد ومشى ذلك
القدر وإن أكمل الأسبوع فيبطل ذلك الشوط ويصير
حكمه حكم من ترك جزءا من طوافه. قلت: وينبغي
أن يلاحظ في ذلك ما ذكرناه في الكلام على
الشاذروان وأن من لم ينتبه لذلك حتى بعد عن
مكة أن لا يلزم بالرجوع لذلك مراعاة للخلاف في
الشاذروان والله أعلم.
تنبيه: قال ابن رشيد في رحلته لما ذكر هذه
الدقيقة فهذه الدقيقة تغيب عن الصحابة ومن
بعدهم فلا يتنبه أحد لها ولا نبه حتى نبه على
ذلك بعض المتأخرين أن هذا لمن البعيد القصي في
الغاية. وقال ابن فرحون إن هذا لمن الأمر
البعيد الذي لا تسكن إليه نفس عاقل انتهى.
وقال القباب وقد حذر بعض المتأخرين من
الشاذروان وذكر بعض كلامهم ثم قال ولو كان كما
قالوا لحذر منه السلف الصالح لعموم البلوى
بذلك مع كثرة وقوعه. فتركهم ذكره دليل أن مثله
مغتفر والتوقي منه أولى وأما أن ذلك مبطل
فبعيد انتهى. وقال ابن جماعة الشافعي ولو كان
ما ذكر الشافعية أنه ينبغي الاحتراز منه عند
تقبيل الحجر معتبرا لنبه سيدنا رسول الله صلى
الله عليه وسلم الصحابة عليه لكونه مما تمس
الحاجة إليه ولم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم
نبه على ذلك بقول ولا فعل ولا الخلفاء
الراشدون ولا الصحابة رضي الله عنهم من توفر
الدواعي على النقل وليت من يعتبر ذلك يقف عند
ما قالوه بل يزيد بعض المتنطعين منهم فيتأخر
خطوة أو أكثر منها إلى جهة ورائه بعد تقبيل
الحجر فربما آذى من خلفه بتأخره فليحذر من ذلك
والله أعلم. ص:
(4/104)
داخل المسجد
ولاء
ـــــــ
داخل المسجد ش: منصوب على الحال من الطواف
والمعنى أن من شروط الطواف أن يكون داخل
المسجد فلو طاف خارجه لم يجزه.. ابن رشد ولا
خلاف في ذلك. قلت: ومثله والله أعلم من طاف
على سطح المسجد وهذا ظاهر ولم أره منصوصا.
وصرح الشافعية والحنفية بأنه يجوز الطواف على
سطح المسجد ولم يتعرض لذلك الحنابلة والله
أعلم. ص: "وولاء" ش: يعني أن من شروط الطواف
الموالاة. قال ابن بشير ولا يفرق بين أجزاء
الطواف فإن فعل ابتدأ إلا أن يفرق لضرورة
كصلاة الفرض تقام عليه وهو في الطواف انتهى.
وهذا في التفريق الكثير وأما في التفريق
اليسير فقد صرح اللخمي بأنه مغتفر. قال ويوالي
بين الطواف والركوع والسعي فإن فرق الطواف
متعمدا لم يجزه إلا أن يكون ذلك التفريق يسيرا
أو يكون لعذر وهو على طهارة فإن انتقضت طهارته
توضأ واستأنف الطواف من أوله سواء انتقضت
طهارته تعمدا أو غلبة انتهى. وصرح صاحب الطراز
أيضا بأن التفريق اليسير لا يفسد الطواف ونصه
الطائف يخرج للمكتوبة عند الجميع لأن الطواف
لا يفسد بالتفريق اليسير سيما إذا كان لعذر
انتهى. ثم قال لما ذكر قول أشهب إنه يبني إذا
صلى على جنازة وجهه أنه عبادة لا يفسدها
التفريق اليسير مع الذكر في حال فلا ينافيها.
ووجه قول ابن القاسم أنه لا يبني لأنه قطعه
لفعل لم يتعين عليه وجوبه فامتنع عليه بناؤه
انتهى. فعلم منه أنه إنما امتنع البناء عند
ابن القاسم إذا صلى على الجنازة لأنه أتى بفعل
آخر غير ما هو فيه لأنه فصل طويل وقال بعد ذلك
فيما إذا خرج لنفقة نسيها روى ابن القاسم
يبتدئ ولم يفصل هل طال أو قصر. وعلى قول أشهب
إن لم يطل بنى وهو أعذر من الذي خرج للجنازة.
والقياس أنه يبني في سير التفريق من غير تفصيل
لكن يكره منه ما لا يكون لعذر وحاجة ويستحب في
ذلك أن يبتدئ أي ولم يجز فيه التفريق اليسير
مع الذكر لما جاوزه للفريضة لأنه إنما خرج
لفضيلة الجماعة والجماعة ليست بفرض فيجري في
يسير التفريق في العمد على حكم الطهارة لا على
حكم الصلاة. وقال مالك في الموازية لا بأس
بشرب الماء في الطواف لمن يصيبه ظمأ انتهى.
قلت: الظاهر أن قولهم يبتدئ إذا خرج لنفقة
نسيها إنما يريدون إذا خرج من المسجد وأما من
نسي نفقة أو شيئا في طرف المسجد فخرج من
الطواف وأخذه فلا يبطل بذلك طوافه. وقد تقدم
عند قول المصنف سبعا ما يدل على ذلك وكذلك من
وقف في الطواف لحظة لم يبطل بذلك طوافه. قال
ابن حبيب الوقوف للحديث في السعي والطواف أشد
منه
(4/105)
وابتدأ إن قطع
لجنازة أو نفقة أو نسي بعضه إن فرغ سعيه
ـــــــ
بغير وقوف وهو في الطواف الواجب أشد. انتهى من
التادلي. فعلم من كلام صاحب الطراز أن التفريق
اليسير لا يبطل به الطواف ولو كان لغير عذر
والله سبحانه أعلم. ص: "وابتدأ إن قطع لجنازة
أو نفقة" ش: يعني أن من قطع طوافه وصلى على
جنازة أو قطعه لطلب نفقة فإنه يبتدئ الطواف من
أوله وسواء كان ذلك الطواف واجبا أو تطوعا
والمصنف رحمه الله إنما تكلم هنا على الحكم
بعد الوقوع ولم يذكر حكم قطع الطواف لذلك. أما
الجنازة فلا شك في المنع من القطع لها على
المشهور. قال في مناسكه ولا يقطع لجنازة خلافا
فالأشهب. وقال في توضيحه الخلاف في البناء لا
في القطع لأنه لا يقع للجنازة ابتداء ولم أر
في ذلك خلافا انتهى. وانظر لو تعينت الجنازة
وخشي على الميت التغير فالظاهر حينئذ القطع.
وفي كلام صاحب الطراز إشارة إلى ذلك وتقدم
كلامه عند قول المصنف "وولاء" وفي كلام أبي
الحسن الصغير أيضا إشارة إلى أن ذلك إنما هو
من حيث لم يتعين. وإذا قلنا يقطع إذا تعينت
فالظاهر أنه حينئذ يبني أيضا على قول ابن
القاسم والله أعلم. وأما القطع لنفقة إذا
نسيها فقال في التوضيح قد علمت أن مذهب
المدونة عدم الخروج للنفقة لقوله ولا يخرج إلا
لصلاة الفريضة وأن القول فيها بالبناء مخرج
على قول أشهب في الجنازة. ولو قالوا بجواز
الخروج للنفقة لكان أظهر كما أجازوا قطع
الصلاة لمن أخذ له مال له بال وهذا أشد حرمة
وجعله ابن عبد السلام الخلاف في القطع وليس
بظاهر اه. وجزم في مناسكه بما بحثه في توضيحه
فقال ويقطع إذا نسي نفقته كما في الصلاة لكن
لا يبني على المشهور في مناسكه بما بحثه في
توضيحه فقال ويقطع إذا نسي نفقته كما في
الصلاة لكن لا يبني على المشهور انتهى وهو
الظاهر والله أعلم. ثم القطع فيمن خرج للنفقة
إنما هو والله أعلم إذا خرج من المسجد كما
نبهت على ذلك عند قول المصنف "وولاء". ص: "أو
نسي بعضه إن فرغ سعيه" ش: يريد وطال الأمر بعد
فراغه من السعي أو انتقض وضوؤه وأما إن تذكر
بإثر فراغه من السعي ولم ينتقض وضوؤه فإنه
يبني على ما طافه على المشهور وهو مذهب
المدونة وقد نبه على ذلك الشارح. وعبارة ابن
الحاجب كعبارة المصنف واعترضها في التوضيح بما
ذكرنا ونصه في قول ابن الحاجب فإن كمل سعيه
ابتدأ الطواف على المشهور نظر لأنه يقتضي أن
المشهور إذا ذكر بمجرد الفراغ من سعيه أنه
يبتدئ. والذي في المدونة أنه إنما يبتدئ إذا
طال أمره بعد إكمال سعيه أو انتقض وضوؤه
انتهى.
(4/106)
وقطعه للفريضة
ـــــــ
تنبيه: قال سند إن قيل كيف يبني بعد فراغ
السعي وهذا تفريق كثير يمنع مثله البناء في
الصلاة قلنا لما كان السعي مرتبطا بالطواف حتى
لا يصح دونه جرى معه مثل مجرى الصلاة الواحدة
فمن ترك سجدة من الأولى ثم قرأ في الثانية
البقرة عاد إلى سجود الأولى وإنما يراعي القرب
من البعد للحالة التي فرغ فيها من السعي فإن
قرب منها بنى وإن بعد ابتدأ ويرجع ذلك إلى
العرف. انتهى باختصار. قلت: فإذا كان الطواف
لا سعي بعده كطواف الإفاضة والوداع والتطوع
فيراعي القرب والبعد من فراغه من الطواف
فتأمله والله أعلم. ص: "وقطعه للفريضة" ش:
ظاهره وجوب القطع للفريضة وهو كذلك. قال في
التوضيح ظاهر كلام ابن الحاجب أنه مخير
وكلامهم يقتضي وجوب القطع لقول الأبهري في
تعليل البناء إذا قطع للفريضة لأن الطواف
بالبيت صلاة ولا يجوز لمن في المسجد أن يصلي
بغير صلاة الإمام المؤتم به إذا كان يصلي
المكتوبة لأن في ذلك خلافا عليه وكذلك قال
صاحب البيان وهو مقتضى العتبية وهكذا أشار ابن
عبد السلام إلى أن ظاهر نصوصهم وجوب القطع
انتهى. وقال ابن عرفة ظاهر سماع القرينين
يقطعه لإقامة الفرض. قال ابن رشد اتفاقا أمره
بالقطع لا تخييره. وقول ابن الجلاب لا بأس
بقطعه يقتضي تخييره انتهى. قلت: ينبغي أن يحمل
كلام الجلاب وابن الحاجب على أن المراد نفي
توهم قطع هذه العبادة لعبادة أخرى فتتفق
النقول وقد أشار إلى ذلك ابن فرحون والله
أعلم.
تنبيهات: الأول: قوله "قطعه" الضمير للطواف
سواء كان فريضة أو نافلة فيقطعه لإقامة الصلاة
الفريضة ولا يقطع الطواف الفرض لغير الفريضة.
فلو كان في طواف واجب وخشي أن تقام صلاة الصبح
وتفوته ركعتا الفجر لم يقطع الطواف لذلك. نعم
استخف في سماع أشهب أن يقطع الطواف التطوع إذا
خاف أن تفوته ركعتا الفجر فيصلي الفجر ثم يبني
على طوافه وسيأتي في التنبيه الثاني كلام ابن
رشد في ذلك. الثاني: هذا الفعل مأمور به عند
الوقوع وأما ابتداء فالأولى بالشخص أنه لا
يشرع في الطواف إذا خاف أن تقام الصلاة وكذلك
إذا خاف أن تفوته ركعتا الفجر. قال ابن رشد في
سماع أشهب الطواف بالبيت صلاة إلا أنه أبيح
فيه الكلام والشغل اليسير فلا يصح لأحد أن
يترك طوافه الواجب لشيء إلا للصلاة الفريضة
واستخف له أن يترك طوافه النافلة وإن كان
الاختيار له أن لا يفعل شيئا من ذلك فلا ينبغي
للرجل أن يدخل في الطواف إذا خشي أن تقام
الصلاة قبل أن يخلو من طوافه ولا أن يدخل في
طواف التطوع إذا خشي أن تفوته ركعتا الفجر إن
أكمل طوافه. انتهى ونقله عنه التادلي وغيره.
(4/107)
.................................................
ـــــــ
الثالث: قال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب هذا
إذا لم يكن الطائف صلى تلك الصلاة أما لو صلى
في بيته ثم أتى المسجد فدخل الطواف فقال ابن
الماجشون له أن لا يقطع ويعتد بصلاته التي في
بيته. حكاه ابن حبيب في مختصر الواضحة عنه
انتهى. قلت: ليس كلامه في مختصر الواضحة صريحا
فيما ذكره فإنه لما ذكر مسألة من أقيمت عليه
الصلاة وهو في الطواف قال يقطع ولم يذكر هذا
التقييد. ثم قال في ترجمة غائب الطواف واستلام
الركن ما نصه وسألته عمن صلى العصر في بيته
بمكة ثم جاء المسجد فطاف وذلك قبل أن يصلي
الإمام تلك الصلاة. فقال لا يركع الركعتين حتى
تغرب الشمس. قلت: لم وهو يصلي مع الإمام قال
ألا ترى أنه لو شاء ترك الإمام وكانت صلاته هي
التي صلى في بيته انتهى. قلت: فقوله إن شاء
ترك الإمام يعني قبل أن تقام الصلاة وأما إذا
أقيمت عليه الصلاة فإنه يجب عليه أن يصليها مع
الإمام كما تقدم ذلك في باب صلاة الجماعة
فالظاهر أنه لا فرق في وجوب القطع بين أن يكون
صلى تلك الصلاة أو لم يكن صلاها فتأمله والله
أعلم.
الرابع: قال ابن فرحون في مناسكه إذا تقرر أنه
يقطع إذا أقيمت عليه الفريضة فهل يقطع إذا
أقيمت صلاة أحد الأئمة الأربعة أو المعتبر
إمام المقام فالجواب أن ذلك مبني على أصل وهو
هل هذه المقامات كمساجد مستقلة بأئمة راتبين
أو الإمام الراتب هو إمام المقام وهو الأول
وما عداه كجماعة بعد جماعة في مسجد أو إمام
راتب فعلى الأول يقطع الطواف إذا أقيمت عليه
الصلاة أحدهم وعلى الثاني لا يقطع لغير صلاة
الأول ويكون الثاني أو الثالث والرابع كرجل
واحد صلى بجماعة في المسجد بعد صلاة الإمام
فيجب قطع الطواف لأجله ثم ذكر فتوى جماعة من
شيوخ المذهب بأن صلاتهم جائزة لا كراهة فيها
إذ مقاماتهم كمساجد متعددة لأمر الإمام بذلك
وأن غيرهم خالف في ذلك. وقال إن الإمام الراتب
هو إمام المقام ولا أثر لأمر الخليفة في رفع
الكراهة وقد ذكرنا في باب صلاة الجماعة كلامهم
وكلام المخالف في ذلك وهو الشيخ أبو القاسم بن
الحباب وبينا أن الحق في ذلك هو ما ذكره
المخالف. فإذا علم ذلك فلا يقطع لإقامة صلاة
الإمام الأول الذي هو الراتب على أن في تصوير
القطع لغير الإمام الأول بعدا لأن صلاة الأئمة
الأربعة متصلة بعضها ببعض إلا أن يفرض أنه حصل
فصل بين صلاتهم حتى شرع شخص في طواف وطاف بعده
في ذلك الفصل. وأما من صلى مع الإمام الأول
فلا يمكن أن يقال إنه ينتظر صلاة بقية الأئمة
حتى يفرغوا لأنه عند من يقول تجوز صلاتهم
كأنهم أئمة في مساجد متعددة فلا يقال لمن صلى
مع إمام لا تتنفل ولا تطوف حتى يخلو بقية
الأئمة والله سبحانه أعلم.
الخامس: إذا دخل الخطيب يوم الجمعة المسجد
الحرام فالظاهر أنه لا يجوز لأحد حينئذ أن
يشرع في طواف لا واجب ولا تطوع. قال سند في
القادم إذا دخل المسجد الحرام بدأ
(4/108)
وندب كمال
الشوط وبنى إن رعف
ـــــــ
بطواف القدوم إلا أن يجد الإمام في صلاة
الجمعة أو يجد الإمام في صلاة الفرض فإنه
يصليها معه ثم يطوف وكذلك إذا خاف فوات وقت
المكتوبة فإنه يصليها ثم يطوف انتهى. فقوله في
صلاة الجمعة ينبغي أن يحمل على أن المراد به
ما يعم الصلاة والخطبة وما قبل ذلك من حين
دخول الإمام المسجد ومن شرع في الطواف ثم دخل
الخطيب عليه وهو في أثناء الطواف فلم أر فيه
نصا. والذي يظهر لي أنه يتم طوافه إلى أن يشرع
الإمام في الخطبة فإن أكمل طوافه لم يركع
ويؤخر الركعتين حتى يفرغ الإمام من الصلاة وإن
لم يكمل طوافه قبل شروع الإمام في الخطبة فإنه
يقطع حينئذ والله أعلم.
السادس من ذكر في الطواف صلاة فريضة وخاف فوات
وقتها فإن كان الطواف نافلة فلا إشكال في قطعه
والظاهر أنه يبني بعد فراغه من الفريضة وإن
كان طوافه فريضة فالظاهر أن حكمه كذلك لأن خوف
فوات الوقت آكد من صلاة الجماعة وقد تقدم أنه
يقطعه لإقامة صلاة الجماعة فتأمله وفي كلام
الشيخ أبي الحسن الصغير إشارة إلى ذلك والله
أعلم. ص: "وندب كمال الشوط" ش: يعني أنه يستحب
للطائف إذا خرج للفريضة أن يخرج على تمام شوط
وهو إذا بلغ الحجر الأسود. قاله في الطراز
ونقله المصنف في التوضيح ونقله غيره وظاهر
كلامهم أنه يستحب إتمام الشوط ولو أحرم الإمام
وهو ظاهر. وقوله في الجلاب لا بأس أن يطوف بعد
إقامة الصلاة شوطا أو شوطين قبل الإحرام
بالصلاة يريد بالنسبة إلى الأشواط الكاملة فلا
يبتدئ بعد الإحرام في شوط إذا أكمل الشوط الذي
هو فيه.
فرع: فإن خرج قبل كمال الشوط فقال في التوضيح
ظاهر المدونة والموازية أنه يبني من حيث قطع.
واستحب ابن حبيب أن يبتدئ ذلك الشوط انتهى.
قلت: وينبغي أن يحمل كلام ابن حبيب على الوفاق
وهو ظاهر كلامه في الطراز.
فرع: إذا خرج للفريضة فإنه يبني قبل أن يتنفل.
قاله في الموازية. قال ابن الحاج فإن تنفل قبل
أن يتم طوافه ابتدأه ونقله ابن فرحون في
مناسكه. قلت: وكذا لو جلس بعد الصلاة جلوسا
طويلا لذكر أو حديث فإنه يستأنف الطواف لترك
الموالاة والله أعلم. ص: "وبنى إن رعف" ش:
يعني أن من رعف في الطواف فإنه يخرج لغسل الدم
فإذا غسل الدم رجع وبنى على طوافه ولم يشترطوا
فيه الشروط المذكورة في الرعاف في الصلاة.
والذي يظهر أنه يشترط هنا أن لا يجاوز المكان
القريب إلى مكان أبعد منه بكثير وأن لا يبعد
المكان جدا.
(4/109)
أو علم بنجس
ـــــــ
تنبيه: قوله إن رعف الأحسن إن لو قال كان رعف
بالكاف ليفيد أنه إذا قطعه للفريضة كما إذا
رعف فإنه يبني بخلاف النسخة التي بإسقاط الكاف
فإنها لا تفيد إلا أنه يبني إن رعف ولا يعلم
ما يفعل إذا قطعه للفريضة هل يبني أم يبتدئ
والله أعلم. ص: "أو علم بنجس" ش: يعني أن من
علم بنجاسة في ثوبه أو بدنه وهو في أثناء
الطواف فإنه يزيلها ويبني على ما مضى من
طوافه. قاله في التوضيح. ويؤخذ منه خفة أمر
الطواف بالنسبة إلى الصلاة لأن المذهب في
الصلاة القطع انتهى.
قلت: لا خفاء في خفة أمر الطواف بالنسبة إلى
الصلاة فإن المذهب أن من أحدث في الصلاة قطعها
ولا يجوز له البناء على رواية ابن حبيب وهو
مذهب الشافعية وما ذكره المصنف من البناء هو
الذي جزم به ابن الحاجب وابن معلى في مناسكه
ولم يحكيا غيره. وقال في الشامل إنه الأصح.
وحكى الشيخ ابن أبي زيد عن أشهب أنه يبتدئ
الطواف. وقال أبو إسحاق التونسي في شرح
المدونة وإن ذكر في الطواف أن الثوب الذي عليه
نجس فعلى مذهب أصبغ يخلعه ويبتدئ ويشبهه أن
يبني على مذهب ابن القاسم لأنه يقول إذا فرغ
من الطواف لم يعد الطواف انتهى. فلعل ابن
الحاجب وابن معلى اعتمدا على ما قاله التونسي
أو رأيا ما يقويه وكذلك المصنف. والذي قاله
المصنف ظاهر وقد أجاز مطرف وابن الماجشون لمن
علم بنجاسة في صلاته أن يطرحها ويبني بل تقدم
في كتاب الصلاة عن اللخمي وصاحب الطراز أنهما
نقلا عن أشهب أنه أجاز في الصلاة لمن خرج لغسل
النجاسة أن يغسلها ويبني وإن كان ذلك غريبا.
ومراد المصنف أنه إذا علم بالنجاسة فطرحها من
غير غسل واحتاجت إلى غسل وكان ذلك قريبا ولم
يطل الفصل وأما إن طال فيبطل الطواف لعدم
الموالاة وأنكر ابن عرفة ما ذكره ابن الحاجب
من البناء ونصه وشرط كماله يعني الطواف طهارة
الخبث لسماع القرينين يكره بثوب نجس وفيها إذا
ذكر أنه طاف واجبا بنجاسة لم يعده كذكره بعد
وقت الصلاة. ابن رشد القياس إن ذكرها فيه
ابتدأ. ابن عرفة حكاه الشيخ عن أشبه قال عنه
وبعده أعاده والسعي إن قرب وإلا استحب هديه.
وذكره عنه ابن رشد دون استحباب الهدي وقال ليس
هذا بالقياس وقول ابن الحاجب إن ذكرها فيه لا
أعرفه انتهى. قلت: وكأنه لم يقف على كلام أبي
إسحاق التونسي السابق والجاري على عادته في
مثل هذا أن يقول لا أعرفه إلا قول فلان كذا
وكذا.
فرع: قال ابن عرفة ولو طاف بها عامدا ففي صحته
وإعادته أبدا قولان أخذ ابن رشد
(4/110)
وأعاد ركعتيه
بالقرب وعلى الأقل إن شك
ـــــــ
من سماع القرينين يكره بثوب نجس وتخريجه على
الصلاة انتهى. قلت: تقدم أن الظاهر من المدونة
وكلام أهل المذهب هو القول بالإعادة والله
أعلم. ص: "وأعاد ركعتيه بالقرب" ش: يعني أن من
طاف بنجاسة ولم يذكرها إلا بعد فراغه من
الطواف وركعتيه فإنه يعيد الركعتين فقط إن كان
قريبا. هكذا نقله ابن يونس وابن رشد في سماع
أشهب عن ابن القاسم. وزاد قيدا آخر وهو أن لا
ينتقض وضوؤه وقال فإن انتقض وضوؤه أو طال فلا
شيء عليه لزوال الوقت ولم يبين ابن يونس وابن
رشد هل إعادتهما بالقرب على جهة الوجوب أو
الاستحباب. وذكر المصنف في التوضيح أن ابن
القاسم يقول يعيدهما استحبابا وأصبغ يقول بنفي
الإعادة.
تنبيه: لم نقف على حد القرب لأحد من أصحابنا
والذي يظهر لي أن يحد بما تقدم في حد القرب
الذي يجوز له فيه البناء إذا نسي بعض الطواف
وقد تقدم بيانه في قول المصنف أو نسي بعضه إن
فرغ من سعيه. ص: "وعلى الأقل إن شك" ش: قال
ابن عرفه وفي الموطأ أو شك النقص كتحققه.
الباجي يحتمل أن الشك بعد تمامه غير مؤثر.
وسمع ابن القاسم تخفيف مالك للشك قبول خبر
رجلين طافا معه. الشيخ وفي رواية قبول خبر رجل
معه. الباجي عن الأبهري القياس إلغاء قول غيره
وبناؤه على يقينه كالصلاة وقاله عبد الحق وفرق
الباجي بأنها عبادة شرعت فيها الجماعة والطواف
عبادة لم يشرع فيها الجماعة فيعتبر قول من ليس
معه فيها كالوضوء والصوم انتهى. قلت: اختصر
ابن عرفة رحمه الله كلام الموطأ جدا حتى إنه
قد يتوهم أنه في الشك في حال الطواف وليس كذلك
ونصه قال مالك ومن شك في طوافه بعد أن ركع
ركعتي الطواف فليعد فليتم طوافه على اليقين ثم
يعيد الركعتين لأنه لا صلاة لطواف إلا بعد
إكمال السبع انتهى. قلت: وهذا والله أعلم ما
لم يستنكحه ذلك فإن استنكحه قليله عنه وهو
ظاهر وقد قال الجزولي في باب جامع في الصلاة
الإلهاء يتصور في جميع الأفعال في الوضوء
والصلاة والغسل والعصمة وغير ذلك والاستنكاح
بلاء ودواؤه الإلهاء فمن لم يقبل الدواء
فمبتدع فتحصل من هذا أن المنصوص عن مالك أنه
يبني على الأقل سواء شك وهو في الطواف أو بعد
فراغه منه بل تقدم في شرح قول المصنف سبعا عن
الموازية أنه إذا شك في إكمال طوافه بعد رجوعه
لبلده أنه يرجع لذلك من بلده. فقول الباجي
يحتمل أن الشك بعد تمامه غير مؤثر بحث منه
مقابل للمنصوص وكذلك قول الأبهري القياس إلغاء
قول غيره بحث منه والمنصوص أنه يقبل خبر من
معه كما تقدم والله أعلم. ص:
(4/111)
وجاز بسقائف
لزحمة وإلا أعاد ولم يرجع ولا دم
ـــــــ
"وجاز بسقائف لزحمة وإلا عاد ولم يرجع له ولا
ذم" ش: يعني أن من طاف في سقائف المسجد لزحام
فإن طوافه جائز قال في المدونة ومن طاف وراء
زمزم أو سقائف المسجد من زحام الناس فلا بأس
وإن طاف في سقائفه بغير زحام ونحوه أعاد
الطواف. وقال أشهب لا يصح الطواف في السقائف
ولو لزحام وهو كالطواف من خارج المسجد. قال
سحنون ولا يمكن أن ينتهي الزحام إلى السقائف
انتهى. قلت: ولم نسمع قط أن الزحام انتهى
إليها بل لا يجاوز الناس محل الطواف المعتاد
والله أعلم. وقوله وإلا أعاده وإن طاف في
السقائف لا لزحام بل لحر أو مطر أو نحو ذلك
فإنه لا يجزئه ويعيد طوافه ما دام بمكة فإن
رجع إلى بلده لم يرجع لأجل الطواف ولا دم
عليه. أما ما ذكره من عدم وجوب الدم فهو جائز
على ما نقله ابن عبد السلام عن الباجي وتبعه
في التوضيح والذي نقله ابن بشر وابن شاس وجوب
الدم. قال ابن بشير ولا يطوف من وراء زمزم ولا
من وراء السقائف فإن فعل مختارا أعاد ما دام
بمكة فإن عاد إلى بلده فهل يجزئه الهدي أو
يرجع للأشياخ قولان أحدهما الإجزاء لأنه قد
طاف بالبيت الثاني يرجع لأنه قد طاف في غير
الموضع الذي شرع فيه الطواف انتهى. وقال ابن
شاس ولا يطوف من وراء زمزم ولا من وراء
السقائف فإن فعل مختارا أعاد ما دام بمكة فإن
رجع إلى بلده فهل يجزئه الهدي أو يلزمه الرجوع
قولان للمتأخرين انتهى. ونقل كلامهما في
التوضيح. وقال ابن عرفة وفيها لا بأس به من
وراء زمزم لزحام وفي صحته في سقائفه له أي
للزحام قولا ابن القاسم وأشهب. ولا لزحام في
عدم رجوعه له من بلده قولا الشيخ وابن شبلون
وخرجهما الصقلي على قولي ابن القاسم وأشهب
متمما قول الشيخ بالدم. ونقل ابن عبد السلام
تفسير الباجي بعدم الدم لم أجده انتهى. وقال
عبد الحق في تهذيبه قال بعض شيوخنا من أهل
بلدنا فيمن طاف في سقائف المسجد من غير زحام
ورجع إلى بلده فيجزئه ولا دم في هذا وقد ذكرنا
في كتاب النكت اختلاف أبي محمد وابن شبلون هل
يرجع لذلك من بلده أو على ما ذكرت عنهما
انتهى. ولم يذكر في كتاب النكت عن أبي محمد
سقوط الدم ولا وجوبه وأما ابن يونس فإنه فسر
كلام أبي محمد بأنه يجزئه مع الدم كما نقله
عنه ابن عرفة وقال بمنزلة من طاف راكبا. ونقل
أبو الحسن كلام ابن يونس ونقل عن
(4/112)
..................................
ـــــــ
اللخمي أنه يجزئه وعليه دم ولم أقف على ذلك في
كلام اللخمي بنفي ولا إثبات ونصه ولا يطوف في
الحجر ولا من وراء زمزم ولا في سقائف المسجد.
ثم قال وإن طاف في سقائف المسجد من زحام أجزأه
وإن فعل اختيارا أو فرارا من الشمس أعاد. قال
ابن القاسم في المجموعة لا يجزئه إن كان فرارا
من الشمس. قال أشهب وهو كالطائف من خارج
المسجد. وعلى قولهما لا يجزئ الطائف من وراء
زمزم لأنه يحول بينه وبين البيت كما حالت
إسطوانات السقائف بينه وبين البيت انتهى. فلم
يتعرض لعدم الرجوع فضلا عن لزوم الدم إذا علم
ذلك. فما ذكره المصنف موافق لما ذكره عبد الحق
في تهذيبه ولكن الظاهر وجوب الدم والله أعلم.
تنبيهات: الأول: لم يذكر المصنف حكم الطواف من
وراء زمزم وجعل اللخمي حكمه حكم الطواف في
السقائف وخرج على قول ابن القاسم وأشهب في
الطواف فيها ونصه ولا يطاف في الحجر ولا من
وراء زمزم ولا في سقائف المسجد. ثم قال فإن
طاف في سقائف المسجد من زحام أجزأه وإن فعل
اختيارا أو فرارا من الشمس أعاد. قال ابن
القاسم في المجموعة لا يجزئه إن كان فرارا من
الشمس. قال أشهب وهو كالطائف من خارج المسجد
وعلى قولهما لا يجوز الطواف من وراء زمزم لأنه
يحول بينه وبين البيت كما حالت إسطوانات
السقائف بينه وبين البيت انتهى. ورده صاحب
الطراز بأن زمزم في جهة واحدة فلا تؤثر
كالمقام وحفر في المطاف ونصه وخرج بعض
المتأخرين الطواف من وراء زمزم على منع أشهب
في السقائف. والفرق أن زمزم في بعض الجهات
عارض في طريق الطائفين فلا يؤثر في المقام
وحفر في المطاف لأن زمزم في حيالته كأسطوانات
السقائف وليس كذلك فإن زمزم في جهة مخصوصة
كأنه عارض عرض في بعض طريق الطائفين فلا يؤثر
كالمقام وكخشب الوقيد وكحفر في المطاف وشبه
ذلك بخلاف الإسطوانات الدائرة بالسقائف فإنها
كالحاجز الدائر الخارج عن سلك الطائفين انتهى.
ونقله القرافي باختصار ونصه قال سند وخرج بعض
المتأخرين المنع من وراء زمزم على منع أشهب في
السقائف والفرق أن زمزم في بعض الجهات عارض في
طريق الطائفين فلا يؤثر كالمقام إلا حفر في
المطاف انتهى. وعزا في التوضيح الفرق المذكور
للقرافي وتبع اللخمي في إلحاق زمزم بالسقائف
ابن بشير وابن شاس واقتصرا على ما قاله وتقدم
كلامهما وتبعهم على ذلك ابن الحاجب إلا أنه
حكى في ذلك قولين وجعل الأشهر منهما اللحوق
فقال داخل المسجد لا من ورائه ولا من وراء
زمزم وشبهه على الأشهر إلا من زحام انتهى.
وأنكره ابن عرفة انتهى. فقال وألحق اللخمي بها
أي بالسقائف ما وراء زمزم. ورده سند بأن زمزم
في جهة واحدة فقط. فقول ابن الحاجب من وراء
زمزم وشبهه على الأشهر إلا من زحام لا أعرفه
انتهى. وسبقه إلى الإنكار المذكور المصنف في
التوضيح ونصه في شرح قول ابن الحاجب المذكور
قال ابن هارون ولا خلاف أنه إذا طاف خارج
لمسجد في
(4/113)
ووجب كالسعي
قبل عرفة
ـــــــ
نفي الإجزاء وعلى هذا فقوله على الأشهر عائد
على زمزم وشبهه وشبه زمزم قبة الشراب ويحمل
قوله على الأشهر على ما إذا فعل ذلك لا على
الابتداء وإن كان ظاهر كلامه. وانظر كيف شهر
المصنف عدم الإجزاء في زمزم وشبهه والخلاف فيه
على ما نقل ابن شاس وغيره للمتأخرين ولكون ابن
القاسم وأشهب لم يتكلما على زمزم خرجه اللخمي
على قولهما في السقائف. انتهى كلام التوضيح.
قلت: ما قاله اللخمي وخرجه على قول ابن القاسم
وأشبه وقال به غير واحد من أئمة المذهب
المتأخرين كابن بشير وابن شاس وتبعهم عليه ابن
الحاجب من أن حكم زمزم حكم السقائف هو الظاهر
والله أعلم. وقوله في التوضيح و"يحمل قوله على
الأشهر على ما إذا فعل ذلك لا على الابتداء"
أشار به لقول ابن عبد السلام في شرحه لهذا
المحل. ظاهر كلام المؤلف يعني ابن الحاجب أن
في جواز الطواف من وراء زمزم قولين مشهورين
وأشهرهما عدم الجواز إلا من عذر. والذي حكاه
غيره وهو أقرب إلى التحقيق أن القولين إنما
هما بعد الوقوع. فقال ابن القاسم يجزئ مع
العذر. وقال أشهب لا يجزئ انتهى.
الثاني: فهم من احتجاج سند بجواز الطواف من
وراء زمزم لكونها في جهة واحدة كالمقام أن
الطواف من خلف المقام لا يؤثر وهو ظاهر وكذلك
والله أعلم الطواف من خلف الأساطين التي في
ناحية الطواف لا يؤثر فيما يظهر والله أعلم.
الثالث: تقدم في كلام التوضيح في شبه زمزم أنه
كقبة الشراب والله أعلم. ص: "ووجب كالسعي قبل
عرفة" ش: لما ذكر أن الطواف ركن في الحج
والعمرة وكان من المعلوم أن الطواف الركني في
الحج هو طواف الإفاضة وأنه بعد الفجر يوم
النحر نبه على أن الطواف يجب في الحج أيضا على
من أحرم به من الحل ويسمى طواف القدوم ونبه
على أن محله قبل عرفة وأنه يجب تقديمه قبل
الخروج إلى عرفة وكذلك يجب تقديم السعي معه
على
(4/114)
إن أحرم من
الحل
ـــــــ
من أحرم بالحج من الحل فأفاد كلامه شيئين
أحدهما أن الطواف واجب. والثاني أنه يجب
إيقاعه قبل عرفة. فأما تسميته طواف القدوم
واجبا فقد صرح بذلك في المدونة والرسالة
وغيرهما وذكره ابن عرفة وغيره وقبلوه. وقال
ابن عبد السلام وقد أطلق عليه في المدونة في
غير موضع الوجوب. وزعم غير واحد أنه ليس بواجب
وأن إطلاق الوجوب عليه في المدونة على سبيل
المجاز وهو بعيد لمن تأمل لفظه مع تكراره
لذلك. واعلم أن طواف القدوم من أفعال الحج
التي اختلفت عبارة أهل المذهب فيها فمنهم من
يعبر عنها بالوجوب وبعضهم بالسنة. والتحقيق
فيها أنها واجبة وأن في إطلاق السنة عليها
مسامحة كما بينت ذلك أول الباب وفي الكتاب
الذي جمعته في المناسك المسمى "هداية السالك
المحتاج إلى بيان أفعال المعتمر والحاج" وفي
قوله "وجب" إشارة إلى المغايرة بين هذا الطواف
وطواف الإفاضة فإن طواف الإفاضة ركن وهذا واجب
وليس بركن. وأما كونه يجب إيقاعه قبل عرفة
فهذا هو المذهب وكذا إيقاع السعي بعده. قال
ابن عبد السلام وهو محلهما اتفاقا فمن تركه أو
ترك تقديم السعي بعده وكان قد أحرم بالحج من
الحل وليس بمراهق ولا حائض ولا ناس فعليه الدم
على المشهور وإن ترك ذلك نسيانا فلا دم عليه
على المشهور. قاله المصنف في توضيحه ومناسكه.
وحكى ابن الحاجب في سقوط الدم قولين وعزا
السقوط لابن القاسم وعزا في التوضيح القول
باللزوم لابن الجلاب والأبهري وقال ابن عرفة
واللخمي والتونسي ناسيه كعامده انتهى. وفي
كلام أبي إسحاق التونسي ما يدل على أن مذهب
المدونة لزوم الدم. وصرح ابن الجلاب بأن مذهب
ابن القاسم أن لا دم عليه. قال وإن ترك الطواف
والسعي ناسيا والوقت واسع يعني أنه غير مراهق
فلا دم عليه عند ابن القاسم. والقياس عندي أنه
يلزم الدم بخلاف المراهق. وكذا قال الشيخ أبو
بكر الأبهريى ص: "إن أحرم من الحل" ش: يعني أن
من أحرم بالحج من الحل فإنه يجب عليه طواف
القدوم وتعجيل السعي بعده سواء كان آفاقيا أو
مكيا أو غيره من المقيمين إذا خرجوا للحل قال
ابن الحاجب وهما أي الطواف والسعي واجبان قبل
عرفة على من أحرم من الحل غير مراهق ولو خرج
من مكة حاضرا أو غيره قال ابن عبد السلام يؤمر
بهما كل من أحرم من الحل وهو غير مراهق سواء
كان من أهل مكة أو غيرها وهو مراده بقوله
"حاضرا" أو غيره. ولأنه قادم على مكة وقال ابن
فرحون قوله "ولو خرج" يعني أن طواف القدوم
والسعي يجبان على القادم الآفاقي وعلى المكي
وغيره من المقيمين إذا خرجوا إلى الحل فأحرموا
منه ثم دخلوا إلى مكة انتهى وقال سند كل من
أحرم من منزله من الحرم فهو كمن أحرم من مكة
في تأخير الطواف وإن أحرم هؤلاء من الحل
فليعجلوه إلا أن يكونوا مراهقين انتهى إذا
علمت هذا فقوله في التوضيح في شرح قوله ولو
خرج من مكة أي أنهما يجبان على القادم ولو كان
مكيا خرج إلى الميقات لا مفهوم له أعني قوله
"خرج للميقات"
(4/115)
ولم يراهق ولم
يردف بحرم وإلا سعى بعد الإفاضة
ـــــــ
لأنه إذا خرج للحل وأحرم بالحج منه وجب عليه
طواف القدوم وتعجيل السعي بعده كما علم مما
تقدم والله أعلم. ص: "وإلا سعى بعد الإفاضة"
ش: أي وإن أحرم بالحج من الحرم أو أحرم به من
الحل ولكنه مراهق أو أحرم بالعمرة من الحل ثم
أردف الحج عليها في الحرم فإنه لا يطلب بطواف
القدوم وإذا لم يطلب بطواف القدوم فإنه يؤخر
السعي إلى طواف الإفاضة لأنه سيأتي أنه يجب أن
يكون السعي عقب أحد طوافي الحج فلما سقط طواف
القدوم تعين أو يكون عقبه طواف الإفاضة.
فروع: الأول: قال في التوضيح ومتى يكون الحاج
مراهقا إن قدم يوم عرفة أحببت تأخير طوافه وإن
قدم يوم التروية أحببت تعجيله وله في التأخير
سعة. محمد وفي المختصر عن مالك إن قدم يوم
عرفة فليؤخره إن شاء وإن شاء طاف وسعى وإن قدم
يوم التروية ومعه أهل فليؤخر إن شاء وإن لم
يكن معه أهل فليطف وليسع. ومعنى ذلك أن
الاشتغال يوم عرفة بالتوجه إلى عرفة أولى وأما
يوم التروية فمن كان معه أهل كان في شغل مما
لا بد للمسافر بالأهل منه انتهى. وقال ابن
فرحون لأنه بأهله في شغل وحال المنفرد أخف.
وقال قبله والمراهق هو الذي يضيق وقته عن
إيقاعه طواف القدوم والسعي وما لا بد له من
أحواله ويخشى فوات الحج إن تشتمل بذلك فله
تأخير الطواف. ثم ذكر ما قاله أشهب ونقله عن
مالك في المختصر. انتهى من مناسكه.
الثاني: حكم من أحرم بالقران من الحل حكم من
أحرم بالحج من الحل في وجوب طواف القدوم عليه
وتعجيل السعي بعده فإن ترك ذلك وهو غير مراهق
فعليه الدم وإن كان مراهقا فلا دم عليه. قاله
في المدونة.
الثالث: إذا أردف الحج على العمرة في الحل
فحكمه حكم من أحرم بالقران من الحل في وجوب
طواف القدوم والسعي بعده إذا لم يكن مراهقا
وهو ظاهر والله أعلم.
الرابع: إذا أحرم بالقران من مكة أو بالعمرة
من مكة ثم أردف عليها حجة وصار قارنا فإنه
يلزمه الخروج للحل على المشهور فإذا دخل من
الحل لا يطوف ولا يسعى لأنه أحرم من مكة. قاله
ابن رشد عن ابن القاسم ونقله ابن عرفة وقد
تقدم ذلك عند قوله "ولها وللقران الحل" والله
أعلم.
(4/116)
وإلا فدم إن
قدم ولم يعد ثم السعي سبعا بين الصفا والمروة
منه البدء مرة والعود
ـــــــ
والخامس: من أحرم بالحج أو بالقران من الحل
ومضى إلى عرفات ولم يدخل مكة وليس بمراهق فإنه
بمنزلة من ترك طواف القدوم ويجب عليه الدم.
قاله في المدونة كلام المصنف في مناسكه يوهم
سقوط الدم وليس كذلك والله أعلم. ص: "وإلا فدم
إن قدم ولم يعد" ش: أي وإن لم يؤخر سعيه إلى
طواف الإفاضة بل قدمه قبل الخروج إلى عرفة إثر
طواف طافه فإنه يؤمر بأن يعيد السعي إثر طواف
الإفاضة فإن لم يعده حتى رجع إلى بلده فعليه
دم. وظاهر كلامه أن هذا الحكم شامل للمراهق
وليس كذلك لأن المراهق إذا قدم الطواف والسعي
أجزأه ولا يؤمر بإعادة السعي لأنه أتى بما هو
الأصل في حقه لأن التأخير في حقه رخصة ولذلك
قال ابن عبد السلام الشبه بين المراهق وبين
غيره إنما هو في مطلق السقوط وإلا فالطواف
ساقط في حق المراهق للمشقة وخوف فوات عرفات
حتى لو تجشم المشقة وغرر فأدرك فطاف وسعى لكان
آتيا بما هو مشروع في حقه بالأصل وأما من أحرم
بالحج من مكة فلم يشرع له طواف القدوم انتهى.
وقد نبه الشارح على هذا وقال لعل قوله إن قدم
فيه إيماء لذلك لأن مثل هذا لا يقال فيه قدم
بل أوقعه في محله الذي خوطب به في الأصل
انتهى. وما قاله ظاهر انتهى والله أعلم.
تنبيه: قال ابن الحاجب ولو سعى ورجع إلى بلده
مقتصرا أجزأه وعليه دم على المشهور. قال ابن
عرفة وفيها يؤخر المحرم من مكة سعيه لآخر
إفاضته فإن طاف وسعى قبل وقوفه أعاد سعيه
إثرها وإن لم يعد كفاه وأيسر شأنه هدي وشاذ
قول ابن الحاجب هدي على المشهور لا أعرفه إلا
تخريج التونسي من عدمه فيها على مفيض محدث طاف
تطوعا بطهارة ويفرق بتقديم نية طواف الإفاضة
فيحكم بانسحابها انتهى. قلت: ذكره اللخمي في
كتاب الحج الأول في باب مواقيت الحج ونصه
واختلف فيمن أفرد الحج من مكة ثم طاف وسعى قبل
أن يخرج إلى عرفة هل يحتسب بذلك فقال مالك في
المدونة إذا رجع من عرفة طاف للإفاضة وسعى فإن
هو لم يفعل حتى رجع إلى بلده رأيت السعي الأول
يجزئه وعليه الدم وذلك أيسر شأنه عندي. وقال
ابن القصار وقد روي عن مالك أنه إذا كان قد
طاف وسعى ثم فرغ من حجه ورجع إلى بلده أجزأه.
وأجاز ذلك الشافعي وأبو حنيفة لأن الطواف
بانفراده ليس من شرطه أن يؤتى به من الحل
وكذلك السعي وإذا كان كذلك كان الصواب أنه
جائز حسبما روي عن مالك في أحد القولين انتهى.
ص: "ثم السعي سبعا بين الصفا والمروة منه
البدء مرة والعود
(4/117)
أخرى وصحته
تقدم طواف ونوى فرضيته وإلا فدم
ـــــــ
أخرى" ش: هو معطوف على الإحرام في قوله
"وركنهما الإحرام" يعني أن الركن الثالث من
الأركان التي يشترك فيها الحج والعمرة والسعي
وهو آخر أركان العمرة. وقول ابن الحاجب وتنقضي
العمرة بالطواف والسعي والحلاق أو التقصير قال
المصنف في التوضيح أي كمال العمرة ونصه اعلم
أن العمرة هي إحرام وسعي وطواف وحلق. والثلاثة
الأول أركان والرابع يجبر بالدم. فقوله يعني
ابن الحاجب تنقضي العمرة أي كمال العمرة وإلا
فالعمرة تصح بدون الحلاق انتهى. وما ذكره
المصنف من أن السعي ركن هو المعروف من المذهب
فمن ترك السعي أو شوطا منه أو ذراعا من حج أو
عمرة صحيحتين أو فاسدتين رجع له من بلده. وروى
ابن القصار عن القاضي إسماعيل عن مالك أن
السعي واجب يجبر بدم إذا رجع لبلده. والرواية
المذكورة عن مالك هي من ترك السعي حتى تباعد
وأطال وأصاب النساء أنه يهدي ويجزيه. ففهمها
صاحب الطراز أنه غير ركن عنده وفهمها اللخمي
وابن رشد على أنه قاله مراعاة للخلاف. ويظهر
من كلام المصنف في التوضيح أنه ركن من غير
خلاف. وأن القول بالرجوع مراعاة للخلاف وصرح
بذلك ابن فرحون في شرحه وهو بعيد وانظر ابن
عرفة. وللسعي شروط منها كونه سبعة أشواط وقد
تقدم في الكلام على الطواف أن من ترك من السعي
شيئا ولو ذراعا يرجع له من بلده. ومنها كونه
بين الصفا والمروة فلو سعى في غير ذلك المحل
بأن دار من سوق الليل أو نزل من الصفا ودخل
المسجد لم يصح سعيه. والواجب فيه السعي بين
الصفا والمروة ولا يجب الصعود عليهما بل هو
مستحب كما سيأتي. قال سند والمذهب أنه لا يجب
إلصاق العقبين بالصفا بل أن يبلغهما من غير
تحديد. ومن شروطه البدء من الصفا فإن بدأ من
المروة لم يعتد بذلك الشوط الأول فإن اعتد به
فهو كمن ترك شوطا من سعيه. وقوله منه البدء
مرة أفاد أن البدء من الصفا وأنه يحسب ذلك
شوطا ويحسب العود شوطا آخر. ص: "وصحته بتقدم
طواف ونوى فرضيته وإلا فدم" ش: يعني أن شرط
صحة السعي أن يتقدمه طواف. قال ابن عبد السلام
وذلك متفق عليه. وقال ابن عرفة والمذهب شرط
كونه بعد طواف انتهى. فلو سعى من غير طواف لم
يجزه ذلك السعي بلا خلاف. وقوله ونوى فرضيته
وإلا فدم يعني ويجب في الطواف الذي سعى بعده
أن يكون فرضا فإن أوقع السعي بعد طواف ليس
بفرض فعليه دم. قال ابن عبد السلام إثر كلامه
المتقدم. ثم اختلف هل
(4/118)
..............................
ـــــــ
يشترط مع ذلك أن يكون مع أحد الطوافين إما
طواف القدوم وإما طواف الإفاضة ويكفي فيه أي
طواف كان. وقال ابن عرفة إثر كلامه المتقدم
وفي شرط وجوبه قولان لابن عبد الحكم ولها
انتهى. وقال في التوضيح من شرط صحة السعي أن
يتقدمه طواف واختلف هل من شرطه أن يكون واجبا
أو يكفي أي طواف كان لقوله في المدونة وإذا
طاف حاج أول دخوله مكة لا ينوي به تطوعا ولا
فريضة لم يجزه سعيه إلا بعد طواف ينوي به طواف
الفريضة فإن لم يتباعد رجع فطاف وسعى وإن فرغ
من حجه ثم رجع إلى بلده وتباعد وجامع النساء
أجزأه ذلك وعليه دم والدم في هذا خفيف انتهى.
فتخفيفه للدم يقتضي أن ذلك ليس بشرطه. وقال
ابن عبد السلام إلى الاشتراط يرجع مذهب
المدونة وهذا هو المنصوص في المذهب انتهى.
وفيه نظر لأنه لو كان مذهب المدونة الاشتراط
للزمه الرجوع لأن الشرط يلزم من عدمه العدم
على أن سندا اعترض على البراذعي قوله ولم ينو
فرضا ولا تطوعا لم يجزه وقال إنما قال في
الكتاب ولم ينو حجا ثم سعى فلا أحب له سعيه
إلا بعد طواف ينوي به الفرض فإن رجع إلى بلده
أو جامع رأيته مجزيا عنه وعليه دم. انتهى كلام
التوضيح. يعني أن سندا اعترض على البراذعي في
قوله لم يجزه فإنه قال في الطراز لو لم يكن
مجزيا لوجب أن يرجع له من بلده كما لو طاف على
غير وضوء وسعى ولم يعد سعيه حتى رجع إلى بلده.
وأجاب العوفي عن البراذعي بأن الإجزاء معناه
الاكتفاء وهو لا يكتفي بما فعله قريبا كان أو
بعيدا ففي القرب يعيده وفي البعد يجبره بالدم
قال وإنما الاعتراض على البراذعي أنه قال في
الأم لم ينو بطوافه لحجه وبدلها هو بقوله
فريضة ولا تطوعا وهذه العبارة إنما تطلق على
العابث أو الذاهل. ثم قال ويمكن أن ينتصر له
بأنه أراد أنه لم يعين نيته حين الطواف أنه
تطوع ولا قدوم فلا يكتفي به وإن تباعد أجزأه
إذ لم يخل عن نية التقرب به وقرينته حال الحاج
سيما من البلاد البعيدة أنه إنما يطوف تقربا
لله تعالى وأقل درجات هذه النية التطوع فلهذا
ساغ أن يكتفي به. انتهى يعني مع البعد.
قلت: والذي رأيته في الأم كما قال البراذعي
ونصها قلت: لابن القاسم أرأيت لو أن رجلا دخل
مكة فطاف بالبيت أول ما دخل مكة لا ينوي
بطوافه هذا فريضة ولا تطوعا ثم يسعى بين الصفا
والمروة. قال لا أرى أن يجزيه سعيه بين الصفا
والمروة إلا بعد طواف ينوي به طواف الفريضة
الذي دخل به فإن فرغ من حجه ورجع إلى بلده
وتباعد وجامع النساء رأيت ذلك مجزيا عنه ورأيت
عليها الدم والدم في هذا خفيف عندي. قال وإن
كان لم يتباعد رأيت أن يطوف بالبيت ويسعى بين
الصفا والمروة انتهى. وهكذا نقله ابن يونس
ونقل العوفي عن الأم مثل ما قال سند واختصار
الشيخ أبي محمد قريب من ذلك ولعل نسخ الأم
مختلفة وهذا هو الظاهر والله أعلم. فعلم مما
تقدم أن معنى قول المصنف ونوى فرضيته وإلا قدم
الطواف الذي يقع بعده السعي يجب أن ينوي
فرضيته بأن يكون طواف الإفاضة أو طواف
(4/119)
................................
ـــــــ
القدوم بالحج أو طواف العمرة فإن أوقعه بعد
طواف لا ينوي فرضيته كطواف الوداع أو طواف
تطوع كمن أحرم بالحج من مكة وطاف وسعى فإنه
يؤمر بإعادته بعد طواف واجب فإن لم يفعل حتى
تباعد فعليه دم. وقول المصنف وإلا فدم فيه
مسامحة لأن ظاهره أنه لا يؤمر بالإعادة وليس
كذلك كما تقدم في لفظ المدونة فإن قيل أما
طواف الإفاضة والعمرة فلا شك في فرضيتهما
لأنهما ركنان وأما طواف القدوم فليس بفرض لأنه
ليس بركن وإنما هو واجب على الراجح كما تقدم
وقد فرقوا بين الفرض والواجب في باب الحج على
ما نقله ابن الجلاب وغيره فالجواب أن المصنف
رحمه الله أطلق عليه أنه فرض تبعا للفظ
المدونة المتقدم أعني قوله ولا أحب له سعيه
إلا بعد طواف ينوي به طواف الفريضة ومعلوم أن
مراده طواف القدوم وطواف الإفاضة لا غير. وقال
ابن عرفة في كلامه على طواف القدوم وسماه فيها
واجبا وفرضا وأيضا فإن هذا هو الجاري على
قاعدة المذهب أن الفرض والواجب مترادفان وقد
ثبت أنه واجب فيصح أن يطلق عليه فرض ولم يلتفت
المصنف إلى ما اصطلح عليه بعض المتأخرين من
التفريق بينهما في الحج.
تنبيهات: الأول: إذا نوى المحرم بالحج أو
بالقران بطوافه الذي يسعى بعده طواف القدوم
الواجب عليه فهذا هو المطلوب وإن نوى طواف
القدوم واعتقد أنه سنة فإن كان ممن له معرفة
ويعلم أن طواف القدوم من الأفعال اللازمة
للمحرم بالحج أو بالقران وأنه إن تركه فعليه
دم وأن تسميته سنة بمعنى أنه ليس بركن فهو
عندي كالأول وإن اعتقد أنه سنة بمعنى أنه لا
يلزم الإتيان به فالظاهر أنه لا يجزيه ويعيد
ما دام بمكة وإن نوى طواف القدوم ولم يستحضر
أنه واجب أو سنة فإن كان يعلم أنه واجب فهذا
لا يضر كمن نوى صلاة الظهر ولم يستحضر أنها
واجبة وإن كان يعتقد أنها سنة فعلى ما تقدم من
التفصيل المذكور وإن لم يستحضر طواف القدوم
ونوى أنه يطوف لحجة فإن كان يعتقد أن المحرم
بالحج إذا دخل مكة يجب عليه الطواف والسعي
ونوى بطوافه ذلك الظاهر أنه يجزيه وإن لم يعلم
ذلك فيعيد ما دام بمكة وكذلك لو نوى الطواف
ولم يستحضر شيئا فهذا يعيد ما دام بمكة لقوله
في المدونة لم يجزه سعيه إلا بعد طواف ينوي به
الفريضة وكما صرح بذلك العوفي فيما تقدم
فتأمله والله أعلم.
الثاني: لم يذكر المصنف من شروط السعي إيصاله
بالطواف واتصاله في نفسه وذلك شرط إلا أن
التفريق اليسير مغتفر. قال اللخمي ويوالي بين
الطواف والركوع والسعي. ثم قال وإن فرق بين
الطواف والسعي لم يجب عليه أن يستأنف وكذلك
إذا فرق بين السعي نفسه وخرج لجنازة أو نفقة
أو ما أشبه ذلك ما لم يطل فإنه يستأنف وكذلك
إذا فرق بين السعي نفسه وخرج لجنازة أو نفقة
أو ما أشبه ذلك ما لم يطل فإنه يستأنف الطواف.
قال مالك في كتاب محمد فيمن طاف ولم يخرج
للسعي حتى طاف تنفلا سبعا أو سبعين أحب إلي أن
(4/120)
ورجع إن لم يصح
طواف عمرة حرما
ـــــــ
يعيد الطواف ثم يسعى فإن لم يعد الطواف رجوت
أن يكون في سعة. وقال فيمن طاف وركع ثم مرض
فلم يستطع السعي حتى انتصف النهار أنه يكره أن
يفرق بين الطواف والسعي. وقال ابن القاسم
يبتدئ وهذا استحسان فإن لم يفعل أجزأه. وقال
مالك فيمن طاف ليلا أو أخر السعي حتى أصبح فإن
كان بطهر واحد أجزأه وإن كان قد نام وانتقض
وضوؤه فبئس ما صنع وليعد الطواف والسعي والحلق
ثانية إن كان بمكة وإن خرج من مكة أهدى
وأجزأه. وهذا يدل على أن إعادة المريض استحسان
لأن هذا فرق وهو قادر على أن يسعى قبل أن يصبح
فرآه مجزيا عنه ولا إعادة عليه إن لم تنتقض
طهارته. وقوله أيضا إذا انتقضت طهارته أنه
يعيد استحسان ولو كان واجبا لرجع ولو بلغ بلده
لأن السعي يصح بغير طهارة إذا سعى بالقرب ويصح
من الحائض فلم يكن لمراعاة انتقاض الطهارة إذا
بعد وجه انتهى.
قلت: ولعل وجه ذلك أنه مظنة للتفريق الفاحش.
وقال في المدونة وإن جلس بين طهراني سعيه شيئا
خفيفا فلا شيء عليه وإن طال فصار كتارك ما كان
فيه فليبتدئ ولا يبني وإن صلى على جنازة قبل
أن يفرغ من السعي أو باع أو اشترى أو جلس مع
أحد أو وقف معه يحدثه لم ينبغ له ذلك فإن فعل
منه شيئا بنى فيما خف ولم يتطاول وأجزأه وإن
أصابه حقن في سعيه مضى وتوضأ وبنى انتهى. قال
سند ولو جلس ليستريح فنعس واحتلم فليذهب
فيغتسل وبني وإن أتمه جنبا أجزأه وكذلك لو
حاضت المرأة بعد الركعتين فإنها تسعى. وقال
التادلي قال الباجي من طاف فلا ينصرف إلى بيته
حتى يسعى إلا من ضرورة يخاف فواتها أو يتعذر
المصير إليها ويرجو بالخروج ذهابها كالحقن
والخوف على المنزل انتهى. قال في التوضيح
وقوله في المدونة فصار كتارك ما كان فيه
فليبتدئ. قال أبو محمد يريد الطواف والسعي.
ابن يونس وغيره وظاهر قول ابن الحاجب أنه
يبتدئ السعي انتهى. قلت: الظاهر ما قاله أبو
محمد لأنه إذا بطل سعيه كان كمن فرق بين
الطواف والسعي. وقد صرح أبو إسحاق التونسي في
مسألة من طاف للقدوم على غير وضوء بأنه إذا لم
يسع بعد الطواف فسد الطواف.
الثالث: تقدم في لفظ التهذيب ما نصه وإن فرغ
من حجه ثم رجع إلى بلده وتباعد وجامع النساء
فعطف قوله "وجامع" بالواو يقتضي أن ذلك مسألة
واحدة والذي في الأم عطفه بأو وهو الظاهر
فتأمله. ص: "ورجع إن لم يصح طواف عمرته حرما"
ش: يعني أن
(4/121)
واقتدى لحلقه
وإن أحرم بعد سعيه بحج فقارن
ـــــــ
المحرم بالعمرة إذا لم يصح طواف عمرته لفقد
شرط من شروطه فإنه يرجع من بلده محرما متجردا
من المخيط كما كان عند الإحرام لأنه كمن لم
يطف ولم يسع فإذا وصل إلى مكة طاف بالبيت وسعى
وإن كان قد أصاب النساء فعليه أن يعيد العمرة
ويهدي. قاله في الموازية ونقله ابن يونس. قلت:
ويقضيها من الميقات الذي أحرم منه أولا. قال
في المدونة وعليه لكل صيد أصابه الجزاء. قال
ابن يونس وإن تطيب فعليه الفدية.
تنبيه: فإن فعل موجبات الفدية وتعددت منه
ففدية واحدة تجزئه كما سيأتي في قول المصنف
واتحدت إن ظن الإباحة وذكر المصنف رحمه الله
هذا التفريع بعد أن ذكر شروط الطواف وقال فيه
إن لم يصح لينبه على أنه ليس خاصا بمن طاف على
غير طهارة كما فعل ابن الحاجب وغيره والمصنف
في مناسكه فإنهم إنما ذكروا هذا التفريع فيمن
طاف غير متطهر وما فعله المصنف هنا حسن. ص:
"وإن أحرم بعد سعيه بحج فقارن" ش: تصوره واضح.
فرع: فإن نسي ركعتي الطواف وسها عن ذكرهما بعد
أن أحرم بالحج بالقرب بحيث لا يؤمر بإعادة
الطواف لو لم يحرم بالحج فهل يكون قارنا أم لا
ذكر عبد الحق في تهذيبه في ذلك قولين أحدهما
أنه قارن لأن من ذكر الركعتين بمكة أو قريب
منها يؤمر بإعادة الطواف والسعي. قال أبو محمد
وإن كان قد لبس أو تطيب فإنه يفتدي وإن وطئ
فإنه يعيد الطواف والسعي ويأتي بعمرة وأما إن
لم يذكر حتى رجع إلى بلده فإنه يركعهما ويبعث
بهدي. قال عبد الحق وفي هذا القول نظر. والقول
الثاني: أنه لا يكون قارنا وأن إحرامه يقوم
مقام الطواف واختاره عبد الحق وقال هذا القول
عندي حسن وذلك أنه إذا عقد الحج كان ممنوعا من
إعادة الطواف والسعي فكان ذلك كالطول الذي لا
يطوف معه ولا يسعى فلا يكون قارنا فعقده الحج
إذا ترك الركعتين من طواف عمرته ضرورة مانعة
من إعادة الطواف والسعي فكان الجواب في ذلك ما
قدمنا والله أعلم نتهى. والقول الذي اختاره
عبد الحق قال ابن يونس إنه الصواب والله أعلم.
فرع: فإن أحرم بعد سعيه بعمرة كان تحلله من
الثانية تحللا من الأولى. قاله سند ونصه لو
كان اعتمر بعد هذه العمرة التي فيها الخلل
لكان قد تحلل بفعل الثانية انتهى. وانظر لو
طاف تطوعا وسعى بعده ثم علم بعد رجوعه إلى
بلاده أن طوافه لم يصح هل يجزئ ذلك
(4/122)
كطواف القدوم
إن سعى بعده واقتصر والإفاضة إلا أن يتطوع
بعده ولا دم
ـــــــ
والظاهر الإجزاء كما سيأتي عن القاضي سند. أما
لو لم يرجع إلى بلده فلا كلام في الإعادة
والله أعلم. ص: "كطواف القدوم إن سعى بعده
واقتصر" ش: يعني أن من طاق للقدوم ولم يصح
طوافه لفقد شرط من شروطه فإنه يرجع لذلك إن
كان أوقع السعي بعده واقتصر على ذلك السعي.
وفي الحقيقة إنما يرجع للسعي واحترز بقوله
واقتصر مما لو ذكر أن طواف قدومه لم يصح فأعاد
السعي بعد طواف إفاضته فلا شيء عليه ولا يلزمه
دم لترك طواف القدوم لأنه لم يتعمد تركه. قاله
في المدونة. ويدخل فيه أيضا مال و أعاد السعي
بعد إفاضته مع عدم علمه ببطلان طواف القدوم ثم
علم بذلك فإن ابن يونس نقل عن بعض شيوخه أنه
يجزيه. قال وقال بعض أصحابنا لا يجزيه لأن
السعي لا يكون إلا في حج أو عمرة. قال ابن
يونس والذي أرى أنه يجزيه لأنه كان عليه أن
يأتي به فقد أتى به وإنما عدم النية فيه فإذا
كان بمكة أو قريبا منها أعاد وإن تطاول أو رجع
إلى بلده أجزاه كمن طاف أول دخوله لا ينوي
فريضة ولا تطوعا وسعى ولم يذكر. إلا بعد رجوعه
لبلده فإنه يجزيه وعليه دم وهو خفيف فكذلك هذا
انتهى. وقوله فكذلك هذا الظاهر من كلامه أنه
يجزيه وعليه دم لكونه لم ينو بسعيه السعي
الفرض ولا دم عليه لترك طواف القدوم لما تقدم.
وانظر إذا أحرم هذا الذي لم يصح طواف قدومه
بعد فراغه من الحج على ما في ظنه بعمرة فطاف
لها وسعى وكمل عمرته. فأما العمرة فلا كلام في
عدم انعقادها لبقاء ركن من الحج وهو السعي وهل
يجزيه طوافه وسعيه للعمرة عن سعي حجه الظاهر
أنه إن كان بمكة أعاد الطواف والسعي لحجة
ليأتي بذلك بنية تخصه وإن رجع إلى بلده
فالظاهر أنه يجزيه ولا يأتي فيه الخلاف الذي
ذكره ابن يونس عن بعض أصحابه لأنه مفهوم
تعليله في المسألة الأولى أن السعي لا يتطوع
به وإنما يفعل في حج أو عمرة وهو في مسألتنا
قد أتى به في العمرة الذي كان يعتقد أنه يجب
عليه أن يسعى لها فتأمله والله أعلم. ص:
"والإفاضة إلا أن يتطوع بعده ولا دم" ش: يعني
أن من طاف للإفاضة ثم تبين له أن طوافه غير
صحيح لفقد شرط من شروطه فإنه يرجع لذلك من
بلده إلا أن يكون طاف بعد طواف الإفاضة طوافا
صحيحا تطوعا أو لوداع فإنه لا يرجع حينئذ
لطواف الإفاضة ويجزئه ما طافه تطوعا عن طواف
الإفاضة. قال في المدونة ومن طاف للإفاضة على
غير وضوء رجع لذلك من بلده فيطوف للإفاضة إلا
أن يكون قد طاف بعد ذلك تطوعا فيجزئه عن طواف
الإفاضة. قال ابن يونس يريد ولا دم عليه
انتهى.
(4/123)
حلا إلا من
نساء وصيد وكره الطيب واعتمر والأكثر إن وطئ
ـــــــ
تنبيهات: الأول: قال أبو الحسن الصغير قال أبو
إسحاق لم يذكر في المدونة إعادة إذا كان
بالقرب أو أن عليه دما إذا فات انتهى. قلت: لا
إشكال أن المسألة إنما هي مفروضة فيمن رجع إلى
بلده وأما إذا كان بمكة فلا شك أنه مطلوب
بالإعادة. وسيأتي في كلام ابن يونس وصاحب
النكت أنه إذا ذكر ذلك وهو بمكة أنه يعيد
طوافه وسعيه ولم يفصلوا فيه بين أن يكون طاف
بعده تطوعا أم لا. وكما يفهم من كلام سند في
التنبيه الثالث ومن كلام غيره أن المسألة إنما
هي مفروضة مع الرجوع إلى بلده.
الثاني: قال في التوضيح حمل بعضهم المشهور على
أن ذلك كان نسيانا بخلاف العمد. قال ابن عبد
السلام وظاهر كلام غيره ولو كان على سبيل
العمد انتهى. قلت: الظاهر حمله على النسيان.
وقد قال الجزولي في باب جمل من الفرائض لا
خلاف فيما إذا طاف للوداع وهو ذاكر الإفاضة
أنه لا يجزئه انتهى.
حكم من نسي الطواف بالكلية حكم من طاف ولم يصح
طوافه. قال سند في شرح مسألة المدونة المتقدمة
هذا مختلف فيه إذا لم يطف للإفاضة ونسي ذلك
حتى طاف للوداع أو غيره وخرج فقال مالك
والشافعي والجمهور يجزئه. وقال ابن حنبل لا
يجزئه. وقال ابن عبد الحكم لأنها عبادة واجبة
متصلة بالبيت فافتقرت إلى تعيين النية. ووجه
ما قلناه أن أركان الحج لا تحتاج إلى تعيين
النية بدليل الوقوف والإحرام والسعي وهذا من
أركان الحج فلا يفتقر إلى تعيين. نعم نية الحج
مشتملة على جميع أفعاله ولا يصح فعل غير الحج
في زمان الحج فلما صح الطواف في نفسه وجب أن
يحكم أنه طواف الإفاضة ويستحب ابن القاسم فيه
الدم كمن طاف عند قدومه من غير نية وسعى ولم
يعد سعيه حتى رجع لبلده. الرابع: قال في
التوضيح هل يجزئ طواف القدوم عن طواف الإفاضة
ظاهر المذهب عدم الإجزاء وهو مذهب ابن القاسم
وغيره ثم ذكر عن ابن عبد الحكم ما يقتضي أنه
يجزئه. ص: "حلالا إلا من نساء وصيد وكره الطيب
واعتمر وإلا كثر إن وطئ" ش: هذا حال من لم يصح
طواف قدومه أو طواف إفاضته. والمعنى أن من سعى
بعد طواف القدوم وكان طوافه غير صحيح ولم يعد
بعد طواف السعي الإفاضة حتى رجع إلى بلده أو
طاف للإفاضة وكان طوافه غير صحيح ولم يتطوع
بعده فإن كل واحد منهما يرجع من بلده حلالا من
ممنوعات الإحرام كلها إلا من النساء والصيد
فإن ذلك حرام عليه وأما الطيب فيكره له
استعماله ولا
(4/124)
..............................
ـــــــ
يحرم وذلك لأن كل واحد منهما قد حصل له التحلل
الأول برمي جمرة العقبة فإذا رجع كل واحد
منهما فإنه يرجع على بقية إحرامه الأول فلا
يجدد إحراما من الميقات إذا مر به لأن الإحرام
لا يدخل على بقية إحرام الحج ولا يلبي في
طريقه لأن تلبيته قد انقطعت. قاله في الطراز
فإذا وصل كل واحد منهما إلى مكة كمل ما بقي
عليه فالذي لم يصح طواف قدومه بقي عليه السعي
لكن السعي لا يصح إلا بتقديم طواف فيطوف أولا
ثم يسعى فيتم تحلله من الحج قاله في الطراز
قلت: وينوي بطوافه الذي يأتي به قبل السعي
طواف الإفاضة لأن طواف القدوم فات محله
بالوقوف بعرفة ولزمه إعادة السعي بعد طواف
الإفاضة فإن لم يعد السعي بعد طواف الإفاضة
بطل طواف الإفاضة قاله أبو إسحاق التونسي وصار
كمن فرق بين طواف الإفاضة والسعي فيعيد طواف
الإفاضة ويسعى بعده وهذا ظاهر والله أعلم.
والذي لم يصح طواف إفاضته يطوف الإفاضة فقط
ولا يحلق واحد منهما لأنه قد حلق بمنى فإذا
كمل كل واحد منهما إحرامه فذكر المصنف أنه
يأتي بعمرة وأن جل الناس يقولون لا عمرة عليه
إلا أن يطأ. تنبيهات: الأول: هذا الخلاف الذي
ذكره المصنف في العمرة لم يذكره في المدونة
إلا فيمن أصاب النساء. قال في كتاب الحج الأول
والمفرد بالحج إذا طاف الطواف الواجب أول ما
دخل مكة وسعى بين الصفا والمروة على غير وضوء
ثم خرج إلى عرفات فوقف المواقف ثم رجع إلى مكة
يوم النحر فطاف طواف الإفاضة على غير وضوء ولم
يسع حتى رجع إلى بلده فأصاب النساء والصيد
والطيب ولبس الثياب فليرجع لابسا للثياب حلالا
إلا من النساء والصيد والطيب حتى يطوف ويسعى
ثم يعتمر ويهدي وليس عليه أن يحلق إذا رجع بعد
فراغه من السعي لأنه قد حلق بمنى ولا شيء عليه
في لبس الثياب لأنه لما رمى الجمرة حل له لبس
الثياب ولا شيء عليه في الطيب لأنه بعد رمي
جمرة العقبة فهو خفيف وعليه لكل صيد أصابه
الجزاء ولا دم عليه لتأخير الطواف الذي طافه
حين دخل مكة على غير وضوء وأرجو أن يكون خفيفا
لأنه لم يتعمد ذلك وهو كالمراهق والعمرة مع
الهدي تجزئه من ذلك كله وجل الناس يقولون لا
عمرة عليه انتهى. فلم يذكر العمرة إلا مع
إصابة النساء وإن لم يصب النساء فلا عمرة عليه
صرح بذلك في الموازية ونقله ابن يونس وعبد
الحق في نكته وتهذيبه قال ابن يونس قال ابن
المواز وإذا لم يطأ فليرجع فيفعل ما وصفنا
ويهدي هديا واحدا ولا عمرة عليه ولو ذكر ذلك
بمكة بعد أن فرغ من حجه فليعد طوافه وسعيه ولا
دم عليه انتهى. وقال في النكت قال ابن المواز
في الذي طاف على غير وضوء لو أنه ذكر ذلك ولم
يطأ فعل ما ذكره ولا عمرة عليه وعليه الهدي
ولو ذكر ذلك وهو بمكة بعد أن فرغ من حجه فليعد
طوافه وسعيه ولا دم عليه انتهى. ونحوه في
تهذيبه ونقله الشيخ أبو الحسن وقال صاحب
الطراز فإن لم يقرب النساء فلا عمرة عليه.
ونحوه للشيخ أبي إسحاق التونسي. ولم أر من ذكر
العمرة مع عدم إصابة النساء إلا ابن الحاجب
وقبله ابن عبد السلام والمصنف وابن
(4/125)
..............................
ـــــــ
فرحون غير أنه قال في التوضيح والظاهر قول جل
الناس لأن العمرة إنما كانت عليه لأجل الخلل
الواقع في الطواف بتقدم الوطء عليه فأمر أن
يأتي بطواف صحيح لا وطء قبله وهو حاصل في
العمرة بخلاف ما إذا لم يطأ. وما قاله صحيح
ولا وجه للعمرة إذا لم يحصل وطء. ويفهم من
كلامه في التوضيح أن جل الناس يقولون تجب
العمرة إذا وطئ والذي نقله في المدونة وشروحها
ونقله ابن الحاجب عن جل الناس أنه لا عمرة
عليه وإن أصاب النساء وكلام ابن الحاجب يفهم
منه أن في المسألة ثلاثة أقوال فإنه قال ثم
يعتمر ويهدي. وقيل لا عمرة عليه إلا أن يطأ
وجل الناس لا عمرة عليه انتهى. والذي يفهم من
كلام المصنف في التوضيح أنه إنما ذكر قولين
فإنه قال يختلف في طلب العمرة على الجملة
وإنما اختلف هل يؤمر بها على الإطلاق أو بشرط
أن يطأ انتهى. والعجب من ابن عرفة رحمه الله
في عدم اعتراضه على ابن الحاجب مع كثرة تنبيهه
على ما خالف فيه نقل المذهب فتأمله منصفا
والله أعلم.
الثاني: هذا الكلام الذي تقدم إنما ذكره في
المدونة وشروحها في مسألة من طاف للقدوم على
غير وضوء وسعى بعده ولم يعد السعي بعد طواف
الإفاضة ولم يذكروه في مسألة من طاف للإفاضة
على غير وضوء إذا لم يتطوع بعده. وقد سوى ابن
الحاجب بين المسألتين فاعترض عليه ابن عبد
السلام بأنه لم يحسن سياق المسألتين وأنه خلط
إحداهما بالأخرى. وأجاب المصنف عنه في التوضيح
بأنه لم ينقل قوله ويرجع حلالا عن المدونة
والظاهر أنه لا فرق بين ما إذا طاف للإفاضة
لغير وضوء أو طاف للقدوم بغير وضوء ثم سعى
بعده انتهى. قلت: وهو كذلك لأنه قد بقي عليه
التحلل الثاني في الصورتين.
الثالث: قال أبو الحسن في شرح قوله وجل الناس
يقولون لا عمرة عليه هم سعيد بن المسيب
والقاسم بن محمد وعطاء. وقيل يطوف ويتم حجه
ويقضي قابلا وهو قول ابن عمر وابن شهاب انتهى.
وقال أبو إسحاق والأشبه ما قال جل الناس أنه
لا عمرة عليه وإنما روى مالك ذلك عن ربيعة
وحكى عن ابن عباس ولابن عباس خلافه أنه ينحر
بدنة وقال ابن المسيب والقاسم وعطاء ليس عليه
إلا نحر بدنة انتهى. قلت: والخلاف في هذه
المسألة مبني على الخلاف فيمن وطئ بعد رمي
جمرة العقبة وقبل الطواف والسعي فالمشهور من
مذهب مالك أن عليه العمرة قال في الطراز في
باب جمرة العقبة وهو مروي في الموازية عن ابن
عباس وربيعة قال وروى ابن الجهم عن أبي مصعب
عن مالك أن حجه يفسد. قال القاضي أبو محمد وهو
أقيس وهو مروي في الموازية عن ابن عمر والحسن
وابن شهاب. وقال أبو حنيفة إنما عليه الهدي
وهو في الموازية عن ابن المسيب والقاسم وسالم
وعطاء وعن ابن عباس أيضا انتهى. قلت: وبهذا
يظهر لك أنه لا وجه للقول بلزوم العمرة مع عدم
الوطء وعلم من هذا أن المراد بقوله في المدونة
"جل الناس" وقول المصنف الأكثر جل العلماء
خارج المذهب والله أعلم.
الرابع: لم يذكر المصنف حكم الهدي وقد تقدم في
الموازية أنه إذا أصاب النساء وجب
(4/126)
..............................
ـــــــ
الهدي مع العمرة وهو ظاهر لأن من وطئ قبل
التحلل الثاني وجب عليه الهدي كما سيأتي في
فصل ممنوعات الإحرام فإن أخرطوا فهو يعيد إلى
المحرم فهل عليه هدي واحد أو هديان قال في
الطراز يختلف فيه ففي الموازية قال أشهب يهدي
هديين في عمرته هديا للوطء وهديا للتفرقة وابن
القاسم يرى في ذلك هديا. والأول أقيس لأنهما
هديان وجبا بسببين أحدهما الوقت فيجب إيقاع
أركان الحج في أشهره فإن أخر شيئا عن زمانه
وجب عليه الجبر لخلل ما ترك والجبر في الحج
إنما هو الدم. ورأى ابن القاسم أن ذلك يرجع
لصفة من صفات السعي والطواف فكان خفيفا كترك
الهرولة وشبه ذلك بالعمرة والدم يفي بذلك كله
انتهى. وأما إذا لم يصب النساء فقد تقدم عن
الموازية أن عليه الهدي إلا أن يذكر ذلك وهو
بمكة بعد فراغه من حجه يريد قبل دخول المحرم
وهو ظاهر. وقال في الطراز لو لم يكن عليه فساد
يعني للوطء هل يستحب له الهدي ويختلف فيه ففي
الموازية لمالك من جهل فلم يسع حتى رجع إلى
بلده فليرجع متى ما ذكر على ما بقي من إحرامه
حتى يطوف ويسعى. وقال في رواية ابن وهب وأحب
إلي أن يهدي بخلاف رواية ابن القاسم. والأحسن
فيه أن يراعى الوقت فإن رجع قبل خروج أشهر
الحج فهو خفيف كما لو أخر الطواف والسعي إلى
ذلك وإن خرج الوقت فعليه الدم لفوات الوقت
انتهى. قلت: والذي قاله ظاهر وهو الذي يفهم من
كلام ابن المواز الذي نقله ابن يونس وعبد الحق
فيعتمد عليه وما ذكره صاحب الطراز عن الموازية
يحمل على ما إذا لم يطل الزمن ولم يدخل المحرم
وإلا فهو بعيد. الخامس: قال الشارح في الكبير
قوله "واعتمر" يعني إذا رجع حلالا فلا بد من
دخوله مكة بعمرة وقد تقدم ذلك في كلامه في
المدونة انتهى. وقال في الوسط والصغير أي إذا
رجع مكة فلا يدخلها إلا بعمرة. وقاله في
المدونة انتهى. قلت: ليس هذا الذي ذكره الشارح
معنى كلام المصنف ولا معنى كلامه في المدونة
كما تقدم بيانه بل هو في نفسه متناقض فتأمله.
