مواهب الجليل لشرح مختصر الخليل ط عالم الكتب

كتاب الذكاة
...
باب الذكاة
الذكاة قطع مميز يناكح تمام الحلقوم والودجين من المقدم بلا رفع قبل التمام
ـــــــ
باب الذكاة
ص: "قطع مميز يناكح تمام الحلقوم والودجين من المقدم بلا رفع قبل التمام" ش: هذا هو الربع الثاني من المختصر وافتتحه بكتاب الذكاة ثم بكتاب الضحايا لأنهما كالتتمة لكتاب الحج لأن المحرم يطلب بذبح الهدي أو نحره إما وجوبا أو سنة فيحتاج إلى معرفة كيفية الذكاة،

(4/310)


وفي النحر طعن بلبة
ـــــــ
ولأن المصنف أحال عيوب الهدي وسنه على الضحايا وهذا الكتاب يسمى كتاب الذكاة ويسمى كتاب الذبائح والذكاة والتذكية لغة الذبح. وقال الهروي التذكية في اللغة أصلها التمام. فمعنى ذكيت الذبيحة أتممت ذبحها وذكيت النار أتممت إيقادها ورجل ذكي تام الفهم. وفي الشرع ذكر الجزولي عند قول صاحب الرسالة والذكاة يقطع الحلقوم والأوداج ما نصه الكلام في ذلك في فصول الأول في الذكاة في اللغة. الثاني في الشرع. فذكر الفصل الأول في معناها في اللغة ثم قال وفي الشرع قال ابن وضاح هو السبب الذي يتوصل به إلى إباحة ما يؤكل لحمه من الحيوان انتهى. ونقله الشيخ يوسف بن عمر والله أعلم. والذبائح جمع ذبيحة والذبيح المذبوح والأنثى ذبيحة. وثبتت التاء لغلبة الاسمية وجمعت بحسب اختلاف الأنواع. والذبح بكسر الذال المعجمة ما يذبح وبالفتح الشق ومصدر ذبحت الشاة. وفي الشرع شق خاص فيحتمل أن يكون من التواطؤ أو من باب الاشتراك. وقال ابن عرفة الذبائح لقب لما يحرم بعض أفراده من الحيوان لعدم ذكاته أو سلبها عنه وما يباح بها مقدورا عليه. فيخرج الصيد يعني بقوله مقدورا عليه. قال في اللباب وحكم الذبح الجواز وهو سبب في طهارة المذبوح وفي جواز أكله ما لم يكن من المحرمات.
قلت: وقد يعرض له الوجوب كما في الهدي والفداء وكما إذا خيف على الحيوان الموت والاستحباب كالأضحية والعقيقة والحرمة كالذبح لغير الله وذبح مال الغير.

(4/311)


...............................
ـــــــ
تنبيه: قال ابن الحاجب والإجماع على إباحة المذكى المأكول فقال المصنف والمراد بالمأكول المباح فيصير تقدير كلامه وإباحة المذكى المباح وذلك غير سديد انتهى. وسبقه إلى ذلك ابن عبد السلام. وقال ابن عرفة الحيوان المأكول ذو النفس السائلة إن ذكي أو كان بحريا غير خنزير وطافيه حلال وغيره ميتة حرام لغير مضطر إجماعا فيهما غير الأخيرين وذي نفس غير سائلة. وقول ابن عبد السلام مرادهم بالمأكول ما أبيح أكله فقول ابن الحاجب أجمعوا على إباحة المذكى المأكول غير سديد لأن تقديره أجمعوا على إباحة أكل المذكى المباح الأكل يرد بأن مرادهم به ما أبيح أكله بتقدير ذكاته لأنهم يطلقونه عليه حيا. وجواب ابن هارون بأن مراده ذكر الإجماع على إعمال الذكاة يرد بأنه وإن سلم على بعده لا يرفع ما ادعى من قبح تركيب كلامه انتهى. وقوله لأنهم يطلقونه عليه حيا أي يطلقون المباح على الحيوان حالة كونه حيا والله أعلم. وحكمة مشروعيته إزهاق الروح بسرعة واستخراج الفضلات ولما قضى الله على خلقه بالفناء وشرف بني آدم بالعقل أباح لهم أكل الحيوان قوة لأجسامهم وتصفية لمرآة عقولهم وليستدلوا بطيب لحمها على كمال قدرته وليتنبهوا على أن للمولى بهم عناية إذ آثرهم بالحياة على غيرهم. قاله في التوضيح.
وأركان الذكاة أربعة الذابح والمذبوح والمذبوح به والصفة والله أعلم. وجعل المصنف الذكاة ثلاثة أنواع ذبح ونحر وعقر. فالذبح والنحر للحيوان أن المتأنس والعقر للمتوحش. وقال في الذخيرة هي خمسة أنواع العقر في الصيد البري ذي الدم وتأثير الإنسان في الجملة بالرمي في الماء أو قطع الرؤوس والأرجل أو الأجنحة في الجراد ونحوه من غير ذي الدم. وذبح في الغنم ونحر في ذي النحر وتخيير في البقر مع أفضلية الذبح. وبدأ المصنف بالكلام على النوع الأول أعني الذبح مشيرا إلى شروط الذابح فقال الذكاة قطع مميز يناكح يعني أنه يشترط في الذبح شرطان الأول أن يكون مميزا فلا تصح ذكاة غير المميز من صبي أو مجنون أو سكران. قال في التوضيح لافتقار الذكاة إلى نية بإجماع والنية لا تصح منهم فلا تصح ذكاتهم انتهى. وقال ابن رشد لأن شرط التذكية النية وهو القصد إلى الذكاة وهي لا تصح ممن لا يعقل. وقال ابن عبد السلام ومن كتاب ابن المواز وغيره ولا تؤكل ذبيحة من لا يعقل من مجنون أو سكران وإن أصابا لعدم القصد. واعلم أنه لا بد في الذكاة من النية وحكى بعضهم الإجماع على ذلك فلذلك لم تصح ذكاة المجنون والسكران. وهذا إذا كان الجنون مطبقا وكذلك السكران وأما لو ذكى المجنون في حال إفاقته أو كان ممن يفيق فإنها تؤكل وإن كان السكران يخطىء ويصيب فأشار بعض الشيوخ إلى أنه يختلف في تذكيته انتهى. وجعل صاحب البيان السكران الذي يخطىء ويصيب ممن يكره ذبحه وتبعه في الشامل. الشرط الثاني أن يكون يناكح بفتح الكاف أي يجوز للمسلم أن يتزوج منهم فيشمل كلامه الكتابي. وفي المدونة في كتاب الذبائح تجوز ذبيحته ذميا كان أو حربيا ونصها وذبيحة

(4/312)


...............................
ـــــــ
الحربيين ومن عندنا من أهل الذمة سواء واحترز به ممن لا تجوز مناكحته كالمجوسي والمرتد والزنديق والصابىء. والصابئة طائفة بين النصراينة والمجوسية يعتقدون تأثير النجوم وأنها فعالة. وقال مجاهد هم بين النصرانية واليهودية. وعن قتادة إنهم يعبدون الملائكة ويصلون للشمس كل يوم خمس مرات ولا فرق في المرتد بين أن يكون ارتد إلى دين أهل الكتاب أو إلى غيره. قاله في المدونة خلافا للخمي في قوله ينبغي أن تصح ذكاته إذا ارتد إلى دين أهل الكتاب لأنه صار من أهل الكتاب. وعلم من كلام المصنف جواز ذبح الصغير المميز والمرأة من غير كراهة لأنه لم يذكرهما مع من يكره ذبحه وهو المشهور ومذهب المدونة. وفي الموازية كراهية ذبحهما وعليه اقتصر ابن رشد في البيان في سماع أشهب. وقال قبله في آخر سماع ابن القاسم ويجوز ذبح من لم يبلغ من الرجال والنساء الأحرار والعبيد لأنه النية تصح من جميعهم وهي القصد إلى الذكاة انتهى. وقال في التوضيح ظاهر كلام ابن الحاجب أن في صحة ذكاتهما قولين والقول بعدم الصحة غير معلوم في المذهب والذي حكاه غير واحد أن الخلاف إنما هو في الكراهة. وقال ابن بشير في المذهب رواية بعدم الصحة وهي محمولة على الكراهة. وعن مالك تذبح المرأة أضحيتها ولا يذبح الصبي أضحيته فرأى بعضهم أن هذا يدل على أن ذبيحة الصبي أشد كراهة والمعروف أن الخلاف مع عدم الضرورة وأما مع الضرورة فتصح من غيركراهة وحكى اللخمي قولا بالكراهة مطلقا وإن كان من ضرورة.
فرع: تجوز ذبيحة العبد ولا خلاف في ذلك إلا ما حكى عن عبد الله بن عمر من عدم جواز ذبح العبد الآبق.
فرع: وتجوز ذبيحة الأقلف وهو الذي لم يختتن وحكى في البيان كراهة ذكاته وتبعه في الشامل.
فرع: قال في الذخيرة وتؤكل ذبيحة الأخرس انتهى. وقال في الشامل تصح من الأخرس والجنب والحائض انتهى. وروي عن عكرمة وقتادة أنهما قالا يذبح الجنب وإن توضأ. وقال ابن رشد في رسم الجنائز والصيد من سماع أشهب وتجوز ذبيحة الجنب والحائض والأغلف والمسخوط في دينه وإن كان الأولى في ذلك الكمال والدين والطهارة فقد كان الناس يبتغون لذبائحهم أهل الفضل والإصابة انتهى. وقوله "تمام الحلقوم والودجين" يعني أن الذكاة الكاملة على المعروف من المذهب تحصل بقطع جميع الحلقوم وجميع الودجين. والحلقوم بضم الحاء المهملة والقاف وسكون اللام بينهما. قال في التوضيح القصبة التي هي مجرى النفس. وقال البساطي هو عرق واصل بين الدماغ والرئة والفم والأنف يجتلب به الهواء الرطب ويدفع به الهواء الحار كالمروحة للقلب والودجين تثنية ودج بفتح الواو وفتح الدال المهملة وهما عرقان في صفحتي العنق قال البساطي يتصل بهما أكثر عروق الكبد ويتصلان

