مواهب
الجليل لشرح مختصر الخليل ط عالم الكتب كتاب الأيمان
اليمين تحقيق ما لم يجب
ـــــــ
كتاب الأيمان
باب
ص: "اليمين تحقيق ما لم يجب" ش: قال في
الذخيرة اليمين في اللغة مأخوذ من اليمين الذي
هو العضو لأنهم كانوا إذا حلفوا وضع أحدهم
يمينه في يمين صاحبه فسمي الحلف يمينا. وقيل
اليمين القوة ويسمى العضو يمينا لوفور قوته
على اليسار ومنه قوله تعالى {لَأَخَذْنَا
مِنْهُ بِالْيَمِينِ} [الحاقة:45] أي بالقوة.
ولما كان الحلف يقوي الخبر من الوجود أو العدم
سمي يمينا. فعلى هذا التفسير يكون التزام
الطلاق أو العتق وغيرهما على تقدير المخالفة
يمينا بخلاف التفسير الأول انتهى. وقال ابن
عبد السلام والقسم بتحريك السين بمعنى اليمين
وأقسمت أي حلفت. قال بعضهم أصله من القسامة
وهي الأيمان تقسم على الأولياء. والحلف بكسر
اللام وسكونها بمعناه انتهى. وفي الصحاح وقوله
تعالى {تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ}
[الصافات:من الآية28] قال ابن عباس أي من قبل
الدين فتزينون لنا ضلالتنا كأنه أراد عن
المأتي السهل. الأصمعي فلان عندنا باليمين أي
بمنزلة حسنة. ويقال قدم فلان على أيمن اليمين
أي على اليمين. واليمين القسم والجمع أيمن
وأيمان انتهى. هذا معنى اليمين لغة. وأما في
العرف فقال ابن عبد السلام لا يحتاج إلى تعريف
برسم ولا حد لاشتراك الخاصة والعامة في
معرفته. قال ابن عرفة قيل ومعناه ضرورة لا
يعرف والحق نظري لأنه مختلف فيه الأكثر
التعليق منه لترجمتها كتاب الأيمان بالطلاق
وإطلاقاتها وغيرها ولو لم يكن حقيقة ما لزم في
الأيمان اللازمة دون نية إذ لا يلزم مجاز
دونها ورده بلزومه دونها إذا كان راجحا على
الحقيقة يرد بأنه المعنى من الحقيقة العرفية.
ابن رشد وابن بشير مجاز وكل مختلف فيه غير
ضروري فاليمين قسم أو التزام مندوب غير مقصود
به القربة أو ما يجب بإنشاء لا يفتقر لقبول
معلق بأمر
(4/396)
...................................
ـــــــ
مقصود عدمه. فيخرج نحو إن فعلت كذا فلله علي
طلاق فلانة أو عتق عبدي فلان. ابن رشد لا
يلزمه الطلاق لأنه غير قربة.
قلت: عزاه الشيخ لكتاب محمد والعتبي لسماع
عيسى ابن القاسم. ابن رشد ويلزم العتق ولا
يجبر عليه وإن كان معينا لأنه نذر ولا وفاء به
إلا بنية وما أكره عليه غير منوي له ابن
العربي اليمين ربط العقد بالامتناع والترك أو
بالإقدام على فعل بمعنى معظم حقيقة أو اعتقادا
ويرد بتكرار الترك وخروج الغموس واللغو
والتعليق انتهى. وقوله بتكرار الترك يعني أن
قوله والترك مكرر مع قوله الامتناع. واعترضه
القرافي أيضا بالغموس وما أشبهها وبأن جميع ما
ذكر يتصور بغير لفظ. والعرب لا تسمي الساكت
حالفا وبأن اليمين قد تكون على فعل الغير فلا
يكون هناك إقدام ولا إحجام. قال والحق أن يقال
هو جملة خبرية وضعا إنشائية معنى متعلقة بمعنى
معظم عند المتكلم مؤكدة بجملة أخرى من غير
جنسها. فقولنا خبرية لأن ذلك صيغتها وقولنا
إنشائية لأنها لا تحتمل التصديق والتكذيب
وقولنا من غير جنسها احتراز من تكرار القسم
فإنه لا يسمى حلفا إلا إذا ذكر المحلوف عليه
وبقية القيود ظاهرة. وقد خصص الشرع هذا المعنى
ببعض موارده وهو أن يكون المعظم ذات الله أو
صفاته العلي كما صنع في الصلاة والصوم وغيرهما
انتهى. وقال في اللباب اليمين هو الحلف بمعظم
تأكيدا لدعواه أو لما عزم على فعله أو تركه
انتهى. وقال في اللباب أيضا وحكمها الجواز إن
كانت باسم من أسماء الله تعالى أو صفة من
صفاته انتهى. وقال ابن حجر في شرح البخاري في
كتاب الأيمان في باب أحب الدين إلى الله أدومه
فيه جواز الحلف من غير استحلاف وقد يستحب إذا
كان فيه تفخيم أمر من أمور الدين أو حث عليه
أو تنفير من محذور انتهى. وقال في المدخل في
فصل الصيام وتكثير الحلف لغير ضرورة من البدع
الحادثة بعد السلف رضي الله عنهم بل كان بعضهم
يتوقى أن يذكر اسم الله إلا على سبيل الذكر
حتى إذا اضطروا في الدعاء إلى من أحسن إليهم
بالمكافآت له يقولون جزيت خيرا خوفا على اسم
الله انتهى. قال في اللباب وحكمة مشروعيتها
الحث على الوفاء بالعقد مع ما فيه من المبالغة
في التعظيم انتهى.
تنبيه: قول المصنف اليمين تحقيق ما لم يجب
يعني أن اليمين هو أن يحقق الحالف شيئا لم يجب
أي لم يثبت وهذه العبارة هي الحاوي للشافعية.
قال بعض شراحه في شرحها أي تحقيق ما لم يتحقق
ثبوته وهو ما يحتمل المخالفة والموافقة ماضيا
كان أو مستقبلا ممكنا كان أو ممتنعا. وقد دخل
في قوله "ما لم يجب" الممكن كقول القائل والله
لأدخلن الدار والممتنع نحو "والله لأقتلن
فلانا الميت" وخرج منه الواجب كقوله "والله
لأموتن" وإنما لم يكن ذلك يمينا لأن الواجب
متحقق في نفسه فلا معنى لتحققه ولأنه لا يتصور
فيه الحنث بخلاف الممكن والممتنع ولذلك رجح
عدم انعقاد اليمين فيما لو حلف لا يصعد السماء
(4/397)
بذكر اسم الله
أو صفته
ـــــــ
وانعقاده فيما لو حلف ليقتلن فلانا وهو ميت
وقد يفرق بين ما لا يتصور فيه الحنث فيرجع فيه
عدم الانعقاد وبين ما لا يتصور فيه البر فيرجع
فيه الانعقاد بأن امتناع الحنث لا يخل بتعظيم
اسم الله تعالى وامتناع البر يخل ويهتك الحرمة
فيخرج إلى التكفير ويدخل أيضا في تحقيق ما لم
يجب الماضي والمستقبل والنفي والإثبات. انتهى
كلامه. وقال في الإرشاد للشافعية أيضا اليمين
تحقيق غير ثابت. قال مصنفه في التتمة إن
اليمين الموجبة للكفارة هي أن يقصد بها تحقيق
شئ غير معلوم الثبوت ماضيا كان أو مستقبلا
منفيا كان أو مثبتا ممكنا كان أو ممتنعا.
انتهى. وما ذكره شارح الحاوي أشار الشيخ بهرام
في شرحه الصغير إلى شيء منه ونصه قوله اليمين
تحقيق ما لم يجب أي اليمين الموجبة للكفارة
تحقيق ما لم يجب بما ذكر والمراد بتحقيق ما لم
يجب تحقيق ما لم يثبت أي يتحقق ثبوته وهو ما
يحتمل الموافقة والمخالفة أعني البر والحنث.
فلو قال والله لأحملن الجبل ووالله لأشربن
البحر كان يمينا لأن حمل الجبل وشرب البحر لا
يتحقق ثبوته ولو قال والله لا أحمل الجبل
ووالله لا أشرب البحر لم يكن يمينا لأن عدم
حمله الجبل وشربه البحر متحقق الثبوت. ودخل في
قولها ما لم يجب الممكن كقوله والله لأدخلن
الدار والممتنع كقوله والله لأقتلن زيدا الميت
أو لأشربن البحر أو لأحملن الجبل وخرج به
الواجب كوالله لأموتن فليس بيمين لأن الواجب
متحقق في نفسه. والمراد أيضا بتحقق ما لم يجب
المستقبل خاصة سواء كان متعلق يمينه من فعله
أو من فعل غيره كانت على نفي وهي صيغة البر أو
إثبات وهي صيغة الحنث انتهى. ص: "بذكر اسم
الله أو صفته" ش: تصوره من كلام الشارح ظاهر.
مسألة: قال القرافي في الفرق الثاني من قواعده
في المسألة الخامسة في الطلاق بالقلب وقع
الخلاف في اليمين بإنشاء كلام النفس وحده أو
لا بد من اللفظ انتهى. وقال القوري في مختصر
القواعد في القاعدة الثانية من قواعد الخبر
إثر هذا الكلام ما نصه.
قلت: أحد القولين مبني على ما ذكره. ومن قال
لا يلزمه فما ذلك إلا لأنه لا إنشاء في
(4/398)
كبالله وهالله
ـــــــ
النفس وإنما يكون الإنشاء اللساني إذ لو كان
لترتب عليه أثره وذلك باطل فكلامه عز وجل في
القدم ولم يترتب حكم من الأحكام إلا على
القرآن من حيث اللسان العربي وأما من حيث
النفس فلا. انتهى. وقال ابن عرفة ويلزم أي
الحلف باللفظ النية وفي مجردها روايتا الطلاق
بها وفي لزوم عكسه وكونه لغوا لا كفارة وفيه
قولان لها مع المشهور وإسماعيل مع الأبهري
واللخمي والشيخ. رد بعض البغداديين قول عائشة
اللغو قول الرجل لا والله وبلى والله لقول
مالك لأنها لا تعني تعمد الكذب بل الظن وإلى
مذهب المدونة والمشهور أشار المصنف بقوله بعد
هذا لا بسبق لسانه أي فلا دين.
فرع: قال ابن عرفة وفي لزوم اليمين بالله
مرادة بلفظ مباين للفظها كالصلاة بذلك نظر.
وأخذه ابن رشد من نقله عنها من قال لا مرحبا
يريد به الإيلاء مول. قال وقيل معناه والله لا
مرحبا بك إذ لا يعبر عن اسم الله بغير اسمه
والأظهر كاليمين بالنية انتهى وهو ظاهر. وقد
سئلت عمن حلف وقال واللا ولم يذكر الهاء فأجبت
بأنه يتخرج على هذا.