(4/127)
وللحج حضور جزء
عرفة ساعة ليلة النحر ولو مر إن نواه
ـــــــ
السادس: قوله في المدونة والمفرد بالحج الخ.
لا مفهوم له وحكم القارن كذلك وهو ظاهر والله
أعلم. ص: "وللحج حضور جزء عرفة ساعة ليلة
النحر ولو مر إن نواه" ش: هذا هو الركن الرابع
الذي ينفرد به الحج وهو الوقوف وإضافة الحضور
لجزء عرفة على معنى في وساعة منصوب على
الظرفية وهي مضافة لليلة النحر على معنى
اللام. ونبه بقوله جزء عرفة على أن الوقوف يصح
في كل موضع من عرفة لكن المستحب أن يقف حيث
يقف الناس. واستحب ابن حبيب أن يستند إلى
الهضاب من سفح الجبل. قال في النوادر قال ابن
حبيب ثم استند إلى الهضاب من سفح الجبل وحيث
يقف الإمام أفضل وكل عرفة موقف. ثم قال ففيها
عن كتاب ابن المواز قال مالك ولا أحب لأحد أن
يقف على جبال عرفة ولكن مع الناس وليس في موضع
من ذلك فضل إذا وقف مع الناس ومن تأخر عنهم
فوقف دونهم أجزأه. قال محمد إذا ارتفع من بطن
عرنة ثم قال فيها أيضا قال أشهب وأحب موقف
عرفة إلي ما قرب من عرفة ومن مزدلفة ما قرب من
الإمام انتهى. وقوله "ما قرب من عرفة" يريد
والله أعلم ما قرب منها إلى موضع وقوف الناس
ف"من" في قوله "من عرفة" على أصلها والمجرور
في موضع الحال. و"ما" في قوله "ما قرب من
الإمام" بمعنى الذي فتحصل من كلامه في النوادر
أن ابن حبيب يقول إن الاستناد إلى الهضب من
سفح الجبل وحيث يقف الإمام أفضل. وقوله "حيث
يقف الإمام" كذا نقله في النوادر بالواو وتبعه
على ذلك غير واحد من أهل المذهب وهو من عطف
التفسير وهو في مختصر الواضحة بغير واو ولفظه
إذا انقضت الصلاة فخذ في التكبير والتحميد
والتهليل وامض إلى الموقف بعرفة فاستند إلى
الهضاب من سفح الجبل حيث يقف الإمام أفضل ذلك
وحيث ما وقفت من عرفة أجزأك انتهى. وكان
الإمام في ذلك الزمان يقف هناك وأما في هذا
الزمان فيقف على موضع مرتفع
(4/128)
.................................................
ـــــــ
آخر جبل الرحمة وتحصل أيضا من كلام النوادر أن
مذهب مالك في كتاب ابن المواز ليس في ذلك موضع
له فضل على غيره إذا وقف حيث يقف الناس وأنه
لا يقف على جبل عرفة ولا يبعد عن محل وقوف
الناس ونحوه ما حكاه أشهب هذا الذي تلخص من
كلامه في النوادر وقال في الجلاب وليس لموضع
من عرفة فضيلة على غيره والاختيار الوقوف مع
الناس ويكره الوقوف على جبال عرفة انتهى.
وظاهره متدافع إلا أن يحمل قوليه ليس لموضع من
عرفة فضيلة أي من الموضع الذي يقف فيه الناس
فيكون حينئذ موافقا لما في كتاب ابن المواز
ويزول عنه التدافع والله أعلم.
تنبيهات: الأول: قال ابن معلى بعد أن ذكر كلام
ابن الجلاب وقد اعترض على قوله ليس لموضع من
عرفة فضيلة على غيره لأن العلماء استحبوا
الوقوف حيث وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال وهذا الموقف عند الصخرات الكبار المفروشة
في أسفل جبل الرحمة وهو الجبل الذي توسط أرض
عرفة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف
هناك على ما في صحيح مسلم. وقد نص حذاق المذهب
على استحباب هذا الموضع للوقوف فينبغي
الاعتناء بالمحافظة عليه والاهتمام بالقصد
إليه تبركا بآثاره صلى الله عليه وسلم انتهى.
وقال التادلي قال عياض في الإكمال واستحب
العلماء الوقوف بموضع وقوف النبي صلى الله
عليه وسلم لمن قدر عليه انتهى. ونص كلامه في
الإكمال في شرح قوله حتى أتى الموقف فجعل بطن
ناقته القصوى إلى الصخرات وجعل حبل المشاة بين
يديه واستقبل القبلة فلم يزل واقفا حتى غربت
الشمس وذهبت الصفرة فيه أن السنة الوقوف على
هذه الهيئة. واستحبوا هذا الموضع ثم قال وقوله
وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف ووقفت هاهنا وجمع
كلها موقف تعريف بتوسعة الأمر على أمته وبيان
لهم. واستحب العلماء الوقوف بموضع وقوف النبي
صلى الله عليه وسلم لمن قدر عليه انتهى. وما
قاله في الإكمال ونقله التادلي عنه وذكره ابن
معلى هو الذي قاله ابن حبيب. وظاهر كلام مالك
في الموازية خلافه ولهذا قال ابن جماعة
الشافعي في منسكه الكبير وأفضل المواقف في قول
غير المالكية عند الصخرات الكبار المفروشة في
طرف الروابي الصغار التي عند ذيل الجبل الذي
بوسط عرفات وهو الجبل المسمى بجبل الرحمة. ثم
قال ومشهور مذهب مالك أن ليس لموضع من عرفة
فضيلة على غيره وإنما يكره الوقوف على جبال
عرفة ويقف مع عامة الناس انتهى.
قلت: والظاهر أن قول مالك ليس بمخالف لقول ابن
حبيب وأن معنى قول مالك ليس في موضع من ذلك
فضل أي أنه لم يرد في ذلك حديث يقتضي فضل موضع
من المواضع على غيره وذلك لا ينافي استحباب
القرب من محل وقوفه صلى الله عليه وسلم تبركا
به. فيتحصل من هذا أن الوقوف على جبال عرفة
مكروه ومثله البعد عن محل وقوف الناس والمستحب
أن يقف في محل وقوف الناس والقرب من الهضاب
حيث يقف الإمام أفضل. والهضاب بكسر الهاء جمع
هضبة على وزن تمرة. قال في القاموس والهضبة
الجبل المنبسط على
(4/129)
...............................
ـــــــ
الأرض أو جبل خلق من صخرة واحدة أو الجبل
الطويل الممتنع المنفرد ولا يكون إلا في حجر
الجبل انتهى. قلت: والظاهر أن المراد بها في
كلام ابن حبيب المعنى الأول فإن الظاهر أنه
أراد بالصخرات المفروشة عند جبل الرحمة ويقال
لجبل الرحمة إلال على وزن هلال وقيل بفتح
الهمزة.
الثاني: قال ابن جماعة الشافعي وقد اجتهد
والدي تغمده الله برحمته في تعيين موقف النبي
صلى الله عليه وسلم وجمع فيه بين الروايات
فقال إنه الفجوة المستعلية المشرفة على الموقف
وهي من وراء الموقف صاعدة في الرابية وهي التي
عن يمينها ووراءها صخر ناتئ متصل بصخر الجبل
المسمى بجبل الرحمة وهذه الفجوة بين الجبل
المذكور والبناء المربع عن يساره وهي إلى
الجبل أقرب بقليل بحيث يكون الجبل قبالة
الواقف بيمين إذا استقبل القبلة ويكون طرف
الجبل قبالة وجهه والبناء المربع عن يساره
بقليل وراء. وقال إنه وافقه على ذلك من يعتمد
عليه من محدثي مكة وعلمائها حتى حصل الظن
بتعيينه انتهى. وقوله عن يساره أي يسار الجبل
وقوله بيمين أي في جهة يمين الواقف وقوله عن
يساره بقليل وراء أي عن يساره إلى جهة وراء
والبناء المربع الذي ذكره هو الذي يقال له بيت
آدم. قال الفاسي وكان سقاية للحاج أمرت بعملها
والدة المقتدر انتهى. قلت: والأئمة في هذا
الزمان لا يقفون في هذا الموضع وإنما يقفون
على موضع مرتفع في الجبل كما تقدم بيانه
وكأنهم فعلوا ذلك ليراهم الناس والله أعلم.
الثالث: نقل الأزرقي عن ابن عباس أن حد عرفة
من الجبل المشرف على بطن عرنة بالنون إلى جبال
عرفة إلى وصيق إلى ملتقى وصيق ووادي عرفة
بالفاء ووصيق بواو مفتوحة وصاد مهملة مكسورة
ومثناة تحتية ساكنة وقاف. قال الشيخ إبراهيم
بن هلال وعرفة كل سهل وجبل أقبل على الموقف
فيما بين التلعة إلى أن تفضي إلى طريق نعمان
وما أقبل من كبكب من عرفة انتهى. وأصله لابن
شعبان ونص كلامه في الزاهي ويقفون مستقبلي
القبلة عن يمين الإمام وشماله وأمامه وخلفه
وعرفه كلها موقف إلا بطن عرنة لأنه من الحرم.
وعرنة كل سهل وجبل أقبل على الموقف فيما بين
التلعة التي تفضي إلى طريق نعمان ملكا تفضي
إلى طريق حضن وما أقبل من كبكب من عرفات
انتهى. وذكر النووي وغيره في ذلك كلاما طويلا
وقد تقدم أن جبل الرحمة في وسط عرفة والناس
ينزلون حوله في قطعة من أرض عرفة وهي متسعة من
جميع الجهات والمحتاج إليه من حدودها ما يلي
الحرم للاختلاف فيه ولئلا يجاوزه الحاج قبل
الغروب وقد صار بذلك معروفا بالأعلام التي
بنيت وكانت ثلاثة فسقط منها واحد وبقي اثنان
مكتوب في أحدهما أنه لا يجوز لحاج بيت الله أن
يجاوز هذه الأعلام قبل غروب الشمس
(4/130)
...............................................
ـــــــ
الرابع: قال ابن جماعة الشافعي اشتهر عند كثير
من العوام ترجيح الوقوف على جبل الرحمة على
الوقوف على غيره أو أنه لا بد من الوقوف عليه
ويختلفون بذلك قبل وقت الوقوف ويوقدون الشمع
عليه ليلة عرفة ويهتمون باستصحابها من بلادهم
ويختلط الرجال بالنساء في الصعود والهبوط وذلك
خطأ وجهالة وابتداع قبيح حدث بعد انقراض السلف
الصالح نسأل الله إزالته وسائر البدع. وشذ بعض
أهل العلم من متأخري الشافعية فاستحب الوقوف
عليه وسماه جبل الدعاء وليس لذلك أصل انتهى.
قلت: ذكر المحب الطبري في القربى استحباب
طلوعه وعبر المصنف بالحضور لينبه على أن
المراد بالوقوف الكون بعرفة مع الطمأنينة على
أي وجه حصل ذلك بقيام أو جلوس أو اضطجاع ما
عدا المرور ففيه تفصيل يذكره المصنف. قال سند
ولا يشترط أحد في الوقوف قياما وإنما هو الكون
بعرفة فكيف ما كان أجزأه قائما كان أو جالسا
أو ماشيا أو راكبا وكيف ما تصور. وقال بعده
الواجب من الوقوف الكون بها على أي وجه كان
والمستحب أن يقف قائما إن كان ماشيا أو يركب
ناقته مستقبل القبلة انتهى. قال ابن عبد
السلام ليس المراد من لفظ الوقوف حقيقته وإنما
المراد منه الطمأنينة بعرفة سواء كان فيها
واقفا أو جالسا أو غير ذلك ما عدا المرور من
غير طمأنينة فهو المختلف فيه. وإنما كثر
استعمالهم الوقوف هنا لأنه أفضل الأحوال في حق
أكثر الناس والركوب لا يتأتى في حق الأكثر
انتهى. وقال في التوضيح المراد للوقوف بعرفة
الطمأنينة ولو جالسا انتهى. وقال ابن فرحون
ليس المراد بالوقوف القيام على الرجلين
فالراكب بغيره يسمى واقفا بل المراد الطمأنينة
بعرفة سواء كان فيها واقفا أو جالسا أو مضطجعا
ما عدا المرور من غير طمأنينة فهو المختلف فيه
انتهى. وقول المصنف "ولو مر إن نواه" أشار به
إلى الخلاف في إجزاء المرور بعرفة من غير
طمأنينة فمذكر أنه يجزئ إذا نوى به الوقوف
ويريد إذا عرفها بدليل قوله بعد هذا إلا
الجاهل. وما ذكره من إجزاء المرور إذا نوى به
الوقوف وهذا أحد الأقوال الأربعة وعزاه في
التوضيح لابن المواز وعزاه ابن عرفة للشيخ عن
ابن المواز ولابن محرز. وذكر في التوضيح عن
سند أنه شهر إجزاء المرور وإن لم يعرفها ولم
ينو الوقوف وهو ظاهر كلام سند. وقيل يجزئ
مروره إذا عرفها وإن لم ينو الوقوف وإنما يجزئ
المرور وإذا عرفها ونوى الوقوف وذكر الله وقيل
بالوقف ذكر هذه الأقوال الأربعة ابن عرفة.
تنبيهات: الأول: قال ابن عبد السلام وإذا قيل
إن المرور يجزئ فقال في كتاب محمد عليه دم
ونقله ابن فرحون
الثاني: فهم من كلام المصنف إن من وقف بعرفة
نهارا ولم يقف ليلا لم يجزه وهو مذهب مالك
وقال الشافعي وأبو حنيفة يجزئه وعليه دم قال
الجزولي في باب جمل من الفرائض وهي قوله عندنا
في المذهب وقال ابن عبد السلام أجمعوا على أن
من وقف ليلا يجزيه والحاصل أن زمن الوجوب موسع
وآخره طلوع الفجر واختلفوا في مبدئه فالجمهور
أن
(4/131)
أو بإغماء قبل
الزوال
ـــــــ
مبدأه من صلاة الظهر ومالك يقول من الغروب
ووافق الجمهور من أهل مذهبنا اللخمي وابن
العربي ومال إليه ابن عبد البر في ظاهر كلامه
واستقرأه اللخمي من مسائل وليس استقراؤه
بالبين فلذلك لم ننقله هنا نعم الحق والله
أعلم ما ذهب الجمهور إليه انتهى. وقال ابن
فرحون بعد أن ذكر كلام ابن عبد السلام ومالك
وأصحابه وأئمة المذهب أعلم بالسنة وبما ورد
منها وبما هو منها معمول به وجرى به عمل السلف
وفتاويهم والله أعلم. وقال الجزولي في كتاب
الحج يستحب أن يقوم بالناس الإمام المالكي
لأنه إذا كان غير المالكي يفسد على المالكيين
حجهم لأنه ينفر قبل الغروب وإن كان مالكيا لمن
ينفر إلا بعد الغروب. قلت: هذا ليس بلازم لأن
الأمة مجمعة على طلب الوقوف في جزء من الليل.
الثالث: لم يبين المصنف رحمه الله حكم الوقوف
نهارا وهو واجب لمن قدر عليه فمن تركه من غير
عذر لزمه دم ومحله من بعد الزوال ولو وقف بعد
الزوال ودفع قبل الغروب ثم ذكر فرجع ووقف قبل
الفجر أجزأه ولا هدي عليه. قال سند ومن دفع
بعد الغروب وقبل الإمام أجزأه والأفضل أن لا
يدفع قبل الإمام. قاله في المدونة نقله في
التوضيح.
الرابع: قال ابن بشير لو دفع من عرفة قبل
الغروب مغلوبا فهل يجزيه أو لا قولان. نفي
الإجزاء أصل المذهب وثبوته مراعاة للخلاف
ونقله التادلي وابن فرحون. والقول بالإجزاء
ليحيى بن عمر في أهل الموسم ينزل بهم ما نزل
بالناس سنة الغلو من هروبهم من عرفة قبل أن
يتموا الوقوف أنه يجزيهم ولا دم عليهم والله
أعلم.
الخامس: من دفع قبل الغروب ولم يخرج من عرفة
حتى غابت الشمس أجزأه وعليه هدي. قاله في
الموازية ونقله ابن يونس واللخمي وصاحب الطراز
وغيرهم. قال سند قال أصحابنا إنما وجب عليه
الهدي لأنه كان بنية الانصراف قبل الغروب.
قلت: فعلى هذا من دفع قبل الغروب من المحل
الذي يقف فيه الناس لأجل الزحمة ونيته أن
يتقدم للسعة ويقف حتى تغرب الشمس فلا يضره ذلك
والله أعلم.
السادس: إذا دفع من عرفة فليحذر أن يؤذي أحدا.
قال في الزاهي فإذا غربت الشمس دفع الإمام
ودفع الناس فليتق أن يؤذي أحدا وإن كان راكبا
فليمش العنق فإن وجد فجوة نص والنص فوق العنق
انتهى. ص: "أو بإغماء قبل الزوال" ش: يعني أن
من أغمي عليه قبل الزوال وكان أحرم قبل ذلك
بالحج فوقف به أصحابه فإنه يجزيه عند ابن
القاسم. قال سند لأن الإغماء لا يبطل الإحرام
وقد دخل في نية الإحرام. ونبه بقوله قبل
الزوال على أن الإغماء لو كان بعد الزوال
أجزأه من باب الأولى وهو كذلك ولا بد أن يقف
به أصحابه
(4/132)
أو أخطأ الجم
بعاشر فقط
ـــــــ
جزءا من الليل ولو دفعوا به قبل الغروب لم
يجزه عند مالك. قال في الطراز وهو ظاهر وهذا
قول مالك وهو مذهب المدونة وهو المشهور
ومقابله قولان أحدهما أنه إن أغمي عليه قبل
الزوال وإن أغمي عليه بعرفة بعد الزوال أجزأه
ذلك وإن كان ذلك قبل أن يقف ولو اتصل حتى دفع
به وليس عليه أن يقف ثانية إن أفاق في بقية
ليلته. وهذا قول مطرق وابن الماجشون. والقول
الثاني: أنه إن حصل الإغماء بعد أن أخذ في
الوقوف يعني بعد الزوال أجزأه وأما إن وقف به
مغمى عليه فلا يجزئه ولو كان ذلك بعد الزوال.
وعزاه اللخمي لمالك في مختصر ما ليس في
المختصر ولأشهب في المدونة وعزاه في الطراز
لمن ذكر ولابن نافع قال ابن عرفة وفي إجزاء من
وقف به مغمى عليه مطلقا أو إن أغمي عليه بعرفة
بعد الزوال ولو بعد وقوفه ثالثها إن أغمي عليه
بعدهما لها وللخمي عن رواية الأخوين وابن
شعبان مع أشهب انتهى. ونقل الأقوال الثلاثة
صاحب الطراز ونقلها في التوضيح وغيره.
فرع: إذا قلنا يجزئ المغمى عليه الوقوف ولو
كان قبل الزوال فنقل صاحب الطراز عن الموازية
أنه لا دم عليه والله أعلم.
فرع: قال سند ولو قدم عرفات وهو نائم في محمله
وأقام في نومه حتى دفع الناس وهم معهم أجزأه
وقوفه للمعنى الذي ذكرناه في المغمى عليه
انتهى ونقله الشارح في الكبير.
فرع: من شرب مسكرا حتى غاب عقله اختيارا أو
بشيء أكله من غير علم أو أطعمه أحد ما أسكره
وفاته الوقوف لم أر فيه نصا والظاهر أنه إن لم
يكن له في ذلك اختيار فهو كالمغمى عليه
والمجنون وإن كان باختياره فلا يجزئه كالجاهل
بل هو أولى والله أعلم. ص: "أو أخطأ الحج
بعاشر فقط" ش: يعني أنه إذا أخطأ جماعة أهل
الموسم وهو المراد بالحج فوقفوا في اليوم
العاشر فإن وقوفهم يجزئهم. واحترز بقوله "فقط"
مما إذا أخطأوا ووقفوا في الثامن فإن وقوفهم
لا يجزئهم وهذا هو المعروف من المذهب. وقيل
يجزيهم في الصورتين. وقيل لا يجزئ في
الصورتين. حكى الأقوال الثلاثة ابن الحاجب
وغيره وعلى التفرقة أكثر أهل العلم وهو قول
مالك والليث والأوزاعي وأبي حنيفة وأبي يوسف
ومحمد بن الحسن. والفرق بين الصورتين أن الذين
وقفوا يوم النحر فعلوا ما تعبدهم الله به على
لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم من إكمال
العدة دون اجتهاد بخلاف الذين وقفوا في الثامن
فإن ذلك باجتهادهم وقبولهم شهادة من لا يوثق
به
(4/133)
..............................
ـــــــ
تنبيهات: الأول: ما ذكرناه من الخلاف في
الصورتين هو طريقة أكثر الشيوخ وذهب ابن
الكاتب إلى أن المذهب متفق على الإجزاء في
العاشر.
الثاني: عزا ابن رشد في سماع يحيى القول بعدم
الإجزاء في الصورتين لابن القاسم قال لأن
اللخمي نقل عنه عدم الإجزاء إذا وقفوا في
العاشر فإذا لم يجزهم إذا أخروه فأحرى إذا
قدموه. ولم يعز القول بالإجزاء في الصورتين
إلا لأحد قولي الشافعي وعزا القول الثالث لمن
تقدم ذكره . وقال ابن عرفة وعزا ابن العربي
الإجزاء في الثامن لابن القاسم وسحنون
واختاره. قلت: وعليه فيجزئ في العاشر من باب
أحرى ويكون لابن القاسم في المسألة قولان بل
ثلاثة فإنه ذكر في سماع يحيى أنه يجزئ في
العاشر دون الثامن. وعزا ابن عرفة هذه المسألة
لسماع أصبغ وإنما هي في سماع يحيى بل ليس
لأصبغ في كتاب الحج سماع.
الثالث: إذا قلنا بالإجزاء في العاشر فقال في
سماع يحيى يمضون على عملهم وإن تبين لهم ذلك
وثبت عندهم في بقية يومهم ذلك أو بعدهم
وينحرون من الغدو يتأخر عمل الحج كله الباقي
عليهم يوما ولا ينبغي لهم أن يتركوا الوقوف من
أجل أنه يوم النحر ولا رأى أن ينقصوا من رمي
الجمار الثلاثة الأيام بعد يوم النحر ويكون
حالهم في شأنهم كله كحال من لم يخطئ انتهى.
وقال في التوضيح نص مالك في العتبية على أنه
إذا كان وقوفهم يوم النحر مضوا على عملهم
ويتأخر عمل الحج كله الباقي عليهم يوما انتهى.
قلت: وما ذكره في سماع يحيى من أنهم يمضون على
علمهم سواء ثبت عندهم أنه العاشر في بقية
يومهم أو بعده قبله ابن رشد وغيره وهو الظاهر
وذكر صاحب الطراز أنه إذا ثبت عندهم أنه
العاشر قبل أن يقفوا لم يقفوا فإن كان مراده
أنه ثبت عندهم قبل أن يمضي وقت الوقوف من ليلة
العاشر في نفس الأمر بحيث إنه يمكنهم الذهاب
إلى عرفة والوقوف بها قبل الفجر فما قاله
ظاهر. وإن كان مراده أنه ثبت عندهم بعد أن
يمضي وقت الوقوف من ليلة العاشر فما قاله غير
ظاهر وهو مخالف لما نص عليه مالك في العتبية
والصواب ما تقدم والله أعلم.
الرابع: الخلاف في إجزاء الوقوف في الثامن
إنما هو إذ لم يعلموا بذلك حتى فات الوقوف.
قال في البيان ولا خلاف أن وقوفهم لا يجزئهم
إذا علموا بذلك قبل أن يفوتهم الوقوف انتهى.
الخامس: احترز المصنف بقوله أخطأ الجم مما إذا
أخطأ واحد أو جماعة فلم يأتوه إلا بعد أن وقف
الناس فإن الحج فإنهم ويتحللون بأفعال عمرة
وذكره في التوضيح.
السادس: قال سند إذا شهد واحد أو جماعة ورد
الحاكم شهادتهم لزمهم الوقوف لرؤيتهم كما قلنا
في الصوم وهذا قول الجمهور. وحكي عن محمد بن
الحسن لا يجزئه ويقف مع الناس يوم العاشر
انتهى. ونقله في التوضيح بلفظ وقال محمد ابن
الحسن لا يجزئه
(4/134)
لا الجاهل كبطن
عرنة
ـــــــ
حتى يقف مع الناس وظاهره أنه يقف على رؤيته
ومع الناس. وقال الشيخ زروق في شرح الإرشاد
ومن رأى هلال ذي الحجة وحده وقف وحده كأن لم
يقبل فيه وفي الصوم سواء. وقال أصبغ يقف
لرؤيته ويعيد الوقوف من الغد مع الناس انتهى.
وقال في البيان في سماع ابن أبي زيد من كتاب
الصيام وكذلك إن رأى هلال ذي الحجة وحده يجب
عليه أن يقف وحده دون الناس ويجزئه ذلك من
حجه. قاله بعض المتأخرين وهو الصحيح انتهى.
قال في التوضيح في كتاب الصيام بعد أن ذكر
كلام ابن رشد ولعل بعض المتأخرين المشار إليه
هو أبو عمران لكنه زاد ثم يعيد الوقوف مع
الناس. قيل له فإن خاف من الانفراد قال هذا لا
يكاد ينزل ولم يقل شيئا. عبد الحق ويحتمل أن
يقال يكون كالمحصر بعد ويحل ثم ينشىء الحج من
مكة مع الناس ويحج معهم على رؤيتهم احتياطا
واستحسانا انتهى. قلت: ما حكاه عن أبي عمران
خلاف ما قاله ابن رشد وصاحب الطراز فإن ظاهر
كلامهما أنه لا يعمل إلا على رؤيته فتأمله
والله أعلم. ص: "لا الجاهل" ش: يعني أن من مر
بعرفة جاهلا بها فإنه لا يجزئه ذلك ولا يصح
وقوفه إذا لم يعرفها لعدم استشعار القربة.
وهذا القول عزاه في التوضيح لمحمد وكذلك عزاه
له غيره وعزاه ابن الحاجب لابن القاسم. وقال
المصنف في مناسكه إنه المشهور. وذكر في
التوضيح عن صاحب الطراز أنه قال الأشهر
الإجزاء لأن تخصيص أركان الحج بالنية ليس
شرطا. قلت: لم يصرح صاحب الطراز بأنه الأشهر
وإنما قال بعد أن ذكر عن ابن المنذر أنه حكى
عن مالك الإجزاء وهو أبين. فإن قيل ما الفرق
بين الجاهل والمغمى عليه فالجواب والله أعلم
أن الجاهل معه ضرب من التفريط والمغمى عليه
معذور ولأن الإغماء أمر غالب بل تقدم في كلام
صاحب الطراز أن النائم يجزئه وجعل النوم عذرا
لأنه أمر غالب والله أعلم. ص: "كبطن عرنة" ش:
عرنة بضم العين المهملة وفتح الراء وبعد الراء
نون وقال عياض وغيره بضم العين والراء قال في
التوضيح والصواب الأول وحكى ابن عبد السلام
فيها ضم العين وسكون الراء قال شيخ شيوخنا
القاضي تقي الدين الفاسي في تاريخه وعرنة التي
يجتنب الحاج الوقوف فيه هي واد بين العلمين
اللذين هما على حد عرفة والعلمين اللذين هما
على حد الحرم فليست من عرفة ولا من الحرم وحكى
ابن حبيب أنها من الحرم قال الشيخ تقي الدين
وذلك لا يصح على ما ذكر المحب الطبري في
القربى وذكر أنها عند مالك من عرفة وحكاه ابن
المنذر عن مالك وفي صحة ذلك عنه نظر على مقتضى
ما ذكره الفقهاء المالكية في كتبهم لأنه توقف
في إجزاء الوقوف بمسجد عرفة مع كونه مختلفا
فيه هل هو من عرفة أو من عرنة ولعل ما حكاه
ابن المنذر عن مالك رواية غير الرواية
المشهورة في.
(4/135)
وأجزأ بمسجدها
بكره
ـــــــ
المذهب والله أعلم انتهى كلامه. وما ذكره من
التنظير في كلام ابن المنذر سبقه إليه صاحب
الاستظهار في مسائل الخلاف ونصه والذي حكى ابن
المنذر وغيره عن مالك ليس هو المشهور في كتب
المغاربة فيمن وقف بمسجد عرفة ثم ذكر توقف
مالك فيمن وقف فيه ثم قال فهذا الاختلاف في
مسجد عرفة الذي قيل فيه إنه خارج من بطن عرنة
انتهى. فتحصل في بطن عرنة ثلاثة أقوال الصحيح
أنه ليس من عرفة ولا من الحرم وللخلاف فيها
وقع الخلاف في إجزاء الوقوف بها. ومعنى كلام
المصنف إن من وقف في بطن عرنة لا يصح وقوفه
بها ولا يجزئه قال المصنف في مناسكه على
المعروف ومقابله. قال في التوضيح حكاه ابن
المنذر عن مالك أنه قال فيمن وقف في بطن عرنة
حجه تام وعليه دم. قال ونحوه في الجلاب لأنه
قال ويكره الوقوف به ومن وقف به أجزأه قال
وبطن عرنة هو المسجد انتهى.
قلت: فعلى هذا لا يكون ما قاله ابن الجلاب
موافقا لما حكاه ابن المنذر لأن ابن الجلاب
فسر بطن عرنة بالمسجد. وقد حكى سند الاتفاق
على أن بطن عرنة ليس من عرفة ولا يجزئ الوقوف
به. قال واختلفوا في مسجد عرفة. وحكى ابن عرفة
في الوقوف ببطن عرنة ثلاثة أقوال عدم الإجزاء
وعزاه لنقل ابن شاس على المذهب وظاهر الروايات
والإجزاء مع الدم وعزاه لأبي عمر عن رواية
خالد بن مروان أبي مصعب مع لفظ الجلاب عن بعض
شيوخنا والثالث: الكراهة وعزاه لظاهر نقل ابن
الجلاب عن المذهب. قلت: تقدم في كلام ابن
الجلاب أنه فسر بطن عرنة بالمسجد فلا يعد
ثالثا وما حكاه ابن عرفة عنه في القول الثاني:
لم أقف عليه فيه. ص: "وأجزأ بمسجدها بكره" ش:
يعني أن من وقف بمسجد عرفة فإنه يجزئه وقوفه
مع الكراهة وكان المصنف أخذها مما تقدم عن
الجلاب. والذي نقله في التوضيح والمناسك ونقله
ابن عرفة وغيره أن مالكا وقف في إجزاء الوقوف
به وكذلك ابن عبد الحكم وقال محمد وابن مزين
بالإجزاء وقال أصبغ بعدم الإجزاء فيكون ما
حكاه المصنف رابعا وهو صحيح على ما حكاه ابن
الجلاب عن المذهب.
تنبيه: قال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب فيمن
وقف بالمسجد أن ابن المنذر حكى عن مالك أنه
يجزئه ويريق دما انتهى. قلت: ولم يذكر صاحب
الطراز ولا المصنف وابن عرفة وجوب الدم في
القول بالإجزاء في مسجد عرفة فيكون ما حكاه
ابن فرحون قولا خامسا. فيتحصل في الوقوف بمسجد
عرفة خمسة أقوال الإجزاء وعدمه والإجزاء مع
الدم على ما حكاه ابن فرحون والوقف والإجزاء
مع الكراهة على ما حكاه المصنف هنا والله
أعلم. ص:
(4/136)
وصلى ولو فات
ـــــــ
"وصلى ولو فات" ش: يعني أن من جاء إلى عرفة
فذكر صلاة منسية إن اشتغل بها فاته الوقوف
بعرفة وإن ذهب للوقوف لم يمكنه فعل الصلاة.
فقال المصنف في التوضيح المشهور من المذهب
تقدم الصلاة لعظم أمرها في الشرع واستحقاقها
للوقت بالذكر. وقال محمد إن كان قريبا من عرفة
مضى إليها ووقف وإن كان بعيدا فيصلي وإن فاته
الحج لحصول الشك في إدراك عرفة. وقال ابن عبد
الحكم إن كان من أهل مكة وما حولها فيصلي وإن
كان آفاقيا فيمضي لعرفة. وقال اللخمي تقدم
عرفة مطلقا لما في فوات الحج من المشاق. وقال
عبد الحميد يصلي إيماء كالمسايف. انتهى
مختصرا.
تنبيهات: الأول: لم أر من شهر القول بتقديم
الصلاة مع فرض المسألة في منسية فاتته بل ولا
من ذكره وإنما ذكره من فرض المسألة في الحاضرة
كما سيأتي في التنبيه الثاني إلا ما يأتي في
كلام بعض المتأخرين الذين جمعوا بين نقول
المتقدمين ولم يذكر صاحب الطراز وابن يونس إلا
قول ابن المواز وابن عبد الحكم مع أن عبارتهما
محتملة لفرض المسألة في المنسية والحاضرة ولكن
ظاهر عبارتهما أنها منسية ولفظهما سواء ونصه
قال ابن المواز من أتى قرب الفجر وقد نسي صلاة
فلو صلاها لطلع الفجر وفاته الحج فإن كان
قريبا من جبال عرفة وقف وصلى وإن كان بعيدا
بدأ بالصلاة وإن فاته الحج. وقال ابن عبد
الحكم إن كان من أهل مكة وما حولها بدأ
بالصلاة وإن كان من أهل الآفاق مشى إلى عرفات
فوقف وصلى انتهى. وذكر اللخمي هذين القولين
واختار تقديم الوقوف مطلقا وكذلك صاحب الطراز
وسيأتي لفظهما انتهى.
فإن قلت: قد نقل القرافي في الذخيرة تقديم
الصلاة مع أنه لم يصرح بفرض المسألة في الصلاة
الحاضرة. قلت: إذا تأملت كلامه في الذخيرة لم
تجد فيه تعريضا للقول بتقديم الصلاة فإنه قال
ومن أتى قبل الفجر وعليه صلاة إن اشتغل بها
طلع الفجر ثم ذكر قول ابن المواز وابن عبد
الحكم واختيار اللخمي ثم قال قاعدة المضيق في
الشرع مقدم على ما وسع في تأخيره وما وسع فيه
في زمان محصور كالصلاة مقدم على ما غياه
بالعمر كالكفارات وما رتب على تاركه القتل على
ما ليس كذلك فتقدم الصلاة على الحج إجماعا غير
أن فضل الصلاة قد عرض هاهنا بالدخول في الحج
وما في فواته من المشاق فأمكن أن يلاحظ ذلك
انتهى.
فليس في كلامه تعرض للقول بتقديم الصلاة وإنما
ذكر أن الصلاة من حيث هي مقدمة على الحج
إجماعا للأمور التي ذكرها فتأمله. نعم ذكر في
قواعده القول بتقديم الصلاة لكنه
(4/137)
..............................
ـــــــ
فرض المسألة في الصلاة الحاضرة كما سيأتي لفظه
ولم يذكر ابن الحاجب إلا قولي ابن المواز وابن
عبد الحكم وقول الشيخ عبد الحميد أنه يصلي
إيماء كالمسايف وظاهر كلامه أنه فرض المسألة
في الفائتة كما قال ابن عبد السلام والمصنف
وغيرهما فإنه قال فذكر صلاة وذكر ابن عرفة
قولي ابن المواز وابن عبد الحكم والشيخ عبد
الحميد واختيار اللخمي وفرض المسألة في
المنسية ولم يذكر القول بتقديم الصلاة مع أنه
قال في آخر كلامه وفرضها ابن بشير في ذاكر
العشاء.
الثاني: قال ابن عبد السلام ظاهر كلام ابن
الحاجب وغيره واحد أنها صلاة منسية خرج وقتها
الاختياري والضروري وفرض ابن بشير المسألة
فيمن ذكر صلاة العشاء من تلك الليلة ثم قال
وحكى ابن بشير قولا آخر لم يسلم قائله على
عادته فيما يحكيه من الأقوال وهو تقديم الصلاة
لعظم قدرها في الشرع ولاستحقاقها الوقت يعني
أن الصلاة والحج وإن كان كل واحد منهما من
أركان الإسلام إلا أن تقديم الصلاة على الحج
معلوم قطعا فإذا رجح الجنس على الجنس وجب مثله
في الشخص على الشخص. وأما قوله "ولاستحقاقها
الوقت" فهو جيد لكن على فرضه المسألة فيمن ذكر
صلاة العشاء من تلك الليلة وأما على ما قلنا
إنه ظاهر كلام المؤلف وغيره إنها مفروضة في حق
من تذكر فائتة قد خرج وقتها ففي استحقاقها هذا
الوقت نظر وهو محل النزاع وبالجملة إن هذا
القول وقول الشيخ عبد الحميد إنما يظهران على
طريق ابن بشير في فرض المسألة إذ يبعد في حق
المسايف المتذكر في تلك الحال منسية أن يصليها
على حاله وإن كان الأمر بها على الفور وقد
اختلف الناس في الوقتية في تلك الحال بما هو
مذكور في غير هذا الموضع انتهى.
قلت: ظاهر كلامه أنه لم يقف على القول بتقديم
الصلاة مع فرض المسألة في الصلاة الحاضرة إلا
في كلام ابن بشير وقد ذكر ابن رشد والقرافي
والشيخ أبو عبد الله بن الحاج في المدخل وقال
إنه المشهور. قال ابن رشد في شرح المسألة
السادسة من سماع موسى بن معاوية من كتاب
الصلاة لما ذكر مسألة من انفلتت دابته وهو في
الصلاة وكان في ضيق من الوقت قال فإنه يتمادى
في صلاته. قال وإن ذهبت دابته ما لم يكن في
مفازة ويخاف على نفسه إن ترك دابته حتى يصلي
على ما قالوا في الحاج يصل إلى عرفة قرب الفجر
ولم يصل المغرب والعشاء وهو إن مضى إلى عرفات
وترك الصلاة أدرك الوقوف وإن صلى فاته الوقوف
والحج في ذلك العام وأنه يبدأ بالصلاة وإن
فاته لأنه قد يلزمه من النفقة والمؤنة في الحج
عاما قابلا أكثر من قديمة الدابة أضعافا. وهذا
على القول بأن الحج على التراخي وأما على
القول بأنه على الفور فهما فرضان وقد تزاحما
في وقت واحد فالبداءة بالوقوف أولى لأن تأخير
الصلاة التي يقضيها بالقرب أولى من تأخير الحج
الذي لا يقضيه إلا إلى عام آخر ولعل المنية
تخترمه دون ذلك. انتهى كلام ابن رشد.
(4/138)
.................................
ـــــــ
وقال القرافي في الفرق التاسع بعد المائة في
بيان الواجبات لحقوق التي تقدم على الحج ما
نصه وكذلك يقدم ركعة من العشاء على الحج إذا
لم يبق قبل الفجر إلا مقدار ركعة للعشاء أو
الوقوف. قال أصحابنا يفوت. وللشافعية أقوال
يقدم الحج لعظم المشقة. وقيل يصلي وهو يمشي
كصلاة المسايفة. والحق هو مذهب مالك رحمه الله
أن الصلاة أفضل وهي فورية إجماعا انتهى. وقبله
ابن الشاط. وقال الشيخ أبو عبد الله بن الحاج
في المدخل وقد اختلف علماؤنا في الحاج يأتي
مراهقا ليلة التحرير يريد أن يدرك الوقوف
بعرفة قبل طلوع الفجر ثم يذكر أنه لم يصل صلاة
العشاء فإن اشتغل بالصلاة فات الوقوف وإن وقف
خرج وقت العشاء على أربعة أقوال قول يصلي
ويفوت الحج والثاني عكسه والثالث: يفرق بين أن
يكون حجازيا فيقدم الصلاة أو آفاقيا فيقدم
الوقوف والرابع يصلي كصلاة المسايف والمشهور
الأول انتهى. وحكى ابن بشير ثلاثة أقوال القول
بتقديم الصلاة وقول ابن عبد الحكم وقول الشيخ
عبد الحميد. واعترض عليه بما سيأتي ذكره إن
شاء الله قريبا ولم يشهر شيئا منها إلا أنه
قدم القول بتقديم الصلاة. وفرض ابن معلى
لمسألة فيمن نسي صلاة وذكر قول ابن المواز
وابن عبد الحكم وعبد الحميد ثم ذكر كلام
القرافي في قواعده وفي هذا تخليط لأن القرافي
إنما قاله في الصلاة الحاضرة وكذلك التادلي
ذكر كلام الذخيرة أولا ثم ذكر كلام ابن بشير
والتحرير ما ذكرناه فتأمله.
الثالث: إذا علمت ذلك فلا ينبغي أن يحمل قول
المصنف وصلى ولو فات على ظاهره وأنه يقدم
الصلاة على الحج مطلقا ولو كانت منسية خرج
وقتها على الحج كما قد يتبادر من كلام الشارح
لأن هذا القول لم نقف عليه بل الكلام في تقديم
الصلاة إذا كانت حاضرة فقد اختار اللخمي تقديم
الوقوف مطلقا. وقال صاحب الطراز الوجه عندي أن
يشتغل بالحج لأنه قد تعين بالإحرام وهو يفوت
فعله والصلاة وقت قضائها متسع ولو كانت صلاة
تلك الليلة لم يبعد أن يقول الحج المتعين أولى
به ألا ترى أنه يؤخر المغرب ويعجل العصر مع
الإمكان إظهارا لمزيته وتنبيها على رتبته دون
رتبة الصلاة ولما في قضائه من كبير المضرة حتى
راعى ذلك جمهور العلماء إذا غم الهلال فوقف
الناس يوم النحر وقالوا يجزيهم وإن لم يكن يوم
عرفة انتهى. وتقدم في كلام ابن رشد أنه إنما
تقدم الصلاة على القول بالتراخي وأما على
القول بالفور فهما فرضان تزاحما في وقت واحد
إلى آخر كلامه.
قلت: وقوله "أنهما فرضان تزاحما" ظاهر وقوله
"إن ذلك إنما يأتي على القول بالفور" غير ظاهر
لأن الفور والتراخي إنما ينظر فيه قبل الدخول
في الإحرام أما بعد الدخول في الإحرام فقد صار
إتمامه فرضا على الفور إجماعا بل لو كان تطوعا
وجب عليه إتمامه على الفور ولو أفسده وجب
قضاؤه على الفور فالوقت مستحق للحج والصلاة
معا. وقول ابن بشير في توجيه تقديم الصلاة
ولاستحقاقها الوقت وقول ابن عبد السلام إنه
جيد على فرض المسألة
(4/139)
..............................
ـــــــ
في الحاضرة غير مسلم أيضا لما ذكرنا وقول
القرافي المضيق في الشرع مقدم على ما وسع فيه
والموسع فيه في زمان محصور كالصلاة مقدم على
ما غياه بالعمر كالكفارات وما رتب على تاركه
القتل مقدم على ما ليس كذلك ليس في الصلاة في
الصورة المفروضة ما يقتضي تقديمها على الحج
إلا كونها ترتب على تاركها القتل وأما ما قبل
ذلك فإن الحج يشاركها فيه لأنه قد استحق ذلك
الوقت وصار مضيقا بحيث لا يجوز فيه الاشتغال
بغيره والصلاة الحاضرة تشاركه في ذلك لكن
يترجح تقديم الحج بأن الشرع يراعي ارتكاب أخف
الضررين وبأن ما يترتب في الذمة ولا يمكن
الخلاص منه إلا بعذر من بعيد ينبغي أن يقدم
على ما يمكن قضاؤه بسرعة كما قاله ابن رشد.
ويرجح أيضا تقديم الحج أن القرافي قرر في
الفرق المذكور أن صون الأموال يقدم على
العبادات فيقدم صون المال في شراء الماء
للوضوء والغسل إذا رفع في ثمنه على العادة على
فعلهما ويقدم إسقاط وجوب الحج إذا خيف على
النفس أو المال على إيجاب فعله. ولا شك أن في
تفويته إتلافا للمال المصروف في القضاء وفي
الخلاف على النفس كما سيأتي في كلام ابن عبد
السلام في التنبيه الذي بعد هذا وهو الذي يؤخذ
من كلام المتقدمين فإن كلام ابن المواز وابن
عبد الحكم الذي نقله صاحب النوادر وابن يونس
شامل للفائتة والحاضرة وكل واحد منهما قدم
الحج عند تحقق المزاحمة ووجود الضرورة أعني
المشقة المترتبة على القضاء. ورأى ابن المواز
أن مع البعد لا تتحقق المزاحمة لحصول الشك في
الإدراك ورأى ابن عبد الحكم أن المرجح إنما هي
الضرورة وهي إنما تحقق في الآفاقي وغيره يرجح
التقديم بغيرها مما تقدم ذكره من براءة الذمة
بوجود مطلق الضرورة فتأمله والله أعلم.
الرابع: اعترض ابن بشير على الشيخ عبد الحميد
في قوله "تصلى كصلاة المسايف" بأنه قياس مع
عدم تحقق وجود الجامع لأن المشقة في الأصل خوف
إتلاف النفس وفي الفرع خوف إتلاف المال وبأنه
قياس على الرخص. وأجاب ابن عبد السلام عن
الأول بأن الأسفار الشاقة مع بعد المسافة يخشى
معها على النفس مع ضميمة إتلاف المال ففي
الفرع ما في الأصل وزيادة فيعود إلى قياس
الأحرى وعن الثاني بأن القياس على الرخص
المختلف في قبوله إنما هو إذا كان الأصل
المقيس عليه منصوصا عليه في الشريعة أما إذا
كان اجتهاديا فلا نسلم انتهى.
قلت: وذكر ابن عرفة اعتراض ابن بشير ولم يرده
ولا ذكر أنها تصلى عند الخوف على المال ولا
ذكر كلام ابن عبد السلام وهذا تسليم منهم أن
صلاة المسايفة إنما تصلى عند الخوف عن النفس.
والذي يفهم من كلامهم في كتاب الصلاة أنها
تصلى عند الخوف على المال لأنهم قالوا إنها
تصلى عند الخوف من اللصوص واللص إنما يطلب
المال غالبا والله أعلم.
الخامس: تقدم أن اللخمي قال يقدم الحج ولا بأس
بذكر كلامه كما تقدم الوعد به
(4/140)
والسنة غسل
متصل ولا دم
ـــــــ
للتنبيه: على ما فيه قال بعد أن ذكر قولي ابن
المواز وابن عبد الحكم وأرى إن ذكر وقد دخل
أوائل عرفة بدأ بالصلاة وأجزأه عن الوقوف على
القول بإجزاء المرور وعلى مقابله يختلف بأي
ذلك يبدأ وأرى أن يبدأ بالوقوف لأنه قد تزاحم
الفرضان فيبدأ بما يدركه بتأخيره ضرر وهو الحج
ولأنه قادر على أن يأتي بها بفور الوقوف فكان
ذلك أولى من تأخيره قربة لا يقدر على أن يوفي
بها إلا لعام ومثله لو ذكر الصلاة قبل أن يبلغ
عرفة وكان متى اشتغل بها فاته الوقوف فإنه
يتمادى ويقف ثم يقضي الصلاة وعلى القول الآخر
يعني القول بإجزاء المرور يتمادى فإذا دخل أول
عرفة صلى وأجزأه عن الوقوف. انتهى أكثره
باللفظ. قلت: وكلامه يقتضي أنه لا يحصل الوقوف
بمكثه بعرفة في الصلاة إلا على القول بإجزاء
المرور وليس ذلك بظاهر لما تقدم في كلام صاحب
الطراز وابن فرحون وغيرهما أن المراد بالوقوف
الكون بعرفة الاستقرار على أي حالة ما عدا
المرور فإنه هو المختلف فيه. وقال ابن عبد
السلام بعد أن ذكر كلام اللخمي وعندي أنه لا
يبعد في حق هذا أن يصلي وينوي مع الصلاة هناك
الوقوف فيسقط الفرضان معا بفعل الصلاة
المستلزم للوقوف بعرفة انتهى.
قلت: وهذا ظاهر لا ينبغي أن يشك فيه أعني كون
الوقوف يحصل بمكثه في الصلاة إذ لا يشترط في
الوقوف عدم تحريك الأعضاء وإنما يشترط
الاستقرار في محل واحد وعدم المشي عند من يقول
بعدم إجزاء المرور وهو خلاف ما رجحه المصنف.
السادس: يستفاد من كلام اللخمي وابن عبد
السلام أن من دخل عرفة قبل الفجر واستقر بها
ثم طلع الفجر عليه بها قبل خروجه منها أجزأه
الوقوف وصح حجه ولا يشترط في صحة الحج خروجه
من عرفة قبل الفجر لأن اللخمي فرض المسألة
فيمن إذا اشتغل بالصلاة فاته الوقوف وطلع
الفجر وقال إنه إذا وصل إلى عرفة يصليها ويحصل
له الوقوف وهو ظاهر ولم أقف على خلافه إلا ما
ذكره ابن جزي في قوانينه ونصه الثالث من
الأمور التي يفوت بها الحج من أقام بعرفة حتى
طلع الفجر من يوم النحر سواء كان وقف بها أو
لم يقف انتهى. ولم أقف عليه لغيره وظاهر نصوص
أهل المذهب أن من أدرك الوقوف بعرفة في جزء من
ليلة النحر فقد أدرك الحج ولو طلع عليه الفجر
وهو بها. وكلام صاحب الطراز كالنص في ذلك ونصه
في أوائل كتاب الحج الثاني ومن أدرك قبل فجر
يوم النحر أن يقف بأدنى موضع من عرفة أجزأه
عند الكافة وقد مر الحديث فيه. قال عطاء عن
ابن عباس من أدرك أن يقف على أول جبل من جبال
عرفة مما يلي مكة إلى عرفة قبل الفجر فقد أدرك
انتهى. ص: "والسنة غسل متصل ولا دم" ش: لما
فرغ من بيان أركان الحج والعمرة شرع يذكر
السنن والمستحبات
(4/141)
....................................
ـــــــ
المتعلقة بكل ركن فبدأ بسنن الإحرام فقال
والسنة غسل متصل. فالسنة في الإحرام سواء كان
بحج أو بعمرة أو بقران أو بإطلاق أو بما أحرم
به زيد أن يكون عقب غسل متصل به. قال سند
ويؤمر به كل مريد الإحرام من رجل أو امرأة من
صغير أو كبير أو حائض أو نفساء فإن لم يحضر
الماء سقط الغسل ولا يتيمم مكانه. نعم إذا كان
محدثا وأراد الركوع للإحرام فإنه يتيمم لذلك
وإن لحقته ضرورة من الغسل مثل قلة ماء أو ضيق
وقت أو لسير رفقة أو خوف كشف للمرأة وشبه ذلك
انتهى. وقال ابن فرحون في شرحه أو خوف كشف ولم
يقل للمرأة وهو أولى فإنه سقط بخوف كشف العورة
مطلقا. قال في التوضيح قال ابن المواز وليس في
تركه عمدا ولا نسيانا دم وهذا معنى قول المصنف
"ولا دم". قال سحنون ولكن أساء. وقال التادلي
في مناسكه قال ابن زرقون في كتاب الأنوار له
قال أبو عمران قال ابن المعدل عن عبد الملك هو
لازم إلا أنه ليس في تركه نسيانا أو عامدا دم
ولا فدية فقد صرح في هذه الرواية عن عبد الملك
بمساواة العامد والناسي. وقال ابن يونس قال
سحنون من ترك الغسل وتوضأ فقد أساء ولا شيء
عليه وكذلك إن ترك الغسل والوضوء انتهى.
فرع: فإن أحرم من غير غسل فإن بعد تمادى وإن
قرب فهل يؤمر بالغسل قولان ذكرهما صاحب الطراز
وابن بشير وابن فرحون وغيرهم. قال عبد الحق في
النكت قال أبو محمد قال ابن الماجشون في كتابه
ومن ركع للإحرام وسار ميلا قبل أن يهل بالحج
ونسي الغسل فليغتسل ثم يركع ثم يهل وإذا ذكره
بعده أن أهل تمادى ولا غسل عليه انتهى. وقوله
"متصل" أي بالإحرام. فلو اغتسل في أول النهار
وأحرم عشيته لم يجزه الغسل. قاله في المدونة.
وكذا لو اغتسل غدوة وأخر الإحرام إلى الظهر لم
يجزه كما سيأتي بيانه في التنبيه الثاني من
القولة التي بعد هذه والله أعلم.
تنبيه: تقدم عند قول المصنف "وإن لحيض رجي
رفعه" عن سند وغيره حكم ما إذا أرادت الحائض
والنفساء تأخير الإحرام حتى تطهر.
فرع: فإن كان من يريد الإحرام جنبا فقال سند
يغتسل لجنابته وإحرامه. وهل يكون غسلا واحدا
يجري ذلك على حكم الجنابة والجمعة على ما مر
انتهى. قال التادلي واغتساله لجنابته وإحرامه
غسلا واحدا يجزئ انتهى.
(4/142)
وندب بالمدينة
للحليفي
ـــــــ
فرع: قال في التوضيح لما تكلم على سنن الإحرام
إثر الكلام على الغسل قال ابن بشير استحب بعض
أهل المذهب أن يقلم أظفاره ويزيل ما على بدنه
من الشعر الذي يؤمر بإزالته لا شعر رأسه فإن
الأفضل بقاؤه طلبا للشعث في الحج وأن يلبده
بصمغ أو غاسول فهو أفضل ليقتل دوابه انتهى.
وظاهر كلام مالك في الموازية وكلام غيره إباحة
التلبيد لا استحبابه بقولهم لا بأس انتهى.
وقوله "ليقتل دوابه" عبر عنه في مناسكه بلفظ
مرادف لهذا اللفظ فقال وتموت دوابه. وهو مشكل
وسيأتي وجه إشكاله. وما ذكره المصنف في توضيحه
ومناسكه مخالف لابن بشير والذي فيه لتقل دوابه
مضارع قل الشيء يقل من القلة ضد الكثرة. وكذا
هو في النوادر والطراز ولولا ما صرح به في
مناسكه من قوله "وتموت دوابه" لأمكن أن يقال
صحف الكاتب قوله "لتقل" بلفظ "ليقتل" وإشكاله
من وجهين أحدهما أنه يصير حاملا لنجاسة أو
شاكا في حملها والثاني أن التلبيد لا يقتل
القمل في ساعته وإنما يقتله بعد الإحرام ومن
قتل القمل بعد الإحرام فإن كان كثيرا لزمه
الفدية وإن كان قليلا لزمه الإطعام. ص: "وندب
بالمدينة للحليفي" ش: يعني أن من كان يريد
الإحرام من ذي الحليفة سواء كان ممن يلزمه ذلك
أو من يستحب له الإحرام منه فإنه إذا أراد
الإحرام من ذي الحليفة فيستحب له أن يغتسل
بالمدينة وهو قول عبد الملك بن الماجشون وابن
حبيب وسحنون. وقال عياض إنه ظاهر المذهب وإن
ابن الماجشون وسحنون فسرا به المذهب فاعتمده
المصنف هنا. وحمل بعضهم المدونة على أن الغسل
بالمدينة جائز وليس بمستحب وسيأتي لفظه في
التنبيه الثاني. بل قال أبو الحسن ظاهر قوله
في المدونة إجزاء غسله أن المطلوب الغسل بذي
الحليفة وهو ظاهر كلام صاحب الطراز.
تنبيهات: الأول: الغسل بالمدينة إنما يندب أو
يرخص فيه لمن يغتسل بها ثم يذهب إلى ذي
الحليفة فيحرم بها من فوره أو يقيم بها قليلا
بحيث لا يحصل بين الغسل والإحرام تفريق كثير
فأما من يقيم بذي الحليفة يوما أو ليلة فهذا
لا يطلب بالغسل من المدينة على القول
باستحبابه ولا يرخص له فيه على القول بجوازه
كما بينت ذلك في شرح المناسك.
الثاني: من اغتسل بالمدينة فيراعى في حقه
اتصال غسله بخروجه فإن لم يخرج من فوره وطال
تأخره لم يجزه الغسل وإن تأخر ساعة من نهار
لشغل خف كشد رحله وإصلاح بعض جهازه أجزأه قال
في الأم ومن اغتسل بالمدينة وهو يريد الإحرام
ثم مضى من فوره إلى ذي الحليفة فأحرم أجزأه
غسله وإن اغتسل بها غدوة ثم أقام إلى العشاء
ثم راح إلى ذي الحليفة فأحرم لم يجزه الغسل
وإنما يجوز الغسل بالمدينة لرجل يغتسل ثم يركب
من فوره انتهى. قال سند إثر كلام المدونة نعم
لو اشتغل بعد غسله في شد رحله وإصلاح بعض
جهازه ساعة من نهار كان خفيفا انتهى. وقال في
التوضيح وفي الموازية إن اغتسل غدوة وتأخر
(4/143)
ولدخول غير
حائض مكة بطوى وللوقوف
ـــــــ
خروجه للظهر كرهته وهذا طويل قال بعضهم وظاهره
أنه يجتزئ به. قال وهو خلاف المدونة وكأنهم
راعوا هنا الاتصال كغسل الجمعة انتهى. وما
ذكره عن بعضهم أن ظاهر كلام محمد أنه يجزئه
ذكره ابن عبد السلام ولم يذكره ابن يونس وصاحب
الطراز وأبو الحسن وابن عرفة وفي كلام محمد ما
يقتضي عدم الإجزاء لأنه قال بعد قوله كرهته
وهذا طويل فقوله وهذا طويل يقتضي أنه لا يجزئه
وهكذا نقله ابن يونس وصاحب الطراز وأبو الحسن
وكلامهم يقتضي أنه موافق للمدونة لأنه لو كان
مخالفا لها لنبهوا عليه كما هو عادتهم والله
أعلم. الثالث: زاد البراذعي وابن يونس في
اختصاريهما بعد قوله في المدونة لم يجزه الغسل
وأعاده فأعطى كلامهما أنه يعيد الغسل بعد
الإحرام. وليست هذه اللفظة أعني لفظة وأعاده
في الأم كما تقدم بل زادها البراذعي وابن يونس
في اختصاريهما بعد قوله لم يجزه الغسل. ونبه
على ذلك ابن عرفة فقال ونقل البراذعي والصقلي
عنها إعادته ليس فيها انتهى. قلت: ولم يذكر
ابن أبي زمنين والشيخ ابن أبي زيد والشيخ أبو
إسحاق وصاحب الطراز في اختصارهم للمدونة
اللفظة المذكورة بل قال سند إثر كلامه المتقدم
فإذا قلنا لا يجزئه الغسل فإن علم بذلك قبل أن
يحرم اغتسل قولا واحدا وإن لم يعلم حتى أهل
وسار فهل يغتسل يختلف فيه وقد مر ذكره انتهى.
وتقدم ذكر الخلاف في ذلك عند قول المصنف
والسنة غسل متصل وقد استوفيت الكلام على ما
يتعلق بالغسل بالمدينة لمن أراد الإحرام من ذي
الحليفة في شرح المناسك فمن أراد ذلك فليراجعه
هناك والله أعلم.
فرع: وهل يتجرد بالمدينة إذا اغتسل بها. قال
سند من رأى أن تقديمه الغسل بالمدينة فضيلة
جعل التجرد من الثياب بها فضيلة ومن جعل ذلك
رخصة جعل التجرد أيضا منها رخصة.
فرع: قال في الطراز ولا يختص تقدمة الغسل
بالمدينة بل كل من كان منزله قريبا من الميقات
أي ميقات كان والميقات منه على ثلاثة أميال
ونحوها ومثل ذي الحليفة من المدينة واغتسل من
منزله أجزأه لأن غسله في بيته أستر له وأحسن
وأمكن انتهى. فعلى هذا من أراد الإحرام من
التنعيم فإنه يجوز له أن يغتسل من مكة وربما
كان غسله بها أولى لما ذكر في الطراز من كونه
أستر وأمكن والله أعلم. ص: ولدخول غير حائض
مكة بذي طوى وللوقوف ش: هو معطوف على قوله
للحليفي وكذا قوله للوقوف. والمعنى أن غسل
دخول مكة مستحب وكذلك الوقوف. قال في الطراز
والغسل عند مالك في الحج في ثلاثة مواضع
(4/144)
..............................
ـــــــ
قال في المدونة يغتسل المحرم لإحرامه ولدخول
مكة ولرواحه إلى الصلاة بعرفة ثم قال ورتبة
هذه الاغتسالات مختلفة. قال مالك عند محمد غسل
الإحرام أوجبها وهو بين فإن الإحرام يترتب
عليه سائر المناسك فالغسل له أفضل من الغسل
لبعضها لتعلقه بجميعها فالغسل له سنة ولغيره
فضيلة انتهى. وقال أبو إسحاق التونسي وغسل
دخول مكة ووقف عرفة مستحب ولا يتدلك فيه ولكن
يصب على نفسه الماء صبا انتهى. وقال قبله
والغسل للإحرام يتدلك فيه. وقال في الرسالة
والغسل لدخول مكة مستحب لكنه قال في غسل عرفة
إنه سنة. وقيل الاغتسالات كلها سنة. وقيل كلها
مستحبة. حكى القولين الآخرين الجزولي في
الكبير والشيخ يوسف بن عمر. وقول المصنف "غير
حائض" يعني به أن الغسل لدخول مكة لا يستحب
للحائض يريد ولا للنفساء لأن الغسل في الحقيقة
إنما هو للطواف وهذا هو المشهور ولذلك لو دخل
من غير غسل أمر بالغسل بعد دخوله وإذا اغتسل
لدخوله اكتفى به عن الغسل للطواف. وقيل إن
الغسل لدخوله مكة فغسل الحائض والنفساء لا
يجتزأ به عن الغسل للطواف. نقل القولين في ذلك
ابن فرحون وغيره ونص كلام ابن فرحون في شرحه
اختلف في الغسل لدخول مكة فقيل هو للطواف وقيل
هو لدخول مكة. فعلى أنه للطواف لا تغتسل
الحائض لدخول مكة ويجزئ الرجل للدخول وللطواف
وإليه ذهب الباجي. وعلى أنه لدخول مكة فتغتسل
الحائض والنفساء بذي طوى وهو مروي عن مالك ولا
يجتزأ على هذا القول بالغسل لدخول مكة عن
الغسل للطواف انتهى. وقال ابن عبد السلام بعد
ذكره القول الأول إنه في الحقيقة إنما هو
للطواف وهو أكثر نصوصهم. وروي عن مالك أن
الحائض والنفساء يغتسلان لدخول مكة انتهى.
فرع: ويطلب في الغسل لدخول مكة أن يكون متصلا
بالدخول فلو اغتسل ثم بات خارج مكة لم يكتف
بذلك قال سند والاغتسال لدخول مكة يستحب قبل
دخولها ليكون طوافه متصلا بقدومه فإن أخره
واغتسل بعد دخوله فواسع قال مالك عند محمد ولا
يكون غسله قبل دخوله إلا بقرب الدخول ثم قال
في أثناء كلامه إذا ثبت أن الغسل للإحرام وجب
أن يكون متصلا به أو في حكم المتصل فكذلك
الغسل لدخول مكة لا يغتسل اليوم ويبيت بظاهرها
ثم يدخل من غده انتهى. ويؤمر به كل من يريد
الطواف قال سند قال مالك لا يغتسل النساء
والصبيان لدخول مكة وقوله بطوى يعني به أن
المطلوب لغسل مكة أن يكون بقرب مكة قبل دخولها
ليكون طوافه متصلا بدخوله وقال بعض المالكية
في مناسكه ولو اغتسل قبل ذي طوى بالقرب أجزأه
وذو طوى تقدم ضبطه وتفسيره عند قول المصنف
"وعدم إقامة بمكة أو ذي طوى".
فرع: قال سند من أتى مكة من جهة أخرى اغتسل
بقربها قال وواسع لمن اغتسل لإحرامه من
التنعيم في ترك الغسل لدخول مكة انتهى. وانظر
لو اغتسل لإحرامه من التنعيم في مكة والظاهر
أنه يكفيه
(4/145)
ولبس إزار
ورداء ونعلين وتقليد هدي ثم إشعاره
ـــــــ
فرع: ولا يتدلك في غسل دخول مكة ولا في غسل
عرفة بل يكتفي بصب الماء على ما قاله أكثر
الشيوخ وقد تقدم ذلك في كلام أبي إسحاق ومع
إمرار اليد على ما قاله المصنف في مناسكه تبعا
لما قاله ابن عطاء الله وأشار إليه ابن معلى.
ويطلب أيضا في غسل عرفة الاتصال فلو اغتسل في
أول النهار لم يجزه. قال في الطراز في أثناء
كلامه على حكم الاغتسال بالمدينة فمن اغتسل
غدوة وراح عشاء لم يتصل رواحه بغسله فلم يجزه
كما لو اغتسل صبيحة يوم عرفة لوقوفه بعد
الزوال انتهى. قال ابن فرحون في شرحه ويستحب
تقديمه على الصلاة انتهى. وقال في الرسالة
ولينظر قبل رواحه انتهى. وقال في شرح العمدة
ووقته قبل الزوال لأن المقصود به الوقوف وإنما
يقدم على الصلاة لأنه يعقب الصلاة بالوقوف
انتهى. ويطلب به كل من وقف بعرفة حتى الحائض
والنفساء. قاله سند والتادلي والله أعلم. ص:
"ولبس إزار ورداء ونعلين" ش: يعني أن خصوصية
لبس ما ذكر سنة ولو لبس غير ذلك أجزأه كما لو
التحف في كساء أو رداء ولا ينبغي أن يعد
التجرد من المخيط في سنن الإحرام كما فعل
المصنف في منسكه وغيره لأن التجرد واجب يأثم
بتركه لغير عذر كما صرح بذلك المصنف في مناسكه
أيضا وصرح به غيره. ولا يقال التجرد إنما يجب
بعد الإحرام فالتجرد عند إرادة الإحرام سنة
لأنه قد صرح القاضي عبد الوهاب في شرح الرسالة
بأن التجرد يجب عند إرادة الإحرام ونصه في شرح
قول الرسالة ويتجرد من مخيط الثياب وذلك لأن
المحرم ممنوع من لبس المخيط فلذلك وجب إذا
أراد الإحرام أن يتجرد منه انتهى. وقال في
التلقين وأما واجباته يعني الإحرام فأن يحرم
من ميقاته وأن يتجرد من مخيط الثياب وقت
إرادته الإحرام ومن كل ما يمنعه في الإحرام
مما سيذكره انتهى. ص: "وتقليد هدي ثم إشعاره"
ش: يعني أنه يسن لمن أراد الإحرام وكان معه
هدي أن يقلده بعد غسله وتجريده ثم يشعره
وسيأتي إن شاء الله الكلام على التقليد
والإشعار في آخر الفصل الثاني حيث يتكلم عليه
المصنف. وإنما ذكر المصنف هنا أن التقليد
والإشعار مقدمان على الركوع كما هو مذهب
المدونة. ولمالك في المبسوط أن الركوع مقدم
عليهما ولم يذكر الخليل الهدي لأنه مستحب ليس
بسنة كما سيأتي. ذكره عند الكلام على التقليد
والإشعار. وقال الشيخ زروق في شرح الإرشاد إن
تقليد الهدي وإشعاره ليس سنة إلا فيما ساقه من
الهدايا لا فيما وجب عليه في أثناء الإحرام
ونصه لما كان التقليد والإشعار من سنة الهدي
(4/146)
ثم ركعتان
والفرض مجز
ـــــــ
ذكره معه وليس بسنة إلا فيما ساقه المحرم لا
فيما وجب عليه أثناء مناسكه. وقد تقدم ذلك على
الإحرام. انتهى فتأمله والله أعلم. والهدي
بسكون الدال المهملة وتخفيف الياء ويقال بكسر
الدال وتشديد الياء. قاله ابن جماعة في منسكه
الكبير. وقال قال الأزهري وأصله التشديد
الواحدة هدية وهدية انتهى. تنبيه: قد يستروح
من كلام المصنف رحمه الله أن سوق الهدي سنة
وصرح به في مناسكه فقال وسياقه الهدي سنة لمن
حج وقد غفل الناس عنها في هذا الزمان انتهى.
وقال سند في باب الهدي الهدي مشروع في الحج
ومشروع في العمرة لكن صرح في موضع آخر أن
الهدي مستحب وليس بسنة. قال ابن عطاء الله في
شرح المدونة وما قاله سند إن الهدي ليس من سنن
الحج ضعيف. قال وقد رد على نفسه في تشبيهه
الهدي بالغسل ولا خلاف أن الغسل من سنن
الإحرام. وقد قال الشيخ أبو القاسم بن الجلاب
أليس سنتهم الضحية وإنما سنتهم الهدي. وقال
أبو الوليد الباجي في منتقاه إن الهدي تبع
للنسك ومن سننه انتهى. ونقل ابن جماعة الشافعي
في منسكه الكبير في الباب الرابع في كلام سند
وكلام ابن عطاء الله ونصه قال سند من المالكية
إن الهدي ليس من سنن الحج وإنما يكون لترك
واجب أو تبرعا. وقال إنه مستحب والمستحب عندهم
دون السنة ويسمونه فضيلة. وقال الشيخ أبو محمد
عبد الكريم بن عطاء الله في شرح التهذيب وما
قاله سند من أن الهدي ليس من سنن الحج ضعيف ثم
ذكر بقية كلامه بلفظه المتقدم فتأمله والله
أعلم. ص: "ثم ركعتان" ش: ظاهره أن السنة
ركعتان بخصوصهما وليس كذلك وإنما السنة الركوع
عند الإحرام كما قال في مناسكه الثالثة أن
يصلي ركعتين فأكثر من غير الفريضة انتهى. وقال
في المدونة والمستحب إحرامه بإثر النافلة ولا
حد لتنفله. وقال المازري في شرح التلقين في
أول كتاب الصلاة وينبغي أن يتأمل تحرير أبي
محمد لما ذكر ركوع الحج فقال ركعتا الطواف
والركوع عند الإحرام. وهذه إشارة منه إلى أنهم
لم يشتهر في أصل الشرع الاقتصار على ركعتين
عند الإحرام كما اشتهر الاقتصار عليهما عقب
الطواف لم يقل ركعتا الإحرام كما قال ركعتا
الطواف. انتهى فتأمله فإنه حسن والله أعلم. ص:
"والفرض مجزئ" ش: يعني أن الإحرام عقب الفرض
مجزئ. قال المصنف في مناسكه في التوضيح السنة
الثالثة أن يحرم إثر صلاة والمستحب أن تكون
نافلة ليكون للإحرام صلاة تخصه ويدل على
الاستحباب قوله يعني ابن الحاجب فإن اتفق فرض
أجزأ وفي المذهب قول إنه لا رجحان للنافلة
انتهى. فدل كلامه على أن أصل السنة يحصل
بالإحرام عقب الفريضة فتأمله. ص: "يحرم إذا
استوى والماشي إذا مشى" ش: تصوره
(4/147)
يحرم الراكب
إذا استوى والماشي إذا مشى وتلبية
ـــــــ
ظاهر. وقال في مناسكه الشيخ يوسف بن عمر فإذا
فرغ من صلاته ركب راحلته فإذا استوت به قائمة
أحرم وإن ركبها قائمة فحين يستوي عليه انتهى.
ص: "وتلبية" ش: يعني أن إيصال التلبية
بالإحرام من غير فصل سنة وأما التلبية في
نفسها فواجبة ويجب أيضا أن لا يفصل بينها وبين
الإحرام زمن طويل ولذلك قال في التلقين لما عد
سنن الإحرام ويهل بالتلبية حين اعتقاد الإحرام
ويسن أن لا يفصل بين كلماتها بشيء. قال في
الطراز لما تكلم على التلبية ومن سننها أن
تكون نسقا لا يتخللها كلام غيرها كالأذان فإذا
سلم عليه قال مالك لا يرد حتى يخلو من تلبيته
فيرد بعد ذلك انتهى. وأما عده التلبية في سنن
الإحرام ففيه تجوز ولذلك لما عد في الجواهر
سنن الإحرام عده فيها تجديد التلبية لا
التلبية نفسها وتبعه على ذلك القرافي في
ذخيرته والله أعلم.
فرع: قال سيدي إبراهيم بن هلال في منسكه في
الباب الأول من الأبواب الأربعة التي في آخر
المناسك قال ابن العربي التلبية هي الإجابة
والقصد والإخلاص قال وتكون بالقلب واللسان ولا
تتم إلا باجتماع الكل انتهى والله أعلم.
فرع: قال الشيخ زروق في شرح الإرشاد ويلبي
الأعجمي بلسانه الذي ينطق به. وإن لم يقدر على
حفظ التلبية فهل يكفي التكبير ونحوه أو كالعدم
وتلبي الحائض والجنب كغيرهما انتهى. وأصله
لسند ناقلا له عن الموازية وأصله قال مالك في
الموازية والأعجمي يلبي بلسانه الذي ينطق به.
وهذا متفق عليه. وزاد أبو حنيفة فقال ويفعله
من يحسن العربية وهو فاسد فإن الله لا يذكر
بغير ما لبى به نفسه في الشرع. فالأحسن أن
يتعلم الأعجمي التلبية بالعربية فإن لم يجد من
يعلمه لبى بلسانه. انتهى ذكره في أول باب صفة
التلبية.
فرع: قال ابن هارون في شرح المدونة قوله "وكره
مالك أن يلبي من لا يريد الحج ورآه خرقا لمن
فعله" قيل الذي كرهه مالك إنما هو تلبية الحج.
وأما قول القائل لمن دعاه لبيك فلا كراهة فإن
الصحابة لم يزالوا يلبون النبي صلى الله عليه
وسلم في غير موضع فلا يعيب ذلك عليهم. وفي
الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول يوم
القيامة لبيك وسعديك والخير في يديك والشر ليس
إليك
(4/148)
وجددت لغير حال
وخلف صلاة وهل لمكة أو للطواف خلاف وإن تركت
أوله فدم إن
ـــــــ
وأما تلبية الحج فتكره في غير موضعها إلا
لرواية أو معلم أو متعلم. والخرق بضم الخاء
الحمق وسخافة العقل انتهى. وقال في التوضيح عن
الشيخ ابن أبي جمرة وقد نص العلماء على أن
جواب الرجل لمن ناداه بلبيك من السفه وأنه جهل
بالسنة واستدل على ذلك بكون الصحابة لم يفعلوا
ذلك فيما بينهم وبكونه عليه الصلاة والسلام لم
يفعل ذلك معهم انتهى. فانظر ما قاله مع كلام
ابن هارون إلا أن يحمل كلامه على ما حمل عليه
ابن هارون كلام المدونة فيتفق كلامهما وهو
الظاهر والله أعلم.
فرع: قال في الشفاء وسئل ابن القاسم رحمه الله
عن رجل نادى رجلا باسمه فأجابه لبيك اللهم
لبيك. قال إن كان جاهلا أو قاله على وجه سفه
فلا شيء عليه. قال القاضي رحمه الله في شرح
قوله إنه لا قتل عليه والجاهل يزجر ويعلم
والسفيه يؤدب ولو قالها على اعتقاد إنزاله
منزلة ربه كفر. وهذا مقتضى قوله انتهى.
فائدة قال خليل في منسكه في آخر باب ما يحرم
بالإحرام قبل باب ما يجب بمحظورات الإحرام قال
ثابت البناني كان مالك بن أنس لا يحرم حتى
ينتهي إلى ذات عرق فإن انتهى إليها أحرم وكان
لا يكلم أحدا إلا بما لا بد له منه حتى يطوف
بالبيت انتهى. ص: "وخلف صلاة" ش: قال في
التوضيح يريد الفرض والنفل قاله ابن المواز
وابن حبيب وغيرهما. ص: "وهل لمكة أو للطواف
خلاف" ش: فلا يلبي إذا شرع في الطواف بلا خلاف
حتى يكمل سعيه.
فرع: انظر لو أقيمت عليه الصلاة وهو في أثناء
الطواف فقطع الطواف للصلاة وصلى هل يلبي بعد
تلك الصلاة أم لا لأنه لم يكمل السعي وهذا هو
الظاهر ولم أر الآن فيه نصا والله أعلم. ص:
"وإن تركت أوله فدم إن طال" ش: ومفهوم قوله إن
تركت أوله أنه إذا بنى في أول الإحرام ثم
تذكرها بعد ذلك أنه لا دم عليه وبذلك صرح أبو
الحسن الصغير. قال في شرح قوله في المدونة وإن
توجه ناسيا للتلبية من فناء المسجد كان بنيته
محرما وإن ذكر من قريب لبى ولا شيء عليه وإن
تطاول ذلك به أو نسيه حتى يخلو من حجه فليهرق
دما.
(4/149)
طال وتوسط في
علو صوته وفيها وعاودها بعد سعي وإن بالمسجد
لرواج مصلى عرفة ومحرم مكة يلبي بالمسجد
ومعتمر الميقات وفائت الحج للحرم ومن الجعرانة
والتنعيم للبيوت
ـــــــ
وقال عبد الحق ظاهر هذا الكلام أنه إذا رجع
إلى التلبية بعد الطول لا يسقط عنه الدم
برجوعه إليها بخلاف من لبى أول إحرامه ثم ترك
التلبية ناسيا أو عامدا فهذا لا دم عليه
انتهى. وقال أبو إسحاق التونسي لو ابتدأ
بالتلبية ثم ترك أو كبر فلا شيء عليه. وقيل
عليه دم انتهى. ونقله عنه التادلي. وعلى ذلك
اقتصر صاحب التلقين فقال وإن قال منها ولو مرة
فلا شيء عليه. وقال في العمدة ويجزئ منها مرة
واحدة وإن تركت في جميعه فدم. وقال ابن عطاء
الله في مناسكه وأقلها مرة فإن تركها بالكلية
فالهدي. وعليه اقتصر الشيخ سليمان المذكور
أولا في مناسكه وشهر ابن عرفة وجوب الدم ونصه
فإن لبى حين أحرم وترك ففي الدم ثالثها إن لم
يعوضها بتكبير وتهليل للمشهور وكتاب محمد
واللخمي انتهى. وقال سيدي إبراهيم قال ابن
العربي وإن ابتدأها ولم يعدها فعليه دم في
أقوى القولين انتهى. وكأن المصنف اعتمد ما
تقدم وهذا ظاهر والله أعلم. ص: "برواح مصلى
عرفة" ش: يريد إلا أن يحرم بها فإنه يلبي
حينئذ ثم يقطع على المشهور كما صرح به القرافي
في شرح الجلاب. وقال ابن الجلاب إنه يلبي إلى
جمرة العقبة. ص: "وللطواف المشي" ش: قال سند
لأن الطواف عبادة بدنية فينبغي أن يباشرها
المرء بنفسه ويفعلها وفعل المحمول إنما هو
للحامل فلا يطاف بأحد محمولا إلا من عذر وهو
أثقل من الراكب على بعير لأن فعل البهيمة
منسوب إلى راكبها وبالعكس من ذلك في فعل
الحامل فإنه منسوب للحامل لا إلى المحمول.
انتهى أوله بالمعنى وآخره باللفظ والله أعلم.
وتبع المصنف ابن الحاجب في عد المشي من سنن
الطواف. وقد ناقشه في ذلك في التوضيح وقال لعل
من يرى وجوب الدم فيه يقول إنه واجب انتهى.
قلت: وهذا هو الظاهر وقد صرح بذلك ابن راشد
قال ابن فرحون في شرحه قال ابن راشد المشهور
أنه مبني على الوجوب فهو من الواجبات المجبرة
بالدم وأدخله ابن الحاجب في السنن للاختلاف
فيه والله أعلم.
(4/150)
وللطواف المشي
وإلا فدم لقادر لم يعده وتقبيل حجر بفم
ـــــــ
تنبيه: لم يذكر المصنف حكم المشي في السعي
وحكم الركوب فيه حكم الركوب في الطواف. قاله
في المدونة ونقله ابن عرفة ونصه وفيها لا يسعى
راكب لغير عذر انتهى. وقاله في التوضيح وغيره.
ص: "وإلا قدم لقادر لم يعده" ش: قال في
التوضيح احترز يعني ابن الحاجب بقوله قادرا
مما لو ركب لعجز فإنه يجوز. الباجي ولا خلاف
فيه ولا يشترط فيه عدم القدرة بالكلية بل يكفي
المرض الذي يشق معه المشي انتهى. وقال ابن عبد
السلام وقال التادلي قال القرافي ويجوز الركوب
لمن لا يطيق المشي ولمالك في الكعبة وحدها
قولان والمشهور المنع انتهى فتأمله. فإنه يشبه
أن يكون مخالفا لما في التوضيح والله أعلم.