(4/313)


................................
ـــــــ
بالدماغ. وفسر النووي في تهذيبه الودجين بالحلقوم والمريء بفتح الميم وكسر الراء وآخره همزة وقد يشدد آخره ولا يهمز. قال في التنبيهات: مبلغ الطعام والشراب وهو البلعوم. ولا خلاف في حصول الذكاة بقطع الحلقوم والودجين والمريء. وحكى عياض الإجماع على ذلك فإن قطع الحلقوم والودجين دون المريء فالمشهور صحة الذكاة وروى أبو تمام أنها لا تصح إلا بقطعه وعزا ابن زرقون هذا القول لأبي تمام لا لروايته وعزاه عياض لرواية العراقيين. الباجي لا أعلم من اعتبره غير الشافعي فإن قطع الحلقوم وحده أو مع المريء أو لم يقطع من الودجين شيئا لم تؤكل. وقال ابن عبد السلام خلافا للشافعي في نقل بعضهم والصحيح أنها لا تؤكل انتهى. ولم أر في هذا خلافا في المذهب وإن قطع الودجين وترك الحلقوم لم تؤكل على المنصوص. وأخذ اللخمي وابن رشد عدم اشتراط الحلقوم من مسألة الصيد يفري أوداجه وقول مالك فيها قد تمت ذكاته وقوله في المبسوط إذا ذبح ذبيحة فقطع أوداجها ثم وقعت في ماء لا بأس بأكلها وأخذه اللخمي من القول بجواز أكل المغلصمة لأن آخر الحلقوم الغلصمة. ورد عياض الأخذ من الأول بأن ذبح الصيد المنفوذ مقتله إنما هو لسرعة موته وخروج دمه لا لذكاته وقطع الحلقوم لا يجزئه ورده مع الثاني أيضا بأن قطع الودجين معا مستلزم لقطع الحلقوم لبروزه عنهما ورد ابن عبد السلام الثالث بأن قطع ما فوق الجوزة يتنزل منزلة الحلقوم ورده ابن عرفة بذلك أيضا ولم يعزه لابن عبد السلام. وعلى القول المنصوص فلو قطع نصف الحلقوم أو ثلثيه مع قطع الودجين بكمالهما فنقل الشيخ ابن أبي زيد عن ابن حبيب أنه إن قطع الأوداج ونصف الحلقوم فأكثر اختلفا وإن قطع أقل لم تؤكل. روى يحيى مثله عن ابن القاسم في الدجاجة والعصفور. وقال سحنون لا يجوز حتى يقطع جميع الحلقوم والأوداج. قال ابن عبد السلام فابن القاسم وابن حبيب متفقان على أن بقاء النصف مغتفر. وقال سحنون لا يغتفر منه شيء ثم قال والأقرب عندي اغتفار ذلك انتهى. وقال في التوضيح بعد أن ذكر هذه المسألة ومسألة قطع أحد الودجين أو قطع بعض كل منهما ومقتضى الرسالة عدم الأكل في هذه المسائل كلها لقوله والذكاة قطع الحلقوم والأوداج لا يجزئ أقل من ذلك قيل وهو المشهور انتهى.
قلت: فصدر المصنف هنا بمذهب الرسالة الذي قيل إنه المشهور أشار إلى القول الثاني بقوله وشهر أيضا الاكتفاء بنصف الحلقوم والودجين كما سيأتي بيانه الله أعلم وقوله من المقدم جعل الشارح بهرام الذكاة قطع الحلقوم والأوداج فقط ومن شرطها أن تكون من المقدم وجعل البساطي حقيقة الذكاة قطع الحلقوم والأوداج من المقدم فعلى ما قاله البساطي يكون قوله من المقدم من حقيقة الذكاة وهو معنى قول المصنف ولو نوى الذكاة وهذا الذي قاله هو ظاهر كلام ابن عبد السلام بل صريحه ونصه عند قول ابن الحاجب ولو ذبح من العنق أو القفا لم تؤكل ولو نوى الذكاة معنى قول المصنف ولو نوى الذكاة أي لا تنفعه النية إذا ذبح من القفا أو من العنق لأن الذكاة مركبة من الفعل المخصوص مع نية الذكاة فلا تجزئ

(4/314)


................................
ـــــــ
النية عند انفرادها كما لا يجزئ ذلك الفعل وحده إذا عزا عن النية وكذا إذا ذبح من القفا في ظلام وظن أنه أصاب وجه الذبح ثم تبين له خلاف ذلك نص عليه في النوادر وذهب جماعة من أهل العلم خارج المذهب إلى إباحة أكل ما ذبح من القفا انتهى. وقال قبله قال في العتبية من رواية أشهب لا يؤكل ما ذبح من القفا فأما لو ذهب يذبح فأخطأفانحرف فإنها تؤكل. ونقله في التوضيح ونصه إثر قول ابن الحاجب المتقدم وعدم الأكل فيهما إذ لا يصل إلى محل الذبح إلا بعد أن ينخعها وكذلك لو ذبح من القفا في ظلام وظن أنه أصاب وجه الذبح ثم تبين له خلاف ذلك نص عليه في النوادر. محمد وأما إن أراد أن يذبح في الحلقوم فأخطأ فانحرف فإنها تؤكل انتهى والله أعلم. وقوله بلا رفع قبل التمام ظاهر كلامه أنه إن رفع قبل التمام لا تؤكل مطلقا سواء كان قريبا أو بعيدا تعيش الذبيحة لو تركت أو لا تعيش عمدا أو تفريطا أو غلبة. أما إن طال وكانت لو تركت لم تعش وكان بتعمد أو تفريط فلا خلاف في أنها لا تؤكل وأما إن لم يطل وكانت لو تركت لم تعش ففيها خمسة أقوال أحدها ظاهر كلام الشيخ أنها لا تؤكل وظاهره أيضا سواء كان ذلك أيضا بغلبة أو تفريط أو تعمد وأما إن كانت لو تركت لعاشت فإنها تؤكل ولو طال وهذه ذكاة جديدة. هكذا قيد به المصنف المسألة في التوضيح وعزاه لابن القصار وليس في المختصر ما يدل عليه ونقل ابن عرفة التقييد عن عبد الحق والقابسي. والحاصل أنها لو كانت تعيش لو تركت فلا حرج كما تقدم ويجري على هذه المسألة وهو ما يفعله بعض أهل البر من أنهم يشقون جلد الشاة قبل ذبحها من تحت جنبها طولا ويدخلون السكين تحت الجلد ويذبحونها ليشقوا جلدها كله مع جلد رأسها طولا. هكذا سمعت من بعضهم وذكروا أنها لو تركت بعد الشق لعاشت وبه أفتى بعض المالكية الموجودين والله أعلم. وإن كانت لا تعيش وعاد بعد البعد فلا خلاف في عدم الأكل وإن عاد بالقرب ففيها خمسة أقوال أحدها ظاهر كلام المصنف أنها لا تؤكل.
وهاهنا فروع: قال ابن عرفة قال التونسي انظر لو غلبته قبل تمام الذكاة فقامت ثم أضجعها وأتم الذكاة وكان أمرا قريبا هل تؤكل على ما مر قلت: قال أبو حفص العطار تؤكل ولم يقيده بقرب ونزلت أيام قضاء ابن قداح في ثور وحكم بأكله وبيان بائعه ذلك وكانت مسافة هروبه نحوا من ثلاثمائة باع الصقلي عن سحنون لو قطع الحلقوم وعسر مر السكين على الودجين لعدم حدها فقلبها وقطع بها الأوداج من داخل لم تؤكل. قلت: انظر لو كانت حادة والأحوط لا تؤكل انتهى فتأمله. وقال في التوضيح وعن أبي محمد صالح أنه قال إن سقطت السكين من يد الذابح أو رفعها قهرا أو خائفا ثم أعاد فإنها تؤكل. وقال ولا إشكال في عدم الأكل إذا عاد بعد البعد إذا كان ذلك عمدا أو بتفريط. ابن عبد السلام وأما إن كان عن غلبة وكثيرا ما يجري في البقر فينبغي أن يجري الكلام فيها على عجز ماء المتطهر

(4/315)