فرع: قال في مختصر الوقار ومن حلف بالله بشيء
من اللغات وحنث فعليه الكفارة ومن حلف بوجه
الله وحنث كفر ومن حلف بعرش الله وحنث فلا
كفارة عليه انتهى. ص: "كبالله" ش: قال في
الجواهر الألفاظ التي يحلف بها قسمان أحدهما
تجريد الاسم المحلوف به كقولك الله لا فعلت
والآخر زيادة عليه وهي ضربان متصلة وهي الحروف
نحو والله وتالله وبالله وأيم الله ولعمر الله
ومنفصلة وهي الكلمات نحو أحلف وأشهد وأقسم
فهذه إن قرنها بالله أو بصفاته نطقا أو نية
كانت أيمانا وإن أراد بها غير ذلك أو أعراها
من نية لم تكن أيمانا يلزم بها حكم وحكم
ماضيها كمستقبلها انتهى. ص: "وهالله" ش: قال
في التوضيح قال محمد بن عبد الحكم وإن قال
لاها الله هي يمين كقوله تالله انتهى. وقال في
الذخيرة قال ابن عبد الحكم لا هالله يمين نحو
بالله انتهى. وفي الفرق التاسع والعشرين
والمائة المسألة الثالثة قال اللخمي قال ابن
عبد الحكم هالله يمين توجب كفارة مثل قوله
تالله فإنه يجوز حذف حرف القسم وإقامة هاء
التنبيه مقامه وقد نص
(4/399)
وأيم الله وحق
الله والعزيز وعظمته وجلاله وإرادته وكفالته
وكلامه والقرآن والمصحف وإن قال أردت وثقت
بالله ثم ابتدأت لأفعلن دين لا بسبق لسانه
ـــــــ
النحاة على ذلك انتهى. ص: "وأيم الله" ش: قال
في الذخيرة يقال أيمن الله وأيم الله ومن الله
وم الله انتهى. وقال في الصحاح وأيمن الله اسم
وضع للقسم هكذا بضم الميم والنون وألفه ألف
وصل عند أكثر النحويين ولم يجئ في الأسماء ألف
وصل مفتوحة غيرها. وقيل ألف أيمن ألف قطع وهو
جمع يمين وإنما خففت همزتها وطرحت في الوصل
لكثرة استعمالهم لها وربما حذفوا منه النون
فقالوا أيم الله وأيم لله أيضا بكسر الهمزة
وربما حذفوا منه الياء قالوا إم الله وربما
أبقوا الميم وحدها مضمومة قالوا م الله ثم
يكسرونها لأنها صارت حرفا واحدا فيشبهونها
بالباء فيقولون م الله وربما قالوا من الله
بضم الميم والنون ومن الله بفتحهما ومن الله
بكسرهما. وقال أبو عبيد وكانوا يحلفون باليمين
يقولون يمين الله لا أفعل. انتهى كلام الصحاح.
ص: "والعزيز إلى آخره" ش: قال في الذخيرة
أسماء الله تعالى يجوز الحلف بها وتوجب
الكفارة على تفصيل يأتي. ثم قال وهي على أربعة
أقسام ما ورد السمع به ولا يوهم نقصا نحو
العليم فيجوز إطلاقه إجماعا وما لم يرد به
السمع وهو يوهم فيمتنع إطلاقه إجماعا نحو
متواضع وما ورد به الشرع وهو موهم فيقتصر على
محله نحو مالك وما لم يرد به الشرع وهو غير
موهم فلا يجوز إطلاقه عند الشيخ أبي الحسن
ويجوز عند القاضي نحو السيد وقيل بالوقف قال
أبو
(4/400)
وكعزة الله
وأمانته وعهده وعلي عهد الله إلا أن يريد
المخلوق وكأحلف وأقسم وأشهد إن نوى وأعزم إن
قال بالله وفي أعاهد الله قولان
ـــــــ
الطاهر فكل ما جاز إطلاقه صار الحلف به وأوجب
الكفارة وإلا فلا فتنزل الأقسام المتقدمة على
هذه الفتيا انتهى. وفي الجواهر ولو قال
وبالشيء أو الموجود وأراد به إلا له سبحانه
وتعالى كان يمينا انتهى. تنبيه: قال في
الذخيرة وفي البيان إذا قال علم الله لا فعلت
استحب له الكفارة احتياطا تنزيلا له منزلة علم
الله. قال سحنون إن أراد الحلف وجبت الكفارة
وإلا فلا لأن حروف القسم قد تحذف انتهى. وما
ذكره عن البيان هو في رسم الأقضية من سماع
أشهب من كتاب النذور الأول وإنما ذكره في
البيان بلفظ يعلم الله بالمضارع ثم ذكر ابن
رشد عن سحنون علم الله. وفي الذخيرة بعد هذا
في الألفاظ التي يلزم بها الكفارة منها يعلم
الله وانظر كلام التونسي والله أعلم. ص: "وعلى
عهد الله إلا أن يريد المخلوق" ش: يعني أن من
قال على عهد الله أن لا أفعل كذا فهي يمين
وتجب عليه بذلك الكفارة. ص: "إلا أن يريد
المخلوق" ش: راجع إلى قوله "وكعزة الله
وأمانته وعهده" أي العزة التي خلقها في عباده
والأمانة التي خلقها فيهم والعهد الذي جعله
بينهم.
مسألة" قال البرزلي في مسائل الطلاق عن
المسائل المنسوبة للرماح إذا قيل له تزوج
فلانة فقال لها الذمام لا أتزوجها فلا تحرم
عليه بذلك فإن أراد بالذمام ذمة الله فهي يمين
يكفر عنها ثم يتزوجها وإن أراد به ذمامة الناس
التي تجري على ألسنتهم فليس ذلك بيمين انتهى.
(4/401)
لا بلك علي عهد
أو أعطيك عهدا وعزمت عليك بالله وحاش الله
ومعاذ الله والله راع أو
ـــــــ
تنبيه: قال ابن رشد في البيان في آخر رسم سلعة
سماها من سماع ابن القاسم من كتاب النذور
الأول إن العهد إذا لم يخرج مخرج اليمين وإنما
خرج مخرج المعاقدة والمعاهدة مثل أن يقول
الرجل للرجل لك علي عهد الله أن أنصحك وأن لا
أخونك وأن لا أفعل كذا وكذا فهذا أعظم من أن
تكون فيه كفارة فيلزم فيه التوبة والاستغفار
ويتقرب إلى الله بما استطاع من الخير. قال
وقاله في كتاب ابن المواز والواضحة انتهى.
قلت: وهذا الذي أشار إليه المصنف بقوله "لا
بلك علي عهد أو أعطيك عهدا" لكن ظاهر كلام
المصنف أنه إنما قال لك علي عهد من غير إضافة
إلى الله سبحانه وشرحه الشارح على ظاهره ولم
ينبه على ما إذا قال لك علي عهد الله أن لا
أفعل كذا وقد علمت أن الحكم أنه لا كفارة في
ذلك لعظمه والله أعلم.
مسألة: إذا قال علي كذا وكذا إذا لم ينو بها
اليمين وادعى أنه أراد شيئا آخر صدق. انتهى من
البرزلي. ص: "وعزمت عليك بالله" ش: قال
الفاكهاني في شرح عمدة الأحكام في كتاب اللباس
في شرح قوله صلى الله عليه وسلم وإبرار
المقسم. والمقسم به فيه معنيان أحدهما أن
الحالف إذا حلف على شيء مأمور أن يبر في يمينه
وهذا لا خلاف في وجوبه أو ما يقوم مقام الوفاء
بذلك وهو الكفارة. الثاني: أن يكون المراد أن
تبر يمين من حلف عليك وهذا على قسمين تارة
يشوبه معنى السؤال كقوله بالله إلا ما فعلت
كذا وتارة لا يشوبه كأن يقول والله لتفعلن
ونحو ذلك وسواء في هذا الإثبات والنفي وهو
مندوب في الوجهين أن يبر قسمه لكنه يتأكد في
الثاني لوجوب الكفارة عليه دون الأول وذلك
إضرار به. وهذا كله مع عدم المعارض الشرعي فإن
وجد معارض عما بمقتضاه كما ثبت أن أبا بكر رضي
الله عنه لما عبر الرؤيا بحضرته صلى الله عليه
وسلم فقال أصبت بعضا وأخطأت بعضا. فقال أقسمت
عليك يا رسول الله لتخبرني فقال لا تقسم ولم
يخبره انتهى. وقال في الذخيرة في كتاب الأيمان
في أواخر الباب الثاني ما نصه.
فرع: قال في الكتاب إذا حلف على رجل ليفعلن
فامتنع فلا شيء عليهما. وقاله
(4/402)
كفيل والنبي
والكعبة
ـــــــ
الشافعي. قال ابن يونس إذا أقسم عليك لتفعلن
فيحنث إذا لم تجبه انتهى. ويشير بذلك لقوله في
المدونة إن قال لرجل أعزم عليه بالله إلا فعلت
كذا فيأبى فهو كقوله أسألك بالله لتفعلن كذا
وكذا فامتنع فلا شيء على واحد منهما انتهى.
قال في النوادر وعن ابن حبيب وينبغي أن يجيبه
ما لم يكن معصية وهو من قول الله تعالى
{وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ
بِهِ وَالْأَرْحَامَ} [النساء: من الآية1]
وكذلك أن يقال بالله وبالرحم فإن لم يفعل فلا
كفارة على واحد منهما. وأما قوله أقسمت عليك
بالله لتفعلن كذا فهذا يحنث الذي أقسم إن لم
يجبه الآخر كقوله حلفت عليك بالله وأما إن لم
يقل فيهما بالله ولا نواه فلا شيء عليه انتهى
ونقله أبو الحسن. وقال الشيخ زروق في شرح
الإرشاد إذا قال أقسمت عليك بالله فلا يخلو
أمره إما أن يقصد اليمين فتجب أو لم يقصده فلا
تجب إلا على القول بتعلقها باللفظ وهو خلاف
المشهور فيجري فيه الخلاف من وجه آخر وإن لم
يقصد شيئا فهل يحمل على اليمين أو لا قولان
ولو قال عزمت عليك بالله ولم يقصد يمينا
فالأصح ليست بيمين وكذا أعزم عليك به وأسألك
به انتهى.
فائدة: قال النووي في الأذكار يكره منع من سأل
بالله وتشفع به. روينا في سنن أبي داود
والنسائي بأسانيد الصحيحين عن ابن عمر رضي
الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم "من استعاذ بالله فأعيذوه ومن سأل بالله
فأعطوه ومن دعاكم فأجيبوه ومن صنع إليكم
معروفا فكافؤه فإن لم تجدوا ما تكافؤنه به
فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه"1 انتهى.
ومنه أيضا كره أن يسأل بوجه الله سبحانه غير
الجنة. روينا في سنن أبي داود عن جابر رضي
الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم "لا يسأل بوجه الله إلا الجنة"2 انتهى.
وفي كتاب الذكاة من الترغيب والترهيب قال عن
أبي موسى الأشعري أنه سمع رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول "ملعون من سأل بوجه الله ملعون
من سئل بوجه الله ثم منع سائله ما لم يسأل
هجر". رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح إلا
شيخه يحيى بن عثمان بن صالح وهو ثقة وفيه
كلام. وهجرا بضم الهاء وإسكان الجيم أي ما لم
يسأل أمرا قبيحا لا يليق ويحتمل أنه أراد ما
لم يسأل سؤالا قبيحا بكلام قبيح انتهى. ص:
"والنبي والكعبة" ش: قال في التوضيح في قول
ابن الحاجب واليمين بغير ذلك مكروه وقيل حرام
أي بغير اليمين بالله وصفاته كالحلف بالكعبة
والنبي.
ـــــــ
1رواه أبو داود في كتاب الزكاة باب 38. كتاب
الأدب باب 108 النسائي في كتاب الزكاة باب 72.
أحمد في مسنده "2/68, 96, 99, 127".
2رواه أبو داود في كتاب الزكاة باب 37.
(4/403)
.................................
ـــــــ
والأظهر من القولين التحريم لحديث الموطأ
والصحيحين عن عمر رضي الله عنه قال قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم "إن الله ينهاكم أن
تحلفوا اليمين بالطلاق والعتاق" وقد نصبوا على
تأديب الحالف بهما ولا يكون الأدب في المكروه
إلا أن يقال إطلاق الأيمان عليهما مجاز ألا
ترى إلى حروف القسم لا تدخل عليهما انتهى.