والكبر عذر في الركوب في الطواف والسعي. نقله
الباجي عن ابن نافع ونقله ابن عرفة في الكلام
على السعي ونصه الباجي عن ابن نافع الكبر عذر
انتهى. وتقدم أن حكم الركوب في الطواف والسعي
واحد انتهى.
فروع: الأول: انظر لو ركب في الطواف والسعي
جميعا هل يلزمه هدي واحد وهو الظاهر أو هديان
كما لو ترك الرمي ومبيت منى والله أعلم.
الثاني: لا فرق في الركوب أن يكون على دابته
أو على آدمي. قال التادلي قال ابن يونس ومن
المدونة قال مالك ومن طاف محمولا أو راكبا.
قال سحنون يريد على أعناق الرجال لأن الدواب
لا تدخل المسجد والحكم فيهما سواء إن نزل لا
فرق بين ركوبه على دابته وعلى رجل انتهى.
الثالث: قال التادلي قال الباجي وإن طاف راكبا
فيجب أن يكون راكبا بعيرا من غير الجلالة
لطهارة بوله وروثه لأنه لا يؤمن أن يكون ذلك
منه في المسجد انتهى. ونقل ذلك ابن
(4/151)
أوله وفي الصوت
قولان وللزحمة لمس بيد ثم عود ووضع على فيه ثم
كبر
ـــــــ
عرفة باختصار ونصه والعاجز قال سحنون يحمل ولا
يركب لأن الدواب لا تدخل المسجد. الباجي له
ركوب طاهر الفضلة انتهى. ص: "وفي الصوت قولان"
ش: قال الشيخ زروق في شرح الإرشاد وفي كراهته
التصويت بالتقبيل قولان ورجح غير واحد الجواز
وكره مالك السجود على الحجر وتمريغ الوجه. قال
بعض شيوخنا وكان مالك يفعله إذا خلا به انتهى.
وذكر العلامة ابن رشيد في رحلته أن الشيخ محب
الدين الطبري جاءه مستفت يسأله عن تقبيل الحجر
وقال له علمني السنة في تقبيل الحجر يعني
أبصوت أم دونه. فذكر له التقبيل من غير تصويت
فقال إني لا أستطيع. قال فأطرق الشيخ ثم ارتجل
هذه الأبيات:
وقالوا إذا قبلت وجنة من تهوى
...
فلا تسمعن صوتا ولا تعلن النجوى .
فقلت: ومن يملك شفاها مشوقة
...
إذا ظفرت يوما بغاياتها القصوى.
وهل يشفي التقبيل إلا مصوتا
...
وهل يبرد الأحشا سوى الجهر بالشكوى.
قال هكذا قال وهل يشفى محرك الياء للضرورة ولا
ضرورة بل نقول وهل يبرئ والله أعلم. ص:
"وللزحمة لمس بيد ثم عود وضعا على فيه ثم كبر"
ش: ظاهر قوله ثم كبر أن التكبير إنما يكون عند
تعذر الاستلام بالفم واليد والعود وأنه لا
يجمع بين التكبير والاستلام وهذا هو الذي فهمه
المصنف عن المدونة. واعترض على ابن الحاجب في
كون ظاهر كلامه أنه يجمع بين التكبير
والاستلام اعتمادا منه رحمه الله على ظاهر لفظ
التهذيب ونصه وإذا دخل المسجد فعليه أن يبتدئ
باستلام الحجر الأسود بفيه إن قدر وإلا لمسه
بيده ثم وضعها على فيه من غير تقبيل فإن لم
يصل كبر إذا حاذاه ثم يمضي يطوف ولا يقف وكلما
مر به إن شاء استلم أو ترك ولا يقبل اليماني
بفيه ولكن يلمسه بيده ثم يضعها على فيه من غير
تقبيل فإن لم يستطع لزحام كبر ومضى انتهى.
والصواب ما قاله ابن الحاجب ففي التهذيب نفسه
ما يدل على ذلك ونصه وكلما مر به في طواف واجب
أو تطوع فواسع إن
(4/152)
والدعاء بلا حد
ورمل رجل في الثلاثة الأول
ـــــــ
شاء استلم أوترك ولا يدع التكبير كلما حاذاهما
في طواف واجب أو تطوع انتهى. وفي الرسالة
ويستلم الركن كل ما مر به كما ذكرنا ويكبر.
وفي مختصر الواضحة لابن أبي زيد ولا يدع
التكبير فيهما استلم أم لا انتهى. وقال أبو
الحسن الصغير في شرح قوله في المدونة ولا يقبل
اليماني في الأمهات قيل له هل يكبر إذا استلم
الركن اليماني بيده أو إنما هو إذا استلمه
بفيه قال يكبر على كل حال انتهى.
تنبيهات: الأول: فإذا قلنا يجمع بين التكبير
والاستلام فهل التكبير قبل الاستلام أو بعده
لم أقف فيه على نص صريح إلا قول ابن فرحون في
مناسكه إذا تقدمت للطواف فاستقبل الحجر وكبر
ثم قبله بفيك انتهى. فظاهر عطفه التقبيل بثم
على التكبير يقتضي أن التقبيل عقب التكبير لكن
ظاهر كلام المدونة المتقدم أو صريحه يفهم منه
أن التكبير متأخر عن التقبيل لأنه قال أولا
فعليه أن يبتدئ باستلام الحجر الأسود بفيه إن
قدر ثم قال فإن لم يصل كبر إذا حاذاه ثم يمضي
يطوف ولا يقف. ويؤيد ما قلناه أن ظاهر كلامها
أن التقبيل متأخر عن التكبير ما فهمه سيدي
خليل منها من أن التكبير إنما يكون بعد الفجر
عن التقبيل باليد أو بالفم ولو فهم من كلامها
أن التكبير متقدم على التقبيل لما وقع فيما
اعترض به عليه فتأمله والأمر سهل والله أعلم.
الثاني: قال في الطراز مسألة من قال فيه من لا
يستطيع أن يلمس الركن قال مالك يكبر ويمضي ولا
يرفع يديه. هذا يختلف فيه فقال الشافعي يشير
بيده وهو فاسد ثم ذكر وجهه والله أعلم. وفي
مناسك ابن فرحون أول الكلام على الطواف ولا
تشير إليه بيدك انتهى. قال أيضا في سنن الطواف
ولا يشير إليه بيده ويضعها على فيه انتهى.
وقال ابن معلى في مناسكه فإن لم يصل إلى الحجر
كبر إذا حاذاه ولا يرفع يديه أي لا يشير
واختار القاضي عياض الإشارة مع التكبير.
والأكثرون على عدمها وهو مذهب المدونة انتهى.
وما ذكره عن عياض هو في قواعده والله أعلم. ص:
"والدعاء بلا حد" ش: قال في شرح العمدة
والمستحب أن يطوف بالباقيات الصالحات وهي
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله
أكبر أو بغير ذلك من الأذكار ولا يقرأ وإن كان
القرآن المجيد أفضل الذكر لأنه لم يرد
(4/153)
ولو مريضا
وصبيا حملا وللزحمة الطاقة وللسعي تقبيل الحجر
ـــــــ
أنه صلى الله عليه وسلم قرأ في الطواف فإن فعل
فليسر القراءة لئلا يشغل غيره عن الذكر انتهى.
ص: "ولو مريضا وصبيا حملا" ش: قال التادلي عن
القرافي فإنه قيل كيف يصح عنه عليه الصلاة
والسلام أنه يركب في السعي وأنه رمل فيه قلنا
رمل بزيادة تحريك دابته ويجوز أن يكون ركب في
حجه ومشى في عمرته وبالعكس انتهى. قال التادلي
وقف من هذا الجواب على أن الراكب إذا سعى
راكبا يرمل بتحريك دابته ويلزم مثله في الطواف
أيضا إذ لا فرق بينهما. وما رأيت أحدا نص عليه
إلا ما يستقرأ من هذا الجواب ويؤيده نصوص
المذهب على استحبابه لكن للراكب في بطن محسر
وللماشي فلا فرق بينهما انتهى. وما ذكره صحيح
وقد نص سند على أن الراكب في الطواف يخب
بدابته ونصه وإن طاف راكبا لم يخب دابته في
الأشواط على القول بأن المحمول لا يخب به وعلى
القول بأنه يخب الحامل بالمحمول يخب الراكب
بدابته وهو قول أصحاب الشافعي وقد زعم بعضهم
إن الدابة يخب بها وإن لم يخب بالمحمول انتهى
والله أعلم. ص: "وللزحمة الطاقة" ش: قال في
المدونة وإن زوحم في الرمل فلم يجد مسلكا رمل
بقدر طاقته. قال سند يستحب للطائف الدنو من
البيت هو المقصود فإن كان بقرب البيت زحام لا
يمكنه أن يرمل فيه فإن كان يعلم أنه إذا وقف
قليلا وجد فرجة تربص فإذا وجد فرجة رمل وإن لم
يطمع بفرجة لكثرة الزحام فإن علم أنه إن تأخر
إلى حاشية الناس أمكنه الرمل فليتأخر ورمله مع
ذلك أولى من قربه بالبيت من غير رمل فإن كان
لا يمكن التأخير أو كان ليس في حاشية الناس
فرجة فإن يمشي ويعذر في ترك الرمل انتهى. قال
عبد الحق وذكر بعض البغداديين أنه إذا زوحم في
الرمل فلم يجد مسلكا إنما يرمل إذا قدر على
المشي فأما إذا لم يستطع وهو قائم في موضعه
فليس يؤمر أن يتحرك إذا لم يطق المشي ويدل على
هذا قول مالك في كتاب محمد إنه لا يحرك منكبيه
في الرمل فاعلم ذلك انتهى والله أعلم. فرع:
نقل في المسائل الملقوطة عن والده أنه يكره
الطواف مع الاختلاط بالنساء. ص: "وللسعي تقبيل
الحجر" ش: قال ابن فرحون إن كان على غير وضوء
فإن الحجر لا يستلمه إلا متوضئ انتهى. وهو
ظاهر. وقال ابن عبد السلام ظاهر المدونة أن
هذا الاستلام آكد من الاستلام في الشوط الثاني
وظاهر كلام ابن الحاجب أنهما سواء.
(4/154)
ورقيه عليهما
كامرأة إن خلا وإسراع بين الأخضرين فوق الرمل
ـــــــ
تنبيه: قال ابن فرحون تقدم أنه إذا أراد
الخروج للسعي من المسجد قبل الحجر الأسود ثم
يخرج ولم يذكروا أنه يقبل الحجر بعد طواف
الوداع وقبل الخروج من المسجد وهو حسن فتأمله
انتهى. قلت: نص على تقبيله بعده في مختصر
الواضحة وسيأتي كلامه عند قول المصنف ودعاء
بالملتزم. وقال في المدونة فإذا فرغ من طوافه
أول ما دخل مكة وصلى الركعتين فلا يخرج إلى
الصفا والمروة حتى يستلم الحجر فإن لم يفعل
فلا شيء عليه فإذا طاف بالبيت بعد أن أتم سعيه
وأراد الخروج إلى منزله فليس عليه أن يرجع
فيستلم الحجر الأسود إلا أن يشاء انتهى. قال
سند وذلك أن الطواف إذا اتصل بالسعي وقع
الاستلام في أضعاف العبادة فكان من توابعها
وإذا لم يتصل بالطواف سعى وفرغ حكمه بالفراغ
من ركوعه فيكون الاستلام بعده على حكمه منفردا
من غير طواف من شاء فعله ومن شاء تركه انتهى.
وقال الشيخ زروق يستحب لمن طاف وركع أن يكون
آخر عهده بالبيت فيقبل الحجر ثم يمر بزمزم
فيشرب منها ويدعو عند ذلك بما أحب وينوي بشربه
ما أراد فإن ماء زمزم لما شرب له كما في
الحديث وإن لم يصح فقد جربت بركته ويخرج من أي
باب شاء عند مالك. وقال ابن حبيب من باب بني
مخزوم لأن النبي صلى الله عليه وسلم خرج منها
وهي المعروفة اليوم باب الصفا لأنها تقابله
انتهى. فأول كلامه ظاهره يقتضي أن تقبيله بعد
ركوع كل طواف مطلوب لكن قوله "ويخرج من أي باب
شاء عند مالك" إلى آخر كلامه يفهم منه إنما
مقصوده الكلام على الطواف الذي بعده سعى والله
أعلم. ص: "وإسراع بين الأخضرين" ش: هكذا وقع
في عبارة ابن الحاجب وغيره وكأنهم يعنون
الميلين الذين في جدار المسجد الحرام على يسار
الذاهب إلى المروة أولهما في ركن المسجد تحت
منارة باب على والثاني بعده قبالة رباط
العباس. والأميال أربعة. الميلان المذكوران
وميلان آخران على يمين الذاهب في مقابلة
الميلين الأولين. تنبيه: مقتضى قول المصنف
وغيره بين الميلين أن ابتداء الخبب في السعي
من عند الميل الذي في ركن المسجد وليس كذلك.
قال في الطراز إذا نزل الساعي من الصفا مشى
حتى
(4/155)
ودعاء وفي سنية
ركعتي الطواف ووجوبهما تردد وندبا كالإحرام
بالكافرون والإخلاص
ـــــــ
يأتي الوادي فإذا كان دون الميل الأخضر المعلق
في ركن المسجد بنحو من ستة أذرع سعى سعيا
شديدا جيدا حتى يحاذي الميلين الأخضرين اللذين
بفناء المسجد ودار العباس فيترك الرمل ويمشي
حتى يبلغ المروة انتهى. وذكر ابن جماعة
الشافعي في منسكه الكبير نحو ذلك عن الشافعية
وقال لأنه محل الانصباب في بطن الوادي قال
وقال جماعة من الشافعية إن الميل كان موضوعا
على بناء على الأرض في الموضع الذي شرع منه
ابتداء السعي فكان السيل يهدمه ويحطمه فرفعوه
إلى أعلى ركن المسجد ولم يجدوا على السنن أقرب
من ذلك الركن فوقع متأخرا عن محل مبتدأ السعي
انتهى والله أعلم. وقد نبه على ذلك أيضا
القاضي تقي الدين الفاسي في تاريخ مكة والله
أعلم. ص: "وفي سنية ركعتي الطواف أو وجوبهما
تردد" ش: أشار بالتردد لتردد المتأخرين في
النقل فاختار الباجي وجوبهما مطلقا وعبد
الوهاب سنيتهما مطلقا والأبهري وابن رشد أن
حكمهما حكم الطواف في الوجوب والندب. وهذا
الثالث هو الظاهر وعليه اقتصر ابن بشير في
التنبيه. وقال سند لا خلاف بين أرباب المذاهب
إنهما ليستا ركنا والمذهب أنهما واجبتان
تجبران بالدم انتهى. وقال ابن عسكر في العمدة
والمشهور أن حكمهما حكم الطواف. وقال في شرحها
ذهب ابن رشد إلى أن حكمهما في الوجوب والندب
حكم الطواف. وقال الباجي الأظهر وجوبهما في
الطواف الواجب ويجبان بالشروع في غيره انتهى.
فتحصل من هذا أن الراجح والمشهور من المذهب
وجوب ركعتي الطواف الواجب والله أعلم. ص:
"وندبا كالإحرام بالكافرون والإخلاص" ش: قال
ابن الحاج ولو اقتصر على أم القرآن وحدها
أجزأه انتهى ونقله التادلي عنه والمفهوم من
كلام المصنف وغيره أنه يقرأ في الأولى بقل يا
أيها الكافرون وفي الثانية بقل هو الله أحد.
وصرح بذلك ابن فرحون وابن جماعة في فرض العين
وغيرهما. وقال في مختصر الواضحة ويستحب أن
يقرأ فيهما بأم القرآن وقل هو الله أحد في
الأولى وفي الثانية بأم القرآن وقل يا أيها
الكافرون انتهى. وكذلك قال ابن الحاج في
مناسكه وزاد فقد روى جابر أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم لما طاف تقدم إلى مقام إبراهيم
فقرأ. {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ
إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} [البقرة: من الآية125]
(4/156)
وبالمقام
ـــــــ
فجعل المقام بينه وبين البيت ثم قرأ في
الركعتين ب قل هو الله أحد و قل يا أيها
الكافرون انتهى. ولا دليل في ذلك لأن الواو لا
تقتضي الترتيب ولأن في ذلك مخالفة السنة من
وجهين أحدهما القراءة على خلاف ترتيب المصحف
والثاني تطويل الثاني على الأول والله أعلم.
ص: "وبالمقام" ش: المراد به مقام إبراهيم
الخليل على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام
والصلاة خلفه. واعلم أنه يصح أن يركعهما في كل
موضع حتى لو طاف بعد العصر أو بعد الصبح وأخر
الركعتين فإنه يصليهما حيث كان ولو في الحل ما
لم ينتقض وضوؤه. قاله في المدونة. ولكن
المستحب أن يركعهما في المسجد أو بمكة كما
نقله في التوضيح عن مالك في الموازية. ونقل
قبله عن الباجي أن المستحب أن يركعهما في
المسجد والأفضل من المسجد خلف المقام. قال
الشيخ زروق في شرح الرسالة ويستحب كونهما
بالإخلاص والكافرون وخلف المقام في كل طواف
على المشهور انتهى. لو قال ابن عرفة يركعهما
لطوافه أول دخوله خلف المقام. وقال ابن شعبان
في كل طواف انتهى. قال الشيخ في التوضيح قال
ابن عبد البر وإن لم يمكنه فحيث يتيسر من
المسجد ما خلا الحجر. زاد غيره والبيت وظهره
انتهى. وقال التادلي في شرح الجلاب للشارمساحي
يجوز أن يركعهما حيث شاء إلا في ثلاثة مواضع
داخل البيت وعلى ظهره وبين الحجر والبيت وكذلك
جميع الصلوات والسنن المؤكدة. قال أبو الطاهر
بن بشير في كتاب الصلاة فإن صلى فيه ركعتي
الطواف. فهل يكتفي بهما في المذهب قولان انتهى
كلام التادلي. ويشير بذلك إلى قول ابن بشير في
ركعتي الطواف الواجب لا يركعهما في الحجر فإن
ركعهما فيه فهو بمنزلة ما لو ركعهما في البيت
ويختلف في إعادتهما ما دام بمكة على الاختلاف
فيمن صلى الفريضة في البيت قيل يعيد في الوقت
وقيل أبدا وقيل لا إعادة وإن عاد إلى بلده
ركعهما هناك ويختلف هل يلزمه هدي انتهى. وقال
أبو إسحاق التونسي لي باب استلام الأركان في
الحجر ولا يركع ركعتي الطواف الواجب فإن فعل
وكان بالقرب أعادهما وإن بعد أعاد الطواف
والركوع والسعي ما كان بمكة أو قريبا منها فإن
بعد أجزأتاه ويبعث بهدي كمن لم يركعهما. أبو
إسحاق ولم يجعل ذلك كفريضة صليت بثوب نجس أن
الوقت إذا ذهب لا شيء عليه. واختلف قوله في
ركعتي الطواف هل يركعهما في الحجر انتهى.
وما ذكره نقله ابن يونس عن ابن المواز عن ابن
القاسم ونصه في كتاب الصلاة الأول قال ابن
المواز عن ابن القاسم ومن صلى المكتوبة في
الحجر أعاد في الوقت وإن ركع فيه الركعتين
الواجبتين من طواف القدوم أو الإفاضة أعاد
واستأنف ما كان بمكة وإن رجع إلى
(4/157)
ودعاء بالملتزم
واستلام الحجر اليماني بعد الأول
ـــــــ
بلده ركعهما وبعث بهدي ابن يونس جعله في
الفريضة يعيد في الوقت وكان يجب على هذا لا
يعيد الركعتين إذا بلغ لبلده لذهاب الوقت ويجب
على قوله في الركعتين أن يعيد الفريضة أبدا
وإلا كان ذلك تناقضا انتهى. ونقل أبو الحسن
الصغير كلامهما في كتاب الصلاة وهذا حكم ركعتي
الطواف الواجب. وأما النافلة فتقدم في كلام
أبي إسحاق أنه اختلف في ركعتي الطواف هل
يركعهما في الحجر. وقال في المدونة في باب
المواضع التي تجوز فيها الصلاة من كتاب الصلاة
الأول ولا يصلي في الحجر ولا في الكعبة فريضة
ولا ركعتي الطواف الواجب ولا الوتر ولا ركعتي
الفجر فأما غير ذلك من ركوع الطواف فلا بأس به
انتهى. ونقل ابن عرفة في كتاب الصلاة أول كلام
المدونة إلى قوله ولا ركعتي الفجر ولم ينقل ما
بعده بل نقله عن سماع ابن القاسم فكأنه لم يقف
عليه في المدونة أو نسي والله أعلم. ص: "ودعاء
بالملتزم" ش: الظاهر أن الأولى أن يكون الدعاء
بالملتزم بعد الركعتين. وكذا نص عليه في
الواضحة في طواف الوداع قال وإذا أردت الخروج
فطف بالبيت سبعا ثم صل خلف المقام ركعتين ثم
تأتي زمزم فتشرب من مائها ثم تأتي الملتزم وهو
ما بين الركن والباب فتدعو كثيرا رافعا بذلك
راغبا إلى الله تعالى أن يقبل حجك وأن يقبلك
عتيقا من النار وألصق وجهك وصدرك بالملتزم ثم
استلم الحجر وقبله إن قدرت على تقبيله ثم انفر
إلى بلدك فقد قضى الله حجك انتهى. وهذا كلام
الواضحة الموعود به في شرح قوله "وللسعي تقبيل
الحجر". وقال الشيخ زروق في شرح الإرشاد
ويستحب له أن يدعو في طوافه بما تيسر وكذا في
المقام والحطيم والملتزم وهو ما بين الباب
والحجر الأسود وعند الحجر الأسود وفي الركن
اليماني وفي المستجار وهو المستعاذ أعني ما
بين الركني اليماني والباب المغلق الذي كان
فتحه ابن الزبير رضي الله عنهما وفي الحجر تحت
الميزاب ولا حد في ذلك كله انتهى. ص: "واستلام
الحجر واليماني بعد الأول" ش: فهم منه أن
استلامهما في الأول سنة أما الحجر فقد صرح
بذلك وأما اليماني فمن هنا لأنه لما نفى عنه
الاستحباب تعينت السنية إذ لا يتوهم الوجوب
لأن استلام الحجر الذي هو آكد منه سنة.
تنبيهات: الأول: فهم من اقتصار المصنف على
هذين الركنين أن الركنين الشاميين لا يستلمان
ولا يكبر عندهما وهو كذلك نص عليه في المدونة
وغيرها. وقال ابن الحاجب "يكبر إذا حاذاهما".
واعترضه ابن عرفة وقال قول ابن الحاجب يكبر
إذا حاذاهما لا أعرفه انتهى. قلت: نقله ابن
فرحون في شرحه عن أبي الفرج ولفظ ما نقله
المؤلف نقله أبو الفرج في
(4/158)
واقتصار على
تلبية الرسول صلى الله عليه وسلم ودخول مكة
نهارا والبيت
ـــــــ
الحاوي ونصه ويكبر لمحاذاة كل ركن انتهى.
فيكون مراد المؤلف إذا حاذى الركنين الشاميين
في وسط الحجر كبر. ما وقع في المدونة وغيرها
يحمل على الركنين القائمين اليوم فيكون وفاقا.
انتهى كلام ابن فرحون.
الثاني: قول المصنف بعد الأول يعني في آخر كل
شوط. قاله في الجواهر وصرح به ابن عطاء الله
في منسكه وابن جماعة التونسي في فرض العين.
وشمل كلامه الشوط الأخير فيكون جملة التقبيل
ثمان تقبيلات وهو كذلك وانظر حاشيتي على
المناسك.
الثالث: الاستلام في الواجب آكد منه في التطوع
وقاله في المدونة والله أعلم. ص: "واقتصار على
تلبية الرسول صلى الله عليه وسلم" ش: قال
الجزولي في باب جمل من الفرائض وما رأينا من
قال إذا لم يقل الصفة التي قال أبو محمد عليه
الدم انتهى. ص: "ودخول مكة نهارا" ش: قال سند
في أول باب دخول مكة يستحب لمن أتى مكة ليلا
أو ضيق نهاره أن يبيت بذى طوى فإذا أصبح وأراد
دخول مكة اغتسل انتهى وقال أيضا يستحب أن يدخل
مكة على طهر ليكون طوافه متصلا بدخوله انتهى
وقال الشيخ زروق في شرح الإرشاد يستحب له عند
إتيان مكة أربع نزوله بذى طوى وهو الوادي الذي
تحت الثنية العليا ويسمى الزاهر واغتساله فيه
لدخول مكة ولا تفعله الحائض والنفساء وهو سنة
على المشهور ولا يتدلك فيه بغير إمرار اليد
برفق لئلا يزيل الشعث كسائر غسولات الحج التي
داخل إحرامه ونزوله لمكة من الثنية العليا إن
كان من ناحية المغرب وأن يبيت بالوادي المذكور
فيدخل مكة ضحى ص: "والبيت" ش: أي يستحب دخول
البيت من غير تقييد بنهار ولا ليل فقد أخذ
بجواز دخولها ليلا من كونه صلى الله عليه وسلم
جاء إلى عثمان بن شيبة بالسيدة عائشة ليفتحها
لها ليلا فاعتذر له بأنه لم يفتحها ليلا لا في
الجاهلية ولا في الإسلام فوافقه صلى الله عليه
وسلم وجاء بها إلى الحجر وقال لها صلي فيه ولا
يقال يؤخذ من موافقته صلى الله عليه وسلم على
ذلك كراهة ذلك وأنه خلاف الأولى لأنه صلى الله
عليه وسلم إنما وافقه تطييبا لقلبه وتأليفا له
بدليل إتيانه بها إلى الحجر .
فرع: ويستحب التنفل في البيت قال في مختصر
الواضحة سئل مالك عن الصلاة في البيت وعن
دخوله على ما قدر عليه الداخل فقال ذلك واسع
حسن انتهى .
فرع: ويستحب النظر إلى البيت لما ورد في ذلك
من الآثار وممن صرح بذلك ابن أبي
(4/159)
ومن كداء لمدني
والمسجد من باب بني شيبة
ـــــــ
جمرة في شرح الأحاديث التي اختصرها من صحيح
البخاري ص: "ومن كداء لمدني" ش: هذا ظاهر
المدونة وقال الشيخ يوسف بن عمرو الجزولي
يستحب الدخول منه لكل داخل كما هو ظاهر
الرسالة انتهى وقال الفاكهاني في شرح الرسالة
والمشهور والمعروف استحباب الدخول من كداء كما
ذكر الشيخ وإن لم تكن في طريق الداخل إلى مكة
فيعرج عليها وقيل إنما دخل صلى الله عليه وسلم
منها لأنها في طريقه فلا يستحب لمن ليست على
طريقه ولا أعلم هذا الخلاف في مذهبنا فإن لم
يفعل فلا حرج لأنه لم يترك واجبا ولا مسنونا
والله أعلم انتهى وقال ابن رشيد في رحلته وكان
دخولنا من كداء من الثنية العليا التي بأعلى
مكة إذ الدخول منها مستحب لمن كانت على طريقه
وإن لم يكن فينبغي أن يعوج إليها ويعرج عليها
انتهى . وقال السهيلى إنما استحب الرسول صلى
الله عليه وسلم لمن أتى مكة أن يدخل من كداء
لأنه الموضع الذي دعا فيه إبراهيم ربه بأن
يجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم ولم يقل تصعد
إليهم فقيل له {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ
بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً} [الحج: من
الآية27] الآية ألا ترى أنه قال يأتوك ولم يقل
يأتوني انتهى وقال الشيخ زروق عند قول صاحب
الرسالة ويستحب أن يدخل مكة من كداء الثنية
التي بأعلى مكة وإنما يدخل من هذا لفعله عليه
السلام وحكمة دخولها من أعلاها قيل لدعوة
إبراهيم عليه السلام إذ قال {أَفْئِدَةً مِنَ
النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} انتهى .
تنبيه: ضبط الشيخ يوسف بن عمر كذاء الأول
بالذال المعجمة وكداء الثانية بالدال المهملة
وما ذكره ولم أره لغيره والظاهر أنه غلط إنما
ذكر ابن الأثير كدى وكداء في باب الكاف مع
الدال المهملة ولعله توهم مما وقع في البخاري
في حديث السيدة عائشة موعدك كذا فإنه بالذال
المعجمة لكن قد قالوا فيه إن كذا فيه ليس هو
الثنية إنما هو اسم كني به عن موضع ونقل هذا
الكلام التادلي في منسكه والله أعلم ص:
"والمسجد من باب بني شيبة" ش: ظاهره استحباب
الدخول منه وإن لم يكن في طريق الداخل وهو
الظاهر من إطلاقاتهم إذ لا كبير كلفة في ذلك.
وقد ذكر الشيخ يوسف بن عمر في منسكه والشيخ
عبد الرحمن الثعالبي أن من أتى من منى لطواف
الإفاضة يدخل من باب بني شيبة ص:
(4/160)
وخروجه من كدى
وركوعه للطواف قبل المغرب قبل تنفله
ـــــــ
"وركوعه للطواف بعد المغرب قبل تنفله" ش: قال
ابن غازي صيغة العموم في الطواف هنا وفي قوله
وفي سنية ركعتين للطواف يقتضي شمول طواف
التطوع. وقد بنى القرافي في ذخيرته على هذا
نكتة بديعة فإنه قال قال اللخمي يركع الطائف
لطواف التطوع كالفرض فإن لم يركع حتى طال
وانتقض وضوؤه استأنفه فإن شرع في أسبوع آخر
قطعه وركع فإن أتمه أتى لكل أسبوع بركعتين
وأجزأه لأنه أمر اختلف فيه. ومقتضى المذهب أن
أربعة أسابيع طول تمنع الإصلاح وتوجب
الاستئناف. ثم قال القرافي فهذا الكلام من
اللخمي وإطلاقه الإجزاء ووجوبه الاستئناف يشعر
بأن الشروع في طواف التطوع يوجب الإتمام
كالصلاة والصوم وهو ظاهر من المذهب وكلام
شيوخه ثم ذكر النظائر التي تلزم بالشروع. ثم
قال ابن غازي ما نسبه القرافي للخمي من أن
مقتضى المذهب أن أربعة أسابيع طول فيه نظر
حسبما بسطناه في تكميل التقييد انتهى.
قلت: انظر ما النكتة البديعية هل هي لزوم طواف
التطوع بالشروع أو كون الأربعة طولا انتهى
فتأمله. وقوله إن فيما نسبه القرافي للخمي
نظرا ليس بظاهر لأن ما ذكره القرافي عن اللخمي
موجود في تبصرته ونصه السنة فيمن طاف أسبوعا
تطوعا أن يعقبه بركعتين ومن لم يفعل حتى طال
أو انتقضت طهارته استأنفه وإن أعقب الأسبوع
الأول بثان قبل أن يركع قطعه ثم ركع عن الأول
وإن لم يفعل حتى أتم الثاني: أتى لكل أسبوع
بركعتين وأجزأه. قال ابن القاسم في المدونة
لأنه أمر قد اختلف فيه. وكذلك لو أتى بأسبوع
ثالث أو رابع فإنه يأتي لكل أسبوع بركعتين
ويجزئه وقياس المذهب أن ذلك طول يحول بينه
وبين إصلاح الأول ويوجب عليه الاستئناف فيما
تقدم انتهى. وكان ابن غازي رحمه الله رأى ما
ذكره ابن عرفة
(4/161)
..............................
ـــــــ
عن اللخمي فاعترض على القرافي بأن ما ذكره ابن
عرفة مخالف لما ذكره القرافي ونص اللخمي ومفاد
المذهب أن الثاني طول يوجب استئناف ما تقدم
انتهى.
تنبيهات: الأول: قول اللخمي "وإن أعقب الأسبوع
الأول بثان قبل أن يركع قطع" ظاهره أنه يقطع
ولو ذكر ذلك في الشوط السابع وهو الذي يظهر من
كلامهم. قال في المدونة ومن طاف بالبيت أسبوعا
فلم يركع ركعتيه حتى دخل في أسبوع ثان قطع
وركع فإن لم يذكر حتى أتمه ركع لكل أسبوع
ركعتين للاختلاف فيه انتهى. ومثله كلام اللخمي
المتقدم. وقال التادلي قال الباجي ومن سعى في
طوافه فبلغ ثمانية أطواف أو تسعة أو أكثر من
ذلك ولم يكن قصد أن يقرن بين سبعين فإنه يقطع
ويركع ركعتين للسبع الكامل ويلغي ما زاد عليه
ولا يعتد به إن أراد أن يطوف أسبوعا آخر
وليبتدئ من أوله. وهذا حكم العائد في ذلك فأما
إذا أكمل أسبوعين عامدا أو ناسيا صلى لكل واحد
منهما ركعتين لأن الأسبوع الثاني مختلف فيه
فأمرناه بالركوع مراعاة للخلاف الذي هو
المشهور من قول مالك وقاله ابن كنانة في
المدونة. وروى عيسى عن ابن القاسم يصلي ركعتين
فقط. واختار عيسى الأول. ووجه قول ابن القاسم
أنه لما كان حكم كل أسبوع أن يعقبه ركعتان
وحال بين الأسبوع الأول وركعتيه الأسبوع
الثاني بطل حكمه فصلى ركعتين للأسبوع الثاني
انتهى. وقال التادلي ومن هذا التوجيه علم أن
الركوع إنما هو للثاني ويلغي الأول وعليه إذا
طاف ثمانية أو أكثر ينبغي أن يكون الركوع
للسبعة الأخيرة ويلغي الزائد أولها لا من
آخرها لأنه إذا ألغى آخرها كان قد فرق بين
الأسبوع وركعتيه بما زاد انتهى.
قلت: صريح كلام الباجي أن الإلغاء إنما هو لما
زاد على السبعة وهذا هو الظاهر بدليل أنه لو
كان حصل في الشوط الثامن أو فيما بعده ما يبطل
الطواف لا ينبغي أن تصح السبعة الأول ولو كان
الأمر بالعكس بأن حصل في السبعة أو في بعضها
ما يبطلها لا ينبغي أن لا تصح لأن الزائد على
السبعة بمنزلة الخامسة كما لا تجزئ الخامسة عن
الأولى إذا بان بطلانها فكذلك هنا فتأمله. ولا
يضر الفصل بما زاد على السبعة لأنه خفيف
والفرق بين هذا وبين ما إذا أكمل السبعة عامدا
أو ساهيا على قول ابن القاسم أنه يركع للثاني
فقط دون الأول أنه إذا أكمل السبعة حصلت عبادة
كمالة مستقلة محتاجة للركوع فيكملها به ويبطل
الأول للفصل بالعبادة الكاملة فتأمله. وقد نقل
المصنف في التوضيح كلام الباجي وقال في أول
كلامه فإن شرع في ثان قبل أن يركع للأول قطع
ما لم يكمله ثم قال بعد ورقة ونحوها فلو خالف
ما أمر به وأكمل أسبوعا ثانيا لركع لهما سواء
كان عامدا أو ناسيا. قاله الباجي واللخمي وسند
وابن عبد السلام. وكذلك لو أكمل ثالثا ورابعا
انتهى. قلت: التصريح بقوله سواء كان عامدا أو
ناسيا وقع في كلام الباجي وأما اللخمي وسند
وابن عبد السلام فلم يصرحوا به ولكنهم أطلقوا
ففهم المصنف من إطلاقهم ذلك وهو ظاهر والله
أعلم.
(4/162)
وبالمسجد ورمل
محرم من كالتنعيم أو بالإضافة لمراهق لا تطوع
ووداع وكثرة شرب ماء
ـــــــ
الثاني: ما ذكره المصنف من ركوعه للطواف بعد
المغرب مقيد بما إذا لم ينتقض وضوؤه. قال
اللخمي قال مالك من انتقض وضوؤه بعد تمام
الطواف وقبل أن يركع توضأ واستأنف الطواف إن
كان واجبا إلا أن يبعد فلا يرجع ويركع ويهدي
وإن كان الطواف تطوعا لم يبتدئه إلا أن يشاء
إذا لم يتعمد الحدث انتهى. ونقله ابن عرفة
وقبله ونحوه في التوضيح.
الثالث: لم يصرح المصنف وكثير من أهل المذهب
ببيان حكم جميع الأسابيع وحكمه الكراهة. قال
في الجلاب ويكره أن يطوف المرء أسابيع ويجمع
ركوعها حتى يركعها في موضع واحد ولركع عقب كل
أسبوع ركعتين انتهى ونقله ابن معلى وغيره.
الرابع: تقدم في كلام الباجي أنه يصلي لكل
أسبوع ركعتين مراعاة للخلاف وكذلك وقع في كلام
غيره. والخلاف في ذلك إنما هو في خارج المذهب
كما صرح بذلك في التوضيح. وقال ابن عبد السلام
وأجاز الجمع بين الأسابيع جماعة من السلف وشرط
بعضهم أن يكون عدد الأسابيع وترا.
الخامس: ظاهر كلام ابن عبد السلام أنه لم يقف
على كلام الباجي فإنه لما ذكر رواية عيسى قال
يريد والله أعلم أنهما يكونان للأسبوع الأخير
انتهى. وتقدم التصريح بذلك في كلام الباجي
وانظر على المشهور ولو صلى لكل أسبوع ركعتين
هل يقدم ركعتي الأسبوع الأول أو الثاني ص:
"ورمل محرم من كالتنعيم" ش: يعني أن الرمل في
حق من أحرم من التنعيم مستحب سواء أحرم بحج أو
بعمرة أو بقران كما يفهم من التوضيح. ص: "أو
بالإفاضة لمراهق" ش: لو قال لكمراهق لكان أحسن
ليشمل من أحرم بالحج من مكة والناسي لطواف
القدوم. قال ابن الحاجب وأما طواف الإفاضة
للمراهق ونحوه والمحرم من التنعيم وشبهه
فثالثها المشهور مشروع دونه. قال في التوضيح
قوله "ونحوه" أي الناسي أي من أحرم بالحج من
مكة مكيا كان أو آفاقيا أو أحرم بالحج من
التنعيم وشبهه أي الجعرانة والله أعلم. ص:
"وكثرة شرب ماء زمزم ونقله" ش: أما استحباب
الإكثار من شربه فقد صرح به
(4/163)
..............................
ـــــــ
في الواضحة ونقله صاحب الطراز وصاحب الذخيرة
والمصنف في مناسكه وغير واحد وكذلك الإكثار من
الوضوء وأما استحباب نقله فقد صرح به في
الواضحة أيضا. قال في مختصرها واستحب لمن حج
أن يتزود منه إلى بلده فإنه شفاء لمن استشفى.
ونقله عنه ابن الحاج في مناسكه ونصه قال ابن
حبيب ويستحب لمن حج أن يتزود منه إلى بلده
ونقله ابن معلى والتادلي وغيرهم. وظاهر كلام
الشارح أنه في الذخيرة ولم أره فيها وكذلك نكت
عليه ابن غازي فقال أما شربه فذكره غير واحد
ثم ذكر كلام الذخيرة ثم قال وأما نقله ففي
مسلك السالك لقاسم بن أحمد الحضرمي الطرابلسي
وكأنه لم يقف عليه لغيره.
تنبيهات: الأول: ذكر المصنف في مناسكه ناقلا
عن ابن حبيب أنه يستحب أن يكثر من شرب ماء
زمزم والوضوء به ولم يذكر الاغتسال به. وقد نص
ابن حبيب على استحباب ذلك فقال في مختصر
الواضحة يستحب لمن حج أن يستكثر من ماء زمزم
تبركا ببركته ويكون منه شربه ووضوؤه واغتساله
ما أقام بمكة ويكثر من الدعاء عند شربه قال
واستحب لمن حج أن يتزود منه إلى بلده فإنه
شفاء لمن يستشفي به انتهى.
الثاني: قال ابن غازي ومن الغرائب ما حدثنا به
شيخنا الإمام وأبو عبد الله القوري قال حدثنا
الحاج أبو عبد الله بن عزوز المكناسي أنه سمع
الإمام الأوحد الرباني أبا عبد الله البلالي
بالديار المصرية يرجح حديث "الباذنجان لما أكل
له" على حديث "ماء زمزم لما شرب له"1 قال وهذا
خلاف المعروف انتهى. قلت: لا شك أن هذا من
أغرب الغرائب بل هو من الأمور التي لا يجوز
نقلها إلا مع التنبيه على بطلانها. قال الحافظ
السخاوي في المقاصد الحسنة في الأحاديث
المشتهرة على الألسنة لما ذكر حديث "الباذنجان
لما أكل له" إنه باطل لا أصل له. وقال الحافظ
ابن حجر لم أقف عليه. وقال بعض الحفاظ إنه من
وضع الزنادقة وقال الزركشي وقد لهج به العوام
حتى سمعت قائلا منهم يقول هو أصح من حديث "ماء
زمزم لما شرب له" وهو خطأ قبيح وكل ما يروى
فيه باطل. انتهى كلام السخاوي. وأما حديث "ماء
زمزم لما شرب له" فقال فيه الحافظ السخاوي
رواه الحاكم وقال إنه صحيح الإسناد. وقد صحح
هذا الحديث من المتقدمين ابن عيينة ومن
المتأخرين الحافظ الدمياطي انتهى. ورأيت لابن
حجر كلاما جوابا بالسؤال فيه عن هذا الحديث
قال في آخره بعد أن ذكر طرق هذا الحديث إذا
تقرر هذا فمرتبة هذا الحديث عند الحفاظ
باجتماع هذه الطرق أنه يصلح للاحتجاج به على
ما عرف من قواعد الحديث ثم ذكر عن الحافظ
الدمياطي أنه صححه ثم قال واشتهر عن الشافعي
أنه شربه للرمي فكان يصيب من كل عشرة تسعة.
وشربه أبو عبد الله الحاكم لحسن التصنيف وغيره
فكان أحسن عصره تصنيفا ولا يحصى كم شربه من
الأئمة لأمور نالوها.
ـــــــ
1 رواه ابن ماجه في كتاب المناسك باب 78.
(4/164)
زمزم ونقله
وللسعي شروط الصلاة
ـــــــ
وقد ذكر لنا الحافظ العراقي أنه شربه لشيء
فحصل له وأنا شربته مرة وأنا في بداءة طلب
الحديث وسألت الله أن يرزقني حالة الذهبي في
حفظ الحديث ثم حججت بعد عشرين سنة وأنا أجد من
نفسي طلب المزيد على تلك الرتبة فسألت مرتبة
أعلى منها فأرجو الله أن أنال ذلك. وذكر
الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن والده أنه
كان يطوف بالليل واشتدت عليه الإراقة وخشي إن
خرج من المسجد أن تتلوث أقدامه بأذى الناس
وكان في الموسم فتوجه إلى زمزم وشرب من ذلك
ورجع إلى الطواف قال فلم أحس بالبول حتى
أصبحت. انتهى كلام ابن حجر.
قلت: وهذا من الغرائب فإن ماء زمزم يرد
الإراقة كما هو المشهور. ونحو هذا ما أخبرني
به بعض أصحابنا أنه أصابه إسهال فشرب له ماء
زمزم فذهب مع أن ماء زمزم يطلق البطن غالبا
وقد شربته لأمور فحصل بعضها والحمد لله ونرجو
من الله حصول باقيها. وقد شربه بعضهم لعطش يوم
القيامة ولو أردنا استقصاء ما رجح به هذا
الحديث لطال الكلام وإنما أردنا التنبيه على
بطلان ذلك الكلام الموضوع أعني قولهم
الباذنجان لما أكل له فضلا عن كونه أصح من
حديث "ماء زمزم لما شرب له".
الثالث: يستحب الإكثار من الطواف أيضا. قال في
مختصر الواضحة في ترجمة العمل في الطواف فإذا
فرغت من السعي بين الصفا والمروة فارجع إلى
المسجد الحرام فطف بالبيت وأكثر من الطواف
ماكثا مقيما بمكة ومن الصلاة في المسجد الحرام
الفريضة والنافلة انتهى. وقال ابن الحاج في
مناسكه وتكثر من الطواف في الليل والنهار بلا
رمل ولا تسعى بين الصفا والمروة وتصلي كل
أسبوع ركعتين خلف المقام فإنه يستحب كثرة
الطواف مع كثرة الذكر انتهى. ونقله التادلي
أيضا. وقال ابن المنير في حاشية البخاري وبسطه
الدماميني أيضا في قول البخاري باب من لم يقرب
الكعبة ولم يطف أي طوافا آخر تطوعا بعد طواف
القدوم ومشى على مذهب مالك رضي الله عنه في
أنه لا يتنفل بطواف بعد طواف القدوم حتى يتم
حجه. انتهى من الدماميني. وقال ابن حجر ونقل
عن مالك أن الحاج لا يتنفل بطواف حتى يتم حجه
وعنه الطواف بالبيت أفضل من صلاة النافلة لمن
كان من أهل البلاد البعيدة وهو المعتمد. انتهى
فتأمل ذلك والله أعلم. ص: "وللسعي شروط
الصلاة" ش: أي ويستحب للسعي شروط الصلاة. قال
في التوضيح أي طهارة الحدث والخبث وستر العورة
وأما استقبال ممكن. واستحب مالك لمن انتقض
وضوؤه أن يتوضأ ويبني فإن لم
(4/165)
وخطبة بعد ظهر
السابع بمكة واحدة يخبر فيها بالمناسك
ـــــــ
يتوضأ فلا شيء عليه. وكذلك إن أصابه حقن فإنه
يتوضأ ويبني انتهى. فصريح كلام مالك أنه إذا
انتقض وضوؤه بغير الحقن بل بريح أو مس ذكر أنه
يستحب له تجديد الوضوء. وقال في النوادر عن
كتاب محمد إن أحدث في السعي أو ذكر متوضأ فإن
أتم سعيه كذلك أجزأه وأحب إلينا أن يتوضأ ثم
يبني. وقاله مالك ثم قال بعده ومن العتبية قال
مالك ومن أحدث في سعيه فتمادى فلا إعادة عليه
وأحسن ذلك أن يتوضأ ويتم سعيه. انتهى ونحوه في
الطراز عن الواضحة. وقال ابن هارون في شرح
المدونة فإن قلت: السعي يصح من الحدث
والموالاة واجبة في السعي فكيف يشتغل بالوضوء
المندوب وفيه إخلال بالموالاة الواجبة قلت:
لعل مراده بالوضوء أنه يزيل الحقن ويستنجي
لقول الراوي توضأ وضوء الماء تحت إزاره واستخف
الوضوء ليسارته. فإن قلت: لم بنى في السعي بعد
الحدث بخلاف الطواف فالجواب أن الموالاة في
الطواف أوجب منها في السعي وأيضا الطواف
كالصلاة والسعي ليست الطهارة شرطا فيه وإنما
أجيز للحاقن الخروج لضرورة زوال ما به فإذا
خرج أمر بالوضوء لحقنه لا أنه يخرج لأجل
الوضوء بدليل أنه لو أحدث بريح في سعيه مضى
عليه انتهى. ص: "وخطبة بعد ظهر السابع بمكة
واحدة" ش: جعل رحمه الله كلما يذكره من قوله
وندبا كالإحرام بالكافرون والإخلاص إلى آخر
الفصل مستحبات. وفيها سنن منها هذه وما بعدها
إلى قوله ودعاء وتضرع للغروب. وقوله "بعد ظهر
السابع" هذا هو المشهور وقال في مختصر الوقار
ضحى وقال فيه أيضا في الخطبة الثالثة يخطب
الإمام من غد يوم النحر ارتفاع الضحى انتهى.
وقوله "بمكة" مفهومه أن هذه الخطبة لا تكون
بغير مكة وقد ذكر الشافعية أن الحجيج إذا
توجهوا لعرفة ولم يدخلوا مكة فيستحب لإمامهم
أن يفعل كما فعل بمكة فانظره والله أعلم.
وقوله "واحدة" قال المصنف في مناسكه وتوضيحه
تبعا لابن الحاجب هو المشهور وما شهره هو قول
ابن المواز عزاه له ابن عرفة والقاضي سند
وعزيا القول بالجلوس في وسطه لابن حبيب عن
مطرف وابن ماجشون قال سند عقبه وهو موافق
لرواية المدونة ونقل ابن عرفة بعد ذكره الخلاف
لفظ المدونة فقال وفي صلاتها يجلس في أول كل
خطبة ووسطها انتهى. وما ذكره عنها في الصلاة
الثاني في باب الخطبة فعلم أن القول بالجلوس
في وسطها قوي ولم يذكر الشيخ أبو الحسن الصغير
خلافا هناك والله أعلم.
تنبيهان: الأول: قال في التوضيح عن ابن الحاج
إنه يفتتح هذه الخطبة بالتلبية بخلاف
الأخيرتين وعن ابن حبيب عن الأخوين أنه يفتتح
الجميع بالتكبير. قال التادلي عقب نقله
الكلامين فيتحصل في تعيين ما يفتح به الخطبة
الأولى قولان هل بالتكبير أو بالتلبية انتهى.
(4/166)
وخروجه لمنى
قدر ما يدرك بها الظهر وبياته بها
ـــــــ
والظاهر أن محل الخلاف إذا كان الإمام محرما
وأن الأولى له التلبية لأنها مشروعة الآن وهو
شعار المحرم وإن كان غير محرم فيتعين التكبير
والله أعلم.
الثاني: قال المصنف في مناسكه وغيره يوم
السابع ويسمى يوم الزينة. وقال ابن فرحون في
الباب الخامس عشر كانوا يبرزون فيه تبرز زينة
المحامل وجلالات الهدايا انتهى. وقال والدي
الظاهر أنه إنما سمى يوم الزينة أخذا من يوم
الزينة المذكور في القرآن لأن الذي صرح به
الكواشي في تفسيره أنه يوم كانوا يتزينون فيه
ويجتمعون في كل سنة فلما كان يوم السابع يوما
يجتمع فيه كل من يريد الحج غير المراهق سمي
يوم الزينة. وذكر ابن الحاج وابن فرحون فصلا
لتسمية أيام الحج فليراجعه من أحبه والله
أعلم. ص: "وخروجه لمنى قدر ما يدرك به الظهر"
ش: ينبغي أن يقرأ وهو وما بعده بالرفع عطفا
على ما قبله من المندوبات ويعني أن الخروج
لمنى يكون يوم التروية بمقدار ما يدرك بها
الظهر ويسمى يوم النقلة لانتقال الناس فيه.
وعبارة المصنف واقعة في عبارة غير واحد من أهل
المذهب والظاهر أن مرادهم بقولهم قدر ما يدرك
بها الظهر أن يدرك آخر الوقت المختار لأن في
عبارة كثير منهم يروح بعد الزوال وبعضهم يقول
عند الزوال. ومعلوم أن من راح عند الزوال أو
بعده إنما يدرك بها آخر الوقت ومن كان به ضعف
أو ثقل بحيث لا يدرك آخر الوقت المختار بمنى
إذا خرج عند الزوال فلا بأس أن يخرج من أول
النهار بحيث يدرك بها آخر الوقت المختار إذ لا
يجوز له أن يؤخرها إلى الوقت الضروري. قال
الشيخ يوسف بن عمر فإذا كان يوم التروية خرج
إلى منى ضحى فيقيم بها يوما وليلة ثم يغدوا
إلى عرفات بعد طلوع الشمس ولا بأس للضعيف ومن
به علة أن يغدو قبل ذلك انتهى. وقال الجزولي
يخرج من مكة في اليوم الثامن بعد طلوع الشمس
بمقدار ما يصل عند الزوال فيصلي بها الظهر
والعصر والمغرب والعشاء والصبح انتهى. والحاصل
أن الخروج لمنى قدر ما يدرك بها الظهر. ثم قال
وكره التقدم إلى منى قبل ذلك ابن عبد السلام
على جهة الأولى ولو خرج قبل ذلك في يوم
التروية جاز وإنما يكره التقدم قبل يوم
التروية. وقال ابن الحاجب ويخرج إلى منى قدر
ما يدرك بها الظهر ثم قال وكره التقدم إلى منى
قبل ذلك. قال ابن عبد السلام يعني أن مالكا
كره التقدم إلى منى قبل يومها وإلى عرفة قبل
يوم عرفة وإن كان كلام المصنف ظاهرا في كراهة
التقدم إلى منى في أول يومها وليس كذلك لأن
قوله قبل ذلك إشارة إلى ما تقدم. والذي تقدم
إنما هو الخروج إلى منى بقدر ما يدرك بها
الظهر ومعلوم أن من خرج أول النهار متقدم قبل
هذا وما قلناه من قصر الكراهة على اليوم هو نص
قوله في المدونة وغيرها. انتهى ونحوه في
التوضيح والله أعلم. ص: "وبيانه بها" ش: فإن
لم يبت فالمشهور لا دم عليه. وقال ابن العربي
عليه الدم.
(4/167)
وسيره لعرفة
بعد الطلوع ونزوله بنمرة وخطبتان بعد الزوال
ثم أذن وجمع بين الظهرين إثر الزوال ودعاء
وتضرع للغروب ووقوفه بوضوء وركوبه به ثم قيام
إلا لتعب وصلاته بمزدلفة
ـــــــ
انتهى من الجزولي من باب جمل من الفرائض ونقله
التادلي. ص: "وسيره لعرفة بعد الطلوع" ش:
تصوره ظاهر. قال الجزولي ثم يمضي إلى عرفات
ويستحب أن يمشي على طريق المأزمين. وقاله في
المدخل والتلمساني في شرح الجلاب وعد الجزولي
أيضا من السنن التي لا توجب الدم المرور بين
المازمين في الذهاب والرجوع قال وهما جبلان
يقول لهما الحجاج العلمين. ص: "وجمع بين
الظهرين" ش: قال في مختصر الواضحة ولا يتنفل
فيهما وإن صلى في رحله انتهى. وقال ابن شعبان
في الزاهي ويصلي المغرب والعشاء ويجمع بينهما
ولا يتنفل ثم يوتر ثم يبيت انتهى. وقال
الشبيبي في الصلاة المنهي عنها والصلاة بين
الصلاتين في الجمع بعرفة والمزدلفة وليلة
المطر انتهى. ونحوه في مختصر الوقار.
تنبيه: مهم قال الجزولي في باب جامع في الصلاة
المشهور أن من فاته الجمع لا يجمع وحده وهو
غريب والله أعلم. ص: "وركوبه" ش: قال الشيخ
يوسف بن عمر به ما لم يضر بمركوبه. وقال ابن
هارون في شرح المدونة ويقف على الدواب ما لم
يضر بها انتهى. ص: "ثم قيام إلا لتعب" ش: هذا
هو المشهور في مختصر الوقار والراكب بعرفة
والجالس أفضل من القائم انتهى. ص: "وصلاته
بمزدلفة العشاءين وبياته به" ش: جمع الصلاتين
بمزدلفة سنة وكذا
(4/168)
العشاءين
وبياته بها وإن لم ينزل فالدم
ـــــــ
المبيت بها إلى الصبح وأما النزول فواجب ولهذا
قال وإن لم ينزل فالدم. ص: "وإن لم ينزل
فالدم" ش: قال سند النزول الواجب يحصل بحط
الرحل والاستمكان من اللبث انتهى. وقال المصنف
في مناسكه والظاهر أنه لا يكفي في النزول
إناخة البعير فقط بل لا بد من حط الرحال
انتهى. قلت: وهذا ظاهر إذا لم يحصل لبث وأما
لو حصل اللبث ولم تحط الرحال فالظاهر أن ذلك
كاف كما يفعله كثير من أهل مكة وغيرهم فإنهم
ينزلون ويصلون ويتعشون ويلقطون الجمار وينامون
ساعة وشقاذفهم على ظهور الجمال نعم لا يجوز
ذلك لما فيه من تعذيب الحيوان والله أعلم.
تنبيه: واختلف في الوقت الذي يسقط النزول فيه
الدم. فقال أشهب قبل الفجر وإن أتى بعد الفجر
فعليه الدم وإن كان من ضعفة الرجال والنساء
والصبيان. وقال ابن القاسم إذا أتى بعد طلوع
الفجر ونزل بها فقد أدرك ولا شيء عليه وليقف
بالمشعر ما لم يسفر جدا وإن دفع الإمام. قاله
في التوضيح وذكر ابن عرفة هذين القولين وقولا
ثالثا أنه لا دم في ترك النزول بالمزدلفة فقال
وفي وجوب الدم بتركه النزول بها قبل الفجر أو
قبل طلوع الشمس ثالثها لا دم مطلقا. والأول
للشيخ عن أشهب قائلا ولو في ضعفة النساء
والصبيان والثاني لابن القاسم معها والثالث
للخمي عن ابن الماجشون.
قلت: قد يفهم من كلام التوضيح وابن عرفة أن من
ترك النزول ليلا بالمزدلفة من غير عذر ثم جاء
بعد الفجر أنه لا شيء عليه عند ابن القاسم وإن
من لم يصل إلى المزدلفة إلا بعد طلوع الشمس
فعليه الدم عند ابن القاسم أيضا. ولو كان بعذر
وليس كذلك قال في الطراز من ذهب إلى عرفات
والإمام بمزدلفة فإن أدركه قبل الصبح أو بعده
وهو واقف بالمشعر وقف معه وهو قول الجميع لأنه
أدرك النسك معه. وهل عليه دم في فوته المبيت
يختلف فيه. ففي الموازية عن أشهب إن لم ينزل
بمزدلفة حتى طلع الفجر فعليه الهدي وإن كان من
ضعفة الرجال والنساء والصبيان وهذا يحتمل أن
يريد به من لم يصلها من الضعفة أو غيرهم حتى
(4/169)
وجمع وقصر إلا
أهلها كمنى وعرفة وإن عجز فبعد الشفق إن نفر
مع الإمام
ـــــــ
أصبح ويحتمل أن يريد من جاز عنها إلى منى ثم
علم فرجع فلم يدركها أو لم يرجع حتى طلع
الفجر. وقال ابن القاسم إن نزل بها بعد الفجر
ما لم تطلع الشمس فهو مدرك ولا هدي عليه. ورأى
أشهب أن المبيت لما كان واجبا لم يسقط إلا إلى
بدل وهو الهدي واعتبارا بمن دفع من عرفات مع
الإمام فنزل بغير المزدلفة ولم يأتها حتى طلع
الفجر. ورأى ابن القاسم أن المبيت سقط في حق
هذا لما تعذر عليه فلا يلزم فيه هدي كما لا
يلزمه ذلك في فقد الوقوف مع الإمام بعرفة
والدفع معه فإن أتى هذا المزدلفة وقد طلعت
الشمس قال مالك يمر إلى منى ولا وقوف له وهو
قول الجميع ولا دم عليه لأنه معذور كما في ترك
الوقوف وعلى قول أشهب يهدي فإن أتى قبل طلوع
الشمس قال ابن القاسم في الكتاب يقف إن لم
يسفر. قال في الموازية يقف ما لم يسفر جدا فإن
دفع الإمام وفرق بينه وبين من بات مع الإمام
بالمزدلفة ثم وقف معه أو لم يقف فإنه لا يلبث
بعد دفع الإمام ويدفع بدفعه وهو بين فإن وقت
الوقوف ما لم تطلع الشمس كوقت صلاة الصبح
فالإمام ينفر في بقية من الوقت ولا ينتظر طلوع
الشمس فإذا دفع من ائتم به ومن لم يبت معه
خارج عن ذلك ونظيره الوقوف بعرفة فإن الإمام
يدفع من أول الليل ووقته إلى آخر الليل انتهى.
قلت: فتحصل من كلامه أن من ترك النزول من غير
عذر حتى طلع الفجر لزمه الدم عند ابن القاسم
أيضا ومن تركه لعذر فلا شيء عليه ولو جاء بعد
الشمس والله أعلم. ص: "وجمع وقصر إلا لأهلها
كمنى وعرفة" ش: ظاهره أن أهل مزدلفة لا يجمعون
ولا يقصرون وأنهم يصلون المغرب في وقتها
والعشاء في وقتها وكذا أهل عرفة لا يجمعون بين
الظهر والعصر ولا يقصرون وهو ظاهر بالنسبة إلى
القصر وأما الجمع فإنهم يجمعون. قال الشيخ
بهرام في الوسط عند قول المصنف "إلا أهلها" أي
أهل مزدلفة فإنهم لا يقصرون شيئا وهذا حكم من
في منى وعرفة من الجمع والقصر وعدمه. وحاصله
أن أهل كل موضع يتمون به ويقصرون فيما عداه
هنا انتهى. وقال في التوضيح بضابطه أن أهل كل
مكان يتمون به ويقصرون فيما عداه فيتم أهل
عرفة بها ويقصرون بمنى ومزدلفة ويتم أهل
مزدلفة بها ويقصرون بعرفة ومنى ويتم أهل منى
بها ويقصرون في عرفات ومزدلفة انتهى. وقال سند
في آخر كتاب الصلاة الثاني وقال بعده وهذا
مجمع عليه يريد عند أهل المذهب. ونحو ذلك في
الجلاب. وفي الإكمال ولا خلاف أن الحاج من غير
أهل مكة يقصرون بمنى
(4/170)
..............................
ـــــــ
وعرفة. وكذلك عند مالك حكم الحاج من أهل مكة
يقصرون بعرفة ومنى لتقصيرهم مع النبي صلى الله
عليه وسلم وكذلك أهل عرفة ومنى بمكة لخطبة عمر
أهل مكة بالتمام دونهم. وذهب أبو حنيفة
والشافعي وجماعة من العلماء إلى أن أهل مكة
بمنى وعرفة وأهل عرفة ومنى بمكة يتمون كغير
الحاج منهم إذ ليس في المسافة مدة قصر الصلاة
وحجتنا ما تقدم من السنة والاتباع ولأن في
تكرار مشاعر الحج ومناسكه مقدار المسافة التي
فيها قصر الصلاة عند الجميع انتهى.
وقال القرطبي في شرح مسلم في كتاب الصلاة في
باب قصر الصلاة بمنى وعند مالك أن حكم الحاج
من أهل مكة أنهم يقصرون بمنى وبعرفات وكذلك
أهل عرفة بمنى ومكة يقصرون وخالفه في ذلك أبو
حنيفة والشافعي. ثم قال فأما أهل تلك المواضع
فلا خلاف أحسبه في أن كل واحد منهم يتم بموضعه
وإن شرع في عمل الحج لأنهم في أهليهم انتهى.
وقال في المدونة ويتم أهل منى بمنى وأهل عرفة
بعرفة وكل من لم يكن من أهلها فليقصر الصلاة
بها. قال ابن هارون يريد وإن كان من أهل مكة.
وهذا إذا لم يكن الإمام من أهل عرفة ولا منى
فإن كان منها أتم وأتم الناس معه. وكره مالك
أن يكون بغيرها من أهلها لأنه يغير سنة القصر.
وفي الإكمال مذهب مالك والأوزاعي أن الحاج
يقصر الصلاة مطلقا إلا أهل مكة بمكة وأهل منى
بمنى وأهل عرفة بعرفة إلا الإمام فإنه يقصر
وإن كان من سكان هذه المواضع. ثم قال وفيما
حكاه عن مذهب مالك نظر انتهى. ووجه النظر واضح
لأنه نص في المدونة على خلافه قال ولا أحب
للإمام أن يكون من أهل عرفة فإن كان منها أتم
الصلاة بها قال ابن هارون يريد ويتم الناس
انتهى. وما نقله عن الإكمال هو في كتاب الحج
منه ونصه ذهب مالك إلى أن الحاج المكي يقصر
ولا يقصر العرفي بعرفة ولا المنوي بمنى إلا أن
يكون إماما فإنه يقصر. وذهب بعض السلف إلى أن
الجميع يتمون إذ ليسوا على مسافة القصر انتهى.
وانظر قوله وذهب بعض السلف إلى أن الجميع
يقصرون مع قول القرطبي المتقدم ولا خلاف أحسبه
في أن كل واحد منهم يتم بموضعه وإن شرع عمل
الحج لأنهم في أهليهم والله أعلم.
ونقل ابن عرفة عن الباجي أن العرفي لا يقصر
بعد رجوعه من عرفة. ونص كلام ابن عرفة في كتاب
الصلاة ويقصر كل حاج حتى المكي إلا المنوي
والعرفي بمحلهما. الباجي لأن عمل الحج إنما
يتم في أكثر من يوم وليلة مع لزوم الانتقال من
محل لآخر ولأن الخروج من مكة لعرفة والرجوع
لها واجب لازم فلفق ولذا لا يقصر عرفي بعد
وقوفه وتوجهه لمكة ومنى لأن رجوعه لعرفة لوطنه
فلا يضم انتهى. والذي في كلام الباجي أنه
(4/171)
..............................
ـــــــ
علل قصر الحاج بثلاثة أوجه أحدها أن عمل الحاج
لا ينقضي إلا في أكثر من يوم وليلة. والثاني:
أن من مكة إلى عرفة ومن عرفة إلى مكة قدر ما
تقصر فيه الصلاة ويلزم الذهاب والإياب
بالشروع. والثالث: أن الحاج من مكة لا يصح منه
نية إلا بأن ينوي الرجوع إلى مكة للطواف فصار
سفره لا يصح إلا بأن يجمع على مسير ما تقصر
فيه الصلاة وعلى هذين التوجيهين لا يقصر
العرفي لأنه لا ينوي مسافة قصر. انتهى من كتاب
الصلاة أكثره بالمعنى. فعلم من كلامه أنه لم
يجزم به وإنما ذكر أنه لا يتأتى على التوجيهين
المذكورين والتوجيهان غير مسلمين فإنهما
مبنيان على أن من مكة إلى عرفة أربعة وعشرين
ميلا ولم يقله أحد والحس يخالفه. وأيضا فإن
المشهور أن القصر في ذلك إنما هو بالسنة وأيضا
فإنما يتم ما ذكره إلا إذا كان العرفي مقيما
بعرفة ولم يتوجه إلى مكة ليخرج مع الناس كما
هو الأولى. وقد نقل الباجي بعد ذلك عن سماع
عيسى خلاف ذلك فإنه وقع في رسم القطعان من
سماع عيسى من كتاب الصلاة ما نصه وسئل ابن
القاسم عن أهل منى هل يقصرون إذا أرادوا
الإفاضة وأهل عرفة فقال أما أهل عرفة فيقصرون
ولا يقصر أهل منى. قال ابن القاسم وكل من كان
بمنى يقصر فإذا أفاض قصر وكل من كان بمنى يتم
فإذا أفاض أتم.
قال ابن رشد قوله في المنوي صحيح لقرب ما بين
مكة ومنى وقوله في العرفي صحيح أيضا على قياس
قوله إنهم يقصرون بمنى لأنهم إذا كانوا يقصرون
بمنى فهم على ذلك حتى يرجعون إلى وطنهم بعرفة
وفي قوله إنهم يقصرون بمنى نظر لأنه إنما قال
إنهم يقصرون بمنى قياسا على المكي وذلك إنما
فيه الاتباع للرسول لتقصيره فيهما ولا يتعدى
بالسنة موضعها إذا لم تكن موافقة للأصول ولا
سيما وقد قيل إنه عليه السلام لم يكن مقيما
بمكة وإليه ذهب أهل العراق فلم يجيزوا للمكي
التقصير. وقول ابن القاسم "وكل من كان بمنى
يقصر فإذا أفاض قصر مثل قوله أولا أما أهل
عرفة فيقصرون لأن أهل عرفة عنده يقصرون بمنى
على ما تقدم. ووقع في بعض الروايات وكل من كان
بعرفة يقصر فإذا أفاض قصر وهو غلط لأن قوله
يتناقض بذلك من أجل أن أهل منى يقصرون بعرفة
وهو قد قال إنهم يتمون إذا أفاضوا انتهى. فنقل
الباجي أول المسألة إلى قوله ولا يقصر أهل
منى. وقال في توجيههما ما نصه ووجه ذلك أن
المنوي بعد الإفاضة يرجع إلى وطنه ويرجع إلى
وطنه في مسافة إتمام والعرفي يفيض من مكة إلى
غير وطنه لإتمام حجه فإذا رجع من منى بعد
انقضاء حجه لم يقصر إلى عرفة لما ذكرناه
انتهى. وقد نقل ابن عرفة هذا السماع وبعض كلام
ابن رشد عليه وكلام الباجي أيضا ولم يبحث فيه
والله أعلم. ولا يدخل في قول ابن القاسم وكل
من كان بمنى يقصر فإنه يقصر إذا أفاض المكي
والمقيم بمكة إذا وصلا إليها لأن ذلك معلوم
لرجوعهما إلى
(4/172)
..............................
ـــــــ
وطنهما ومعلوم أن الشخص لا يقصر في وطنه. ووقع
في رسم شك من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة
ما نصه وسئل مالك عن الرجل ينصرف من منى إلى
مكة وهو من أهل مكة فتدركه الصلاة قبل أن يصل
إلى مكة أترى أن يتم الصلاة. قال نعم وأهل
المحصب يتمون وراءهم مثلهم وأرى أن يحصب الناس
بالمحصب حتى يصلوا العشاء وقد حصب النبي صلى
الله عليه وسلم ثم قال لي بعد ذلك أرى أن
يصلوا ركعتين حين ينزلون بالمحصب إذا أدركهم
الوقت فيما بين مكة ومنى. وإن تأخروا بمنى
فليصلوا ركعتين وقال ابن القاسم وقوله الأول
أعجب إلى أن يتموا حتى يأتوا المحصب.
قال ابن رشد أما من قدم مكة ولم ينو المقام
بها أربعا حتى خرج إلى الحج فلا اختلاف في أنه
يقصر بمنى وفي جميع مواطن الحج لأنه مسافر بعد
على حاله وإنما اختلف أهل العلم فيمن نوى
الإقامة بمكة أو كان من أهلها فخرج إلى الحجر
فقيل إنه يتم لأنه ليس في سفر تقصر في مثله
الصلاة وهو مذهب أهل العراق. وقيل إنه يقصر
لأنها منازل السفر وإن لم تكن سفرا تقصر فيه
الصلاة. وإلى هذا ذهب مالك ودليله أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قدم مكة صبيحة رابعة
من ذي الحجة فأقام بمكة إلى يوم التروية وذلك
أربع ليال ثم خرج فقصر بمنى. فلم يختلف قول
مالك في أنه يقصر بمنى وعرفة وفي جميع مواطن
الحج إلا في رجوعه من منى إلى مكة بعد انقضاء
حجه إذا نوى الإقامة بمكة أو كان من أهلها على
ما تقدم فكان أولا يقول إنه يتم مراعاة لقول
من يرى إنه يتم ثم رجع فقال يقصر حتى يأتي مكة
بناء على أصله في أنه من أهل القصر دون مراعاة
لقول غيره. وكذلك اختلف في ذلك اختيار ابن
القاسم وستأتي هذه المسألة في رسم الشريكين
وفي رسم المحرم في بعض الروايات انتهى. ونص ما
في رسم الشريكين وسئل مالك عن أهل منى إذا
انصرفوا فأدركهم الوقت ولم يبلغوا الأبطح ولا
مكة فيما بين منى ومكة وهم يريدون أن تكون لهم
إقامة وعن أهل مكة إذا أدركهم في ذلك الوقت.
قال مالك من انصرف من أهل مكة من منى إلى مكة
فأدركه الوقت وخاف ذهاب الوقت قبل أن يبلغ
فأنا أرى أن يصلي أربعا لأن صلاة منى قد
انقطعت ولا يكون في ميلين أو ثلاثة ما تقصر
فيه الصلاة. قال مالك ومن أقام منهم بمنى ليخف
الناس ويذهب زحامهم قال أرى أن يتم الصلاة وإن
كان بمكة وأرى أهل الآفاق من كان منهم يريد
الإقامة بمكة أكثر من أربعة أيام فإنه يقتدي
بأهل مكة في ذلك ومن أقام لزحام ومن خاف فوات
الوقت فيما بين مكة ومنى أن يصلي أربعا قال
ابن القاسم ثم قال لي مالك ركعتين في ذلك كله
قال ابن القاسم وقوله الأول أعجب إلي قال أصبغ
رجع ابن القاسم وقال قوله الآخر أعجب إلي قال
أصبغ وبه أقول إنه يقصر حتى يأتي مكة. وقال
سحنون مثله انتهى. ولم يتكلم عليها ابن رشد
بشيء بل قال تقدم القول على هذه المسألة في
رسم شك يشير إلى كلامه المتقدم ونقل ابن عرفة
هذه المسألة مختصرة فقال وسمع ابن القاسم
(4/173)
..............................
ـــــــ
رجوع مالك عن إتمام المكي وناوي الإقامة بمكة
والمحصبي في رجوعهم إلى مكة ومقامهم بمنى ليخف
الناس إلى قصرهم حتى يصلوا المحصب. ابن القاسم
والأول أعجب إلى العتبي. عن أصبغ رجع فقال
الآخر أعجب إلي. وقاله أصبغ وسحنون ونقله
الباجي في المكي والمنوي فقط ولم يذكر المحصبي
وصرح بتقصيرهما بالمحصب قال والقولان بناء على
أن التحصيب مشروع أولا قال ويلزم عليه قصر
المنوي في رجوعه من مكة لمنى لأنه بقي عليه
عمل من الحج. ثم ذكر عن المازري بحثا مع
الباجي في تعليل القولين ورده ثم رد على
الباجي قوله يلزم عليه قصر المنوي في رجوعه من
مكة لمنى لأنه بقي عليه شيء من عمل الحج فإن
العمل المذكور هو في وطنه والتحصيب خارج عن
وطنه. ثم اعترض عليه في قوله يقصران بالمحصب
فإنه جمع في الرواية معهما المحصب وذلك يمنع
دخول ما بعد حتى فيما قبلها انتهى. يعني في
قوله في الرواية حتى يصلوا إلى المحصب ولم أقف
في كلام الباجي على ما ذكره أعني قوله ويقصران
بالمحصب. وما نقله عن السماع وأن فيه حتى
يصلوا المحصب لعله في نسخته والذي أرأيته حين
ينزلون وهو الذي يفهم من النوادر بل صريحها
ونصه في كتاب الصلاة الرابع في ترجمة صلاة
المكي والمنوي في مسيرهم إلى عرفة. ومن كتاب
العتبي قال ابن القاسم قال مالك من انصرف من
المكيين وأهل منى من منى فأدركته الصلاة قبل
أن يصل إلى مكة فليتم وكذلك من نزل بالمحصب
وليقيموا حتى يصلوا العشاء. ثم رجع فقال أرى
أن يصلوا ركعتين في نزولهم بالمحصب أو إن
تأخروا بمنى يريد من المكيين لزحام ونحوه.
واختلف في ذلك قول ابن القاسم وإلى آخر قوليه
رجع وبه قال سحنون وأصبغ وكذلك في كتاب ابن
المواز فيمن تخلف بمنى يريد من المكيين لزحام
أو غيره تحضره الصلاة بها أو في طريقه فقال
مالك يتم ثم قال يقصر ثم قال يتم وبالإقصار
أخذ ابن القاسم بعد أن اختلف فيه قوله وقاله
أصبغ ومن كتاب العتبي قال مالك في المكي يقيم
بمنى ليخف الناس فليتم بمنى وكذلك من نوى
الإقامة من أهل الآفاق بمكة أربعة أيام وكذلك
من خاف منهم فوات الوقت فيما بين مكة ومنى صلى
أربعا قال أبو محمد أراه يريد فيمن تقدم له
مقام أربعة أيام بمكة بنية انتهى. وقال في آخر
ترجمة من كتاب الحج الأول ومن كتاب ابن المواز
والعتبية وهو في كتاب الصلاة أيضا قال أشهب عن
مالك ومن أقام بمنى آخر أيام الرمي بعد أن رمى
لزحام أو لبرد أو لغير ذلك قال في العتبية
فحانت صلاة الظهر بمنى فليقصر وكذلك لو رجع
إليها بعد الرمي فأقام حتى صلى الظهر فليقصر
كان مكيا أو غيره ممن يريد الإقامة بمكة أو لم
يرده وقد قال قبل ذلك إنه يتم واختلف فيه قول
ابن القاسم قال أصبغ يقصر وإليه رجع ابن
القاسم ال مالك وأهل منى يتمون بمنى ويقصرون
بعرفة وأهل عرفة يتمون بها ويقصرون بمنى وليس
الحاج كغيره وهو في الحج سفر يقصر فيه انتهى.
وذكر سند الخلاف كذلك ونصه في آخر كتاب الصلاة
الثاني.
(4/174)
.................................
ـــــــ
فرع: فمن قضى نسكه من أهل مكة ثم انصرف إلى
مكة فأدركته الصلاة قبل أن يصل مكة أو نزل
المحصب فأقام به حتى يصلي العشاء ويدخل مكة أو
كان من أهل منى ففعل ذلك واختلف فيه قول مالك
رحمه الله. روى عنه ابن القاسم في العتبية أنه
يتم ثم رجع فقال أرى أن يصلوا ركعتين في
نزولهم بالمحصب وإن تأخروا بمنى لزحام ونحوه
يريد المكيين. واختلف في ذلك قول ابن القاسم
أيضا وإلى آخر قوله رجع وبه قال أصبغ وسحنون
انتهى. وذكر ابن الحاج في مناسكه نحو كلام
النوادر. وأما من ورد على مكة ولم ينو المقام
بها أربعا حتى خرج إلى الحج فإنه يقصر بمنى
وفي جميع مواطن الحج وكذلك في انصرافه إلى مكة
إذا لم ينو المقام بمكة أربعا فإنه يقصر أيضا
ولا خلاف في ذلك انتهى.
تنبيه: قول سند أو كان من أهل منى ففعل ذلك
وقول غيره من انصرف من المكيين وأهل منى من
منى مرادهم بأهل من الحاج من غير أهل مكة وهو
ظاهر والله أعلم. وفهم من كلام سند أن أهل مكة
يحصبون وهو المفهوم من إطلاقاتهم والله أعلم.
فرع: قال في النوادر وفي كتاب الحج في ترجمة
قصر الحاج بمنى قيل له يعني مالكا فمن خرج من
مكة ممن قد أتم بها الصلاة إلى منى أيقصر حين
يخرج قال نعم. ثم قال للسائل بل يقصر بمنى ولا
أدري ما يصنع إذا خرج انتهى. وقال سند في آخر
كتاب الصلاة الثاني وفي المجموعة من رواية ابن
نافع أن مالكا قال فيمن أقام بمكة ثم خرج إلى
منى فقال يقصر بمنى. قيل ففي طريقه قبل أن يصل
إلى منى قال لا أدري. قال سند وهذا من قبيل
الأول لأن النزول بمنى أول المناسك فإن لم
ينزل بها لم يحصل له حكم النسك إلا أنه قد ضرب
في الأرض والأحسن أن يقصر لأنه قد أعطى سفره
حكم القصر فهو باق عليه حتى يحضر انتهى. وحاصل
ما تقدم أن جميع من يخرج إلى الحج يقصر الصلاة
في خروجه من مكة قبل وصوله إلى منى على الأحسن
كما قاله سند وبعد وصوله إليها بلا خلاف في
المذهب. وكذا في ذهابه إلى عرفة وفي عرفة وفي
رجوعه للمزدلفة وفي المزدلفة وفي رجوعه إلى
منى وفي مدة إقامته بمنى إلا أهل كل مكان في
محلهم فلا يقصرون فيه. ومن توجه من الحاج إلى
طواف الإفاضة. فهل يقصر في حال إفاضته تقدم عن
سماع عيسى أنه يقصر غير المنوي وأنه لا بد من
استثناء المكي والمقيم بمكة أيضا بعد وصوله
إلى مكة وإنما سكت عنه لوضوحه وإذا رموا في
اليوم الرابع ثم توجهوا إلى المحصب فنزلوا فيه
أو أقاموا بمنى ليخف الناس أو أدركتهم الصلاة
في الطريق ففي قصرهم وإتمامهم قولان. رجع مالك
إلى القصر وإليه رجع اختيار ابن القاسم وهذا
كله في حق من لم يثبت له حكم السفر أما من قدم
قبل الخروج إلى الحج بأقل من أربعة أيام وعزمه
أن لا يقيم بعده فهذا حكمه حكم المسافر في كل
موضع حل به فإن أقام قبل الحج أربعا أو كان من
أهل مكة وعزم على الحج والسفر بعده من غير
إقامة أربعة أيام فإن لم يرد إقامة بمكة أصلا
فله حكم السفر كالأول وإن نوى إقامة يوم أو
(4/175)
...............................
ـــــــ
يومين فقد تقدم أن له حكم المقيم. وإن قدم قبل
الحج لأقل من أربع ليال ولكن نيته أن يقيم بعد
الحج أربعا فالذي اختاره اللخمي أن له حكم
السفر حتى يرجع للإقامة إلى مكة والله أعلم.