وشهر أيضا الاكتفاء بنصف الحلقوم والودجين
ـــــــ
انتهى. ص: "وشهر أيضا الاكتفاء بنصف الحلقوم والودجين" ش: حمل الشارحان كلامه على مسألتين الأولى الاكتفاء بنصف الحلقوم مع تمام الودجين وجعلا هذا هو المراد بقوله بنصف الحلقوم وقدرا له الودجين بقرينة أنه لا يمكن أن يترك الودجين ونصف الحلقوم وتؤكل. والثانية أن يقطع الحلقوم كله ونصف الودجين وجعلا هذا هو المراد بقوله والودجين وجعله الشارح في الكبير والوسط محتملا لمعنيين أيضا أحدهما أن يقطع من كل واحد من الودجين النصف فقط والثاني أن يقطع واحدا منهما ويترك الآخر. وحكى في الأول قولين عدم الإجزاء وعزاه لعبد الوهاب والثاني لتبصرة ابن محرز إن بقي اليسير لم يحرم وحكى في الثاني روايتين بالأكل وعدمه. قال ورواية عدم الأكل قيل هي الأقرب لعدم إنهار الدم وما ذكره الشيخ بهرام من احتمال قول المصنف والودجين للمعنيين المذكورين هو ظاهر كلام البساطي أيضا. وقال في آخر كلامه ومع هذا كله لم نر من شهرهذا. وقول الشيخ بهرام في المعنى الثاني وهو ما إذا قطع واحدا منهما وترك الآخر أن الأقرب من الروايتين عدم الأكل كذا هو في التوضيح إلا أنه قال أيضا في مسألة ما إذا قطع من كل واحد من الودجين النصف أن الأقرب الأكل ولم يذكره الشيخ بهرام. ونص كلام التوضيح ثم قول ابن الحاجب وإن ترك الأقل فقولان يحتمل أن يريد بالأقل أحد الودجين أي اختلف إذا قطع الحلقوم وودجا وترك ودجا والقولان روايتان ويحتمل أن يريد به إذا حصل القطع في كل ودج وبقي منهما أو من أحدهما يسير وفي ذلك قولان للمتأخرين المنع لعبد الوهاب والإباحة نقلها بعضهم عن ابن محرز. والذي في تبصرته إن بقي اليسير من الحلقوم أو من الأوداج لم يحرم والأقرب في الوجه الأول عدم الأكل لعدم إنهار الدم والأكل في الثاني. وأصل هذا الكلام لابن عبد السلام ونص كلامه أثر قول ابن الحاجب أيضا وإن ترك الأقل فقولان يحتمل أن يريد بالأقل

(4/316)


وإن سامريا أو مجوسيا تنصر وذبح لنفسه مستحله
ـــــــ
هنا أحد الودجين فتكون المسألة مفروضة في قطع الحلقوم مع أحد الودجين وفيه روايتان عن مالك ويحتمل أن يريد بالأقل إذا حصل القطع في كل واحد من الودجين لكنه لم يستوعبها بذلك بل بقي منهما أو من أحدهما شيء يسير وفي ذلك قولان للمتأخرين المنع نص عليه القاضي عبد الوهاب وأومأ إليه غيره والإباحة حكاها بعض المؤلفين عن ابن محرز. والذي في تبصرة ابن محرز ولم تحرم ذبيحته وذلك يحتمل الكراهة. والاحتمال الثاني أقرب إلى مراد المؤلف والأشبه أنها لا تؤكل على الاحتمال الأول لعدم إنهار الدم المقصود وإنما تؤكل على الاحتمال الثاني لأن الدم يستوي خروجه إذا استوعبهما بالقطع وإذا قطع كل واحد منهما ولم يستوعبهما انتهى. وجعل ابن غازي هذا الكلام كله مسألة واحدة وهي المسألة الأولى أعني مسألة قطع نصف الحلقوم مع تمام الودجين وجعل الودجين معطوفين على لفظ نصف هذا ونقل عن الشيخ في التوضيح أنه قال قيل وهو المشهور ولم يقل الشيخ في هذا القول بخصوصه وإنما قاله في مقتضى كلام الرسالة كما تقدم لفظه ويظهر ذلك لمن تأمله والله أعلم . ص: "وإن سامريا" ش: السامرية صنف من اليهود ينكرون البعث نقله ابن عرفة. ص: "أو مجوسيا تنصر" ش:
فرع: قال في المدونة وتؤكل ذبيحة الغلام أبوه نصراني وأمه مجوسية لأنه تبع لدين أبيه إلا أن يكون قد تمجس وتركه أبوه. قال ابن ناجي قال المغربي ولا يناقض هذا ما تقدم في الحرة يسبيها العدو فتلد منهم أن أولادها الصغار تبع لها في الدين إذ ليس هنا أب حقيقة انتهى. ص: "مستحله" ش:

(4/317)


وإن أكل الميتة إ ن لم يغب لا صبي ارتد وذبح لصنم أو غير حل له إن ثبت بشرعنا وإلا كره كجزارته وبيع وإجارة لعبده
ـــــــ
بفتح الحاء أي ما يستحله. ص: "وإن أكل ميتة" ش: قال ابن ناجي في شرح الرسالة واختلف المذهب إذا كان يسل عنق الدجاجة فالمشهور لا تؤكل. وأجاز ابن العربي أكلها ولو رأيناه يسل عنقها لأنه من طعامهم. قال ابن عبد السلام وهو بعيد وبحث ابن عرفةمع ابن عبد السلام في ذلك فراجعه إن أردته والله أعلم. ص: "إن ثبت بشرعنا" ش: كذي ظفر. قال ابن عرفة عن الباجي هي الإبل وحمر الوحش والنعام والأوز وما ليس بمشقوق الخف ولا منفرج القائمة انتهى. وفي تفسير سيدي عبد الرحمن الثعالبي في تفسير قوله تعالى {كُلَّ ذِي ظُفُر} [الأنعام: من الآية146] يريد به الإبل والنعام والأوز ونحوه من الحيوان الذي هو غير منفرج الأصابع وله ظفر. وقال في الشحوم وهي الثروب وشحم الكلى وما كان شحمها خالصا خارجا عن الاستثناء الذي في الآية في قوله {إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا} [الأنعام: من الآية146] قال يريد ما اختلط باللحم في الظهر والأجناب ونحوه. قال السدي الأليات مما حملت ظهورهما والحوايا ما تحوي في البطن واستدار وهي المصارين والحشوة ونحوها وقال ابن عبدوس وغيره هي المباعر أو ما اختلط بعظم يريد في سائر الشخص. انتهى ونحوه في ابن عرفة عن ابن حبيب. ص: "وإلا كره" ش: كالطريفة. قال ابن عرفة هي فاسد ذبيحة اليهود لأجل الرئة انتهى. ص: "كجزارته" ش: بكسر الجيم كذا ضبطه ابن حجر في مقدمة فتح

(4/318)


وشراء ذبحه وتسلف ثمن خمر وبيع به لا أخذه قضاء وشحم يهودي وذبح لصليب أو عيسى وقبول متصدق به لذلك وذكاة خنثى وخصي وفاسق وفي ذبح كتابي لمسلم قولان
ـــــــ
الباري. ويفهم من كلام القاموس أيضا والجزارة بالضم أطراف البعير يداه ورجلاه ورأسه. قاله في الصحاح ولم أر من ذكر الجزارة بفتح الجيم والله أعلم. ص: "وذبح لصليب أو عيسى" ش: وكذا ما ذبح لعيده أو لكنيسته أو لجبريل. قال في التوضيح عن ابن المواز كرهه مالك لأنه خاف أن يكون داخلا في عموم قوله {أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّه} [البقرة: من الآية173] ولم يحرمه لعموم قوله {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: من الآية5] وأما الذبح للأصنام فلا خلاف في تحريمه لأنه مما أهل به لغير الله انتهى.

(4/319)


وجرح مسلم مميز
ـــــــ
فرع: قال ابن عرفة ابن حبيب عن ابن شهاب لا ينبغي الذبح لعوامر الجان لنهيه صلى الله عليه وسلم عن الذبح للجان. قلت: إن قصد به اختصاصها بانتفاعها بالمذبوح كره فإن قصد التقرب به إليها حرم انتهى. وهذا والله أعلم هو الفرق بين ما ذبح للأصنام وما ذبح لعيسى لأن ما يذبحونه للأصنام يقصدودن به التقرب إليها وما ذبح لعيسى أو لصليب أو نحوهما إنما يقصدون به انتفاعها بذلك والله أعلم. ص: "وجرح مسلم مميز" ش: قوله وجرح بفتح الجيم مصدر. قال في القاموس وإذا كان اسما كان بضم الجيم.
تنبيه: كل ما ذكر من شروط الصيد إنما يشترط في صيد البر إذا عقرته الجوارح أو السلاح أو أنفذت مقاتله فأما إن أدرك البري حيا غير منفوذ المقاتل ذكي. وإنما يشترط فيه ما يشترط في الذكاة. وإن كان الصيد بحريا فلا يشترط فيه شيء بل يجوز مطلقا. سواء صاده مسلم أو كافر على أي وجه كان. قاله في القوانين. واحترز المصنف بقوله مسلم من الكافر فلا يصح صيده. ففي المدونة ويؤكل ما ذبحه أهل الكتاب ولا يؤكل ما صادوه لقوله تعالى {تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} [المائدة: من الآية94] ويؤكل ما صاده المجوسي من صيد البحر دون ما صاده من البر إلا أن تدرك ذكاته قبل أن ينفذ المجوسي مقاتله انتهى. وفيها أيضا ولا تؤكل ذبيحة المرتد ولا صيده انتهى. وفي التوضيح المشهور منع صيد الكتابي. وقال ابن هارون وأشهب بإباحته واختاره ابن يونس والباجي واللخمي لأنه من طعامهم ولمالك في الموازية كراهته. ابن بشير ويمكن حمل المدونة على الكراهة ولا يصح من المجوسي باتفاق ولا يؤكل صيد الصابىء ولا ذبيحته انتهى بالمعنى. واحترز بالمميز من المجنون والسكران والصبي وغير المميز والمشهور أن المرأة والمميز كالبالغ وكرهه أبو مصعب انتهى من التوضيح.
فرع: قال ابن عرفة ابن حبيب أكره صيد الجاهل لحدود الصيد غير متحر صوابه