وقال القرطبي في شرح قوله صلى الله عليه وسلم
"إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم" 1 إنما
نهى عن ذلك لأن فيه تعظيم غير الله بمثل ما
يعظم به الله وذلك ممنوع وهذا جار في كل محلوف
به غيره تعالى. وإما ذكر الآباء لأنه السبب
الذمي أثار الحديث حين سمع عمر يحلف بأبيه
ويشهد له قوله "من كان حالفا فليحلف بالله"2
فظاهر النهي التحريم فيتحقق فيما إذا حلف بملة
غير الإسلام أو بشيء من المعبودات دون الله أو
كانت الجاهلية تحلف به كالدماء والأنصاب فهذا
لا يشك في تحريمه وأما الحلف بالآباء والأشراف
ورؤوس السلاطين وحياتهم ونعمتهم ومشاكل ذلك
فظاهر هذا الحديث تناولهم بحكم عمومه. ولا
ينبغي أن يختلف في تحريمه. وأما ما كان معظما
في الشرع مثل النبي والكعبة والعرش والكرسي
وحرمة الصالحين فأصحابنا يطلقون على الحلف بها
الكراهة وظاهر الحديث وما قدمناه من النظر في
المعنى يقتضي التحريم انتهى. وتقدم في التوضيح
أن الأظهر من القولين التحريم. وقال في الشامل
هو المشهور. وقال ابن ناجي واختلف في اليمين
بما هو مخلوق فقيل ممنوع قاله اللخمي ونحوه
قول ابن بشير أنه حرام وقيل مكروه قاله ابن
رشد وصرح الفاكهاني بأن المشهور الكراهة وهذا
إذا كان الحالف بهذه الأشياء المعظمة صادقا
وأما إن حلف بها كاذبا فلا شك في التحريم لأنه
كذب والكذب محرم واستهزاء بالمحلوف به المعظم
في الشرع بل ربما كان كفرا والعياذ بالله إن
كان في حق النبي صلى الله عليه وسلم ونحوه
والله أعلم. وقال في الذخيرة قاعدة توحيد الله
تعالى بالتعظيم ثلاثة أقسام واجب إجماعا
كتوحيده بالعبادة والخلق والأرزاق فيجب على كل
أحد أن لا يشرك معه تعالى غيره في ذلك وما ليس
بواجب إجماعا كتوحيده بالوجود والعلم ونحوهما
فيجوز أن يتصف بذلك غير إجماعا ويختلف فيه
كالحلف به تعالى فإنه تعظيم له. واختلف
العلماء هل يجوز أن يشرك فيه معه غيره أم لا؟
وإذا
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب مناقب الأنصار باب 36.
كتاب التوحيد باب 13. كتاب الأدب باب 74. مسلم
في كتاب الأيمان حديث 1, 2, 3 الترمذي في كتاب
باب 8, 9. النسائي في كتاب الأيمان باب 4, 5,
6 10. ابن ماجة في كتاب الكفارات باب 2.
الموطأ في كتاب النذور حديث 14. أحمد في مسنده
" 2/ 7, 8, 11, 20, 48, 76" 5/ 62".
2 رواه البخاري في كتاب مناقب الأنصار باب 26.
كتاب الأدب باب 74 أبو داود في كتاب الأيمان
باب 4. الترمذي في كتاب النذور باب 9. النسائي
في كتاب الأيمان باب 4. ابن ماجة في كتاب
الكفارات باب 2. الدارمي في كتاب النذور باب
6. الموطأ في كتاب النذور حديث 14. أحمد في
مسنده "1/47" 2/ 487".
(4/404)
..................................
ـــــــ
قلنا بالمنع فهل يمتنع أن يقسم على الله ببعض
مخلوقاته فإن القسم بها تعظيم لها نحو قولك
بحق محمد اغفر لنا ونحوه وقد حصل فيه توقف عند
بعض العلماء ورجح عنده التسوية انتهى وفيه نظر
لأن المحذور إنما هو التعظيم بالحلف لورود
النهي عن الحلف بذلك وأما التعظيم بغير الحلف
فليس بمحذور فإن الله لم يمنعنا أن نعظم بعض
عباده بل أمرنا بذلك وأوجبه علينا في حق رسله
وملائكته وأصحاب نبيه وأوليائه. وقد ورد في
صحيح البخاري في فضل العباس بن عبد المطلب رضي
الله عنه عن أنس رضي الله عنه "أن عمر بن
الخطاب رضي الله عنه كان إذا قحطوا استسقى
بالعباس بن عبد المطلب فقال اللهم إنا كنا
نتوسل إليك بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم
فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا قال
فيسقون" انتهى. وفعل سيدنا عمر لذلك إنما كان
بمحضر الصحابة ولم ينكره أحد فدل على جوازه
والله أعلم. تنبيه: قال القرافي في الذخيرة
إثر كلامه السابق ولا يشكل على القول بالمنع
قسمه تعالى ببعض مخلوقاته كقوله تعالى
{وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} {وَالسَّمَاءِ}
{وَالشَّمْسِ} وغير ذلك لأن من العلماء من قال
تقديره أقسم برب الزيتون. وقيل أقسم بها لينبه
عباده على عظمتها عنده فيعظمونها ولا يلزم من
الحجر علينا الحجر عليه بل هو الملك المالك
على الإطلاق يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد
انتهى. وقال قبله سؤال قال عليه السلام في
حديث الأعرابي للسائل عما يجب عليه أفلح وأبيه
إن صدق فقد حلف عليه السلام بمخلوق. جوابه أنه
منع الصحة في هذه اللفظة فإنها ليست في الموطأ
وأنه منسوخ بالحديث المتقدم ذكره صاحب
الاستذكار وأما بأن هذا خرج مخرج توطئة الكلام
لا الحلف نحو قولهم قاتله الله ما أكرمه وقوله
عليه السلام لعائشة رضي الله عنها ترتبت يداك
خرج عن الدعاء إلى توطئة الكلام انتهى. وقال
البرزلي في مسائل الصلاة وفي أسئلة عز الدين
هل يقسم على الله في دعائه بمعظم من خلقه
كالنبي والولي والملك أو يكره فأجاب جاء في
بعض الأحاديث أنه عليه السلام علم الناس
الدعاء فقال اللهم إني أقسم عليك بنبيك محمد
نبي الرحمة. فإن صح هذا فينبغي أن يكون مقصورا
عليه صلى الله عليه وسلم لأنه سيد ولد آدم ولا
يقسم على الله بغيره من الملائكة والأنبياء
والأولياء فإنهم ليسوا في درجته ويكون من
خصائصه تنبيها على درجة وارتفاع رتبته.
قلت: وكان شيخنا الفقيه يختار الجواز يحتج
بسؤال عمر بن الخطاب في خطبة الاستسقاء بقوله
اللهم إنا نتوسل إليك بعم نبيك العباس حين
أخرجه للاستسقاء وكان يتقدم لنا لعله من بركته
عليه السلام لأنه من سببه وبإضافته إليه فلا
يكون فيه دليل واحتجوا أيضا بتضرع الشيخ
الصالح المؤدب محرز بن خلف وسؤاله البرء ابنة
الشيخ أبي محمد ورغبته إلى الله ببركة أبيها
وبقول العبد الذي استسقى بالبصرة بحبك لي إلا
ما أسقيتنا الساعة إلى غير ذلك من الحكايات
العديدة وهو الأظهر لأن مظنة إجابة الدعاء كما
شرع الدعاء في بقاع الصالحين وعند قبورهم وغير
ذلك من أماكنهم لأنه من عقد نيته في شيء انتفع
به كما ورد وبالله التوفيق انتهى.
(4/405)
وكالخلق
والإماتة أو هو يهودي وغموس بأن شك أو ظن وحلف
ـــــــ
قلت: وهذا كله توسل وهو غير القسم. والقسم أن
يقول أقسمت عليك بنبيك محمد صلى الله عليه
وسلم أو أقسم عليك به كما في الحديث الذي ذكره
أما التوسل فالظاهر أنه جائز والله أعلم. ص:
"وكالخلق والأمانة" ش: ولم يبين حكم الحلف بها
قال القرطبي في قوله فليحلف بالله. لا يفهم
منه قصر اليمين الجائزة على هذا الاسم بل حكم
جميع أسماء الله حكم هذا الاسم كالعزيز
والعليم والسميع والبصير وهذا متفق عليه وكذلك
الحكم في الحلف بصفات الله كقوله وعزة الله
وعلمه وقدرته مما تتمحض فيه للصفة. ولا ينبغي
أن يختلف في هذا القسم أنه كالأول وأما ما
يضاف إلى الله وليس بصفة كقوله وخلق الله
ونعمته ورزقه وبيته فهذه ليست بأيمان جائزة
لأنها حلف بغير الله على ما تقدم. وبين هذين
القسمين قسم آخر متردد بينهما فاختلف فيه
لتردده كقوله وعهد الله وأمانته فعندنا أنها
أيمان ملحقة بالقسم الأول لأنها صفات وعند
الشافعي ليست بأيمان انتهى. وفي الجواهر لا
يجوز اليمين بصفات الفعل ولا تجب فيها الكفارة
كقوله وخلق الله ورزق الله انتهى. ص: "وهو
يهودي" ش: قال في المدونة وإن قال إن فعلت كذا
فهو يهودي أو نصراني أو مجوسي أو كافر بالله
أو بريء من الإسلام فليست هذه أيمانا وليستغفر
الله مما قال. وقوله لعمري أو هو زان أو سارق
أو قال والصلاة والصيام والحج أو قال هو يأكل
لحم الخنزير والميتة أو يشرب الدم أو الخمر أو
يترك الصلاة أو عليه لعنة الله أو غضبه أو
أحرمه الله الجنة أو أدخله النار وكل ما دعا
به على نفسه لم يكن بشيء من هذا يمينا. وكذلك
قوله وأبي وأبيك وحياتي وحياتك وعيشي وعيشك
وهذا من كلام النساء وضعفاء الرجال وأكره
اليمين بهذا أو بغير الله أو رغم أنفي لله ومن
كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت انتهى. قوله
ليستغفر الله قال في الذخيرة لأنه التزم هتك
حرمة الله على تقدير ممكن واللائق بالعبد
الامتناع من ذلك مطلقا. ووافقنا ابن حنبل في
الإثم وأوجب الكفارة. وقال الحنفية ليس بآثم
وتجب الكفارة. ص: "وغموس" ش: تصوره واضح.
تنبيهات: الأول: قال ابن عرفة لا لغو ولا غموس
في مستقبل وتعليق ابن الحاجب اللغو به لا
أعرفه وقبوله ابن عبد السلام وقوله يتأتى في
المستقبل كالماضي والحال وأكثر كلام الشيوخ
حصرها فيهما يرد بأن شأن العلم الحادث تعلقه
بما وقع لا بمستقبل لأنه غيب فلا يلزم
(4/406)
................................
ـــــــ
من ترك الكفارة في حلفه على ما وقع تركها في
حلفه جزما على ما لم يقع لعذر الأول وجراءة
الثاني. التونسي الأشبه في المستقبل ممتنع
كوالله لا تطلع الشمس غدا أنه غموس.
قلت: هو ظاهر قولها على تعمد الكذب. الصقلي من
حلف مهددا بعض أهله مجمعا على الكفارة وعدم
الوفاء بيمينه لم يأثم.
قلت: ظاهره لو كان غير مهدد أثم انتهى. وقال
ابن الحاجب ولا كفارة في لغو اليمين وهي
اليمين على ما يعتقده ثم تبين خلافه ماضيا أو
مستقبلا. قال في التوضيح مثال الماضي والله ما
جاء زيد وهو يعتقد ذلك ومثال المستقبل والله
ما يأتي غدا وهو يعتقده انتهى. ثم قال في
التوضيح في الكلام على الغموس ولا كفارة في
الغموس سواء تعلقت بالماضي أو بالمستقبل.
فالماضي واضح والمستقبل كما لو كانت يمينه على
ما لا يصح وجوده أو قد علم أنه لا يوجد كقوله
والله لأقتلن فلانا غدا وقد علم أنه ميت أو
لأطلعن السماء اليوم أو لا تطلع الشمس غدا ولم
يجزم التونسي بحصولها في المستقبل بل قال
والأشبه أنها غموس ومثله بما ذكرناه وأكثر
كلام الشيوخ يقتضي انحصار اللاغية في الماضي
وأطال وأنها لا تتناول المستقبل. وذكر بعض
الشيوخ حصر اليمين الغموس في الماضي خاصة وليس
كذلك انتهى. ونص كلام ابن عبد السلام ولما كان
اليمين اللاغية في المشهور على نحو ما فسر
المصنف وكان ذلك متأتيا في المستقبل مثل ما
يتأتى في الماضي صح وجود اللاغية بالزمن
الماضي والمستقبل كما أشار إليه المؤلف وأكثر
كلام الشيوخ إلى آخره. ثم قال في الكلام على
الغموس اعلم أن متعلق الاعتقاد قد يكون ماضيا
وقد يكون مستقبلا كمن يحلف على عدم طلوع الشمس
في غد. وإنما ذكرنا هذا لأن بعض الشيوخ حصر
اليمين الغموس في الماضي خاصة وليس كذلك
انتهى. وقال البرزلي المشهور أن متعلق الغموس
واللغو الماضي وأما المستقبل فقال ابن الحاجب
يتعلقان به ثم ذكر كلام ابن عبد السلام وابن
عرفة.