ونص كلامه في تبصرته قال محمد بن مسلمة فيمن
قدم مكة يريد المقام بها وهو يريد الحج وليس
بينه وبين الخروج إلى منى إلا أقل من أربعة
أيام إنه يقصر حينئذ حتى يرجع إلى مكة بعد حجه
لأنه إنما قدم مجتازا يريد المقام بعد الرجعة.
وقال مالك في مختصر ما ليس في المختصر يتم
الصلاة بمكة قبل الخروج. والقول الأول أبين
ولا تضم إقامته الأولى إلى ما بعدها كما لا
يضم السفر الأول إلى ما بعده إذا كان بينهما
إقامة أربعة أيام انتهى. ونقله ابن عرفة وابن
ناجي وسند وغيرهم ونص كلام سند في كتاب الصلاة
الثاني في باب القصر.
فرع: روى ابن نافع عن مالك في حاج أقام بمكة
حرسها الله يتم ثم خرج إلى منى وعرفة فقصر ثم
عاد إليها يريد بها إقامة يوم أو يومين ثم
يسير إلى بلده فإنه يتم بها قال ولو كان لما
وصل لم يرد أن يقيم بها فليقصر الصلاة إن مر
بها. ففرق بين أن يخرج منها على نية العود
إليها ثم يسافر فيكون سفره الثاني غير سفره
الأول أو يكون عوده إليها قاطعا بين السفرين
أو يخرج عنها على نية السفر بالكلية لا تبقى
له حاجة فيكون سفرا واحدا في سريه عليها وليس
له بها مسكن ولا أهل انتهى. وانظر هل تتخرج
هذه المسألة على مسألة من أقام بمكة بضعة عشر
يوما ثم خرج ليعتمر من الجحفة ويقيم يومين فقد
اختلف فيها قول مالك فقال إنه يتم في اليومين
ثم رجع إلى أن يقصر وهو المشهور في الظاهر أنه
لا يتخرج لأنه قد حصل هناك سفر طويل يقطع حكم
الإقامة وهنا لم يحصل سفر طويل وإنما حصل
القصر بالسنة. وقد قال ابن يونس في تلك
المسألة ولو خرج ليعتمر من الجعرانة أو
التنعيم أو نحو ذلك مما لا تقصر فيه الصلاة
فإن يتم بلا خلاف والله أعلم.
تنبيهات: الأول: من تعجل وأدركته الصلاة في
الطريق هل يتم أم لا لم أر من نص عليه وانظر
هل يتخرج فيه القولان اللذان في غير المتعجل
أو لا. أما على توجيه ابن رشد لهما فيتخرجان
وهو ظاهر كلام التلمساني في شرح الجلاب وأما
على توجيه الباجي لهما فلا يتخرجان والإتمام
أحوط.
الثاني: محل الخلاف في النازل في المحصب في
الصلوات التي شرع له إيقاعها في المحصب وهي
الظهر والعصر والعشاء ولا إشكال في ذلك وانظر
هل يدخل الخلاف في الثالث أيضا في حق المقيم
بمنى فإنه صرح في النوادر بالظهر وظاهر كلامهم
الشمول والله أعلم.
الثالث: من أدركته الصلاة من الحاج وهو في غير
مواضع النسك كالرعاة إذا رموا الجمرة وتوجهوا
للرعي فالظاهر من كلامهم أن حكمهم حكم الحجاج
والله أعلم.
(4/176)
وإلا فكل لوقته
وإن قدمتا عليه أعادهما وارتحاله بعد الصبح
مغلسا
ـــــــ
الرابع: قال في النوادر في كتاب الحج ومن كتاب
ابن المواز قال مالك وإذا رمى في اليوم الثالث
فلا يقيم بعد رميه ولينفر ويصلي في طريقه وإذا
كان له ثقل وعيال فله أن يؤخر ما لم تصفر
الشمس ولا يصلي ذلك اليوم بمسجد منى غير صلاة
الصبح. وذكر مثله ابن القاسم في العتبية عن
مالك قال ولا يرمي ويرجع إلى ثقله فيقيم فيه
حتى يتحمل. ومن كتاب ابن المواز قال أصبغ
والسنة للإمام أن يرمي الجمرة الآخرة عند
الزوال ويتوجه قاصدا وقد أعد رواحله قبل ذلك
أو يأمر من يلي ذلك له ولا يرجع إليه انتهى.
وقوله وإذا رمى في اليوم الثالث يعني به ثالث
أيام منى وهو اليوم الرابع والله أعلم. ص:
"وإلا فكل لوقته" ش: أي وإن لم ينفر مع الإمام
صلى كل صلاة في وقتها. وبهذا صدر ابن الحاجب
ثم قال وقيل ما لم يرم قبل الثلث أو النصف على
القولين. وعزا في التوضيح الأول لابن المواز
والثاني لابن القاسم ثم قال وانظر كيف صدر
بقول ابن المواز. قلت: عزاه ابن عرفة للمدونة
ونصه وفيها من وقف بعد الإمام لم يجمع ابن
القاسم إن رجى وصولها قبل ثلث الليل أخر الجمع
إليها ابن بشير وإلى نصف الليل على أنه
المختار انتهى. وقال في الطراز تأخير المغرب
رخصة في حكم السنة لمن وقف بعرفة مع الناس.
قال أشهب عن مالك فيمن كان بمكة عشية عرفة
فغربت عليه الشمس فإنه يصلي الصلاة لوقتها ولا
يؤخر حتى يقف بعرفة ويرجع للمزدلفة لأن الرخصة
إنما جاءت فيمن وقف وقد يحول هذا دون عرفة أو
يعوقه عائق فيفوته الحج ولا يكون من أهل
الرخصة وهو بمثابة من خرج إلى عرفة زوال الشمس
وأراد أن يصلي بمكة ويخرج فلا يجمع بين الظهر
والعصر كذلك هنا. ص: "وإن قدمتا عليه أعادهما"
ش: أي وإن قدمتا على محل الجمع أعادهما ومحله
المزدلفة إذا وصل إليها بعد مغيب الشفق فإن
صلى المغرب قبل المزدلفة أو جمع الصلاتين بعد
مغيب الشفق وقبل المزدلفة فاختلف فيه. قال في
التوضيح واتفق على إعادة العشاء إذا صلاها قبل
الشفق لكونه صلاها قبل وقتها. واختلف في إعادة
المغرب فقال ابن القاسم يعيدها في الوقت. وقال
ابن حبيب أبدا انتهى. وظاهره أن العشاء إذا
صليت قبل مغيب الشفق تعاد أبدا وهو كذلك إلا
على ما روي عن أشهب والله أعلم.
(4/177)
ووقوفه بالمشعر
الحرام يكبر ويدعو للإسفار واستقباله به ولا
وقوف بعده ولا قبل الصبح وإسراع ببطن محسر
ورمي العقبة حين وصوله وإن راكبا
ـــــــ
ص: "ووقوفه بالمشعر" ش: المشعر اسم البناء
الذي بالمزدلفة ويطلق على جميعها . وقال في
الزاهي فإذا أصبح وصلى وقف الإمام والناس
بالمشعر الحرام الذي بناه قصي بن كلاب في
الجاهلية ليهتدي به الحاج المقبلون من عرفات
انتهى. والوقوف في أي جزء من المزدلفة يجزئ
وعند البناء أفضل ويجعل البناء على يساره. قال
في شرح العمدة لابن عسكر وليقف بعد الصلاة عند
المشعر الحرام وهو المسجد الذي بالمزدلفة
انتهى. ص: "يكبر ويدعو للإسفار" ش: نحوه لابن
الحاجب. قال في التوضيح وظاهر كلامه جواز
التمادي بالوقوف إلى الإسفار ونحوه في
الموازية والمختصر. وفي المدونة ولا يقف أحد
بالمشعر إلى طلوع الشمس أو الإسفار ولكن
يركعون قبل ذلك انتهى.
فرع: قال في المدونة وإذا أسفر ولم يدفع
الإمام دفع الناس وتركوه. قال سند إذا أخر
الإمام الدفع فإن لم يسفر لم يدفع قبله لأنه
موكول إلى اجتهاده والوقت يحتمل الاجتهاد وإن
أسفر ولم يدفع دفعوا وتركوه لأنه ليس بعد
الإسفار وقت للوقوف فيتبعوه فيه والخطأ لا
يتبع فيه. ولا خلاف في كراهة التأخير حتى تطلع
الشمس ومن فعله فقد أساء ولا هدي عليه. ص:
"ولا وقوف بعده ولا قبل الصبح" ش: أي ولا قبل
صلاة الصبح. قال ابن فرحون في مناسكه ومن وقف
بعد الفجر وقبل أن يصلي الصبح فهو كمن لم يقف
انتهى. ص: "وإسراع ببطن محسر" ش: قال ابن ناجي
بطن محسر موضع بمنى. قال الفاكهاني وانظر سر
التحريك فإني لم أقف على شيء فيه اعتمد عليه
انتهى. وليس بطن محسر من منى بل هو على حد
منى. وفي كلام ابن جماعة في فرض العين ما
يقتضي استحباب الإسراع فيه في الذهاب والرجوع
فراجعه والله أعلم.ص "ورميه العقبة حين وصوله
وإن راكبا" ش: قال سند والركوب في العقبة ليس
من سنة الرمي حتى يقال من قدم منى ماشيا
فليركب وقت الرمي وإنما السنة الاستعجال فمن
كان راكبا رمى راكبا قبل أن ينزل ومن كان
ماشيا رمى
(4/178)
والمشي في
غيرها وحل بها غير نساء وصيد وكره الطيب
ـــــــ
ماشيا ولو مشى الراكب وركب الماشي لم يكن فيه
شيء لأن هذه هيئة وليس بنسك مستقل قال مالك في
الموازية وليمش في رمي الجمار في أيام منى وفي
اليوم الآخر فقيل إن الناس قد تحملوا مرحلتين
قال في ذلك سعة ركب أو مشى انتهى.. وقال قبله
قال في الموازية وليرمها راكبا كما هو إلا أن
يأتي قبل الفجر يريد أن الركوب ليس هو لأجل
الجمرة وإنما المقصود منه الاستعجال بها فإذا
قدم راكبا مر كما هو إليها ورمى وإن قدم في
غير وقت رمي أخر الرمي حتى تطلع الشمس ثم ليس
عليه أن يركب إليها بل يمشي لها كما يمشي
لسائر الجمار فإن المشي إلى العبادة أفضل في
هذا الموضع لما رواه نافع عن ابن عمر أنه كان
يأتي الجمار في الأيام الثلاثة بعد يوم النحر
ماشيا ذاهبا وراجعا ويخبر أن النبي صلى الله
عليه وسلم كان يفعل ذلك أخرجه أبو داود وروى
مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن
الناس كانوا إذا رموا الجمار مشوا ذاهبين
وراجعين وأول من ركب معاوية بن أبي سفيان
انتهى ونقله في النوادر .
فرع: قال في النوادر ولما تكلم على رمي جمرة
العقبة قال مالك ورميها من أسفلها فإن لم يصل
لزحام فلا بأس أن يرميها من فوقها وقد فعله
عمر لزحام ثم رجع مالك فقال لا يرميها إلا من
أسفلها فإن فعل فليستغفر الله وكذلك في
المختصر وإذا رماها من أسفلها فليستقبلها ومنى
عن يمينه وهو ببطن الوادي وكذلك كان ابن مسعود
يفعل ولا يقف عندها بعد الرمي انتهى وقال قبله
ومن كتاب ابن المواز قال مالك ومن رمى جمرة
العقبة رجع من حيث شاء انتهى وقال في التوضيح
وقول ابن الحاجب ولا يقف للدعاء ظاهر الباجي
ويحتمل أن يكون ذلك من جهة المعنى أن موضع
الجمرتين الأوليين فيه سعة للقيام لمن يرمي
وأما جمرة العقبة فموضعها ضيق ولذلك لا ينصرف
الذي يرميها على طريقه لأنه يمنع الذي يأتي
للرمي وإنما ينصرف من أعلى الجمرة انتهى ص:
"وحل بها غير نساء وصيد" ش: شمل قوله "نساء"
الجماع ومقدماته وعقد النكاح وهو كذلك فإن هذه
الأشياء لا تباح بالتحلل الأول قال في الطراز
فإن عقد النكاح فهو فاسد وإن قبل فعليه هدي
وأما الجماع فسيذكر المصنف حكمه والتحلل الأول
ويحصل برمي جمرة العقبة أو بخروج وقت أدائها
قاله في الطراز في آخر مسألة من باب جمرة
العقبة ونحوه في ابن عرفة ونصه وفوت رمي
العقبة بخروج وقته كفعلها في الإحلال الأصغر
لسماع عيسى عن ابن القاسم من مضي إثر وقوفه
(4/179)
وتكبيره مع كل
حصاة وتتابعها ولقطها وذبح قبل الزوال وطلب
بدنته له ليحلق
ـــــــ
لبلده رجع لابسا ثيابه انتهى والمراد بالوقت
وقت الأداء قال في الطراز في أثناء كلامه
فراجعه والله أعلم ص: "وتكبيره مع كل حصاة" ش:
ابن عرفة روى محمد رافعا صوته بالتكبير وفيها
قيل إن سبح أيجزئه قال السنة التكبير ثم قال
فإن ترك التكبير فلا شيء عليه أبو عمر إجماعا
انتهى وقال ابن هارون ومن لم يكبر فلا شيء
عليه عند مالك وذهب قوم إلى أن التكبير هو
الواجب في الجمار وإنما جعل الرمي حفظا لعدده
كالتسبيح بالحصى فالدم يتعلق عندهم بترك
بالتكبير لا بترك الرمي وحكاه الطبري عن عائشة
والجمهور على خلافه انتهى وحكى في الطراز أيضا
الإجزاء عن الجمهور.
تنبيه: ذكر ابن عطاء الله في منسكه عن بعض
أصحابنا أنه يقول مع التكبير هذه في طاعة
الرحمن وهذه في غضب الشيطان انتهى وقال في
الزاهي ويقول إذا رمى الجمار اللهم اجعله حجا
مبرورا وذنبا مغفورا انتهى ويعني بعد فراغه من
رمي الجمار وقال في النوادر وقال ابن حبيب
وكلما رمى أو عمل شيئا من أمر الحج قال اللهم
اجعله مبرورا وذنبا مغفورا انتهى ص:
"وتتابعها" ش: أي ندب تتابع الحصيات السبع أي
موالاتها وهذا كقوله بعد "وندب تتابعه" أي
تتابع الرمي في الجمار الثلاث وفي غيرها فهو
أعم من الأول لأن الكلام الأول خاص بجمرة
العقبة والثاني عام في الجمار كلها انتهى.
وسيأتي الكلام على التتابع هل هو واجب أو
مستحب عند قول المصنف وندب تتابعه. ص:
"ولقطها" ش: قال ابن الحاجب ولقطها أولى من
كسرها. وقال ابن هارون في شرح المدونة قال ابن
المواز عن مالك ولقطها أحب إلي من كسرها وليس
عليه غسلها فإن احتاج إلى كسرها فلا بأس
انتهى. وقال في التوضيح وقال غير واحد له أن
يأخذ حصى الجمار بمنزله من منى أو من حيث شاء
إلا جمرة العقبة فإنه يستحب أخذها من
المزدلفة. قاله ابن القاسم وابن حبيب وغيرهما.
وقال ابن الحاجب في مناسكه ويستحب له أخذها من
وادي محسر. ونص اللخمي وغيره على أنه ليس من
مزدلفة. ص: "وطلب بدنة له ليحلق" ش: قال في
التوضيح لأن
(4/180)
ثم حلقه ولو
بنورة إن عم رأسه والتقصير مجز
ـــــــ
تأخير الحلق إلى بعد الزوال بلا عذر مكروه
انتهى. قلت: وإن كان ذلك مكروها فتأخير الذبح
أيضا مكروه لأن الذبح مقدم على الحلق والله
أعلم. ص: "ثم حلقه" ش: الاستحباب يرجع إلى
تقديم الحلق على التقصير أو إلى إيقاع الحلق
عقب الذبح أما الحلق نفسه فإنه يجب هو أو
التقصير ثم استحباب الحلق على التقصير ليس هو
على العموم بل قد يتعين الحلق في بعض الصور
كما إذا كان الشعر قصيرا جدا أو لم يكن في
الرأس شعر كالأقرع فإنه يمر الموسى على رأسه.
قاله في المدونة. قال سند ولو أمر الموسى على
رأسه في الإحرام لم يلزمه شيء انتهى. ويتعين
الحلق أيضا في الرجل إذا لبد رأسه أو عقص أو
ضفر للسنة ويتعين التقصير في حق المرأة
الكبيرة ولو لبدت ويخير في الصغيرة. قال في
التوضيح فإن لم يمكن التقصير إما لتصميغ وهو
أن يجعل الصمغ في الغاسول ثم يلطخ به رأسه عند
الإحرام أو يقصر الشعر جدا أو لقصر الشعر جدا
أو عدم الشعر تعين الحلق بأن يمر الموسى على
رأسه. قال في المدونة ومن ضفر أو عقص أو لبد
فعليه الحلق. التونسي الحلاق على هؤلاء واجب.
وفي قول المصنف يعني ابن الحاجب إن لم يكن
لتصميغ نظر لإمكان أن يغسله ثم يقصر. وإنما
عين علماؤنا تعيين الحلق في حق هؤلاء بالسنة
ويحقق ذلك أن المرأة لو لبدت ليس عليها إلا
التقصير. قاله في الموازية انتهى. قال سند قال
مالك في الموازية ومن الشأن أن يغسل رأسه
بالغاسول والخطمي حين يريد أن يحلق انتهى.
وقال ابن عرفة وفيها الشأن غسل المحرم رأسه
بالخطمي والغاسول حين إرادة حلقه انتهى.
تنبيه: قال في التوضيح والحلاق أفضل من
التقصير إلا للمتمتع فإن التقصير في العمرة
أفضل له ليبقى عليه الشعث في إحرام الحج. قلت:
وظاهره أن المتمتع يستحب له التقصير مطلقا.
والذي في رسم طلق بن حبيب من سماع ابن القاسم
من كتاب الحج تقييد ذلك بأن تقرب أيام الحج
ونصه وسئل عن المعتمر أيحلق رأسه أحب إليك أم
يقصر قال بل يحلق إلا أن تكون أيام الموسم
ويتقارب الحج مثل الأيام اليسيرة قال أرى أن
يحلق ويقصر أحب إلي. قال ابن رشد الحلق أفضل
لأن الله تعالى بدأ به في كتابه ودعا صلى الله
عليه وسلم للمحلقين ثلاثا وللمقصرين واحدة إلا
أن تقرب أيام الحج فالتقصير في العمرة أفضل
انتهى. ونقله ابن عرفة فقال وسمع ابن القاسم
حلق المعتمر أفضل من تقصيره إلا أن يعقبه الحج
بيسير أيام فتقصيره أحب إلي انتهى. ففي
الرواية تقييد ذلك بأيام الموسم وهي في العرف
من أوائل شهر ذي الحجة
(4/181)
................................
ـــــــ
والله أعلم. وأما إيقاع الحلق عقب الذبح فإنه
يستحب ولا فرق على المشهور بين المفرد
والقارن. وقال ابن الجهم إن المكي القارن لا
يحلق حتى يطوف ويسعى ويلزمه في حق كل من أخر
السعي إلى طواف الإفاضة.
فروع: الأول: حكم الصبي حكم الرجل في الحلاق
قاله سند.
الثاني: قال سند قال مالك في الموازية ومن لم
يقدر على حلاق رأسه ولا التقصير من وجع به
فعليه هدي بدنة فإن لم يجد فبقرة فإن لم يجد
فشاة فإن لم يجد صام ثلاثة أيام وسبعة انتهى.
ونقله المصنف في توضيحه وقاله أيضا في مناسكه
في تحلل الحج. والترتيب المذكور في الهدي هو
على جهة الأولى وانظر هل يجب عليه أن يحلق إذا
صح وهو الظاهر والله أعلم.
الثالث: قال في التوضيح ابن حبيب ويبلغ
بالحلاق يريد وبالتقصير إلى عظم الصدغين منتهى
طرف اللحية انتهى. وقال ابن فرحون في مناسكه
ولا يتم نسك الحلق إلا بحلق جميع الرأس والشعر
الذي على الأذنين. قال ابن الحاج وقال أبو عمر
أجمع العلماء أن الحاج لا يحلق ما على الأذنين
وينبغي أن يكون النظر في كونها من الرأس أو من
الوجه انتهى.
الرابع: قال في التوضيح قال ابن حبيب وإذا بدأ
بالحلق بدأ باليمين انتهى. ولفظ كلام ابن حبيب
في مختصر الواضحة ونقله الشيخ إبراهيم بن هلال
في منسكه ويبدأ في حلاقه بالشق الأيمن لما في
صحيح مسلم وذكر الحديث. وقال بعده عياض في
بداءة النبي صلى الله عليه وسلم بحلقه بالشق
الأيمن مشهور سنة في التيامن في العبادات
وغيرها انتهى. قال ابن شعبان في الزاهي ويبدأ
الحالق بالشق الأيمن وليستقبل القبلة أحب إلي
انتهى. والظاهر أنهم أرادوا الشق الأيمن
للمحلوق. وقول ابن شعبان يستقبل القبلة أي
المحلق رأسه فتأمله. وانظر منسك ابن فرحون.
وقال ابن جماعة في منسكه الكبير عن وكيع إن
أبا حنيفة رحمه الله قال أخطأت في ستة أبواب
من المناسك فعلمنيها حجام وذلك أني حين أردت
أن أحلق رأسي وقفت على حجام فقلت: بكم تحلق
رأسي فقال أعراقي أنت فقلت: نعم. فقال النسك
لا يشارط عليه اجلس منحرفا عن القبلة فقال لي
حول وجهك إلى القبلة فحولت وأردت أن يحلق رأسي
من الجانب الأيسر فقال لي أدر الشق الأيمن من
رأسك فأدرته فجعل يحلق وأنا ساكت فقال لي كبر
فجعلت أكبر حتى قمت لأذهب قال لي أين تريد
قلت: رحلي. فقال لي ادفن شعرك ثم صل ركعتين ثم
امض. فقلت: له من أين لك ما أمرتني فقال رأيت
عطاء بن رباح يفعل ذلك انتهى. وهذا يدل لما
ذكره الشيخ محيي الدين ابن العربي في أول باب
الوصايا من الفتحات فإنه قال إذا عصيت الله في
موضع فلا تبرح منه حتى تعمل فيه طاعة لما يشهد
عليك يشهد لك وكذلك ثوبك إذا عصيت الله فيه
وكذلك ما يفارقك منك من قص
(4/182)
وهو سنة
المرأة:
ـــــــ
الشارب وحلق عانة وقص أظفار وتسريح لحية
وتنقية وسخ لا يفارقك شيء من ذلك إلا وأنت على
طهارة وذكر لله فإنه مسؤول عنك كيف تركك وأقل
عبادة تقدر عليها عند هذا كله أن تدعو الله أن
يتوب عليك حتى تكون مؤديا واجبا في امتثال
قوله {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: من
الآية60] ثم قال {إِنَّ الَّذِينَ
يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي} [غافر: من
الآية60] يعني بالعبادة الدعاء. وقال الشيخ
إبراهيم بن هلال ويستحب الإكثار من الدعاء عن
الحلق فإن الرحمة تغشى الحاج عند حلاقه انتهى.
الخامس: قال الشيخ أبو الحسن في باب زكاة
الفطر ويستحب للمحرم إذا حل من إحرامه أن
يخالف بين حالة الإحرام وحالة الإحلال وكذلك
الحادة إذا انقضت عدتها يستحب لها أن تزيل
الشعث عن نفسها لتخالف بين زمان الإحرام
وغيره. وقال في المدونة فإذا رمى جمرة العقبة
فبدأ بقلم أظفاره وأخذ من لحيته وشاربه واستحد
واطلى بالنورة قبل الحلق فلا بأس بذلك ويستحب
له إذا حل من إحرامه أن يأخذ من لحيته وشاربه
وأظفاره من غير إيجاب وفعله ابن عمر انتهى.
وقال الشيخ إبراهيم بن هلال في منسكه ناقلا عن
ابن حبيب وخذ من شاربك ولحيتك عند الحلق وبالغ
في الأخذ من اللحية فإنه يستحب ذلك في ذلك
الوقت ما لا يستحب في غيره ويستحب أن يقلم
أظفاره انتهى.. وقال ابن شعبان في الزاهي في
قوله تعالى {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ
وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: من الآية29]
وقضاء التفت حلاق الرأس وقص الأظفار وإماطة
الأذى عن الجسد والوجه والرأس والنذر رمي
الجمار يوم النحر وغيره انتهى. وقال سند قال
ابن حبيب وكان ابن عمر يأخذ من لحيته لما جاوز
القبضة ويأخذ من شاربه وأظفاره ولا يأخذ من
عارضيه. وكره ابن القاسم ذلك للمعتمر بعد
السعي قبل أن يحلق انتهى. وقال ابن عرفة إثر
كلامه السابق زاد في رواية محمد ولا بأس أن
يتنور ويقص أظفاره ويأخذ من شاربه ولحيته قبل
حلقه. ابن القاسم أكره غسل المعتمر رأسه أو
لبسه قميصا قبل حلقه. الباجي ليس بخلاف لأن
الحاج وجد منه تحلل في جمرة العقبة والمعتمر
لا تحلل له قبل حلقه. انتهى ونحوه في التوضيح.
ص: "وهو سنة المرأة" ش: قال في التوضيح ويكره
لها الحلاق. هكذا حكى البلنسي في شرح الرسالة
وحكى اللخمي أن الحلق للمرأة ممنوع لأنه مثلة
بها أما الصغيرة فيجوز فيها الحلق والتقصير.
اللخمي وكذلك الكبيرة إذا كان برأسها أذى
والحلق صلاح لها انتهى. وقال ابن عرفة وليس
على النساء إلا التقصير. روى محمد ولو لبدت
الباجي بعد زوال تلبيدها بامتشاطها ثم قال
فيها ولتأخذ في الحج والعمرة من كل قرونها
الشيء القليل وما أخذت من ذلك أجزأها. الشيخ
روى محمد حلق الصغيرة أحب إلي من تقصيرها.
وسمع ابن القاسم التخيير. اللخمي بنت تسع
كالكبيرة ويجوز في
(4/183)
تأخذ قدر
الأنملة والرجل من قرب أصله ثم يفيض
ـــــــ
الصغيرة الأمران وحلق بعضه أو تقصيره لغو ولا
نص في تعميمه منهما والأقرب الكراهة انتهى.
والظاهر أنه لو فعل ذلك أعني التعميم منها
انتفت الكراهة وهو ظاهر كلام الطراز. ص: "تأخذ
قدر الأنملة والرجل من قرب أصله" ش: قال ابن
فرحون في مناسكه ولا بد أن تعم المرأة الشعر
كله طويله وقصيره بالتقصير. نقله الباجي
انتهى. وما ذكره المصنف هو على جهة الأولى.
قال في التوضيح قال مالك ليس تقصير الرجل أن
يأخذ من أطراف شعره ولكن يجزه جزا وليس مثل
المرأة فإن لم يجزه وأخذ منه فقد أخطأ ويجزئه
انتهى. وقال ابن عرفة وفيها ما أخذ من كل شعره
أجزأ انتهى. وفي الطراز قال مالك في الموازية
ليس لذلك عندنا حد معلوم وما أخذ منه الرجل
والمرأة أجزأ انتهى. وقال ابن عبد السلام أقل
ما يكفي من التقصير الأخذ من جميع الشعر طويله
وقصيره. كذا نص عليه في الموازية مع ما يصدق
عليه اسم التقصير من غير اعتبار بأنملة أو أقل
أو أكثر. انتهى والله أعلم. ص: "ثم تقبض" ش:
قال الشيخ إبراهيم بن هلال في منسكه وينبغي أن
لا يؤخر طواف الإفاضة بعد الحلق إلا بقدر ما
يقضي حوائجه التي لا بد منها انتهى.
فرع: قال سند يستحب للحاج أن يطوف للإفاضة في
ثوبي إحرامه انتهى.
فرع: واستحب مالك أنه إذا فرغ من طواف الإفاضة
أن يرجع إلى منى ولا يتنفل بطواف ولا بطوافين.
قال ابن رشد في رسم حلف من سماع ابن القاسم من
كتاب الحج عن النخعي أنهم كانوا يستحبون أن
يطوفوا يوم النحر ثلاثة أسابيع قال وقول مالك
أولى لما قدمناه انتهى. وقال في رسم سلعة
سماها من سماع ابن القاسم فيمن أفاض يوم النحر
أو في يوم من أيام منى فلما فرغ من طوافه سمع
الأذان هل ترى له أن يقيم حتى يصلي قال أرجو
أن يكون واسعا. قال ابن رشد لأن الاختيار أن
يرجع إلى منى فيصلي بها الظهر إن كان أفاض في
صدر النهار أو المغرب إن كان أفاض في آخره
انتهى. وقال في النوادر وزاد في كتاب محمد وإن
سمع الإقامة فواسع أن يثبت ليصلي انتهى. وقال
في سماع أشهب فيمن أفاض يوم جمعة أحب إلى أن
يرجع إلى منى.
فرع: قال في الزاهي ولا يمضي من منى إلى مكة
في أيام منى للطواف تطوعا ويلزم.
(4/184)
وحل به ما بقي
إن حلق وإن وطئ قبله فدم بخلاف الصيد كتأخير
الحلق لبلده أو الإفاضة
ـــــــ
مسجد الخيف للصلوات أفضل انتهى. ص: "وحل به ما
بقي إن حلق" ش: أي وحل بطواف الإفاضة ما بقي
وهو الجماع ومقدماته وعقد النكاح والصيد
وكراهة الطيب وهذا يسمى التحلل الثاني وهذا في
حق من قدم السعي بعد طواف القدوم وأما من لم
يسع قبل الوقوف فالتحلل الثاني في حقه أن يطوف
ويسعى. قاله سند في آخر باب رمى جمرة العقبة
من كتاب الحج وشرح مسألة من طاف للقدوم على
غير وضوء من الحج الأول وقاله في الذخيرة في
المقصد الثامن. وكلام المصنف في التوضيح في
شرح مسألة من طاف للقدوم على غير وضوء صريح في
ذلك. وقال في مناسكه في الفصل التاسع من الباب
الثالث: في بيان أفعال الحج ويرجع للسعي من
بلده على المشهور ويأتي بعمرة إن أصاب النساء
انتهى. وكلام أهل المذهب صريح في ذلك والله
أعلم. ص: "كتأخيره الحلق لبلده" ش: نحوه لابن
الحاجب. قال في التوضيح يريد أو طال ذلك ثم
قال فإن قلت: هل يقيد وجوب الدم بما إذا أخره
إلى المحرم كطواف الإفاضة قيل لا لأن الباجي
نقل عن ابن القاسم ما ينفي هذا التقييد ولفظه
قال ابن القاسم إذا تباعد ذلك بعد الإفاضة
أهدى وليس لذلك حد وإن ذكر وهو بمكة قبل أن
يفيض فليرجع حتى يحلق ثم يفيض انتهى. وقال سند
في باب الإحصار لما تكلم على ما إذا أخر
المحصر الحلق إلى بلده وأنه لا دم عليه عن ابن
القاسم ما نصه رأى ابن القاسم أن الدم في
الحلاق إنما يكون بتأخيره عن وقته ووقته أشهر
الحج ولا يجب في مكان تحلله ولهذا لو رحل رجل
من منى ولم يحلق بها وحلق في غيرها في وقت
الحلاق وأشهر الحج لم يكن عليه شيء انتهى. ص:
"أو الإفاضة للمحرم"
(4/185)
للمحرم ورمي كل
حصاة أو الجميع لليل وإن لصغير لا يحسن الرمي
أو عاجز ويستنيب فيتحرى وقت الرمي ويكبر وأعاد
إن صح قبل الفوات بالغروب من الرابع وقضاء كل
إليه
ـــــــ
ش وكذا لو طاف للإفاضة وأخر السعي حتى دخل
المحرم فإنه يعيد طواف الإفاضة ويسعى وعليه
الهدي كما ذكره سند في باب المحصر وإن أخر
الطواف والسعي معا فهدي واحد يجزيه. قاله سند
في باب الطواف من كتاب الحج الأول والله أعلم.
ص: "ورمي كل حصاة" ش: بالجر عطفا على الحلق في
قوله كتأخير الحلق ص: "وإن لصغير لا يحسن
الرمي أو عاجز ويستنيب" ش: يعني أن الهدي
يترتب بتأخير حصاة أو جمرة أو الجمار كلها
لليل وإن كان ذلك التأخير لصغير لا يحسن الرمي
فإن لم يرم عنه وليه حتى غربت الشمس أو كان
التأخير لمريض عاجز لم يستطع أن يرمي عن نفسه
حتى غربت الشمس والحال أن العاجز عن الرمي
يستنيب لكن استنابته لا تسقط عنه الهدي وإنما
يسقط عنه الهدي إذا صح قبل الغروب ورمى عن
نفسه وأما الصبي إذا رمى عنه وليه فلا هدي في
ذلك. قال ابن عبد السلام والفرق بين الصبي
والعاجز أن الرمي في حق الصبي جزء من أفعال
الحج التي تفعل بالصبي والفاعل في الحقيقة لها
غير الصبي فلا يلزم في الرمي عنه هدي كما لا
يلزم في سائر الأفعال من وقوف وطواف وغير ذلك
والمريض هو الفاعل لسائر الأركان فإذا فعل عنه
فعل عنه الرمي خاصة مع أنه أتى بسائر الأفعال
صار كأن الرمي لم يقع ألبتة انتهى والله أعلم.
ص: "وأعاد إن صح قبل الفوات" ش: الظاهر أن
الإعادة على الوجوب فقد قال ابن عبد السلام
إنه كالناسي قال وإذا قضى فإنه يرمي الجمرة
الأولى ثم الثانية ثم الثالثة عن اليوم الأول
ثم يرمي عن اليوم الثاني كذلك ثم الثالث كذلك
ولا يرمي الجمرة
(4/186)
والليل قضاء
وحمل مطيق ورمي ولا يرمي في كف غيره وتقديم
الحلق أو الإفاضة على الرمي لا إن خالف في غير
وعاد للمبيت بمنى فوق العقبة ثلاثا وإن ترك جل
ليلة فدم
ـــــــ
الأولى ثم الثانية ثم الثالثة عن اليوم الأول
ثم يرمي عن اليوم الثاني كذلك ثم الثالث كذلك
ولا يرمي الجمرة الأولى ثلاث مرات على الأيام
الثلاث وهو ظاهر والله أعلم. ص: "وتقديم الحلق
أو الإفاضة على الرمي" ش: أما تقديم الحلق على
الرمي ففيه الفدية كما صرح به في المدونة
وغيرها لا كما تعطيه عبارة المصنف من أن
الواجب هدي لأن الدم إذا أطلق إنما ينصرف
للهدي وأما تقديم الإفاضة على الرمي فالذي
رواه ابن القاسم عن مالك الإجزاء مع الهدي كما
قال هنا وروي عن مالك أنه لا يجزيه وهو كمن لم
يفض وأنه لو وطىء بعد إفاضته وقبل الرمي فسد
حجه وهو خلاف مذهب المدونة. وقال أصبغ أحب إلي
أن يعيد الإفاضة وذلك في يوم النحر آكد.
تنبيه: وانظر لو أعاد الإفاضة بعد الرمي على
القول الأول هل يسقط عنه الهدي أم لا يسقط
عنه. لم أر فيه نصا والظاهر أنه لا يسقط فإنه
قال في الطراز إذا قلنا يجزئه الحج فعليه
الهدي لما أخر من سنة الحج ثم قال وهل يعيد
الإفاضة بعد ما رمى قال أصبغ أحب إلي أن يعيد.
وقال محمد لا يعيد الإفاضة قال لو لم يجزه
لفسد حجه كما قال أشهب وأن يعيد أحسن لأنه
أحوط وأصون ويخرج من الخلاف انتهى. فقوله وهل
يعيد الإفاضة يقتضي أنه مفرع: على القول
بالإجزاء مع الهدي ومقتضاه أنه لا يسقط
بالإعادة فتأمله. ص: "لا إن خالف في غير" ش:
بأن قدم النحر على الرمي أو قدم الحلق على
النحر أو قدم الإفاضة على النحر أو على الحلق
أو عليهما معا ص: "فوق العقبة" ش: أي فوق جمرة
العقبة كما صرح به المصنف في توضيحه ومناسكه.
قال في التوضيح ولا يجوز المبيت دون جمرة
العقبة لأنه ليس من منى. وفي الموطأ عن عمر
أنه كان يرحل الناس من ورائها. وفيه أيضا عنه
أنه قال لا يبيتن
(4/187)
أو ليلتين إن
تعجل ولو بات بمكة أو مكيا قبل الغروب من
الثاني فيسقط عنه رمي الثالث
ـــــــ
أحد من الحاج ليالي منى أمن وراء العقبة. وعن
مالك في الموازية إن بات رجل ليلة وراء العقبة
فليهد هديا. وروي عنه أنه لا دم عليه حتى يبيت
الليلة كلها بغير منى انتهى. وقال في مناسكه
في الفصل السادس: في المبيت بمنى والرمي وليس
ما بعد جمرة العقبة من منى فمن بات بعدها
فحكمه حكم من لم يبت بمنى. وقال بعده بنحو
ورقة ويشترط في التعجيل أن يخرج من منى بأن
يجاور جمرة العقبة قبل غروب الشمس انتهى. وقال
في الطراز في باب حكم منى ورمي الجمرات الثلاث
وهي التي تلي مسجد الخيف ثم الوسطى وهي التي
تلي الأولى ثم الثالثة وهي جمرة العقبة وهي
القصوى وهي أبعد الجمار إلى منى وأقربها إلى
مكة وهي التي ترمى يوم النحر وهي على حد أول
منى من ناحية مكة انتهى. وقال الشيخ زروق في
شرح الإرشاد وجمرة العقبة آخر منى من ناحية
مكة انتهى. وقال في شرح الإرشاد المذكور
المبيت بمنى ليالي الرمي سنة وتاركه يلزمه
الدم ولو بات تحت الجمرة مما يلي مكة وسواء
الليل كله أوجله على المشهور انتهى. وما وقع
في عبارات أهل المذهب من إطلاقاتهم لفظ العقبة
فإنما يعنون به جمرة العقبة ولا نزاع في ذلك
فقد قال المؤلف قبل هذا "ورميه العقبة" وقال
بعده ورخص لراع بعد العقبة وقال ورمى العقبة
أول يوم طلوع الشمس ومراده بذلك كله جمرة
العقبة والله أعلم. ص: "قبل الغروب من الثاني"
ش: يعني أن التعجيل إنما يكون قبل الغروب من
اليوم الثاني فيمن جاوز جمرة العقبة قبل غروب
الشمس فلا شيء عليه ومن غربت عليه الشمس قبل
أن يجاوزها لزمه المبيت بمنى ورمى اليوم
الرابع.
فرع: ومن أفاض ليس شأنه التعجيل فبدا له بمكة
أن يبيت فله ذلك ما لم تغب عليه الشمس بمكة
فإذا غابت فليقم حتى يرمي من الغد.
فرع: ولو رجع إلى منى ثم بدا له قبل الغروب أن
يتعجل فله ذلك ص: "فيسقط عنه رمي الثالث" ش:
أي الثالث من أيام الرمي. قال في الطراز من
تعجل سقط عنه رمي الثالث فإن كان معه حصا أعده
لرمي اليوم الثالث طرحه أو دفنه لمن لم يتعجل.
وما يفعله الناس من
(4/188)
ورخص لراع بعد
العقبة أن ينصرف ويأتي الثالث فيرمي لليومين
ـــــــ
دفنه لا يعرف له أصل ولم يثبت فيه أثر انتهى.
قلت: قال التادلي وفي منسك مكي من أراد أن
يتعجل دفن ما بقي عليه من الحصا وهو أحد
وعشرون حصاة وهو غريب. قال في التوضيح وذكر
بعض أصحابنا أنه يدفن الحصى إذا تعجل وليس
بمعروف انتهى. ص: "ورخص لراع بعد العقبة أن
ينصرف ويأتي الثالث فيرمي لليومين" ش: قال في
التوضيح وقال محمد يجوز لهم ذلك ويجوز لهم أن
يأتوا ليلا فيرموا ما فاتهم في ذلك اليوم
وانتهى. ونقله ابن عرفة وغيره. والظاهر أنه
ليس بخلاف لأنه إذا رخص لهم في تأخير الرمي
ولليوم الثاني فرميهم ليلا أولى بالجواز إلا
أنهم إذا جاؤوا ليلا إلى منى فيظهر من كلام
صاحب الطراز إنه يلزمهم حكم المبيت بها. قال
لأن حاجة الرعي إنما تكون بالنهار فإذا غربت
الشمس فقد انقضى وقت الرعي وبهذه العلة فرق
أصحاب الشافعي بينهم وبين أهل السقاية إذا
غربت لهم الشمس بمن قالوا لأن سقايتهم بالليل
والنهار فكان لهم ترك المبيت بمنى بخلاف
الرعاة.
تنبيه: يذكر المصنف هنا حكم السقاية مع أنه
أشار إلى ذلك في مناسكه. قال في الطراز يجوز
لأهل السقاية ترك المبيت بمنى ويبيتون بمكة
يرمون الجمار بمنى نهارا ويعودون إلى مكة
انتهى. وعلم من كلام صاحب الطراز أن أهل
السقاية ليسوا كالرعاة في تأخير الرمي وكلام
المصنف في مناسكه يقتضي أنهم سواء.
فائدة تتضمن الكلام على حكمة أصل خروج سابق
الحاج المبشر عنهم بسلامتهم ووقت خروجه هل هو
يوم العيد أو بعد مضي أيام التشريق. قال الشيخ
جلال الدين السيوطي في حاشية الموطأ في جامع
القضاء إن رجلا من جهينة كان يسبق الحاج ما
نصه. أخرج الخطيب البغدادي في كتابة ثاني
التلخيص من طريق حسين العجلي عن علي بن زيد عن
عبد الملك بن عمير عن عبد الله بن عمر بن
الخطاب قال تخرج الدابة من جبل أجياد في أيام
التشريق والناس بمنى قال فلذلك جاء سابق الحاج
يخبر بسلامة الناس. قلت: هذا أصل قدوم المبشر
عن الحاج وفيه بيان السبب في ذلك وأنه كان من
زمن عمر بن الخطاب إلا أن المبشر الآن يخرج من
مكة يوم العيد وحقه أن لا يخرج إلا بعد أيام
التشريق ثم رأيت ابن مردويه أخرج في السيرة من
طريق سفيان بن عيينة عن ابن جريج عن عبد الله
بن عبيد بن عمير عن أبي الطفيل عن حذيفة بن
أبي أسيد أراه رفعه قال تخرج الدابة من أعظم
المساجد حرمة فبينما هم قعود تربو الأرض
فبينما هم كذلك إذ تصعدت قال ابن
(4/189)
وتقديم الضعفة
في الرد للمزدلفة وترك التحصيب لغير مقتدى به
ورمي كل يوم الثلاث وختم بالعقبة من الزوال
للغروب وصحته بحجر كحصى الخذف ورمى وإن بمتنجس
ـــــــ
عيينة تخرج حين يسري الإمام من جمع وإنما جعل
سابق الحاج ليخبر الناس أن الدابة لم تخرج.
فهذه الرواية تقتضي أن خروج المبشر يوم العيد
واقع موقعه انتهى. ص: "وتقديم الضعفة في الرد
للمزدلفة" ش: أي تقديم الضعفة إلى منى في الرد
إلى المزدلفة أو اللام بمعنى من كقولهم سمعت
له صراخا أي منه ونحوه قول المصنف فيما يأتي
في الأشعار من الرأس للرقبة أي من الرقبة أي
جهة الرقبة. قال الشيخ زروق في شرح الإرشاد.
أما دفعه من المشعر قبل طلوع الشمس فسنة ولا
بأس بتقديم الضعفة ليلا كنفرهم من عرفة بعد
الغروب وقبل الإمام انتهى. وقاله غيره.
تنبيه: قال في التلقين وللإمام أن يقدم ضعفة
أهله ليلة المزدلفة إلى منى بشرط الدم. وقيل
إنها رخصة له خصوصا. انتهى وهو مشكل والله
أعلم. ص: "من الزوال للغروب" ش: هذا وقت
الأداء والوقت المختار منه من الزوال إلى
الإصفرار. ص: "وصحته بحجر كحصى الخذف" ش: قال
ابن هارون في شرح المدونة. قال ابن شاس يشترط
كونها حجرا ولا يجزئ غير الحجر وهو المفهوم من
لفظ الحصى والجمار إلا أن في عدم إجزاء غيره
نظر انتهى. واستحب مالك في المدونة أن يكون
حصى الجمار أكبر من حصى الخذف قليلا. قال في
التوضيح قال سند وكان القاسم بن محمد يرمي
بأكبر من حصى الخذف. واستشكل الشافعي استحباب
مالك كونها أكبر مع ما ورد أن النبي صلى الله
عليه وسلم رمى. بمثل حصى الخذف وأجيب بوجهين
أحدهما للباجي أنه لم يبلغه الحديث والثاني
لعبد الحق وغيره أنه بلغه لكن استحب الزيادة
على حصى الخذف لئلا ينقص الرامي ذلك انتهى.
وقال ابن ناجي قال غير واحد فوق الفستق ودون
البندق. قال الفاكهاني سمعت خطيب الحاج بمكة
يقوله ثم رأيته لأصحابنا انتهى.
(4/190)
على الجمرة وإن
أصابت غيرها إن ذهبت بقوة لا دونها وإن أطارت
غيرها لها ولا طين ومعدن وفي إجزاء ما وقف
بالبناء تردد وبترتبهن وأعاد ما حضر بعد
المنسية وما بعدها في
ـــــــ
فرع: قال في الزاهي ويحمل حصى نفسه ولا يستعين
على حمله بغيره ولا يغسل الحصى. ص: "وإن
بمتنجس" ش: يعني الرمي يصح بالحجر المتنجس
يريد ولكنه مكروه. قال في التوضيح قال سند
قالت الشافعية لو رمى بحجر نجس أجزأه. قال
وليس ببعيد على المذهب ولكنه يكره انتهى. ولفظ
الطراز قال أصحاب الشافعية لو رمى بحجر نجس
لأجزأه وهذا لا يبعد على المذهب فقد قال مالك
في الموازية في الحصى يلتقطها ليس عليه أن
يغسلها ولو كان تحقق النجاسة يمنع الإجزاء
لكان توقعها يؤذن باستحباب غسلها إلا أنه لا
ينبغي أن يرمي بحجر نجس وإن رمى به أعاد. فإن
وقع ذلك وفات أجزأه لأن المقصود الرمي بالحصى
وقد حصل فوقع الإجزاء انتهى. وليس في كلام
المصنف ما يفهم الكراهة ولا استحباب الإعادة
وكلام صاحب الطراز يدل على أن هذا الفرع ليس
بمنصوص عليه لمالك. وقال في التوضيح ونقل ابن
الحاج عن مالك الإجزاء في الحجر النجس. ص:
"على الجمرة" ش: قال الباجي الجمرة اسم لموضع
الرمي قال ابن فرحون في شرحه على ابن الحاجب
وليس المراد بالجمرة البناء القائم وذلك
البناء قائم وسط الجمرة علامة على موضعها
والجمرة اسم للجميع انتهى. وقال الشيخ زروق
ومن أي جهة رمى الجمرة في مرماها صح الرمي.
انتهى من شرحه على الإرشاد. ص: "وفي إجزاء ما
وقف بالبناء تردد" ش: الظاهر الإجزاء والله
أعلم. ص: "وأعاد ما حضر بعد المنسية وما بعدها
في يومها فقط" ش: قال في المدونة فلو رمى من
الغد
(4/191)
يومها فقط وندب
تتابعه فإن رمى بخمس خمس اعتد بالخمس الأول
ـــــــ
ثم ذكر قبل مغيب الشمس أنه نسي حصاة من الجمرة
الأولى بالأمس فيرمي الأولى بحصاة والثنتين
بسبع سبع ثم يعيد رمي يومه لأنه في بقية من
وقته انتهى. وقال ابن هارون في شرح المدونة
قوله يرمي الأولى بحصاة وقيل يستأنفها بسبع
حكى الباجي أنه قول ابن كنانة في المدونة وسبب
الخلاف هل الفور واجب مطلقا أو مع الذكر
انتهى. وانظر الطراز في المسألة السابعة عشر
من باب حكم منى مع الرمي وإعادته لرمي ما حضر
وقته على جهة الاستحباب كإعادة الصلاة الوقتية
إذا صلاها قبل منسية. قاله ابن هارون في شرح
المدونة ونصه إثر كلامه السابق. وقوله يعني في
المدونة ثم يعيد رمي يومه يعني استحبابا في
الوقت كما يعيد صلاة وقته إذا صلاها قبل
منسيته. وحكى ابن شاس قولا آخر أنه لا يعيد ما
رماه في يومه انتهى.
فرع: سئلت عمن نسي رمي جمار يوم من أيام فذكر
ذلك قبل غروب الشمس من اليوم الثالث بقدر ما
يسع رمي الجمار الثلاث هل يبدأ برمي الأداء أو
برمي القضاء فإنه إن رمى للقضاء فات الأداء
وفات قضاؤه وإن رمى الأداء فات القضاء. وكذلك
لو وقع ذلك في غير اليوم الثالث هل يقوم
القضاء وإن أدى إلى فوات الأداء فأجبت بأني لم
أقف على نص في المسألة والذي يظهر لي في غير
اليوم الثالث أنه يقدم القضاء وإن أدى لفوات
الأداء كما في الصلاة الحاضرة والمنسية وأما
في الثالث الذي هو رابع يوم النحر فالذي يظهر
لي أنه يقدم الأداء وقد فات وقت الأداء حيث لم
يبق للغروب إلا ما يسع رمي اليوم الرابع
فتأمله والله أعلم. ص: "وندب تتابعه" ش: أي
وندب تتابع الرمي في الجمار الثلاث وظاهر
كلامه أن التتابع أي الفور في رمي الجمار
مستحب مطلقا أي مع الذكر وعدمه وهو الذي شهره
ابن بشير وحمل أبو الحسن الصغير المدونة عليه
ومشى عليه المصنف في توضيحه وجزم به هنا
(4/192)
وإن لم يدر
موضع حصاة اعتد بست من الأولى وأجزأ عنه وعن
صبي ولو حصاة حصاة
ـــــــ
في مناسكه وقبل ذلك الشارح في شروحه الثلاثة
وكذلك البساطي والأقفهسي وهو ظاهر المدونة.
قال في المدونة ويوالي بين الرمي ولا ينتظر
بين كل حصاتين شيئا. قال أبو الحسن الصغير هذا
على جهة الأولى والأفضل إلا أنه من شروط صحة
الرمي يدل عليه ما يأتي في مسائل النسيان
انتهى. ويشير بمسائل النسيان إلى المسائل التي
ذكر المصنف بعضها بعد قوله وندب تتابعه. وقال
في المدونة فإن ترك رمي جمرة العقبة أو بعضها
يوم النحر إلى الليل فليرمها ليلا وفي نسيان
بعضها يرمي عدد ما ترك ولا يستأنف جميع الرمي.
ومن رمى الجمار الثلاث بخمس خمس يوم ثاني
النحر ثم ذكر من يومه رمي الأولى بحصاتين ثم
الوسطى بسبع ثم العقبة بسبع ولا دم عليه ولو
ذكر من الغد رمى هكذا وليهد على أحد قولي
مالك. ولو رمى من الغد ثم ذكر قبل مغيب الشمس
أنه نسي حصاة من الجمرة الأولى بالأمس فليرم
الأولى بحصاة والاثنين بسبع سبع ثم يعيد رمي
يومه لأنه في بقية من وقته وعليه دم للأمس
وإذا ذكر ذلك بعد مغيب الشمس من اليوم الثاني
رمى عن أمس كما ذكرت وعليه فيه دم ولم يعد رمي
يومه وإن لم يذكر ذلك إلا بعد رمي يومين فذكره
قبل مغيب الشمس من آخر أيام التشريق رمى
الأولى بحصاة والاثنتين بسبع سبع عن أول يوم
وأعاد الرمي عن يومه هذا فقط إذ عليه رمي بقية
يومه ولا يعيد رمي اليوم الذي بينهما لأن وقت
الرمي قد مضى. وإن ذكر أنه نسي حصاة من أول
يوم ولا يدري من أي جمرة فقال مالك مرة يرمي
الأولى بحصاة ثم يرمي الوسطى والعقبة بسبع سبع
وبه أقول ثم قال يرمي كل جمرة بسبع سبع انتهى.
قال في النكت وفي كتاب الأبهري. قال ومن بقيت
بيده حصاة فلم يدر من أي جمرة هي فليرم بها
الأولى ثم يرمي الباقيتين بسبع سبع. وقد قيل
إنه يستأنفهن والأول أحب إلينا. وجه قوله يأتي
بحصاة للأولى جواز أن تكون الحصاة منها ولا
يصح رمي ما بعدها إلا بتمامها فوجب في
الاحتياط أن يجعلها من الأولى ليكون على يقين.
ووجه قوله إنه يستأنفهن أنه قد انقطع
(4/193)
...............................
ـــــــ
بناء رمي الأولى للحصاة التي بقيت فوجب أن
يبتدئ لرميهن كلهن حتى يوالي الرمي انتهى.
ونحوه في ابن يونس ونقله أبو الحسن الصغير ثم
قال فهذا يكره النقص على ما تقدم وإن الموالاة
مطلوبة فيكون في الكتاب قولان انتهى. وقال ابن
بشير فإن ترك حصاة فلا يخلو أن يذكر موضعها أو
يشك فإن ذكر موضعها فهل يعيد الجمرة من أصلها
أو يكفيه رمي حصاة واحدة ثلاثة أقوال أحدها
أنه لا يعيد بل يرمي حصاة واحدة وهذا هو
المشهور والثاني أنه يعيد الجمرة من أصلها
والثالث إذا ذكرها يوم الأداء أعادها خاصة وإن
ذكرها في يوم القضاء أعاد الجمرة من أصلها.
وسبب الخلاف هل الموالاة في الجمرة الواحدة
واجبة أو مستحبة فمن أوجبها أوجب الإعادة للكل
ومن لم يوجبها اجتزأ برمي ما نسي خاصة ومن فرق
فلأنه رأى أن حكم القضاء والأداء مختلفان فلا
يجتمعان في جمرة واحدة وإن لم يدر موضعها
فقولان في الكتاب أحدهما أنه يرمي عن الأولى
الحصاة ثم يعيد ما بعدها والثاني أنه يرمي عن
الجميع ولا يعتد بشيء. وقد تردد أبو الحسن
اللخمي هل هذا الخلاف يوجب الاختلاف إذا علم
موضعها أو يكون هذا بخلاف ذلك وهو مقتضى
الكتاب. والفرق أنه إذا علم الموضع قصد بتلك
الحصاة ذلك الموضع وأعاد ما بعده وإن لم يعلم
الموضع فلم تحصل له صورة يعول فيها على
الترتيب فأعاد الجميع في قول انتهى. وقال ابن
الحاجب فلو كانت حصاة لم يكتف برمي حصاة على
المشهور وثالثها إن كانت في يوم القضاء اكتفى.
قال في التوضيح ولو كان المنسي حصاة من إحدى
الثلاثة ويذكر من يوم أو من الغد لم يكتف برمي
حصاة على المشهور بل لا بد من إعادة الجمرة
كلها وقيل يكتفي برمي أن حصاة ويعيد بست في
الجمرة الأولى بناء على أن الفور في الجمرة
واجب أو مستحب. وذكر المصنف أن المشهورة عدم
الاكتفاء وفيه نظر فقد صرح الباجي وابن بشير
بأن الاكتفاء هو المشهور. وكذلك قال ابن راشد
وغيره وبه صدر في الجواهر. وقوله في القول
الثالث إن كان يوم القضاء اكتفى عكس المنقول.
وممن نقل العكس الباجي وابن بشير وابن راشد
وابن عبد السلام وقد وقع في بعض النسخ إن كان
يوم القضاء لم يكتف وهو الصواب وهو قول ابن
القاسم في المدونة ووجهه أنه لو قيل بالاكتفاء
في القضاء لزم أن يكون بعض الجمرة أداء وبعضها
قضاء بخلاف يوم الأداء. إذا تقرر ذلك علمت أن
الترتيب والفور هنا على العكس من الوضوء لأن
الترتيب هنا واجب والفور ليس بواجب والله
أعلم. انتهى كلام التوضيح وجزم بذلك في مناسكه
فقال والفور في رمي حصاة الجمرة ليس بواجب
انتهى. إذا علمت ذلك فيتحصل مما تقدم ومن كلام
صاحب الطراز وابن هارون وابن عبد السلام الآتي
في الفور في رمي حصى الجمرة طريقتان الأولى
طريقة ابن بشير وأبي الحسن الصغير والمصنف هنا
وفي توضيحه ومناسكه أن الفور مستحب مطلقا على
المشهور سواء كان ذاكرا أو ناسيا وهو ظاهر
المدونة من مسائل للنسيان التي ذكر المصنف
بعضها. ويؤخذ أيضا مما ذكره في شرح أول
(4/194)
ورمى العقبة
أول يوم طلوع الشمس وإلا إثر الزوال قبل الظهر
ووقوفه إثر الأولين قدر إسراع البقرة وتياسره
في الثانية وتحصيب الراجح ليصلي أربع صلوات
ـــــــ
مسألة من البيان عن ابن المواز ونصه قال ابن
المواز ولو رمى الجمار بحصاة حصاة كل جمرة حتى
أتمها بسبع سبع فليرم الثانية بست والثالثة
بسبع وهو صحيح لأن الترتيب يصح له بهذا. فلم
يعتبر ابن رشد في تصحيح رميه إلا حصول الترتيب
لا الفور فتأمله والله أعلم. والثانية طريقة
صاحب الطراز وابن هارون وابن عبد السلام أنه
اختلف في الفور هل هو شرط مطلقا أو شرط مع
الذكر وعلى هذه الطريقة فلو فرقه عامدا لم يجز
باتفاق وبذلك صرح ابن عبد السلام فقال لو فرقه
عامدا لم يجزه لاشتراط التتابع في رمي الحصى
مع الاختيار باتفاق. انتهى ونحوه في الطراز
ونصه اختلف في الفور هل هو شرط مطلقا أو شرط
مع الذكر ذكره في شرح مسألة المدونة المتقدمة
ونقله عنه في الذخيرة ونحوه قول ابن هارون في
القولة التي قبل هذه حيث قال وسبب الخلاف هل
الفور واجب مطلقا مع الذكر. ففهم من كلامهم
أنه يتفق على أنه شرط مع الذكر والله أعلم. ص:
"ورميه العقبة أول يوم طلوع الشمس" ش: هذا أول
الوقت المختار من وقت الأداء وآخره إلى
الزوال. وأول وقت الأداء من طلوع الفجر وآخره
إلى الغروب ويكره بعد الزوال إلى الغروب. قاله
ابن بشير وابن هارون في شرح المدونة. ونص ابن
هارون. وأما رمي العقبة فيستحب بعد طلوع الشمس
ويجوز بعد الفجر إلى الزوال ويكره عند الزوال
إلى الغروب من غير دم. واختلف في الدم إذا ذكر
في الليل وما بعده من أيام التشريق انتهى.
وقال الجزولي ويكره من الزوال للغروب ومن طلوع
الفجر إلى طلوع الشمس انتهى فتأمله والله
أعلم. ص: "ولا إثر الزوال قبل الظهر" ش: قال
في الموازية والواضحة قال ابن المواز فلو رمي
بعد أن صلى الظهر أجزأه زاد في الواضحة وقد
أساء انتهى. ص: "وتحصيب الراجع ليصلي أربع
صلوات" ش: ظاهره كأن يقيم بمكة أم لا وهو
(4/195)
وطواف الوداع
إن خرج لكالجحفة لا كالتنعيم
ـــــــ
كذلك على ظاهر كلام ابن الحاج. قال في مناسكه
مسألة فإذا وصل الحاج من الأبطح إلى مكة تنفل
بالبيت مدة مقامه بها وهو أفضل له من تنفله
بالصلاة والله أعلم. وتقدم عند قول المصنف
وجمع وقصر في كلام سند أن أهل مكة يحصبون وهو
المفهوم من إطلاقاتهم والله أعلم. ص: "وطواف
الوداع إن خرج لكالجحفة لا كالتنعيم" ش: قال
ابن معلى قال القاضي عبد الوهاب أفعال الحج
كلها المكي والآفاقي فيها سواء إلا في شيئين
طواف القدوم وطواف الوداع انتهى. وقال ابن
فرحون فإذا دخلت مكة وقد كنت طفت طواف الإفاضة
وأنت تريد الرحيل فطف للوداع وإن كنت تريد
الإقامة فأنت في الطواف بالخيار اه. وقوله "إن
خرج لكالجحفة لا كالتنعيم" يعني أن طواف
الوداع مشروع لكل من خرج من مكة مكي أو غيره
قدم لنسك أو لتجارة إن خرج لمكان بعيد سواء
كان بنية العودة أم لا وهو مراد المصنف بقوله
"إن خرج لكالجحفة". وأما إن خرج لمكان قريب
فإن كانت نيته العودة فلا طواف عليه كمن خرج
ليعتمر من التنعيم. قال سند ومن خرج إلى شيء
من المنازل القريبة لاقتضاء دين أو زيارة أهل
وشبه ذلك انتهى. وقال في التوضيح لما تكلم على
من خرج للجعرانة أو التنعيم. التونسي ولو خرج
ليقيم يعني بهما ودع انتهى. وانظر لو كان
منزله بذي طوى ونحوه هل عليه طواف أم لا
والظاهر أن عليه الطواف.
(4/196)
وإن صغيرا
وتأدى بالإفاضة والعمرة ولا يرجع القهقرى
وتبطل بإقامة بعض يوم بمكة لا بشغل
ـــــــ
فرع: قال سند ليس على من يتكرر منهم الدخول
مثل الحطابين وأهل البقول والفواكه وداع كما
لا يعتمرون إذا قدموا وترك العمرة أشد من ترك
الوداع وإسقاط الوداع عمن خرج لحاجة قريبة ثم
يعود بين لأنه ليس في عداد المفارق والتارك
للبيت بخلاف من خرج ليقيم بأهله في منزله
انتهى. وقال ابن عرفة وطواف الوداع هو طواف
الصدر مستحب لكل خارج من مكة لبعد منها أو
مسكنه ولو قرب مطلقا انتهى. فكلام سند الأخير
مع كلام ابن عرفة يشهد لما تقدم من أن طواف
الوداع على أهل ذي طوى إذا خرجوا ليقيموا به
والله أعلم.
تنبيه: قال المصنف في مناسكه وطواف الوداع
يسمى طواف الصدر والأول أشهر. وكره مالك في
الموازية أن يقال طواف الوداع قال وليقل
الطواف انتهى. وقال في التوضيح وسمي صدرا إما
لكونه يصدر بعده للسفر وإما لكونه يعقب الصدر
من منى. قال عياض والصدر بفتح الصاد الرجوع
انتهى. وقال النووي بفتح الصاد والدال ويطلق
الصدر على طواف الإفاضة. قال ابن السيد ويقال
وداع بفتح الواو وكسرها وكأن الوداع بالكسر
مصدر وادعت وبالفتح الاسم انتهى. ويحتمل أنه
إنما كره أن يقال طواف الوداع لأنه لا يكون من
المفارق فكره له اسم المفارقة عن ذلك المحل
الشريف والله أعلم.
فرع: قال سند يستحب إذا فرغ من طواف وداعه أن
يقف بالملتزم للدعاء. ص: "وإن صغيرا" ش: يعني
أن طواف الوداع يؤمر به العبد والحر والصغير
والكبير والذكر والأنثى والله أعلم. ص: "وتأدى
بالإفاضة والعمرة" ش: يعني أن طواف الوداع ليس
مقصودا لذاته بل المقصود أن يكون آخر عهده
بالبيت للحديث فأي طواف كان أجزأه فرضا أو
تطوعا نص عليه اللخمي والله أعلم. ص: "ولا
يرجع القهقرىط ش: قال في مناسكه ولا يرجع في
خروجه القهقري لأنه خلاف السنة وكثير من الناس
يفعل ذلك هنا وفي مسجده عليه السلام ولا أصل
لذلك في الشرع الشريف وأدت هذه البدعة إلى أن
صاروا يفعلونها مع مشايخهم وعند المقابل التي
يحترمونها ويزعمون أن ذلك من الأدب انتهى. ص:
"وبطل بإقامة بعض يوم لا بشغل خف" ش: ابن عرفة
وفيها يسير شغله بعده قبل خروجه لا يبطله وإن
أقام بعض يوم أعاد. اللخمي هذا أصوب من رواية
ابن شعبان من ودع ثم أقام الغد بمكة فهو في
سعة أن يخرج وفيها من ودع وأقام به كريه بذي
طوى يومه وليلته لم يعد. زاد الشيخ في رواية
ابن
(4/197)
خف ورجع له إن
لم يخف فوات أصحابه وحبس الكري والولي لحيض أو
نفاس وقدره وقيد إن أمن
ـــــــ
عبد الحكم وكذا من أقام بالأبطح نهاره انتهى.
ونقله سند ولفظه في ابن الحاجب والله أعلم. ص:
"ورجع له إن لم يخف فوات أصحابه" ش: يعني أن
من ترك طواف الوداع يرجع له وفواته بأحد أمرين
إما بتركه بالكلية بأن لا يفعله أصلا وإما
بتركه حكما كمن طاف على غير وضوء أو لم يصل له
ركعتين حتى انتقض وضوؤه بالأول. قال المؤلف
يرجع إن لم يخف فوات أصحابه. وقال ابن عرفة
ويرجع له من لم يبعد وفيها رد له عمر من مر
الظهران ولم يحد له مالك أكثر من القرب وأرى
أن يرجع ما لم يخف فوات أصحابه أو يمنعه كريه.
وروى الشيخ من بلغ مر الظهران لم يرجع له
انتهى. ونقله في التوضيح. والثاني وهو فواته
حكما لتركه أصلا. قال في الطراز قال مالك عن
ابن القاسم ولو كان الطواف قبل طلوع الشمس
فخرج وهو يريد أن يركع الركعتين بذي طوى
فانتقض وضوؤه فإن تباعد فلا شيء عليه بخلاف
ركعتي الطواف الواجب يريد ويركعهما وقاله في
العتبية ولو كان قريبا في الوداع رجع. قال ابن
حبيب يأتنف الطواف انتهى. وقال ابن فرحون في
مناسكه.
فرع: ولطواف الوداع ركعتين ومن نسيهما حتى
تباعد وبلغ بلده ركعهما ولا شيء عليه وإن كان
بالقرب وهو على طهارة رجع فركعهما وإن انتقض
وضوؤه ابتدأ الطواف وركعتيه وإن كان توديعه
بعد العصر فله أن يركع الركعتين إذا حلت
النافلة في الحرم أو خارجا عنه انتهى والله
أعلم.
فائدة مر الظهران هو وادي مر بينه وبين مكة
ستة عشر ميلا وقيل ثمانية عشر وقيل أحدا
وعشرين. حكاه ابن وضاح وذكر السهيلي خلافا في
تسميته بمر فقال سمى مرا لأن في عروق الوادي
من غير لون الأرض شبه الميم الممدود بعدها راء
خلقت كذلك. قال ونقل عن ذر سميت مرا لمرارتها
ولا أدري ما صحة هذا. ونقل الحارثي عن الكندي
أن مر اسم للقرية والظهران اسم للوادي. ص:
"وحبس الكري والولي لحيض أو نفاس قدره وقيد إن
أمن
(4/198)
والرفقة في
كيومين
ـــــــ
والرفقة في كيومين" ش: ربما يوهم إتيانه بهذه
المسألة هنا أنها من مسائل الوداع وليست هي
منه إنما هي من مسائل طواف الإفاضة. وأما طواف
الوداع فإنها تخرج فلا تقيم حتى تطهر وتطوف
قاله في المدونة. فلو نفرت قبل طواف الوداع
وهي حائض فطهرت فإن كانت بقرب مكة وأمكنها
الرجوع فعلت. قاله سند. وقول المصنف "أو نفاس"
يعني سواء علم أنها حامل أو لم يعلم. وسواء
كانت حاملا حين عقد الكراء أولا. هذا على مذهب
المدونة. وروي في الموازية عن مالك لا يحبس
على النفساء لأنه يقول لم أعلم أنها حامل وأما
الحيض فلا كلام له فيه لأن من شأن النساء.
قاله في التوضيح. وقوله "قدره" قال في التوضيح
مدة ما يحكم لها بالحيض مع الاستظهار فيحبس
على المبتدأة خمسة عشر يوما وعلى المعتادة
عادتها والاستظهار. ابن المواز واختلف قول
مالك في الحائض فقال مرة يحبس عليها خمسة عشر
يوما وقال مرة خمسة عشر وتستظهر بيوم أو يومين
وقال مرة شهرا ونحوه. اللخمي وليس هذا بالبين
لأنها إذا جاوزت الخمسة عشر يوما أو السبعة
عشر يوما كانت في معنى الظاهر تصلي وتصوم
ويأتيها زوجها انتهى. وقال سند وهذا عندهم في
حيض الحامل وأما الحامل فلا يدوم بها الحيض
هكذا وخرج قوله في الحامل على اختلاف القول في
مبلغ حيضها انتهى. قال في التوضيح قال في
البيان ويحبس فيها في النفاس ستين يوما انتهى.
وقال ابن عرفة ابن رشد على الأول يعني القول
بأنها يحبس عليها أيامها المعتادة والاستظهار
إن زاد دمها فظاهرها تطوف كمستحاضة وتأولها
الشيخ بمنعه وفسخ كرائها انتهى. وقال في
التوضيح قال في الجواهر.
فرع: إذا قلنا برواية ابن القاسم فتجاوز الدم
مدة الحبس فهل تطوف أو يفسخ الكراء قولان
انتهى. والظاهر أنها تطوف ولا وجه للفسخ لأن
مدة الحبس هو أقصى مدة الحيض والنفاس والله
أعلم. انتهى كلام التوضيح. وقوله "وقيد إن
أمن" هذا التقييد نسب للتونسي وابن اللباد
والشيخ أبي محمد ابن أبي زيد ويعني به أنه
إنما يحبس مع أمن الطريق وأما مع عدم الأمن
فلا يحبس الكري. قال ابن عرفة قال اللخمي
يختلف هل يفسخ أو يكري عليها.
فرع: قال في التوضيح قال مالك في العتبية شرطت
عليه عمرة في المحرم فحاضت قبلها لا يحبس على
هذا كريها ولا يوضع الكراء شيء. قال في
الذخيرة لأن المقصود الحج انتهى. ونقله سند.
وقال ابن عرفة سمع القرينان لو شرطت عليه عمرة
في المحرم بعد حجها
(4/199)
وكره رمي بمرمي
به كأن يقال للإفاضة طواف الزيارة أو زرنا
قبره صلى الله عليه وسلم ورقي البيت أو عليه
أو على منبره عليه الصلاة والسلام بنعل
ـــــــ
لم يحبس قبلها قيل أيوضع لها من الكراء شيء
قال لا أدري ما هذا. ابن رشد إنما حبس في الحج
لامتناع خروجها قبل إفاضتها وإمكانه في العمرة
لعدم إحرامها بها. قلت: مفهومه إن أحرمت حبس
قال والصواب فيما وقف فيه مالك إن أبت الرجوع
وأبى الصبر عليها فسخ كراء ما بقي لحقها في
العمرة لأنها عليها سنة واجبة وإن كانت قد
نذرتها فأوضح انتهى.
فرع: استحسن في سماع أشهب إذا حبس الكري
للنفساء أن تعينه بالعلف وأما الحائض فلا.
قاله في التوضيح ص: "وكره رمي بمرمى به" ش:
يعني أن الرمي بالحصى المرمي به مكروه سواء
رمي به هو أو غيره.
فرع: قال اللخمي لو كرر الرمي بحصاة واحدة
سبعا لم يجزه وناقشه ابن عرفة والله أعلم. ص:
"كأن يقال للإفاضة طواف الزيارة" ش: ذكر عبد
الحق في التهذيب أن مالكا كره أيضا أن تسمى
أيام منى أيام التشريق واستحب أن تسمى بالأيام
المعلومات انتهى. وقال ابن أبي زيد في مختصره
في كتاب الجامع في باب القراءة والذكر وأنكر
مالك أن يقال صلاة العتمة وأيام التشريق. وقال
يقول الله تعالى {وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ
الْعِشَاءِ} [النور: من الآية58] وقال عز وجل
{وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ
مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: من الآية203] انتهى.
ص: "أو زرنا قبره عليه السلام" ش: الكراهة
باقية ولو سقط لفظ القبر نقله في التوضيح عن
سند. وقال البساطي إطلاق هذه اللفظة في حقه
صلى الله عليه وسلم وفي حق بيت الله تعالى من
حيث إنها إنما تستعمل بين الإكفاء وفي السعي
الغير الواجب ويعد الزائر متفضلا على من زاره
ولا يقول من ذهب إلى السلطان لإقامة ما يجب من
حقه أتيت السلطان لأزوره ولا زرت السلطان ولأن
من سعى يطلب حاجة من عند أحد يعد زائرا وكذا
لا يسعون في الحج لحوائجهم وقضاء فرائضهم
وعبادة. ولا هم وكذلك في مشاهدة الرسول
والصلاة في مسجده إنما يطلبون بذلك الفضل
(4/200)
بخلاف الطواف
والحجر وإن قصد بطوافه نفسه مع محموله لم يجز
عن واحد منهما وأجزأ السعي عنهما كمحمولين
فيهما .
فصل في موانع
الإحرام.
حرم بالإحرام على المرأة
ـــــــ
من الله تعالى والرحمة فليسوا الزائرين على
الحقيقة انتهى. ص: "ورقي البيت أو عليه أو
منبره عليه الصلاة والسلام بنعل" ش: مراده
برقي البيت دخوله وقوله أو عليه أي على ظهره
أو على منبره عليه السلام ويؤخذ منه أنه لا
كراهة في رقى درج البيت. وكره مالك أن يجعل
نعله في البيت إذا جلس يدعو وليجعلهما في
حجرته قاله سند ونقله المصنف في مناسكه وتوضحه
ونقله غيره. والمراد بالنعلين المتحقق
طهارتهما قال في المدونة وكذلك الخفين والله
أعلم. ص: "وإن قصد بطوافه نفسه مع محموله لم
يجز واحدا" ش: حكى ابن الحاجب وابن عرفة فيمن
حمل صبيا ونوى أن يكون الطواف عنه وعن الصبي
أربعة أقوال بالإجزاء عنهما وعدمه وبالإجزاء
عن الحامل دون المحمول أو عكسه. وقال ابن
الحاجب إن المشهور عدم الإجزاء عنهما. قال في
التوضيح ولم أر من شهره. ونسب ابن راشد
للمدونة الإجزاء عن الصبي قال وهو جار على
مذهب مالك فيمن حج من فرضه ونذره أنه يعيد
الفريضة. خليل وفيه نظر ولا يؤخذ من المدونة
حكم المسألة بعد الوقوع وإنما يؤخذ منها المنع
ابتداء انتهى. وظاهر كلام صاحب الطراز ترجيح
القول بالإجزاء عنهما وظاهر كلام المصنف أنه
لا فرق بين كون المحمول واحدا أو جماعة صغيرا
نوى الحامل عنه وعن نفسه أو كبيرا ينوي هو
لنفسه وينوي الحامل لنفسه والله أعلم.
فصل
ص: "حرم بالإحرام على المرأة" ش: بدأ بالكلام
على المرأة مع أن البداءة بالرجل أولى
(4/201)
لبس قفاز وستر
وجه إلا لستر بلا غرز وربط
ـــــــ
كما ورد بذلك القرآن في آي كثيرة ووردت بذلك
السنة ولعل المصنف إنما فعل ذلك لقلة الكلام
المتعلق بالمرأة.
فائدة قال بعضهم تخالف المرأة الرجل في عشرة
أشياء في الحج في تغطية الرأس وفي حلقه وفي
لبس المخيط وفي لبس الخفين وفي عدم رفع الصوت
بالتلبية وفي الرمل في الطواف وفي الخبب في
السعي بين الصفا والمروة وفي الوقوف بعرفة
والركوب والقيام أفضل للرجل والقعود أفضل
للنساء وفي البعد عن البيت في الطواف والقرب
منه أفضل للرجال والبعد منه أفضل للنساء وفي
الارتقاء على الصفا والمروة انتهى. قلت: وفي
ركوب البحر والمشي من المكان البعيد فيكره ذلك
للنساء ولو قدرن. ويجب على الرجل إذا قدر وفي
أنها يشترط في حقها زوج أو محرم أو رفقة
مأمونة والله أعلم. ص: "لبس قفاز" ش: قال في
التوضيح القفاز ما يفعل على صفة الكفين من قطن
ونحوه ليقي الكف من الشعث انتهى. وقال ابن
عرفة قال الباجي ويجب على المرأة تعرية يديها
من القفازين ويستحب من غيرهما فإن أدخلتهما في
قميصها فلا شيء عليها انتهى. ونحوه في الطراز
ونقله ابن فرحون في شرحه فإن لبست القفازين
فعليها الفدية على المشهور خلافا لابن حبيب.
وعزاه ابن عرفة المشهور لرواية الشيخ ابن أبي
زيد مع أنه في المدونة. ويستفاد حكم الفدية من
كلام المصنف لأن كل ما حكم له في هذا الفصل
بأنه ممنوع ففيه الفدية ما لم يصرح بأنه لا
فدية فيه كتقليد السيف لغير ضرورة. ص: "وستر
وجه" ش: قال في المناسك وإن سترت وجهها أو
بعضه فالفدية كما لو تبرقعت أو تعصبت انتهى.
ونص عبد الوهاب في شرح الرسالة في الكلام على
غسل الوجه في الوضوء على أنه إن غطت المحرمة
شيئا من وجهها وجبت عليها الفدية ولو غطت ما
في الصدغ من البياض لا يلزمها شيء. وذكره على
وجه الاحتجاج به على أنه ليس من الوجه فظاهره
أنه متفق عليه ونصه فأما حد الوجه فهو عندنا
من قصاص شعر الرأس إلى آخر الذقن طولا ومن
الصدغ إلى الصدغ عرضا والبياض الذي وراء الصدغ
إلى الأذن ليس من الوجه عند مالك. والذي يدل
على سقوط غسله أن المرأة إذا أحرمت لزمها كشف
جميع وجهها ثم لا شيء عليها في تغطية هذا
الموضع ولو غطت شيئا من وجهها لزمها الفدية
انتهى. وما ذكره من وجوب الفدية فيما إذا غطت
شيئا من وجهها فيعني به ما عدا ما يستره
الخمار من وجهها فإنه يعفى عن ستره. قال في
الطراز لأنه لما كان عليها ستر رأسها ولا يمكن
إلا بجزء من الوجه سترت من الوجه ما يستره
الخمار في تخمير الرأس وقدم لستر ذلك الجزء
على كشف جزء من الرأس لأن الرأس عورة وستر
العورة فوق حق الإحرام. انتهى والله أعلم. ص:
"إلا لستر بلا غرز وربط" ش
(4/202)
وإلا ففدية
وعلى الرجل محيط بعضو وإن بنسج أو زر أو عقد
ـــــــ
أي لقصد الستر عن الرجال. ولا يحتاج أن يقول
المصنف ذلك لأنه الستر يستلزمه ولذلك جعل في
المدونة كونه للستر قسيم كونه لحر أو برد وكذا
في كلام الباجي. وبهذا اعتذر ابن عرفة عن ابن
حبيب فإن فعلته لحر أو برد فسيان فيه الفدية.
قاله في التوضيح. وقال ابن فرحون في شرح ابن
الحاجب وأما الأجل حر أو برد أو لغير سبب فليس
لها ذلك انتهى. وقال في الطراز للمرأة أن تستر
وجهها عن الرجال فإن أمكنها بشيء في يديها
كالمروحة وشبهها فحسن وإن لم يمكنها وكان لها
جلباب سدلته على رأسها فإن لم يكن لها جلباب
فلها أن تنصب بعض ثوبها تجاهها بيدها ولها أن
تلقي كمها على رأسها وتسدل بعضه على وجهها فإن
لم تجد إلا خمارها الذي على رأسها فإن كان فيه
فضل ترفعه على رأسها فتسدله على وجهها فعلته
وإن رفعت حجز خمارها فألقته على رأسها فلا شيء
عليها لأن ستر الوجه ولبس المخيط إنما تجب فيه
الفدية مع الطول والانتفاع باللبس من حر أو
برد وشبهه مما وضع له ذلك اللباس وليس هذا منه
في شيء فإن عقدت الخمار على رأسها نظر فإن
حلته بالقرب فلا فدية عليها وإن تركته حتى طال
افتدت وإن أرسلته على رأسها ولم تعقده وطال
كان على القولين في ستر وجه المحرم ويخالف
العقد من حيث إنه في معنى المخيط انتهى.