(4/320)


وحشيا وإن تأنس عجز عنه إلا بعسر
ـــــــ
انتهى. وانظر صيد الخنثى والخصي والفاسق ومن تكره ذكاته هل يكره صيده وهو الظاهر والله أعلم. ص: "وحشيا وإن تأنس" ش: يعني بقوله "وإن تأنس" أن الوحش إذا تأنس ثم توحش فإنه يرجع إلى أصله ويؤكل بالعقر. قال في المدونة وما دجن من الوحش ثم ند واستوحش أكل بما يؤكل به الصيد من الرمي وغيره ثم قال والأنسية لا تؤكل بما يؤكل به الوحش من العقر والرمي انتهى. ص: "عجز عنه إلا بعسر" ش: يعني أن من شرط أكل المتوحش بالصيد أن يكون معجوزا عنه. قال ابن الحاجب الصيد الوحش المعجوز عنه المأكول ثم قال ولو صار المتوحش متأنسا فالذكاة وكذا لو انحصر وأمكن بغير مشقة. قال في التوضيح أي وكذلك إذا انحصر الصيد المتوحش وأمكن أخذه بغير مشقة فإنه لا يؤكل إلا بذكاة الأنسي. وفهم من قوله بغير مشقة أنه لو أمكن أخذه بمشقة جاز صيده وهو كقول أصبغ فيمن أرسل على وكر في شاهق جبل أو في شجرة وكان لا يصل إلا بأمر يخاف منه العطب جاز أكله بالصيد ومن النوادر وإذا طردت الكلاب الصيد حتى وقع في حفرة لا مخرج له منها أو انكسرت رجله منها فتمادت الكلاب فقتلته فلا يؤكل لأنه كسير. محمد وهذا إذا كان لو تركته الكلاب قدر ربها على أخذه بيده ولو لجأ إلى غار لا منفذ له أو غيضة فدخلت إليه الكلاب فقتلته لأكل ولو لجأ إلى جزيرة أحاط بها البحر فأطلق عليه كلابه أو تمادت فقتلته فأما الجزيرة الصغيرة التي لو اجتهد طالبه لأخذه بيده ولا يكون له في

(4/321)


لا نعم شرد أو تردى بكوة بسلاح محدد وحيوان علم
ـــــــ
الماء نجاة فلا يؤكل وإن كان له في الماء نجاة أو كانت جزيرة كبيرة يجد الصيد الروغان فيها حتى يعجز طالبه عن رجله أو على فرس أن يصل إليه بيده إلا بسهم أو كلب فإنه يؤكل بالصيد انتهى. ص: "بسلاح محدد" ش: قوله "محدد" خرج به نحو البندق وذكره في التوضيح وغيره. قال في كتاب الصيد من المدونة وما أصيب بحجر أو بندقة فخرق أو بضع أو بلغ المقاتل لم يؤكل وليس ذلك بخرق وإنما هو رض انتهى. وقال في الجلاب ولا يؤكل ما رمي بالبندق إلا أن يذكى فإن مات قبل ذكاته لم يجز أكله. قال القرافي في شرحه لهذا الكلام قلت: ظاهر مذهبنا ومذهب الشافعي تحريم الرمي بالبندق وبكل ما شأنه أن لا يجرح لنهيه صلى الله عليه وسلم عن الحذف وقال إنه لا يصاد به الصيد ولا يكاد به العدو وإنما يفقأ العين ويكسر السن إلا أن يرمى به ما يباح قتله كالعدو والثعبان ونحوه انتهى. ثم قال في الجلاب من رمى صيدا بحجر له حد فجرحه جاز أكله ولو لم يجرحه ولكن رضه أو دقه لم يجز أكله إلا أن يذكيه انتهى. ص: "وحيوان علم" ش: قال في المدونة والمعلم من كلب أو بازي هو الذي إذا زجر انزجر وإذا أرسل أطاع. ثم قال إذا علمت فهي كالكلب. قلت: فجميع سباع الطير إذا علمت أهي بمنزلة البزاة قال لا أدري ما مسألتك ولكن ما علم من البزاة والعقبان والزمامجة والشدانقات والسفاة والصقور وشبهها لا بأس بها عند مالك انتهى. قال عياض البازي بياء بعد الزاي وحكى بعضهم باز بغير ياء.
تنبيه: قال في العارضة قال من لا يعلم إذا صاد بكلب أسود لم يؤكل ولعله لقوله صلى الله عليه وسلم "الكلب الأسود شيطان" وصيد الشيطان لا يؤكل لأنه لا يسمي الله وهذه سخافة لو سخر لك الشيطان وصدت به وسميت الله لجاز أكله. فأما أن يكون الكلب الأسود شيطانا وسخر لك وانطاع فأنت إذن سليمان بن داود أما أنه يحتمل أن يقال بأنه لم يجز أكل صيده لتحريم اقتنائه لقتله فلا يكون حينئذ ذكاة وهو عندنا بمنزلة الوضوء بالماء المغصوب والله

(4/322)


بإرسال من يده بلا ظهور ترك
ـــــــ
الموفق. ص: "بإرسال من يده" ش: قال في المدونة ولو أثار صيدا فأشلى عليه كلبه وهو مطلق فانشلى وصاد من غير أن يرسله من يده فإنه يؤكل ما صاده. قاله مالك ثم رجع فقال لا يؤكل حتى يطلقه من يده مرسلا له مشليا وبالأول أقول وأما لو ابتدأ الكلب طلبه أو فلت من يده عليه ثم أشلاه ربه بعد ذلك لم يؤكل لأن الكلب خرج من غير إرسال صاحبه انتهى. وظاهر كلام المصنف أنه مشى على قول مالك المرجوع إليه وأنه لا بد أن يكون الكلب مربوطا معه. قال في رسم الشريكين من سماع ابن القاسم من كتاب الصيد والذبائح قال مالك في الرجل يكون معه الأكلب في غير مقاط ولا حبل إلا أنها تتبعه فيرسلها على الصيد حين يراه فلا بأس بأكله. ابن رشد هذا قول مالك الأول في المدونة واختيار ابن القاسم ثم رجع فقال إنه لا يأكله إذا قتلته إلا أن يكون في يده حين أرسله انتهى. ص: "بلا ظهور ترك" ش: قال

(4/323)


ولو تعدد مصيده أو أكل أو لم ير بغار أو غيضة
ـــــــ
في المدونة ومن أرسل كلبه أو بازه على صيد فطلبه ساعة ثم رجع الكلب ثم عاد فقتله فإن كان كالطالب له يمينا وشمالا أو عطف وهو على طلبه فهو على إرساله الأول. المشذالي أخذ منه ابن عرفة لو أرسل كلبا عقورا لقتل إنسان فانبعث الكلب ثم رجع أنه إن رجع رجوعا بينا ثم ذهب فقتله لم يقتل به المرسل وإلا قتل انتهى. ص: "أو لم ير بغار أو غيضة" ش: قال في المدونة ومن أرسل كلبه على صيد فأخذ غيره لم يؤكل وإن أرسل على جماعة من وحش أو طير ونوى ما أخذ منها ولم يخص شيئا منها أو على جماعتين ونوى ما أخذ منهما جميعا فليأكل ما أمسك عليه من ذلك كله مما قل عدده أو كثر وكذلك الرمي. وإن نوى واحدا من الجماعة فأخذ الكلب غيره منها لم يؤكل وكذلك الرمي وإن أرسل على جماعة ينويها ولم ينو غيرها لم يؤكل ما أخذ من غيرها كان قد رآها أو لم يرها وإن أرسلها على جماعة لا يرى غيرها ونوى إن كان وراء غيرها فهو مرسل عليها فليأكل ما أخذ من سواها وكذلك إن أرسله على صيد لا يرى غيره ونوى ما صاد سواه فليأكل ما صاده وإن رميت صيدا عمدته فأصبت غيره أو أصبته فأنفذته وأصابت آخر وراءه لم تأكل إلا الذي اعتمدت إلا أن ينوي ما أصاب سواه كما ذكرنا انتهى.
فرع: قال أبو الحسن ولو نوى واحدا غير معين فأخذ الكلب واحدا أكله فإن أخذ اثنين أكل الأول ولا يأكل الثاني فإن شك في الأول منهمالم يأكل منهما شيئا انتهى. ص:

(4/324)