الثاني: قال ابن عرفة الشيخ روى ابن حبيب
الإلغاء في اليمين لمكر أو قطع حتى يصيرها
غموسا وما كان لعذر أو خوف سخط أخيك فلا بأس
به انتهى.
الثالث: قال في التوضيح بعد ذكره الكلام في
الحلف على الشك والظن وهذا كله إذا أطلق
اليمين وأما إن قيدها فقال في ظني أو ما أشبه
ذلك فلا شيء عليه. انتهى وانظر البساطي.
الرابع: الغموس تكون في الطلاق بمعنى أنه يأثم
في الحلف بها ويلزمه الطلاق. قال في المقدمات
في كتاب الأيمان بالطلاق ويأثم إذا حلف على
الغيب أو على الكذب أو على الشك كما يأثم في
اليمين بالله إذا حلف على شيء من ذلك انتهى.
(4/407)
بلا تبين صدق
وليستغفر الله وإن قصد بكالعزى التعظيم فكفر
ولا لغو على ما يعتقده فظهر
ـــــــ
الخامس: سميت غموسا لأنها تغمس صاحبها في
النار وقيل في الإثم. ابن عبد السلام وهو
الأظهر لأنه سبب حاصل. مالك وهي أعظم من أن
تكفر وهي من الكبائر وقاله في التوضيح. وقال
في المسائل الملقوطة يلزم التعزير في مسائل
منها اليمين الغموس. انتهى والله أعلم. ص:
"وإن قصد بكالعزى التعظيم فكفر" ش: أي وإن لم
يقصد فحرام وهذه طريقة ابن الحاجب تبعا لابن
بشير. وأشار ابن دقيق العيد في شرح العمدة إلى
نفي عدم قصد التعظيم قال لأن الحالف بشيء معظم
له. انتهى بالمعنى من التوضيح. تنبيه: ورد في
صحيح مسلم "من قال واللات فليقل لا إله إلا
الله ومن قال تعال أقامرك فليتصدق"1 قال
القرطبي لما نشأ القوم على تعظيم تلك الأصنام
وعلى الحلف بها وأنعم الله عليهم بالإسلام
بقيت تلك الألفاظ تجري على ألسنتهم من غير قصد
للحلف فأمر النبي صلى الله عليه وسلم من نطق
بذلك أن يقول لا إله إلا الله تكفيرا لتلك
اللفظة وتذكيرا من الغفلة وإتماما للنعمة. وخص
اللات لأنها أكثر ما كانت تجري على ألسنتهم
وحكم غيرها من أسماء آلهتهم حكمها. والقول في
قوله تعال أقامرك كالقول في اللات لما ذم
النبي صلى الله عليه وسلم المقامر بالغ في
الزجر عنها وعن ذكرها حتى إذا ذكرها الإنسان
طالبا للمقامرة أمره بصدقة والظاهر وجوبها
عليه لأنها كفارة مأمور بها وكذلك قوله لا إله
إلا الله على من قال واللات ثم هذه الصدقة غير
محدودة ولا مقدرة فيتصدق بما تيسر انتهى. ص:
"ولا لغو على ما يعتقده فظهر نفيه"
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب تفسير سورة 53 باب 2.
كتاب الأدب باب 74. كتاب الاستئذان باب 52.
كتاب الأيمان باب 5. مسلم في كتاب الأيمان
حديث 4, 5. أبو داود في كتاب الأيمان باب 3.
الترمذي في كتاب النذور باب 18. النسائي في
كتاب الأيمان باب 11. أحمد في مسنده "2/ 309".
(4/408)
نفيه ولم يفد
في غير الله كالاستثناء بإن شاء الله إن قصده
كإلا أن يشاء الله
ـــــــ
ش: قال ابن ناجي قال ابن عبد السلام عبارة
المؤلف يعني ابن الحاجب هي اليمين على ما
يعتقده خير من عبارة من عبر عن هذا المعنى
باليقين أو من جمع بينه وبين الظن فقال يظنه
في يقينه فإن الاعتقاد قد يتبدل ويظهر خلافه
فيكون جهلا وأما اليقين فلا يتبدل. ص: "ولم
يفد في غير الله كالاستنثاء بإن شاء الله" ش:
وفي حكم اليمين بالله النذر المبهم. قال في
المدونة ولا ثنيا ولا لغو في طلاق ولا مشي ولا
صدقة ولا غير ذلك إلا في اليمين بالله أو نذر
لا مخرج له انتهى. وقاله في موضع آخر منها
ونقله في التوضيح. قال الشيخ أبو الحسن قال
ابن رشد وكذلك من حلف بالمشي أو بالصدقة أو ما
أشبه ذلك مما فيه قربة على قول من يقول إن فيه
كفارة يمين. ذكره في رسم باع من سماع ابن
القاسم من كتاب النذور انتهى. ونصه في الرسم
المذكور في النذر الأول لا اختلاف أعلمه في
المذهب في أن اللغو لا يكون إلا في
(4/409)
أو يريد أو
يقضي على الأظهر وأفاد بكإلا في الجميع إن
اتصل
ـــــــ
اليمين بالله أو بشيء من صفاته أو أسمائه أو
في نذر لا يسمى له مخرج لأن الله لم يذكره إلا
في اليمين التي أوجب فيه الكفارة فقال تعالى
{لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي
أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ
(4/410)
إلا لعارض ونوى
الاستثناء وقصد ونطق به وإن سرا بحركة لسان
إلا أن يعزل في يمينه أولا
ـــــــ
يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ
الْأَيْمَانَ} [المائدة: من الآية89] ويجيء
على من أوجب كفارة اليمين بالله في الحلف
بالمشي والصدقة وما أشبه ذلك مما فيه قربة
وطاعة أن يكون اللغو في ذلك والله أعلم.
(4/411)
كالزوجة في
الحلال علي حرام وهي المحاشاة وفي النذر
المبهم واليمين والكفارة
ـــــــ
انتهى. وكذلك الأيمان اللازمة لا يدخلها اللغو
والاستثناء وذكر البرزلي في مسائل الأيمان
تخريجا في ذلك فانظره.
فرع: قال ابن جزي ويجري مجرى الاستثناء بمشيئة
الله مشيئة غيره كقوله إن شاء فلان أو إلا إن
بدا لي وشبه ذلك انتهى. ص: "وفي النذر المبهم
واليمين للكفارة" ش: قال ابن عرفة ويوجبها
يعني الكفارة لحنث وينقسم إلى الأحكام الخمسة
لثبوته بنقيض المحلوف عليه ولا يخلو عنها.
وقاله ابن بشير وقصره اللخمي على الأربعة غير
المحرم لوضوحه انتهى. وقال القرافي في الفرق
الثاني والثلاثين بعد المائة إن الحلف مباح
والحنث مباح انتهى. وفي الجواهر ولا يحرم
الحنث باليمين لكن الأولى أن لا يحنث إلا أن
يكون الخير في الحنث. انتهى ونحوه في اللباب.
قال القرطبي في تفسيره اختلفوا في الكفارة قبل
الحنث هل تجزى أم لا بعد إجماعهم على أن الحنث
قبل الكفارة مباح حسن وهو عندهم أولى انتهى.
ثم قال في توجيه القول بمنع الكفارة قبل الحنث
ومن جهة المعنى أن الكفارة إنما هي لرفع الإثم
وما لم يحنث لم يكن هناك ما يرفع ولا معنى
لفعلها انتهى. وقوله في النذر المبهم قال في
المدونة وإن قال علي نذر أو لله علي نذر أو
حلف بذلك فحنث فعليه كفارة يمين. قال أبو
الحسن
(4/412)
والمنعقدة على
بر بإن فعلت ولا فعلت أو حنث بلأفعلن أو إن لم
أفعل إن لم يؤجل
ـــــــ
قال ابن وهب قال الرسول عليه السلام "من نذر
نذرا لم يسمه فكفارته كفارة يمين"1. انتهى.
ولما في مسلم "كفارة النذر كفارة يمين"2. قال
في التوضيح ولا يمكن حمله على نذر يمين لأنه
لو كان نذر طاعة لزم أن يأتي بالطاعة التي نذر
فتعين حمله على ما لا مخرج له انتهى.
فرع: قال في سماع عيسى من قال علي نذر لا
كفارة له إلا الوفاء به فعليه كفارة يمين وفي
النوادر ومن نذر نذرا لا مخرج له بلفظ ولا نية
فليطعم عشرة مساكين وإن كان في يمين فحنث
فليكفر كفارة يمين ومن كتاب ابن المواز وقوله
إن فعلت كذا فعلي نذر أو فعلي النذر أو فلله
علي نذر سواء وفيه الكفارة وكذلك قوله إن لم
أفعل كذا من طاعة أو معصية. وأما إن قال علي
نذر أن أفعل كذا أو لا أفعلن كذا فلا كفارة
عليه وليف بالطاعة ويكف عن المعصية. ومن قال
علي نذر لا يكفره صدقة ولا صيام فعليه كفارة
يمين وكذلك قوله نذر لا كفارة له انتهى. وقال
ابن عرفة وفي النذر المبهم كعلي نذر ولو قيد
بلا كفارة له إلا الوفاء به كفارة يمين انتهى.
ص: "واليمين" ش: قال في المدونة ومن قال علي
يمين إن فعلت كذا ولا نية له فعليه كفارة يمين
كقوله علي نذر أو عهد انتهى ص: "والمنعقدة على
بر بأن فعلت أو لا فعلت أو حنث بلأفعلن أو إن
لم أفعل إن لم يؤجل" ش: قال ابن عرفة ويمين
البر ما متعلقها نفي أو وجود مؤجل ويمين الحنث
خلافها. اللخمي عن محمد يمينه ليكلمن زيدا أو
ليضربن هذه الدابة كمؤجلة لأن حياتهما كأجل.
وعكس ابن كنانة لقوله من حلف بعتق جاريته
ليسافرن فله وطؤها وليذبحن بعيره لا يطؤها
انتهى. وقال في التوضيح البر هو أن يكون
الحالف بإثر حلفه موافقا لما كان عليه من
البراءة الأصلية والحنث أن يكون الحالف بحلفه
مخالفا لما كان عليه من البراءة الأصلية
انتهى.
ـــــــ
1 رواه ابن ماجة في كتاب الكفارات باب 17.
2 رواه مسلم في كتاب النذر حديث 12. أبو داود
في كتاب الأيمان: باب 25 الترمذي في كتاب
النذور باب 4. النسائي في كتاب الأيمان باب
41. أحمد في مسنده "4/144, 147".
(4/413)
إطعام عشرة
مساكين لكل مد
ـــــــ
قلت: قوله موافقا لما كان عليه من البراءة
الأصلية يعني أنه لا يطلب في بر يمينه بفعل
يفعله بخلاف صيغة الحنث فإنه يطلب في بر يمينه
بأن يأتي بما حلف عليه وإلا فلا يمكن أن يكون
الحالف موافقا لما كان عليه من البراءة
الأصلية لأنه قبل اليمين لا حرج عليه في الفعل
أو الترك بخلاف حاله بعد اليمين فإنه إن فعل
ما حلف على تركه حنث والله أعلم. وقوله بأن
فعلت قال في التوضيح ولا إشكال أن إن في صيغة
الحنث شرطية كقوله والله إن لم أتزوج لا أقيم
في هذه البلدة وأما "إن في" صيغة البر فنص ابن
عبد السلام على أنها حرف نفي كقوله والله إن
كلمت فلانا ومعناه لا أكلم فلانا لأن كلم وإن
كان ماضيا فمعناه الاستقبال إذ الكفارة لا
تتعلق إلا بالمستقبل. فإن قيل فما صرف الماضي
إلى الاستقبال قيل الإنشاء إذ الحلف إنشاء وقد
ذكره النحويون من صوارف الماضي إلى الاستقبال.