فرع: ولا يضرها ترك مجافاة ردائها عن وجهها
إذا سدلته عليه. قاله في المدونة. وانظر ما
يفعله النساء اليوم من القفة المعمولة من
السعف ويربطنها على وجوههن ثم يسدلن عليها
الثوب والظاهر أن عليها الفدية إذا فعلت ذلك
وطال. وقد قال في المدونة في المرأة تتبرقع
وتجافي البرقع عن وجهها إن عليها الفدية. قال
في الطراز لأن البرقع مخيط وضع للوجه وقد
عقدته عليه فقد تم لبسه. ص: "وإلا ففدية" ش:
وإن سترت وجهها للستر لكن بغرز أو ربط فعليها
الفدية. قال في المدونة وإن رفعته من أسفل
وجهها افتدت لأنه لا يثبت حتى تعقده بخلاف
السدل انتهى. وأما ستر وجهها لغير الستر فقد
علم أن في ذلك الفدية من حكمه له بالمنع كما
تقدم وإنما صرح بالفدية في مسألة الغرز والربط
لأنه لم يستفد المنع فيها إلا من المفهوم
والله أعلم. ص: "وعلى الرجل محيط بعضو وإن
بنسج أو زر أو عقد" ش: محيط
(4/203)
كخاتم وقباء
وإن لم يدخل كما
ـــــــ
بالحاء المهملة ليتعلق به قوله "بعضو" ثم بالغ
بقوله "وإن بنسج" فدخل المخيط من باب أولى.
وقال الشيخ زروق في شرح الرسالة والتجرد من
المخيط بفتح الميم والمعجمة واجب وكذلك المحيط
بضم الميم والحاء المهملة شرط إحرام الرجال لا
النساء فلا يدع عليه ما يمسك بنفسه بخياطة
وإحاطة لا أزرار دون عقد ولا زر بل يخالف
طرفيه ويأتي بكل ناحية لمقابلها فيلفه عليها
انتهى. وقال ابن عرفة وممنوع إحرام غير مفسده
التطيب وإزالة الشعث ولبس الرجل المخيط الكثيف
لبسه كالقميص والجبة والبرنس والقلنسوة.
الباجي إلا المخيط على صورة النسج كمئزر ورداء
مرفقين انتهى.
تنبيه: قال ابن فرحون في شرحه في كتاب ابن
المواز إجازة التخلل بعود ومنعه في العتبية
انتهى. وقال ابن عرفة وفيها التخلل والعقد
والمزرر كالخياطة. قلت: ولهذا قال الملبد
والمنسوج على صورة المخيط الممنوع مثله ولبس
المخيط الممنوع ممنوع لبس الجائز جائز. ونقل
ابن عبد السلام إجازة التخلل عن كتاب محمد لم
أجده له ولا لغيره انتهى. ولم أقل عليه في
نسختي من ابن عبد السلام ولعله سقط منها والله
أعلم. ص: "كخاتم" ش: قال ابن الحاجب وفي
الخاتم قولان فحملهما في التوضيح على الجواز
والمنع. وقال اللخمي وابن رشد المعروف من قول
مالك منعه لأنه أشبه بالإحاطة بالأصبع المحيط.
وفي مختصر ما ليس في المختصر لا بأس به. وحكى
ابن بشير قولين في الفدية إذا قلنا بالمنع
انتهى. وظاهر كلام ابن عبد السلام أنهما في
الفدية وعدمها قال والأقرب سقوط الفدية. وكذا
قال ابن عرفة ونصه وفي الفدية في الخاتم قولان
لنقل اللخمي معروف قوله في هذا المنع مع قول
ابن رشد دليل تخفيفهما أن يحرم بالصبي وفي
رجله الخلاخل وعليه الأسورة أن الرجال بخلافه.
ونقل اللخمي رواية ابن شعبان انتهى. وإذا علم
هذا فالذي يظهر أن القائل بالمنع يقول بالفدية
والقائل بسقوط الفدية يقول بالجواز والله
أعلم.
تنبيه: وهذا في حق الرجل وأما المرأة فيجوز
لها لبس الخاتم. قاله في التوضيح وغيره.
والخاتم بكسر التاء وفتحها والخيتام والخاتام
كله بمعنى الجمع خواتيم. ص: "وقباء وإن لم
يدخل كما" ش: نحوه لابن الحاجب. قال ابن عبد
السلام فيه إجمال لأنه يصدق على ما لو لم يدخل
منكبيه فيه. وظاهر المدونة لا بد في الفدية من
دخولهما. انتهى ونحوه لابن فرحون وفهم المصنف
في التوضيح أن ابن عبد السلام اعترض على ابن
الحاجب بأن كلامه مخالف للمدونة من حيث إنه
قال فيها وأكره أن يدخل منكبيه فعبر بالكراهة.
وجزم ابن
(4/204)
وستر وجه أو
رأس بما يعد ساترا كطين ولا فدية في سيف وإن
بلا عذر واحتزام أو استثفار لعمل فقط وجاز خف
قطع أسفل من كعب لفقد نعل أو غلوه فاحشا
ـــــــ
الحاجب بالفدية ثم رد على ابن عبد السلام بأن
كلامه في المدونة يدل على وجوب الفدية وقد
علمت أن اعتراض ابن عبد السلام ليس من هذه
الحيثية والله أعلم. والقباء بفتح والقاف
والمد ما كان مفرجا. ص: "وستر وجه أو رأس" ش:
قال في الطراز سواء غطى رأسه أو بعضه خلافا
لأبي حنيفة انتهى.
فرع: قال سند في كتاب الطهارة في باب بقية من
أحكام الرأس والأذنين في شرح مسألة الشعر
المسدل لا يجب على المحرم شيء بتغطية ما انسدل
من لحيته ونقله عن عبد الوهاب.
فرع: قال في النوادر وإذا مات المحرم خمر وجهه
ورأسه انتهى. ص: "كطين" ش: قال سند أو حناء أو
طيب والله أعلم. ص: "واحتزام" ش: قال في مختصر
الوقار ولا بأس أن يحزم ثوبا على وسطه من فوق
إزاره إذا أراد العمل ما لم يعقده انتهى. ص:
"وجاز خف قطع أسفل من كعب لفقد نعل أو غلوه
فاحشا" ش: قال الشيخ سليمان الحيري في شرح
اللمع. قال في شرح الجلاب قال مالك ولا يلبس
نعلين مقطوعي العقبين. قال الأبهري وإنما قال
ذلك لأنهما بمنزلة الخف المقطوع أسفل الكعب
انتهى. ولا يلبس أيضا القبقاب لأن سيره محيط
بأصابع رجليه انتهى كلام الشيخ سليمان. وهذا
إذا كان سير القبقاب غليظا فواضح وإلا فالظاهر
الجواز والله أعلم. ثم قال الشيخ سليمان ولا
يلبس الصرارة بل يلبس الحذوتين اللتين يلبسهما
أهل البادية وشبه ذلك مما له سير يفتحه ويغلقه
من غير خياطة ولا تسمير ولكن يعوقه تعويقا
بحيث إنه إذا سحب ذلك السير انحل انتهى.
والصرارة هي المشهورة عندنا
(4/205)
واتقاء شمس أو
ريح بيد أو مطر بمرتفع
ـــــــ
بالحجاز بالتاسومة ومنه أيضا وقد نص في
التلقين على امتناع لبس الخمشكين للمحرم
انتهى. وفسر الشيخ سليمان الخمشكين بالسرموجة.
وقال القاضي عياض في قواعده والتجرد من المخيط
والخفاف للرجال وما له حارك من النعال يستر
بعض القدم إلا أحد لا يجد نعلين فليقطعهما
أسفل من الكعبين انتهى. ونقله ابن فرحون في
مناسكه وقال بعد قوله وما له حارك من النعال
كنعل التكرور التي لها عقب يستر بعض القدم
انتهى والله أعلم.
فرع: قال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب.
تنبيه: إذا كان الميقات لا يوجد في النعل
للشراء فهل يلزمه أن يعدها قبل ذلك وقع في
كلام القاضي سند في الطراز أن على المحرم أن
يعد النعلين إذا علم أنهما لا توجدان في
الميقات وكان واجدا لثمنهما انتهى وتبعه الشيخ
زروق في شرح الإرشاد. ص: "واتقاء شمس أو ريح
بيد" ش: قال في النوادر ولا بأس أن يواري
المحرم بعض وجهه بطرف ثوبه ولا بأس أن يجعل
يديه فوق حاجبيه ليستر بهما وجهه. وقال مالك
في المختصر وليس على المحرم كشف ظهره للشمس
إرادة الفضل فيه انتهى. وقال سند لا بأس أن
يسد أنفه من الجيفة واستحبه ابن القاسم إذا مر
بطيب انتهى. ص: "أو مطر بمرتفع" ش: ظاهر كلام
المصنف أنه لا يستتر بمرتفع من البرد وهو رأي
ابن القاسم في المدينة. قال في التوضيح قال
ابن الحاج في مناسكه وله أن يرفع فوق رأسه
شيئا يقيه من المطر. واختلف هل يرفع شيئا يقيه
من البرد وهو رأي ابن القاسم في المدينة فوسع
ذلك مالك في رواية ابن أبي أويس في المدينة
ولم ير ذلك ابن القاسم في المدينة أيضا وليس
له أن يضعه على رأسه من شدة الحر انتهى.
والأقرب جواز ذلك لما في صحيح مسلم وأبي داود
والنسائي عن أم حصين قالت حججت مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم حجة الوداع فرأيت أسامة
وبلالا وأحدهما آخذ بخطام ناقته عليه السلام
والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة
العقبة انتهى. ومثل الشيخ بهرام للمرتفع في
كلام المصنف بالخيمة وفيه نظر لإيهامه أن
الخيمة لا يستظل بها إلا من مطر فقط وليس كذلك
الجواز دخوله فيها ولو لغير مطر كما سيقوله
المصنف. فقال سند ولا خلاف في دخوله تحت سقف
بيت أو
(4/206)
و تقليم ظفر
انكسر وارتداء بقميص وفي كره السراويل روايتان
وتظلل ببناء وخباء ومحارة لا
ـــــــ
في خيمة أو قبة على الأرض انتهى. اللهم إلا أن
يريد الشيخ بهرام بذلك حالة كون المستظل راكبا
ولكن فيه تخصيص المسألة بالراكب وهو أعم والله
أعلم. ص: "وتقليم ظفر انكسر" ش: نحوه في
المدونة. قال التونسي وينبغي على هذا لو انكسر
له ظفران أو ثلاثة فقلمهما ما كان عليه شيء
ولم يجعله أنه أماط أذى عن نفسه بإزالة
المكسور كما قال إذا نتف شعرة من عينه إن ذلك
إماطة أذى ويفتدي انتهى. ونقله ابن عبد السلام
والمصنف في التوضيح بإسقاط ينبغي من أوله ولم
يذكره ابن عرفة وصاحب الشامل وما قاله التونسي
ظاهر وعارض أبو الحسن الصغير بين هذا وما يأتي
من أن الفدية تجب في الظفر الواحد إذا أماط به
أذى. قلت: ويجاب عن معارضته وعن معارضة
التونسي بمسألة الشعر من العين فأينما كانت
الضرورة فيه عامة والغالب وقوعه فيغتفر لأجل
الضرورة وتسقط الفدية فيه وما كان وقوعه نادرا
فهو باق على الأصل وتؤثر الضرورة في رفع الإثم
فقط لا في سقوط الفدية فتأمل ذلك ثبت مسائل
هذا الباب جارية عليه والله أعلم.
فرع: قال سند بعد أن ذكر تقليم الظفر المنكسر
إذا ثبت هذا فإنه يقتصر على ما كسر منه عملا
بقدر الضرورة فإن أزال جميع ظفره كان ضامنا
كمن أزال بعض ظفره ابتداء من غير ضرورة فإنه
بعض من جملة مضمونة فيكون مضمونا انتهى. وما
قاله ظاهر ومراده والله أعلم أنه يقطع المنكسر
ويواسي الباقي حتى لا تبقى عليه ضرورة فيما
يبقى في كونه يتعلق بما يمر عليه والله أعلم.
ص: "وتظلل ببناء أو خباء" ش: قال في التوضيح
قال في الاستذكار أجمعوا على أن للمحرم أن
يدخل تحت الخباء وأن ينزل تحت الشجرة. ثم قال
وحكى غيره أيضا جواز الاستظلال بالفسطاط
والقبة وهو نازل انتهى. وقال في التمهيد لابن
عبد البر في الثامن والأربعين من حديث نافع
أجمعوا على أن للمحرم أن يدخل الخباء والفسطاط
وإن نزل تحت شجرة أن يرمي عليها ثوبا انتهى
والله أعلم. ص: "ومحارة لا فيها" ش: يريد أنه
يجوز له أن يستظل بجانب المحارة يريد سواء
كانت وضوء أو سائرة وما ذكره هو أحد القولين.
قال في التوضيح وهو ظاهر المذهب.
تنبيهات: الأول: ظاهر كلام المصنف هنا وفي
التوضيح أن المحارة حكمها حكم المحمل. وقال في
التوضيح وقال ابن فرحون في شرح قول ابن الحاجب
وفي الاستظلال بشيء على المحمل وهو فيه بأعواد
والاستظلال بثوب في عصا قولان. احترز بقوله
"بأعواد" مما لو كان
(4/207)
فيها كثوب بعصا
ـــــــ
المحمل مقببا كالمحارة فإنه حينئذ كالبناء
والأخبية فيجوز له ذلك انتهى. وما قاله له وجه
ولكن ظاهر كلام أهل المذهب كما قال المصنف.
الثاني: قال المصنف في مناسكه ظاهر المذهب أنه
لا يجوز الاستظلال بالمحارة ونحوها وأنه تلزمه
الفدية إذا لم يكشفها انتهى. وانظر ما المراد
بقوله "يكشفها" هل هو كشف ما على المحمل جميعه
ما كان فوقه وما على أجنابه أو المراد ما كان
فوقه دون جوانبه وهو الظاهر لأنه حينئذ يكون
من باب الاستظلال بالمحمل وهو جائز كما تقدم.
الثالث: قال في سماع أشهب ولا يستظل بالمحمل
ولو كان عديلا لامرأة وتستظل هي دونه. ابن رشد
هذا كقوله في الفدية لأنه كتغطية رأسه. وروى
ابن شعبان يستحب فديته إن فعله اختيارا ويجوز
بمعادلة امرأة أو مريض. انتهى باختصار. ابن
عرفة وانظر إذا عادل المرأة وسترت شقتها ولم
يستر الرجل شقته لكنه كان يجعل شقتها من جهة
الشمس والظاهر جواز ذلك لأنه من باب الاستظلال
بجانب المحارة.
الرابع: قال في النوادر ولا يستظل في البحر
إلا أن يكون مريضا فيفعل ويفتدي انتهى. ونقله
ابن الجلاب وابن عرفة وابن فرحون وغيرهم وكأنه
والله أعلم فيما عدا البلاليح فإنها كالبيوت
وكذلك الاستظلال بظل الشراع لا شيء فيه فيما
يظهر والله أعلم.
الخامس: قال في النوادر وإذا جاز للمحرم أن
يتعمم أو يتقلنس جاز له أن يتظلل والله أعلم.
السادس: قال في التوضيح والمناسك وحكى ابن
بشير في الاستظلال بالبعير قولين انتهى. قلت:
هما القولان المذكوران في الاستظلال بالمحمل
فإنه قال وأما ما لا يثبت كالبعير والمحمل
ففيه قولان انتهى فيكون الراجح منهما الجواز
سواء كان باركا أو سائرا كالاستظلال بجانب
المحمل. وقد صرح بذلك ابن فرحون في شرحه فقال
والصحيح في المسألتين الجواز انتهى. يعني
مسألة المحمل ومسألة البعير انتهى والله أعلم.
ص: "كثوب بعصى" ش: سواء فعل ذلك وهو سائر أو
نازل بالأرض. قال الشيخ بهرام أما في حق
الراكب فلا يجوز قولا واحدا وأما في حق النازل
فمنعه أيضا مالك وجوزه عبد الملك انتهى. وكذا
لو جعل ثوبا على أعواد قال في الطراز واختلف
في استظلاله إذا نزل فخففه ابن الماجشون. وعند
ابن حبيب قال لا
(4/208)
ففي وجوب
الفدية خلاف وحمل لحاجة أو فقر بلا تجر
ـــــــ
بأس أن يستظل إذا نزل بالأرض وأن يلقي ثوبا
على شجرة فيقيل تحته وليس كالراكب والماشي وهو
للنازل كخباء مضروب. وقال ابن الماجشون لا
يستظل إذا نزل بالأرض بأعواد يجعل عليها كساء
أو شجرة ولا بمحمل وإنما وسع له في الخباء
والفسطاط والبيت المبني انتهى. وتعليلهم بأن
ذلك لا يثبت يقتضي أنه إذا ربط الثوب بأوتاد
وحبال حتى صار كالخباء الثابت أن الاستظلال به
جائز. ص: "ففي وجوب الفدية خلاف" ش: ظاهره أن
في وجوب الفدية وسقوطها إذا استظل بالمحارة أو
بثوب على عصى أو أعواد قولان مشهوران. والذي
حكاه في مناسكه أن الخلاف في وجوبها
واستحبابها ونصه واختلف في الاستظلال بالمحمل
وبثوب في عصى. وظاهر المذهب أنه لا يجوز وأنه
تلزمه الفدية بالمحارة ونحوها إذا لم يكشفها.
ثم قال وفي منسك ابن الحاج الأصح الفدية عليه
باستظلاله في حال سيره راكبا أو ماشيا
استحبابا غير واجبة انتهى. وقال ابن فرحون في
شرح ابن الحاجب لما ذكر القولين في وجوب
الفدية وسقوطها في المحمل والثوب بالعصي
وظاهره أنهما عنده على السواء وعلى القول
بالسقوط فهي مستحبة انتهى والله أعلم.
فرع: قال في المناسك واستحب مالك في يوم عرفة
ترك الاستظلال انتهى. وقال في الشامل وكره
مالك تظليله يوم عرفة انتهى. كأنه مبني على أن
مقابل المستحب مكروه وصرح بكراهته مالك في
النوادر ونقله ابن معلى في مناسكه إلا أنهم
خصوا ذلك بزمن الوقوف فقط لا بيوم عرفة جميعه.
قال في النوادر في ترجمة الوقوف بموقف عرفة
والدفع منها قال مالك ولا أحب أن ينزل يوم
عرفة في الموقف عن بعيره وهو أحب إلي وإن وقف
قائما فله أن يستريح إذا عيى. قال أشهب وإن
وقف بنفسه ولا علة بدابته فلا شيء عليه. وكره
مالك أن يستظل يومئذ من الشمس بعصا أو نحوها
انتهى. قال ابن معلى قال الشيخ الإمام أبو
العباس القرطبي رحمه الله في كتاب المفهم على
صحيح مسلم استظلال المحرم في القباب والأخبية
لا خلاف فيه واختلف في استظلاله حال الوقوف
فكرهه مالك وأهل المدينة وأحمد بن حنبل رضي
الله عنهم وأجاز ذلك غيرهم والله أعلم. ص:
"وحمل لحاجة وفقر بلا تجر" ش: يعني أن يجوز
للمحرم أن يحمل على رأسه ما تدعو الحاجة إليه
من زاده ونحوه كان فقيرا ونحوه وأما إن حمل
زاده وما يحتاج إليه بخلا فعليه الفدية. قال
ابن يونس. وقوله "بلا تجر" زيادة بيان. قاله
في المدونة قال مالك وجائز أن يحمل المحرم على
رأسه إذا كان راجلا مما لا بد له منه مثل خرجه
فيه زاده أو جرابه ولا يحمل ذلك لغيره تطوعا
ولا بإجارة فإن فعل افتدى ولا أحب له أن يحمل
على رأسه تجارة لنفسه من بز أو سفط ولا يتجر
فيما يغطي به رأسه. وقال سند في شرحها وجملة
ذلك أن حمل المحرم على رأسه المكتل وغيره
ممنوع عند مالك وحكي عن الشافعي جوازه ثم
(4/209)
وإبدال ثوبه أو
بيعه بخلاف غسله إلا لنجس فبالماء فقط
ـــــــ
قال والمحظور من ذلك ما خرج عن حاجة سفر
الإحرام ويعفى عما به حاجة إليه في سفره عنه
مثل حمل زاده وما لا غنى عنه في سفره إذا
التجأ إليه. فأما أن يؤجر نفسه في ذلك أو يحمل
التجارة أو يحمل زاده واجدا لما يحمله عليه
فالفدية في ذلك كله لأنه خرج عن موضع الرخصة
العامة فإن وقفت دابته بتجارة أو التجأ إلى
ذلك حمل وافتدى وتأثير الضرورة عند وقوعها في
رفع المأثم وجواز الفعل لا في سقوط الفدية كما
في الحلاق ولبس المخيط انتهى. وقال المصنف في
مناسكه فإن حمل لغيره أو للتجارة فالفدية. قال
أشهب إلا أن يكون عيشه ذلك والظاهر أنه تقييد
وهو الذي يؤخذ من كلامه في الجواهر وقد تأول
اللخمي قوله في المدونة لا يحمل شيئا للتجارة
فقال يريد إذا لم يضطر إلى ذلك وكلام ابن بشير
يدل على أن قول أشهب خلاف انتهى.
فرع: قال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب فإن حمل
نفقة غيره وزاده على رأسه للتجارة فهي ضرورة
تسقط عنه الفدية انتهى. وقول المصنف وحمل
لحاجة شامل لما يحمله على رأسه أو غير رأسه.
قال في النوادر قال ابن عبدوس ولا بأس فيما
يحمل من وقره أن يعقده على صدره. قال في
المختصر لا بأس أن يحمل متاعه على رأسه أو
يجعل فيه الحبل ويلقيه خلفه ويجعل الحبل في
صدره انتهى. ونقله ابن عرفة ونصه الشيخ روى
ابن عبدوس لا بأس فيما يحمل من وقره أن يعقده
على صدره وفي المختصر لا بأس أن يجعل متاعه في
حبل ويلقيه خلفه والحبل في صدره انتهى. وقال
في الصحاح الوقر بالكسر الحمل يقال جاء فلان
يحمل وقره انتهى. ص: "وإبداله ثوبه أو بيعه"
ش: يريد ولو قصد بذلك طرح الهوام التي فيه إلا
أن ينقل الهوام من جسده وثوبه الذي عليه إلى
الثوب الذي يريد طرحه فيكون ذلك كطرحه. قاله
في الطراز. ص: "بخلاف غسله إلا النجس فبالماء
فقط" ش: هذا كقول ابن الحاجب بخلاف غسله خيفة
دوابه إلا في جنابة فيغسله بالماء وحده. قال
في التوضيح قوله بخلاف غسله أي فيكره كذا في
الموازية لا كما يعطيه ظاهر لفظه أنه ممنوع
وفي معنى الجنابة سائر النجاسات انتهى ونحوه
لابن عبد السلام. قلت: وما ذكره عن الموازية
من الكراهة هو كذلك إلا أنه جعل فيها غسله
للوسخ جائزا كغسله للنجاسة. ونص كلامه في
الموازية على ما نقل في النوادر وكره مالك
للمحرم غسل ثوبه إلا لنجاسة أو وسخ فليغسله
بالماء وحده وإن مات فيه دواب ولا يغسل ثوب
غيره فإن فعل أطعم شيئا من طعام خيفة قتل
الدواب فإن أمن ذلك فليغسله ولا شيء عليه
انتهى. وهكذا نقل صاحب الطراز عن الموازية ولو
استشهد بلفظ المدونة لكان أولى لأنه صرح فيها
بالكراهة واقتصر على استثناء غسله
(4/210)
وبط جرحه وحك
ما خفي برفق وفصد إن لم يعصبه،
ـــــــ
للنجاسة كما قال ابن الحاجب ونصها وكره أن
يغسل ثوبه أو ثوب غيره خيفة قتل الدواب إلا أن
يصيب ثوبه نجاسة فليغسله بالماء وحده لا
بالحرض انتهى. قال سند وجملة ذلك أن غسل ثوب
المحرم لا يمنع للإنقاء والتنظيف وإنما يمنع
لأجل قتل الهوام. ثم قال والأحسن أن من أصاب
ثوبه نجاسة أو جنابة نظر إلى ذلك الموضع
وافتقده وما حوله من الهوام فإن قطع أنه لا
شيء فيه غسله بمن شاء وأنقاه بالماء وإن
أصابته نجاسة ولم يدر موضعها افتقده موضعا
موضعا فإن تيقن أنه لا قمل فيه غسله وما رأى
فيه قملا نقله إلى موضع آخر حتى يتيقن سلامته.
فإن كثر ذلك عليه فإن كانت نجاسة لا تفتقر إلى
حك وعرك كالبول والماء النجس وشبهه فإنه يواصل
صب الماء ويتلطف في غسل ذلك فإن شك أن يكون
قتل شيئا أطعم استحبابا ولا يجب ذلك عليه.
وكذلك إن احتاج إلى حك وعرك وكان فيه قتل شيء
من الدواب فإنه يطعم استحبابا ولو عرك جميع
ثوبه في قصرية وكان قادرا على دون ذلك أطعم.
وكذلك إن غسله بالحرض وهو الغاسول أو بالصابون
أطعم عند ابن القاسم وافتدى عند مالك إن كان
بثوبه كثير القمل. قال في التوضيح قال في
المدونة ولا يغسل ثوبه بالحرض خشية قتل
الدواب. ابن يونس زاد في رواية الدباغ قال
مالك وإن فعل افتدى. وقال ابن القاسم يتصدق
بشيء لموضع الدواب. وظاهر كلام المصنف يعني
ابن الحاجب أنه لا يغسله للوسخ ونحوه في مناسك
ابن الحاج والذي في الموازية جوازه انتهى
فتحصل من هذا أنه إذا تحقق أنه لا قمل في ثوبه
جاز له غسله بما شاء وإن لم يتحقق ذلك فيجوز
له غسله للنجاسة بالماء فقط ولا شيء عليه وإن
قتل بعض قمل كما تقدم عن الموازية. قال في
الطراز يطعم استحبابا وأما غسله للوسخ فظاهر
المدونة أنه مكروه. وقال في الموازية أيضا إنه
جائز. وحكى في الشامل في غسله من الوسخ قولين
وأما غسله لغير النجاسة والوسخ فاتفق لفظ
المدونة والموازية على كراهة ذلك. وقال ابن
عبد السلام والمصنف في التوضيح إنها على
بابها. وظاهر كلامه في الطراز أن غسله لغير
النجاسة لا يجوز وهو الموافق لظاهر كلام
المصنف فتأمله والله أعلم. ص: "وربط جرحه" ش:
فرع: قال التادلي في مناسك ابن الحاج وأجمع
أهل العلم أن للمحرم أن يتسوك وإن دمي فمه
انتهى. وقال ابن عرفة الشيخ روى محمد والعتبي
للمحرم أن يتسوك ولو أدمى فاه انتهى. ثم قال
قلت: لا يلزم من منع
(4/211)
وشد منطقة
لنفقته على جلده وإضافة نفقة غيره وإلا ففدية
كعصب جرحه أو رأسه أو لصق خرقة كدرهم أو لفها
على ذكر أو قطنة بأذنيه أو قرطاس بصدغيه
ـــــــ
القاضي الزينة منع السواك بالجواز ونحوه انتهى
والله أعلم. ص: "وشد منطقة لنفقته" ش: قال ابن
فرحون في شرح ابن الحاجب المنطقة الهيمان وهو
مثل الكيس يجعل فيه الدراهم انتهى. ص: "على
جلده" ش: فلو شدها على إزاره ففيها الفدية. ص:
"وإضافة نفقة غيره" ش: فلو شدها لنفقة غيره
وجعل معها نفقة نفسه ليستبيح ذلك فعليه
الفدية. قاله في الطراز. ويفهم من كلام المصنف
أنه لو شدها لنفقته ونفقة غيره لم يجز. وقاله
ابن عبد السلام. قال في التوضيح والأقرب سقوط
الفدية لأن نفقة غيره تبع انتهى. وهو ظاهر
كلام صاحب الطراز انتهى. والله أعلم. ص: "وإلا
ففدية" ش: أي وأما إن كانت لغير نفقته مثل أن
يشدها للتجارة فإن عليه الفدية. نقله ابن
فرحون عن ابن حبيب وابن يونس وكذلك إن شدها
لنفقة غيره فعليه الفدية. ص: "كعصب جرحه" ش:
قال ابن الحاجب ومن عصب جرحه أو رأسه افتدى.
قال ابن فرحون قال ابن عبد السلام ولا فرق في
ذلك بين كبير العصابة وصغيرها. وفي كتاب ابن
شعبان إشارة إلى التفرقة بين صغير العصابة
وكبيرها. ص: "أو لصق خرقة كدرهم" ش: انظر إذا
كان به جروح متعددة وألصق على كل واحد منها
خرقة دون الدرهم والمجموع كدرهم أو أكثر وظاهر
ما في التوضيح وابن الحاجب أنه لا شيء عليه
انتهى. ص: "أو قطنة بأذنيه أو قرطاس بصدغيه"
ش: قال في الطراز والفدية في ذلك فدية واحدة
سد أذنه الواحدة أو كلتيهما بما فيه طيب أو لا
طيب فيه لأنه باب ترفه فهو باب واحد انتهى.
وقال قبله لا فرق في الفدية فيه أن يجعلها
لعلة أو لغير علة وهو بين فإن عليه كشف أذنيه
سواء قلنا إنهما من الرأس أو لأنهما في عظم
الرأس كالجبهة والصدغ فإذا سدهما فقد ستر ما
عليه كشفه فأشبه ما لو جعل في صدغيه قرطاسا
(4/212)
أو ترك ذي نفقة
ذهب أو ردها له ولمرأة خز وحلي وكره شد نفقته
بعضده أو فخذه وكب رأس على وسادة ومصبوغ
لمقتدى به,
ـــــــ
أو عصب جبهته بعصابة انتهى. قال الشيخ زروق في
شرح الإرشاد أو قطنة بأذن أو قرطاس بصدغ بلفظ
الإفراد والله أعلم.
تنبيه: قال في التوضيح وعورض إيجابهم الفدية
في الأذن مطلقا بمسألة الخرق وأجيب بأن ذلك
لكثرة انتفاعه بسد الأذن أشبه الكثير والله
أعلم. ص: "وكره شد نفقته بعضده أو فخذه" ش:
يريد أو ساقه. وقاله في المدونة وذلك لأن
المنطقة من اللباس الممنوع وإنما جازت للحاجة
والضرورة فلا يعدل بها عن المحل المعروف بها
عادة. ص: "وكب رأس على وسادة" ش: أي يكره
للمحرم أن يكب وجهه على الوسادة. وهكذا وقع في
الرواية وعبر المصنف بالرأس لأنه يطلق على ما
فوق العنق فيكون الوجه من جملته كما ذكره
القرطبي في تفسير قوله تعالى {وَامْسَحُوا
بِرُؤُوسِكُمْ} [المائدة: من الآية6] وهذه
المسألة في رسم باع من سماع ابن القاسم. وظاهر
كلام ابن رشد كظاهر كلام المصنف أن الكراهة
خاصة بالمحرم وقال الجزولي وغيره إن النوم على
الوجه نوم الكفار وأهل النار والشياطين.
فظاهره أنه ينهى عنه مطلقا وهو ظاهر والله
أعلم. ص: "ومصبوغ لمقتدى به" ش: يعني أنه يكره
للمحرم لبس الثوب المصبوغ إذا كان ممن يقتدى
به ولا يكره له لبسه إذا كان المحرم ممن لا
يقتدى به. هذا جل كلامه رحمه الله وفيه
تنبيهات.
(4/213)
................................
ـــــــ
الأول قوله مصبوغ يريد به المصبوغ بغير طيب
إذا كان لون الصباغ يشابه لون المصبوغ بالطيب
فأما صبغ بطيب كالمصبوغ بزعفران أو ورس فلا
خلاف أنه يحرم لبسه على الرجال والنساء في
الإحرام وتجب الفدية بلبسه فإن غسل الثوب حتى
ذهب منه ريح الطيب وبقي لونه فكرهه مالك في
المدونة قال إلا أن يذهب لونه كله فلا بأس به.
قال وإن لم يذهب لونه ولم يجد غيره صبغه
بالمشق وأحرم به انتهى. والمشق بكسر الميم
وسكون الشين المعجمة وهو المغرة بفتح الميم
وسكون الغين المعجمة وقد تفتح وهو الطين
الأحمر. قال أبو الحسن وقد ذكر بعضهم أن صبغها
إنما يثبت إذا خلط بزيت ويقال للثوب المصبوغ
بها ممشق. قاله في الصحاح. وأما المغرة بضم
الميم وسكون الغين فقال في القاموس إنه لون
ليس بناصع الحمرة أو شقرة بكدرة انتهى. وقال
في التوضيح قال في الاستذكار لا خلاف أنه لا
يجوز للمحرم لبس ثوب صبغ بورس أو زعفران.
والورس نبت باليمن وصبغه بين الصفرة والحمرة
فإن غسل حتى ذهب منه ريح الزعفران فلا بأس به
عند جميعهم وروى ابن القاسم عن مالك كراهته ما
بقي من لونه شيء انتهى. وأما المصبوغ بالعصفر
فهو على ضربين مفدم ومورد فالمفدم بضم الميم
وسكون الفاء وفتح الدال المهملة هو القوي
الصبغ المشبع الذي رد في العصفر مرة بعد أخرى
قال في التوضيح وهو ممنوع للرجال والمشهور
وجوب الفدية فيه وروى أشهب عن مالك سقوطها قال
غير واحد وهو على هذه الرواية مكروه. وأما
المرأة فالمشهور أيضا أنه ممنوع في حقها وروى
ابن حبيب أنه لا بأس أن تلبس المحرمة المعصفر
المفدم ما لم ينتفض عليها شيء منه انتهى
واستظهر صاحب الطراز القول بسقوط الفدية في
المعصفر المفدم عن الرجال والنساء قال لأنه لا
يعد طيبا وسيأتي لفظه
قلت: والذي يظهر من كلام المصنف وابن عبد
السلام وابن عرفة وغيرهما أن المرأة إذا لبست
المفدم لزمتها الفدية على القول المشهور وهو
الذي يفهم من قوله في المدونة قال مالك وأكره
للرجال والنساء أن يحرموا في الثوب المعصفر
المفدم لانتفاضه انتهى. فسوى بين الرجال
والنساء وقال في النوادر قال مالك النساء
والرجال فيما ينهى عنه في الإحرام في المورس
والمعصفر والمفدم والمزعفر سواء انتهى وأما
المورد ففسره التونسي بالمعصفر المفدم إذا غسل
وفسره اللخمي والباجي بالمعصفر غير المفدم
وقال في التوضيح قال مالك وإن غسل المفدم جاز
لأنه يصير موردا ثم ذكر عن الباجي أنه المصبوغ
بالعصفر صبغا غير قوي قال وهذا هو المعروف
يعني في تفسير المورد قال وقال ابن راشد قال
القاضي منذر بن سعيد هو الذي صبغ بالورد
انتهى. وقال ابن عرفة بعد أن ذكر في تفسير
كلام اللخمي والتونسي والباجي وفي تفسير
البلوطي بما صبغ بورد نظر لأنه طيب كالورس
انتهى والبلوطي بفتح الباء وتشديد اللام هو
القاضي منذر بن سعيد. قلت: وقول ابن عرفة أن
المصبوغ بالورد كالمصبوغ بالورس غير ظاهر لأن
الورس من الطيب المؤنث والورد من الطيب المذكر
والظاهر أن يفصل فيه كما فصل في المصبوغ
بالعصفر بين المفدم وغيره والله أعلم.
(4/214)
..............................
ـــــــ
الثاني: وقولنا إذا كان لون صبغه يشبه لون
المصبوغ بالطيب احترزنا به عما يكون صباغه لا
يشبه لون المصبوغ بالطيب فإنه لا يكره الإحرام
فيه ولكنه خلاف الأولى لأن البياض أفضل لقوله
عليه الصلاة والسلام "البسوا من ثيابكم البياض
فإنها من خير ثيابكم فكفنوا فيها موتاكم"1
رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح
وابن حبان في صحيحه. وذكر صاحب الطراز هذا
الحديث بلفظ "خير ثيابكم البيض ألبسوها
أحياءكم وكفنوا فيها موتاكم"2 قال اللخمي
يستحب للمحرم لباس البياض وهو في المصبوغ على
ثلاثة أوجه جائز إذا كان أزرق أو أخضر أو ما
أشبه ذلك وممنوع إذا كان بالورس والزعفران وما
أشبه ذلك مما هو طيب فإن فعل افتدى ويجوز إذا
كان معصفرا غير مفدم وكره المفدم لأنه ينتفض.
وقال أشهب لا فدية فيه ولم يره من الطيب
المؤنث انتهى. وكان القسم الثالث من المصبوغ
في كلامه هو المصبوغ بالعصفر المفدم فجعله
مكروها ولم ير فيه فدية كما تقدم في رواية
أشهب عن مالك والله أعلم. وعلى هذا مشى صاحب
الطراز فإنه قال البياض أفضل في صفة الثياب
للحديث وذكره ثم قال والمصبوغ منه مباح ومنه
غير مباح. فالمباح ما لا يكون صبغه من ناحية
الطيب فهذا يجوز للعامة ويكره لمن يقتدى به أن
يلبس من ذلك ما فيه دلسة. والأصل فيه حديث
الموطأ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى على
طلحة بن عبيد الله ثوبا مصبوغا وهو محرم فقال
عمر ما هذا الثوب المصبوغ يا طلحة فقال طلحة
يا أمير المؤمنين إنما هو مدر. فقال عمر إنكم
أيها الرهط أئمة يقتدي بكم الناس فلو أن رجلا
جاهلا رأى هذا الثوب لقال إن طلحة بن عبيد
الله كان يلبس الثياب المصبغة في الإحرام فلا
تلبسوا أيها الرهط شيئا من هذه الثياب
المصبغة. وأما غير المباح فهو ما صبغ بطيب أو
بما هو في معنى الطيب فما صبغ بطيب كان لبسه
حراما وما صبغ بغيره مما هو مشابه للطيب كان
مكروها وذلك يرجع في العادة إلى ثلاثة أصباغ
الزعفران والورس والعصفر. أما الزعفران والورس
فاتفقت الأئمة على تحريمه وأما المعصفر فمنعه
مالك وأبو حنيفة إذا كان نافضا وجوزه الشافعي
وابن حنبل ولم يروه من الطيب واختلف أصحابنا
في منعه هل هو منع تحريم أو كراهة أعني المفدم
المشبع إذا كان ينتقض على الجسد. قال في
المعونة من أصحابنا من يوجب فيه الفدية فعلى
هذا يكون من محظورات الإحرام. وقال أشهب لا
فدية على من لبسه من رجل أو امرأة وقد أساء
وهذا أظهر لأنه لا يعد طيبا كسائر ألوان
الحمرة والصفرة واعتبارا بما لا ينتفض. وأبو
حنيفة يراه طيبا
ـــــــ
1 رواه أبو داود في كتاب اللباس باب 13.
الترمذي في كتاب الجنائز باب 18 النسائي في
كتاب الجنائز باب 38. أحمد في مسنده
"5/17,13,10".
2 رواه ابن ماجة في كتاب الجنائز باب 13 كتاب
اللباس باب 5. البخاري في كتاب اللباس باب 24.
أبو داود في كتاب الطب باب 14. كتاب اللباس
باب 13. الترمذي في كتاب الجنائز باب 18.
النسائي في كتاب الجنائز باب 38. أحمد في
مسنده "1/247, 274" "5/10, 13, 20,17 ".
(4/215)
................................
ـــــــ
ولا يوجب فيه فدية إذا لم ينتفض لأن الفدية
عنده في الطيب إنما تجب في البدن خاصة فسقوط
الفدية فيه كأنه مجمع عليه من الأولين وهم
الصدر الأول انتهى.
فائدة قال ابن عبد السلام لما ذكر كراهة
المصبوغ لمن يقتدى به ولهذا قال غير واحد من
أهل المذهب وغيرهم إن العالم المقتدى به يترك
من المباح ما يشبه الممنوع مما لا يفرق بينهما
إلا العلماء لئلا يقتدي به في ذلك من لا يعرفه
إن لم يلزم غيره الكف عنه انتهى. قلت: والظاهر
أن أمر العالم بالكف عن ذلك أمر ندب لا إيجاب
كما يفهم من هذه المسألة والله أعلم. وقال في
المدونة ولا بأس أن يحرم الرجل في البركنات
والطيالسة الكحلية وفي ألوان جميع الثياب إلا
المعصفر المفدم الذي ينتفض وما صبغ بالورس
والزعفران فإن مالكا كرهه ولم يكره شيئا من
الصبغ غيره. ثم قال ولا بأس بالمورد والممشق
ولا بأس بالإحرام في الثياب الهروية إن كان
صبغها بغير الزعفران وإن كان بالزعفران فلا
يصلح انتهى. والبركنات بفتح الموحدة وتشديد
الراء. قال في التنبيهات: مثل الأكسية. وأهل
اللغة يقولون ثوب بركاني انتهى. وقال سند
البركان كساء أسود مربع من ناعم الصوف يجوز
لبسه والإحرام فيه إجماعا انتهى. والطيالسة
جمع طيلسان بفتح اللام. قال في الصحاح والعامة
تقول طيلسان بكسر اللام قال والطاء في
الطيالسة للمعجمة إنه فارس معرب انتهى. وقال
في القاموس إنه مثلث اللام وعن عياض وغيره إنه
معرب أصله تالسان ويقال فيه طالسان وطيلس قاله
كراع ولم يفسره في الصحاح وكأنه معرب وقال
المطرزي في المقرب هو من لباس العجم مدور أسود
ومنه قولهم في الشتم يا ابن الطيلسان يريد أنك
أعجمي انتهى والثياب الهروية ثياب من رقيق
القطن يصفر سدادها بالزعفران أو الكمون ونحوه
فتأتي إلى الصفرة فكرهها لقوله صلى الله عليه
وسلم "لا تلبسوا شيئا مسه الزعفران" وهذا مسه
الزعفران فإن وقع نظرت إلى الثوب فإن كان ريح
الزعفران فيه تعلقت بلبسه الفدية وإن لم يظهر
ريحه فيه بوجه كان مكروها أما غير الزعفران
والورس والعصفر من المشق والبقم والفسه وسائر
المصبغات فلا فدية فيه انتهى وقال قبله وسئل
ابن القاسم عن الإحرام في عصب اليمن وسائر
الألوان فقال لم يكن مالك يكره شيئا ما خلا
الورس والزعفران والمعصفر المفدم الذي ينتفض
قال سند العصب ثياب قطن مرتفعة فيها خطوط
مصبوغة وهي الحبرة تصبغ باليمن ليس فيها ورس
ولا زعفران انتهى وقال في التوضيح قال الباجي
وأما المورد بالعصفر والمصبوغ بالمغرى أو
المشق ابن المواز والأصفر بغير زعفران ولا ورس
فليس بممنوع لبسه للمحرم لأنه ليس فيه طيب ولا
يفعل غالبا إلا إبقاء للثوب فيكره للإمام ومن
يقتدي به أن يفعله لئلا يلبس على من لا يعرف
فيقتدي به في لبس المصبوغ الممنوع لبسه رواه
أشهب ومحمد انتهى ثم ذكر بعد ذلك أن المذهب
كراهة ما صبغ من الأصفر بغير زعفران ولا ورس
لمن يقتدى به ثم قال بعد ذلك قال في الاستذكار
ولم يختلف في جواز لبس المصبوغ بالمدر ثم قال
بعده خليل يريد في حق من لا يقتدى به ثم اعترض
على ابن راشد في حمله
(4/216)
.................................
ـــــــ
قول ابن الحاجب بخلاف المورد والممشق لا غير
على المشهور على أن مراده أن المورد والممشق
يجوز الإحرام فيهما ولا يلحق بهما غيرهما من
الألوان على المشهور بل الإحرام فيما عداهما
مكروه ولأن المستحب أن يحرم في البياض فقال
ليست تمشيته بجيدة لأنه لا يختلف في جواز
المصبوغ بالمدر على ما نقل ابن عبد البر ولا
يكره الإحرام في غيرهما كما نص عليه ابن
الجلاب واللخمي وغيرهما انتهى. ولفظ ابن
الجلاب ولا بأس أن يلبس الثياب السود
والكحليات والدكن والخضر. وتقدم لفظ اللخمي.
وقوله لا يختلف في جواز المصبوغ بالمدر يريد
في حق من لا يقتدى به كما تقدم في كلامه.
وقال ابن عبد السلام المذهب جواز المورد
والممشق مع كراهته لمن يقتدى به انتهى. وقوله
في التوضيح ولا يكره الإحرام في غيرهما يريد
وإن كان خلاف الأفضل لأن الأفضل البياض كما
تقدم وبهذا يقيد قوله في المدونة ولا بأس
بالمورد والممشق. فيقال يريد في حق من لا
يقتدى به ويقيد قوله ولا بأس بالإحرام في جميع
الألوان الخ. فيقال يريد أن ذلك جائز وإن كان
خلاف الأولى لأن البياض أفضل والله أعلم.
وظاهر كلام التلمساني أن المصبوغ يكره لبسه
للمقتدى به مطلقا سواء أشبه لونه لون المصبوغ
بالطيب أو لم يشبه فإنه قال الجائز من المصبوغ
ما لا يكون صباغه من ناحية الطيب كالأخضر
والأزرق وما أشبه ذلك فيجوز للعامة ويكره لمن
يقتدى به انتهى. ونحوه للقرافي في شرح الجلاب.
فتحصل من هذا أن البياض أفضل من كل شيء وأن
المصبوغ بغير طيب ولا يشبه لون صبغه لون
المصبوغ بالطيب جائز لمن يقتدى به من غير
كراهة لكنه خلاف الأولى إلا على ظاهر كلام
التلمساني المتقدم والقرافي وأن المصبوغ بغير
طيب ولكنه يشبه لون صبغه لون المصبوغ بالطيب
والمصبوغ بالطيب إذا غسل حتى ذهب منه ريح
الطيب وبقي لونه يكره لمن يقتدى به ويجوز لغير
من يقتدى به وأن المصبوغ بالطيب حرام فإذا علم
ذلك فتعين تقييد كلام المصنف بما قيدناه به
وأن المراد بقوله مصبوغ المصبوغ بغير طيب إذا
كان لون صباغه يشبه لون المصبوغ بغير الطيب
وكان المصنف استغنى عن التقييد بغير الطيب بما
سيذكره من أن استعمال الطيب في الإحرام حرام
واستعمال الثوب المطيب كاستعمال الطيب واستغنى
عن التقييد بكون لون صباغه يشبه لون المصبوغ
بالطيب فإن ذلك يفهم من التفريق بين من يقتدى
به ومن لا يقتدى به. فإن قيل لم لا يحمل كلام
المصنف على عمومه من كراهة المصبوغ مطلقا لأنه
خلاف الأولى لأن الأفضل البياض وخلاف الأولى
لا بد فيه من كراهة. قلت: يمنع من ذلك تقييده
الكراهة بمن يقتدي به إلا أنه موافق لظاهر
كلام التلمساني والقرافي. فحاصله أن الإحرام
في غير البياض خلاف المستحب في حق كل أحد
فتأمله والله أعلم.
الثالث: قال ابن الحاج وجميع الألوان واسع قال
في التوضيح يعني بالتوسعة الإباحة والمذهب
استحباب البياض انتهى. هكذا في النسخ التي
وقفت عليها من التوضيح والظاهر أنه سقطت منه
لفظة لا من أوله ليوافق قوله بعده "والمذهب
استحباب البياض" ويوافق كلام ابن
(4/217)
.................................
ـــــــ
عبد السلام فإنه قال لا يريد بالتوسعة الإباحة
مطلقا فإن المذهب استحباب البياض ويقع في بعض
النسخ جائز بدل واسع ولفظة واسع هنا أنسب
انتهى. ونحوه لابن فرحون والله أعلم.
الرابع: قال ابن فرحون تعقب صاحب التوضيح كلام
ابن رشد بقوله في الاستذكار لم يختلف في جواز
لبس المصبوغ بالمدر وما قاله صاحب التوضيح غير
ظاهر لأن المصبوغ بالمدر هو الممشق فيكون
موافقا لما قاله المؤلف. نعم كلام ابن راشد
مشكل من جهة قوله الإحرام فيما عداهما مكروه.
وفي الجلاب لا بأس أن يلبس الثياب السود
والكحليات والدكن والخضر فقد نفى الكراهة عن
هذه الألوان وظاهر كلام ابن راشد أنه يجوز
الإحرام في المورد والممشق بلا كراهة مطلقا
والمذهب أن الممشق مكروه للإمام ومن يقتدى به
انتهى.
قلت: كلام ابن فرحون يقتضي أن المصنف في
التوضيح إنما تعقب كلام ابن راشد من جهة كونه
مخالفا لكلام ابن عبد البر فقط وليس كذلك فقد
تقدم أنه تعقبه بوجهين مخالفته لكلام ابن عبد
البر وبالوجه الذي ذكره ابن فرحون فتأمله.
وإنما تعقب صاحب التوضيح كلام ابن راشد لكونه
مخالفا لكلام ابن عبد البر لأنه فهم أن قوله
على المشهور يعود إلى جواز الإحرام في الممشق
والمورد وإلى كراهة الإحرام في غيرهما فاقتضى
ذلك أن في الإحرام في الممشق خلافا وهو مخالف
لقول ابن عبد البر لم يختلف في جوازه فظهر
حينئذ الاعتراض على كلام ابن راشد فتأمله
والله أعلم.
الخامس: كلام الشارح في الأوسط يقتضي أن
الباجي أطلق في كراهة المصبوغ لمن يقتدى به
سواء كان المصبوغ مما فيه دلسة بالمصبوغ
بالطيب أم لا والذي تقدم في كلامه الذي نقله
المصنف في التوضيح يقتضي أن الكراهة إنما هي
فيما فيه دلسة فتأمله. ثم قال الشارح بعد أن
ذكر عن الباجي ما قدمناه عن ابن عبد البر ولا
خلاف أنه لا يجوز انتهى. وهو مشكل لأنه يقتضي
أن ابن عبد البر قال في المصبوغ بغير طيب إنه
لا يجوز لبسه فإن الشارح قيد كلام المصنف
بالمصبوغ بغير طيب وابن عبد البر إنما قال لا
خلاف أنه لا يجوز للمحرم لبسه في المصبوغ
بالطيب كما تقدم في كلام المصنف في التوضيح
ولعله سقط من كلام الشارح شيء وأن أصله وأما
ما صبغ بطيب فقال ابن عبد البر الخ. ويؤيد ذلك
أنه قال في الشرح الصغير أي ويكره للإمام ومن
يقتدى به لبس ثوب صبغ بما عدا الورس والزعفران
وأما ما صبغ بالورس والزعفران فإنه ممنوع
انتهى فتأمله. وهذا المحل من الشرح الكبير لم
يوجد فيه شيء فكتب فيه كلامه في الأوسط.
فرع: قال مالك في الموازية لا ينام المحرم على
شيء مصبوغ بورس أو زعفران من فرش أو وسادة إلا
أن يغشيه بثوب كثيف فإن فعل ولم يغسله افتدى
إن كان صبغا كثيرا والمعصفر أخف من ذلك ولا
أحب أن ينام على ذلك لئلا يعرق فيصيبه إلا
الخفيف لا يخرج على الجسد ولا يتوسد مرفقة
فيها زعفران وكره أن ينام على خشبة مزعفرة قد
ذهبت الشمس بصباغها حتى
(4/218)
.................................
ـــــــ
يغشيها بثوب أبيض انتهى من النوادر ونقله صاحب
الطراز وابن عبد السلام والمصنف في التوضيح
وابن عرفة وغيرهم ونقله اللخمي في تبصرته وقال
بعده ويريد لأن الجلوس عليه لباس قال ولو كان
ثوبا كثيفا وظهر ريحه بعد ذلك وعلق بجسمه ريحه
لافتدى انتهى.
فرع: إذا كان الثوب مصبوغا بزعفران ولم يغسل
ولكنه لبس وتقادم وانقطعت رائحة الزعفران منه
حتى لا تظهر بوجه كره للمحرم لبسه ولم يحرم
قاله في الطراز.
فرع: قال في النوادر ومن العتبية وكتاب ابن
المواز قال مالك من أحرم في ثوب فيه لمعة من
الزعفران فلا شيء عليه وليغسله إذا ذكر انتهى.
وذكره في الطراز. وقال بعده وهو بين لأن ذلك
لا يعد تطيبا والزعفران ما منع لعينه وإنما
منع التطيب به ولهذا إذا تناول طعاما طبخ به
فاستهلك لم يكن عليه شيء عند الجميع انتهى.
وذكره المصنف في التوضيح وابن عبد السلام
وغيرهما وقبلوه كلهم وقيد ابن راشد ذلك بما
إذا غسل اللمعة وقاله في شرح هذه المسألة في
أول رسم من سماع أشهب من كتاب الحج وعزاها ابن
عرفة لسماع ابن القاسم ولم أقف عليها فيه
ونصها وسئل عن الذي يحرم في الثوب فيه اللمعة
من الزعفران. قال أرجو أن يكون خفيفا. قال ابن
رشد يريد والله أعلم اللمعة تبقى فيه بعد غسله
فاستخف ذلك ولا يستخف اللمعة منه دون الغسل
لأنه طيب ولا بجميعه بعد الغسل إلا أن يغير
بالمشق على ما في المدونة انتهى. وقال ابن
عرفة الشيخ روى محمد إن أحرم بثوب فيه لمعة
زعفران فلا شيء عليه وليغسله إذا ذكره فقبله
الشيخ وسمعه ابن القاسم فقال ابن رشد يريد بعد
غسلها ولا يستخف قبله لأنه طيب انتهى. قلت: ما
ذكره ابن رشد وإن كان ظاهرا من جهة المعنى إلا
أنه يرد قول مالك في كتاب ابن المواز وليغسله
إذا ذكره فإنه صريح في أنه أحرم فيه قبل غسله
وكأنه والله أعلم استخف ذلك ليسارته لأن
المراد باللمعة الشيء اليسير. أما لو كان ذلك
كثيرا فالظاهر ما قاله ابن رشد وإنه إن أحرم
فيه قبل أن يغسله لزمته الفدية فتأمله والله
أعلم.
فرع: قال في المدونة سئل مالك عن الثوب إذا
كان غير جديد هل يحرم فيه ولا يغسله قال قال
مالك عندي ثوب قد أحرمت فيه حججا ما غسلته ولم
أر بذلك بأسا. قال في الطراز وهذا بين فإن
الثوب لا يشرع غسله للعبادة إلا أن يكون فيه
ما يوجب غسله بدليل الجمعة والعيد. نعم إن كان
نجسا غسل من النجس أو دنسا غسل من الدنس لأن
البياض مستحب وغسله من الدنس عمل في تبييضه
وزعم الشافعي أن الجديد أفضل فيقال رب غسيل
أفضل من جديد فلا وجه لمراعاة الجدة انتهى
وقال في الذخيرة قال في الكتاب ليس بالثوب
الدنس بأس فيحرم فيه من غير غسل انتهى ولم أر
هذا اللفظ ولفظ التهذيب ولا بأس أن يحرم في
ثوب غير جديد وإن لم يغسله انتهى.
فرع: قال في الطراز فإن كان ثوبه نجسا غسله
فإن لم يغسله وأحرم به صح إحرامه وفاقا ولا
شيء عليه لأن الإحرام يصح مع الحدث والجنابة
والحيض فلا تنافيه النجاسة حتى قال
(4/219)
.................................
ـــــــ
أصحابنا لو كان في بدنه أو ثوبه طيب وأراد أن
يحرم ولم يجد ما يزيل به الطيب فأزاله ببوله
ثم أحرم صح إحرامه وتخلص من فدية الطيب انتهى.
فرع: قال في الطراز قال أشهب في المجموعة وإن
شك أن على ثوبه نجاسة فهذا من باب الوسواس قال
وأحب إلي غسلهما كانا جديدين أو غسيلين انتهى.
ونقله في النوادر بلفظ وإن خيف عليهما نجاسة
فهذا من باب الوسواس فأحب إلي غسلهما كانا
جديدين أو غسيلين انتهى. قلت: فانظر كيف جعل
ذلك من الوسوسة ثم أمره بغسلهما ولعله يريد
إذا كان لشكه وجه وأما إن لم يكن له وجه
فالأولى ترك الغسل والله أعلم.
فرع: قال في الطراز ويستحب أن يتحرى في ثوبي
إحرامه حل ملكهما وخلوصية أصلهما وقد كان مالك
يحرم في ثوب حججا وذلك يدل على أنه كان يرفعه
للإحرام ويعده له إذ لو امتهنه لما أقام حججا
لا يغسله. قال مالك في الموازية ومن ابتاع
ثوبين من أسود فخاف أن يكونا مسروقين فلا يحرم
فيهما إن شك. قيل فإن باعهما وتصدق بثمنهما
قال قد أصاب. والذي قاله من باب الورع
والفضيلة لا من باب الوجوب انتهى. ونقل في
النوادر كلام الموازية. قلت: ولا شك أنه ينبغي
أن يحتاط في هذا الباب ويتركهما إذا حصلت به
ريبة وإن ضعفت بخلاف باب الطهارة فلا يعمل به
بالاحتمالات البعيدة والله أعلم.
فرع: قال في النوادر قال مالك وللرجل أن يحرم
في ثوب فيه علم حرير ما لم يكثر. أخبرنا أبو
بكر عن يحيى بن عمر عن ابن بكير أنه سأل مالكا
هل يحرم في ثوب فيه علم حرير قدر الأصبع قال
لا بأس بذلك انتهى.
فرع: قال في المدونة وسئل ابن القاسم عن الرجل
يحرم في ثوب يجد فيه ريح المسك والطيب قال
سألت مالكا عن الرجل يكون في تابوته المسك
فيكون فيه ملحفة فيخرجها ليحرم فيها وقد علق
فيها ريح المسك. قال يغسلها أو ينشرها حتى
يذهب ريحه. قال سند بعد أن ذكر الخلاف في
التطيب عند الإحرام وإن من أباح ذلك أباحه في
البدن وفي الثوب ومن منعه منعه من البدن ومن
الثوب ما نصه أما ثوب المحرم إذا علق به ريح
طيب أو تبخر بعنبر وند وشبههما فلا يلبسه
المحرم فإن فعل فقال في الموازية لا يحرم في
ثوب فيه ريح مسك أو طيب فإن فعل فلا فدية عليه
قال أشهب في المجموعة إلا أن يكون كالتطيب
وينبغي أن يخرج الفدية إذا فعله عند الإحرام
على ما ذكرناه من الاختلاف فيمن تطيب حينئذ
أما ما بعد الإحرام فيفتدي وهو قول الشافعي
قال أبو حنيفة لا فدية في ذلك وتعلق بأنه غير
مستعمل محرم الطيب في بدنه فلا تلزمه الفدية
بمجرد الرائحة كما لو جلس في العطارين فشم
الطيب. ووجه المذهب أنه لبس ثوبا مطيبا عامدا
فوجبت عليه الفدية كما لو تضمخ بالطيب ويخالف
الجلوس في العطارين بأنه ليس بتطيب بخلاف
مسألتنا انتهى
قلت: ما ذكره عن كتاب ابن المواز وعن المجموعة
نحوه في النوادر وذكر اللخمي عن
(4/220)
..................................
ـــــــ
محمد نحو ما ذكر عن أشهب وهو غريب ونصه ولا
يحرم في ثوب فيه رائحة الطيب وإن لم يكن فيه
عين الطيب. قال محمد إن كثرت الرائحة افتدى
انتهى. ونقله عنه أبو الحسن ولم يتعقبه وذكر
ابن يونس ما في كتاب ابن المواز كأنه تتميم
لكلام المدونة ولم يعزه لكتاب ابن المواز ثم
ذكر كلام أشهب أنه تقييد له فقال قال مالك ولا
يحرم في ثوب علق فيه ريح المسك حتى تذهب ريحه
بغسل أو نشر وإن أحرم فيه قبل أن يذهب ريحه
فلا فدية عليه. قال أشهب إلا أن يكثر فيصير
كالطيب انتهى. ونقله أبو الحسن وقال بعده
الشيخ المسك لم يجعل في الثوب وإنما علق به
ريحه من غيره يظهر من قوله علق به انتهى. ثم
قال في الطراز فلو مسه طيب ثم ذهب ريح الطيب
منه هل يحرم فيه سئل مالك في الموطأ فقال نعم
ما لم يكن فيه صباغ زعفران أو ورس. والذي
يتحصل عندي من هذا أن الثوب إذا كانت فيه
رائحة الطيب فلا يحرم فيه وينبغي أن يفصل في
ذلك. فإن كانت رائحة طيب مؤنث كان الإحرام فيه
حراما وإن كانت رائحة طيب مذكر كان الإحرام
فيه مكروها. فإن أحرم فيه فإن كان الطيب مذكرا
فلا شيء عليه وإن كان مؤنثا فالظاهر ما قاله
صاحب الطراز أن حكم ذلك حكم من تطيب عند
الإحرام بما تبقى رائحته بعد الإحرام فالمشهور
لا فدية عليه. وقال أشهب عليه الفدية إن كان
كثيرا واختلف هل قوله تفسير أو خلاف كما سيأتي
بيانه.
فرع: قال في النوادر ولا بأس أن يحرم في ثوب
مصبغ بدهن. قال ابن القاسم وإن كانت له رائحة
طيبة ما لم يكن مسكا أو عنبر انتهى. ونقله ابن
عبد السلام والمصنف في التوضيح وابن عرفة
وغيرهم. وقال في رسم ليرفعن من سماع ابن
القاسم من كتاب الحج سئل عن الثوب يصيبه الدهن
هل يحرم فيه قال نعم لا بأس به قال ابن القاسم
إلا أن يكون مسكا أو عنبرا قال ابن رشد وهذا
كما قال لأن الأدهان التي لا طيب فيها يجوز
للمحرم أن يأكلها ويدهن بها يديه ورجليه من
شقاق بها لا لتحسينها وهي لا تحسن الثوب بحال
إذا أصابته بل توسخه فلا بأس بالإحرام فيه كما
قال انتهى.
فرع: قال في النوادر في الثوب المعصفر المفدم
كرهه مالك للرجال في غير الإحرام انتهى. وقال
ابن الحاجب بعد أن ذكر المعصفر المفدم وكره
للرجال في غير الإحرام قال في التوضيح أي
المعصفر المفدم وأما المعصفر غير المفدم
والمزعفر فيجوز لبسهما في غير الإحرام نص على
المورد في المدونة وعلى المزعفر في غيرها قال
مالك لا بأس بالمزعفر لغير المحرم وكنت ألبسه
وقال في الحديث في النهي عن أن يتزعفر الرجل
هو أن يلطخ جسده بزعفران اللخمي وروي عنه صلى
الله عليه وسلم أنه كان يصبغ ثيابه كلها
والعمامة بالزعفران وفي قوله صلى الله عليه
وسلم "لا يلبس المحرم شيئا مسه ورس ولا
زعفران" دليل على الجواز لغير المحرم انتهى
كلام التوضيح وأصله للخمي وزاد لأنه
(4/221)
وشم كريحان
ومكث بمكان به طيب
ـــــــ
لو كان ممنوعا في الجملة لم يخص به المحرم
وإنما يذكر في ذلك ما يفترق فيه حكم المحرم من
غيره انتهى. ثم قال في التوضيح وأما كراهة
المعصفر فلما في الصحيح من حديث عبد الله بن
عمر رضي الله عنهما قال رآني رسول الله صلى
الله عليه وسلم وعلي ثوبان معصفران فقال إن
هذين من ثياب الكفار فلا تلبسهما وفي بعض
الطرق ألا كسوتهما بعض أهلك انتهى ونحوه في
الطراز وقال فيه وحمل النهي أن يزعفر الرجل
على تلطيخ الجسد على رأي الجاهلية ويعضده ما
روي عن أنس أنه قال نهى عليه الصلاة والسلام
أن يزعفر الرجل جلده. وقد روي أنه عليه الصلاة
والسلام كان يصبغ ثيابه كلها والعمامة
بالزعفران وهذا بين فإن ذلك عادة العرب وهو زي
مكة إلى اليوم فلم يكن من محض معتاد النساء
حتى يكره للرجال انتهى.
قلت: والحديث في النهي عن المعصفر عام في
المفدم وغيره وهو ظاهر كلام صاحب الطراز وعلل
ذلك بأن فيه تشبها بالنساء ولقد لعن صلى الله
عليه وسلم من تشبه بالنساء من الرجال فتأمله.
وقال المازري في المعلم في كتاب اللباس إنه
أجاز لبس الملاحف المعصفرة للرجال في البيوت
وفي أفنية الدور وكره لباسها في المحافل وعند
الخروج إلى السوق فكأنه رأى أن التصرف بها بين
الملأ من لباس الاشتهار فلهذا نهى عنه وفي
الديار ليس فيها اشتهار فأجازه انتهى. ونحوه
لابن عبد السلام. ونقل البرزلي في كتاب الجامع
عن ابن العربي أنه قال وأما الأحمر ومنه
المعصفر والمزعفر فأجازه مالك والشافعي وأبو
حنيفة وكره بعض العراقيين المزعفر للرجال
انتهى. قال ابن عرفة وفيها كراهة المعصفر
المفدم ولو للمرأة في الإحرام وللرجال في
غيره. عياض وغيره كان محمد بن بشير القاضي
يلبس المعصفر ويتحلى بالزينة من كحل وخضاب
وسواك. سأل رجل غريب عنه فدل عليه فلما رآه
قال أتسخرون بي أسألكم عن قاضيكم فتدلوني على
زامر فزجروه فقال له ابن بشير تقدم واذكر حجتك
فوجد عنده أكثر مما ظنه عاتبه زونان في لباس
الخز والمعصفر. فقال حدثني مالك أن هشام بن
عروة فقيه المدينة كان يلبس المعصفر وأن
القاسم بن محمد كان يلبس الخز ثم ترك لبس
الخز. قال يحيى بن يحيى لا يلزم من يعقل ما
يعاب عليه انتهى. وزونان اسمه عبد الملك بن
الحسن بن محمد بن زريق بن عبد الله بن أبي
رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمى
أبا مروان ويعرف بزونان وهو من الطبقة الأولى
ممن لم ير مالكا من أهل الأندلس من قرطبة. سمع
ابن القاسم وأشهب وابن وهب وغيرهم وكان الأغلب
عليه الفقه وكان فقيها فاضلا ورعا زاهدا ولي
قضاء طليطلة وكان يحيى بن يحيى يعجب من كلامه
وتوفي سنة ثنتين وثلاثين ومائتين. قاله ابن
فرحون في الديباج المذهب والله أعلم. ص: "وشم
(4/222)
واستصحابه
وحجامة بلا عذر وغمس رأس
ـــــــ
كريحان" ش: يعني أنه يكره شم الريحان وغيره من
الطيب المذكر. قال في التوضيح عن ابن راشد
وغيره وهو ما يظهر ريحه ويخفى أثره. قال في
المدونة كالياسمين والورد والخيلي والبنفسج
وشبهه فإن تعمد شم شيء من ذلك فلا فدية عليه
بخلاف الطيب المؤنث فإنه يحرم استعماله وتجب
فيه الفدية كما سيأتي وحكم ما يغتفر من هذه
الرياحين كذلك. قال في الحج الثالث من المدونة
ويكره له أن يتوضأ بالريحان أو يغسل يديه
بالأشنان المطيب بالرياحين فإن فعل فلا فدية
عليه فإن كان طيب الأشنان بالطيب افتدى انتهى.
وقال ابن يونس إثر قوله يكره له أن يتوضأ يريد
غسل يديه بالريحان. وقال في الطراز في شرح
كلام المدونة أما الوضوء به فمعناه غسل اليد
لا الوضوء من الحدث فإنه لا يرفع حدثا لإضافته
إن كان أشبع في الماء حتى غيره وإن كان اعتصره
وهو حقيقة فإنه ممنوع في الوضوء عند كافة
الفقهاء فيكره للمحرم أن يغسل به يديه انتهى.
وقال ابن فرحون في مناسكه وأما ماء الورد ففيه
الفدية لأن أثره يبقى في البدن انتهى. وله نحو
هذا في شرح ابن الحاجب وهو مخالف لما تقدم في
كلام صاحب الطراز فتأمله . وما قاله في الطراز
هو الجاري على القواعد ولهذا قال المصنف في
مناسكه وليحذر من تقبيل الحجر والناس يصبون
عليه ماء الورد وفيه المسك فقيده بكونه فيه
المسك فتأمله والله أعلم.
فرع: قال سند أما الحشائش والزنجبيل والشيخ
والأذخر والقيصوم وشبهه مما يقصد شمه ولا
يتطيب به ولا منه فلا فدية فيه عند الكافة وهو
كالقاح والتفاح والليمون والأترج وسائر
الفواكه انتهى. ص: "وحجامة بلا عذر" ش: سواء
أزال بسببها شعرا أو لم يزل وسواء خشي قتل
الدواب أو لم يخش هذا هو المشهور. وقال سحنون
هي جائزة إذا لم يزل بسببها شعرا في الرأس
خيفة قتل دوابه. قاله في التوضيح. ووجه سند
المشهور بأن الحجامة إنما تكون في العادة بشد
الزجاج ونحوه والمحرم ممنوع من العقد والشد
على جسده وهو ظاهر والله أعلم. وأما مع العذر
فتجوز فإن لم يزل بسببها شعرا ولم يقتل قملا
فلا شيء عليه وإن أزال بسببها شعرا فعليه
الفدية. وذكر ابن بشير قولا بسقوطها. قال في
التوضيح وهو غريب وإن قتل قملا فإن كان كثيرا
فالفدية وإلا أطعم حفنة من طعام والله سبحانه
أعلم. ص: "وغمس رأس" ش: قاله في المدونة زاد
وإن فعل أطعم شيئا من طعام قال في الطراز وإن
انغمس وخاف أن يكون قتل قملا استحب له أن
يطعم. وهذا فيمن له شعر يكون فيه القمل أما من
لا شعر له ولا يكون فيه القمل فلا يكره له ذلك
قاله اللخمي وصاحب الطراز أما صب الماء
(4/223)
أو تجفيفه بشدة
ونظر بمرآة ولبس مرأة قباء مطلقا وعليهما دهن
اللحية والرأس وإن صلعا
ـــــــ
على رأسه فجائز نقله ابن يونس وصاحب الطراز
وذكر ابن فرحون أنه يكره صب الماء على رأسه
ولو لحر يجده. وقال في التوضيح قال ابن الجلاب
يجوز له أن يغسل رأسه تبردا وحكى عن مالك
كراهة الغسل إلا من ضرورة اه. والأول أظهر
والله أعلم. ص: "وتجفيفها بشدة" ش: الضمير
المؤنث راجع للرأس وهو مهموز وقد تبدل همزته
ألفا. وقد جرى المصنف رحمه الله في هذا
المختصر على تأنيث الرأس هنا وفي قوله بعده
وإن حلقا وفي قوله في البيوع في دفع رأس أو
قيمتها. والذي ذكره الرجراجي في جمله وغيره أن
الرأس من الأعضاء التي تذكر ولا يجوز تأنيثها.
وقال الفاكهاني في شرح الرسالة في باب الغسل
والرأس مذكر ليس إلا وإنما ذكرت هذا وإن كان
معلوما لأني رأيت كثيرا من الفقهاء فضلا عن
غيرهم يؤنثون ولا يعرفون فيه غير التأنيث وهو
من الخطأ القبيح انتهى. وقال في شرح العمدة في
باب الاعتكاف والرأس مذكر بلا خلاف أعلمه وأما
أكثر تأنيث العامة له من المتفقهة وغيرهم
انتهى. ونقله القسطلاني في آخر كتاب الاعتكاف
وقال ووهم من أنثه وهو مهموز وقد يخفف بتركه
انتهى. ولعل المصنف أنثها باعتبار الجمجمة
والله أعلم. ص: "ولبس امرأة قباء مطلقا" ش: أي
في الإحرام وغيره حرة كانت أو أمة. قال في
المدونة ويكره لهن لبس القباء في الإحرام
وغيره لحرة أو أمة لأنه يصفها. انتهى ونقله في
التوضيح. وقال التادلي قال الشهيد بن الحاج
وكراهية لبسه للحرائر أشد انتهى. قال سند هذا
إذا لم يكن له شيء فإن كان فوقه قميص أو إزار
فلا كراهة فيه كالسراويل ويجوز للمرأة لبسه في
بيتها وبين يدي زوجها وبين من يجوز لها أن
تكشف بدنها عليه إن كانت في أرض ذلك زي نسائها
وإلا فيكره للمرأة أن تتشبه بالرجال في زيهم
ولا يعرف ذلك من زي النساء أصلا وإنما هو من
زي الرجال. ويكره في حق غيرهم لما فيه من
هيجان الشهوة وإثارة الفتنة. وفي معناه احتزام
المرأة إلا أنه أخف في حق الإماء ومن لا تمد
لها العين. والقباء أشد منه في حق الجميع لما
فيه من جمع البدن حتى كأنه من جلدة المرأة حتى
يتخيل فيه كأنها عريانة بخلاف احتزامها من فوق
ثيابها انتهى.
فرع: ويجوز للمحرمة وغير المحرمة لبس
السراويل. قاله في المدونة قال سند وذلك إذا
(4/224)
وإبانة ظفر أو
شعر أو وسخ إلا غسل يديه بمزيله وتساقط شعر
لوضوء أو ركوب ودهن الجسد ككف ورجل بمطيب
ـــــــ
لبسته وفوقه قميص سائل وليس بأن تلبسه من دون
قميص ثم تستر عالي جسدها وهو مكشوف أشد فتنة
من القباء في حقهن ص: "وإبانة ظفر أو شعر أو
وسخ" ش: هذا معطوف علي قوله أول الفصل لبس
قفاز أو على ما يليه من المحرمات أعني قوله
وعليهما دهن اللحية والرأس فإن أبان شيئا من
ذلك وجبت عليه الفدية. قال ابن فرحون والإبانة
بحلق أو نورة أو نتف أو قص سواء انتهى. ص:
"إلا غسل يديه بمزيله" ش: قال في الطراز في
باب شم الطيب فيغسل يديه بالماء الحار وغيره
وبالحرض وهو الغاسول والأشنان والصابون وكل ما
ينقي الزفر ويقطع ريحه ويتجنب ما كان من قبيل
الرياحين والفواكه المطيبة التي تبقى في اليد
رائحتها لما في ذلك من التشبه بالتطيب فإن خلط
مع الأشنان وشبهه شيئا مما له ريح فإن كان مما
لو استعمل مفردا لم يفتد منه فكذلك إذا خلطه
إلا على رأي من رأى أن الطيب إذا خلط بطعام أو
شراب وذهبت عينه وبقيت رائحته لم يكن فيه فدية
انتهى والله أعلم.
فرع: قال في مناسك ابن الحاج ولا بأس للمحرم
أن ينقي ما تحت أظفاره من الوسخ ولا فدية عليه
ورواه ابن نافع عن مالك انتهى. ص: "وتساقط شعر
لوضوء أو ركوب" ش: قال سند عن الموازية وسألت
مالكا عن المحرم يتوضأ فيمر يديه على وجهه أو
يخلل لحيته في الوضوء أو يدخل يده في كلاهما
لمخاط ينزعه منه أو يمسح رأسه أو يركب دابته
فيحلق ساقه الأكاف أو السرج. قال مالك ليس
عليه في ذلك كل شيء وهذا خفيف ولا بد للناس
منه انتهى. قال في النوادر من كتاب ابن المواز
ولو سقط من شعر رأسه شيء لحمل متاعه فلا شيء
عليه وكذلك إن مر بيديه على لحيته فتسقط منها
الشعرة والشعرتان انتهى. ص: "ككف ورجل بمطيب"
ش: يريد سواء فعله لعلة أو لغير علة أما إذا
كان لغير علة فلا إشكال
(4/225)
أو لغير علة
ولها قولها اختصرت عليهما,
ـــــــ
في المنع ولزوم الفدية وأما إذا كان لضرورة
فالفدية لازمة وإن كان غير ممنوع وهذا مما
يؤيد ما ذكرناه أولا أن ما حكم له المصنف
بالمنع تجب فيه الفدية ما لم يستثن ذلك. ص:
"ولها قولان اختصرت عليهما" ش: أي وإن دهن
رجله أو كفه بغير مطيب لعلة ففي وجوب الفدية
قولان اختصرت المدونة عليهما. هذا معنى كلامه
وله نحوه في المناسك قال فإن دهن يديه أو
رجليه للشقوق فلا شيء عليه وإن دهنهما لغير
علة أو دهن ذراعيه أو ساقيه أو ما هو داخل
الجسد فالفدية. هكذا قال في التهذيب واختصر
ابن أبي زمنين المدونة على وجوب الفدية. وإن
دهن يديه أو رجليه لعلة انتهى ونحوه في
التوضيح. قال ابن الحاجب فإن دهن يديه أو
رجليه لعلة بغير مطيب فلا فدية وإلا فالفدية.
قال في التوضيح قوله لعلة من شقوق ونحوها فلا
فدية لعموم الحرج. والمراد باليدين باطن
الكفين وأما ظاهرهما فليفتد. نقله ابن حبيب عن
مالك قوله وإلا يدخل فيه ثلاث صور أن يدهنهما
لا لعلة أو لعلة وفيه طيب أو يدهن غيرهما. وما
ذكره المصنف يعني ابن الحاجب قريب مما في
التهذيب قال فيه وإن دهن قدميه وعقبيه من شقوق
فلا شيء عليه وإن دهنهما لغير علة أو دهن
ذراعيه أو ساقيه يحسنهما لا لعلة افتدى.
واختصرها ابن أبي زمنين على الوجوب مطلقا فقال
ليحسنهما أو من علة افتدى انتهى. فجعل
المخالفة بين اختصار البراذعي وابن أبي زمنين
في دهن القدمين والرجلين لعلة وليس كذلك إنما
وقع اختلافهما في مسألة دهن الساقين والذراعين
لا في مسألة دهن اليدين والرجلين إذ لفظ الأم
في ذلك لا يقبل الاختلاف كما ستراه بخلاف
مسألة الساقين الذراعين كما ستقف على ذلك في
كلام الأم بل لم أر خلافا في مسألة دهن اليدين
والرجلين وناهيك بابن عرفة في نقله للخلاف ولم
يحك في ذلك خلافا على أن لفظ المصنف في
التوضيح يمكن حمله على الصواب لولا ما قاله
هنا وفي المناسك.
ونص الأم قال مالك من دهن كفه وقدميه من شقوق
وهو محرم فلا شيء عليه وإن دهنهما من غير علة
أو دهن ذراعيه أو ساقيه ليحسنهما فعليه
الفدية. قال وقال مالك من دهن شقوقا في يديه
أو رجليه بزيت أو شحم أو ودك فلا شيء عليه وإن
دهن ذلك بطيب كانت عليه الفدية انتهى. فأنت
تراه كيف صرح بأنه إذا دهن كفيه وقدميه للشقوق
فلا شيء عليه. وعلى ذلك اختصرها ابن أبي زمنين
والبراذعي وابن أبي زيد وابن يونس وصاحب
الطراز ولم أر من اختصرها على خلاف ذلك وقد
تقدم لفظ البراذعي ولفظ ابن يونس نحوه وكذا
لفظ ابن
(4/226)
.................................
ـــــــ
أبي زيد وصاحب الطراز إلا أنهما لم يقولا بعد
قوله ليحسنهما أو من علة كما قال البراذعي
وابن يونس. ولفظ ابن أبي زيد في اختصاره وإن
دهن كفيه أو قدميه بزيت أو شحم أو ودك لشقوق
فلا شيء عليه وإن كان لغير علة أو دهن يديه أو
رجليه بذلك لزينة أو دهن ذراعيه أو ساقيه
ليحسنهما افتدى ولو دهن شقوقا بقدميه أو
بعقبيه بما فيه طيب افتدى وأما بزيت أو شحم
خالص فلا شيء عليه محمد قال ابن القاسم ومن
دهن شقاقا بقدميه أو بعقبيه بزيت أو شحم فلا
شيء عليه وإن كان ذلك لغير علة افتدى انتهى.