أولم يظن نوعه من المباح أو ظهر خلافه لا إن ظنه حراما أو أخذ غير مرسل عليه أو لم يتحقق المبيح في شركة غير كماء
ـــــــ
"لا إن ظنه حراما" ش: قال في المدونة ومن رمى حجرا فإذا هو صيد فأنفذ مقاتله لم يؤكل وكذلك لو ظنه سبعا أو خنزيرا. أبو الحسن معناه يريد قتله وأما لو رماه ينوي ذكاته لجلده فإذا هو صيد جاز له أكله. ابن يونس قال بعض فقهائنا يجوز له أكله لأنه قصد ذكاته وحال أن تعمل الذكاة في بعض دون بعض. وقال فقهاء القرويين لا يؤكل إذ ليس فيه قصد ذكاة تامة. ابن يونس وهو أبين بخلاف أن لو كان يجيز أكله فقصد ذكاته لأكله فهذا لا خلاف أن ذلك يؤكل انتهى. ص: "أو لم يتحقق المبيح في شركة غيره كماء" ش: نحو هذا في آخر كتاب الذبائح من البيان ونصه وقال فيمن رمى صيدا فأصاب مقاتله فأدركه وقد افترسه سبع وسهمه في مقاتله أو وقع في بئر أو تردى من جبل قال إذا علم أنه قد أصاب مقاتله فلا بأس بأكله وإن لم يعلم أنه أصاب مقاتله فلا يقر به إلا أن يذكيه. قال ابن رشد هذا بين أن كل ما أصابها بعد إنفاذ المقاتل فلا يضره إذا فرغ من ذكاتها وهو مثل من ذبح ذبيحته فسقطت في ماء أو تردت من جبل أنها تؤكل. قال ذلك في المدونة وفي سماع أشهب. ونص ما في سماع أشهب وسئل عمن ذبح ذبيحة فجرت في الماء فماتت فقال لا يأكلها إلا إن كان قد تم ذبحه فقيل إنه يخاف أن يكون قتلها الغمر في الماء. قال إن كان قد تم ذبحه فلا بأس بها. قال ابن رشد هذا نص ما في المدونة إذا كمل ذبحها قبل أن تسقط في الماء فأكلها جائز. وهذا مما لا اختلاف فيه بخلاف إذا ذبحها في جوف الماء وقد مضى القول على هذا في أول رسم من سماع ابن القاسم انتهى. وقال في آخر كتاب الصيد من المدونة ومن رمى صيدا في الجو فسقط أو رماه في الجبل فتردى منه فأدركه ميتا لم يؤكل إذ لعله من السقطة مات إلا أن يكون أنفذ مقاتله بالرمية انتهى. قال ابن ناجي وجه قولها أنه لا يؤكل إذا لم تنفذ مقاتله لأنه حينئذ

(4/325)


أو ضرب بمسموم أو كلب مجوسي أو بنهشه ما قدر على خلاصه منه
ـــــــ
من باب الشك في المقتضى بخلاف إذا أنفذت المقاتل لأنه تحقق المقتضى وشك في المانع. فإن قيل يحتمل أن يكون هذا الإنفاذ بالسقوط على السهم أجيب بسبقية الرمية والآخر مشكوك فيه فوجب الاستناد إلى المحقق انتهى والله أعلم. ص: "أو كلب مجوسي" ش: مفهومه أن كلب المسلم ونحوه إذا شاركه فأكله جائز وهو كذلك إذا كان ربه أرسله. قال القرطبي فإن وجد الصائد مع كلبه كلبا آخر فهو محمول على أنه غير مرسل من صائد

(4/326)


أو أغرى في الوسط أو تراخى في اتباعه إلا أن يتحقق أنه لا يلحقه أو حمل الآلة مع غير أو يخرج أو بات أو صدم أو عض بلا جرح
ـــــــ
آخر وأنه إنما انبعث في طلب الصيد بنفسه ولا يختلف في هذا لقوله عليه الصلاة والسلام "فإن خالطها كلاب من غيرها فلا تأكل" وفي رواية "فإنما سميت على كلبك ولم تسم

(4/327)


أو قصد ما وجد أو أرسل ثانيا بعد مسك أول وقتل أو اضطرب فأرسل ولم ير إلا أن ينوي المضطرب وغيره فتأويلان ووجب نيتها وتسمية إن ذكر
ـــــــ
على غيره" فأما لو أرسله صائد آخر فاشترك الكلبان فيه فإنه للصائدين يكونان شريكين فلو أنفذ أحد الكلبين مقاتله ثم جاء الآخر فهو للذي أنفذ مقاتله انتهى.
فرع: منه لو مات الصيد في أفواه الكلاب من غير بضع لم يؤكل لأنه مات حتفا فأشبه أن يذبح بسكين كالة فيموت في الذبح قبل أن تفري أوداجه انتهى. ص: "ووجب نيتها" ش: الإجماع على ذلك. ص: "وتسمية إن ذكر" ش: قال ابن الحاجب ويسمي ثم قال وإن كبر معها فحسن. قال في التوضيح قال في المدونة وليقل باسم الله والله أكبر ثم قال ابن حبيب وإن قال بسم الله فقط أو الله أكبر فقط أو لا حول ولا قوة إلا بالله أو لا إله إلا الله أو سبحان الله من غير تسمية أجزأه وكل تسمية ولكن ما مضى عليه الناس أحسن وهو بسم الله والله أكبر انتهى. ونقله القرافي عن ابن يونس ونقله ابن عرفة ونقله الشيخ أحمد زروق وابن فرحون في شرح ابن الحاجب ولم يصرح أحد منهم بأنه المشهور أو مقابله ولم يذكروا له مقابلا. ونقله ابن ناجي في شرح الرسالة كأنه المذهب ونصه عند قول صاحب الرسالة وليقل الذابح بسم الله والله أكبر. واعلم أنه لا خصوصية لهذا اللفظ بل إذا قال غيره من الأذكار يجزئه. نص على ذلك ابن حبيب وذكر نحو ما تقدم عن التوضيح وذكره الفاكهاني في شرح الرسالة أيضا. وقال سند في كتاب الحج إن القصد استباحة الذبح بكلمة الله خلافا لما كان عليه الجاهلية يهلون لغير الله وهذا المقصود يحصل بذكر اسم الله كيفما

(4/328)


ونحر إبل
ـــــــ
ذكر حتى لو قال الله أجزأه. أما ذكر الرحمن فلا يليق بحال القتل والإماتة فلذلك لم ينقل ولم يفعل ولو فعل أجزأه فإن ذبح الهدي فذكر الله وكبر ودعا بأن يتقبل الله منه فحسن وإن اقتصر على التسمية حصلت الذكاة انتهى. وقال في العارضة التكبير مخصوص بالهدايا لقوله تعالى {لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ } [الحج: من الآية37] قال صفة التسمية أن تقول بسم الله أو باسمك اللهم والأول أفضل انتهى.
فائدة قال بعض المحققين الجار والمجرور في قول الذابح بسم الله يتعلق بأذبح ليفيد تلبس الفعل جميعه بالتسمية. وقال بعضهم يتعلق ب"ابتدئ" والصواب الأول والله أعلم.
فروع: الأول التكبير الذي مع التسمية قال الشيخ أحمد زروق وهو سنة تسمية الذبيحة انتهى. قال الشيخ أبو الحسن الصغير وابن زروق وغيرهم ولا تقل بسم الله الرحمن الرحيم لأن الذبح تعذيب وذلك ينافي الرحمة.
الثاني: قال في المدونة ومن أمر عبده بالذبح وأمره بالتسمية مرتين أو ثلاثا فقال العبد قد سميت ولم يسمعه السيد جاز أن يصدقه ويأكل ما ذبح إلا أن يتركه تنزها انتهى.
الثالث: لو استأجر رجلا يذبح له ويسمعه التسمية فذبح ولم يسمعه التسمية وقال لقد سميت فحكى ابن عرفة فيه ثلاثة أقوال الأول لبعض شيوخ عبد الحق لا شيء عليه من الأجرة لفوات الشرط ولا يغرم الذبيحة. الثاني لبعض شيوخه أيضا له أن يغرمه الذبيحة. الثالث لأبي عمر أن له الأجرة ولا ضمان عليه لأنه لا يضمن مسلم تركها عمدا فهو صادق أو ناس انتهى. قال القرافي بعد أن ذكر ما تقدم متمما كلام عبد الحق إلا أن تكون الشاة للبيع فينقصها ذلك من جهة توزع الناس قلة ما نقص. وقال ابن عبد السلام بعد حكايته الأقوال والأقرب عندي أنه لا يستحق الأجرة كاملة انتهى. وفهم من قول المصنف إن ذكر أنه لو كان غير ذاكر أنها لا تجب عليه ويعني به الناسي وإذا لم تجب عليه وتركها صحت. وظاهره أن غير الناسي لا يعفى عنه سواء كان متعمدا أو متهاونا أو جاهلا فالمتهاون لا تؤكل ذبيحته باتفاق كما قاله ابن رشد والمتعمد على المشهور وأما الجاهل فظاهر كلام الشيخ هنا وفي التوضيح أنه كالعامد لأنه جعل قول أشهب الذي يفرق بين الجاهل والعامد غير المشهور بل جعله ثالثا فتأمله والله أعلم.
تنبيه: ذكر الزواوي في مسألة رده على الطرطوشي في الجبن الرومي أن ذكاة الكتابي لا يشترط فيها التسمية بإجماع وذكر القرطبي في تفسيره خلافا ونسب الكراهة لمالك فانظره في سورة المائدة والله أعلم. ص: "ونحر إبل" ش: قال ابن ناجي في شرح الرسالة لا خلاف أن