وقول ابن عبد السلام إن "إن" في صيغة البر
للنفي إن أراد به إذا لم يكن هناك جزاء فمسلم
وإلا فهي مع الجزاء شرط كقولك والله إن كلمت
فلانا لأعطينك مائة أو والله إن دخلت الدار
فلا كلمتك ونحو ذلك انتهى. ص: "إطعام عشرة
مساكين لكل مد" ش: بدأ بالإطعام لموافقة
الكتاب العزيز ولم يبين ما الأفضل من الثلاثة
كما
(4/414)
.................................
ـــــــ
فعل في الصيام. وذكر القرطبي في تفسير قوله
{فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ
مَسَاكِينَ} [المائدة: من الآية89] الآية ما
نصه ذكر الله سبحانه الخصال الثلاثة فخير فيها
وعقب عند عدمها بالصوم وبدأ
(4/415)
.................................
ـــــــ
بالطعام لأنه كان الأفضل في بلاد الحجاز لغلبة
الحاجة إليه وعدم شبعهم ولا خلاف في أن كفارة
اليمين على التخيير. قال ابن العربي والذي
عندي أنها تكون بحسب الحال فإن علمت محتاجا
فالطعام أفضل لأنك إذا أعتقت لم ترفع حاجتهم
وزدت محتاجا حادي عشر إليهم وكذلك الكسوة تليه
ولما علم الله الحاجة بدأ بالمقدم والمهم
انتهى.
فروع: الأول: قال ابن عرفة قال اللخمي زوج
المرأة وولدها الفقيران كأجنبي والطعام من
الحب المقتات غالبا انتهى.
الثاني: لا تجزئ القيمة عن الإطعام والكسوة.
الثالث: قال البرزلي في أوائل مسائل الأيمان
وسئل التونسي عمن قوتهم التمر وربما كان قوتهم
الرطب فهل يجزئ إخراجه عن الفطرة والكفارة
فأجاب الذي عندي إنما يجزئ من التمر الذي قد
استحكم نشافه وأمكن ادخاره لا من الرطب وإن
اقتيت به في بعض الأوقات لأن الغالب اقتيات
التمر ولأن الرطب ينقص إذا جف فلو أخرج منه
أربعة أمداد نقصت إذا جفت عن أربعة التمر
فيكون مخالفا لحديث أبي سعيد ونهى عليه السلام
عن التمر بالرطب متماثلا للمزابنة. ولو أخرج
أكثر من صاع من الرطب لخالف الحديث لأنه محدود
ولو أخرج عدل الشبع من الرطب في الأيمان أرجو
أن يجزئه إذ ليس فيه توقيت. وإذا كان يأكل
أنواع التمر في السنة فلينظر معظم أكله وأكثره
وأقربه من وقت الإخراج ولو أكل أكثر العام
نوعا فلما كان زمن الفطرة والكفارة أكل نوعا
آخر وجب إخراجه من الأكثر إلا أن يطول زمن
انتقاله فليخرج منه. وهذا مذهب من اعتبر قوت
المكفر ومن اعتبر قوت الناس نظر
(4/416)
وندب بغير
المدينة زيادة ثلثه أو نصفه أو رطلان خبزا
بأدم
ـــــــ
إلى الغالب من قوتهم ذلك الوقت فيخرج منه.
قلت: ما أقتوا به من الوسط هو جار على قول
مالك لا على قول ابن القاسم وقول ابن القاسم
حيثما أخرج مدا بمده عليه السلام أجزأه انتهى.
ومن البرزلي أيضا وسئل التونسي عما إذا أخرج
عشرة أمداد من التمر في بلد عيشهم ذلك فأجاب
إنما يخرج وسط الشبع منه لأن الوسط إنما هو من
القمح وغيره لا بد أن يزيد ولا يخفى الوسط.
وكذا أجاب ابن محرز وزاد ولا يجزئ الأغدل
وعشاء الوسط.
الرابع: قال البرزلي وسئل ابن أبي زيد عن
المحجور إذا حنث باليمين بالله تعالى هل يكفر
بأحد الأصناف الثلاثة إن كان له مال أو لحاجره
منعه من الصوم. فأجاب من لم يبلغ فلا يمين
عليه ومن بلغ من السفهاء فالكفارة عليه في
ماله ومن لا مال له صام إلا أن يكفر عنه وليه.
قال البرزلي تتخرج المسألة عندي على مسألة
الظهار انتهى.
الخامس: قال البرزلي من التزم الكفارة عن غيره
إذا حنث فحنث لزم الملتزم الوفاء بها وعهدتها
عليه ولا شيء على الحالف انتهى.
السادس: قال القرطبي من أخرج مالا ليعتق رقبة
في كفارة فتلف كانت الكفارة باقية عليه بخلاف
المخرج المال في الزكاة ليدفعه إلى الفقراء أو
ليشتري به رقبة فتلف لم يكن عليه
(4/417)
كشبعهم أو
كسوتهم للرجل ثوب وللمرأة درع وخمار ولو غير
وسط أهله
ـــــــ
غيره لامتثال الأمر انتهى. ص: "كشبعهم" ش:
يريد أنه يجزئه أن يشبعهم في الغداء والعشاء.
قال في المدونة وإن غدى وعشى في كفارة اليمين
بالله أجزأه ولا يجزئه غداء دون عشاء ولا عشاء
دون غداء ويطعم الخبز مأدوما بزيت ونحوه
انتهى. وفي الشامل ويجزئ الغداء والعشاء على
المشهور إن أشبعهم ولو دون الأمداد انتهى.
فظاهر كلام المصنف إن شبعهم يكفي ولو مرة
واحدة وليس كذلك والله أعلم. فرع: قال في
مختصر الوقار وإن شاء أن يجمعهم على طعام عنده
يغدي العشرة حتى يشبعهم ويعشيهم خبزا وأدما
عدسا أو زيتا ثم قال ومن وجبت عليه كفارة في
يمين بالله أو بعهد الله أو بميثاقه أو
بكفالته أو في نذر لم يسم له مخرجا فغدى لذلك
عشرة مساكين وعشى عشرة مساكين غيرهم فلا يجزئه
ذلك عن يمينه حتى يعشي العشرة الذين غدى أو
يغدي العشرة الذين عشى انتهى. ص: "وللمرأة درع
وخمار" ش: قال ابن عرفة ويجزئ للقصيرة ما لا
يجزئ للطويلة انتهى. قال في المدونة وإن كسا
في الكفارة لم يجزئه إلا ما تحل فيه الصلاة
ثوب للرجل ولا تجزئ عمامة وحدها وللمرأة درع
وخمار انتهى. قال أبو الحسن قال أبو محمد صالح
يظهر أن الخمار أكبر من الكنبوش وأبين منه. في
الرسالة وخمار تتقنع به انتهى. وما ذكره عن
الرسالة هو في باب طهارة الماء والثوب قال فيه
فأقل ما يجزئ المرأة من اللباس في الصلاة
الدرع الخصيف السابغ الذي يستر ظهور قدميها
وخمار تتقنع به. قال الجزولي الخمار يستر
رأسها وعنقها انتهى. وقال الشيخ زروق في شرحه
له والخمار ما يستر الرأس والصدغين انتهى.
وقال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب يعطى للرجل
ثوب ساتر في الصلاة ولا تجزئ العمامة وحدها
وفي معنى الثوب الإزار الذي يمكن الاشتمال به
في الصلاة. وتعطى المرأة درعا وخمارا وهما أقل
ما يجزئها في الصلاة. والخمار
(4/418)
والرضيع
كالكبير فيهما أو عتق رقبة كالظهار ثم صوم
ثلاثة أيام ولا تجزئ ملفقة
ـــــــ
بكسر الخاء سمي بذلك لأنه يخمر الرأس أي يغطيه
انتهى. ص: "والرضيع كالكبير فيهما" ش: ظاهر
كلامه أنه يعطى للصغير ولو لم يأكل الطعام وهو
ظاهر كلام الباجي على ما نقله في التوضيح عنه
وظاهر المدونة وكلام ابن رشد على ما نقله
المصنف في التوضيح وظاهر كلام ابن الحاجب أنه
لا يعطى وأما إن أكل الطعام فإن استغنى
بالطعام أعطي بلا كلام وإن لم يستغن فمذهب
المدونة الإعطاء. كذا نقل المصنف. وأما في
الكسوة فنقل ابن عرفة في كراهية ذلك خلافا
ونصه وفي كراهة كسوة الصغير ثالثها الرضيع
ورابعها من لم يؤمر بالصلاة. للباجي عن ابن
القاسم وسماعه عيسى والصقلي عن محمد وابن حبيب
انتهى. ص: "ثم صومه ثلاثة" ش: يعني إذا عجز عن
أحد الثلاثة صام والمعتبر في العجز يوم إخراج
الكفارة. قال ابن عرفة الباجي المعتبر حاله
حين تكفيره لا يوم يمينه ولا حنثه انتهى. قال
في المدونة وإن كفر بالصيام معسر قبل حنثه ثم
حنث بعد يسره فلا شيء عليه انتهى.
تنبيه: لا ينتقل للصوم إذا كان واجدا للرقبة
في بلده. ذكره ابن عرفة في صوم المتمتع عن
الهدي. ص: "ولا تجزئ ملفقة" ش: قال في الشامل
ولا تصح ملفقة من عتق وغيره اتفاقا كإطعام
وكسوة على المشهور فلو فعل الثلاث عن ثلاث
ناويا كل نوع من واحدة أجزأ إلا من عتق إن ترك
كغيره على المشهور وبنى على ثلاثة من الإطعام
كالكسوة ثم يطعم سبعة ويكسو مثلها ويكفر عن
الثلاثة وصحح بناؤه على تسعة انتهى. وقال في
التوضيح إذا كفر
(4/419)
ومكرر لمسكين
وناقص كعشرين لكل نصف إلا أن يكمل وهل إن بقي
تأويلان وله نزعه إن بين بالقرعة وجاز لثانية
إن أخرج وإلا كره
ـــــــ
عن ثلاث كفارات بعتق وكسوة وإطعام فلا خلاف في
الإجزاء سواء عين كل كفارة اليمين أو لا
انتهى. وقوله في الشامل وصحح بناؤه على تسعة
هذا اختيار اللخمي. قال ابن الحاجب وقال
اللخمي يبني على تسعة وهو الصحيح. وقال في
التوضيح وما ذكره عن اللخمي هو قول جميع
الشيوخ وقد نص عليه فضل بن أبي سلمة والتونسي
انتهى. وقال في الكبير وما ذكره اللخمي قال
ابن عبد السلام هو مذهب جميع الشيوخ لا أعلم
منهم فيه خلافا ونص على مثله فضل والتونسي
انتهى. وما صدر به في الشامل هو قول محمد في
الموازية. قال ابن عرفة وقبله الشيخ والصقلي.
وقال التونسي الصواب على تسعة وتبعه اللخمي
قائلا قول محمد غلط. قال ابن عرفة بل وجهه
انصراف كل نوع ليمين حكما فيبطل ما أضيف منه
لغيرها بالتشريك ويصح فيما بقي من قابلي
التفريق لا العتق لامتناعه انتهى. وقال في
التوضيح وكان شيخنا يوجه قول ابن المواز بما
معناه أن من قاعدة ابن المواز أنه لا يبتدئ
كفارة من نوع الأول قبل أن يكمل الأولى انتهى.