ولفظ اختصار صاحب الطراز قال مالك ومن دهن
كفيه وقدميه من شقوق وهو محرم فلا شيء عليه
وإن دهنهما لغير علة أو دهن ذراعيه أو ساقيه
ليحسنهما فعليه الفدية. قال وقال مالك من دهن
شقوقا في يديه أو رجليه بزيت أو شحم أو ودك
فلا شيء عليه وإن دهن ذلك بطيب افتدى ونص ما
في مختصر ابن أبي زمنين ومن دهن شقوقا في يديه
أو رجليه بزيت أو شحم أو ودك فلا شيء عليه وإن
دهن ذلك بطيب افتدى ومن دهن يديه أو رجليه
بالزيت لزينة افتدى. انتهى من ترجمة المحرم
يشم الطيب أو يتدهن من كتاب الحج الثاني. وقال
قبله في كتاب الحج الأول قال مالك من دهن
عقبيه وقدميه من شقوق وهو محرم فلا شيء عليه
وإن دهنهما من غير علة افتدى انتهى. فقد صرح
ابن أبي زمنين بأنه لا شيء عليه في دهن الكفين
والرجلين للشقوق. فهؤلاء كلهم اختصروا المدونة
على عدم وجوب الفدية بل قال سند في شرحه إذا
دهن شقوقا في يديه أو رجليه لا فدية عليه عند
الجميع انتهى. وإنما اختلف المختصرون في مسألة
دهن الساقين والذراعين لأنه قال في الأم أو
دهن ذراعيه أو ساقيه لحسنهما فعليه الفدية.
فمفهوم قوله "ليحسنهما" أنه لو دهنهما لا
ليحسنهما لم تكن عليه فدية. وعلى هذا فهمها
البراذعي وابن يونس فقالا ليحسنهما لا لعلة.
قال التادلي وفي الكتاب إن دهن ذراعيه أو
ساقيه ليحسنهما لا من علة افتدى. قال أبو
إبراهيم في طرره ظاهره أنه إن كان لعلة لا
فدية عليه وفي بعض الروايات أو لعله. وعليه
اختصرها ابن أبي زمنين وفي غير المدونة ما يدل
على القولين هل لا شيء عليه كالقدمين أو عليه
لأن ذلك فيهما نادر بخلاف القدمين. وهذا ينبني
على النادر هل يراعى أولا قال أبو عمر إن رأيت
في المختلطة أو لعلة فعليه الفدية وهو الصحيح
لأن الساقين والذراعين ليس من شأنهما أن
ينكشفا فأشبه من دهن سائر جسده انتهى. ونقل
أبو الحسن الصغير كلام أبي إبراهيم إلا أن
كلامه قد يوهم أن الخلاف في مسألة القدمين
لأنه قال قوله "وإن دهن قدميه أو عقبيه من
شقوق فلا شيء عليه" المسألة ظاهرة لو كان لعلة
لا فدية عليه. وفي بعض الروايات "أو من علة"
وعليها اختصرها ابن أبي زمنين إلى آخر ما تقدم
عن التادلي فقد يتوهم في قوله ظاهره أنه راجع
لمسألة القدمين واليدين وليس كذلك وإنما هو
راجع لآخر المسألة لأن عادته كذلك يذكر أولا
كلام المدونة ثم يقول المسألة أو
(4/227)
وتطيب بكورس
وإن ذهب ريحه
ـــــــ
الخ. ثم يتكلم على ما يتعلق بأولها وآخرها
ويدل على ذلك بقية كلامه فلعل المصنف فهم أن
الكلام راجع إلى مسألة القدمين فقال ما تقدم
وقد علمت ما في ذلك والله الموفق.
تنبيه: قال في الطراز إذا ثبت ذلك فإنه يقتصر
بالدهن على موضع الشقوق ولا يتجاوزه إلا ما لا
يحترز من مثله انتهى.
فرع: قال ابن عرفة روى ابن عبد الحكم عن
الموطأ فإن قطر في أذنيه باناً غير مطيب لوجع
أو جعله في فيه فلا فدية. وقال التونسي في
تقطيره في الأذن الفدية ولم يحك غيره انتهى
ونقله في الطراز.
فرع: قال في الحج الأول من مختصر المدونة لابن
أبي زيد وله أن يأتدم بالزيت والشيرج ويستعط
بهما وأما البنفسج والزئبق فلا انتهى قال ابن
عبد السلام في قول ابن الحاجب ويحرم ترجيل
الشعر بالدهن بخلاف أكله ولكون الدهن غير مطيب
لم يمنع من أكله وقد تقدم حكم الطيب في الطعام
انتهى. وقال ابن فرحون قوله "بخلاف أكله" يعني
فإنه جائز ما لم يكن مطيبا. فعلم مما تقدم أن
حكم أكل الدهن المطيب حكم أكل الطيب الذي ذكره
والله أعلم. ص: "وتطيب بكورس" ش: هو معطوف على
قوله أول الفصل لبس قفاز أو على ما يليه من
المحرمات أعني قوله "ودهن الجسد". والمعنى أنه
يحرم على المحرم والمحرمة التطيب بالطيب
المؤنث وهو ما يظهر ريحه وأثره كالورس
والزعفران والمسك والكافور والعنبر والعود
يريد وتجب الفدية باستعماله. واحترز بقوله
"بكورس" عن الطيب المذكر فإنه لا يحرم
استعماله ولكنه يكره كما تقدم في قول المصنف
"وشم كريحان".
تنبيه: قال في الجواهر معنى استعمال الطيب
إلصاق الطيب باليد أو بالثوب فإن علق الريح
دون العين بجلوسه في حانوت عطار أو بيت تجمر
ساكنوه فلا فدية عليه مع كراهة تماديه على ذلك
انتهى. ونقله ابن الفاكهاني في شرح العمدة
وقبله وتقدم عن اللخمي وصاحب الطراز ما يخالف
ذلك ثم قول المصنف "ومصبوغ لمقتدى به".
فرع: قال في الطراز ولا فرق في وجوب الفدية
بين أن يطيب جميع جسده أو عضوا منه أو دون ذلك
وهو قول الشافعي وابن حنبل. وقال أبو حنيفة
إنما تجب الفدية إذا طيب عضوا كاملا مثل الرأس
والفخذ والساق والشارب وشبه ذلك فأما أن يطيب
بعض العضو فلا فدية فيه واحتج بأنه ليس بتطيب
معتاد وهذا غير صحيح والناس يختلفون في ذلك
وكيفما مس الطيب فقد تطيب انتهى. ص: "وإن ذهب
ريحه" ش: يعني أن الطيب ممنوع من
(4/228)
أو لضرورة كحل
ـــــــ
استعماله وإن ذهبت ريحه إلا أنه لا فدية فيه.
قال ابن عرفة وقول ابن شاس "لو ذهبت رائحة
المسك" لم يصح إن أراد وتجب الفدية مع تحقق
ذهاب كلها ففيه نظر انتهى. قلت: وكأنه لم يقف
على نص في ذلك وقد صرح اللخمي في أوائل كتاب
الحج لما تكلم على المصبوغ بالزعفران ونحوه
بأنه لا فدية في ذلك فقال ولو جعل في ثوبه
طيبا قد قدم وذهب ريحه لم يكن فيه فدية انتهى.
وكلامه يقتضي أن ذلك هو المذهب وهذا هو الظاهر
والله أعلم. وكلام صاحب الطراز صريح أو
كالصريح في ذلك فإنه قال في كتاب الحج الأول
في الثوب المصبوغ بالزعفران إذا غسل أو نشر
وتقادم حتى انقطعت رائحته ولا يظهر بوجه أنه
يكره لبسه ولا يحرم ثم قال لأن القصد من الطيب
الرائحة فإن كانت قائمة افتدى وإلا فلا فدية
عليه انتهى. ورأيت في حاشية معزوة لكتاب
اللباب شرح الجلاب للغساني فيها ما نصه لو
انقطعت رائحة الطيب لم يجز استعماله ولا فدية
فيه وهو كلام حسن. ص: "أو لضرورة كحل" ش: ظاهر
العبارة يقتضي أن استعمال الطيب لضرورة الكحل
وشبهها ممنوع وليس ذلك مراده وإنما أراد أن
ذلك موجب الفدية وهذا نحو ما تقدم في قوله ككف
ورجل بمطيب ولا يفهم من كلام المصنف حكم
اكتحال المحرم بغير المطيب والمذهب إن كان
لضرورة فهو جائز وإن كان لغير ضرورة فثلاثة
أقوال مشهورها وجوب الفدية على الرجل والمرأة.
وقيل لا تجب عليهما. وقيل تجب على المرأة دون
الرجل. قال المصنف في مناسكه والكحل فيه
الفدية إن كان مطيبا وإن كان غير مطيب وكان
لضرورة فلا شيء عليه وإن كان لغير ضرورة
فالمشهور وجوب الفدية وثالثها تجب على المرأة
دون الرجل. وحكى بعضهم الاتفاق على وجوب
الفدية على المرأة. انتهى ونحوه في التوضيح.
وقال ابن عرفة واكتحال المحرم مطلقا لدواء
جائز وفيه بمطيب الفدية ولزينة ممنوع وفي
الفدية بغير مطيب ثالثها على المرأة لها
وللخمي على القاضي عن بعض أصحابنا والجلاب عن
عبد الله انتهى.
فروع: الأول قال سند فإن اضطر إلى الكحل
فاكتحل لقصد الدواء ولقصد الزينة قال ابن
القاسم عليه الفدية فغلب جانب الفدية.
الثاني: قال أيضا أما تنشيف العين فإن كان
ببعض المياه أو بشيء لا يتحجر على الجسد فهو
خفيف وإن كان لشيء يتحجر ويستر البشرة سترا
كثيفا حتى يكون كالقرطاس ففيه الفدية.
الثالث: قال أيضا عن الموازية لا تكتحل المرأة
بالإثمد وإن اضطرت إلى الكحل لأنه زينة إلا أن
تدعو الضرورة إليه نفسه فتكتحل به ولا فدية
انتهى.
(4/229)
ولو في طعام أو
لم يعلق؛ إلا قارورة سدت,
ـــــــ
الرابع: قال التادلي في مناسكه قال أبو إسحاق
ولبس الحرير للمرأة المحرمة والحلي جائز بخلاف
الكحل للزينة وإن لم يكن فيه طيب وعليها
الفدية إن اكتحلت. فإن قيل فلماذا أجاز لبس
الحرير والحلي وذلك من دواعي النكاح وما الفرق
بين ذلك وبين الكحل بغير ما فيه طيب من
الاكتحال للزينة قيل لأن الكحل إذا كان للزينة
فلها فيه انتفاع في عينها وجمال والحلي
والحرير لا انتفاع لها فيه. فإن قيل المنفعة
توجب عليها الفدية وإن لم يكن في ذلك زينة
كدوائها لجرح وشبه ذلك. قيل قد يكون الكحل
أمرا لا يكاد أن يستغنى عنه لمكان ما في العين
بما يصلحه الكحل كالأدهان بالزيت ليتمرن على
العمل ولو فعل ذلك فاعل ليحسن يديه لكانت عليه
الفدية فصار ما فعل للضرورة من هذا لا فدية
فيه انتهى. ص: "ولو في طعام" ش: قال في
المدونة ويكره له أن يشرب شرابا فيه كافور أو
يأكل دقة مزعفرة فإن فعل افتدى. وكره في
المدونة لغير المحرم أن يشرب الماء الذي فيه
الكافور للسرف. انتهى من التوضيح. وقال سند
أما غير المحرم فيختلف فيه حاله بقدر ثمن
الكافور وعلو قيمته ونزولها فإن كان مما لا
قيمة له فلا شيء فيه وتطيب الماء بمثل ذلك ليس
بسرف وهو كتجمير آلته وإنباذ العسل فيه وشبه
ذلك من مقاصد العقلاء {قُلْ مَنْ حَرَّمَ
زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ
لِعِبَادِهِ} [الأعراف: من الآية32] الآية
قالت عائشة رضي الله عنها كان يستعذب له الماء
عليه السلام من بيوت السقيا. قال قتيبة عين
بينها وبين المدينة يومان خرجه أبو داود. ولم
يكن هذا بإسراف في الرفاهية وطلب اللذات لأنه
لم يكن فيه كبير مؤنة وكذا ما نحن فيه وإن كان
مما له كبير قيمة ولم يطلب بذلك التداوي إلا
محض تطييب الرائحة فهو سرف ممنوع.
فرع: قال سند وسئل إن شرب المحرم ما فيه طيب
أيكون عليه الفدية في قول مالك أم لا قال عليه
الفدية في قول مالك وهو رأي انتهى. ص: "وإلا
قارورة سدت" ش: يعني أن من حمل قارورة مسدودة
الفم في حال إحرامه فلا فدية عليه يريد وقد
أساء في حمله لها كما سيأتي في كلام صاحب
الطراز. وظاهر كلام المصنف أنه لا فدية في ذلك
ولو علقت به رائحة الطيب والذي يقتضيه كلام
اللخمي وغيره أن في ذلك الفدية. قال اللخمي
فيمن فرش على ثوب مصبوغ بالزعفران ثوبا كثيفا
لا فدية عليه إلا أن يعلق بجسمه ريحه فإنه
يفتدي. وقد تقدم كلامه عند قول المصنف "ومصبوغ
لمقتدى به". وقد تقدم عن صاحب الطراز أيضا أن
المحرم إذا لبس ثوبا علق فيه ريح الطيب أن
عليه الفدية. وقال ابن عرفة وقول ابن شاس لا
فدية في حمل قارورة مصممة الرأس إن أراد ولو
علقت رائحته ففيه نظرا انتهى وكأنه لم
(4/230)
ومطبوخا ,
وباقيا مما قبل إحرامه
ـــــــ
يقف على نص في ذلك. ثم قال ابن عرفة وتفسير
ابن عبد السلام عطف ابن الحاجب على القارورة
ونحوها بفأرة المسك غير ممشوقة بعيد لأنه تطيب
انتهى.
قلت: لم يجزم ابن عبد السلام بذلك وإنما قال
في شرح ابن الحاجب ولا فدية في حمل قارورة
مصممة الرأس ونحوها. يريد لا كبير رائحة يوجد
من القارورة حينئذ أو لا يوجد ألبتة ولعل
مراده بنحو القارورة المصممة فأرة المسك إذا
كانت غير ممشوقة وفيها عندهم وجهان انتهى.
ونقله عنه في التوضيح بلفظ وفيها للشافعية
وجهان ولعل ذلك في نسخته من ابن عبد السلام.
والأحسن أن يكون مراد ابن الحاجب بنحوها ما
قاله صاحب الطراز ونصه وأما إذا حمل بزينة
فيها طيب أو خريطة أو خرجا أو ما أشبه ذلك
وشمه فهذا أساء ولا فدية عليه لأنه لم يعلق
بيده منه شيء ببشرته ولا بثيابه بخلاف من
باشره فإن رائحته تعلق بيده فافترقا اللهم إلا
أن يحمل زجاجة فيها طيب أو أخرجه على وجه
التطيب برائحته. واختلف أصحاب الشافعي في ذلك
فقال بعضهم عليه الفدية وقال بعضهم هذه رائحة
مجاورة ولا فدية فيها انتهى. ففي كلامه إشارة
إلى ما قال ابن عرفة فتأمله . وأما على ما
قاله ابن عبد السلام في النوافج فبعيد جدا.
وقد قال ابن فرحون بعد نقله كلام ابن عبد
السلام هذا بعيد لأنها تحصل منها من الرائحة
قبل شقها ما يعبق ريحه بالثياب انتهى. قلت:
وفي كلام صاحب الطراز ما يدل على النوافج طيب
وتجب الفدية بحملها فإنه لما ذكر الاحتجاج على
وجوب الفدية بمس الطيب اليابس أو حمله بالثوب
قال وقد تعلق النوافج في الثياب ويحملها الناس
لقصد التطيب بها ولم يفرق بين كونها مشقوقة أم
لا ص: "ومطبوخا" ش: وإن طبخ ولم يصبغ الطيب
الفم فلا شيء فيه وإن صبغه فنص ابن بشير على
أن المذهب نفي الفدية لأنه أطلق في المدونة
والموطأ وغيرهما الجواز. انتهى ونحوه في
التوضيح. قال البساطي فإن كان الطيب في طعام
فإما أن يطبخ معه أو يجعل فيه بعد طبخه. وفي
الأول إما أن يميته الطبخ أو لا فإن أماته
الطبخ فلا شيء عليه وإلا فالفدية فيه فإن مسه
فلم يعلق به منه شيء فظاهر قوله في المدونة
وإن مس الطيب افتدى لصق به أو لا فإن عليه
الفدية وإن لم يعلق به شيء. ثم قال في قوله
ومطبوخا قد تقدم الكلام على المطبوخ مع الطعام
وإطلاقه هنا ينافي ذلك التفصيل انتهى. ص:
"وباقيا مما قبل إحرامه" ش: يريد ويكره له
ذلك. قال في الطراز منع مالك رحمه الله الطيب
المؤنث عند الإحرام واختلف فيه إذا فعله
فالمشهور أنه لا شيء عليه. وقال بعض القرويين
إن تطيب بما يبقى ريحه بعد إحرامه فهو بمنزلة
ما لو تطيب به بعد
(4/231)
...............................
ـــــــ
إحرامه وظاهر هذا الفدية وهو خلاف قول الكافة
وإنما اختلف الناس في استحبابه. ثم ذكر عن أبي
حنيفة والشافعية وابن حنبل وغيرهم استحباب ذلك
وذكر استدلالهم على ذلك ثم ذكر ما احتج به
لمالك ثم قال بعد أن ذكر الاحتجاج على النهي
عن التطيب قبل الإحرام إذا ثبت ذلك فزعم ابن
القصار أن ذلك عند مالك على الكراهة لا على
التحريم وهذا يقتضي أن لا فدية فيه إذا وقع
ونزل وهو المعروف من قول أصحابنا ثم قال إذا
قلنا لا فدية فيه مع كراهته فإنه يؤمر بغسله
فإن قدر على غسله بمجرد صب الماء والحاصل وإن
لم يقدر إلا بمباشرته فعل ولا شيء عليه لأنه
فعل ما أمر به وقد أمر النبي صلى الله عليه
وسلم المتضمخ بالخلوق أن يغسله عنه ولم يذكر
له فدية. ولا فرق في ذلك بين أن يكون الطيب في
بدنه أو ثوبه إلا أنه إذا نزع ثوبه لا يعود
إلى لبسه فإن عاد فهل عليه في العود فدية
يحتمل أن يقول لا فدية لأن ما فيه قد ثبت له
حكم العفو كما لو لم ينزعه. وقال أصحاب
الشافعي تجب عليه الفدية لأنه لبس جديد وقع
بثوب مطيب انتهى. وفهم منه أنه لا يجوز له لبس
الثوب المطيب في حالة الإحرام وإن كان الطيب
من قبل الإحرام وهو كذلك فإنه قال في باب ما
يلبسه المحرم من كتاب الحج الأول أما ثوب
المحرم إذا علق به ريح طيب أو بحر بعود أو ند
وشبهه فلا يلبسه فإن فعل قال في الموازية لا
يحرم في ثوب فيه ريح مسك أو طيب فإن فعل فلا
فدية عليه. قال أشهب في المجموعة إلا أن يكون
كثيرا أو يكون كالتطيب. وينبغي أن يخرج الفدية
إذا فعله عند الإحرام على ما ذكرناه من
الاختلاف فيمن تطيب حينئذ أما ما بعد الإحرام
فيفتدي انتهى. وتقدم كلامه هذا برمته عند قول
المصنف "ومصبوغ لغير مقتدى به".
تنبيه: أطلق المصنف في الطيب الباقي مما قبل
الإحرام وقيده الباجي بأن لا يكون بحيث تبقى
منه ما تجب الفدية بإتلافه ونقله عنه صاحب
الطراز ونصه إثر قوله السابق وهذا يقتضي أن لا
فدية فيه إذا وقع وهو المعروف من قول أصحابنا.
قال الباجي الأظهر أنه لا تلزمه فدية لأن
الفدية إنما تجب بإتلاف الطيب حالة الإحرام
وهذا أتلفه قبل الإحرام إلا أن يكون من الكثرة
بحيث يبقى منه ما تجب فيه الفدية بإتلافه أو
لمسه فتجب بذلك الفدية وهو أبين انتهى. ونقله
عنه الباجي أيضا وابن عبد السلام وابن عرفة
والشارح وقبوله ولم يذكره المصنف في التوضيح.
فرع: وهذا بخلاف الدهن قبل الإحرام فإنه جائز.
قال ابن عرفة وفيها لمالك جائز أن يدهن عند
إحرامه وبعد حلاقه بالبان غير مطيب والزيت
وشبهه ولا يعجبني ما يبقى ريحه. اللخمي
والقياس منعه مطلقا قبل إحرامه كمنعه بعده
كمنع لبسه وتطيبه عند إحرامه وبعده. قال ابن
عرفة قلت: فرق بين عدم الشعث وإزالته والمنافي
للإحرام إزالته لا عدمه ولذا جاز إحرامه إثر
احتمامه وحلقه ومنع بعده انتهى.
(4/232)
ومصيبا من
إلقاء ريح أو غيره أو خلوق كعبة وخير في نزع
يسيره وإلا افتدى إن تراخى
ـــــــ
قلت: ولا إشكال أن الممنوع إنما هو إزالة
الشعث بعد الإحرام لكن في التطيب معنى آخر وهو
بقاء الرائحة بعد الإحرام وأما الدهن فإنما
المقصود منه إزالة الشعث وإذا استعمل قبل
الإحرام لم تحصل الإزالة حال الإحرام فتأمله.
وقال سند أما الدهن بغير الطيب فلا يختلف فيه.
وأما الطيب فهو ممنوع في الإحرام ويختلف فيه
عند الإحرام كما يختلف في التطيب في تلك
الحالة انتهى والله أعلم. ص: "وخير في نزع
يسيره وإلا افتدى إن تراخى" ش: هذا راجع إلى
خلوق الكعبة فقط. وفهم منه أنه لا يخير في نزع
اليسير من غيره بل يجب عليه نزعه وهو كذلك وهو
مقتضى كلام المصنف هنا. وفي التوضيح والمناسك
أن الخلوق فيه من الطيب المؤنث لا يجابه
الفدية في كثيره إذا لم ينزعه وتراخى كما أشار
إليه بقوله وإلا افتدى إن تراخى. وقال سند هذا
في مجرد الخلوق وأما إن كان مسكا أو نحوه من
الطيب فإنه يغسل قليله وكثيره. واحتج بقوله في
الموازية وليغسل ما أصابه من خلوق الكعبة بيده
ولا شيء عليه إن تركه إن كان يسيرا. قال وإن
أصاب كفه من خلوق الركن فإن كان كثيرا أحب إلي
أن يغسل يده وإن كان يسيرا فهو منه في سعة.
وقال بعده لأن الخلوق إنما هو من العصفر
والعصفر ليس من الطيب المؤنث أما إذا خرج
الخلوق بمسك أو كافور أو شيء من الطيب فهذا
يتوقاه المحرم ولا يباشره فإن أصابه من غير
قصده عفي عنه إن أزاله بقربه لما فيه من الحرج
وإن قصد مسه لم يعف عنه لعدم الحرج انتهى.
وفسر ابن الأثير في النهاية الخلوق بأنه طيب
مركب يتخذ من الزعفران وغيره من أنواع الطيب
وتغلب عليه الحمرة والصفرة انتهى.
تنبيه: قال البساطي لأنه لا يفهم من قول
المصنف وخير في نزع يسيره الحكم فيما إذا
تركه.
قلت: وما قاله غير ظاهر لأنه لا معنى للتخيير
إلا أنه إذا تركه لا شيء فيه فتأمله.
تنبيه: قوله "وإلا افتدى إن تراخى" من تمام
مسألة خلوق الكعبة لكن يفهم منها حكم مسألة
إلقاء الريح أو القير وإنه إن لم ينزع ما
أصابه من ذلك وتراخى أن عليه الفدية سواء كان
يسيرا أو كثيرا.
فرع: قال في الطراز فإن تعذر عليه الماء ليغسل
به الطيب من بدنه أو من ثوبه الذي لا
(4/233)
كتغطية رأسه
نائما ولا تخلق أيام الحج ويقام العطارون فيها
من المسعى وافتدى الملقي الحل إن لم تلزمه بلا
صوم وإن لم يجد فليفتد المحرم كأن حلق رأسه
ورجع بالأقل إن لم يفتد بصوم وعلى المحرم
الملتقي فديتان على الأرجح
ـــــــ
يجد غيره وطال ذلك جرت على قولين فيمن ذكر
لمعة كان نسيها في وضوئه وبعد منه الماء. قال
وعندي أنه هنا يفتدي. لأنه قادر على إزالة
الطيب من غير ماء إذ لو أزاله ببوله لأجزأه في
باب الإزالة ويكون حامل نجاسة يغسلها إذا وجد
الماء فحمل ذلك لا ينفعه في حمل الطيب انتهى.
ص: "كان حلق رأسه" ش: يعني أنه إذا حلق الحلال
رأس المحرم ولزمت الحلال الفدية فإنه يفتدي
بغير الصوم فإن لم يجد فليفتد المحرم ويرجع
على الحلال بالأقل إن لم يفتد بالصوم فليس هذا
مكررا مع قوله وإن حلق حل محرما بإذنه لأنه
بين هنا أن حكم افتداء المحل إذا حلق رأس
المحرم ولزمته الفدية حكم افتدائه إذا ألقى
الطيب على المحرم وبين في قوله وإن حلق حل
الموضع الذي تلزم الفدية فيه المحرم أو الموضع
الذي يلزم الحلال إلا أنه كان ينبغي أن يقدمه
على هذا والله أعلم. ص: "ورجع بالأقل إن لم
يفتد بالصوم" ش: يعني أن المحرم إذا افتدى عن
نفسه بغير الصوم فإنه يرجع على الحلال بالأقل
من قيمة الطعام أو النسك. ص: "وعلى المحرم
الملقي فديتان على الأرجح" ش: الأرجح هو قول
ابن القابسي قال ابن
(4/234)
وإن حلق حل
محرما بإذن فعلى المحرم وإلا فعليه وإن حلق
محرم رأس حل أطعم وهل حفنة أو فدية تأويلان
وفي الظفر الواحد لا لإماطة الأذى حفنة
ـــــــ
عبد السلام وهو الصحيح. قال سند والأول يعني
قول ابن القابسي أظهر وهذا والله أعلم إذا مس
الطيب بيده أما إذا لم يمسه فليس عليه إلا
فدية واحدة وهو ظاهر والله أعلم. ص: "وإن حلق
حل محرما بإذن فعلى المحرم وإلا فعليه" ش: ما
ذكره هنا قال في التوضيح عن ابن يونس وغير عبد
الحق إنه مذهب المدونة وهو خلاف قول أشهب. قال
ابن فرحون في شرح قول ابن الحاجب إذا طيب
الحلال المحرم أو حلق شعره مثلا بأمر المحرم
فالفدية على المحرم وإن كان المحرم نائما أو
مكرها فعلى الحلال الفدية انتهى. قال ابن عبد
السلام ويلحق بذلك ما لو لم يأذن له المحرم
ولكنه لما فعل الحلال به ذلك لم يمنعه انتهى.
ونقله عنه المصنف في التوضيح وابن فرحون وظاهر
كلامهما أنهما لم يقفا عليه لغيره وكذا ظاهر
كلامه هو أنه من عنده. وقد صرح به صاحب الطراز
في آخر باب حلق المحرم كغيره ونصه المحرم
ممنوع من قص أظفاره من غير ضرورة وكما منع من
ذلك منع غيره أن يشاركه في ذلك من حل أو محرم
ومن قصه له بإذنه فالفدية على المفعول به كما
قلنا في حلاق رأسه وإن فعله من غير إذن فإن
كان نائما أو مكرها فالفدية على من فعل ذلك به
وإن كان غير نائم ولا مكره ولم يأمر بذلك إلا
أنه ساكت حتى قصت أظفاره أو حلق شعره ولو شاء
لامتنع فالفدية عليه انتهى والله أعلم. ص:
"وإن حلق محرم رأس حل أطعم" ش: يريد إلا أن
يتحقق نفي القمل. قاله اللخمي. وإن قتل قملا
كثيرا فعليه الفدية. ص: "وفي الظفر الواحد لا
لإماطة الأذى حفنة" ش: يريد أن من قلم ظفره لا
لإماطة أذى ولا لكسره فعليه حفنة. قال ابن
فرحون وإن قلمه على وجه العبث لا لأحد أمرين
أطعم حفنة انتهى.
فرع: قال سند إذا وجب الإطعام في الظفر فأطعم
ثم قلم آخر أطعم أيضا ولا يكمل الكفارة بخلاف
ما لو قطعهما في فور واحد لأن الجناية الأولى
قد استقر حكمها منفصلة عن
(4/235)
كشعرة و شعرات
أو قملة أو قملات وطرحها كحلق محرم لمثله موضع
الحجامة إلا أن يتحقق نفي القمل
ـــــــ
الثانية فكان للثانية بعدها حكم الانفراد كمن
حلق بعض رأسه فافتدى ثم حلق بعضه أو قلم يده
اليمنى فافتدى ثم قلم اليسرى أما إذا فعل ذلك
قبل أن يفتدي فراعى فيه الفور أو النية انتهى.
ويؤخذ منه أنه إذا فعل ما يوجب الفدية وأخرج
الفدية ثم فعله مرة أخرى فعليه الفدية ولو نوى
التكرار والله أعلم.
فرع: أما لو قلم ظفرين فلم أر في ابن عبد
السلام والتوضيح وابن فرحون في شرحه ومناسكه
وابن عرفة والتادلي والطراز وغيرهم خلافا في
لزوم الفدية ولم يفصلوا كما فصلوا في الظفر
الواحدة والله أعلم. فرع: قال مالك في المدونة
والحفنة ملء يد واحدة. قال الشيخ أبو الحسن
والغرفة ملء اليدين جميعا بخلاف عرفنا الآن
انتهى. وقال في التوضيح في قول ابن الحاجب أما
لو نتف شعرة أو شعرات أو قتل قملة أو قملات
أطعم حفنة بيد واحدة كما في المدونة وفي
الموازية قبضة وهي دون الحفنة. انتهى كلامه في
التوضيح. وقال سند في شرح كلامه في المدونة
أما قول حفنة في القملة والقملات فلأن ذلك
أفضل مما قتل فهو فوق جزاء الصيد ولهذا يجزئ
من كل شيء يطعم. قال في الموازية يطعم تمرات
أو قبضات من سويق أو كسرات انتهى. وفي مناسك
ابن فرحون قال مالك والحفنة كف واحدة وهي
القبضة. قال بعضهم القبضة أقل من الكف انتهى.
ص: "كحلق محرم لمثله موضع المحاجم إلا أن
يتحقق نفي القمل" ش: يعني أن المحرم إذا حلق
لمحرم آخر مثله موضع المحاجم فإنه يطعم حفنة
إلا أن يتحقق أنه لا قمل فيه وإن تحقق أنه قتل
قملا كثيرا فالفدية. هذا إذا كان وإن لم يكن
بإذنه فجميع ذلك على الفاعل كما لو حلق رأس
حلال. قال اللخمي وإن حلق محرم رأس حلال ولا
قمل فيه فلا شيء عليه وإن كان فيه يسيرا أطعم
شيئا من طعام. واختلف فيه إذا كان كثيرا فقال
مالك يفتدي وقال ابن القاسم يتصدق بشيء من
طعام. وكذلك إن حلق رأس محرم بطوعه فالفدية
على من حلق رأسه ولا شيء على الحالق إن لم يكن
فيه شيء من قمل وإن كان فيه يسيرا أطعم شيئا
من طعام وإن كان كثيرا افتدى على قول مالك
ويتصدق بشيء على قول ابن
(4/236)
وتقريد بعيره
لا كطرح علقة أو رغوث والفدية فيما يترفه به
أو يزيل أذى كقص الشارب أو
ـــــــ
القاسم وإن أكرهه على الحلاق كان على الذي حلق
رأسه الفدية كان فيه شيء أم لم يكن ولا شيء
عليه عن نفسه إن لم يكن فيه شيء وإن كان وكان
قليلا أطعم واختلف إذا كان كثيرا انتهى. وكذلك
نقل في النوادر عن ابن الماجشون ومطرف أن
المحرم إذا حلق رأس محرم وهو نائم أن عليه
فديتين. قال أبو الحسن الصغير فدية لقتل القمل
وفدية للمفعول به. انتهى بالمعنى. فإذا لم يكن
قمل أو كان وكان يسيرا لم تجب إلا فدية واحدة
في الصورة الأولى وفدية وحفنة في الثانية
والله أعلم. ص: "وتقريد بعيره" ش: أي إذا أزال
عنه القراد فيطعم حفنة من طعام بيد واحدة كما
قال الشارح. وقال في التوضيح تقريد البعير هو
إزالة القراد عنه. وظاهر قول المصنف يعني ابن
الحاجب أن القولين في مجرد التقريد ابن عبد
السلام الذي حكاه غيره أن القولين إنما هما
فيما إذا قتل القراد انتهى. ونقله ابن فرحون
والشارح في الكبير وقبلوه وصرح به في الشامل
فقال وله طرح برغوث ولا شيء عليه في قتله.
وقيل يطعم كقتل النمل والعلق والوزغة وإن
لدغته وقراد بعير ونحوه على المشهور لا طرح
ذلك انتهى.
قلت: وقد نص في المدونة على أنه يطعم في طرح
القراد والحمنان عن بعيره. وقال مالك وإن طرح
المحرم عن نفسه الحلمة أو القراد أو الحمنان
أو البرغوث أو طرح العلقة عن بعيره أو دابته
أو دابة غيره أو عن نفسه فلا شيء عليه وأما إن
طرح الحمنان والقراد عن بعيره فليطعم انتهى.
قال سند الهوام على ضربين ضرب يختص بالأجسام
ومنها يعيش فلا يقتله المحرم ولا يميطه عن
الجسد المختص به إلى غيره فإن قتله أطعم وكذا
إذا طرحه. وضرب لا يختص بالأجسام كالنمل والذر
والدود وشبهه فإن قتله افتدى وإن طرحه فلا شيء
عليه إذ طرحه كتركه وعلى هذا تخرج مسائل هذا
الباب فالحلمة والقراد والحمنان جنس واحد ليس
هو من هوام الآدمي وإنما هو من هوام الدواب
يسمى صغيرا قمنانا فإذا كبر قليلا قيل حمنان
فإذا زاد قيل قراد فإذا تناهى قيل حلمة فهذا
يطرحه المحرم عن نفسه لا يختلف فيه وهل يطرحه
عن بعيره يختلف فيه انتهى مختصرا والله أعلم.
ص: "أو ظفر" ش: يعني أن الظفر الواحد إن أماط
عنه أذى لزمته فدية كاملة نص عليه في المدونة.
قال سند ولم يبين ابن القاسم ما هو إماطة
الأذى وجعله الباجي على ضربين أحدهما أن يقلق
من طول ظفره فيقلمه فهذا أماط عنه أذى معتادا
والثاني أن يريد مداواة قرح بأصبعه وقد لا
يتمكن إلا
(4/237)
ظفر وقتل قمل
كثر وخضب بكحناء وإن رقعة إن كبرت ومجرد حمام
على المختار واتحدت إن ظن الإباحة أو تعدد
موجبها بفور
ـــــــ
بذلك فهذا أماط به أذى إذ لا يختص بأظفاره.
فراعى ابن القاسم في كمال الفدية إماطة الأذى
فقط لأنها في نص القرآن منوطة بذلك في قوله
{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ
أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ} [البقرة: من
الآية196] انتهى. والوجه الأول ذكره الباجي
أيضا وأشار إليه في التوضيح. والثاني هو نص
المدونة وعزاه في التوضيح وابن عبد السلام
لها. وقال ابن عبد السلام عقب نقله نص المدونة
وانظر إذا كان ذلك في اليسير انتهى. وقال
التادلي الباجي إماطة الأذى على ثلاثة أوجه
أحدها أن يزيل عن نفسه خشونة طول أظفاره
وجفاءها وهذا في الأغلب. إنما يكون بتقليم
جميع أظفاره أو أكثرها ثم ذكر الوجهين
المتقدمين. وانظر هذا الوجه الذي ذكره فإن
الذي يظهر أنه لا فرق بينه وبين الوجه الأول
من الوجهين اللذين نقلهما سند إلا أن يريد أن
إزالته ليست لأجل قلق يحصل له منه وإنما أراد
بإزالته الترفه فقط فتأمل والله أعلم. وعارض
أبو الحسن بين هذه وبين مسألة تقليم الظفر
المنكسر وقد تقدم الجواب عن ذلك عند قول
المصنف وتقليم ظفر إن كسر. وتحصل من كلام
المصنف أن الظفر على ثلاثة أقسام إن انكسر
فقلمه فلا شيء فيه وإن أماط به أذى ففيه فدية
كاملة وإن قلمه لغير ذلك فحفنة والله أعلم. ص:
"ومجرد حمام على المختار" ش: المراد بمجرد
الحمام صب الماء الحار دون ترك ولا إزالة وسخ
لا مجرد دخوله من غير غسل بل للتدفي فإنه
جائز. قاله في التوضيح ص: "واتحدت إن ظن
الإباحة" ش: ظن الإباحة يتصور فيمن اعتقد أنه
خرج من إحرامه. قال سند كالذي يطوف على غير
وضوء في عمرته ثم يسعى ويحل وكذا من يعتقد رفض
إحرامه واستباحة موانعه. قال في باب تداخل
الفدية ومنه من أفسد إحرامه بالوطء ثم
(4/238)
أو نوى التكرار
أو قدم الثوب على السراويل وشرطها في اللبس
انتفاع من حر أو برد
ـــــــ
فعل موجبات الفدية متأولا أن الإحرام تسقط
حرمته بالفساد أو جاهل فإنها تتحد. قاله ابن
الحاجب. قلت: ولم أرد من ذكر من صور ذلك من ظن
أن الإحرام لا يمنعه من محرماته أو أنه يمنعه
من بعضها وقد حمل الشارح والبساطي كلام المصنف
على هذا فتأمله والله أعلم.
فرع: مما تتحد فيه الفدية إذا كانت نيته يفعل
جميع ما يحتاج إليه من واجبات الفدية. قاله
اللخمي ونقله المصنف المناسك ص: "أو نوى
التكرار" ش: يعني أن من فعل شيئا من ممنوعات
الإحرام ونوى أنه يفعله بعد ذلك ويكرره فإن
الفدية تتحد في ذلك وإن تراخى الثاني عن الأول
كأن يلبس لعذر وينوي أنه إذا زال العذر تجرد
فإن عاد إليه العذر عاد إلى اللبس أو يتداوى
بدواء فيه طيب وينوي أنه كلما احتاج إلى
الدواء به فعله ومحل النية من حين لبسه الأول.
قاله سند وهو يفهم من لفظ المدونة. وأما من
لبس ثوبا ثم نزعه ليلبس غيره أو نزعه عند
النوم ليلبسه إذا استيقظ فقال هذا فعل واحد
متصل في العرف ولا يضر تفرقته في الحس. وقد
صرح في المدونة بأن في ذلك فدية واحدة. ص: "أو
قدم الثوب على السراويل" ش: قال في التوضيح
والمناسك وينبغي أن يقيد بما إذا كان السراويل
لا يفضل عن الثوب وأما إذا نزل فتعدد الفدية
لأنه انتفع ثانيا بغير ما انتفع به أولا وقد
أشار إليه اللخمي في مسألة القلنسوة والعمامة.
وقال ابن فرحون أيضا من قال في مسألة يباع
وهذا إذا كانت يباع تستر ما سترت القلنسوة كما
تقدم في القميص وجزم به في الشامل فقال فيها
تتحد فيه الفدية كتقدم قميص على سراويل لم
يفضل عنه وإن عكس ففديتان وإن لبس قلنسوة ثم
عمامة أو بالعكس ففدية واحدة إن لم تفضل
إحداهما الأخرى. قلت: وهذا ظاهر إذا كان
السراويل أطول من القميص طولا يحصل به انتفاع
وأما إذا كان أطول منه بيسير لا يحصل منه
انتفاع فالظاهر عدم التعدد والله أعلم. ص:
"وشرطها في اللبس انتفاع من حر أو برد" ش:
اعلم أن موجبات الفدية يشترط فيها أن يحصل
للمحرم بها انتفاع لكن منها ما لا يقع
الانتفاع به كحلق الشعر والطيب فهذا تجب
الفدية فيه من غير
(4/239)
لا إن نزع
مكانه وفي صلاة قولان ولم يأثم إن فعل لعذر
وهي نسك بشاة فأعلى أو إطعام ستة مساكين لكل
مدان كالكفارة أو صيام ثلاثة أيام
ـــــــ
تفصيل ومنها ما لا ينتفع به إلا بعد طول
كاللباس فلا تجب الفدية فيه إلا بانتفاع
المحرم من حر أو برد زاد ابن الحاجب أو طول
كاليوم. ونقله ابن عرفة عن ابن أبي زيد رواية.
قال ابن عبد السلام الموجب على الحقيقة في
الجميع حصول المنفعة.
قلت: ولم يقل المصنف أو طول كاليوم لأن الطول
المذكور مظنة حصول الانتفاع من حر أو برد بل
لا يكاد ينفك من ذلك غالبا فهو داخل في كلامه.
تنبيه: فلو لبس ولم ينتفع من حر أو برد ولم
يطل ذلك يوماً ولا قريبا من اليوم فلا فدية
عليه. قال ابن فرحون في قول ابن الحاجب فلو
نزع مكانه فلا فدية هذا تكرار لأنه معلوم من
قوله "أو دام كاليوم" لأن مقتضاه أن ما دون
اليوم يسير فمن باب أولى إذا نزعه مكانه
انتهى.
قلت: ولا شك أن ما قارب اليوم كاليوم لقولهم
كاليوم والله أعلم. ص: "وفي صلاة قولان" ش:
قال في التوضيح بناء على أنه هل يعد طولا أم
لا. وقال في المناسك واختلفوا إذا لبسه وصلى
به صلاة هل يفتدي لأنه انتفع به في الصلاة أو
لا فدية عليه لعدم الطول وبذلك وجه اللخمي
القولين. وقال في الطراز بعد ذكره القولين من
رواية ابن القاسم عن مالك فراعى مرة حصول
المنفعة في الصلاة ونظر مرة إلى الترفه وهو لا
يحصل إلا بالطول انتهى. وهذا هو التوجيه
الظاهر لا ما ذكره في التوضيح إذ ليس ذلك بطول
كما تقدم. وذكر في الطراز عن ابن القاسم أنه
قال بعد قوله قال مالك يفتدي وما هو بالبين.
ففيه ترجيح القول بعدم الفدية وهو الظاهر إذا
لم يحصل له انتفاع من حر أو برد. ص: "ولم يأثم
إن فعل لعذر" ش: يعني أن موجب الفدية لا
يستلزم حصول الإثم وإنما هو لحصول المنفعة لكن
المنفعة ربما تقع مأذونا فيها كما في ذي العذر
وربما تحرم كما في حق من لا عذر له والله
أعلم. ص: "وهي نسك بشاة فأعلى" ش: ويشترط فيها
من السن والسلامة من العيب ما يشترط في
الأضحية. قال في كتاب الحج الثاني من المدونة
ولا
(4/240)
ولو أيام منى
ولم يختص بزمان أو مكان إلا أن ينوي بالذبح
الهدي فكحكمه ولا يجزئ غداء وعشاء إن لم يبلغ
مدين والجماع ومقدماته
ـــــــ
يجوز في جزاء الصيد والفدية ذوات العوار ولا
يجوز في الهدية إلا ما يجوز في الضحايا انتهى.
تنبيه: قال البساطي ولم يعلم من كلامه في
المختصر هل الشاة أفضل كما في الضحايا أو
الأعلى كما في الهدايا. قال بعضهم الشاة أفضل
إلا أن ينوي بها الهدي. انتهى من مناسك الشيخ
أبي الحسن. ص: "كالكفارة" ش:
فرع: قال الشيخ زروق في شرح الإرشاد ولو افتدى
من شيء قبل فعله لم يجزه. ص: "ولو أيام منى"
ش: هذا مخالف لمفهوم قوله في باب الصيام لا
سابقيه إلا لمتمتع وما ذكره هنا عزاه الشارح
وابن عرفة للمدونة والله أعلم. ص: "إلا أن
ينوي بالذبح الهدي فكحكمه" ش: كذا في غالب
النسخ بكسر الذال المعجمة بمعنى مذبوح كما في
قوله تعالى {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ}
[الصافات:107] وفي بعضها المذبح بضم الميم
وسكون الذال المعجمة وفتح الباء الموحدة اسم
مفعول من "أذبح" كمكرم من "أكرم" وليس بعربي
إذ لا يقال أذبح والله أعلم. وقوله "فكحكمه"
أي فيختص بزمان ومكان كالهدي لا في الأكل فلا
يأكل منها ولو جعلت هديا. ويفهم ذلك من كلام
المصنف الآتي فيما يؤكل منه من الهدايا وما لا
يؤكل حيث قال إلا نذرا لم يعين والفدية
والجزاء بعد المحل فعلم من هناك أن الكلام
فيما جعل هديا لقوله بعد المحل. وقد صرح بذلك
الجزولي في شرح الرسالة وغيره وأنه لا يأكل من
الفدية ولو جعلت هديا والله أعلم. ص: "والجماع
ومقدماته" ش: تصوره ظاهر
(4/241)
وأفسد مطلقا
كاستدعاء مني وإن بنظر إن وقع قبل الوقوف
مطلقا أو بعده إن وقع قبل إفاضة وعقبة يوم
النحر أو قبله وإلا فهدي
ـــــــ
فرع: نص في النوادر في باب الردة على أن لا
المحرم إذا ارتد انفسخ إحرامه ولا يلزم قضاؤه
وانظر إذا أفسده ثم ارتد هل يسقط القضاء أم
لا. ص: "وأفسد مطلقا" ش: قال في الجواهر
ويستوي في الإفساد الجماع في الفرج أو المحل
المكروه في الرجال والنساء كان معه إنزال أم
لا انتهى. ويريد المؤلف أيضا عمدا أو نسيانا
كما قال ابن الحاجب وغيره أو جهلا كما قاله
اللخمي وغيره والله أعلم. ص: "وإن بنظر" ش: لو
قال "ولو نظر" لكان أولى ليشير إلى قول أشهب
وإنما عليه الهدي. وقال ابن عرفة والإنزال
بقصد كالوطء والاحتلام لغو انتهى. وقال في
المدونة وإذا أدام المحرم التذكر للذة حتى
أنزل أو عبث بذكره حتى أنزل أو كان راكبا
فهزته الدابة فاستدام ذلك حتى أنزل أو لمس أو
قبل أو باشر فأنزل أو أدام النظر حتى أنزل فسد
حجه وكذلك المحرمة إذا فعلت ما يفعله شرار
النساء من العبث بنفسها حتى أنزلت انتهى.
فائدة قال في التوضيح قال ابن بشير وقد أخذ
المتأخرون من هذا أن الاستمناء باليد حرام
لقوله شرار النساء واستدلوا على ذلك بقوله
تعالى {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ
حَافِظُونَ} [المؤمنون:5] الآية انتهى. وانظ
رهذا الأخذ مع قوله أو عبث بذكره ولم يقل شرار
الرجال فتأمله. ولا شك في حرمة ذلك والله
أعلم. ص: "قبل الوقوف مطلقا" ش: أي سواء وقع
قبل طواف القدوم والسعي أو بعدهما أو بينهما
ولا يفصل في ذلك كما يفصل فيما بعد الوقوف بين
أن يقع قبل طواف الإفاضة ورمي جمرة العقبة أو
بعدهما أو أحدهما. ولما كان الطواف القدوم
والسعي بعده شبيهين برمي جمرة العقبة وطواف
الإفاضة في كون كل واحد من القسمين ركنا
وواجبا ويفصل في الثاني دون الأول حسنت
الإشارة إلى ذلك بالإطلاق والله أعلم. ص: "أو
قبله" ش: لا بد من هذه اللفظة لئلا يتوهم
اختصاص الفساد بيوم النحر والله
(4/242)
كإنزال ابتداء
وإمذائه وقبلته ووقوعه بعد سعي في عمرته وإلا
فسدت ووجب إتمام المفسد
ـــــــ
أعلم. ص: "كإنزال ابتداء" ش: هو كقوله في
المدونة إن نظر المحرم فأنزل ولم يتابع النظر
ولا أدامه فعليه لذلك الدم وحجه تام انتهى.
قال ابن عرفة وناقضه اللخمي بقوله في الصوم من
نظر أو تذكر ولم يدم فأنزل فعليه القضاء فقط
وإن أدام فهو والكفارة إلا أن يحمل على
استحباب القضاء.
قلت: يفرق بيسير الصوم انتهى. واعلم أن ما فرق
به ابن عرفة هو في كلام اللخمي ونصه إلا أن
يحمل قوله في قضاء الصوم على الاستحباب ليسارة
قضاء الصوم انتهى. وقال أيضا قبل هذا اللخمي
اتفق ابن القاسم وأشهب على عدم فساد إنزال
الفكر والنظر غير متكررين.
قلت: عزاه ابن حارث لاتفاق كل المذهب الباجي
رواه ابن القاسم ابن ميسر عليه الهدي. الباجي
معناه جريه على قلبه من غير قصد انتهى. وخرج
اللخمي على ما اتفق عليه ابن القاسم وأشهب من
عدم إفساد إنزال الفكر والنظر غير المتكررين
لغو إنزال قبله وغمز من عادته عدم الإنزال
عنهما. قال ابن عرفة ويرد بأن الفعل أقوى
انتهى. وقد سبقه إلى رد تخريج اللخمي القاضي
سند فقال وهذا تخريج فاسد والفرق أن النظر قد
يقع فجأة وكذلك الفكر وتغلب القوة في الإنزال
فعفي عنه أما القبلة فلا تقع إلا عن اختيار
وليس في تجنبها كبير مشقة ولم يبق إلا أنه قبل
ولم يقصد أن ينزل وما يفسد الحج لا يقف على
قصد إفساده انتهى. ص: "وإمذائه وقبلته" ش: فهم
من قوله أولا والجماع ومقدماته أن مقدمات
الجماع محرمة كلها وهو كذلك ويفهم من كلام ابن
عبد السلام نفي الخلاف في ذلك ثم بين
(4/243)
وإلا فهو عليه
وإن أحرم
ـــــــ
المصنف أن المذي يوجب الهدي وأن القبلة توجب
الهدي وإن لم يحصل عنها مذي لعطفه القبلة على
المذي وسكت عما عدا القبلة فيفهم منه أنه لا
شيء فيه إذا لم يكن عنها مذي وإنما فيها الإثم
وهو كذلك يريد إلا الملاعبة الطويلة والمباشرة
الكثيرة ففي ذلك الهدي لأن ذلك أشد من القبلة.
فإن الذي يتحصل من كلام ابن عبد السلام
والمصنف في التوضيح والقابسي في تصحيح ابن
الحاجب أن يعرى وجوب الهدي في القبلة من
الخلاف لأنها لا تفعل إلا للذة فهي مظنتها
والتعليل بالمظنة لا يختلف وأن محل الخلاف ما
عداها من ملامسة خفيفة ومباشرة خفيفة وغمز
ونظر وكلام وفكر إذا حصل عن ذلك مذي وإن أظهر
القولين وأرجحهما وجوب الهدي حينئذ وأما إن لم
يحصل مذي فلا هدي عليه وقد غر وسلم. وأما
الملاعبة الطويلة والمباشرة الكثيرة ففيها
الهدي لأنها مظنه للذة كالقبلة بل ذلك أشد ولا
يكاد يتخلف عنه المذي غالبا والله أعلم.
ولنذكر نصوصهم ليتضح ذلك. قال في التوضيح في
شرح قول ابن الحاجب وتكره مقدمات الجماع
كالقبلة والمباشرة للذة والغمزة وشبهها المراد
بالكراهة هنا التحريم. الباجي وكل ما فيه نوع
من الالتذاذ بالنساء فيمنع منه المحرم ثم ما
كان منه لا يفعل إلا للذة كالقبلة ففيه الهدي
على كل حال وما كان يفعل للذة وغيرها مثل لمس
كفيها أو شيء من جسدها فما أتى من ذلك على وجه
اللذة فممنوع وما كان لغير لذة فمباح انتهى
بمعناه. ابن عبد السلام ولا نجدهم يختلفون في
القبلة هنا كما يختلفون في الصيام فليس أحد
منهم يجيز القبلة في الإحرام لشيخ ولا لمتطوع
اه كلام التوضيح بلفظه. وقال ابن عبد السلام
الأقرب تحريمها يعني مقدمات الجماع لقوله
تعالى {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ} [البقرة: من
الآية197] وهو يشمل جميع المقدمات حتى الكلام
ولا يبعد تأويل إطلاق الفقهاء الكراهة هنا
وإرادة التحريم. ولا تجدهم يختلفون فيها كما
اختلفوا في الصيام فليس أحد منهم يجيز القبلة
في الإحرام لشيخ ولا لمتطوع انتهى. فالضمير في
قول ابن عبد السلام ولا تجدهم يختلفون فيها
يرجع إلى جميع مقدمات الجماع وجعل المصنف
كلامه في القبلة فقط وليس بظاهر بل حكم الجميع
سواء. ثم قال ابن الحاجب وفي وجوب الهدي قال
في التوضيح قد تقدم أن الباجي قال يجب في
القبلة الهدي على كل حال. وكذلك قال ابن عبد
البر في الكافي ومن قبل أو باشر فلم ينزل
فعليه دم وتجزئة شاة اه. وينبغي أن يقال إن
أمذى فعليه الهدي وإلا فلا. ويحتمل أن تعرى
القبلة من الخلاف ويكون الخلاف فيما عداها
ويكون محل الخلاف إذا أمذى وأما إن لم يحصل
مذي فقد غر وسلم فانظر ذلك ثم قال ابن الحاجب
وروي من قبل فليهد فإن التذ بغيره فأحب إلي أن
يذبح قال في التوضيح قوله
(4/244)
ولم يقع قضاؤه
إلا في ثالثه وفورية القضاء وإن تطوعا وقضاء
القضاء ونحر هدي في القضاء واتحد وإن تكرر
لنساء بخلاف صيد وفدية
ـــــــ
"روي" أي في الموازية وهو ظاهر التصور ولا شك
عليها أي على هذه الرواية أن الملاعبة ونحوها
أشد من القبلة انتهى. وقال ابن عبد السلام في
شرح قوله فإن التذ بغيره يريد مما هو دون
القبلة في تهييج الشهوة ولا يدخل في ذلك
المباشرة وطول الملاعبة وما في معناهما بل
يدخل حكمهما في حكم القبلة من باب أولى وذلك
معلوم ضرورة انتهى. وقال القابسي في تصحيح ابن
الحاجب قوله وفي وجوب الهدي مطلقا أما القبلة
فنص ابن عبد البر والباجي فيها على وجوب الهدي
مطلقا وأما غيرها من مقدمات الجماع فإن أمذى
معه وجب الهدي وإلا فلا وعليه اقتصر خليل. وفي
الجلاب إن أمذى فليهد وإن لم يمذ فيستحب الهدي
انتهى. وقال ابن فرحون لما ذكر قول الباجي
كلما لا يفعل إلا للذة كالقبلة ففيه الهدي
قولان. مذهب المدونة وجوب الهدي على كل حال
يعني سواء التذ أو لا انتهى.
تنبيه: المراد بالقبلة القبلة على الفم وأما
على الجسد فحكمها حكم الملامسة كما يفهم ذلك
من الكلام في نواقض الوضوء والمراد أيضا ما لم
يحصل صارف كوداع أو رحمة كما قالوا هناك
فتأمله والله أعلم. ص: "ولم يقع قضاؤه إلا في
ثالثة" ش: هذا إن لم يطلع عليه حتى فات الوقوف
في العام الثاني وأما إن اطلع عليه قبل ذلك
فيؤمر أن يتحلل من إحرامه الأول الفاسد بأفعال
العمرة ولو دخلت أشهر الحج ويقضيه في العام
الثاني والله أعلم. ص: "وفورية القضاء وإن
تطوعا" ش: ظاهر كلام المصنف في التوضيح وابن
عبد السلام أن من
(4/245)
وأجزأ إن عجل
وثلاثة إن أفسد قارنا ثم فاته وقضى وعمرة إن
وقع قبل ركعتي الطواف وإحجاج مكرهة وإن نكحت
غيره وعليها إن أعدم ورجعت
ـــــــ
أحرم بتطوع قبل فرضه ثم أفسده أنه يقضي الفاسد
قبل حجة الإسلام. ص: "وعمرة إن وقع قبل ركعتي
الطواف" ش: مفهومه أنه إذا وقع بعد ركعتي
الطواف لا تجب العمرة وهو كذلك إذا كان قد قدم
السعي قبل الوقوف وأما من لم يقدم السعي فتجب
عليه العمرة إذا وقع قبل تمام السعي والله
أعلم.
تنبيه: وهذه العمرة ليست بخارجة في الحكم عن
إحرام الحج ولذلك قال مالك إن طلقت فبانت
وتزوج كل واحد منهما قبل أن يعتمر فنكاحها
فاسد وكذلك إن تزوجها هو بعد انقضاء عدتها
قاله سند واستشكله بأنها لو نكحت بعد إتمام
الفاسد وقبل القضاء صح نكاحها والمسألة في رسم
الشريكين من سماع ابن القاسم من كتاب الحج.
وقد استشكلها ابن رشد أيضا ووجه إشكالها ظاهر.
وانظر إذا أراد أن يحرم بحج قبل أن يأتي بهذه
العمرة هل يصح إحرامه أم لا والله أعلم. ص:
"وإحجاج مكرهته وإن نكحت غيره" ش: قال ابن عبد
السلام وكذلك لو أكره أجنبية لأنه من باب
الغرامة ولا شك إن طاوعته بأن ذلك عليها وقوله
مكرهته تخرج الطائعة وهو كذلك وظاهره ولو كانت
أمة وقد نقل في
(4/246)
عليه كالمتقدم
وفارق من أفسد معه من إحرامه لتحلله ولا يراعي
زمن إحرامه بخلاف ميقات إن شرع وإن تعداه فدم
ـــــــ
التوضيح وغيره عن الموازية والعتبية أن طوعها
كالإكراه. ص: "وفارق من أفسد معه من إحرامه
لتحلله" ش: جرى رحمه الله على غالب عادته من
أنه إذا كان في المسألة احتمالات يأتي بلفظ
يقبل كل واحد منها وعبارته نحو عبارة المدونة
ونصها قال ابن القاسم ومن جامع زوجته في الحج
فليفترقا إذا أحرما بحجة القضاء فلا يجتمعان
حتى يحلا اه. وقد اختلف في التفريق هل هو على
الوجوب أو على الاستحباب فقال ابن الجلاب وابن
القصار هو مستحب وفي آخر كلام الطراز ميل
إليه. وقال ابن عبد السلام في شرح قول ابن
الحاجب وإذا قضى فارق الخ. يريد إذا قضى
الفاسد فإنه يجب عليه أن يفارق زوجته أو أمته
التي كان إفساده للحجة المتقدمة معها. ثم قال
وظاهر إطلاقات المذهب أن ذلك على الوجوب وهو
أسعد بالأثر. وقال ابن القصار مستحب وفرق
اللخمي بين الجاهل فيستحب والعالم فيجب انتهى.
ونحوه في التوضيح. وقال ابن بشير ظاهر الكتاب
الوجوب. وقال ابن فرحون ظاهر المذهب الوجوب
ظاهر قول المصنف من أفسد معه أن هذا الحكم خاص
بتلك المرأة ونحوه لابن الحاجب. وقال في
التوضيح في شرح قول ابن الحاجب المتقدم مثله
في المدونة وهو يدل على اختصاص هذا الحكم بتلك
المرأة وقال اللخمي لا فرق بين تلك المرأة
وغيرها انتهى. وقال الشيخ زروق في شرح الإرشاد
وهل غيرها من النساء كهي قولان مشهوران انتهى.
وقوله بتحلله قال في التوضيح أي طواف الإفاضة
انتهى. وهذا في حق من قدم السعي وأما من لم
يقدمه فلا يتحلل إلا بإتمام السعي. وقول
المصنف "من إحرامه لتحلله" ظاهر سواء كان ذلك
في حج أو عمرة وهو كذلك نص عليه في الكافي
وابن فرحون وغيرهما. وقال ابن فرحون التحلل في
العمرة الحلاق والله أعلم.
فرع: الظاهر أنهما لا يؤمران بالافتراق في
بقية حجهما المفسد وفي كلام القاضي سند ما يدل
له لأنه لما علل كونه غير واجب قال ولو أثر
تحريما لكان أولى في الحجة الأولى انتهى. وقد
ذكر ابن رشد في شرح هذه المسألة من سماع أشهب
من كتاب الحج أن بعض أهل العلم يقول يفرق
بينهما إلى عام قابل انتهى ونقله في التوضيح
ص: "بخلاف ميقات إن شرع وإن تعداه فدم" ش:
اختصار عجيب جمع فيه عدة من مسائل ويعني أن
مكان الإحرام المفسد
(4/247)
وأجزأ تمتع عن
إفراد وعكسه ولا قران عن إفراد أو تمتع
وعكسهما ولم ينب قضاء تطوع عن واجب وكره حملها
للمحمل ولذلك اتخذت السلالم ورؤية ذراعيها لا
شعرها والفتوى في أمورهن وحرم به وبالحرم
ـــــــ
يراعى في الإحرام بالقضاء إن كان مشروعا وليس
مراده بالميقات الشرعي بدليل قوله "إن شرع".
وأفاد بذلك أنه إذا أحرم بالفاسد من الميقات
الشرعي لم يجز له أن يتعداه في حجة القضاء
وأنه إن أحرم بالمفسد قبل الميقات الشرعي لم
يلزمه ذلك في القضاء وإن أحرم بالمفسد بعد
الميقات الشرعي فلا يخلو أن يكون تجاوزه بوجه
جائز أولا. فإن تجاوزه بوجه جائز جاز له أن
يحرم بالقضاء من ذلك الموضع وأما إن تجاوزه
بوجه غير جائز فلا يجاوزه ثانيا وقاله في
التوضيح. وقوله "وإن تعداه فدم" الذي يظهر من
كلامهم أنه إذا أحرم بالمفسد من الميقات ثم
أحرم بالقضاء من دونه فعليه الهدي ولو تعداه
بوجه جائز كما لو أقام بعد كمال المفسد بمكة
إلى قابل وأحرم منها بالقضاء. قال ابن فرحون
في مناسكه فإن لم يحرم من الميقات المكاني مثل
أن يقيم بمكة حتى يحج منها فعليه الدم. وكذلك
لو مر على الميقات الذي أحرم منه أولا فتعداه
فعليه دم انتهى. ص: "وأجزأ تمتع عن إفراد" ش:
فهم من قوله أجزأ أن المطلوب أولا خلاف ذلك
وهو كذلك. قال ابن الحاجب ويراعى صفته من
إفراد وتمتع وقران. قال ابن عبد السلام يعني
أن الواجب كون القضاء بصفة الأداء حتى يكونا
معا إفرادا أو تمتعا أو قرانا ولا ينبغي أن
يخالف بين صفة الأداء والقضاء وعلى هذا
إطلاقات المتقدمين. ص: "وحرم به" ش: أي بالحرم
والمعتبر فيه وقت الرمي فلو رمى على صيد وهو
(4/248)
من نحو المدينة
أربعة أميال أو خمسة للتنعيم ومن العراق
ثمانية للمقطع ومن عرفة تسعة ومن جدة عشرة
لآخر الحديبية ويقف سيل الحل دونه تعرض بري
وإن تأنس أو لم يؤكل أو طير
ـــــــ
حلال ثم أحرم قبل وصول الرمية إليه فأصابته
الرمية بعد إحرامه فعليه جزاؤه. نقله ابن عرفة
والمصنف في التوضيح في باب الديات. ص: "من نحو
المدينة أربعة أيام أو خمسة للتنعيم" ش: زاد
في مناسكه وذكر النووي أنه ثلاثة انتهى. وقول
الشيخ ابن غازي هذا التحديد في النوادر ونقله
عن المدونة وهو وهم أو تصحيف كأنه يعرض بالشيخ
في توضيحه وليس كذلك وإنما أراد الشيخ بقوله
هو لمالك في المدونة قول ابن الحاجب بلغني أن
عمر رضي الله عنه جدد معالم الحرم بعد الكشف
بدليل قول الشيخ. وقوله يعني ابن الحاجب وحد
الحرم هو كذلك في النوادر والله أعلم. ص: "ومن
العراق ثمانية للمقطع" ش: قال في مناسكه وذكر
النووي أنه سبعة أميال على ثنية جبل بالمقطع
انتهى. ص: "ومن جدة عشرة لآخر الحديبية" ش:
سماه التادلي منقطع الأعشاش جمع عش. والحديبية
بضم الحاء وفتح الدال المهملتين وفتح الباء
وتخفيفها بالتخفيف ضبطها الشافعي وبالتشديد
ضبطها أكثر المحدثين. وزاد المصنف في مناسكه
حدين آخرين أحدهما مما يلي اليمن سبعة أميال
إلى موضع يقال له أضاة بفتح الهمزة والضاد
المعجمة على وزن قناة. وقال التادلي أضاة لبن
بكسر اللام وسكون الباء في تثنية لبن والحد
الثاني قال المصنف من طريق الجعرانة تسعة
أميال وسماه التادلي شعب أبي عبد الله بن خالد
والله أعلم. ص: "ويقف سيل الحل دونه" ش: كذا
نقل في النوادر عن ابن القاسم وكذا ذكر
الأزرقي في تاريخه مكة. قال الأبي موضع واحد
عند التنعيم عند بيوت بدار. وقال الفاسي وكلام
الفاكهاني في تاريخه أنه يدخل من عدة مواضع.
ورأيت في تاريخ الشيخ سراج الدين عمر بن فهر
من أهل المائة التاسعة في ترجمة الشيخ شمس
الدين محمد بن عزم ومما أنشدنيه من نظمه:
إن رمت للحرم المكي معرفة
...
فاسمع وكن واعيا قولي وما أصف
واعلم بأن سيول الحل قاطبة
...
إذا جرت نحوه فدونه تقف
(4/249)
ماء وجزأه
وبيضه وليرسله بيده أو رفقته وزال ملكه عنه لا
ببيته وهل وإن أحرم منه تأويلان
ـــــــ
انتهى والله أعلم. ص: "أو طير" ش: قال ابن
فرحون في الألغاز: قال مالك: لا يقتل المحرم
الطير الذي يكون في البحر إذا كان يخرج إلى
البر ولا يعيش إلا في البحر جاز صيده لأنه من
طير البحر انتهى والله أعلم. ص: "وجزؤه" ش:
كذا في غالب النسخ بالزاي والهمزة وهو نحو
قوله في المناسك ويحرم التعرض لأبعاض الصيد
وبيضه انتهى. فحمل قوله تعرض لبري على أن
المراد التعرض لنفسه.
فرع: وأما لبن الصيد فقال سند إن وجده محلوبا
فلا شيء عليه فيه كما يجد من لحم الصيد قد ذكي
ولا يجوز للمحرم أن يحلبه لأن المحرم لا يمسك
الصيد ولا يؤذيه فإن حلبه فلا ضمان عليه ولا
يشبه البيض وقال أبو حنيفة إن نقص الصيد لذلك
يضمن ما نقصه وإن لم ينقصه لم يضمن. وهذا يجري
على قول في المذهب في جرح الصيد إذا نقصه.
وقال الشافعي يضمن اللبن بقيمته واعتبره
بالبيض. ودليلنا أن ذلك ليس من أجزاء الصيد
ولا يكون منه صيد فلا وجه لتعلق الضمان بحكم
الصيد انتهى والله أعلم. ص: "وليرسله بيده أو
رفقته" ش: يصح أن يكون بيده في موضع الحال من
الهاء في "يرسله" ش: أي ليرسله كائنا بيده أو
رفقته ويصح أن يكون خبر كان المحذوفة. والمعنى
وليرسله إن كان بيده سواء كان في قفص أو غيره
أو في رفقته. قال في التوضيح وإن لم يفعل وتلف
فعليه جزاؤه.
مسألة فإن قيل لم أوجبوا على المحرم إذا أحرم
وبيد صيد أن يرسله ولم يقل أحد بأنه يطلق
زوجته مع أن الإحرام مانع من الاصطياد وعقد
النكاح فالجواب والله أعلم أن الإحرام مانع من
الاصطياد لذاته وأما عقد لنكاح فإنما منع
لكونه وسيلة إلى الوطء فبقاء يد المحرم على
الصيد فعل في الصيد فأشبه الاصطياد. ألا ترى
أنه لو كان الصيد في بيته لم يزل ملكه على
المصيد وأما الوطء الذي هو المقصود بالذات فقد
منع منه المحرم وأما إمساك الزوجة فليس في
معنى تجديد العقد عليها فليتأمل. وزال ملكه
عنه. هذا هو المشهور وهو مذهب المدونة وفرع:
في التوضيح على زوال ملكه عن الصيد بالإحرام
على المشهور فقال لو أفلته أحد منه لا تلزمه
قيمته ولو أفلته صاحبه وأخذه غيره قبل أن يلحق
بالوحش وبقي بيده أخذه حتى حل صاحبه من إحرامه
كان لآخذه ولو أبقاه صاحبه بيده حتى حل لزمه
إرساله ولو ذبحه بعد إحلاله لزمه جزاؤه انتهى
بالمعنى والله أعلم. ص: "لا ببيته وهل إن أحرم
منه تأويلان" ش: التأويلان سواء أحرم ببيته أو
(4/250)
فلا يستجد ملكه
ولا يستودعه
ـــــــ
كان يمر ببيته كما قاله في الطراز. ص: "فلا
يستجد ملكه" ش: قال في التوضيح قال ابن عبد
البر أجمع العلماء على أنه لا يجوز للمحرم
قبوله بعد إحرامه ولا شراؤه ولا اصطياده ولا
استحداث ملكه بوجه من الوجوه انتهى فإن قبله
فلا يرده. قال في التوضيح ذكر ابن راشد أنه لا
يجوز للمحرم قبول الصيد. الباجي ومن أهدي له
صيد في حال إحرامه فقبله لم يكن له رده على
قياس المذهب أنه قد ملكه بالقبول على قول ابن
القصار وقد خرج عن ملك الواهب وإن لم يدخل في
ملك الموهوب له على مذهب القاضي أبي إسحاق
فليس له أن يرده على واهبه إن كان حلالا
انتهى. وقال في الطراز وإنما رد النبي صلى
الله عليه وسلم الصيد لأنه لم يقبله ولم يقع
له عليه يد أما من قبله فليرسله ولا يسلط عليه
ربه انتهى.
تنبيه: ما تقدم من أنه لا يستجد ملكه هذا إذا
كان الصيد حاضرا معه وأما إن كان الصيد غائبا
عنه فيجوز له استجداد ملكه. قال سند ويحرم
ابتياع الصيد بحضرته وقبول هبته وقال اللخمي
إنما ورد النهي عن قتل الصيد بالاصطياد وأن
يستأنف فيه ملكا وهو معه لئلا يكون خائفا منه
وما كان في بيته فخارج عن ذلك ويجوز له أن
يشتري وهو محرم بمكة صيدا بمدينة أخرى ويقبل
هديته. انتهى ونقله التادلي. ص: "ولا يستودعه"
ش: الأقرب أن يكون فعلا مطاوعا مبنيا للفاعل
مبدوءا بياء الغائب مجزوما بلا الناهية فإنها
تدخل على المضارع كان لمخاطب أو غائب أو
متكلم. ذكره ابن هشام في المغني وغيره.
والضمير المستتر في الفعل يعود على المحرم
المفهوم من السياق والضمير المتصل أعني الهاء
يعود على الصيد ويكون المعنى لا يستودع المحرم
الصيد ويسميه أهل التصريف نهي الغائب نحو قوله
تعالى {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ} [آل
عمران: من الآية28] الآية.
فرع: قال في التوضيح فإن قبله وجب عليه إطلاقه
وغرم لربه قيمته انتهى. ونقله الشارح وابن
غازي وظاهره أنه إذا قبله لا يجوز له أن يرده
إلى ربه ويجب عليه إرساله ولو كان ربه حاضرا
أو غائبا ووجد من يحفظه عنده وليس كذلك. قال
في الطراز ولا يجوز للمحرم أن يأخذ صيدا وديعة
فإن فعل رده إلى ربه فإن غاب قال في الموازية
عليه أن يطلقه
(4/251)
ورد إن وجد
مودعه وإلا بقي وفي صحة شرائه قولان
ـــــــ
ويضمن قيمته لربه. ومعناه إذا لم يجد من يحفظه
عنده ولو وجد لم يرسله انتهى. ونقل ابن عرفة
عن اللخمي نحوه.
فرع: قال في الطراز فلو وجد ربه كان محرما
فأبى أن يأخذه منه فليرسله بحضرته ولا يضمن
بخلاف ما إذا أرسله بغيبته فإنه يضمن لأن
الإحرام لا يزيل ملك ما غاب من الصيد انتهى.
فرع: وفي كتاب محمد إن أودع حلال حلالا صيدا
بالحل ثم أحرم ربه فإن كانا رفيقين أرسله وإن
لم يكونا في رحل واحد فكما خلفه في بيته. ص:
"ورد أن وجد مودعه وإلا بقي" ش: ليس هذا مفرعا
على ما قبله بل هو فرع مستقل وهو من كان عنده
صيد مودع قبل إحرامه فأحرى وهو عنده فإنه يرده
على ربه إن وجده وإلا أبقاه حتى يقدم عليه
صاحبه كما نبه عليه ابن غازي. ومعناه ورد
الصيد المودع قبل الإحرام وإن وجده مودعه يعني
الذي أودعه وإلا أي وإن لم يوجد بقي أن أبقاه
حتى يقدم صاحبه. قال التادلي عن القرافي ومن
أحرم وعنده صيد لغيره رده إلى ربه إن كان
حاضرا. فإن كان ربه محرما قال ابن حبيب يرسله
ربه فإن كان ربه غائبا قال مالك إن أرسله
يضمنه بل يودعه حلالا إن وجده وإلا بقي صحبته
للضرورة وإن مات في يده ضمنه لأن المحرم يضمن
الصيد باليد انتهى. وأصله لسند وزاد بعد قوله
فإن كان ربه محرما قال ابن حبيب يرسله ربه وإن
كان حلالا جاز له حبسه والله أعلم. ص: "وفي
صحة شرائه قولان" ش: فعلى الصحة عليه أن
يرسله. قاله في التوضيح وغيره. قال في الطراز
ويضمن لبائعه قيمته دون ثمنه لأن بائعه كان
سببا في يد المحرم على الصيد وإرساله عليه فلم
يبق له حق في عينه وإنما حقه في ماليته
والرجوع بقيمته. انتهى فتأمله. فإن الذي يظهر
على الصحة لزوم الثمن والله أعلم.
فرع: وعلى الصحة أيضا لو لم يرسله ورده إلى
ربه فقال سند عن ابن حبيب عليه جزاؤه انتهى.
فرع: ولو ابتاعه بالخيار وهما حلالان ثم أحرما
بعد عقد البيع وقبل انقضاء أمد الخيار فقال
سند البيع وقع على الصحة. وينظر فإن اختار
المبتاع البيع غرم الثمن وأطلق الصيد وإن رد
البيع فلا ثمن عليه ويطلق على البائع. قال
مالك في العتبية في المحلين يتبايعان صيدا
ويشترط البائع الخيار ثم يحرمان مكانهما ويوقف
البائع فإن لم يختر فهو منه ويسرحه وإن أمضى
البيع فهو من المبتاع ويسرحه. قال ولو سرحه
المبتاع قبل اتفاق الآخر ضمن قيمته يريد
(4/252)
إلا الفأرة
والحية والعقرب مطلقا وغرابا وحدأة وفي
صغيرهما خلاف كعادي سبع كذئب إن
ـــــــ
لأنه أتلفه وهو في ملك البائع ولم يضمن البيع
بعد انتهى. ص: "إلا الفأرة الخ" ش: الفأرة
بهمزة ساكنة. قال في النهاية وقد يترك همزها.
والحدأة على وزن عنبة. قاله في الصحاح.
تنبيه: أما قتل هذه الأشياء بنية الذكاة فظاهر
كلام الفاكهاني أنه لا يجوز قتلها بنية الذكاة
ونصه واعتبر مالك في ذلك الإيذاء فكل مؤذ يجوز
عندنا للمحرم قتله بغير معنى الصيد. ثم قال
قال العبدي وجملة ما يجوز للمحرم قتله وفي
الحرم أيضا ثلاثة عشر شيئا ستة تذبح للأكل
وسبعة تقتل للضرورة ودفع أذاها. فأما ما يذبح
للأكل فبهيمة الأنعام الثلاثة الإبل والبقر
والغنم. وثلاثة من الطير البط والأوز والدجاج.
الضرر فثلاث هوائية وهي الغراب والحدأة
والزنبور على خلاف في الزنبور. وثلاثة ترابية
العقرب والحية والفأرة. وواحد من الوجهين وهو
الكلب العقور انتهى. وصرح سند بعدم جواز قتلها
بنية الذكاة للمحرم ونصه قال القاضي عبد
الوهاب له قتل الكلب العقور والحية والفأرة
بغير معنى الصيد. فراعى قصده في القتل فإن
قتله على وجه استباحة صيده كان ممنوعا. وظاهر
كلامه أن فيه الفدية وإن قتله لدفع إذايته فهو
المأذون فيه. وقوله بين فإنه إذا لم يحرم أكله
فهو صيد تؤثر فيه الذكاة ويطهر جلده والمحرم
ممنوع من ذكاة الصيد ومن قتله انتهى.
فائدة ورد في بعض الأحاديث الغراب الأبقع وهو
الذي فيه سواد وبياض والبقع في الطير والكلاب
بمنزلة البلق في الدواب. قاله في الصحاح. ص:
"إن كبر" ش: قيد في عادي السبع كما قال ابن
غازي. ومفهومه أن صغار السباع لا تقتل وهو
مذهب المدونة فإن قتلها فلا جزاء على المشهور.
وقال المصنف في مناسكه ولا تقتل صغار السبع
على المشهور لكنه إن فعل فلا جزاء على المشهور
انتهى. فيحمل المنع على الكراهة وبذلك صرح في
الطراز.
(4/253)
كبر كطير خيف
إلا بقتله ووزغا لحل بحرم كأن عم الجراد
واجتهد وإلا فقيمته وفي الواحدة حفنة وإن في
نوم كدود والجزاء بقتله وإن لمخمصة وجهل
ونسيان وتكرر كسهم مر بالحرم وكلب تعين طريقه
ـــــــ
فقال رأى ابن القاسم إن هذا مما يكره ولا يحرم
لأنه من جنس ما يضر ويباح قتله وإنما كره
للمحرم قتله لعدم إذايته في حقه ونظيره
المحارب يجوز قتله إذا كان كبيرا ولا يقتل
الصغير ثم لا ضمان في قتل كبير منهما ولا صغير
اعتبارا بالمريض من كبار السباع. ونقل
الفاكهاني في شرح الرسالة عن القاضي عبد
الوهاب إن قتل صغار السباع مكروه ولا جزاء فيه
انتهى. ص: "والجزاء بقتله وإن بمخمصة" ش: لما
ذكر رحمه الله أن التعرض للحيوان البري بأي
وجه من وجوه التعرض يحرم بالإحرام والحرم شرع
يبين ما يكون من وجوه التعرض موجبا للجزاء وما
لا يكون موجبا له فقال والجزاء بقتله أي أن
الجزاء يترتب على المحرم بسبب قتله للصيد
(4/254)
أو قصر في ربطه
أو أرسل بقربه فقتل خارجه
ـــــــ
وهذا لا إشكال فيه وذكره توطئة لما بعده وهو
قوله وإن بمخمصة وما بعده وقوله وطرده من حرم
ورمي منه أو له وتعريضه للتلف. ص: "أو قصر في
ربطه" ش: سواء في ذلك المحرم في الحل والحلال
في الحرم. قاله في الطراز. ص: "أو أرسل بقربه
فقتل خارجه" ش: اعلم أنه اختلف هل يجوز
الاصطياد قرب الحرم أم لا. قال في الطراز قال
أشهب ليس له حكم الحرم. وروي ذلك عن مالك وابن
القاسم. قال مالك والاصطياد فيه مباح إذا سلم
من القتل في الحرم. وفي الواضحة إن ما قتل من
الصيد قريبا من الحرم يسكن بسكونه ويتحرك
بتحريكه فعليه جزاؤه انتهى. وانظر ما ذكره عن
مالك من أنه مباح مع قوله في التوضيح لما ذكر
أن المشهور أنه لا جزاء فيما صيد قرب الحرم
قال وعلى المشهور فهو ممنوع ابتداء إما منعا
أو كراهة بحسب فهم قوله عليه السلام "كالراتع
حول الحمى يوشك أن يقع فيه" انتهى. والظاهر
الكراهة والله أعلم. فمن أرسل على صيد قرب
الحرم فأدخله الحرم وقتله فيه فلا خلاف أن
عليه الجزاء وكذلك إذا أدخله الحرم ثم أخرجه
منه وقتله خارجه. فإن قتله بقرب الحرم قبل أن
يدخله فقال مالك وابن القاسم لا جزاء عليه.