(4/329)


وذبح غيره إن قدر وجاز للضرورة إلا البقر فيندب الذبح كالحديد وإحداده وقيام إبل
ـــــــ
المطلوب في الإبل النحر. قال الأبهري وكذلك الفيل إذا قصد الانتفاع بجلده وعظمه. قال الباجي وإنما خصصه به مع قصر عنقه لأنه لا يمكن ذبحه لغلظ موضع الذبح واتصاله بجسمه وله منحر فوجب أن تكون ذكاته فيه انتهى. فمقتضاه أنه يتعين فيه النحر وهو خلاف ما نقله الشيخ زروق عن الباجي ونصه في شرح الرسالة الأبهري إن نحر الفيل جاز الانتفاع بعظمه وجلده. الباجي هو كالبقر يجوز فيه الأمران والخيل كذلك انتهى. قلت: كلام ابن ناجي أصح لأن المصنف نقل عن الأبهري في التوضيح ما نصه الأبهري وإذا نحر الفيل جاز الانتفاع بعظمه وجلده. وعلله الباجي بأنه لا يمكن فيه إلا ذلك انتهى.
فرع: قال في التوضيح قال الباجي والخيل في الذكاة كالبقر يعني على القول بجوازها. الطرطوشي وكذلك البغال والحمير على القول بكراهتها انتهى. ص: "وذبح غيره إن قدر" ش: قال في التوضيح حتى الطير الطويل العنق كالنعامة ابن المواز وإن نحرت لم تؤكل انتهى. ص: "وجاز للضرورة" ش: صوابه بألف التثنية.
فرع: قال في التوضيح نص مالك على أنه لو نحر ما يذبح أو بالعكس ناسيا لا يعذر قال في البيان وقيل إن عدم ما ينحر به ضرورة تبيح ذبحه وقد قيل إن الجهل في ذلك ضرورة انتهى. وقال ابن عرفة ابن رشد قيل عدم آلة الذبح ضرورة تبيح نحره. وكذا عكسه وقيل الجهل ضرورة انتهى. وقال في الشامل ولا يعذر بنسيان وفي الجهل قولان انتهى. وقال قبله فإن عكس في الأمرين لعذر كعدم ما ينحر به صح فجزم في الشامل بأن عدم ما يذبح به ضرورة فيدخل في مفهوم قول المصنف إن قدر. ص: "إلا البقر فيندب الذبح" ش: قال الشيخ بهرام هو مستثنى من قوله وذبح غيره. وقال البساطي يحتمل هذا ويحتمل أن يكون مخرجا من مفهوم قوله إن قدر أي إن قدر على الذبح فيما يذبح ولا ضرورة لم

(4/330)


وضجع ذبح على أيسر وتوجهه
ـــــــ
يؤكل إلا البقر فإن الذبح فيها مندوب وترك المندوب لا يمنع من الأكل انتهى. وليس بظاهر لأن البقر لم يجز لها ذكر وإنما يصح على أن تكون إلا بمعنى لكن والله أعلم. ص: "وضجع ذبح على أيسر" ش: ابن عرفة ناقلا عن ابن حبيب لو أضجعها على الأيمن اختيارا اختلفا. وروى عن ابن القاسم أنه إذا كان أعسر يضجعها على شقها الأيمن لأنه أمكن. ابن حبيب ويكره للأعسر أن يذبح فإن ذبح واستمكن أكلت انتهى. ونقله صاحب التوضيح وغيره.
فرع: قال في البيان في كتاب الذبائح في سماع القرينين سئل مالك عمن يذبح الحمام والطير هكذا وأشار بيده وهو قائم يذبحها ما أراه بمستقيم هذا على وجه الاستخفاف فقيل له إن الصائد فعل ذلك فقال ألا أنه غير فقيه ولا مفلح فقيل له أفتؤكل قال نعم إذا أحسن ذبحها انتهى. ونقله ابن عرفة وصاحب الشامل.
فرع: قال ابن عرفة وفي خفة ذبح شاة وأخرى تنظر وكراهته نقل ابن رشد عن مالك محتجا بنحر البدن مصطفة. ابن حبيب بأنه في البدن سنة انتهى.
فرع: قال في البيان وروي عنه عليه السلام أنه أمر أن تحد الشفار وأن يتوارى بها عن البهائم. وسمع القرينان قال مالك مر عمر بن الخطاب على رجل قد أضجع شاة وهو يحد شفرة فعلاه بالدرة وقال له علام تعذب الروح إلا حددت شفرتك قبل انتهى.
فرع: قال ابن عرفة وفي كراهة أكل البقر تعرقب عند الذبح. نقل ابن زرقون عن فضل رواية ابن القاسم وقوله لا يعجبني قول مالك ولا بأس بأكلها. وسمع ابن القاسم لا بأس بقطع الحوت وإلقائه حيا في النار. ابن رشد كره كراهة شديدة في موضعين من سماع القرينين وسمعا لا يعجبني شق المنهوش جوف الشاة ليدخلها رجله تداويا قيل فبعد ذبحها قبل موتها قال إنه يقول إنه على وجه التداوي كأنه يكرهه. ابن رشد خففه بعد ذبحها وقوله أولا لا يعجبني حمله على الحظر لا الكراهة أبين انتهى والله أعلم. ص: "وتوجهه" ش: إنما كان على جهة الندب لعدم دلالة النصوص على الأمر بها بخلاف التسمية ولما كانت الذبيحة لا بد لها من جهة

(4/331)


وإيضاح المحل وفري ودجى صيد أنفذ مقتله وفي جواز الذبح بالعظم والسن أو إن انفصلا أو بالعظم ومنعهما خلاف وحرم اصطياد مأكول لا بنية الذكاة
ـــــــ
اختيرت جهة القبلة لأنها أفضل الجهات. والفرق بينه وبين الاستقبال للبول وإن كان نجسا وجهان لأن الدم أخف تنجسا لأكل قليله يعني دم العروق والعفو عن يسيره وأن الذبائح في نفسها قربات بخلاف البول وأيضا البول ينضاف إليه كشف العورة. قاله في الذخيرة. ص: "وفي جواز الذبح بالظفر والسن أو إن انفصلا أو بالعظم أو منعهما خلاف" ش: كذا في كثير من النسخ وهو مشكل لأن الخلاف المذكور إنما هو في الظفر والسن كما ذكره في التوضيح ويوجه كذلك في بعض النسخ المختصر وهو الصواب. ص: "وحرم اصطياد مأكول إلا بنية الذكاة" ش: قال ابن عرفة اللخمي هو لعيشه اختيارا مباح ولسد خلته أو لتوسيع ضيق عيش عياله مندوب إليه ولإحياء نفس واجب وللهو مكروه وأباحه ابن عبد الحكم ودون نية أو مضيع واجبا حرام انتهى. وقال قبله وصيد البحر والأنهار أخف لا بأس بصيد الحيتان وانظر ما يصاد ليباع للصغار ليلعبوا به وربما أدى إلى قتله. قاله في آخر كتاب الصيد والذبائح من النوادر قال ابن المواز وكره اللخمي أن يعطى الصيد يلعب به انتهى. وقال ابن ناجي في شرح المدونة في السلم الأول عند قوله ومن سلف دنانير إلى صياد على صنف من الطير كل يوم كذا وكذا طائرا قال شيخنا أبو مهدي وليس فيها ما يدل على جواز جعل الطير في القفص ولا على منعه وفي اللقطة ما يوهم جوازه وهو قوله إذا حل رجل قفص طائر فإنه يضمن. قيل فإن قوله عليه السلام "أبا عمير ما فعل النغير" يقتضي جوازه. فقلت ليس كذلك ليسارة اللعب لأنه لا بد من تخصيصه بذلك وهنا يبقى السنين المتطاولة فهو تعذيب له فهو أشد فاستحسنه وذكر أن الشيوخ قيدوا الحديث بعدم التعذيب انتهى. وقال

(4/332)


إلا بكخنزير فيجوز كذكاة ما لا يؤكل إن أيس منه
ـــــــ
البرزلي في آخر كتاب الضحايا والذبائح ولم يمنع الأطفال من اللعب بالحيوان إذا وقع لبسط نفوسهم وفرحتهم لقوله عليه السلام "ما فعل النغير يا أبا عمير". وإنما يمنع ما كان عبثا لغير منفعة ولا وجه مصلحة انتهى. فظاهر هذا أن اللعب اليسير مباح فيكون الصيد له مباح والله أعلم. ص: "كذكاة ما لا يؤكل إن أيس منه" ش: قال ابن وهب لا تعقر ولا تذبح. قال البرزلي مسألة ما وقف في بلاد العدو ومن الخيل والحيوان فإنها تعرقب وإن خيف أكلها أحرقت انتهى. قال القرافي تفريع لو تركها فعلفها غيره ثم وجدها قال مالك هو أحق بها لأنه تركها مضطرا كالمكره ويدفع ما أنفق عليها. وقيل هي لعالفها لإعراض المالك عنها انتهى. ومسألة عرقبة الحيوان وحرقه سيتكلم عليها المصنف في باب الجهاد ومسألة القرافي سيأتي الكلام على شيء