ثم قال في الشامل وعلى الشاذ يبني على تسعة من
كل منهما ويبطل الثلث من كل كان شرك في كل
مسكين إلا أن يزيد لمن وجده ثلثي مد فيعتد به
انتهى. وقال في التوضيح لو قصد التشريك في كل
مسكين لم يصح له شيء اتفاقا إلا أن يعلم أعيان
المساكين فيزيد كل واحد منهم ثلثي مد. انتهى
ونقله في الكبير وهو في ابن عبد السلام.
تنبيه: وأما الجمع بين الخصال الأربعة في
الكفارة الواحدة فيستحب. قال القرافي في
التنقيح في الفصل السادس من الباب الرابع
الفائدة الثالثة الأشياء المأمور بها على
الترتيب أو على البدل قد يحرم الجمع بينهما
وذكر أمثلة ذلك ثم قال وقد تستحب كخصال
الكفارة في الظهار من المرتبات وخصال كفارة
الحنث مما شرع على البدل انتهى. قال في شرح
التنقيح إثر هذا الكلام وكفارة الظهار مرتبة
وكفارة حنث اليمين مخير فيها على البدل والكل
يستحب الجمع بين خصالها من العتق والكسوة
والإطعام والصيام لأنها مصالح وقربات تكثر
وتجتمع وإن كان بعضها إذا انفرد لا يجزئ عن
المرتبات انتهى. ص: "وهل إن بقي تأويلان" ش:
هما قولان
(4/420)
وإن كيمين
وظهار وأجزأت قبل حنثه ووجبت به إن لم يكره
ـــــــ
قال ابن عرفة وفي شرط البناء عليه بقيامه
قولان لأحمد بن خالد زاعما أنه ظاهرها وعياض
مع الأكثر وإن قول أحمد بن خالد بظاهرها. قال
ابن عرفة قلت: بنصها إجزاء الغداء والعشاء
انتهى. قلت: في كلام عياض ما يدل على أنه إنما
رد عليه بمسألة الغداء والعشاء خلاف ما يعطيه
كلام ابن عرفة أنه هو المراد به فتأمله والله
أعلم. ص: "وأجزأت قبل حنثه" ش: هذا هو المشهور
وهو مذهب المدونة لكنه استحب كونها بعده قاله
في التوضيح. ص: "ووجبت به إن لم يكره"
(4/421)
...............................
ـــــــ
ش: مفهوم قوله يكره أن عدم الإكراه يحنث فيه
مطلقا وأما مع الإكراه فلا يحنث بالبر ويحنث
إن كان على حنث. قال في مختصر قواعد القرافي
في القاعدة السادسة قواعد الأيمان.
تنبيه: إذا قلنا بأن الإكراه على الحنث يمنع
من لزوم موجب اليمين فأكره على أول مرة من
الفعل ثم فعله مختارا يحنث. قاله ابن أبي زيد
وهو مقتضى الفقه بسبب أن الإكراه لم يندرج في
اليمين فالواقع بعد ذلك بالاختيار هو أول مرة
صدرت من مخالفة اليمين والأولى لا عبرة بها.
ومثل هذه المسألة إذا حلف بالطلاق لا يكلم
زيدا فخالع امرأته وكلم زيدا لم يلزمه بهذا
الكلام طلاق فلو رد امرأته وكلمه حنث عند مالك
رحمه الله انتهى.
(4/422)
ببر وفي علي
أشد ما أخذ أحد على أحد بت من يملك وعتقه
وصدقة بثلثه ومشي بحج وكفارة وزيد في الأيمان
يلزمني صوم سنة إن اعتيد حلف به وفي لزوم شهري
ظهار تردد
ـــــــ
فرع: إذا حلف على غيره ليفعلن فأكرهه على
الفعل فقال في كتاب العتق من المدونة لا يبر
إلا أن ينوي ذلك يعني أنه يفعل ذلك الفعل
طائعا أو مكرها وإن لم ينو فيمينه محمولة على
الطواعية وإنما يصدق في نيته إذا جاء مستفتيا.
وهل له أن يكره المحلوف عليه على الفعل إن كان
ملكا له فله ذلك وإلا فليس له أن يكرهه ولو
زوجة. قال أبو الحسن فإن أكره زوجته عصى وبرأ
نظره فيه وأما إذا حلف على غيره لا يفعل فأكره
الغير على الفعل فذكر ابن عرفة فيه في باب
الأيمان قولين فانظره والله أعلم. ص: "وعتقه"
ش: فإن لم يكن في ملكه شيء فقال الباجي يلزمه
عتق رقبة وقال ابن زرقون هذا غير معروف. وقبل
ابن عرفة كلام ابن زرقون وقال في التوضيح فيه
نظر لقوله في الجواهر عن الطرطوشي إن
المتأخرين أجمعوا على أنه إن لم يكن له رقيق
فعليه عتق رقبة انتهى. وقال في الشامل بت من
يملكه حين حلفه من زوجة ومملوك وصفة بثلثه
ومشى في نسك انتهى. وقال في التوضيح الباجي
وإن لم يكن عنده امرأة أو مملوك لم يلزمه فيمن
يتزوج في المستقبل ولا من يشتريه في المستقبل
وعليه عتق رقبة لا أكثر انتهى. ص: "وزيد في
الأيمان تلزمني صوم سنة" ش: تصوره ظاهر. ونقل
البرزلي في مسائل الأيمان عن ابن الحاج فيمن
حلف بأيمان المسلمين تلزمه إنه يلزمه ما يلزم
في الأيمان اللازمة. قال البرزلي قلت: أما
إلزامه يعني ابن الحاج في أيمان المسلمين ما
يلزم في الأيمان اللازمة فقد رأيت لابن علو أن
أحد المفتيين بتونس أنه لا يلزمه فيها إلا
ثلاث كفارات لأن أيمان المسلمين الجارية
الجائزة هي الأيمان بالله تعالى ويأتي الكلام
عليها انتهى. ص: "إن اعتيد حلف به" ش: تصوره
ظاهر.
(4/423)
وتحريم الحلال
في غير الزوجة والأمة لغو تكررت إن قصد تكرر
الحنث أو كان العرف
ـــــــ
مسألة: قال البرزلي وسئل السيوري عمن يقول
المشي إلى مكة لا فعلت ولا يريد بها اليمين
فهل عليه يمين أم لا فأجاب إذا قصد ما وصفت
ولم يزد على المشي لا شيء عليه. قلت: إن لم
تتقرر عادة أو نوى عدم اليمين فواضح وأما إن
تقررت عادة باللزوم وهو قصد الحالفين فإنه
يلزمه. وكذا كان شيخنا يقول فيمن قال الصوم
يلزمه أنه يلزمه سنة إلا أن ينوي غير ذلك لأن
عادة الحالفين جرت بذلك وأما لو قال المشي إلى
مكة يلزمني أو صوم العام يلزمني ونوى فريضة
الحج وصوم رمضان فلا يلزمه شيء وهو توريك إلا
أن يكون استحلفه أحد وقلنا اليمين على نية
المستحلف فيلزمه وفيه خلاف كثير مشهور. ص:
"والأمة" ش: يريد إذا نوى بذلك العتق. قال في
الشامل ولا يحرم غيرها يعني الزوجة ولو أمة
إلا أن ينوي عتقها. ص: "وتكررت إن قصد تكرر
الحنث" ش: يعني أن من حلف أن لا يفعل فعلا
ففعله فإنما يحنث بفعله مرة واحدة ثم لا كفارة
عليه فيما بعد ذلك إلا أن يكون قصد تكرر الحنث
كلما فعله فيتكرر عليه الحنث. قال ابن عرفة
وحنث اليمين يسقطها ولذا لا يتعدد ما يوجبه
الحنث بتكرر موجبه إلا بلفظه أو نية أو عرف
انتهى. فهذه المسألة ليست من تكرر اليمين
بخلاف ما يأتي.
(4/424)
كعدم ترك الوتر
أو نوى كفارات
ـــــــ
تنبيه فهم من قول ابن عرفة حنث اليمين يسقطها
أنه لو فعل المحلوف عليه ولم يحنث كما لو أكره
على ذلك الفعل وقلنا لا يحنث ثم فعله مرة
ثانية فإنه يحنث كما تقدم عن القرافي عند قول
المصنف "ووجبت به إن لم يكره ببر". ص: "أو كان
العرف كعدم ترك الوتر" ش: ذكر ابن رشد في ذلك
قولين ولم يرتض ابن عرفة ذلك والله أعلم. ص:
"أو نوى كفارات" ش: يعني أنه كرر اليمين ونوى
أن يكرر الكفارات فإنها تكرر .
(4/425)
أو قال لا ولا
أو حلف أن لا يحنث أو بالقرآن والمصحف والكتاب
أو دل لفظه بجمع أو بكلما أو مهما لا متى ما
ووالله ثم والله وإن قصده
ـــــــ
عليه. ص: "أو دل لفظه بجمع" ش: لعله يشير بذلك
إلى من قال إن فعلت كذا فعلي أربعة أيمان ونحو
ذلك كما ذكره في التوضيح وغيره أو على عشر
كفارات أو عهود كما قاله ابن الحاجب والله
أعلم. ص: "ووالله ثم والله وإن قصده" ش: يعني
أن الحالف بالله أو بشيء من أسمائه أو صفاته
إذا كرر اليمين على ذلك الشيء بعينه فإنما
عليه كفارة واحدة. قال ابن عرفة وتتعدد
الكفارة بتكرير اليمين على واحد بالشخص بنية
تعدد الكفارة وتتحد بنية التأكيد وإلا
فطريقان. ابن رشد لا تتعدد عند مالك وأصحابه
بالله في "والله" ثم والله ثم والله. اللخمي
ولو في مجالس. وقاله محمد وأرى تعددها. وقال
ابن عبد الحكم تتعدد في والله ووالله وتتحد في
والله والله ثم قال وتكرير المقسم به دون
المقسم عليه وتكريرهما معا سواء وتتعدد في
تكرير النذر المبهم عطفا وغيره ولو معلقا على
معين ولو قبل ذكره
(4/426)
والقرآن
والتوراة والإنجيل ولا كلمه غدا وبعده ثم غدا
وخصصت نية الحالف وقيدت إن نافت وساوت
ـــــــ
كعلي نذر ونذر إن كلمت زيدا ما لم ينو الاتحاد
ثم قال وفي تعددها بتكرير الصفة المختلفة
اللفظ ثالثها إن تغايرت انتهى. قال ابن عبد
السلام والمصنف في التوضيح والمشهور عدم
التكرر. ثم قال ابن عرفة وفي تكرير الحلف
بالله موصوفا بصفات متغايرة كفارة واحدة ثم
قال وتتعدد في ذكر الصفة مع الذات كوالله
وعزته وفي اليمين مع النذر كقول محمد والله لا
فعلت كذا أو علي نذر كفارات انتهى. وقال ابن
عبد السلام أما إذا كان اللفظ من الأسماء
واللفظ الثاني من الصفات فالحكم تعدد الكفارة
اه. وقال في الشامل ولزمه ثلاث كفارات في
القرآن والمصحف والكتاب وكفارتان في والعزيز
وعزة الله انتهى. ص: "ولا أكلمه غدا وبعده ثم
غدا" ش: قال ابن عرفة ويتعدد موجب الحنث كفارة
أو غيرها بتعدد اليمين مع تغاير متعلقها ولو
بكونه جزء من الأجزاء ولازما مساويا على رأي
انتهى فصل في تخصيص النية. ص: "وخصصت نية
الحالف وقيدت إن نافت وساوت" ش: لما فرغ رحمه
الله من الكلام على حد اليمين وصيغتها واليمين
الموجب للكفارة وأنواع الكفارة وتكريرها
واتحادها أتبعه بالكلام على مقتضيات البر
والحنث فذكر من ذلك خمسة أمور الأول النية.
الثاني: البساط. الثالث العرف القولي. الرابع:
المقصد اللغوي. الخامس: المقصد الشرعي. وبدأ
بالكلام على النية فقال وخصصت نية الحالف الخ.