قال أبو إسحاق التونسي ويؤكل. قال ابن عبد
الحكم عليه الجزاء. قال ابن عرفة ولو أرسل
كلبه على قريب من الحرم فقتله به أو بعد
إخراجه منه وداه وبقربه قولان والمتبادر من
كلام المصنف الصورة الأخيرة التي فيها قولان
لكن القول بوجوب الجزاء ضعيف وهو خلاف مذهب
المدونة فلا يحمل كلامه عليه وإنما مراده أنه
أدخله الحرم ثم أخرجه منه وقتله خارجه وأحرى
إذا قتله فيه والله أعلم. ومفهوم قول المصنف
"أرسل بقربه" أنه لو أرسل على بعد من الحرم
فإنه لا جزاء عليه ولو قتله في الحرم أو بعد
أن أخرجه منه وهو كذلك. قال في المدونة وإن
أرسل بازه أو كلبه على صيد في بعد من الحرم
فقتل الصيد في الحرم أو أدخله في الحرم ثم
أخرجه منه فقتله في الحل فلا يؤكل ولا جزاء
عليه لأنه لم يغرر بالإرسال انتهى.
تنبيهات:الأول: قال ابن عرفة ولو أرسله على
بعيد من الحرم فقتله قرب الحرم قبل أن يدخله
فلا جزاء وفي أكله قولان لظاهرها ونقل اللخمي
انتهى بالمعنى.
الثاني: قال أبو إبراهيم لو جرى الصيد من الحل
فأدخله الحرم ثم خلى عنه حتى خرج الصيد من غير
أن يخرجه ثم اتبعه فينبغي أن يؤكل كمسألة
العصير يصير خمرا ثم يتخلل.
(4/255)
وطرده من حرم
ورمي منه أو له وتعريضه للتلف
ـــــــ
الثالث: قال سند لو أرسله على صيد قرب الحرم
فعدل عنه إلى غيره في الحرم فعليه جزاؤه لأنه
غرر كما في السهم وكما لو أرسل على ذئب في
الحرم فعدل إلى ظبي انتهى.
الرابع: قال في التوضيح والبعد ما يغلب على
ظنه أن الكلب يدركه قبل ذلك أو يرجع عنه. قال
في الطراز عن ابن الماجشون البعد ما لا يتحرك
الصيد فيه بحركة في ذلك الموضع. وعند ابن
القاسم ما لا يظن أن الكلب يلجئ الصيد إليه
وأنه إما أن يدركه قبل ذلك أو يرجع عنه. ص:
"وطرده من حرم" ش: لا إشكال في حرمة ذلك فإن
فعل ثم عاد الصيد إلى الحرم فلا جزاء عليه وإن
صاده صائد في الحل فعلى من نفره جزاؤه لأنه
السبب في إتلافه وهو كمحرم صاد صيدا في أرض
غير مسبعة ثم أرسله في أرض مسبعة فأخذته
السباع . قال في الطراز وإن لم يتيقن تلفه فإن
كان في موضع ممتنع ليتحقق منعته فيه فلا جزاء
عليه وإن لم يكن في ذلك متيقنا فعليه جزاؤه
انتهى.
فرع: وأما طرد الصيد عن طعامه أو رحله فلا بأس
به إلا أنه إن هلك بسبب طرده فعليه الجزاء.
قال ابن فرحون ولا بأس أن يطرد طير مكة عن
طعامه ورحله. قال ابن حبيب وحكاه عن مجاهد
وعطاء وفي البيان في رسم يشتري الدور والمزارع
من سماع يحيى من الحج في شرح المسألة الثالثة
ذكر عن عمر رضي الله عنه على جهة الاحتجاج به
على أن تعريض الصيد يوجب الجزاء أنه دخل دار
الندوة بمكة فوضع ثيابه على شيء واقف يجعل
عليه الثياب قال فوقعت عليه حمامة فخفت أن
تؤذي ثيابي فأطرتها فوقعت على هذا الواقف
الآخر فخرجت حية فأكلتها فخشيت أن اطآري إياها
سببا لحتفها فقال لعثمان ونافع بن الحارث
احكما علي. فقال أحدهما لصاحبه ما تقول في عنز
ثنية عفر أتحكم بها على أمير المؤمنين فقال له
صاحبه نعم فحكما عليه انتهى. ص: "ورمي منه" ش:
أي من الحرم. قال في الطراز وهذا بخلاف ما لو
رأى صيدا في الحل وهو في الحرم فعدا إليه من
الحرم وذلك لأن الإرسال يكون بدل الذكاة وعنده
يشترط التسمية حتى لو قتله أكله فكان بدء
الاصطياد مستندا إلى خروج السهم والكلب وقد
ابتدأه في الحرم. وأما الذي عدا خلف الصيد
فإنه يبتدئ الاصطياد من حيث يأخذه ويضر به
وعند ذلك يشترط التسمية. وذلك إنما وقع في
الحل فلا اعتبار بما قبله وإنما نظيره أن يرى
الصيد في الحل فيقصد إليه بكلبه ولا يرسله
بيده
(4/256)
وجرحه ولم
تتحقق سلامته ولو بنقص وكرر إن أخرج لشك ثم
تحقق موته ككل من المشتركين وبإرسال لسبع أو
نصب شرك له وبقتل غلام أمر بإفلاته فظن القتل
وهل إن تسبب
ـــــــ
حتى يفارق الحرم والله أعلم. ص: "وتعريضه
للتلف" ش: يريد ولم تتحقق سلامته قيد في
المسألتين. قال في التلقين ويلزم الجزاء بقتله
وبتعريضه للقتل إن لم تتيقن سلامته مما عرض له
انتهى. فقول المصنف ولم يتحقق سلامته قيد في
المسألتين والله أعلم. ص: "وبإرسال للسبع" ش:
يعني أن المحرم إذا أرسل كلبه على سبع فأصاب
صيدا أو أرسل الحلال كلبه في الحرم على سبع
فأصاب صيدا فإن المشهور وجوب الجزاء في
المسألتين سواء فعل ذلك الحلال في الحرم أو
المحرم في الحل. أما الأولى فهي مسألة المدونة
قال فيها وإن أرسل كلبه على ذئب في الحرم فأخذ
صيدا فعليه الجزاء وأما الثانية فنص عليها في
الجواهر وهو المفهوم من كلام ابن بشير وابن
الحاجب وغيرهما. وظاهر كلام اللخمي أنه يتفق
على عدم الجزاء في الثانية فإنه ذكرها في معرض
الاحتجاج بها على سقوطه في الأولى ونصه. ولو
لزم من أرسل على ذئب في الحرم الجزاء للزم إذا
أرسل المحرم على ذئب في الحل فأخذ صيدا إلا
أنه غرر أيضا على قوله انتهى. وما قاله غير
ظاهر وقد صرح في المدونة بأن المحرم إذا نصب
شركا للسباع فعطف فيه المصيد ففيه الجزاء وهو
ظاهر والله أعلم. ص: "وبقتل غلام أمر بإفلاته
فظن القتل" ش: قال في المدونة وإن كان العبد
محرما فعليه الجزاء أيضا ولا ينفعه خطؤه ولو
أمره بذبحه فأطاعه فذبحه كان عليهما جميعا
الجزاء أبو الحسن إن على كل واحد منهما جزاء
انتهى. قال سند:
(4/257)
السيد فيه أو
لا تأويلان وبسبب ولو اتفق كفزعه فمات والأظهر
والأصح خلافه كفسطاطه وبئر لماء ودلالة محرم
أوحل
ـــــــ
وما وجب على العبد فيما فعله من ذلك بأمر سيده
فالجزاء على سيده في الهدي والإطعام إن شاء
أخرج عنه أو أمره بذلك من ماله أو بصوم العبد
عن نفسه انتهى.
تنبيه: قال أبو عمر إن ذكر في الكتاب المحرم
يأمر عبده بقتل الصيد فيعطيه إن عليهما الجزاء
ولم يذكر إذا أكره عبده. والذي عندي أن السيد
يؤدي عن عبده الجزاء وعليه هو أيضا عن نفسه
الجزاء. الشيخ انظر ما ذكره من التفريق بين
الطوع والإكراه خلاف ما تقدم أن طوع الأمة
كالإكراه انتهى. ومفهوم هذا الكلام أن بين
الطوع والإكراه فرقا ولم يظهر لي وما قاله سند
في كلامه المتقدم في صفة الإحرام فيما وجب على
العبد من الجزاء لأنه أطاع سيده يجري أيضا في
الإكراه أما أن يخرج من ماله أو يأمر العبد
بالإخراج من ماله أو يأمر بالصوم عن نفسه إلا
أن يكون مرادهم أن في الإكراه لا يصح أن يصوم
العبد ويلزم سيده أن يخرج الجزاء من ماله أو
من مال العبد وهذا عندي بعيد والله أعلم. ص:
"كفزعه فمات والأظهر والأصح خلافه" ش: القول
بوجوب الجزاء هو قول ابن القاسم ووافق على
سقوطه إذا حفر بئرا للماء. قيل وهي مناقضة لا
يشك فيها. وحكى بعضهم قولا بوجوب الجزاء في
مسألة البئر وهو ضعيف. قاله في التوضيح تبعا
لابن عبد السلام والأظهر والأصح هو قول أشهب.
قال ابن عبد السلام وابن فرحون تبعا له وهو
الصحيح. وانظر قوله والأظهر هل المستظهر له
ابن رشد فإن عادته إنما يشير بهذه المادة له
وانظر أبا الحسن الصغير فإنه أقام من هذه
المسألة مسائل والله أعلم. ص: "ودلالة محرم أو
حل" ش: وكذا إن أعانه بمناولة سوط أو رمح فقد
أساء ولا جزاء عليه على المشهور. نقله في
التوضيح عن الباجي واقتصر صاحب
(4/258)
ورميه على فرع
أصله بالحرم أو بحل وتحامل فمات به إن أنفذ
مقتله وكذا إن لم ينفذ على المختار أو أمسكه
ليرسله
ـــــــ
المدخل على القول بوجوب الجزاء على المحرم في
دلالة المحرم على الصيد وفيمن أعطى سوطه أو
رمحه لمن يقتل به صيدا وفيما إذا فزع منه
الصيد فمات وفيما إذا تعلق بفسطاطه. والمشهور
في الجميع نفي الجزاء ما عدا موته من الفزع
فالذي صدر به المصنف وجوب الجزاء. وقال في
الشامل ولو دل صائدا عليه أو أعانه بمناولة أو
إشارة أو أمر غير عبده بقتله أساء ولا شيء
عليه على المشهور كالقاتل إلا أن يكون محرما
وعليه جزاء انتهى.
فرعان: الأول: قال سند أما إذا أمر عبده أو
ولده ومن تلزمه طاعته ومن يده كيده فالضمان
عليه فيه وليس على العبد ضمان آخر بخلاف ما
إذا قال فيمن أحرم وبيده صيد فأمر عبده بذبحه
فإن عليهما جميعا الجزاء لأن الضمان هنا سبب
اليد وبسبب القتل. انتهى بعضه بالمعنى.
الثاني: قال سند في الطراز وإذا قلنا لا جزاء
عليه فلا يأكل منه ويحرم عليه وإن أكل منه
فعليه الجزاء. قاله القاضي أبو الحسن والقاضي
عبد الوهاب انتهى. يفهم منه أنه ليس بميتة
ويجوز لغيره أن يأكل منه وليس كذلك فقد قال هو
في شرح مسألة ما صيد للحلال وجملة ذلك أن ما
صادها لمحرم لا يحل له أكله لا يختلف فيه
وكذلك ما صاده الحلال بأمره أو كان من المحرم
فيه معونة أو إشارة وهذا أيضا متفق عليه والله
أعلم. وقال في الإكمال إذا دل المحرم الحلال
على الصيد لم يؤكل الصيد انتهى. وقال في
التوضيح لما ذكر حديث أبي قتادة وأنه دليل لنا
على أن ما صاده المحرم أو ذبحه ميتة فيه دليل
على أنه لو أمره أحد أن يحمل عليه أو أشار
إليه لم يؤكل انتهى. وفي الأبي أن ضحك الصحابة
في حديث أبي قتادة بعضهم إلى بعض إنما كان
لتأني الصيد وغفلة أبي قتادة عنه ولو كان
ضحكهم إليه لكان إشارة إليه. وقد اعتذر
الداودي بما وقع في رواية العذري فضحك بعضهم
إليه فقال إن ضحك المحرم لينبه الحلال لا يمنع
من أكله ورواية العذري غلط وتصحيف والله أعلم.
ص: "وكذا إن لم ينفذ على المختار" ش: يعني أنه
إذا رمى الصيد في الحل ولم تنفذ الرمية مقاتله
وتحامل حتى مات في الحرم فالذي اختاره اللخمي
أنه لا جزاء عليه فيه وأنه يؤكل ومقابله
(4/259)
فقتله محرم
وإلا فعليه وغرم الحل له الأقل وللقتل شريكان
وما صاده محرم أو صيد له ميتة كبيضه وفيه
الجزاء إن علم وأكل لا في أكلها وجاز مصيد حل
لحل وإن سيحرم
ـــــــ
قولان أحدهما أنه لا جزاء فيه ولا يؤكل
والثاني أن فيه الجزاء ولا يؤكل وبالثاني صدر
أبو إسحاق التونسي في آخر كتاب الحج الثالث
ورجحه وظاهر كلام البساطي إنكاره فتأمله والله
أعلم. ص: "وما صاده محرم" ش: أي مات بصيده أو
ذبحه وإن لم يصده أو أمر بذبحه أو أعان عليه
بإشارة أو مناولة سوط ونحوه فإن ذلك كله ميتة
كما تقدم لا يجوز أكله لحلال ولا حرام. ص: "أو
صيد له" ش: يعني ما صيد للمحرم يريد وذبح له
في حال إحرامه وأما لو صيد له وهو محرم ولم
يذبح له حتى حل فذلك مكروه ولا جزاء فيه. قاله
في الطراز.
فرع: وسواء ذبح ليباع للمحرم أو ليهدي له.
قاله في الطراز أيضا. ص: "كبيضه" ش: يعني أن
بيض الطير غير الأوز والدجاج إذا كسره المحرم
فهو ميتة لا يأكله حلال ولا حرام. قاله في
المدونة. قال سند أما منع المحرم منه فبين
وأما منع غير المحرم ففيه نظر لأن البيض لا
يفتقر إلى ذكاة حتى يكون بفعل المحرم ميتة ولا
يزيد فعل المحرم فيه حكم الغير على فعل
المجوسي والمجوسي إذا شوى البيض أو كسره ولا
يحرم بذلك على المسلم بخلاف الصيد فإنه يفتقر
إلى ذكاة مشروعة والمحرم ليس من أهلها وهو بين
فتأمله.
فرع: قال في التوضيح وانظر هل يحكم لقشر البيض
بالنجاسة انتهى. قلت: الظاهر أنه ليس بنجس لما
ذكره صاحب الطراز فتأمله والله أعلم. ص: "وجاز
مصيد حل لحل وإن سيحرم" ش: يريد إذا ذكاه قبل
أن يحرم الذي صيد له أو ما صيد له قبل أن يحرم
وذبح بعد
(4/260)
وذبحه بحرم ما
صيد بحل
ـــــــ
أن حرم فهو داخل فيما ذبح للمحرم وهو ميتة.
صرح بذلك اللخمي وصاحب الطراز ونقله في
التوضيح. ص: "وذبحه بحرم ما صيد بحل" ش:
الضمير في ذبحه عائد إلى الحل في قوله وجاز
مصيد حل. والمعنى أنه يجوز للحلال أن يذبح في
الحرم ما صاده هو أو غيره من المحلين في الحل
ثم أدخلوه إلى الحرم. وظاهر كلام المصنف هنا
أن ذلك جائز سواء كان الذابح مقيما في الحرم
أو كان عابر سبيل. وقال سند إذا صاد الحلال
صيدا في الحل فأدخله الحرم له صورتان الأولى
أن يكون الحرم موضع قراره أو باعه ممن هو
مستقر فيه فقال مالك له ذبحه والثانية أن يدخل
به الحرم عابر سبيل فلا يذبحه فيه. وأطلق
الشافعي القول والاستفصال أظهر لأن الرخصة
إنما كانت لموضع الضرورة فتختصر بقدر الضرورة
قال ابن القاسم في العتبية ويرسله وإن أكله
قبل خروجه من الحرم قبل أن يرسله فعليه جزاؤه.
وقال عن أشهب إنه خالفه فيه إذا أكله بعد
خروجه من الحرم انتهى. ونقل في التوضيح كلام
سند وقبله وجعله تقييدا لقول ابن الحاجب ويجوز
أن يذبح الحلال في الحرم الحمام والصيد يدخله
من الحل ولم يكره الإعطاء. قال المصنف في شرحه
لأنهم لو منعوا ذلك لشق عليهم لطول أمرهم
ولهذا قال سند وأما العابر بالصيد الحرم وهو
عابر سبيل فلا يذبحه فيه لعدم الضرورة إلى آخر
كلام سند المتقدم ولم يذكر خلافه وكذلك ابن
فرحون. وجعل اللخمي ما في العتبية مخالفا لما
في المدونة ولكنه رجح ما فيه العتبية ثم زاد
فقال في آخر كلامه والجاري على قول مالك أن
شأن أهل مكة المطلوب أن يمنع الطارئ الذي
مقامه أيام الحج ثم ينصرف ويباح للمكي. وقال
ابن عرفة بعد أن ذكر كلام المدونة أخذ من
مفهوم طول أمرهم منعه لمن دخل غير مكي ولم
يعزه للخمي ولا لغيره.
تنبيهان: الأول: نقل ابن جماعة في الباب
التاسع عن أبي الحسن الصغير أنه إذا صاد
الحمام في الحل ثم أدخله الحرم لا يجوز ذبحه
لأهل مكة وما ذكره هو المذهب كما علمته. وفي
كلام أبي الحسن ما يقتضي أن هذا الكلام ليس له
فائدة فإنه قال إثره وما قاله هذا الشيخ ليس
بصحيح بل له ذبحه وأكله في الحرم لأن شأن أهل
مكة يطول كما نص عليه في آخر الحج الثالث.
انتهى والله أعلم.
الثاني: قال الشارح في شرح كلام المصنف أي
يجوز للمحرم أن يذبح في الحرم ما صيد في الحل.
وقاله في المدونة هكذا. قال في الوسط ونحوه في
الصغير. وقال في الكبير يعني أنه
(4/261)
وليس الأوز
والدجاج بصيد بخلاف الحمام وحرم به قطع ما
ينبت بنفسه إلا الإذخر والسنا كما يستنبت وإن
لم يعالج ولا جزاء كصيد المدينة بين الحرار
وشجرها بريدا في بريد
ـــــــ
يجوز للمحرم والحلال أن يذبح في الحرم ما صيد
في الحل انتهى. قلت: ولا شك أن ذكر المحرم سبق
قلم منه رحمه الله إذ من المعلوم أن المحرم لا
يجوز له ذبح الصيد مطلقا لا في الحل ولا في
الحرم سواء صاده هو أو غيره وسواء صيد في الحل
أو في الحرم والله أعلم. ص: "وليس الأوز
والدجاج بصيد" ش: قال سند يختلف في دجاج الحبش
وتسمى الدجاجة السندية وهي تشبه الدجاج فقال
الشافعي في دجاج الحبشة الجزاء لأنها وحشية
وعن ابن حنبل لا جزاء فيه. ومقتضى المذهب أن
ينظر فإن كانت مما يطير كانت على حكم الحمام
الذي في الدور. انتهى والله أعلم.
فرع: لا بأس للمحرم أن يذبح الأنعام كلها نقله
ابن فرحون وغيره. ص: "وحرم به قطع ما ينبت
بنفسه" ش: أي وحرم بالحرم قطع ما ينبت أي
النبات الذي جنسه ينبت بنفسه ولو استنبته
الناس كما لو استنبت البقول البرية وشجرة أم
غيلان وشبه ذلك. وظاهر عموم كلام المصنف أن
الاحتشاش في الحرم حرام وقد صرح في المدونة
بأنه مكروه قال فيها وجائز الرعي في حرم مكة
وحرم المدينة في الحشيش والشجر وأكره أن يحتش
في الحرم حلال أو حرام خيفة قتل الدواب وكذلك
المحرم في الحل. فإن سلموا من قتل الدواب فلا
شيء عليهم وأكره لهم ذلك ونهى النبي صلى الله
عليه وسلم عن الخبط وقال هشوا وارعوا. وقال
مالك الهش تحريك الشجر بالمحجن ليقع الورق ولا
يخبط ولا يعضد والعضد الكسر انتهى. وظاهر كلام
أبي الحسن أن الكراهة على بابها فإنه قال في
قوله خيفة قتل الدواب أما لو تيقن أنه يقتلها
المنع. وصرح بذلك سند فقال إذا أراد أن يحتش
لماشيته لم يحرم عليه ذلك لمكان قطع الحشيش
وإنما يخشى عليه قتل الدواب. ومنع الشافعي
الاحتشاش. فنقول ما جاز للمحرم أن يسلط عليه
ماشيته للرعي جاز له أن يجمعه
(4/262)
.................................
ـــــــ
لها كأوراق الشجر ولو لم يجز قلعه لماشية لم
يجز له أن يسلطها عليه ولما جاز له أن يسلط
ماشيته على أوارق الشجر جاز له أن يهشها.
ويجمع إذا ثبت ذلك فمن قدر أن لا يحتش فلا
يحتش ليخرج من الخلاف ومن عموم النهي وهو وجه
الكراهة انتهى. وحمل ابن عبد السلام الكراهة
على التحريم فقال وأما الاختلاء وهو حصاد
الكلأ الرطب فالأقرب أن الكراهة هنا يعني في
كلام ابن الحاجب على التحريم. هذا هو ظاهر
الحديث وعلى ذلك ينبغي أن يحمل كلام مالك وليس
في قوله لمكان دوابه دليل على أن الكراهة على
بابها لأن مقصوده أن النهي عن الاختلاء معلل
بخيفة قتل الدواب إذ لم كان أخذه ممنوعا مطلقا
لما جاز الرعي والله أعلم. وقال أبو عمر في
الكافي ولا يجوز لحلال ولا لحرام قطع شيء من
شجر الحرم المباح ولا كسره ولا أن يحتش في
الحرم ولا بأس فتكون كل ما غرسه الآدميون من
النخل والشجر وقد رخص في الرعي في الحرم وفي
الهش من شجرة للغنم انتهى. فظاهر قوله لا يجوز
المنع وفي رسم كتب عليه ذكر حق من سماع ابن
القاسم من كتاب الحج لا بأس أن يخبط المحرم
لبعيره من غير الحرم. قال ابن رشد الخبط أن
يضرب بعصاه الشجر فيسقط ورقه لبعيره وذلك جائز
في الحل للحلال والمحرم إذ يأمن في ذلك المحرم
قتل الدواب بخلاف الاحتشاش ولا يجوز ذلك في
الحرم لحلال ولا حرام وإنما الذي يجوز لهما
فيه الهش وهو أن يضع المحجن في الغصن فيحركه
حتى يسقط ورقه انتهى. فيؤخذ من قوله "إن الخبط
لا يجوز في الحرم" أن الاحتشاش لا يجوز أيضا
فلعل المصنف مشى على قول ابن عبد السلام وما
يفهم من كلام ابن رشد وصاحب الكافي.
تنبيهات: الأول: اعلم أن هذا إنما هو في قطعه
للبهائم. قال سند في الاحتجاج على جواز الرعي.
أما قطع الحشيش فنحن لا نمنعه للماشية وإنما
نمنعه لغير ذلك بأن يدخره أو يفرغ الأرض منه
انتهى.
الثاني: فهم من قوله يفرغ الأرض منه أن ذلك
ممنوع وهذا إذا كان ذلك لغير
(4/263)
والجزاء بحكم
عدلين فقيهين بذلك مثله من النعم أو إطعام
بقيمة الصيد
ـــــــ
مصلحة وأما لو أراد أن يبني في موضع أو يغرس
فيه جاز له ذلك. قال التادلي لما ذكر
المستثنيات وجملة المستثنيات من الحرم على
اختلاف في بعضها الإذخر والسنا والسواك والعصا
والهش والقطع للبناء والقطع لإصلاح الحوائط
وذكرها ابن فرحون في مناسكه.
الثالث: علم مما تقدم أن اجتناء ثمر الأشجار
التي تنبت بنفسها جائز.
الرابع: يفهم من إطلاق قول المصنف ما ينبت
بنفسه أنه يحرم قطعه ولو استنبت كما صرح به
الباجي وذكره صاحب الجواهر وابن الحاجب على
أنه المذهب وبذلك حللنا كلامه في أول القولة
ولذلك قال المصنف في مناسكه كما يستنبت وإن لم
يعالج. ص: "والجزاء بحكم عدلين فقيهين بذلك"
ش: يعني أنه يشترط في الجزاء حكم حكمين وتشترط
فيهما العدالة ويشترط فيهما الفقه بأحكام
الصيد ولا يشترط في ذلك إذن الإمام لهما ولا
يجزئ أن يكون أحدهما القاتل. قاله في المدونة
وظاهر كلام المصنف أن حكم الحكمين شرط في
إجزاء الصيد مطلقا مثلا كان أو طعاما أو صياما
ولا أعلم خلافا في اشتراط الأولين. وأما الصوم
فصرح ابن الحاجب باشتراط ذلك فيه فقال ولا
يخرج مثلا ولا طعاما ولا صياما إلا بحكم عدلين
فقيهين. وذكر صاحب الطراز في ذلك خلافا بعد أن
قال أما استحبابه فلا يختلف المذهب فيه إذ لا
يحل بشيء إذ فيه زيد احتياط. ثم ذكر عن الباجي
أنه قال الأظهر عندي استئناف الحكم في الصوم
لأن تقدير الأيام بالأمداد موضع اجتهاد فقد
خالف فيه بعض الكوفيين وبالحكم يتخلص من
الخلاف. وظاهر كلام ابن عرفة بل صريحه أن
الصوم لا يشترط فيه الحكم ونصه وشرط الجزاء في
المثل والإطعام كونه بحكمين ولم يحك في ذلك
خلافا فتأمله.
فرع: قال سند ولا بد في ذلك من لفظ الحكم
والأمر بالجزاء. ص: "أو إطعام بقيمة الصيد" ش:
أي بقدر قيمة الصيد من الطعام. وليس المعنى
أنه يقوم الصيد بدراهم مثلا ثم يشتري بتلك
القيمة بل المطلوب أن يقوم الصيد من أول الأمر
بالطعام ولو قوم بالدراهم ثم اشترى بها طعاما
جزأ. قال في المدونة فإن أراد أن يحكما عليه
بالطعام فليقوما الصيد نفسه حيا بطعام ولا
يقومان جزاءه من النعم ولو قوم الصيد بدراهم
ثم اشترى بها طعاما رجوت أن
(4/264)
يوم التلف
بمحله وإلا فبقربه ولا يجزئ بغيره ولا زائد
على مد مسكين إلا أن يساوي سعره فتأويلان أو
لكل مد صوم يوم وكمل لكسره
ـــــــ
يكون واسعا ولكن تقويمه بالطعام أصوب انتهى.
وقال ابن عرفة قال في الكافي لو قوم بدراهم ثم
قومت بطعام أجزأ والأول أصوب عند مالك
والتقويم للحكمين. قلت: مثله في كتاب محمد
وظاهر قولها لو قوم بدراهم ثم اشترى بها طعاما
رجوت سعته خلافه. ونقلها ابن الحاجب بلفظ أبي
عمر دون قوله والأول أصوب انتهى. كذا قال ابن
عبد السلام وأتى المصنف يعني ابن الحاجب بهذه
المسألة وهي في المدونة على خلاف ما أتى به ثم
ذكر لفظها المتقدم ثم قال فظاهره أنه أخرج
القيمة دراهم ثم اشترى بها طعاما لا أنه أخرج
عن القيمة طعاما من تحت يده وهو أشد بعدا عن
الأصل مما ذكر المؤلف انتهى. وانظر ما صورة
هذه المسألة هل حكم الحكمان عليه بالدراهم ثم
اشترى هو بها طعاما أو قوم الحكمان الصيد
بدراهم ثم قوما تلك الدراهم بطعام وحكما عليه
به وهو الذي يفهم من كلام التوضيح وابن عبد
السلام الثاني وهو الذي يظهر من كلام الكافي
فتأمله والله أعلم. ص: "بمحله وإلا فبقربه ولا
يجزئ بغيره" ش: قوله "بمحله" يصح أن يتعلق
بقيمة الصيد وأن يتعلق بإطعام. قال سند وجملة
ذلك أن جزاء الصيد إن أخرج هديا فلا يكون إلا
بالحرم وإن شاء الصيام صام حيث شاء من البلاد
وإن شاء أن يطعم فالكلام في ذلك في موضعين في
موضع التقويم وفي موضع إخراج الطعام. أما موضع
التقويم فأصحابنا متفقون على تقويمه حيث أصاب
الصيد إلا أن يكون ليس له هناك قيمة إما لأنه
ليس بموضع استيطان أو بموضع لا يعرفون للصيد
فيه قيمة. قال الباجي ويجب أن يراعي أيضا ذلك
الوقت وأما موضع إخراجه فيختلف فيه هل يجب
الحرم أم لا فقال مالك وأبو حنيفة لا يراعي
الحرم. وقال الشافعي يختص بالحرم إذا
(4/265)
...............................
ـــــــ
ثبت ذلك فهل يختص ذلك بموضع تقويمه ظاهر
الكتاب أنه يختص ولا يجزئ بغيره. وحمل ابن
المواز ذلك على اختلاف السعر فقال إن أصاب
بالمدينة وأطعم بمصر لم يجزه إلا أن يتفق
سعراهما وإن أصابه بمصر وهو محرم فأطعم
بالمدينة أجزأه لأن السعر أغلى. وقال أصبغ إذا
أخرج على سعره بموضعه ذلك أجزأه حيثما كان ثم
قال وإذا قلنا يخرج بغير ذلك الموضع فبقدر
مكيلة ما حكم عليه أو بعدل قيمة تلك المكيلة
يختلف فيه ثم قال:
فرع: فلو لم يكن حكم عليه بمبلغ من الطعام حتى
يرجع إلى أهله فأراد أن يطعم فليحكم اثنين ممن
يجوز تحكيمهما ويصف لهما الصيد ويذكر لهما سعر
الطعام بموضع الصيد فإن تعذر عليهم تقويمه
بالطعام قومه بالدراهم. وعلى ظاهر المذهب يبعث
بالطعام إلى موضع الصيد كما يبعث بالهدي إلى
مكة. وعلى قول ابن وهب يبتاع بتلك القيمة
طعاما في بلده ما بلغت قل الطعام أو كثر
انتهى. وقال في التوضيح تحصيل المسألة أنه
يطلب ابتداء بأن يخرج بمحل التقويم فإن أخرجه
بغيره فمذهب المدونة عدم الإجزاء ومذهب الموطأ
الإجزاء وعليه فثلاثة أقوال قول أصبغ يخرج حيث
شاء بشرط أن يخرج على سعر بلد الحكم وقول ابن
المواز المتقدم وقول ابن حبيب إن كان الطعام
ببلد الإخراج أرخص اشترى من الطعام الواجب
عليه ببلد الصيد فأخرجه وإن كان ببلد الإخراج
أغلى أخرج المكيلة الواجبة عليه. قال ابن عبد
السلام واختلف الشيوخ في كلام ابن المواز
فمنهم من جعله تفسيرا للمدونة ومنهم من جعله
خلافا وهو الذي اعتمده ابن الحاجب انتهى.
فأشار المصنف إلى أن المعتبر في التقويم موضع
الإصابة بقوله "بمحله وإلا فبقربه" وأشار إلى
موضع الإخراج بقوله "ولا يجزئ بغيره" أي ولا
يجزئ الإخراج بغير محل الإصابة. ثم أشار إلى
التأويلين بقوله وهل إلا أن يساوي سعره
فتأويلان. والمعنى أنه إذا أخرج الطعام بغير
محل الإصابة فهل لا يجزئ مطلقا أي سواء ساوى
سعر محل الإخراج سعر محل الإصابة أم لا ولا
يجزئ إلا أن يساوي سعر محل الإخراج سعر محل
الإصابة ويكون سعر محل الإخراج أغلى فيجزئ
والله أعلم.
تنبيه: من الغريب ما وقع في الكافي المختار
أنه لا يذبح الجزاء أو لا يطعم عنه إلا حيث
وجب الجزاء فإن الذبح لا يكون إلا بمكة انتهى.
ونحوه ما وقع في التلقين أنه لا يجوز إخراج
شيء من جزاء الصيد بغير الحرام إلا الصيام
انتهى. وهو مشكل بالنسبة إلى الإطعام لأن
المذهب في الإطعام على ما تقدم وقد اعترض عليه
في طرره. قال ظاهره أن الهدي في جزاء الصيد
الإطعام لا يجوز أن يكونا إلا في الحرم ولا
يجوز أن ينقل منه شيء إلى غير مساكين الحرم.
هذا ظاهر إطلاقه وهو مذهب الشافعي والذي ينقله
الأصحاب عن مالك غيره هذا فحكى القاضي أبو
الحسن عن مالك أن الهدي إذا نحر بمكة أو بمنى
جاز أن يطعم منه مساكين الحل بأن ينقل ذلك
إليهم وأما الإطعام فقد صرح في المدونة بأنه
يكون في غير مكة
(4/266)
فالنعامة بدنة
والفيل بذات السنامين وحمار الوحش وبقره بقرة
والضبع والثعلب شاة كحمام مكة والحرم ويمامهما
بلا حكم وللحل وضب وأرنب ويربوع وجميع الطير
القيمة طعاما والصغير والمريض والجميل كغيره
ـــــــ
حيث أحب صاحبه انتهى والله أعلم. ص: "والفيل
بذات سنامين" ش: هذا قول ابن ميسر زاد فإن لم
توجد البدنة الخراسانية فعليه قيمته طعاما.
قاله في التوضيح. ص: "وحمار الوحش وبقره بقرة"
ش: لا يقال ظاهره أن الواجب في حمار الوحش
وبقره بقرة انتهى. لأن البقرة تقع على الذكر
والأنثى. قال في الصحاح البقر اسم جمع والبقرة
تقع على الذكر والأنثى وإنما دخلت الهاء على
أنه واحد من جنس والجمع بقرات. قال في القاموس
البقرة للمذكر والمؤنث والجمع بقر وبقرات وبقر
بضمتين انتهى. ص: "كحمام مكة والحرم ويمامه"
ش: يعني أن فيه شاة. والمراد بحمام مكة والحرم
ويمامه ما صيد في مكة أو الحرم. قال في كتاب
الضحايا من المدونة ولا بأس بصيد حمام مكة
للحل في الحلال. قال ابن يونس هذا يدل على أنه
إذا صاده المحرم في الحل فإنما عليه قيمته
طعاما أو عدل ذلك صياما وإنما تكون فيه شاة
إذا صاده في الحرم انتهى. قال ابن ناجي قال
المغربي وظاهر الكتاب أنه يجوز صيده وإن كان
للفراخ.
قلت: إذا كان للفراخ فالصواب تحريم صيده
لتعذيب فراخه حتى يموتوا وكان شيخنا أبو محمد
الشبيبي يفتي بجامع القرويين بالنهي عن صيادته
حينئذ ولا أدري أراد به التحريم أو الكراهة.
انتهى من آخر كتاب الضحايا والله أعلم. ص:
"والصغير والمريض والجميل كغيره"
(4/267)
وقوم لربه بذلك
معها واجتهد وإن روي فيه فبه وله أن ينتقل إلا
أن يلتزم فتأويلان وإن اختلفا ابتدئ
ـــــــ
ش يعني أن جزاء الصغير كجزاء الكبير وجزاء
المريض كجزاء الصحيح وجزاء الجميل كجزاء
القبيح وهذا عام في المثل والإطعام والصيام
كما يفهم ذلك من كلام ابن الحاجب وابن عرفة
وغيرهما. قال ابن عبد السلام وأما الصغر
والكبر والعيب والسلامة فكان ينبغي مراعاتها
كما راعاها الشافعي وإن كان المستحسن عنده مثل
مذهبنا ولكن منع أهل المذهب من ذلك في الطعام
لأنهم لا يلتفتون إلى مثل هذه الصفات في
الجزاء إذا كان هديا فلما لم يعتبروها في أحد
أنواع الجزاء إذا كان من النعم ألحقوا بها
بقية الأنواع. انتهى والله أعلم. ص: "وقوم
لربه بذلك معها" ش: قال الشيخ أبو الحسن
الصغير يقوم من هذه المسألة يعني قوله وعليه
لربه قيمته معلما أن من قتل عجلا أو خروفا
يمتنح به أن يغرم قيمته وقيمة المنحة ونظيره
ما ذكره ابن يونس عن ابن عبد الحكم في كتاب
الغصب في المنح أنه يغرم قيمة المنح وما نقص
من الشجرة إن نقصها انتهى. ونقله ابن ناجي في
آخر كتاب الضحايا. ص: "إلا أن يلتزم فتأويلان"
ش: كلام المدونة صريح في أن له الرجوع مطلقا
ونصها فإن أمرهما بالحكم بالجزاء من النعم
فحكما به وأصابا فأراد بعد حكمهما أن يرجع إلى
الطعام أو الصيام يحكمان عليه به هما أو
غيرهما فذلك له انتهى. فتأويل ابن المكاتب بأن
ذلك إنما هو إذا ألزم نفسه ذلك ولم يعرفا ما
هو أما لو عرف مبلغ ذلك فالتزمه لم يكن له أن
يعدل إلى غيره بعيد ولذا أبقاها سند وغيره على
ظاهرها والله أعلم. ص: "وإن اختلفا ابتدأ" ش:
يعني أنه إذا اختلف الحكمان في جزاء الصيد
فإنه لا يجزئ الأخذ بقول أرفعهما ولا بقول
الآخر لأنه عمل بقول حكم واحد والشرط حكمان.
قال في المدونة وإن حكما فاختلفا ابتدأ الحكم
غيرهما حتى
(4/268)
والأولى كونهما
بمجلس ونقض إن تبين الخطأ وفي الجنين والبيض
عشر دية الأم ولو تحرك وديتها إن استهل وغير
الفدية والصيد مرتب هدي
ـــــــ
يجتمعا على أمر واحد. وفي الموازية ويجوز إذا
ابتدأ غيرهما أن يكون أحدهما أحد الأولين اه.
وقال سند قوله في المدونة في اختلاف الحكمين
يبتدئ الحكم غيرهما حتى يجتمعا على أمر ظاهر
في أنه لا يكتفى بقول آخر بعد ذلك يوافق أحد
الحكمين الأولين بل يكون الحكمان في مجلس واحد
يتقرر الحكم بينهما فيه وظاهر ما في الموازية
جواز ذلك انتهى. ص: "الأولى كونهما بمجلس" ش:
قال سند قال محمد وأحب إلينا أن يكون الحكمان
في مجلس واحد من أن يكونا واحدا بعد واحد
انتهى. وقال ابن عبد السلام في قول ابن الحاجب
والأولى أن يكونا بمجلس هو في كتاب ابن المواز
ووجهه ظاهر. ولو قيل إن ذلك شرط لما أبعد
قائله لأن السابق منهما بالحكم منفرد لا ينعقد
له حكم وكذلك اللاحق وتبعه فيه ابن فرحون
والله أعلم. ص: "وفي الجنين والبيض عشر دية
الأم" ش: يعني أن من ضرب الأنثى من الصيد
فألقت جنينا ميتا وسلمت هي أو كسر بيضة طائر
فإنه يجب في الجنين والبيضة عشر دية أمه أي
عشر قيمتها من الطعام أو عدل ذلك من الصيام
وكذلك يجب في بيض حمام مكة والحرم عشر دية أمه
وهي الشاة. قال في المدونة وإن أصاب محرم بيضة
من حمام مكة أو حلال في الحرم فعليه عشر دية
أمه وفي أمه شاة. قال سند قوله "عشر دية أمه"
لم يرد عشر شاة على الإشاعة لأن عشر الهدي لا
يجب وإنما يجب عشر قيمة الأم على الوسط من أقل
ما يجزئ يقوم ذلك بطعام وإن قومه بدراهم ثم
اشترى بها طعاما جاز فيطعم ذلك أو يصوم مكان
كل مد يوما وذلك بحكومة عدلين لأنه من باب
الصيد انتهى مختصرا. وقال ابن عرفة القابسي في
بيض حمام مكة عشر قيمة شاة طعاما يقوم الشاة
بدراهم ويشتري بعشرها طعاما. ثم قال أبو عمر
لو كسر عشر بيضات ففي كل بيضة واجبها لا شاة
عن جملتها لأن الهدي لا يتبعض كمن قتل من
اليرابيع ما يبلغ قدر شاة لا تجمع فيها انتهى
وهو ظاهر.
(4/269)
وندب إبل فبقر
ثم صيام ثلاثة أيام من إحرامه وصام أيام منى
بنقص بحج إن تقدم على الوقوف وسبعة إذا رجع من
منى
ـــــــ
تنبيه: إنما يجب في الجنين العشر إذا انفصل عن
أمه ميتا أما لو ماتت قبل وضعها ففيها فقط
الجزاء. قاله في الطراز. ص: "وندب إبل فبقر"
ش: كان ينبغي أن يقول فضأن كما قاله في
الرسالة وغيرها والله أعلم. ص: "بنقص بحج إن
تقدم على الوقوف" ش: الظاهر أنه من باب
التنازع يطلبه صيام وصام كما ذكره ابن غازي
أولا فانظره والله أعلم.
فرع: وإن وجب عليه هديان صام لكل هدي ثلاثة
أيام في الحج وسبعة إذا رجع نقله في الطراز عن
الموازية. قال في الطراز قال مالك في الموازية
في القارن لا يجوز له أن يؤخر رجاء أن يجد
هديا بعد أيام التشريق وأحب إلي أن يؤخر إلى
عشر ذي الحجة أو بعده انتهى. ص: "وسبعة إذا
رجع من منى" ش: فإن صام منها بمنى شيئا فقال
سند الظاهر من المذهب أنه لا يجزئه وأن الرجوع
شرط ولا يجزئه أن يصوم حتى يرجع. وقال أبو
حنيفة وابن حنبل إذا فرغ من أفعال حجه صام
السبعة وجنح إليه بعض أصحابنا. وقال الشافعي
مرة إذا رجع إلى أهله يصوم السبع لا قبل ذلك
فقال بعض أصحابه فإن صامها قبل ذلك بمكة أو في
طريقه لم يجزه. وزعموا أنه لا يقال للحاج رجع
إلا إذا رجع إلى وطنه. وحكى بعض أصحابه عنه
قولا آخر أنه يصومها إذا خرج من مكة سائرا
ودليلنا قوله {وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ}
[البقرة: من الآية196] ومن خرج من منى إلى مكة
أو إلى وطنه فقد رجع من منى والشرط إنما هو
رجوع فقط وهذا رجوع والحكم المعلق على مطلق
الاسم ينطلق على ما يقع عليه الاسم وما أطلق
في نص القرآن لا يقيد من غير دليل. ثم قال:
فرع: وإذا قلنا يجزئه صومه إذا رجع من منى
فالمستحب له أن يؤخر إلى أهله لأنه لا يختلف
في جوازه قبل ذلك فيفعله على الوجه المجمع
عليه أحسن فإذا رجع إلى أهله استحب
(4/270)
ولم تجز إن
قدمت على وقوفه كصوم أيسر قبله أو وجد مسلفا
لمال ببلده وندب الرجوع له بعد يومين وقوفه به
المواقف والنحر بمنى إن كان في حج
ـــــــ
له التعجيل فإن استوطن مكة صام بها قولا واحدا
انتهى مختصرا. ويصلها بالثلاثة إن شاء قاله في
المدونة. ولا يطلب منه حينئذ تفريق.
فرع: فلو صام ثلاثة ثم مات قبل صوم السبعة قال
مالك في رسم حلف من سماع ابن القاسم من كتاب
الحج أرى أن يهدى عنه سواء مات ببلده أو بمكة.
قال ابن رشد لو وجد الهدي بعد صوم الثلاثة لم
يجب عليه إلا أن يشاء. وإنما قال مالك أرى أن
يهدى عنه استحبابا من أجل أنه لا يصوم أحد عن
أحد انتهى. ص: "ولم تجز إن قدمت على وقوفه" ش:
فلو صام العشرة قبل الوقوف فالظاهر أنه يجتزئ
منها بثلاثة كما يفهم ذلك من التوضيح. ص:
"ووقوفه به المواقف" ش: الاستحباب راجع
لإيقافه جميع المواقف وليس المراد أن إيقافه
في كل موقف مستحب لأن إيقافه بعرفة شرط في
ذبحه بمنى كما سيأتي. ص: "والنحر بمنى إن كان
في حج" ش: يعني أن النحر يستحب أن يكون في منى
بشروط ثلاثة الأول أن يكون الهدي ساقه في حج
سواء كان وجب في حج أو عمرة. قال اللخمي قال
مالك فيمن كان عليه جزاء صيد في عمرة أو شيء
نقصه من عمرته فأوقفه بعرفة ثم نحره بمنى
أجزأه واحترز بذلك مما ساقه في العمرة فإن
المتسحب أن ينحره بمكة. وما ذكرته من كون
النحر بمنى مع الشروط مستحب هو الذي يأتي على
مذهب ابن القاسم في المدونة فإنه قال ومن أوقف
هدي جزاء صيد أو متعة أو غيره بعرفة ثم قدم به
مكة فنحره بها جاهلا أو ترك منى متعمدا أجزأه.
قال ابن يونس وقال أشهب لا يجزئه. قال أبو
الحسن وظاهر نقل ابن يونس سواء كان ذلك في
أيام منى أو بعدها خلاف. نقل اللخمي عن أشهب
أن عدم
(4/271)
ووقف به هو أو
نائبه كهو بأيامها
ـــــــ
الإجزاء فيما ذبح بمكة في أيام منى وأما ما
ذبح بمكة بعد أيام منى فيجزئ. ثم قال أبو
الحسن فنحر ما وقف به بعرفة بمنى شرط كمال عند
ابن القاسم. وشرط صحة عند أشهب. وصرح المصنف
في مناسكه بأن المشهور الإجزاء. وحكى ابن عرفة
في ذلك ثلاثة أقوال يفرق في الثالث بين أن
يذبح في أيام منى أو بعدها وجعل صاحب الطراز
المذهب عدم الإجزاء وليس بظاهر والمعتمد ما
تقدم.
فرع: قال سند إذا سبق الهدي في إحرام لم ينحر
وإن بلغ مكة حتى يحل من الإحرام كان في حج أو
عمرة وإن ساقه في غير إحرام نحره إذا دخل مكة
وإن ساقه ليذبحه في الحج ودخل مكة معتمرا أخره
حتى يقف به بعرفة وينحره بمنى فإن عطب بمكة
نحره وأجزأه. قال مالك في الموازية وكل هدي
دخل مكة من الحل فعطب فنحره بها يجزئ إلا هدي
التمتع يريد إذا ساق الهدي وقصد به التمتع لم
يجزه عن تمتعه لأنه إنما يكون متمتعا بعد ذلك.
ولو اعتمر ثم خرج إلى موضع قريب من الحل ثم
ساق هديا ودخل به مكة ليتمتع لم يجزه حتى يقف
بعرفة وما ذبح مما وجب في الحج من الهدي قبل
طلوع الفجر يوم النحر لم يجز كمن صلى قبل
الوقت انتهى. وقال بعد وما وجب في العمرة من
هدي فإنما يجب بخلل دخل على إحرامه كمجاوزة
الميقات أو ترك تلبية أو إصابة صيد أو شبهه
فمحله مكة ووقته أن يحل من إحرامه كما وقت
سجود السهو عند التحلل من الصلاة انتهى والله
أعلم. ص: "ووقف به هو أو نائبه كهو" ش: أي
الشرط الثاني أن يكون وقف به صاحبه بعرفة أو
وقف به نائبه. وقوله كهو أي كوقوفه هو بأن يقف
به في جزء من الليل. قال في التوضيح قال ابن
هارون وأما اشتراط كون الوقف بالهدي ليلا فلا
أعلم في ذلك خلافا لأن كل من اشترط الوقوف
بعرفة جعل حكمه حكم ربه فيما يجزئ من الوقوف
انتهى. والمراد بالنائب كما قال ابن غازي من
ناب عن المهدي إما بإذنه كرسوله وإما بغير
إذنه كمن وجد هديا مقلدا فوقف به عن ربه والله
أعلم. ص: "بأيامها" ش: هذا هو الشرط الثالث
وهو أن يكون النحر في أيام منى وكلامه يقتضي
أن اليوم الرابع محل للنحر بمنى لأنه من أيام
منى بل إذا أطلقت أيام منى فإنما يراد بها
اليوم الرابع واليومان قبله وبذلك عبر في
توضيحه أيضا ونقله عن عياض في الإكمال وتبعه
الشارح في شروحه الثلاثة على ذلك أعني التعبير
بأيام منى وكأنهم أرادوا أيام النحر أعني يوم
النحر واليومين بعده إذ ليس اليوم الرابع محلا
للذبح بمنى بل إذا
(4/272)
وإلا فمكة
ـــــــ
فاتت الأيام الثلاثة تعينت بمكة فإن ذبح الهدي
بمنى في اليوم الرابع لم يجزه ووجب عليه بدله.
ونقل التادلي عن عياض ما هو أقوى من ذلك ونصه
الثاني أن يكون النحر في أيام منى وهي أيام
التشريق وهي الأيام المعدودات انتهى. فإن هذا
الكلام يقتضي خروج اليوم الأول عن كونه محلا
للبحر لكونه ليس من أيام التشريق ولا من
الأيام المعدودات وهذا لا يقوله أحد. قال في
المدونة في آخر كتاب الضحايا وأيام النحر
ثلاثة يوم النحر ويومان بعده وليس اليوم
الرابع من أيام الذبح وإن كان الناس بمنى
انتهى. وقال اللخمي في كتاب الحج والنحر
والذبح بمنى ومكة يختلف. فأما منى فيختص ذلك
فيها بأيام معلومة وهي يوم النحر ويومان بعده
فإن ذهبت لم يكن منحرا ولا مذبحا إلا لمثله من
قابل وأما مكة فكل أيام السنة منحر بها ومذبح
انتهى ونقله أبو الحسن في كتاب الحج الثاني في
شرح قول المدونة. وإن فاته أن يقف به بعرفة
فساقه إلى منى. ونقله التادلي عن اللخمي. وقال
ابن عرفة والمكاني بمنى بشرط كونه في يوم
النحر أو تالييه في حج انتهى. وقال في الطراز
عن الموازية فيمن وجد بدنة بمنى يعرفها إلى
ثالث النحر وهو اليوم الثاني من أيام منى ثم
ينحرها فإن لم ينحرها بمنى في ثالث النحر فلا
ينحرها بمنى ثالث أيام منى ولكن بمكة فإن
نحرها بمنى فعليه بدلها انتهى. ونقل في
النوادر كلام الموازية فقال ومن ضل هديه الذي
أوقفه بعرفة فوجده في اليوم الثالث من أيام
منى فلا ينحره إلا بمكة لزوال أيام النحر وهو
ظاهر والله أعلم. فائدة قال القاضي عياض في
التنبيهات في آخر كتاب الصلاة الثاني وأيام
التشريق هي يوم النحر وثلاثة بعده سميت بذلك
لصلاة التشريق وهي صلاة العيد لكونها عند شروق
الشمس وسميت سائر الأيام باسم أولها كما قيل
أيام العيد. وقد روي عنه عليه السلام أنه قال
من ذبح قبل التشريق أعاد. وقيل لأنهم كانوا لا
يذبحون فيها إلا بعد شروق الشمس وهو قول ابن
القاسم أن الضحية لا تذبح في اليوم الأول ولا
في الثاني حتى تحل الصلاة وخالفه أصبغ في غير
اليوم الأول. وقيل سميت بذلك لأن الناس يشرقون
فيها لحوم ضحاياهم أي ينشرونها لئلا تتغير.
وقيل لأن الناس يبرزون فيها إلى المشرق وهو
المكان الذي يقيم فيه الناس بمنى تلك الأيام.
وكذا يأتي لأصحابنا وغيرهم أنها الأربعة أيام.
وقال مالك في الموطأ وغيره أيام التشريق هي
الأيام المعدودات وهي الثلاثة التي بعد النحر
وهو الأكثر ومثله لابن عباس. وذكر البخاري كان
النساء يكبرن خلف أبان بن عثمان وعمر بن عبد
العزيز ليالي التشريق انتهى. وتقدم عند قول
المصنف كان يقال للإفاضة طواف الزيارة. عن ابن
أبي زيد أن مالكا كره أن يقال أيام التشريق
وقد قال الله عز وجل {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي
أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: من الآية203]
ص: "وإلا فمكة" ش: أي وإن اختل شرط مما ذكر
تعين الذبح بمكة قال في
(4/273)
وأجزأ إن أخرج
لحل كأن وقف به فصل مقلدا ونحر وفي العمرة
بمكة بعد سعيها ثم حلق وإن أردف لخوف فوات أو
لحيض أجزأ التطوع لقرانه
ـــــــ
المدونة وإن فاته أن يقف به بعرفة فساقه إلى
منى فلا ينحره بها ولكن بمكة ولا يخرجه إلى
الحل ثانية إن كان قد أدخله من الحل فإن هلك
هذا الهدي في سيره به إلى مكة لم يجزه لأنه لم
يبلغ محله انتهى. وقال سند في باب حكم الهدي.
مسألة قال وقال مالك كل هدي فاته الوقوف به
بعرفة فمحله مكة ليس له محل دون ذلك ليس منى
محلا له. وقال إذا ساقه من منى إلى مكة فعطب
قبل أن يصلها لا يجزئه. وهذا لم يبلغ محله عند
مالك. وجملته أن الهدي ما وقف به بعرفة نحر
بمنى أيام النحر فإن فاتت أيام النحر أو فاته
الوقوف بعرفة فمنحره مكة. هذا الذي ينبغي
فعله. ويختلف في وجوبه أما ما فاته الوقوف
فمحله عند مالك مكة. قال مالك في الموازية كل
ما نحره بمنى مما لم يوقفه بعرفة لا يجزئه
والله أعلم. ص: "وأجزأ إن خرج لحل" ش: يعني
أنه إذا اشترى هديا من الحرم فإنه لا بد أن
يخرجه إلى الحل وهذا هو المعروف في المذهب.
وقال صاحب الطراز روى أبو قرة عن مالك في
الهدي إن اشتراه في الحرم وذبحه فيه أجزأه
انتهى. ونقله أبو الحسن.
فرع: إذا كان الهدي مما يقلد ويشعر فالأحسن أن
لا يقلده حتى يخرجه إلى الحل فإن قلده وأشعره
في الحرم أجزأه قاله في الطراز.
فرع: والأحسن أن يباشر ذلك بنفسه وأن يحرم إذا
دخل به. قاله في الطراز ونقله في النوادر فإن
دخل به حلال أو أرسله مع حلال أجزأه. قاله في
المدونة ص: "وإن أردف لخوف فوات أو لحيض أجزأ
التطوع لقرانه" ش: قوله "لخوف فوات" أي بغير
حيض وقوله أي
(4/274)
كأن ساقه فيها
ثم حج من عامه وتؤولت أيضا بما إذا سيق للتمتع
والمندوب بمكة المروة
ـــــــ
لحيض إن خافت الفوات لأجل التأخير حتى تطهر
منه وليس هذا بشرط فقد نقل في الطراز عن
الموازية أنه إذا أحرم بعمرة وساق فيها هديا
ثم بدا له فأردف الحج عليها أن الهدي يجزئه
لقرانه.
تنبيه: قال في الطراز قال مالك في الموازية
ولو أهدت الحائض غيره كان أحب إلي وكذلك يستحب
ابن القاسم. وقال مالك أيضا في الرجل يحرم
بعمرة ويسوق فيها الهدي ثم يبدو له فيردف الحج
قال أحب إلي أن يهدي غيره لقرانه وأرجو إن فعل
إن لم يفعل أن يجزئه وهو حسن لأن الهدي قد
تعين لجهة النفل والدم في القران واجب وإنما
طرأت له نية القران بعد تعين الهدي ووجوبه.
وينبغي أن يكون القياس إعادة الهدي والاستحسان
الإجزاء بالأول لانقلاب إحرامه. وقد ذكر ابن
الجلاب روايتين إحداهما أنه يجزئه عن قرانه
والثانية أن عليه غيره وهو أظهر في القياس.
فرع: ويستحب لهذه المردفة أن تعتمر بعد فراغها
من القران كما فعلت السيدة عائشة. قاله عبد
الوهاب في المعونة ونقله في العمدة مختصر
المعونة ونصه إذا حاضت المعتمرة قبل الطواف
والوقت واسع انتظرت الطهر وفي ضيقه وخوف
الفوات تحرم بالحج وتصير قارنة ويستحب أن
تعتمر بعد فراغها انتهى. ونقله أبو الحسن
الصغير. وفي رسم مرض من سماع ابن القاسم من
كتاب الحج. ص: "كأن ساقه فيها ثم حج من عامه
وتؤولت أيضا بما إذا سيق للتمتع" ش: ذكر في
المدونة عن مالك قولين بالإجزاء وعدمه. وتأول
عبد الحق المدونة على أن الخلاف إنما هو إذا
ساقه للمتعة. وقال صاحب الطراز وغيره الخلاف
جار في الصورتين. قال وهذه كمسألة القران
السابقة والقياس أن لا يجزئه. والاستحسان
الإجزاء ولا إشكال أنه يستحب له أن لا يجتزئ
به. ونقل في الطراز عن الموازية أنه يكره له
الاجتزاء. ص: "والمندوب بمكة المروة" ش: تصوره
ظاهر.
فرع: وأما بمنى فقال مالك منى كلها منحر إلا
ما خلف العقبة. قال وأفضل ذلك عند
(4/275)
وكره نحر غيره
كالأضحية وإن مات متمتع فالهدي من رأس ماله إن
رمى العقبة وسن الجميع وعيبه كالضحية
ـــــــ
الجمرة الأولى. نقله سند عن الموازية وكذا ابن
عرفة وغيرهما والله أعلم. ص: "وكره نحر غيره
كالأضحية" ش: قال في المدونة قال مالك يكره
للرجل أن ينحر هديه غيره كراهة شديدة وكان
يقول لا ينحر هديه إلا هو بنفسه. وكذا إذا
استناب مسلما فإذا استناب غير مسلم لم يجزه.
وقال مالك في المدونة وكره مالك للرجل أن ينحر
هديه أو يذبح أضحيته وإن نحر له غيره أو ذبح
أجزأه إلا أن يكون غير مسلم فلا يجزئه. وقال
أشهب يجزئه إذا كان ذميا. قال في الطراز لأن
ذلك قربة لا تصح من الذمي فلا يستناب فيها.
قال وموضع المنع أن يلي الذمي الذبح فأما
السلخ وتقطيع اللحم فلا بأس به عند الجميع.
فرع: قال في الطراز إذا لم تهتد للذبح بنفسك
فلا بأس أن يمسك الجزار رأس الحربة ويضعها على
المنحر أو بالعكس. وقال ابن المواز وتلي
المرأة ذبح أضحيتها بيدها أحب إلي. ص: "وإن
مات متمتع فالهدي من رأس ماله إن رمى العقبة"
ش: هذا حكم من لم يقلد الهدي وأما إذا قلد
الهدي فإنه يتعين ذبحه ولو مات صاحبه قبل
الوقوف. قال في المدونة ومن قلد بدنة أو أهدى
هديا تطوعا ثم مات قبل أن تبلغ محلها فلا ترجع
ميراثا لأنه قد أوجبها على نفسه انتهى. قال
أبو الحسن زاد اللخمي فإن فلس لم يكن لغرمائه
عليه سبيل يريد إذا كان الهدي بعد التقليد
والإشعار ولو كان دينا تقدم رد ما لم ينحره
انتهى. وعلم من كلام المدونة أنه لو بلغ الهدي
محله أو كان واجبا لتعين نحره من باب أولى.
وقال في الطراز في باب الهدي إذا قلد الهدي
تعين بالتقليد والإشعار أو بسوقه أو بنذره وإن
تأخر ذبحه ولو مات المحرم لم يكن للورثة تعيين
الهدي وإبداله انتهى. وقال أيضا في شرح مسألة
المدونة المتقدم وهذا بين لأن الهدي يتعلق
بالتقليد والإشعار أي بسوقه أو بنذره وإن تأخر
ذبحه كما تعين محل العتق في الأمة باستيلادها
أو كتابتها فلما تعين الهدي خرج عن ملك ربه
إلى جهة القربة حتى لا يملك بيعه ولا ذبحه ولا
صرفه إلى غير جهة القربة. وإذا زال ملكه عنه
بطل إرثه عنه وإنما هو تحت يده حتى تبلغ محله
ووجب ذلك عليه بالتزامه إياه. ودليل خروجه عن
(4/276)
والمعتبر حين
وجوبه وتقليده فلا يجزئ مقلد بعيب ولو سلم
بخلاف عكسه إن تطوع
ـــــــ
ملكه إنه لو استحدث دينا لم يملك الغرماء بيعه
فإذا لم يبع في دينه ولم يتصرف فيه تصرف
المالك فقد زال عن حكم ملكه لا محالة وما زال
عن ملكه في حياته استحال أن يملك عنه بعد
وفاته. انتهى كلامه والله أعلم. ص: "والمعتبر
حين وجوبه وتقليده" ش: لما ذكر أنه يعتبر في
الهدي ما يعتبر في الأضحية من السن والسلامة
من العيب نبه على أن الوقت المعتبر فيه ذلك هو
وقت وجوبه وتقليده وعبارته نحو عبارة ابن
الحاجب. قال في التوضيح والمراد بالوجوب في
قوله وقت الوجوب ليس هو أحد الأحكام الخمسة بل
تعيينه وتمييزه من غيره من الأنعام ليكون هديا
والمراد بالتقليد هنا أعم منه في الفصل الذي
يأتي لأن المراد به هنا إنما هو تهيئة الهدي
وإخراجه سائرا إلى مكة. ألا ترى أن الغنم
يعمها هذا الحكم وهي لا تقلد وعلى هذا فالمراد
بالوجوب والتقليد متقارب ويبين ذلك ما وقع في
بعض نسخ ابن الحاجب ويعتبر حين الوجوب وهو حين
التقليد. هكذا قال ابن عبد السلام. ووقع لأشهب
أن من ساق شيئا من الغنم إلى مكة لم يكن بسوقه
هديا وإن نواه حتى يوجب في نفسه. ابن محرز وهو
يشبه ما قاله إسماعيل أن الأضحية تجب بقول أو
فعل انتهى. وقال سند في شرح مسألة المدونة
المذكورة فوق هذا الهدي يتعين بالتقليد أو
الإشعار أو بسوقه أو بنذره وإن تأخر ذبحه وإذا
تعين الهدي خرج عن ملك ربه وإذا خرج عن ملكه
بطل إرثه. انتهى والله أعلم ص: "فلا يجزئ مقلد
بعيب ولو سلم بخلاف عكسه" ش: لما ذكر المصنف
أن الوقت المعتبر في سلامة الهدي وهو حين
تقليده وإشعاره فرع عليه بفاء السبب فقال فلا
يجزئ الخ. أي فبسبب أن المعتبر حين وجوبه
وتقليده لا يجزئ المقلد بالعيب ولو سلم بعد
التقليد وقبل نحره لأنه أوجبها معيبة ناقصة عن
الإجزاء ويجب عليه بدله إن كان مضمونا بخلاف
ما لو قلده سالما ثم طرأ العيب فإنه يجزئه
لأنه أوجبها سالمة مجزئة. وهذا معنى قولها في
الحج الثاني في ترجمة ما لا يجوز من العيوب في
الهدايا والضحايا ومن قلد هديا وأشعره وهو لا
يجزئه لعيب به فلم يبلغ محله حتى زال ذلك
العيب لم يجزه وعليه بدله إن كان مضمونا ولو
قلده سالما ثم حدث به ذلك قبل محله أجزأه
انتهى. ص: "إن تطوع به" ش: مفهوم الشرط أن
الهدي الواجب إذا قلد سليما ثم طرأ عليه عيب
يمنع الإجزاء أنه لا يجزئه وهو خلاف مذهب
المدونة وخلاف المشهور من المذهب. قال في كتاب
الحج الثاني من المدونة وكل هدي واجب أو تطوع
أو جزاء صيد دخله عيب بعد أن قلده وأشعره وهو
صحيح مما يجوز في الهدي فحمله صاحبه أو ساقه
حتى أوقفه بعرفة فنحره بمنى أجزأه وإن فاته أن
يقف به بعرفة
(4/277)
..................................
ـــــــ
فساقه إلى منى فلا ينحره بها ولكن بمكة ولا
يخرجه إلى الحل ثانية إن كان قد أدخله من الحل
انتهى. وقال بعده ومن قلد هديا أو أشعره وهو
لا يجزئه إلى آخر كلامه المتقدم في القولة
التي قبل هذه. وقال سند في شرح المسألة الأولى
الهدي على ثلاثة أضرب واجب وتطوع ومنذور. وهو
على ضربين منذور معين ومنذور في الذمة. فما
قلد من ذلك أو أشعر أو عين وإن لم يقلد ويشعر
ثم حدث به عيب أو كسر أو غيره مما لا يجزئ
معه. فلا يخلو إما أن يكون بتعد أو تفريط أو
بغير ذلك فإن تعدى أو فرط ضمن وأما إن كان
بغير ذلك فأما التطوع والمنذور عينه فلا يضمنه
لأنه لو مات لم يضمنه وأما غيره فيختلف فيه
فروى ابن القاسم أنه يجزئه. وقال الأبهري
القياس أن يبدله انتهى. وقال ابن الحاجب
ويعتبر حين الوجوب والتقليد على المشهور لا
وقت الذبح. فلو قلد هديا سالما ثم تعيب أجزأه
وبالعكس لم يجزه على المشهور فيهما. قال في
التوضيح تصوره ظاهر والمشهور مذهب المدونة
والشاذ لم يجزم به الأبهري الذي هو منسوب إليه
بل قال إنه القياس. لكن صرح اللخمي بأنه خلاف
فقال وإذا سيق الهدي عن الواجب لم تبرأ الذمة
إلا ببلوغه لقوله سبحانه {هَدْياً بَالِغَ
الْكَعْبَةِ} [المائدة: من الآية95] فإن ضل أو
سرق أو هلك أو عطب قبل بلوغه لم يجزه. واختلف
إذا نزل به عيب ثم بلغ محله فقال مالك ينحره
ويجزئه. وقال الأبهري القياس أنه لا يجزئه
كموته. ابن بشير وقول الأبهري يؤخذ منه أنه لا
يجب بالتقليد والإشعار أو بقبول وإن وجب عنده
لكنه لا يستقل هديا إلا أن يدوم كماله إلى وقت
نحره انتهى كلام التوضيح وقال ابن عرفة
والمعتبر سلامته حين تقليده وإشعاره وعينه
بعدهما لغو. الصقلي وعبد الحق عن الأبهري
القياس حدوثه كموته ثم قال الشيخ عن ابن حبيب
إن قلده سمينا فنحره فوجده أعجف أجزأ إن كانت
مسافة يحدث فيها عجفه وإلا لم يجزه في الواجب
وعكسه لا يجزئه إن كانت مسافته قد يسمن فيها
وإلا فأحب بدله. ثم قال وفيها إن جنى عليه بعد
تقليده وإشعاره أجزأه وأرش جنايته كأرش عيبه
اللخمي على قول الأبهري لا يجزئه ويغرم الجاني
قيمة هدي سليم لأن تعديه أوجبه عليه انتهى
فتحصل من هذا أن الهدي إذا عين سالما ثم طرأ
عليه عيب من الله أو من أجنبي أجزأه سواء كان
الهدي تطوعا أو واجبا. أما إن كان العيب بتعد
من صاحبه أو تفريط فإنه يضمنه كما قال في
الطراز. والظاهر أن قول لمصنف "إن تطوع به"
يتعلق بالمسألة التي بعد هذه أعني قوله وأرشه
وثمنه في هدي إن بلغ وإلا تصدق به وفي الفرض
يستعين به في غيره ويكون أصل الكلام أن يقال
وإن تطوع به فأرشه وثمنه الخ ففصل الكاتب
الفاء من قوله: "فأرشه" ونقص من أول الكلام
ورأوا ويقال وأرشه وثمنه في هدي إن بلغ وإلا
تصدق به إن تطوع به والأول أقرب ويدل على ذلك
مقابلته بالفرض أعني قوله "وفي الفرض يستعين
به في غيره" فتأمله. ومشى الشارح على أن قوله
"إن تطوع به" قيد للمشهور في قوله "بخلاف
عكسه". فقال إثره أي إذا قلده سليما ثم تعيب
فإنه يجزئه في التطوع يريد وعليه بدله في
الواجب إذا كان
(4/278)
وأرشه وثمنه في
هدي إن بلغ وإلا تصدق به وفي الفرض يستعين به
في غير
ـــــــ
مضمونا نص عليه غير واحد انتهى ومشى على ذلك
في شامله ولم ينبه على ذلك ابن غازي. وأما
البساطي ففي كلامه تدافع لأنه قال وأما قوله
إن تطوع به فهو شرط في إجزاء العكس يعني أنه
إذا قلده سالما ثم تعيب أجزأه إن كان تطوعا.
ومفهوم الشرط إن كان واجبا لم يجزه لكن يفهم
منه ما يفعل به والمنصوص أنه ينحره أيضا بدله.
ثم ذكر كلام المدونة المتقدم ثم قال وظاهر هذا
الخلاف ما قال المؤلف ثم ذكر كلاما طويلا
فراجعه إن أحببته وتأمله والله أعلم. ص:
"وأرشه وثمنه في هدي إن بلغ وإلا تصدق به وفي
الفرض يستعين به في غير" ش: يعني أن الهدي إذا
قلد معيبا وقلنا لا يجزئه فإنه يتعين هديا ولا
يجوز رده ولا بيعه على المشهور. ثم ينظر فإن
كان تطوعا أو منذورا معينا فإنه يرجع بأرش
العيب ثم إن بلغ ذلك ثمن هدي اشترى به هديا.
وكذلك إذا استحق ولم يبلغ ثمن هدي فإنه يتصدق
به على المشهور وهو مذهب المدونة ولابن القاسم
في الموازية يفعل به ما شاء واقتصر اللخمي
عليه. وأما إن كان الهدي واجبا أو نذرا مضمونا
فعليه بدله ويستعين بالأرش وبثمن المستحق في
البدن. قاله في التوضيح.
تنبيهات: الأول: هذا إذا كان العيب يمنع
الإجزاء وإن كان العيب لا يمنع الإجزاء فيستحب
له أن يجعل ما يأخذه عن العيب في هدي.
الثاني: قال في التوضيح وحكم أرش الجناية كحكم
أرش العيب. قاله في المدونة وما جنى على هدي
التطوع فأخذ له أرشا فليصنع به ما صنع من رجع
بعيب أصابه في الهدي المقلد. ابن المواز وأحب
إلي في الجناية أن يتصدق به في التطوع
والواجب. أبو محمد يريد محمد أن يكون فيه ثمن
هدي. ابن يونس يريد ولا يلزم بدله في الواجب
إذا كانت الجناية لا يجزئ بها الهدي لأنها
إنما طرأت عليه بعد الإشعار وهي كالعيب يطرأ
بعد الإشعار وإن كان
(4/279)
وسن إشعار
سنمها من الأيسر للرقبة مسميا
ـــــــ
القياس أن لا يجزئ انتهى. ثم قال أيضا قال
التونسي ولو جنى عليه جناية لم تتلف نفسه غير
أنها تنقصه نقصا كثيرا إلا أنه يمكن وصوله حتى
ينحر في محله فما أغرمه إلا ما نقص لأنه جاز
عن صاحبه ولو كانت الجناية تؤدي إلى عدم وصوله
إلى محله لكان كأنه قتله وعليه جميع قيمته
وانظر إذا أدى الجاني قيمته هل للجاني بيع
لحمه إذا نحره لأنه خشي عليه الهلاك وهو يقول
لست أنا الذي تقربت به وإنما جنيت عليه
فلزمتني قيمته وانظر إذا أدى الجاني قيمته
والمتعدى عليه يشتري بما أخذ منه عوضا انتهى
كلام التوضيح. والظاهر أن له بيعه كما يظهر
ذلك من كلام صاحب الطراز.
الثالث: فلو عين هديا من الإبل ثم اطلع على أن
فيه قبل التقليد عيبا وقلنا يجب عليه بدله فهل
يجزيه أن يبدله بأدنى منه أو بمثل ما عين
فالأحسن أن يبدله بمثل ما عين والواجب أن
يجزئه ما كان يجزئ أولا. قاله سند فيما إذا
عطب الهدي الواجب قبل محله والباب واحد وسيأتي
لفظه عند قول المصنف "بدله" والله أعلم.
الرابع: إذا قلد هديا ثم وجده معيبا فتعدى
وذبحه فإنه يضمنه بهدي تام لا عيب فيه. قاله
سند في مسألة شرب لبن الهدي. ص: "وسن إشعار
سنمها" ش: الضمير للإبل لأنها هي التي لها
أسنمة. قال في التوضيح قال اللخمي وصاحب
الجواهر أطلق في الكتاب أنها تشعر وفي كتاب
محمد لا تشعر لأن ذلك تعذيب. وقال ابن عبد
السلام اختلف المذهب في إشعار ما لا سنم له من
الإبل والبقر. والأقرب عدمه لأن الأصل عدم
تعذيب الحيوان ثم قال وأما ما له أسنمة من
البقر فظاهر المذهب أنها تشعر. ص: "من الأيسر"
ش: الظاهر أن من بمعنى في كقوله تعالى {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ
لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة:
من الآية9)] {أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ
الْأَرْضِ} [فاطر: من الآية40] وقول ابن غازي
إنها للبيان بعيد. ص: "للرقبة" ش: الظاهر أن
اللام بمعنى من نحو قولهم سمعت لزيد صراخا
ذكره في المغني والمعنى من جهة الرقبة فإن
الإشعار أن يقطع في أعلا السنم قطعا يشق الجلد
ويدمي من ناحية الرقبة إلى ناحية الذنب قدر
أنملتين في الطول والله أعلم. ص: "مسميا" ش:
تصوره ظاهر.
فرع: قال ابن جماعة في فرض العين وتشعر قياما
مستقبله القبلة في جانبها الأيسر في
(4/280)
وتقليد وندب
نعلان بنبات الأرض وتجليلها وشقها إن لم ترتفع
وقلدت البقر فقط إلا بأسنمة لا الغنم ولم يؤكل
من نذر مساكين عين
ـــــــ
أعلا الأسنمة قطعا يشق الجلد ويدمي من ناحية
الرقبة إلى ناحية الذنب في الأسنمة خاصة
انتهى. وما ذكره من أنها تشعر قياما غريب لأن
ذلك غير ممكن والله أعلم. ص: "وتقليد" ش: كان
الأولى أن يقدم التقليد لأن السنة تقديمه في
الفعل لأنه إذا قدم الإشعار نفرت منه عند
التقليد خوف أن يفعل بها ثانيا فعل بها أولا
وكان المصنف اعتمد على ما قدمه في قوله ثم
إشعار ص: "وتجليلها" ش: الضمير للإبل فإنها هي
التي يستحب تجليلها قال في التوضيح وإنما تجلل
البدن دون البقر والغنم. قاله في المبسوط. وقد
يستفاد ذلك من قول المصنف وقلدت البقر فقط
والله أعلم. والتجليل أن يجعل عليها شيئا من
الثياب بقدر وسعه. ص: "وشقها إن لم ترتفع" ش:
أي ويستحب شق الجلال عن الأسنمة ليظهر الإشعار
إلا أن ترتفع في الثمن أي تكون كثيرة فالمستحب
أن لا تشق. قال في البيان وأن يؤخر تجليلها
إلى عند الغد ومن منى إلى عرفة. ونقله في
التوضيح. وقول الشارح والمستحب عند مالك شق
الجلال عن الأسنمة إلا أن تكون مرتفعة عن
الأسنمة تبع فيه التوضيح وهو سبق قلم والله
أعلم. ص: "لا الغنم" ش: قال ابن الحاج في
مناسكه قال مالك ولا تقلد الغنم ولا تشعر ولا
تساق في الهدي إلا من عرفة لأنها تضعف عن قطع
المسافة الطويلة انتهى. ص: "ولم يؤكل من نذر
مساكين عين الخ" ش: قوله من نذر مساكين احترز
بقوله مساكين من النذر إذا لم يكن للمساكين بل
نذر أن يتقرب بهدي ولم يسمه للمساكين فإنه
داخل في قوله عكس الجميع فيؤكل منه قبل المحل
وبعده لأن المصنف لم يستثنه فيما لا يؤكل منه
بعد المحل ولا فيما لا يؤكل منه قبل المحل لأن
هذا حكم النذر المضمون وأما العين فيؤكل منه
بعد المحل لا قبله
(4/281)
مطلقا عكس
الجميع فله إطعام الغني والقريب وكره لذمي إلا
نذرا لم يعين والفدية والجزاء بعد
ـــــــ
كالتطوع. قال اللخمي والمنذور المضمون إذا لم
يسمه للمساكين يأكل منه قبل وبعد وإن سماه
للمساكين وهو مضمون أكل منه قبل ولم يأكل منه
بعد وإن كان منذورا معينا ولم يسمه للمساكين
أو قلده وأشعره من غير نذر أكل منه بعد ولم
يأكل منه قبل انتهى. ونقله في التوضيح ونص
عليه أيضا صاحب الطراز. ولو قال وهدي تطوع
ونذرا عين إن عطبا قبله لوفى بذلك والله أعلم.
وقول المصنف إلا نذرا لم يعين أي نذرا
للمساكين. والمعين مثل أن يقول نذر علي أن
أهدي هذه البدنة أو أهديها للمساكين. أو هذه
نذر للمساكين. والمضمون مثل أن يقول علي نذر
أن أهدي بدنة أو أن أهدي بدنة للمساكين.
فروع: الأول: قال سند إذا نذره للمساكين فلا
يأكل منه. قال ابن حبيب بلفظ أو بنية أنه
للمساكين لا يأكل منه.
الثاني: ما أبيح له الأكل منه فله أكل جميعه
والتصدق بجميعه. قال في الطراز وهو أحسن إلا
أنه لا يدع الأكل والصدقة لقوله تعالى
{فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ
وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: من الآية36] واختلف
الناس فيما يستحب من إطعامه وظاهر المذهب أنه
لا حد فيه قال في الطراز وقال أيضا اختلف في
معنى القانع لأن القانع في اللغة يقع على من
يقنع باليسير فيكون من الصفات والقانع السائل
الأول من القناعة والثاني من القنوع قال
الشماخ:
لمال الحر يصلحه فيفنى
...
مفارقه أخف من القنوع
(4/282)
المحل وهدي
تطوع إن عطب قبل محله فتلقى قلادته بدمه ويخلى
للناس كرسوله
ـــــــ
يريد السؤال ابن عباس الآية وهو ظاهر لأنه عطف
عليه المعتر وهو الذي يعرض بالسؤال ولا يسأل
يقال معتر ومعتري انتهى.
الثالث: إذا كان مع المحصر هدي ونحره في المحل
الذي أحصر فيه فإنه يكون حكمه حكم ما بلغ محله
وله الأكل منه. قاله سند وسيأتي في الفصل الذي
بعد هذا كلامه بلفظه إن شاء الله. ص: "فتلقى
قلائده بدمه" ش: يعني أن مهديه ينحره ويلقي
قلائده بدمه.