(4/333)


وكره ذبح بدور حفرة وسلخ أو قطع قبل الموت كقول مضح اللهم منك وإليك وتعمد إبانة رأس وتؤولت أيضا على عدم الأكل إن قصده أولا ودون نصف أبين ميتة إلا الرأس وملك الصيد المبادر وإن تنازع قادرون فبينهم
ـــــــ
منها في باب اللقطة والله أعلم. ص: "وسلخ أو قطع قبل الموت" ش: يعني أنه يكره له ذلك إلا أنه خفف للمنهوش أن يشق جوف الشاة بعد ذبحها قبل أن تزهق نفسها لضرورة التداوي ولم يجز ذلك قبل الذبح. قاله في سماع أشهب في الضحايا وتقدم ذلك في كلام ابن عرفة عند قول مالك "وضجع ذبح على أيسر". ص: "وملك الصيد المبادر وإن تنازع قادرون فبينهم" ش: قال ابن عبد السلام ولو رأى واحد من جماعة صيدا واختص برؤيته من بينهم ثم أخبرهم فبادر

(4/334)


وإن ند ولو من مشتر فللثاني لا إن تأنس ولم يتوحش واشترك طارد مع ذي حبالة قصدها ولولاها لم يقع بحسب فعليهما
ـــــــ
إليه غيره فأخذه كل لآخذه خاصة لأن المباحات إنما تستحق بوضع اليد لا بالمعاينة. ولو تنازع الجماعة فيه بعد أن رأوا وقبل أن يضعوا أيديهم عليه وهو معنى قول المؤلف يعني ابن الحاجب "وكل قادر أي وكل واحد منهم قادر على أخذه فهو لجميعهم لتساويهم في ذلك لعدم المنازع لهم من غيرهم". والنظر يقتضي أن لا شيء لواحد منهم لانعدام سبب الملك في حقهم وإنما حسن القضاء به لانتفاع المنازع من غيرهم كما قلنا. قال في العتبية قضى به بينهم خوفا أن يقتتلوا عليه وتعليله بخوف الاقتتال كالإشارة إلى ما نبهت عليه من فقدان سبب الملك انتهى. وقال ابن عرفة ويملك لصيد بأخذه. روى سحنون لو رأى واحد من قوم صيدا فقال هو لي لا تأخذوه أو وجدوه كلهم فأخذه أحدهم فلآخذه وإن تدافعوا عنه فلكلهم.
قلت: هذا إن كان بمحل غير مملوك وأما بمملوك فلربه انتهى.
فرع: قال القرافي في الفرق الخامس والثلاثين نص أصحابنا رحمهم الله على أن السفينة إذا وثبت فيها سمكة فوقعت في حجر إنسان فهي له دون صاحب السفينة لأن حوزه أخص بالسمكة من حوز صاحب السفينة لأن حوز السفينة شمل هذا الرجل وغيره وحوز هذا الرجل لا يتعداه فهي أخص والأخص مقدم على الأعم انتهى. ص: "وإن ند ولو من مشتر فللثاني" ش:

(4/335)


وإن لم يقصد وأيس منه فلربها وعلى تحقيق بغيرها فله كالدار إلا أن يطرده لها فلربها وضمن مار أمكنت ذكاته وترك
ـــــــ
قال في المدونة ومن صاد طائرا في رجله ساقان أو ظبيا في اليسرى قرطان أو في عنقه قلادة عرف بذلك ثم ينظر فإن كان هروبه ليس هروب انقطاع ولا توحش رده وما وجد عليه لربه وإن كان هروبه هروب انقطاع وتوحش فالصيد خاصة لصائده دون ما عليه انتهى.
فرع: قال فيها فإن قال ربه ند مني منذ يومين وقال الصائد لا أدري متى ند منك فعلى ربه البينة والصائد مصدق انتهى. ص: "إلا أن لا يطرده لها فلربها" ش: قال المشذالي في كتاب الصيد من حاشيته على المدونة.
قلت لشيخنا: أرأيت من اكترى أرضا فجر السيل أو النيل لها سمكا أهو لرب الأرض أو للمكتري قال لرب الأرض لقولها وإن لم يضطروه وكانوا قد بعدوا عنه فهو لرب الدار انتهى. ص: "وضمن مار أمكنته ذكاته وترك" ش: ولا يؤكل الصيد ومقابله يؤكل ولا ضمان على المار وعلى المشهور فيضمنه مجروحا كما سيأتي في كلام القرافي. قال في التوضيح إذا رمى صيدا أو

(4/336)


.................................................
ـــــــ
أرسل عليه فمر به إنسان وهو يتخبط وأمكنته الذكاة فلم يذكه حتى جاء صاحبه فوجده قد مات لم يأكله لأن المار يتنزل منزلة ربه في كونه مأمورا بذكاته فلما لم يذكه صار ميتا وإلى هذا أشار يعني ابن الحاجب بقوله فالمنصوص لا يؤكل ويضمنه المار أي أن المنصوص لابن المواز وأجرى ابن محرز وغيره من المتأخرين قولين في الترك هل هو كالفعل. قيل وعلى نفي الضمان فيأكله ربه. واختار اللخمي نفي الضمان قال وإن كان ممن يجهل ويظن أنه ليس له أن يذكيه كان أبين في نفي الغرم ثم قال واحترز يعني ابن الحاجب بقوله "وأمكنته الذكاة" مما إذا لم يره أو رآه ولكن ليس معه ما يذكيه به فإنه يؤكل ولا ضمان عليه وكذلك قال اللخمي انتهى. وقال في الذخيرة.
فرع: قال ابن يونس قال محمد لو مر به غير صاحبه فلم يخلصه من الجارح مع قدرته على ذلك لم يؤكل وعليه قيمته مجروحا. قال اللخمي يريد إذا كان ما يذكيه به فإن لم يكن معه أكل انتهى. وقال أبو الحسن قال ابن يونس قال ابن المواز ولو مر به غير صاحبه وتركه حتى فات بنفسه فلا يؤكل وغير صاحبه في هذا مثل صاحبه وقاله مالك. قال ابن المواز لأنه قد أمكن المار ذكاته فكان كربه وفي هذا بعد لأن ربه قد عدم القدرة على ذكاته حتى فات بنفسه ومن رآه في يد الكلب لم يلزمه أن يذكيه بل قد يقال له قتلته فعليك قيمته. قال ابن محرز.
فروع: يتذاكر بها لو أن رجلا أرسل كلبه على صيد فلم ينفذ الكلب مقتله حتى مر به مار غير ربه فتركه ولم يذكه حتى مات لم يؤكل.
قلت: ومما ينظر فيه هل يضمنه هذا أم لا لأن تركه له وهو قادر عليه يوجب ضمانه كمن رأى مال رجل في الهلاك أو يتناوله رجل أو بهيمة تتلف ولم يستنقذها حتى هلكت أو تلفت أن يضمنه وكذلك لو أن رجلا رأى سبعا يتناول نفس إنسان ولم يخلصه منه حتى هلك أن يضمن ديته ويجب أيضا فيمن كانت عنده شهادة بإحياء حق لرجل فلم يشهد به حتى تلف حقه أن يضمن لربه وكذلك إن كانت عنده وثيقة لرجل في إثبات فلم يردها متعديا عليه فحبسها حتى افتقر الرجل أو مات ولا شيء عنده أنه يضمنه وأبين من هذا التعدي والإتلاف لو تعدى على وثيقة رجل فقطعها وأفسدها فتلف الحق بقطعها أن يضمن أيضا ولا يلزم عليه قتل الذي عليه الدين ولا قتل الشهود لأن التلف في هذين الوجهين هو الإنسان المضمون بديته دون ما سواه من الحقوق المتعلقة. ويشبه أن يكون من الوجوه المذكورة من مر على لقطة لها قدر فإنه مأمور بأخذها فإن تركها حتى ضاعت ضمنها بتركه إياها. وقال ابن القاسم في الآبق يجده إنه إن كان لمن يخصه من جار أو قريب أخذه وفرق بينه وبين اللقطة ويشبه أن يكون من الوجوه الأولى من وجب عليه مواساة غيره بطعام أو شراب بثمن أو غيره فلم يفعل حتى مات الآخر جوعا وعطشا فإنه يضمنه بديته وكذلك لو وجب عليه سقي زرع بفضل مائه فترك ذلك حتى مات زرع الآخر فإنه يضمنه وكذلك من أجيف ولم يستطع على خيط وإبرة لخياطة جرحه إلا من عند رجل فمنعه حتى مات فإنه يضمن ديته وكذلك لو مال حائط ولرجل من جيرانه حجر أو عامود إن

(4/337)