يعني أن النية تخصص العام وتقيد المطلق إذا
صلح اللفظ لها. قال في الجواهر النية تقيد
المطلقات وتخصص العمومات إذا صلح لها اللفظ
نقله في الذخيرة.
(4/427)
.................................
ـــــــ
ومعنى كون اللفظ صالحا لها كما قال ابن عبد
السلام أن لا يكون اللفظ صريحا فيما نواه
الحالف ولو كان كذلك لما افترق الحكم فيه بين
ما يكون الحالف فيه على نية وبين ما لا يكون
كذلك بل لا بد أن يكون اللفظ محتملا لما نواه
ولغيره انتهى. قال القرافي في الفرق الثامن
والعشرين والمائة اعلم أن الألفاظ نصوص وظواهر
فالنصوص لا تقبل المجاز ولا التخصيص والظواهر
هي التي تقبلها. والنصوص قسمان: الأول: أسماء
الأعداد كالخمسة والعشرة فلا يجوز أن تطلق
العشرة وتريد بها التسعة ولا غيرها من مراتب
الأعداد فهذا هو المجاز وأما التخصيص فلا يجوز
أن تقول رأيت عشرة ثم تبين بعد ذلك مرادك بها
وتقول أردت خمسة فإن التخصيص مجاز أيضا لكنه
يختص ببقاء بعض المسمى والمجاز قد لا يبقى معه
من المسمى شيء كما تقول رأيت إخوتك ثم تقول
بعد ذلك أردت بإخوتك نصفهم فهذا تخصيص والمجاز
الذي ليس بتخصيص أن تقول أردت بإخوتك مساكنهم
فليس المساكن بعض الإخوة فلم يبق من المسمى
شيء فالمجاز أعم من التخصيص.
القسم الثاني من النصوص الألفاظ التي هي مختصة
بالله تعالى نحو لفظ الجلالة ولفظ الرحمن فإنه
لا يجوز استعمالهما في غير الله ألبتة إجماعا.
فلو قال والله والرحمن لا فعلت كذا وقال أردت
بلفظ الجلالة والرحمن غير الله عز وجل وعبرت
بهذا اللفظ عن بعض المخلوقات لله تعالى من باب
إطلاق الفاعل على أثره والحلف بالمخلوق لا
يلزم به كفارة هل تسقط عنه الكفارة. قلت: ظاهر
كلام العلماء أن هذا تلزمه الكفارة إذا حنث
وأن هذين اللفظين لا يجوز استعمالهما في غير
الله وما امتنع شرعا فهو كالمعدوم حسا فهذا
الامتناع شرعي والامتناع في الأعداد لغوي
انتهى. وقوله "إن نافت" أصله نافيت فتحركت
الياء وانفتح ما قبلها قلبت ألفا ثم حذفت
الألف لالتقاء الساكنين كما في "ساوت" ومعناه
أن من شرط النية المخصصة أن تكون منافية أي
مخالفة لمقتضى اللفظ بمعنى أن يكون لفظ الحالف
يقتضي ثبوت الحكم لصور والنية المخصصة تنفي
ذلك الحكم عن تلك الصور. قال القرافي في الفرق
التاسع والعشرين من شرط المخصص أن يكون منافيا
للمخصص ومتى لم تكن النية منافية لم تكن مخصصة
وكذلك المخصصات اللفظية إذا لم تكن معارضة لا
تكون منافية انتهى. وهذا إنما هو في المخصصة
لا في المقيدة كما يفهم من كلام المصنف. قال
في الذخيرة .
تنبيه: سئل الحالف باللفظ العام فإن قال أردت
بعض أنواعه لا يلتفت لنيته ويعتبر عموم لفظه
لأن هذه النية مؤكدة للفظ في ذلك النوع غير
صارفة له عن بقية الأنواع ومن شرط المخصصة أن
تكون صارفة. فإن أردت إخراج ما عدا هذا النوع
حملت يمينه على ما بقي بعد الإخراج ومن شرط
النية المخصصة أن تكون منافية لمقتضى اللفظ
بخلاف المقيدة وقاله الأئمة،
(4/428)
.................................
ـــــــ
وهذا مقام لا يحققه أكثر مفتي العصر انتهى.
وقال المقري في قواعده إثر نقله لهذا الكلام
قلت: شرط التخصيص منافاة حكم الخاص للعام وإلا
فهو تقييد. فإذا قال الله عز وجل {حُرِّمَتْ
عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة:
من الآية3] فإن قلنا بعمومه يتناول المسفوح
وغيره ولا يختص بقوله {دَماً مَسْفُوحاً}
[الأنعام: من الآية145] لموافقته له خلافا
لأبي ثور. وإن قلنا بإطلاقه تقيد فمن ثم جاء
القولان في تحريم الدم غير المسفوح انتهى.
وقال في لباب اللباب القاعدة السابعة الفرق
بين النية المؤكدة والمخصصة فالمؤكدة هي
الموافقة لمدلول اللفظ والمخصصة منافية مثل أن
يقول والله لا لبست ثوبا ونوى كتانا. قال عز
الدين بن عبد السلام رحمه الله تعالى الفقهاء
يفتون أنه لا يحنث إلا بالكتان والصواب أن
يقال يحنث في الكتان باللفظ والنية لأن النية
هنا مؤكدة ويحنث في غيره بعموم اللفظ وإن
استحضر غير الكتان في نيته ونوى إخراجه عن
عموم اللفظ لم يحنث به لأن النية حينئذ مخصصة
لأن من شرط المخصص أن يكون منافيا انتهى. وقال
ابن عبد السلام المالكي تقييد المطلق لا يلزم
منه مخالفة الظاهر لأن المقيد يستلزم المطلق
بخلاف تخصيص العام فإنه يلزم منه مخالفة
الظاهر لأن الدليل اللفظي يقتضي ثبوت الحكم
لصورة أو صور والنية المخصصة تنفي ذلك الحكم
عن تلك الصور انتهى. فتبين مما ذكرناه أن
المنافاة إنما هي شرط في المخصصة لا في
المقيدة ومفهوم قوله "إن نافت" أنها إن لم
تناف تخصص وهو كذلك وهو النية المؤكدة وهو
معنى قول ابن عبد السلام. ولا خفاء أن النية
إن كانت موافقة لظاهر اللفظ أنها مقبولة في
القضاء والفتيا انتهى. وهو معنى قول ابن عرفة
والنية إن وافقت ظاهر اللفظ اعتبرت اتفاقا
انتهى. وقوله "وساوت" يعني إذا قلنا من شرط
النية المخصصة أن تكون منافية فمن شرطها أيضا
أن تكون منافاتها وعدم منافاتها على حد السواء
لأن المنافية على أربعة أوجه الأول أن تخالف
النية ظاهر اللفظ بأشد من مدلوله كمن حلف لا
يأكل زيتا فيقول أردت سائر الأدهان. الثاني:
أن تخالف ظاهر اللفظ ويكون قصد مخالفتها اللفظ
وقصد عدم مخالفتها له سواء أي يمكن أن يقصد
باللفظ الصادر عنه ما ادعى أنه أراده ويمكن أن
لا يقصد على حد السواء كما ذكر ابن غازي.
الثالث: أن تخالف ظاهر اللفظ وتوافق الاحتمال
المرجوح القريب من التساوي. الرابع: أن تخالف
ظاهر اللفظ وتوافق الاحتمال المرجوح البعيد
جدا. فقال المصنف من شرط النية المخصصة أن
تكون منافية كما تقدم ومن شرطها أن تكون
منافاتها وعدم منافاتها على السواء كما تقدم
فإذا كانت كذلك فتكون مخصصة وتقبل في القضاء
والفتيا. وهذا يفهم من إطلاق المصنف هنا
وتقييده في الوجه الثالث أعني الثاني في كلامه
بقوله إلا لموافقة.
تنبيهان: الأول قال ابن بشير لكن يستظهر عليه
بيمين أنه أراد ما ادعاه إن نواه. قال ابن عبد
السلام هو مما تتردد فيه الأشياخ وهو من أيمان
التهم والأقرب هنا توجهها احتياطا
(4/429)
في الله وغيرها
ـــــــ
لحق الله انتهى. هذا لا يفهم من كلام المصنف.
وذكر في البيان في رسم العتق من سماع أشهب أن
النية إن كانت محتملة ولم يشهد لها ظاهر الحال
ولا دليل عرف ولا مقصد ولم تكن مخالفة لظاهر
اللفظ وكانت مما يحكم به ولم يأت مستفتيا أنه
يلزمه اليمين قال وأما إن شهد للنية ظاهر
الحال أو دليل من العرف فإن اليمين تسقط وإن
كانت مخالفة لظاهر اللفظ فلا يصدق فيها بيمين
ولا بغير يمين. هذا إذا لم يأت مستفتيا أما
إذا أتى مستفتيا أو كانت يمينه مما لا يحكم
عليه بها فينوي فيما نواه دون يمين وإن كانت
نيته التي نوى خلاف ظاهر لفظها انتهى. ودخل في
الوجه الأول من الأربعة في كلام المؤلف
بالأحروية أعني قوله يقبل في القضاء والفتيا.
الثاني: قال القرافي في التنقيح العام هو
اللفظ الموضوع لمعنى كلي بقيد يتبعه في محاله
نحو {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: من
الآية5] وقال في الشرح أي يتبعه بحكمه في
محاله إما وجوبا أو تحريما أو إباحة وبهذا
يخرج المطلق فإن المطلق لا يتبع بل يقتصر به
على فرد انتهى. وقال في جمع الجوامع العام لفظ
يستغرق الصالح له من غير حصر فقوله يستغرق
الصالح له يعني أنه يتناول جميع ما يصلح له
دفعة وبهذا يخرج المطلق. وقوله من غير حصر
ليخرج به اسم العدد من حيث الآحاد فإنه
يستغرقها بحصر كعشرة. ثم قال القرافي والمطلق
هو اللفظ الموضوع لمعنى كلي نحو رجل والمقيد
هو الذي أضيف إلى مسماه معنى زائد عليه نحو
رجل صالح انتهى. وقال في جمع الجوامع المطلق
الدال على الماهية بلا قيد انتهى. فعند
القرافي أن النكرة والمطلق سواء وهكذا قال
الآمدي وابن الحاجب وعند السبكي أن اللفظ في
المطلق والنكرة واحد والفرق بينهما بالاعتبار.