فرع: فإن أمكنه ذبحه فتركه حتى مات ضمنه
بتفريطه لأنه مأمور بذبحه مؤتمن عليه. قاله في
الطراز. ص: "كرسوله" ش: يحتمل أن يكون التشبيه
راجعا إلى هدي التطوع إذا أرسل مع شخص وعطب
قبل محله فإن حكم الرسول حكم ربه فينحره ويلقي
قلائده بدمه ويخلي بين الناس وبينه ويحتمل أن
يكون التشبيه راجعا لجميع ما تقدم. قال في
المدونة والمبعوث معه الهدي يأكل منه لا من
الجزاء والفدية ونذر المساكين فلا يأكل منها
شيئا إلا أن يكون الرسول مسكينا فجائز أن يأكل
منه. وقال في الطراز فإن بلغ الهدي محله كان
حكم الرسول حكم المرسل فكل هدي يأكل منه صاحبه
إذا بلغ محله فنائبه يأكل منه وكل هدي لا يأكل
منه صاحبه لا يأكل منه نائبه إلا أن يكون بصفة
مستحقة ثم قال فإن أكل السائق من الهدي إذا
عطب قبل محله فإن كان واجبا لم يجز ربه ونظرت
في تضمينه فلا يقبل فيه مجرد قوله لما أكل ولو
لم يأكل لقبل وذلك لموضع التهمة فإن شهد له
أحد من رفقته نظرت فإن أكل من الهدي لم تجز
شهادته لموضع التهمة ولأنه يثبت لنفسه أنه ما
أكل إلا مباحا إذ هو ممنوع أن يأكل منه إذا
نحر لغير خوف إلا أنه لا يضمن لأن الرسول يزعم
أنه إنما أكل بوجه جائز فيضمن السائق والحالة
هذه ولا يرجع على أحد ممن أطعمه ويضمن قيمة
الهدي وقت نحره لا هديا مكانه. وإنما يضمن
الهدي يهدي ربه فقط وإن كان تطوعا فليس على
ربه إلا هدي بقيمة ما يرجع به وإن كان واجبا
فعليه هدي بأصل ما وجب عليه. وإن لم يأكل
السائق فلا يخلو إما أن يطعم أحدا أم لا فإن
لم يطعم أحدا فلا شيء عليه وإن كان تطوعا فلا
شيء على ربه أيضا وإن كان واجبا فعليه بدله
وأطعم فإن كان واجبا فلا شيء عليه ولا
(4/283)
وضمن في غير
الرسول بأمره بأخذ شيء
ـــــــ
على ربه وإن أمره بذلك لأنه مضمون على ربه وإن
كان تطوعا فإن أطعم غير مستحق ضمن ذلك ولا شيء
على ربه إن لم يكن بأمره وإن كان بأمره فعليه
البدل. وإن أطعم مستحقا فلا شيء عليه وينظر في
ربه فإن أمره بذلك لشخص معين فعليه البدل كما
لو كان حاضرا فأطعمه وإن لم يأمره بمعين ولكن
قال أطعمه للمساكين فهو خفيف لأن قوله خل بينه
وبين الناس كقوله أطعمه للمساكين وليس في ذلك
تعيين انتهى. ففهم من كلامه أن حكم الرسول في
الأكل وعدمه حكم ربه إلا فيما إذا عطب الواجب
قبل محله فلا يأكل منه للتهمة أن يكون عطبه
بسببه فلو قامت بينة على ذلك أو علم أن ربه لا
يتهمه أو وطن منفسه على الغرم إن اتهمه جاز له
الأكل. والحاصل أن أكله منه لا يمنع فيما بينه
وبين الله تعالى ولذلك قال إنه إن أطعم أحدا
من الواجب فلا شيء عليه فتأمله والله أعلم. ص:
"وضمن في غير الرسول بأمره بأخذ شيء" ش: يعني
أن صاحب هدي التطوع إذا عطب قبل محله مأمور
بأن يخلي بينه وبين الناس ولا يأمر أحدا بأخذ
شيء منه فإن أمر أحدا بأخذ شيء منه فإنه يضمن
بدل الهدي كما يضمن إذا أكل منه أو من هدي منع
من الأكل منه. ولا يصح أن يريد أنه يضمن إذا
أمر بأخذ شيء من الهدي الممنوع من الأكل منه
كما قال البساطي فإن الفدية والجزاء ونذر
المساكين إذا بلغت المحل لا يأكل منه وله
تفرقتها على المساكين ويأمرهم بالأخذ منها.
وقوله في غير الرسول يعني به أن الرسول وإن
كان مساويا لصاحب هدي التطوع في كونه لا يأكل
منه ولا يأمر أحدا لكنه إن فعل ذلك فلا ضمان
عليه. قال في التوضيح لأنه أجنبي. وقال ابن
عبد السلام في سقوط الضمان عنه نظر يريد ولا
ضمان على صاحب الهدي أيضا إذا لم يكن أمر
الرسول بذلك. وفي فهم هذا المعنى من كلام
المصنف نظر. قال البساطي والظاهر أن "في"
زائدة انتهى.
قلت: وعلى جعلها زائدة ففي الكلام إجمال. ولو
قال وضمن ربها فقط بأمر شيء الخ لكان أبين
والله أعلم. ولفظ المدونة ومن عطب هديه التطوع
قبل محله ألقى قلائدها في دمها إذا نحرها ورمى
عندها جلالها وخطامها وخلى بين الناس وبينها
ولا يأمر من يأكل منها فقيرا ولا غنيا فإن أكل
أو أمر بأخذ شيء من لحمها فعليه البدل وسبيل
الجلال والخطام سبيل لحمها وإن بعثت مع رجل
فعطبت فسبيل الرسول سبيل صاحبها ولا يأكل منها
الرسول فإن أكل لم يضمن ولا يأمر بها الرسول
إن عطبت أن يأكل منها فإن فعل
(4/284)
كأكله من مصنوع
ـــــــ
ضمن وإن أمره ربها إذا عطبت أن يخلي بين الناس
وبينها فعطبت وتصدق بها الرسول لم يضمن وأجزأت
صاحبها كمن عطب هديه التطوع فخلى بينه وبين
الناس فأتى أجنبي فقسمه بين الناس فلا شيء
عليه ولا على ربه انتهى.
تنبيهات: الأول: ظاهر قوله في المدونة وخلى
بين الناس وبينها أنه يجوز للغني والفقير
تناول ذلك وصرح صاحب الطراز في شرح مسألة من
بعث معه بهدي تطوع وأمره ربه إذا عطب أن يخلي
بين الناس وبينه فلما عطب تصدق به الرسول أنه
إذا عطب الهدي ونحره سائقه استحقه المساكين
وأنه إن فرقه على غير المساكين ضمن ذلك اللحم
الذي فرقه على غير المساكين للمساكين. وصرح
ابن عبد السلام بأن إباحته لا تختص بالفقير بل
هو مباح لكل من كان مباحا له يوم مبلغ محله
إلا سائقه ونقله في التوضيح والله أعلم.
الثاني: إذا أرسل الهدي ربه وقال للرسول أطعمه
للمساكين تقدم في كلام صاحب الطراز أن ذلك
خفيف والله أعلم.
الثالث: فهم من كلامهم أنه لا يحتاج إلى أن
يبيحه للناس بلفظه خلافا للشافعي. قاله سند.
الرابع: انظر إذا قال للناس صاحب الهدي كلوا
أو قال أبحتها للناس فلم أر فيها نصا. وظاهر
قوله في المدونة فإن أكل أو أمر بأكلها أو
بأخذ شيء منها فعليه البدل أنه يضمن في قوله
كلوا أو خذوها أو اقتسموها أو نحو ذلك ولا
يضمن في قوله أبحتها للناس لأنه لم يأمر أحدا
بأخذ شيء. ولو قال من شاء فليأخذها فالظاهر لا
يضمن والله أعلم.
الخامس: قال أبو الحسن في قوله في مسألة
الرسول أنه لا يضمن البدل وأما ما أكل منه
فيضمن لأنه متعد انتهى. وهذا ظاهر وقد تقدم في
كلام صاحب الطراز أنه يضمن ما أطعمه لغير
المساكين وصرح صاحب الطراز أيضا بأنه إذا لم
يكن فقيرا يضمن ما أكله للفقراء وهذا يدل على
أنه إنما يباح للفقراء كما تقدم والله أعلم.
السادس: لو كان عليه هدي واجب فضل فأبدله
بغيره فعطب قبل محله فأكل منه كان عليه بدله
ثم وجد الأول فإنه ينحره. قال في الطراز قاله
في الموازية ولا بد له من بدل الثاني لأنه صار
تطوعا أكل منه قبل محله انتهى وهو ظاهر. ص:
"كأكله من ممنوع" ش: وكذا إذا أطعم غنيا أو
ذميا مما لا يجوز له الأكل منه فإن عليه
البدل. قال في المدونة وكذا إذا أطعم منه من
تلزمه نفقته قاله في الطراز.
تنبيه: وهذا إذا أطعم فإن أكل منه بغير إذنه
من تلزمه نفقته فإنما عليه قدر ذلك. قال في
الطراز لأنه لم يتعد على شيء من الهدي حتى
تعذر سقوط الإراقة في حق ذلك ووجوب ضمان الهدي
وإنما وصلت إليه منفعة ذلك بما تؤمر عليه من
المؤنة فعليه بقدر تلك
(4/285)
بدله وهل إلا
نذر مساكين عين فقدر أكله خلاف
ـــــــ
المنفعة ولو لم يكن الوالد ولا الولد في عياله
لم يلزمه منه شيء ولزم ذلك الأب إن كان مليا
لأنه أكل ما يستحقه المساكين من غير حق وكذلك
الولد وإن كان الولد البالغ فقيرا فذلك له
جائز لأنه ليس في عيال أحد وهو من جملة
المساكين بخلاف الأب الفقير فإن نفقته على
الولد انتهى. قلت: ومثل ذلك إذا أكل منها
الغني أو الذمي بغير أمره فعلى الآكل قدر ما
أكل وكذا لو دفعها ربها لمن يفرقها فأعطى
المفرق منها غنيا أو ذميا فعلى المفرق بدل ذلك
والله أعلم.
فرع: فلو أعطى الفدية أو الجزاء أو نذر
المساكين من ذلك فلم أر فيه نصا والظاهر أن لا
شيء عليه وإنما هو مكروه من باب أكل الرجل من
صدقته الواجبة والله أعلم. ص: "بدله" ش: انظر
إذا نسك في الفدية أو جعلها هديا ثم أكل منها
وقلنا يلزمه البدل فهل يلزمه بدل الذي أكل منه
أو لا يجوز أن يبدله بدونه كما لو جعل الفدية
بدنة وأهداها ثم أكل منها وأراد أن يبدل ذلك
ببقرة أو شاة أو أراد أن يطعم أو يصوم والظاهر
أنه يلزمه بدل ذلك الذي أكل منه. قاله في
المدونة ومن الهدي المضمون ما إن عطب قبل أن
يبلغ محله جاز له أن يأكل منه لأن عليه بدله
وإن بلغ محله لم يجز له أن يأكل منه وإن أكل
منه لم يجزه وعليه البدل وهو جزاء الصيد وفدية
الأذى ونذر المساكين انتهى. وقال في الطراز في
الهدي الواجب إذا عطب قبل محله وكان عينه من
الأفضل فالأحسن والأفضل أن يبدله مثل ما كان
عليه والواجب مثل ما كان يجزئ أولا كمن نذر
المشي إلى مكة مبهما فمشى في حج ثم ركب وأراد
أن يقضي سنة أخرى ما ركب فإنه يأتي بمشي إن
شاء في حج وإن شاء في عمرة بحكم النذر كما كان
له ابتداء أن يمشي في عمرة لا في حج. واختلف
أصحاب الشافعي فقال بعضهم كما قلنا وقال بعضهم
مثل ما عين لأنه أوجب الفضل بتعيينه وهو فاسد
لأنه ما وجب بالتعيين سقط بالعطب فلا يلزمه
ضمانه كما لا يلزمه ضمان ما عين من هدي التطوع
إذا عطب انتهى.
فرع: لم يذكر المصنف حكم بيع شيء من لحم الهدي
ولا الاستئجار به لوضوح ذلك
(4/286)
والخطام
والجلال كاللحم وإن سرق بعد ذبحه أجزأ لا قبله
ـــــــ
وقد صرح في المدونة وغيرها بأنه لا يعطي
الجزاء شيئا من لحمها ولا جلدها ولا خطامها
ولا جلالها وهو واضح.
فرع: فإن باع شيئا من الهدي أو استأجر به
فظاهر كلام غير واحد أن حكم ذلك حكم الأضحية.
وصرح به شارح الرسالة المسمى بكرامة الجزولي
ونصه فإن وقع بيع شيء من الأضحية والهدي
والنسك فسخ ما لم يفت فإن فات فقيل يصرف الثمن
فيما ينتفع به من طعامه وما عونه كالرحى
والغربال وقيل يتصدق به وقيل يصنع به ما شاء
انتهى. والمشهور في الأضحية أنه يتصدق به
فكذلك هنا إلا أنه ينبغي أن يقيد ذلك بما إذا
لم يبلغ ذلك ثمن الهدي فإن بلغ اشترى به هديا.
قال عبد الحق في النكت قال بعض شيوخنا فيمن
باع جلال هديه يتصدق بثمنه ولا يشتري به هديا
وإن بلغ لأن الجلال ليس بنفس الهدي. قال عبد
الحق وأيضا فإنما الجلال للمساكين فجعل الثمن
بمثابتها يكون صدقة على المساكين. وقال غيره
من شيوخنا يشتري بذلك هديا إن بلغ وإن لم يبلغ
تصدق به والقول الأول أصوب عندي. انتهى ونقله
التادلي. قلت: وفي قوله "إنما الجلال
للمساكين" نظرا لما سيأتي. ص: "والخطام
والجلال كاللحم" ش: هو كقول ابن الحاجب وخطام
الهدايا وجلالها كلحمها وفي هدي الفساد قولان.
قال ابن عبد السلام يريد بحيث يكون مقصورا على
المساكين يكون الخطام والجلال كذلك وحيث يكون
اللحم مباحا للأغنياء والفقراء يكون الخطام
والجلال كذلك. قال أشهب إن أعطى جلال بدنته
الواجبة لبعض ولده فلا شيء عليه انتهى. نقله
ابن فرحون في شرح ابن الحاجب والله أعلم. وقول
ابن الحاجب وفي هدي الفساد قولان. قال ابن عبد
السلام ونقل ابن فرحون الخلاف في جلال هدي
الفساد مبني على الخلاف في اللحم انتهى.
والمشهور جواز الأكل من لحمه والله أعلم. ص:
"وإن سرق بعد ذبحه أجزأ" ش: قال في المدونة من
سرق هديه الواجب بعد ذبحه أجزأه. قال سند هذا
بين لأنه إنما عليه هدي بالغ الكعبة وقد بلغ
الهدي محله فإن كان جزاء صيد أو فدية أذى أو
نذر المساكين فقد أجزأه ووقع التعدي في خالص
حق المساكين وله المطالبة بقيمته وصرف ذلك
للمساكين لأنه كان تحت يده وكانت له قسمته إن
شاء وإن شاء غير ذلك فله المطالبة ويفعل
بالقيمة ما شاء كما يفعل في قيمة أضحيته إذا
سرقت ويستحب له ابن القاسم أن يدع المطالبة
بالقيمة لما فيه من مضارعة البيع انتهى. ص:
"لا قبله" ش: قال في المدونة وكل هدي واجب ضل
من صاحبه بعد تقليده أو مات قبل أن ينحره بمنى
أو في الحرم أو قبل أن يدخل الحرم فلا يجزئه
وعليه
(4/287)
وحمل الولد على
غير ثم عليها وإلا فإن لم يمكن تركه ليشتد
فكالتطوع ولا يشرب من اللبن وإن فضل وغرم إن
أضر بشربه الأم أو الولد موجب فعله
ـــــــ
بدله. وكل هدي تطوع هلك أو سرق أو ضل فلا بدل
على صاحبه فيه انتهى. ص: "وحمل الولد على غيره
الخ" ش: قال سند وجملة ذلك أن حق الهدي يسري
إلى الولد كحق العتق في الاستيلاد والتدبير
والكتابة فإذا ولدت ساقه مع أمه إن أمكن إلى
محل الهدي فإن لم يمكن سوقه حمله فإن كان له
محل غير أمه حمله عليه كما يحمل عليها زاده
عند الحاجة والضرورة فإن لم يكن فيها ما يحمله
قال ابن القاسم يتكلف حمله يريد لأن عليه
بلوغه بكل حيلة يقدر عليها. قال أشهب وعليه أن
ينفق عليه حتى يجد له محلا ولا محل له دون
البيت فإن لم يجد إلى ذلك سبيلا كان حكم هذا
الولد حكم الهدي إذا وقف منه فإن كان في مسغبة
فإنه ينحره في موضع ويخلي بين الناس وبينه ولا
يأكل منه كانت أمه تطوعا أو عن واجب فإن أكل
شيئا من الولد قال ابن الماجشون عن ابن حبيب
عليه بدله. ثم قال أشهب وإن نحره في الطريق
أبدله بهدي كبير ولا يجزئه بقرة يريد في نتاج
البدنة. قلت: هذا مما ولد بعد التقليد وأما ما
ولد قبله فلا يجب ذلك فيه. قال مالك في
الموازية وأحب إلي أن ينحره معها إن نوى ذلك.
قال محمد يعني نوى بأمه الهدي.
فرع: ولو وجد الأم معيبة لم يكن له أن يتصرف
في ولدها وكان تبعا لها في حكم الهدي. ص: "ولا
يشرب من اللبن وإن فضل" ش: صرح سند بأنه إذا
فضل عن كفاية ولدها كره له ذلك والظاهر أنه
إذا لم يفضل يمنع. وقال ابن عرفة ابن حارث
اتفقوا على منع ما يروي فصيلها فإن لم يكن أو
فضل عنه فقال مالك لا يشرب فإن فعل فلا شيء
عليه. أشهب لا بأس به وإن لم يضطر ويسقيه من
شاء ولو غنيا. انتهى والله أعلم.
تنبيه: وهذا إذا لم يكن في تركه ضرر كما قال
محمد وإلا فيحلب ما تزول به الضرورة. وصرح ابن
عبد السلام بأن شرب لبنها مكروه على المذهب
قال وحكى بعض الشيوخ قولا بالإباحة. ص: "وغرم
إن أضر بشربه الأم أو الولد موجب فعله" ش:
نحوه
(4/288)
وندب عدم
ركوبها بلا عذر ولا يلزم النزول بعد الراحة
ونحرها قائمة أو معقولة وأجزأ إن ذبح غيره
مقلدا ولو نوى عن نفسه إن غلط
ـــــــ
لابن الحاجب. قال ابن فرحون في شرحه فإن أضر
شربه بها أو بولدها غرم قيمة ما أضر بها في
بدنها ونقصها أو أضر بولدها فإن مات ولدها
بإضراره فعليه بدله مما يجوز في الهدي وهو
معنى قوله "موجب فعله" وهو بفتح الجيم أي الذي
أوجبه فعله انتهى. ص: "وندب عدم ركوبها بلا
عذر" ش: قال سند وهو مقيد بشرط سلامتها فإن
تلفت بركوبه ضمنها قال ولا يركبها بمحمل ولا
يحمل عليها متاعا وإنما يفعل من ذلك ما دعت
الحاجة إليه. وقال ابن عبد السلام ركوب الهدي
لضرورة جائز ولغير ضرورة المشهور كراهته
والقول الثاني: جوازه ما لم يكن ركوبا فادحا.
انتهى والله أعلم. ص: "فلا يلزم النزول بعد
الراحة" ش: قال سند على قول مالك ولا يركبها
إلا من ضرورة ينبغي إذا استغنى عن ركوبها أن
يريحها انتهى. وقال في الإرشاد ولا يركب عليها
ولا يحمل إلا من ضرورة فإذا زالت بادر للنزول
والحط. قال الشيخ زروق لأن ما أبيح للضرورة
قيد بقدرها والمشهور ليس عليه النزول بعد
راحته ولا له الرجوع إلا لعذر انتهى. ص:
"وأجزأ إن ذبح غيره عنه مقلدا ولو نوى عن نفسه
إن غلط" ش: قوله عنه يحتمل أن يتعلق بذبح وهو
المتبادر إلا أنه لا يلائم قوله بعده ولو نوى
عن نفسه وكان الأولى إذا قصد ذلك أن يقول "كان
نوى عن نفسه". ويحتمل أن يتعلق بقوله أجزأ
لكنه بعيد من جهة اللفظ. وقوله "إن غلط" يعني
به أن الغير إذا نوى الهدي عن نفسه فإنه إنما
يجزئ عن صاحبه إذا كان ذلك غلطا وأما إن نوى
عن نفسه تعديا فلا يجزئ. قال في التوضيح وسواء
وكله صاحبه على ذبحه أو لم يوكله. وقاله ابن
عرفة أيضا وهذا هو المشهور وهو مذهب المدونة.
قاله في الرفقاء يغلطون فيذبح هذا هدي هذا
ويذبح الآخر هدي
(4/289)
ولا يشترك في
هدي وإن وجد بعد نحر بدله نحر إن قلد وقبل
نحره نحر معا إن قلد وإلا بيع واحد.
فصل الإحصار في
الحج والعمرة.
وإن منعه عدو أو فتنة أو حبس لا بحق بحج أو
عمرة فله التحلل
ـــــــ
الآخر أنه يجزئ وإذا لم يجز صاحبه فالمشهور
أنه لا يجزي الذابح. وروى أبو قرة عن مالك أنه
يجزئ الذابح وعليه قيمتها انتهى.
فرع: قال في الطراز إذا قلنا لا يجزئ الأول
فله أخذ القيمة من الثاني.
فرع: إذا نحر الهدي غير صاحبه عن صاحبه أجزأه
ولو كان بغير إذنه. قاله ابن الحاجب. قال في
التوضيح ونحوه في المدونة والله أعلم.
فصل
"وإن منعه عد أو فتنة" ش: قال ابن عبد السلام
وحصر العدو معلوم والفتن ما قد يجري بين
المسلمين كفتنة ابن الزبير والحجاج.
فرع: قال التادلي قال في تهذيب الطالب والريح
إذا تعذر على أصحاب السفن ليس
(4/290)
....................
ـــــــ
يكون تعذره كحصر العدو وهو مثل المرض لأنهم
يقدرون على الخروج إلى البر فيمضوا لحجهم
انتهى. ص: "أو حبس لا بحق" ش: حكى ابن الحاجب
في حبس السلطان ثلاثة أقوال الأول أنه كالمرض
وهو قول مالك في الموازية والثاني: أنه كالعدو
ونقله ابن بشير وثالثها إن كان الحبس بحق
فكالمرض وإن كان بباطل فكالعدو. وقال في
التوضيح وهذا القول ذكره في البيان عن مالك
ولم يجعله خلافا للأول بل ساقه على أنه وفاق
وهو اختيار ابن يونس انتهى. وعلى هذا اعتمد
المصنف هنا فجعل الحبس لا بحق كحبس العدو ثم
ذكر بعد ذلك الحبس بحق وجعله كالمرض.
تنبيه: قال ابن عبد السلام وظاهر كلام ابن رشد
أن الظلم الموجب لتحلل المحبوس وإلحاقه بالعدو
وهو أن يكون ظلما وعداء في ظاهر الحال ولا
يحتاج أن يكون ظلما في نفس الأمر حتى إنه إن
حبس بتهمة ظاهرة فهو كالمرض وإن كان يعلم من
نفسه أنه بريء قال وفيه عندي نظر وإنما كان
ينبغي أن يحال المرء على ما يعلم من نفسه لأن
الإحلال والإحرام من الأحكام التي بين العبد
وربه ولا مدخل فيها للولاة فإن علم من نفسه
البراءة جاز له التحلل ولو كان سبب التهمة
ظاهرا انتهى. وقبله في التوضيح وجعل ابن عرفة
الخلاف فيمن حبس بتهمة وجعل قول ابن رشد أن من
حبس ظلما بغير تهمة ولا سبب فهو كالعدو خارجا
عن ذلك وظاهر كلام صاحب الطراز أنه يعمل على
ما يعلمه من نفسه فإنه قال من حبس في حق من
دين أو قصاص لم يجز له التحلل إذ لا عذر له في
حبسه إذا كان يقدر على أدائه وإن كان لا يقدر
على أدائه أو حبس عدوانا فحكمه حكم من أحاط
العدو به من سائر الأقطار والظاهر أنه يتحلل
لما عليه من الضرر. انتهى فتأمله. ونص كلامه
في المدونة في الحج الثاني قال ابن القاسم كنت
عند مالك سنة خمس وستين ومائة فسئل عن قوم
اتهموا بدم وهم محرمون فحبسوا في المدينة فقال
لا يحلهم إلا البيت ولا يزالون محرمين حتى
يقتلوا أو يخلوا فيحلوا بالبيت انتهى. وذكر
المسألة في آخر رسم حلف بطلاق امرأته من سماع
ابن القاسم من كتاب الحج ونصها سمعت مالكا
وسئل عن محرمين خرجا إلى الحج حتى إذا كانا
بالأبواء أو بالجحفة اتهما بقتل رجل وجد قتيلا
فأخذا فردا إلى المدينة فحبسهما عامل المدينة.
قال مالك لا يزالان محرمين حتى يطوفا بالبيت
ويسعيا وأراهما مثل المريض. قال ابن رشد زاد
في النوادر عن مالك أو يثبت عليهما ما ادعى
عليهما فيقتلان وهو تمام المسألة انتهى.
قلت: قد تقدم ذلك في نص المدونة ثم قال ابن
رشد إنما رآهما كمن حصر بمرض لأنهما إذا حبسا
بالحكم الذي أوجبه الله تعالى فكان كالمرض
الذي هو من عند الله ولو حبسا ظلما وعداء لكان
حكمهما حكم المحصر بعدو ويحلان موضعهما الذي
حبسا فيه ويحلقان وينحران هديا إن كان الوقوف
ولا قضاء عليهما عند مالك. انتهى مختصرا.
فرع: قال في سماع أبي زيد من كتاب القذف من
البيان فيمن زنا وكان بكرا وأخذ
(4/291)
إن لم يعلم به
ـــــــ
بمكة وهو محرم فإنه يقام عليه ويبقى ولو كان
بمكة ولا ينتظر به أن يفرغ من الحج. ابن رشد
لأن التغريب من تمام الحد فتعجيله واجب لا يصح
أن يؤخر لأجل إحرامه ولعله إنما أحرم فرارا من
السجن. وقد كان مالك إذا سئل عن شيء من الحدود
أسرع الجواب وأظهر السرور وقال بلغني أن يقال
لحد يقام بأرض خير من مطر أربعين صباحا. وإذا
سجن كان حكمه حكم المحصر بمرض انتهى. ص: "إن
لم يعلم به" ش: أي بالمنع ويعني أن من أحصر
فإنه باح له التحلل بشرط أن يكون عند الإحرام
لم يعلم أنهم يمنعونه سواء علم بالعدو أو لم
يعلم به وأحرى إذا طرأ بعد إحرامه. وهذه
الثلاث حالات التي ذكر اللخمي أنه يصح الإحلال
فيها وهي ما إذا طرأ العدو بعد الإحرام أو طرأ
قبله ولم يعلم به أو علم به وكان يرى أنهم لا
يمنعونه. هكذا نقل المصنف وغيره عن اللخمي.
ومفهوم قول المصنف إن لم يعلم به أنه لو علم
بالمنع لم يجز له الإحلال وهو كذلك نقله في
التوضيح عن اللخمي والباجي.
تنبيهات: الأول: يدخل في قول المصنف إن لم
يعلم به ما إذا علم أنهم لا يمنعونه أو ظن ذلك
أو شك فيه أو توهم ذلك ثم منعوه أما إذا علم
أنهم لا يمنعونه فلا كلام وأما إذا ظن فحكمه
حكم العلم كما صرح به المصنف في مناسكه ونصه
موانع الحج ستة.
الأول: العدو والفتن وهو مبيح للتحلل ونحر
الهدي حيث كان إذا طرأ ذلك بعد الإحرام أو كان
قبله ولم يعلم أو ظن أنهم لا يصدونه انتهى.
فأحرى إذا كان أولا عالما بأنهم لا يمنعونه ثم
قال وأما إن علم منعهم له فلا يجوز له
الإحلال. نقله ابن المواز عن مالك ونص عليه
اللخمي وغيره وقاله ابن القاسم انتهى. وأما
إذا شك في منعهم إياه فلا يجوز له فنقل في
التوضيح والمناسك عن اللخمي أنه لا يحل إلا أن
يشترط الإحلال ونصه قال اللخمي وإن شك في
منعهم له أن يحل إلا أن يشترط الإحلال ثم قال
خليل وظاهر المذهب أن شرط الإحلال لا يفيد
انتهى. وبهذا جزم المصنف فيما يأتي فقال ولا
يعيد لمرض أو غيره نية التحلل
(4/292)
وأيس من زواله
قبل فوته ولا دم
ـــــــ
بحصوله. ونقله في التوضيح عن المازري وعياض.
وإذا كان لا يتحلل إذا أحرم مع الشك فأحرى مع
الوهم.
الثاني: إذا أحرم هذا في وقت يدرك فيه الحج
قال سند فإن أحصر بعدما أحرم وكان لا يمكنه
الحج وإن لم يكن حصر لم يتحلل. قال ابن القاسم
في الموازية وإن أحرم من بلد بعيد ثم جاء عليه
من الوقت ما لا يدرك فليثبت هذا حراما حتى يحج
من قابل فإن حصره عدو ولم يمنعه بقي على
إحرامه إلى قابل لأن العدو ليس الذي منعه من
الحج انتهى. ونقله اللخمي وزاد إلا أن يصير
إلى وقت إن خلي لم يدرك الحج عاما قابلا
انتهى.
الثالث: قال سند قال ابن القاسم في الموازية
فيمن أحصر بعد وقبل أن يحرم ثم أحرم وفاته
الحج لطول سفر أو غيره قال أحسب هذا لا يحله
إلا البيت لأنه أحرم بعد أن تبين له المنع
انتهى. ص: "قبل فوته" ش: يحتمل أن يتعلق بقوله
فله التحلل ويكون قد أشار به إلى مخالفة قول
أشهب لأنه لا يحل إلا يوم النحر ويحتمل أن
يتعلق بقوله وأيس من زواله والأول أولى
لإفادته ما ذكر وأما الثاني: فظاهر لأن المعنى
أيس من زوال العذر قبل فوات الحج. وظاهر كلامه
أنه يحل إذا أيس من زوال العدو وقبل فوات الحج
ولو بقي من الوقت ما لو زال العذر لأدرك فيه
الحج وهذا ظاهر أول كلام المدونة. قال في
التوضيح واعلم أنه وقع في المدونة موضعان
الأول إذا أيس أن يصل إلى البيت فيحل بموضعه
حيث كان. قال في التوضيح وقال في موضع آخر لا
يكون محصرا حتى يفوته الحج ويصير إن خلي لم
يدرك الحج فيما بقي من الأيام فذهب ابن يونس
إلى أن الأول راجع للثاني. قال وقاله بعض
شيوخنا. وقال غيره بل ذلك اختلاف قول ابن يونس
والأول أبين. انتهى كلام التوضيح. وهذا الذي
اختاره ابن يونس اختاره صاحب الطراز فإنه قال
قال اللخمي مذهب ابن القاسم أنه إذا كان على
إياس من انكشافه حل مكانه قال صاحب الطراز
والذي قاله اللخمي ليس بمذهب لابن القاسم ولا
يحل عنده حتى يكون في زمان يخشى فيه فوات الحج
وقال إن كلامه الثاني يفسر الأول إذا علم أن
هذا هو الراجح فينبغي أن يحمل كلام المصنف
عليه فيكون معنى قوله "وأيس من زواله قبل
فوته" أنه لم يبق بينه وبين ليلة النحر زمان
يمكنه فيه السير ولو زال العذر والله أعلم.
تنبيه: قال في الطراز فيمن أحصر فلما بلغ أن
يحل انكشف العدو قبل أن يحلق وينحر فله أن يحل
ويحلق مثل ما لو كان العدو قائما. وهذا إنما
يكون إذا فاته إدراك الحج في عامه وهو أيضا
على بعد من مكة فإن لم يفته فلا يحل. ولو قيل
لا يحل إذا وجد السبيل إلى
(4/293)
بنحر هديه
وحلقه ولا دم إن أخره
ـــــــ
البيت لأنه قادر على الخروج من إحرامه بكمال
فعله إما فعل الحج أو فعل العمرة إن عجز عن
الحج لكان له وجه وإذا ضاق الوقت عن إدراك
الحج إلا أنه بقرب مكة لم يحل إلا بعمل عمرة
لأنه قادر على الطواف والسعي من غير كبير مضرة
فإن كان الحصر في العمرة فهاهنا ينبغي أن لا
يتحلل لأنه قادر على فعل العمرة كما لو انكشف
العدو في الحج والوقت متسع. انتهى مختصرا
ونحوه للخمي.
تنبيه: قال سند وأما حد ما يؤخر إليه في
العمرة قال ابن القاسم في الموازية يحل وإن
كان لا يخشى فيها فوتا. وقال ابن الماجشون
يقيم إن رجا إدراكها لفوره بما لا ضرر فيه على
الصبر عليه فإن لم يرجه إلا في طول فليحل.
وهذا موافق لابن القاسم ويرجع ذلك لحاله. فإن
لم يكن عليه كبير ضرر في تربصه ولا يفوته
العود إلى أهله تربص فإن خاف تعذر رجوعه إن
تربص تحلل. انتهى مختصرا والله أعلم.
فرع: فإن قدر على التقرب إلى مكة لم يلزم ذلك
ويحل بموضعه. قاله في الطراز ونقله المصنف في
مناسكه عن الباجي.
فرع: قال سند فإذا أحصر فلم يتحلل حتى فاته
الحج فقال ابن القاسم يلزمه حكم الفوات وهو
قول الشافعي إلا أن عند الشافعي بهدي هديين
للفوات وللحصر وعند ابن القاسم بهدي للفوات
فقط وإنما يتحلل المحصر قبل فوات الحج فإن بقي
على إحرامه حتى فاته الحج فقد وجب عليه القضاء
والهدي قبل أن يتحلل للحصر ويكون الحصر بعد
الفوات لا تأثير له فإن أراد التحلل فمنع من
مكة كان كالحصر في العمرة فيتحلل هذا في غير
طواف ويقضي الحج لا العمرة فتأمله. وسيأتي
أيضا عند قول المصنف وإن حصر عن الإفاضة ما
يؤيد ذلك من كلام صاحب الطراز أيضا والله
أعلم. ص: "بنحر هديه وحلقه" ش: ظاهر كلامه أن
التحلل إنما يحصل بنحر الهدي والحلاق وليس
كذلك لأن التحلل يحصل بالنية كما قال في
الطراز والحلق من سنته كما سيأتي عند قول
المصنف ولم يفسد بوطء بل قال في الطراز لا
خلاف أنه لو حلق ولم يقصد به التحلل أنه لا
يتحلل بذلك وكذلك نحر الهدي. وصرح في الطراز
أيضا أن نحر الهدي ليس بشرط في التحلل على قول
أشهب القائل بوجوب الهدي على المحصر فأحرى على
المشهور القائل بعدم وجوبه على المحصر. وفي
الشامل وكفت نية التحلل على المشهور.
تنبيه: وينحر هديه حيث كان من حل أو حرم. لكن
قال في الطراز إن قدر على إرساله إلى مكة فعل
ثم قال فإن كان غير مضمون فلا ضمان عليه فيه.
وحكمه في الأكل
(4/294)
ولا يلزمه طريق
مخوف وكره إبقاء إحرامه إن قارب مكة أو دخلها
ولا يتحلل إن دخل وقته
ـــــــ
حكم ما بلغ محله لأن ما عطب من هدي التطوع قبل
محله وأما الهدي المضمون فإنه على حكم الحج
المضمون. فإن قلنا إن الفرض سقط عنه أجزأ وإن
قلنا لا يسقط الفرض فكذلك لا يسقط الهدي.
انتهى بالمعنى. ص: "ولا دم إن أخره" ش: سواء
أخر التحلل أو تحلل وأخر الحلاق. قاله في
الطراز. ص: "ولا يلزمه طريق مخوف" ش: مفهومه
أنه إذا لم تكن مخوفة لزمه سلوكها وإن كانت
طويلة وهو كذلك. نقله في التوضيح عن ابن
الماجشون. قال ابن عرفة وظاهر مساقه في
النوادر أنه لابن القاسم.
تنبيه: قال في التوضيح إذا كانت طريق غير
مخوفة ولو كانت أبعد فليس بمحصور إن بقي من
المدة ما يدرك فيه الحج انتهى. فمفهومه أنه لو
بقي من المدة ما لا يدرك فيه الحج أنه محصور.
وقال في الطراز إن كانت له طريق أخرى يمكن
الوصول منها لا يخاف منها فليس بمحصور وليسلك
تلك الطريق طويلة كانت أو قصيرة يخاف فيها
الفوات أو لم يخف وهو كمن أحرم بالحج من أول
ذي الحجة من مصر أو بأقصى المغرب فإنه وإن أيس
من إدراك الحج لا يحله إلا البيت لأن له طريقا
إلى البيت انتهى فتأمله مع كلام التوضيح فإن
مفهوم كلامه في التوضيح مخالف له والله أعلم.
ص: "وكره إبقاء إحرامه إن قارب مكة أو دخلها"
ش: ليس هذا من فروع: المحصر وإنما هذا في حق
من فاته بأحد الوجوه الآتية والله أعلم.
تنبيه: فإن بقي على إحرامه أجزاه على المشهور.
وقال ابن وهب لا يجزيه عن حجة الإسلام وعلى
المشهور لا هدي عليه وفي العتبية عليه الهدي
قاله في التوضيح إما لأنه كتأخير أفعال الحج
عن وقته وإما على سبيل الاحتياط إذ الغالب عدم
الوفاء بحق الإحرام مع طول المقام ولهذا قال
بعضهم إن الهدي لا يؤكل منه لاحتمال أن يكون
أماط أذى. ص:
(4/295)
وإلا فثالثها
يمضي وهو متمتع ولا يسقط عنه الفرض ولم يفسد
بوطء إن لم ينو البقاء
ـــــــ
"ولا يسقط عنه الفرض" ش: قال سند من حصره
العدو بعدما أحرم وهو في حج أو عمرة فإن كان
في تطوع لم يلزمه قضاء ذلك عند الجمهور وإن
كان في واجب نظرت فإن كان في معين كالنذر
المعين فلا شيء فيه أيضا والنذر المعين في ذلك
كالتطوع لأنه بعد شروعه يتعين وجوبه وإن كان
في واجب مضمون كالنذر وفي الذمة من غير تعيين
أو فريضة الإسلام في الحج فقال مالك وأبو
حنيفة والشافعي وابن حنبل يبقى الوجوب في
ذمته. وقال ابن الماجشون يجزئه وإنما يستحب له
مالك القضاء. انتهى أكثره باللفظ. وأما العمرة
فإن لم ينذرها أو نذرها نذرا معينا فهي كالحج
التطوع وإن كان نذرا مضمونا فهي في ذمته.
فتأمل كلام سند تجده موافقا لذلك ويؤيد تقييد
فريضة الإسلام بالحج وإطلاقه في الباقي. وأما
عمرة القضاء فقال في التوضيح إنما سميت عمرة
القضاء لمقاضاته عليه السلام. والحنفية يقولون
لأنها قضاء انتهى. ولو قلنا بقول الحنفية إنها
قضاء لم يلزمنا محذور لأنا نقول فعله صلى الله
عليه وسلم دليل على جواز القضاء فقال في
التوضيح إنما سميت عمرة القضاء لمقاضاته عليه
السلام. والحنفية يقولون لأنها قضاء انتهى.
ولو قلنا بقول الحنفية إنها قضاء لم يلزمنا
محذور لأنا نقول فعله صلى الله عليه وسلم دليل
على جواز القضاء ونحن لا نمنعه وإنما نتكلم في
وجوبه وليس في الخبر ما يدل عليه لأن الذين
صدوا معه صلى الله عليه وسلم كانوا ألفا
وأربعمائة والذين اعتمروا معه كانوا نفرا
يسيرا ولم ينقل أنه عليه الصلاة والسلام أمر
الباقين بالقضاء ولو كان واجبا لبينه لهم
وأمرهم به قال سند والله أعلم. ص: "ولم يفسد
بوطء إن لم ينو البقاء" ش: يشير إلى قوله في
المبسوط من حل له التحلل فلم يفعل حتى أصاب
النساء أنه إن نوى أن يحل فلا شي عليه وإن نوى
أن يقيم على إحرامه لقابل فسد حجه وعليه
القضاء انتهى. قال سند وهذا يجري على ما سلف
لأن التحلل يقع من غير حلاق وأن الحلاق من
سنته. فإن نوى هذا أنه تحلل فلا شيء عليه
ويحلق بعد ذلك ولا دم عليه بخلاف من جامع بعد
رميه وإفاضته وقبل الحلق لأنه قطع بالجماع
توالى نسكه وها هنا سقطت المناسك رأسا فسقط
حكم تواليها. فإن قيل بقي قسم
(4/296)
وإن وقف وحصر
عن البيت فحجه تم ولا يحل إلا بالإفاضة وعليه
للرمي ومبيت منى ومزدلفة:هدي كنسيان الجميع
ـــــــ
ثالث وهو ما إذا لم ينو البقاء ولا التحلل
وكلام المصنف يقتضي أنه لا يفسد حينئذ ولا
يفهم حكمه من كلام المبسوط. فالجواب والله
أعلم أنه إذا لم ينو التحلل فقد نوى البقاء
لأن البقاء لا يحتاج إلى تجديد نية لأنه مستمر
على إحرامه الأول ما لم ينو التحلل منه فتأمل.
ص: "كنسيان الجميع" ش: هكذا قال في المدونة
على اختصار ابن يونس ومفهومه أنه لو تعمد ترك
الجميع تعددت عليه الهدايا وصرح بذلك في
التوضيح فقال خليل ولو قيل إذا نسي الرمي
والمبيت بالمزدلفة بالتعدد ما بعد لتعدد
الموجبات كما في العمد وكأنهم لاحظوا أن
الموجب واحد لا سيما وهو معذور انتهى. هكذا
رأيت في التوضيح هذا الكلام منسوبا للمصنف.
وذكر ابن غازي عن التوضيح أنه نقله عن ابن
راشد ولعل ذلك في نسخته من التوضيح. وظاهر ما
في رسم العارية من سماع عيسى من كتاب الحج أن
العمد مثل النسيان عند ابن القاسم. ونصه
وسألته عن الرجل يقف بعرفة ثم يمضي على وجهه
إلى بلاده كم عليه من دم قال لا أرى عليه إلا
دما بدنة أو بقرة. ابن رشد أجزأه دم واحد لترك
الوقوف بالمشعر والرمي والمييت بمنى قياسا على
من فاته الحج فإنه يحل ويهدي هديا واحدا إذا
حل بعمرة لما فاته من الحج وقد فاته عمل الحج
كله. وقال أشهب عليه ثلاثة هدايا هدي لترك
الجمار وهدي لترك المبيت بمنى وهدي لترك
المزدلفة وهو أقيس. انتهى ونقله ابن عرفة في
الكلام على رمي الجمار. وقال في رسم حلف أن لا
يبيع من سماع ابن القاسم في مريض أفاض بعد رمي
جمرة العقبة فأقام بمكة ولم يأت منى ولم يرم
الجمار كلها حتى ذهبت أيام منى قال أرى أن
يهدي بدنة فإن لم يقدر فما استيسر من الهدي
شاة فإن لم يجد صام هذا. ابن رشد مثل قوله في
المدونة إن من ترك الجمار لعذر أو نسيان أو
عمد حتى ذهبت أيام منى أنه يهدي ولم يختلف
قوله في ذلك كما اختلف إذا ترك رمي يوم فرماه
في الليل وفيما بقي منها انتهى. ولم يتعرض ابن
رشد هنا لتعدد الهدي. وقال في الطراز في باب
حكم منى والرمي لما تكلم على التعجيل فإذا
غربت الشمس وهو بمنى ثم أراد التعجيل قال في
المدونة فإن جهل فتعجل فقد أساء وعليه الهدي.
يريد إذا لم يرجع ليبيت بمنى. وكذلك إذا أصبح
عاد لرمي الجمار في اليوم الثالث وعليه هدي
لترك المبيت وإن لم يرجع كان عليه هدي لخطأ
التعجيل ويجزئه عن ترك الرمي بعده. ثم ذكر
مسألة العتبية الأولى وذكر في التوضيح لما
تكلم
(4/297)
وإن حصر عن
الإفاضة أو فاته الوقوف بغير كعرض أو خطأ عدد
أو حبس بحق لم يحل إلا
ـــــــ
على فرع المتعجل عن ابن راشد أن الدم يتعدد
وذكره عن الباجي أيضا وذكر ابن عرفة كلام
الباجي. والحاصل أن في التعدد مع العمد قولين
لابن القاسم وأشهب. فعند ابن القاسم لا يتعدد
وعند أشهب يتعدد وهو الذي يفهم من كلام المصنف
هنا وفي مناسكه وصرح به في توضيحه والله أعلم.
ص: "وإن حصر عن الإفاضة" الخ ش: قال ابن غازي
ما ذكره في المحصور عن الإفاضة تبعه عليه صاحب
الشامل ولم أر من ذكر أن المحصر عن الإفاضة لا
يحل إلا بفعل عمرة بل لا يحل إلا بالإفاضة وهو
داخل في قوله أولا "وإن وقف وحصر عن البيت
فحجة" ولا يحل إلا بالإفاضة فتعين أنه تصحيف
وإن تواطأت عليه النسخ التي وقفنا عليها.
وصوابه وإن حصر عن عرفة وبهذا يوافق قول
اللخمي وغيره إن صد عن عرفة خاصة دخل مكة وحل
بعمرة ويؤيده أنه ذكر في توضيحه ومناسكه أن
حصر العدو على ثلاثة أقسام عن البيت وعرفة معا
وعن البيت فقط وعن عرفة فقط. وبما صورناه يكون
قد استوى هنا الثلاثة كما فعل ابن الحاجب
وغيره انتهى.
قلت: ما ذكره حسن ويمكن أن يقال عبر المصنف عن
الحصر عن الوقوف بالحصر عن الإفاضة لقوله
تعالى {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ}
[البقرة: من الآية198] لكن في إطلاق الإفاضة
على الوقوف يعد ولا يقال إنما أطلق المصنف
الإفاضة على الإفاضة من عرفة لا على الوقوف
ويعني به أن من وقف بعرفة وحصر عن الإفاضة
منها فحكمه حكم من فاته الحج كما قال ابن جزي
في آخر الباب الثامن من كتاب الحج لما تكلم
على فوات الحج وفواته بثلاثة أشياء آخرها فوات
أعماله كلها والثاني فوات الوقوف بعرفة يوم
عرفة أو ليلة يوم النحر وإن أدرك غيرها من
المناسك والثالث من أقام بعرفة حتى طلع الفجر
من يوم النحر وسواء كان وقف بها أو لم يقف
انتهى. وإذا كان ذلك حكم من حصر عن الإفاضة من
عرفة علم منه حكم من حصر عن الوقوف بالكلية
لأنا نقول هذا الذي ذكره ابن جزي غريب لا يعرف
لغيره بل ظاهر نصوص أهل المذهب أن من وقف
بعرفة في جزء من ليلة النحر فقد أدرك الحج ولو
طلع عليه الفجر بها. وكلام صاحب الطراز كالنص
في ذلك وكذلك كلام اللخمي وابن عبد السلام
فيمن ذكر صلاة عند الفجر وكان إن اشتغل بها
فاته الوقوف وقد تقدم التنبيه على ذلك عند قول
المصنف وصلى ولو فات. وأيضا فلو قيل بذلك في
حق من ترك الخروج من عرفة من غير عذر فلا يقاس
عليه من تركه لأجل حصر العدو فتأمل والله
أعلم.
(4/298)
...............................
ـــــــ
تنبيهات: الأول: هذا القسم أعني المحصر عن
الوقوف وإن كان حكمه حكم من فاته الحج في كونه
لا يحل إلا بفعل عمرة فإنه يخالفه في حكم آخر
وهو أن المحصر بعد ولا قضاء عليه كما صرح به
المصنف في مناسكه وصرح به غيره فإنهم بعد أن
ذكروا أقسام المحصر الثلاثة قالوا ولا قضاء
على محصور ولا يسقط الفرض. وكما يفهم ذلك من
كلام سند الآتي في التنبيه الثاني بخلاف من
فاته الحج فإن عليه قضاء ما فاته ولو كان
تطوعا كما صرح به في النوادر والجلاب وغيرهما.
الثاني: ظاهر كلام المصنف وابن الحاجب أن من
أحصر عن عرفة لا يحله إلا البيت قريبا كان أو
بعيدا. وقال ابن عرفة وإن أحصر عن عرفة فقط
وبعد عن مكة فقول اللخمي حل مكانه صواب وإن
قرب منها ففي كون تحلله بعمرة أو دونها قولان
لنص اللخمي وظاهر قول الباجي. وفي كلام صاحب
الطراز إشارة إلى ذلك فإنه قال المشهور أن من
حصره العدو بمكة إنما يتحلل بالطواف والسعي
كما يتحلل المعتمر. وهذا عندي استحسان وإنما
العمرة في حق من يفوته الحج إذ لا يجوز له
التحلل إلا بفعل إحرام تام والحصر يبيح التحلل
من غير فعل بدليل من بعد عن مكة في الموضعين
ممن صد عن عرفة فإن كان قادما على مكة دخلها
وطاف وسعى وكذلك إن كان بمكة وقد دخل من الحل
محرما فإنه يطوف ويسعى ولا يخرج إلى الحل فإن
طرأ الحصر وسعيه استحب له الإعادة ليتحلل
بالسعي كما يتحلل المعتمر فإن أخر تحلله حتى
خرج زمن الوقوف بعد طوافه وفاته الحج وجب عليه
عمل العمرة لأن من فاته الحج لا يتحلل إلا
بعمرة والأول لم يفته وإنما يتحلل للحصر فإن
كان إحرامه بالحج من مكة فلم يطف ولم يسع حتى
أحصر عن عرفة أخر ما رجا كشف ذلك حتى إذا خاف
الفوات حل فيطوف ويسعى لأنه قادر على السعي.
ويستحب له أن يخرج إلى الحل ليكون سعيه عقب
طواف من الحل قدم به كما يفعل من يفوته الحج
فإن طاف وسعى ولم يخرج أجزأه كما يجزئ ذلك من
أحرم من مكة فطاف وسعى ثم أتم حجه ورجع إلى
بلاده بخلاف المعتمر ولا دم فيه بخلاف الراجع
إلى أهله لأن الراجع لا يستحب له أن يخرج من
مكة في إحرامه ثم يعود إليها فيطوف ويسعى ولو
فعله لم يسقط عنه الأمر بالإعادة وإن كان
مأمورا بأن يسعى عقب إفاضته فإن لم يأت به حتى
رجع فعليه دم وهذا سقط عنه طواف الإفاضة إذ لا
إفاضة في حقه وإنما الإفاضة بالرجوع من منى
فيستحب له أن يخرج إلى الحل ثم يدخل فيطوف
ويسعى انتهى. ونص كلام اللخمي لا يخلو المحصر
عن الحج إما أن يكون بعيدا من مكة أو قريبا
منها أو فيها أو بعد أن خرج منها ولم يقف أو
بعد وقوفه بعرفة. فإن كان المحصر على بعد من
مكة حل مكانه وكذلك إن كان قريبا وصد عن البيت
وإن صد عن عرفة خاصة دخل مكة وحل بعمرة وكذلك
إن كان فيها وكان إحرامه من الحل فإنه يحل
بعمرة ولا يخرج للحل وإن كان إحرامه من مكة
وقدر على الخروج للحل فعل ثم يدخل بعمرة فإن
لم يخرج وطاف وسعى وحلق ثم أصاب النساء لم يكن
عليه شيء
(4/299)
بفعل عمرة بلا
إحرام ولا يكفي قدومه وحبس هديه معه إن لم يخف
عليه
ـــــــ
وقد قال مالك فيمن أحرم من الحرم وطاف وسعى
قبل الوقوف ثم طاف الإفاضة ثم حل وأصاب النساء
لا شيء عليه. وإن خرج من مكة ثم صد عن الوقوف
خاصة حل بعمرة وإن صد عن الوقوف وعن مكة مكانه
وإن وقف بعرفة. وذكر بقية الكلام في ذلك والله
أعلم.
الثالث: إذا أفسد المحرم حجة ثم حصر فهل له أن
يتحلل وهل يلزمه القضاء لم أر فيه نصا. وقال
ابن جماعة الشافعي في منسكه الكبير إن له أن
يتحلل ويلزمه القضاء ودم للفساد ودم للحصر كذا
قال الشافعية والحنفية والحنابلة قال وهو
مقتضى قول المالكية إلا أنه لا هدي عندهم على
المحصر وما قاله ظاهر والله أعلم.
الرابع: قول المصنف "بفعل عمرة" ظاهره أن
إحرامه الأول باق وأنه لم ينقلب عمرة. وقال في
الطراز في باب الإحصار من فاته الحج وأراد
التحلل هل ينقلب إحرامه عمرة ويحل بها أولا
وإنما يأتي بطواف وسعي في حجه يكون ذلك من شرط
تحلله إذ لا يكمل تحلل حتى يطوف ويسعى فيكون
طوافه وسعيه لتحلله من حجه وهو باق على إحرام
حجه هذا يختلف فيه. فظاهر المذهب أنه ينقلب
عمرة وينويها. قال في العتبية عن ابن القاسم
إذا أتى عرفة بعد الفجر فليرجع إلى مكة ويطوف
ويسعى ويقصر وينوي بها عمرة. وهل تنقلب عمرة
من أصل الإحرام أو من وقت ينوي فعل عمرة يختلف
فيه انتهى. وقال بعده في باب الفوات ويختلف
فيه هل ينقلب إحرامه عمرة وينوي أنه في عمرة
أو يطوف ويسعى على اعتقاد الحج ويتحلل بذلك.
كل ذلك قد مر ذكره في باب المحصر وذكر الخلاف
فيه انتهى. وما ذكره عن ابن القاسم هو في رسم
استأذن من سماع عيسى من كتاب الحج. وقال ابن
رشد في شرحهما وهذا كما قال وهو مما لا اختلاف
فيه. وقال ابن عرفة التونسي معنى تحلله بعمرة
أي يفعلها لا أنها حقيقة وإلا لزم قضاؤه عمرة
لو وطىء في أثنائها. ابن عرفة هذا خلاف نصها.
ونص سماع عيسى بن القاسم من فاته الوقوف طاف
وسعى ونوى به العمرة. وخلاف قول الأشياخ ابن
رشد وغيره انتهى. ثم بحث معه في الإلزام الذي
ذكره ثم قال ويجاب بأن قضاء الحج يستلزم
قضاءها لأنها لا تفعل بإحرامه. ص: "وحبس هديه
معه إن لم يخف عليه" ش: قال سند لأن من ساق
هدي تطوع يستحب له أن ينحره بنفسه وأن يكون
صحبته فإذا خاف
(4/300)
ولم يجزه عن
فوات وخرج للحل إن أحرم بحرم أو أردف وأخر دم
الفوات للقضاء وأجزأ إن
ـــــــ
عليه العطب كان بلوغه مع غيره أولى من عطبه
قبل بلوغه ولو أرسله من غير خوف أو حبسه مع
الخوف إلا أنه لم يصنع فيه شيئا حتى هلك لم
يكن عليه فيه شيء وإنما الكلام فيما هو الأحسن
انتهى. ص: "وخرج للحل إن أحرم بحرم أو أردف"
ش: انظر إذا أحرم بالحج من مكة ثم خرج إلى
عرفة فوقف في اليوم الثامن ولم يعلم بذلك حتى
فاته الوقوف أو وقف بعرفة وخرج منها نهارا ثم
لم يعد إليها حتى فاته الوقوف ثم علم بذلك بعد
رجوعه إلى مكة فهل يؤمر بالخروج إلى الحل أولا
لم أر فيه نصا والظاهر أنه يجزيه ولا يؤمر
بالخروج ثانيا. قال في سماع عيسى في رسم
استأذن من كتاب الحج وسئل ابن القاسم عن الذي
يأتي عرفة وقد طلع الفجر هل يرجع على إحرامه
إلى مكة وينوي به عمرة فيطوف ويسعى ويقصر ويحل
ويرجع إلى بلاده ويحج قابلا ويهدي قال ابن رشد
وهذا كما قال وهو مما لا خلاف فيه انتهى. وأما
لو أحرم من مكة ثم خرج للحل لحاجة ثم فاته
الحج وهو بمكة فالظاهر أن خروجه ذلك لا يكفيه
لأن المقصود أن يخرج إلى الحل لأجل الحج
فتأمله والله أعلم. ص: "وأخر دم الفوات
للقضاء" ش: يؤخذ من هذا أن من فاته الحج فعليه
الهدي والقضاء ولو كان الحج الفائت تطوعا وهو
كذلك كما صرح به في النوادر والجلاب وغيرهما.
قال في النوادر في أول ترجمة الفوات ومن كتاب
ابن المواز قال مالك من فاته الحج لخطأ العدد
أو بمرض أو بخفاء الهلال أو بشغل بأي وجه غير
العدو فلا يحله إلا البيت ويحج قابلا ويهدي.
قال مالك في المختصر كان إحرامه بحج واجب أو
تطوع انتهى. وقال في الجلاب ومن أحرم بالحج ثم
مرض فأقام حتى فاته الحج لم يتحلل دون مكة
وعليه أن يأتيها بعمل عمرة وعليه القضاء
متطوعا كان أو مفترضا انتهى. وقال التونسي في
أول باب الإحصار وقال أبو إسحاق قوله تعالى
{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}
[البقرة: من الآية196] فمن دخل في حج أو عمرة
وجب عليه إتمامها سواء غلب على ذلك أو لم يغلب
لأن من فاته الحج مغلوب ومن أغمي عليه مغلوب
ومن مرض مغلوب فجعل على من فاته الحج لغلبة
القضاء كان تطوعا أو واجبا خلافا لنوافل
(4/301)
قدم وإن أفسد
ثم فات أو بالعكس وإن بعمرة التحلل تحلل وقضاه
دونها وعليه هديان لا دم قران ومتعة للفائت
ولا يفيد لمرض أو غيره نية التحلل بحصوله ولا
يجوز دفع مال لحاضر إن
ـــــــ
الصلاة والصوم التي إذا غلب عليها لم يلزمه
قضاء وجاءت السنة في حصر العدو أن لا قضاء
عليه في النوافل فخرج بذلك حصر العدو عما سواه
ونقله عنه التادلي في أول الكلام على حصر
العدو وإنما نبهت على هذا وإن كان ظاهرا لأن
بعض الناس توقف في وجوب قضاء التطوع حيث لم
يره في ابن الحاجب وابن عرفة وغيرهما من
المتون والشروح المتداولة وقد صرح بذلك غير
واحد والله أعلم. ص: "وأجزأ إن قدم" ش: قال في
المدونة لا يقدم هدي الفوات وإن خاف الموت فإن
فعل أجزأه لأنه لو هلك قبل أن يحج أهدى عنه
ولو كان لا يجزئه إلا بعد القضاء ما أهدى عنه
بعد الموت. ص: "تحلل وقضاه" ش: أي وجوبا ولا
يجوز له البقاء. قال في التوضيح إذا اجتمع في
الحج فوات وإفساد سواء كان الإفساد أولا أو
ثانيا فلا يجوز له البقاء هنا على إحرامه لأن
فيه تماديا على الفساد ويتحلل بعمل عمرة من
الحل إن كان أحرم بالحج من مكة أو أردفه فيه
وإن كان إحرامه من الحل لم يخرج إليه انتهى.
وقال ابن عبد السلام لم يجز له البقاء على
إحرامه إلى قابل انتهى. فعلم أن قول المصنف
تحلل على جهة الوجوب. تنبيه: فإن أخر إحرامه
حتى دخلت أشهر الحج أو وطىء في أشهر الحج فهل
يؤمر هنا بالتحلل وجوبا أو يأتي الخلاف
المذكور الظاهر أنه يؤمر بالتحلل ليخلص من
الفاسد ويقضيه في تلك السنة والله أعلم. ص:
"ولا يجوز دفع مال لحاصر إن كفر" ش: يعني أن
الكافر إذا
(4/302)
كفر وفي جواز
القتال مطلقا تردد
ـــــــ
حصر المسلمين ولم يبذل لهم الطريق إلا بمال
فإنه لا يجوز للمسلمين دفع ذلك إليه. هذه
الطريقة ابن شاس وابن الحاجب وتبعهم المصنف.
قال ابن شاس لأنه وهن. وقال سند إن بذل
المشركون للمسلمين الطريق على مال يدفعونه لهم
كره لهم ذلك لما فيه من الذلة وكان التحلل
أولى ويجوز دفعه لهم انتهى. وقال ابن عرفة
يكره إعطاء الحاصر كافرا أو مسلما مالا لأنه
ذلة. ابن شاس لا يعطيه إن كان كافرا لأنه وهن.
قال ابن عرفة قلت: الأظهر جوازه ووهن الرجوع
لصده أشد من إعطائه انتهى.
قلت: فكأنه يستظهر جوازه من غيركراهة وإلا فقد
صرح سند بجوازه. وما قاله من أن وهن الرجوع
أشد قول يسلم له وما نقله عن سند من كراهة دفع
المال للحاصر إذا كان مسلما مخالف لما سيأتي
في كلام سند من الاتفاق على جواز ذلك إذا كان
الحاصر مسلما ولعله قال "لا مسلما" فتصحفت
"لا" ب"أو" والله أعلم. فتحصل في دفع المال
للحاصر الكافر على اختيار ابن عرفة ثلاثة
أقوال المنع لابن شاس وتابعيه والكراهة لسند
والجواز لابن عرفة. ومفهوم الشرط في قول
المصنف "إن كفر" يقتضي أنه لو كان الحاصر
مسلما لجاز دفع المال إليه. قال ابن عبد
السلام والمصنف في التوضيح وابن فرحون وهو
ظاهر قول ابن الحاجب. ولا يجوز إعطاء مال
للكافر. زاد ابن عبد السلام فقال بعد أن تكلم
على جواز القتال وأما إعطاء المال فقد مال
جماعة من أهل المذهب وغيرهم إلى جواز ذلك في
غير مكة إذا دعت الضرورة إليه ولا يوجد عنها
محيص وينبغي أن يجوز ذلك هنا بطريق الأولى لأن
الضرورة في تخليص مكة أو تحصيل المناسك آكد
انتهى. ونقله ابن فرحون وكأنهم لم يقفوا على
نص في المسألة. وقال سند إن كان الصادون
مسلمين فهم في القتال كالكفار فإن بذلوا
التخلية بجعل فإن كان بيسير لا كبير ضرر فيه
لم يتحللوا. وهذا نحو ما يبذل للسلابة ولا
يقاتلوا وعند الشافعي لهم أن يتحللوا كان الذي
طلبوه قليلا أو كثيرا. ولو وجب دفع اليسير
لوجب دفع الكثير إن كان سببهما واحدا واتفقوا
على جواز دفع ذلك من غيركراهة إذ لا صغار فيه
على الإسلام وإما هي مظلمة يجوز للمظلوم بذلها
ولا يجوز للظالم أخذها انتهى. فصرح بجواز دفع
المال قليلا كان أو كثيرا بل إذا كان قليلا
لزم دفعه ولم يجز التحلل وجعله من باب دفع ما
لا يجحف للظالم وهو ظاهر وقد ظهر لك مخالفة
كلام سند لما نقله عنه ابن عرفة. ص: "وفي جواز
القتال مطلقا تردد" ش: يعني أنه اختلف
المتأخرون في النقل عن المذهب في جواز قتال
(4/303)
.................................
ـــــــ
الحاصر مطلقا سواءكان مسلما أو كافرا فذكر ابن
شاس وابن الحاجب أن ذلك لا يجوز. قال في
التوضيح قال ابن عبد السلام وسواء كان بمكة أو
بالحرم. وذكر سند وابن عبد البر أن قتال
الحاصر جائز. قال في التوضيح قال ابن هارون
والصواب جواز قتال الحاصر.
تنبيهات: الأول: محل الخلاف ما إذا لم يبدأ
والحاصر بالقتال فإذا بدأ به جاز. قال ابن
عرفة قتال الحاصر البادىء به جهاد وإن كان
مسلما وفي قتاله غير بادئه نقلا وسند وابن
الحاجب مع ابن شاس عن المذهب والأصل أصوب إن
كان الحاصر بغير مكة وإن كان بها فالأظهر نقل
ابن شاس لحديث "إنما أحلت لي ساعة من
النهار"1. وقول ابن هارون والصواب جواز قتال
الحاصر وأظن أني رأيته لبعض أصحابنا نصا. وقد
قاتل ابن الزبير ومن معه من الصحابة وقاتل أهل
المدينة عقبة يرد بأن الحجاج وعقبة بدآ به
وكانوا يطلبون النفس. ونقله عن بعض أصحابنا لا
أعرفه إلا قول ابن العربي إن ثار بها أحد
واعتدى على الله قوتل لقوله تعالى {حَتَّى
يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ } [البقرة: من الآية191]
انتهى.
قلت: قوله والأول أصوب إن كان الحاصر بغير مكة
يريد وهو في الحرم وأما لو كان بغير الحرم فلا
يختلف في جواز قتاله. واعتراضه على ابن هارون
غير ظاهر لأنه قد نقل عن سند جوازه ونقل
المصنف في التوضيح جوازه عن صاحب الكافي وكلام
ابن العربي كاف في ذلك أيضا. وأما الحديث
"إنما أحلت لي ساعة من نهار" فيجاب عنه وعما
في معناه من الأحاديث الدالة على منع القتال
بها بما ذكره النووي عن الشافعي أن معناه يحرم
نصب القتال وقتالهم بما يعم كالمنجنيق إذا
أمكن صلاح الحال بدون ذلك هكذا ذكر عنه في
التوضيح.
الثاني: قال سند بعد أن ذكر جواز القتال ما
نصه فإن كانت القوة والكثرة للمسلمين استحب
لهم قتالهم وإن كانت الكثرة للكفار فلا يستحب
للمسلمين فتح قتالهم إذ ربما أدى ذلك إلى وهن
على المسلمين. ثم قال وإن كان الصادون مسلمين
فهم في القتال كالكفار لأنهم ظلمة باغون. قال
الشافعي والأولى أن يتحللوا ولا يقاتلوهم ولا
يقتلوا الحجاج فيهم وإن كان الحجاج أقوى
انتهى.
الثالث: قال سند إذا بذل الحاصر الكافر الطريق
للمسلمين من غير جعل فإن وثقوا بعهودهم لم
يتحللوا وإن خافوا جاز لهم التحلل. وقال في
الحاصر المسلم إذا بذلوا التخلية من غير جعل
فإن وثق بقولهم لزم المضي في الإحرام وإن لم
يثقوا تثبتوا حتى ينظروا في ذلك.
الرابع: قال سند إن رأوا أن يقاتلوا الصادين
جاز لهم لبس الدروع والجواشن والجآذر
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب العلم باب 37, 39.
كتاب الصيد باب 8- 10 أبو داود في كتاب
الطهارة باب 109. الترمذي في كتاب الديات باب
13. كتاب الحج باب 1. النسائي في كتاب المناسك
باب 111 أحمد في مسنده 5/225.
(4/304)
وللولي منع
سفيه كزوج في تطوع وإن لم يأذن فله التحلل
وعليها القضاء
ـــــــ
وما يحتاجون إليه من ذلك وعليهم الفدية كما في
لباس المحرم ما يحتاج إليه من حر أو برد
انتهى.
الخامس: قال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب أما
حكم قتال أهل مكة إذا بغوا على أهل العدل فذهب
بعض الفقهاء إلى تحريم قتالهم مع بغيهم وأن
يضيق عليهم حتى يرجعوا عن البغي ورأوا أن أهل
مكة لا يدخلون في عموم قوله تعالى
{فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} [الحجرات: من
الآية9] والذي عليه أكثر الفقهاء أنهم يقاتلون
على بغيها إذا لم يمكن ردهم إلا بالقتال لأن
قتال البغاة حق لله تعالى فحفظ حقه في حرمه
أولى من أن يكون مضاعا فيه نقل ذلك الإمام
العلامة عبد المنعم بن الفرس في أحكام القرآن
في سورة الحجرات انتهى. ونحوه ما تقدم في كلام
ابن عرفة عن ابن العربي. وقال في التوضيح عن
الإكمال قوله صلى الله عليه وسلم "لا يحل
لأحدكم أن يحمل السلاح بمكة" 1 وهو محمول عند
أهل العلم على حمله لغير ضرورة ولا حاجة.
فإن كان خوف وحاجة إليه جاز وهو قول مالك
والشافعي وعكرمة وعطاء وكرهه الحسن وشذ من
الجماعة عكرمة فرأى عليه يحمله إذا احتاج
الفدية ولعل هذا في الدرع والمغفر وشبههما فلا
يكون خلافا. ثم قال وقول الكافة إن هذا مخصوص
بالنبي صلى الله عليه وسلم لقوله عليه الصلاة
والسلام "وإنما حلت لي ساعة من نهار" فخص بما
لم يخص به غيره. وقال القاضي في باب الجهاد
ولم يختلف في قوله صلى الله عليه وسلم إنما
كان حلالا لدخوله وعليه المغفر ولأنه كان
محاربا حاملا للسلاح هو وأصحابه. واختلفوا في
تخصيص النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ولم
يختلفوا أنه من دخلها لحرب بغاة أو بغي أنه لا
يحل له دخولها حلالا. انتهى فانظره وحكى
الخطابي أنه إنما حلل له تلك الساعة إراقة
الدم دون الصيد وغيره. انتهى كلام التوضيح.
فتحصل من هذا أن الأرجح قتال البغاة إذا كانوا
بمكة وأنه لا يحل حمل السلاح بها لغير ضرورة
وأن حمله لضرورة جائز. وقول القاضي "لم
يختلفوا أن من دخلها الحرب" الخ. لعله يريد
لحرب غير جائز وإلا تقدم أن الداخل لقتال بوجه
جائز يجوز دون دخوله بغير إحرام والله أعلم.
ص: "وللولي منع سفيه وزوج في تطوع وإن لم يأذن
فله التحليل
ـــــــ
1 رواه مسلم في كتاب الحج حديث 449, 435. أبو
داود في كتاب المناسك باب 95. أحمد في مسنده
"1/119" "3/242, 347, 393".
(4/305)
...............................
ـــــــ
وعليها القضاء" ش: وقيل لا قضاء على المرأة
وصححه شارح العمدة ونصه فإن أحرمت المرأة بغير
إذن زوجها فله أن يحللها ولا قضاء عليها على
الأصح لأنها التزمت شيئا بعينه فمنعت من
إتمامه إجبارا كالمحصر انتهى. وظاهر كلام
المصنف أن السفيه لا قضاء عليه كما صرح به في
التوضيح في آخر موانع الحج ناقلا له عن سند
وكذلك التادلي وتبعه الشارح بهرام ونص ما في
التوضيح.
فرع: من الموانع السفه. قال سند قال مالك لا
يحج السفيه إلا بإذن وليه إن رأى وليه ذلك
نظرا أذن وإلا فلا وإذا حلله وليه فلا قضاء
عليه انتهى. ونحوه لابن فرحون. وهذا مخالف
لكلام ابن رشد في البيان ونصه في أول رسم من
سماع ابن القاسم من كتاب الحج وقال مالك في
الرجل يلبي بالحج وهو مولى عليه والمرأة عند
أبيها أو عند زوجها إن ذلك من السفه ولا يجوز
ذلك ولا يمضي لمن فعله وليس على المرأة أن
تقضيه إذا هلك زوجها أو أبوها. ابن رشد معنى
هذه المسألة أنهم أحرموا من بيوتهم قبل
الميقات وقبل أشهر الحج فلذلك كان للأب والزوج
والولي أن لا يمضوا فعلهم وأن يحلوهم من
إحرامهم لأن ذلك خطأ منهم وتعد وقوله "ليس على
المرأة أن تقضي إذا هلك أبوها أو زوجها" مثل
ما في المدونة لأن معنى المسألة أنهم أحرموا
بحجة الفريضة فليس عليهم إذا قضوا حجة الفريضة
للإحرام الذي حللهم منه شيء ولو كانوا إنما
أحرموا بحج تطوع وتركوا الفريضة لوجب عليهم
قضاء الحجة التي حللوا منها بعد قضاء حجة
الفريضة على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك
خلاف قول أشهب في العبد إذا أحرم بغير إذن
سيده فحلله من إحرامه أنه لا يجب عليه قضاء
لأنه إنما حلله في حجة بعينها كمن نذر صوم يوم
بعينه فمنعه من صيامه عذر. وقال ابن المواز إن
المولى عليه والمرأة عند أبيها لا يلزمهم قضاء
الإحرام الذي حللوا منه كما لا يلزمهم العتق
إذا ولوا أنفسهم. وهذا هو مذهب أشهب الذي
ذكرته انتهى. وما نقله المصنف في التوضيح عند
سند هو كذلك إلا أنه نقل كلامه بالمعنى
(4/306)
كعبد وأثم من
لم يقبل وله مباشرتها
ـــــــ
تنبيهات: الأول: قال ابن جماعة الشافعي في
منسكه الكبير في الباب الثالث اتفق الأربعة
على أن المحجور عليه لسفه كغيره في وجوب الحج
عليه لأنه لا يدفع إليه المال بل يصحبه الولي
لينفق عليه بالمعروف أو ينفق فيما ينفق عليه
من مال السفيه انتهى كلامه.
الثاني: إنما قال المصنف في تطوع ولم يقل في
حج تطوع ليشمل الإحرام بحج التطوع والعمرة
والله أعلم. الثالث: قال في البيان في ثالث
مسألة من العتبية من سماع عيسى من كتاب الحج
إنه ليس للزوج منعها من حج الفريضة وأنه إذا
أعطته مهرها على أن يأذن لها ولم تعلم أنه
يلزمه أن يأذن لها فالمهر لازم له. وفي سماع
أصبغ من كتاب السلم أنها إذا أعطته مهرها على
أن يحجها أنه لا يجوز له فسخ دين في دين. وفي
سماع عيسى من كتاب الصدقات والهبات في رسم إن
خرجت ما يعارضه وجمع بينهما ابن رشد بأن معنى
ما في الصدقات والهبات إذا أعطته مهرها على أن
يخرج معها فكان ما بذلت له على دفع الخرج
لخروجه معها لئلا تمضي مفردة دونه لا على أن
يحملها من ماله وينفق عليها من ماله سوى
النفقة الواجبة عليه فراجع ذلك إن أردته وانظر
التوضيح والله أعلم ص: "كالعبد" ش: يعني أن
العبد إذا لم يأذن له سيده في الإحرام فله أن
يحلله ويجب عليه القضاء يعني إذا عتق أو أذن
له السيد على المشهور انتهى. وقال أشهب لا
قضاء عليه وعليه الهدي إذا حج القضاء فإن
قضاها قبل العتق بأن يكون السيد أذن له في ذلك
وللسيد منعه عن الهدي ويكون في ذمته إلى أن
يعتق وله أن يمنعه من الصوم أيضا إذا أضر به
في خدمته ويبقى ذلك في ذمة العبد. قاله سند.
وظاهره مطلقا سواء كان تطوعا أو نذرا معينا أو
مضمونا أو نوى بذلك حجة الفرض يظن أنها عليه
وكذلك ظاهر كلامه في المناسك وهو ظاهر كلام
ابن الحاجب أيضا فيكون ما ذكره في التوضيح عن
اللخمي من التفصيل بين أن يكون أحرم بتطوع أو
نذر معين فلا يلزمه قضاء أو أحرم بنذر مضمون
أو بحجة الفرض فظن أن ذلك عليه فيلزمه القضاء
مقابل المشهور وهو ظاهر كلام ابن فرحون في
شرحه فإنه بعد أن ذكر القول الأول بلزوم
القضاء قال وقال ابن المواز لا قضاء عليه. وفي
التبصرة وذكر كلام اللخمي المتقدم والله أعلم.
(4/307)
كفريضة قبل
الميقات وإلا فلا إن دخل وللمشتري إن لم يعلم
رده لا تحليله
ـــــــ
فرع: قال في التوضيح عن اللخمي واختلف هل
للسيد أن يرد عقده للنذر فأجاب ذلك ابن القاسم
ومنعه أشهب وهو أحسن لأن العقد لا يضر السيد
ما دام في ملكه ولا ينقص من ثمنه إذا باعه
انتهى. ونقله ابن عرفة هنا وأشار إليه في باب
النذر وقد نقلت كلامه هنا والله أعلم.
فرع: وإذا أذن له سيده في الإحرام فأحرم وكان
لا يستطيع المسير فهل يلزم سيده أن يكري له
الظاهر أنه يلزمه ذلك لأنه هو الذي ورطه بإذنه
كما قالوا إذا وطىء الزوجة أو الأمة مكرهة أنه
يجب عليه إحجاجها قابلا لأنه ورطها في وجوب
القضاء.
تنبيه: قال سند وحكم المدبر وأم الولد في جميع
ما ذكرناه حكم القن وكذلك حكم المعتق بعضه
وأما المكاتب فله أن يسافر فيما لا يضر بسيده
وإن اعتكف بغير إذنه فيجري ذلك على اعتبار
لحوق الضرورة انتهى.
فرع: قال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب قال في
التقريب على التهذيب ولا يكون التحليل بإلباسه
المخيط ولكن بالإشهاد على أنه حلله من هذا
الإحرام وليس للعبد أن يمتنع من التحليل بل
يجوز له ذلك فيتحلل بنية وبحلاق رأسه انتهى.
ص: "كفريضة قبل الميقات" ش: يعني سواء كان ذلك
الميقات زمانيا أو مكانيا لأنه مسقطة حقه. قال
ابن عبد السلام. ص: "وإلا فلا إن دخل" ش: يشير
إلى أن العبد إذا أذن له سيده في الإحرام ثم
بدا له فليس له منعه إن دخل في الإحرام وأما
إذا بدا له أن يمنعه قبل أن يحرم فقال اللخمي
له ذلك عند مالك قال وليس بالبين. وقال صاحب
الطراز ظاهر الكتاب أن ذلك حق وجب للعبد على
السيد يقضي له به انتهى. واعتمد المصنف على ما
نقله اللخمي عن مالك.
فرع: إذا قلنا يمنعه فرجع السيد ثم أحرم العبد
ولم يعلم رجوعه هل يملك إحلاله قال سند يخرج
على القولين بناء على أن الموكل إذا عزل
الوكيل فتصرف الوكيل قبل علمه انتهى والله
أعلم. ص: "وللمشتري رده إن لم يعلم رده لا
تحليله" ش: يؤخذ منه جواز بيع العبد المحرم
وقد نص على جوازه في المدونة ونقله عنها
المصنف وغيره إلا أنه يجب على البائع أن
(4/308)
وإن أذن فأفسده
لم يلزمه إذن للقضاء على الأصح وما لزمه عن
خطأ أو ضرورة فإن أذن له السيد في الإخراج
وإلا صام بلا منع وإن تعمد فله منعه إن أضر به
في عمله
ـــــــ
يبين أنه محرم إن علم بإحرامه لجعلهم ذلك عيبا
يجب به الرد ونص عليه أبو محمد في مختصر
المدونة فقال وله بيع عبده وأمته وهما محرمان
ويبين ذلك انتهى. فإذا جاز بيعه وبين المشتري
أنه محرم أو أثبت أنه علم بذلك فليس له تحليله
ولا رده كما يؤخذ من كلام المصنف ولكن له رده
على البائع فإذا رده على البائع فإن كان باعه
عالما بإحرامه فليس له تحليله وإن باعه ولم
يعلم بإحرامه قال في التوضيح تبعا لابن عبد
السلام إنه ينبغي أن يكون له تحليله كما قال
إذا تزوج العبد بغير إذن سيده انتهى. وقد صرح
به القاضي سند في هذا الباب والله أعلم.
تنبيه: ما ذكره المصنف من أن للمشتري رده مقيد
بما إذا لم يقرب الإحلال. قاله في المدونة
ونقله ابن الحاجب والله أعلم. ص: "وإن أذن
فأفسد لم يلزمه إذن للقضاء على الأصح" ش:
الأصح قال فيه سند هو الأظهر ومثل ذلك إذا
أحرم بغير إذنه وأمضاه سيده فأفسده لم يلزمه
إذن للقضاء. قاله سند انتهى.
فرع: قال سند فلو أذن له ففاته الحج فقال في
الموازية عليه القضاء إذا عتق. وعلى قول أصبغ
له أن يقضي قبل العتق كما لو أفسد والأول أبين
انتهى. ونقل كلام الموازية في التوضيح
والمناسك واقتصر عليه.
فرع: قال سند إثر مسألة ما إذا أذن له ففات
فإن أراد لما فاته أن يعتمر ليحل وأراد سيده
منعه وإحلاله مكانه فقال أشهب في الموازية إن
كان قريبا فلا يمنعه وإن كان بعيدا فله أن
يمنعه. فإما أن يبقيه إلى قابل على إحرامه
وإما أن يأذن له في فسخه في عمرة انتهى. ونقله
ابن عبد السلام مع الفرع: الأول وفرق بينهما
في التوضيح فساق هذا الفرع: محله فصار مشكلا
والله أعلم.
(4/309)
|