كترك تخليصه مستهلك من نفس أو مال بيده أو شهادته أو بإمساك وثيقة أو تقطيعها وفي قتل شاهدي حق تردد وترك مواساة وجبت بخيط لجائفة وفضل طعام أو شراب لمضطر وعمد وخشب فيقع الجدار وله الثمن إن وجد
ـــــــ
عمد به استمسك وإن لم يفعل هلك فلم يمكنه منه حتى هلك فإنه ينبغي أن يضمنه. وأمثلة هذا مع التتبع تكثر وفيما ذكرته كفاية من تبصرة ابن محرز. انتهى كلام الشيخ أبي الحسن من كتاب الصيد وإلى هذا جميعه أشار المصنف بقوله ص: "كترك تخليص مستهلك من نفس مال إلى قوله وعمد وخشب فيقع الجدار" ش: وقال الأبي في كتاب الأيمان في شرح قوله عليه الصلاة والسلام أو رجل على فضل ماء بفلاة يمنعه ابن السبيل لأنه يعرضه للتلف. قال عياض وهو في تعريضه يشبه قاتله ولذلك قال مالك يقتل به إن هلك. قال الأبي ما زال الشيوخ ينكرون حكايته عن مالك ويقولون إنه خلاف المدونة.
فرع: قال المشذالي في كتاب اللقطة مسألة من حد قيد عبد أخذ ابن هشام من هذه

(4/338)


وأكل المذكي وإن أيس من حياته بتحرك قوي مطلقا وسبل دم إن صحت إلا الموقوذة وما معها المنفوذة المقاتل
ـــــــ
المسألة ومن مسألة القفص أن من أخفى مطلوبا عن غريمه وهو يعلم بما عليه ثم أطلقه فذهب ولم يجده طالبه لزمه غرم الدين وكذلك السجان والعوين إذا أطلقا الغريم انتهى. وقال قبله أخذ ابن عرفة من مسألة من حل قيد عبد أن وجد دابة لرجل على بئر فسقاها فذهبت أنه يضمنها.
قلت: هذا بين إن كان إن تركها وقفت على البئر تنتظر من يسقيها ولا يبقى عليها ضرر العطش وأما إن كان إذا تركها ماتت ففي ضمانه نظر انتهى.
مسألة قال البرزلي وقعت نازلة وهي أن رجلا رهن أصلا وحوز للمرتهن رسمه المكتوب فتلف عند المرتهن فأفتى شيخنا الإمام بأنه ينظر إلى قيمة الأصل برسمه وقيمته بغير رسم فما بينهما يضمنه أو يثبت ملك الأصل كما كان. انتهى من أواخر مسائل الغصب والاستحقاق

(4/339)


بقطع نخاع ونثر دماغ وحشوة
ـــــــ
وقبل مسائل الوديعة بنحو تسعة أوراق وذكر هذه المسائل التي ذكرها المصنف هنا والله أعلم. ص: "بقطع نخاع" ش: قال في الصحاح قال الكسائي من العرب من يقول قطعت نخاعه وناس من أهل الحجاز يقولون هو مقطوع النخاع بالضم وهو الخيط الأبيض الذي في جوف الفقار والمنخع موصل الفهقة بين العنق والرأس من باطن انتهى. وفي القاموس النخاع مثلث الخيط الأبيض في جوف الفقار انتهى. والفقار بفتح الفاء فقرة بفتح الفاء وكسرها ويقال فيها فقارة أيضا بالفتح. قاله في القاموس قال وهي ما انتضد من عظام الصلب من لدن الكاهل إلى العجب ويقال في جمعها أيضا فقرات وفقرات وأقل فقار البعير ثمان عشرة وفقر. قاله في الصحاح. قال ابن الأعرابي في نوادره فقار الإنسان سبع عشرة انتهى. ومعنى انتضد أي صار بعضه فوق بعض. قال في الصحاح نضد متاعه ينضده نضدا أي وضع بعضه على بعض والتنضيد مثله يشدد للمبالغة في وضعه متراصفا والنضد بالتحريك متاع البيت المنضود بعضه فوق بعض انتهى والكاهل ما بين الكتفين ويقال له الحارك بالحاء المهملة. قاله في الصحاح. والعجب بفتح العين المهملة وسكون الجيم أصل الذنب والفهقة بفتح الفاء وسكون الهاء وفتح القاف. قال في الصحاح عظم ثم مركب العنق وهو أول الفقار وفهقت الرجل إذا أصبت فهقيه اه. ص: "أو حشوة" ش: قال في الصحاح وحشوة البطن وحشوته بالضم والكسر أمعاؤه

(4/340)


وفري ودج وثقب مصران وفي شق الودج قولان
ـــــــ
وانتهى. ص: "وثقب مصران" ش: بضم الميم جمع مصير مثل رغيف ورغفان وجمع مصران مصارين. صرح بضم الميم ابن قتيبة في أدب الكاتب في باب ما يعرف جمعه ويشكل واحده وهو

(4/341)


وفيها أكل ما دق عنقه أو ما علم أنه لا يعيش إن لم ينخعها وذكاة الجنين بذكاة أمه إن تم بشعر وإن خرج حيا ذكي إلا أن يبادر فيفوت
ـــــــ
مفهوم من قوله في الصحاح مثل رغيف ورغفان. ص: "وذكاة الجنين ذكاة أمه إن تم بشعر" ش: يعني أن الجنين إذا ذكيت أمه فذكاتها ذكاة له بشرطين أن يتم خلقه وأن ينبت شعره فيؤكل حينئذ إن خرج ميتا ويستحب نحره إن كان من الإبل وذبحه إن كان من غيرها ليخرج الدم من جوفه فإن فقد الشرطان أو أحدهما لم يؤكل خرج حيا أو ميتا. ونقل ابن العربي في القبس عن مالك جواز أكله وإن لم يتم ونقل عنه في العارضة كنقل الجماعة واختار ذلك هو لنفسه نقله ابن عرفة. وإن وجد الشرطان وخرج حيا فقد أشار إليه المصنف قوله. ص: "وإن خرج حيا ذكي إلا أن يبادر فيفوت" ش: يعني وإن خرج الجنين بعد ذكاة أمه حيا ووجد فيه الشرطان فإنه لا يؤكل حتى يذكى إلا أن يبادر إلى ذبحه فيسبق بنفسه فيؤكل وذلك أنه إذا خرج حيا فتارة يكون به من الحياة ما يرتجى أنه يعيش بها أو يشك في ذلك فلا يؤكل إلا بذكاة. وتارة يكون به رمق من الحياة يعلم أنه لا يعيش بها فيذكى إلا أن يفوت بأن يسبقهم بنفسه فيؤكل. وهل ذكاته في هذه الحالة إذا لم يسبق بنفسه شرط وهو ظاهر كلام المصنف وعزاه ابن رشد ليحيى بن سعيد وعيسى بن دينار أو ذكاته على جهة الاستحباب وهو الذي عزاه ابن رشد لمالك وجميع أصحابه وذكره ابن الحاج في مناسكه على أنه المذهب وذكر

(4/342)


وذكي المزلق إن حيي مثله وافتقر نحو الجراد لها بما يموت به ولو لم
ـــــــ
ابن رشد في آخر كتاب الضحايا من البيان وإن خرج ميتا فلا فرق بين أن يكون مات في بطن أمه بموتها أو أبطأ موته بعد موتها أو ترك في بطنها حتى مات. قاله ابن رشد فيه أيضا. والمراد بتمام خلقه أن يكون تم هو بنفسه لإتمام أعضاء الحيوان. فلو خلق ناقص يد أو رجل وتم خلقه على ذلك لم يمنع نقصه من تمامه. قاله الباجي ونقله عنه المصنف وابن عرفة وغيرهما. قال ابن عرفة وظاهر الروايات وأقوال الأشياخ أن المعتبر شعر جسده لا شعر عينه فقط خلافا لبعض أهل الوقت وفتوى بعض شيوخ شيوخنا انتهى. فرع: نقل ابن رشد في رسم سماع موسى من كتاب الصلاة جواز أكل المشيمة وهي بميمين وعاء الولد وأفتى الصائغ بمنع أكله وأفتى بعض شيوخ ابن عرفة بأنه إن أكل الجنين أكلت. انظر ابن عرفة.
فرع: وأما الدجاجة فيؤكل ما في بطنها إذا ذكيت تم خلقه أم لا. قاله الجزولي في شرح الرسالة. ص: "وذكي المزلق" ش: مزلق كمكرم اسم مفعول من أزلق. قال في الصحاح أزلقت الناقة أسقطت انتهى. يعني أن المزلق إذا كان فيه من الروح ما يرى أن مثله يعيش فإنه يذكى ويؤكل فإن لم يذك لم يؤكل. وإن شك هل يعيش أم لا يؤكل لم بذكاة ولا بغيرها. قال ابن رشد اتفاقا والله أعلم. ص: "وافتقر نحو الجراد لها بما يموت به ولو لم يعجل كقطع

(4/343)


يعجل كقطع جناح
ـــــــ
جناح" ش: قال في التوضيح قال في المدونة ولا تؤكل ميتة الجراد ولا ما مات منه في الغدائر ولا يؤكل إلا ما قلعت رأسه أو سلق أو قلي أو شوي حيا وإن لم تقطع رأسه ولو قطعت أرجله أو أجنحته فمات من ذلك لأكل انتهى. يريد ولا يؤكل الرجل المقطوعة ولا اليد ونحوها فإن صلق منها مع ميت أو قطعت أرجلها أو أجنحتها ثم صلقت معها فقال أشهب يطرح جميعه وأكله حرام. وقال سحنون تؤكل الأحياء بمنزلة خشاش الأرض تموت في قدر انتهى.
فرع: صرح في التنبيهات في أول كتاب الطهارة في مسألة الخشاش بأن الصحيح من المذهب أن الخشاش لا يؤكل إلا بذكاة انتهى.

(4/344)