فإن اعتبرت في اللفظ دلالته على الماهية بلا
قيد سمي مطلقا واسم جنس وإن اعتبرت دلالته على
الماهية مع قيد الوحدة الشائعة سمي نكرة. قال
السبكي وعلى الفرق بينهما أسلوب المنطقيين
والأصوليين والفقهاء حيث اختلفوا فيمن قال
لامرأته إن كان حملك ذكرا فأنت طالق فكان
ذكرين فقيل لا تطلق نظرا للتنكير المشعر
بالتوحيد وقيل تطلق حملا على الجنس والله
أعلم. فإن قيل قد ذكرت عن القرافي وابن راشد
أن الحالف لا ألبس ثوبا ونوى كتانا أنه يحنث
بالكتان باللفظ والنية ويحنث في غيره بعموم
اللفظ فلم لم يجعلوا هذه النية مقيدة والمصنف
قد قال إن النية تقيد فالجواب أن لفظ الثوب
هنا ليس مطلقا بل هو عام لكن النكرة في سياق
النفي تفيد العموم فالنية هنا إنما هي مخصصة
لا مقيدة ومن شرط المخصص أن يكون منافيا والله
أعلم. ص: "في الله وغيرها كطلاق" ش: أشار به
إلى أنه لا فرق في اليمين التي خصصت بما تقدم
بين أن يكون بالله أو
(4/430)
كطلاق ككونها
معه في لا يتزوج حياتها
ـــــــ
بالصيام أو بالصدقة ولأجل الخلاف الذي في
الطلاق والعتاق هل يسميان يمينا حقيقة أو
مجازا أتى بقوله كطلاق فهو تمثيل لقوله
"وغيرها" ومثل الطلاق العتق. ثم مثل للنية
المنافية المتساوية الاحتمال بفرع من فروعها
وأدخل عليه كاف التشبيه ليعم بقية الفروع فقال
ص: "ككونها معه في لا يتزوج حياتها" ش: ويشير
به إلى ما قال ابن يونس ونصه قال ابن المواز
وأما ما يقبل فيه قوله في القضاء والفتيا مثل
أن يحلف لزوجته بطلاق من يتزوج في حياتها أو
يكون ذلك شرطا في نكاحها فتبين منه ثم يتزوج
ويقول نويت ما كانت تحتي فيصدق. ومثل الذي
يعاتبها زوجها في دخول بعض قرابتها إليها
فتحلف بالحرية لا دخل علي أحد من أعلى فلما
مات قالت نويت ما كان حيا فذلك لها في القضاء
وإن قامت عليها بينة. ابن يونس وكذلك مسألة
العاشر والذي يعجب من عمل عبده فيقول ما أنت
إلا حر وذلك مذكور في كتاب العتق انتهى. قال
في كتاب العتق الأول من المدونة ومن يعجب من
عمل عبده أو من شيء رآه منه فقال له ما أنت
إلا حر أو قال له تعال يا حر ولم يرد بشيء من
ذلك الحرية وإنما أراد تعصيني فأنت في معصيتك
إياي كالحر فلا شيء عليه في القضاء ولا في
الفتيا. وقال مالك في عبد طبخ لسيده طبيخا
فأعجبه صنعه فقال له أنت حر وقامت بذلك بينة
أنه لا شيء عليه لأن معنى قوله "أنت حر"
الفعل. ولو مر على عاشر فقال هو حر ولم يرد
بذلك الحرية فلا شيء عليه فيما بينه وبين الله
وإن قامت بذلك بينة لم يعتق أيضا إذا علم أن
السيد دفع بذلك عن نفسه ظلما انتهى. وقال في
البيان في مسألة الحالفة لا دخل عليها أحد من
أهلها في سماع ابن القاسم في رسم سلعة سماها
من كتاب الأيمان إن طلاقها منه بمنزلة موته
عنها. ثم قال في أثناء المسألة قيل لمالك
أرأيت إن لم تحضرها نية قال أحب إلي أن تأخذ
في ذلك بالاحتياط وأن لا يدخلهم عليها. قال
ابن رشد إذا لم تكن لها نية فالواجب أن تنظر
إلى ما جر بيمينها من عتاب زوجها إياها فإن
كان إنما عاتبها لعصيانها إياه في أن تدخلهم
بيتها وهو يكرههم ويشاررهم فلا حنث عليها في
إدخالها إياهم عليها بعد موته أو طلاقه وإن
كان إنما عاتبها لما كره لها من مخالطتها
إياهم فهي حانثة إن أدخلتهم بعد موته أو طلاقه
وإن لم يتحقق أحد الوجهين كان الاستحباب أن
تأخذ بالاحتياط كما قال مالك انتهى.
فرع: يتعلق بمسألة الحالف لزوجته بطلاق من
يتزوج في حياتها. قال ابن رشد في رسم كتب عليه
ذكر حق من سماع ابن القاسم من كتاب الأيمان
بالطلاق ولو لم يكن المحلوف بها زوجة له فقال
إن تزوجت ما عاشت فلانة فكل امرأة أتزوجها
طالق ثم أراد أن يتزوج
(4/431)
كأن خالفت ظاهر
لفظه كسمن ضأن في لا آكل سمنا أو لا أكلمه
وكتوكيله في لا يبيعه أو لا يضربه
ـــــــ
قبل أن تموت وقال أردت ما عاشت وكانت زوجة
لفلان أو ما أشبه ذلك لم ينو في ذلك مع قيام
البينة عليه ولم يكن له أن يتزوج ما عاشت إلا
أن يخاف على نفسه العنت انتهى. ثم لما فرغ
المصنف من الوجه الثاني أتبعه بالكلام على
الوجه الثالث وإن أدخل عليه الكاف فقال ص:
"كأن خالفت ظاهر لفظه" ش: ليفيد أنه كالثاني
في جميع أحكامه في كونه يقبل في الفتيا وغيرها
في اليمين بغير الطلاق والعتق وفي اليمين
بالطلاق والعتق إذا لم تكن مرافعة ولا إقرار
وهذا الوجه هو الذي تخالف النية فيه ظاهر
اللفظ وتوافق الاحتمال المرجوح القريب من
التساوي ثم ذكر له أمثلة أشار إلى الأول منها
بقوله ص: "كسمن ضأن في لا آكل سمنا" ش: ويريد
بذلك ما قال ابن يونس ولو حلف لا يأكل سمنا
وقال نويت سمن ضأن أو حلف لزوجته في جارية له
إن كان وطئها وهو يريد بقدمه فله نيته في هذا
في الفتيا دون القضاء انتهى. وأشار إلى المثال
الثاني بقوله ص: "أو لا أكلمه" ش: يعني أن من
حلف لا أكلم فلانا ثم كلمه بعد ذلك وقال نويت
شهرا فله نيته في الفتيا دون القضاء ويشير به
إلى ما قال ابن يونس ونصه قال ابن المواز وأما
ما يقبل منه في الفتيا دون القضاء فهو كل من
حلف أن لا يفعل شيئا ولم يذكر تأبيدا ثم قال
نويت شهرا أو حتى يقدم فلان وذلك أنه أظهر
يمينا تدل على التأبيد وادعى ما يقطع التأبيد
فيصدق في الفتيا ولا يصدق في القضاء انتهى.
ومثله كما قال ابن عبد السلام ما قال في
المدونة ومن حلف بطلاق أو عتق أن لا يشتري
ثوابا فاشتراه وشيئا أو صنفا سواه وقال نويت
ذلك الصنف أو حلف أن لا يدخل هذه الدار ثم
دخلها بعد شهر وقال أردت شهرا فله نيته في
الفتيا لا في القضاء إن قامت عليه بينة انتهى.
وأشار إلى المثال الثالث بقوله ص: "وكتوكيله
في لا يبيعه ولا يضربه" ش: يعني أن من حلف لا
يبيع عبده فأمر غيره وقال نويت بنفسي أو حلف
لا ضرب عبده فأمر غيره فضربه وقال نويت بنفسي
فله نيته في الفتيا دون القضاء على أحد
التأويلين الآتيين على المدونة. قال في كتاب
النذور منها وإن حلف لا ضرب عبده فأمر غيره
فضربه حنث إلا أن ينوي بنفسه وإن حلف ليضربنه
فأمر غيره فضربه بر إلا أن ينوي بنفسه وإن حلف
أن لا يبيع سلعة فأمر غيره فباعه له حنث ولا
يدين. وقال قبله ومن حلف أن لا يشتري عبدا
فأمر غيره فاشتراه له حنث انتهى نصها. قال ابن
يونس قال ابن المواز إذا كانت له نية في
الشراء أو البيع أن لا يليه لأنه قد غبن غير
مرة فله نيته وأما إن كره شراءه أصلا فقد حنث
وقاله أشهب ولم ينوه ابن القاسم انتهى. وفي
التبصرة قال فيمن حلف ليضربن عبده فأمر من
ضربه بر، وإن
(4/432)
................................
ـــــــ
حلف لا يضربه فأمر من ضربه حنث إلا أن ينوي أن
لا يضربه بنفسه وإن حلف أن لا يبيعه فأمر من
باعه حنث ولم ينو. وقال محمد ينوي فنواه في
الضرب إذا أمر من ضربه لأن من السادات من يطمن
عبده بمثل ذلك لئلا يهرب أو غير ذلك من العذر
وأرى أن ينوي في البيع إن قال خفت ذهابه
فأمنته بمثل ذلك ولو حلف في سلعة لا باعها لم
ينو إذا كانت اليمين بالطلاق أو بما يقضى به
عليه إلا أن يبين لذلك وجها. قال في التوضيح
وإلى هذا أشار التونسي وتأول مسألة البيع على
أن يمينه كانت بما يقضى عليه فيه بالحنث فإنه
قال وإن حلف ليضربن عبده فأمر غيره فضربه بر
لأن الناس إنما يقصدون بهذا إيلام العبد لا
أنه يضربه بيده وإن حلف لا ضربته فأمر غيره
فضربه حنث لأن القصد الإيلام وقد وجد وإن حلف
لا باع ولا اشترى فأمر غيره ففعل فقال يحنث
ولعله يريد إذا كانت يمينه بالطلاق وعليه بينة
وإن كان ظاهر المدونة خلافه انتهى. وحكى في
التنبيهات عن بعضهم أنه جعل ما قاله في البيع
مخالفا لما قاله في الضرب والأول أظهر والله
أعلم. انتهى كلام التوضيح وهذان التأويلان
المشار إليهما أولا.
فروع: الأول: إذا قال والله لأعتقن عبيدي وقال
أردت بعضهم على سبيل التخصيص أو أردت بعبيدي
دوابي أو أردت بالعتق بيعها أفاده ذلك لأنه
استعمل العبيد مجازا في الدواب والعلاقة الملك
في الجميع واستعمل العتق مجازا في البيع
والعلاقة بطلان الملك فهذا تفيده فيه النية
والمجاز.
الثاني: إذا قال والله لأعتقن ثلاثة عبيد ونوى
أنه يبيع ثلاثة دواب من دوابه لصح.
الثالث: إذا قال لزوجته أنت طالق ثلاثا وقال
أردت أنك طلقت ثلاث مرات من الولادة أفاده ذلك
ولم يلزمه طلاق في الفتيا ولا في القضاء وإن
لم تقم عليه بينة أو قامت عليه بينة لكن هناك
من القرائن ما يعضده وإلا لزمه الطلاق الثلاث
في القضاء دون الفتيا. قاله القرافي في الفرق
الثامن والعشرين والمائة. ومن أمثلة ذلك أيضا
إذا قال نسائي طوالق وله أربع نسوة وقال أردت
فلانة وفلانة وفلانة ولم أرد الرابعة فنص ابن
بشير في مسائل الحبس من نوازله على أنه يصدق
إذا جاء مستفتيا وأما إذا قال جميع نسائي فلا
ينوي إلا أن يقول قد استثنيت فقلت إلا فلانة
أو نويت إلا فلانة على الخلاف في الاستثناء
بالنية وقد ذكرت كلامه في باب الطلاق والمشهور
أن الاستثناء لا يفيد إلا بحركة اللسان إلا أن
يعزل واحدة منهن من أول الأمر فيكون ذلك من
باب المحاشاة. ومن أمثلة ذلك أيضا ما نقله في
التوضيح عن ابن المواز ونصه قال ابن المواز
إذا قال لزوجته أنت طالق أو أنت طالق ألبتة إن
راجعتك ثم أراد أن يتزوجها بنكاح جديد وقد
خرجت من العدة وقال إنما نويت ما دامت في
العدة فإن كانت على يمينه بينة لم أدينه وإن
لم تكن عليه بينة دينته وقال وقيل إنما معنى
هذا إذا
(4/433)
إلا لمرافعة
وبينة أو إقرار في طلاق وعتق فقط أو استحلف
مطلقا في وثيقة حق
ـــــــ
جاء مستفتيا بلا مخاصمة ولا مرافعة وأما إذا
جاءت المرافعة فسواء كان على أصل يمينه بينة
أو لم تكن والإقرار كالبينة. وكذلك من قال
حليمة طالب وله زوجة وجارية يسميان بذلك وقال
نويت جاريتي فله نيته في الفتيا وأما في
القضاء فإن قامت عليه بينة أو حلف به على
وثيقة حق فلا تنفعه نيته وأكثر هذا في
المدونة. انتهى كلام ابن المواز انتهى كلام
التوضيح. ص: "إلا لمرافعة أو بينة أو إقرار في
طلاق أو عتق فقط" ش: هذا مستثنى من قوله "إن
خالفت". ظاهر لفظه كما تقدم التنبيه عليه
والمعنى أن النية المخالفة لظاهر اللفظ
القريبة من التساوي لا تفيد إلا إذا كانت
اليمين بغير الطلاق والعتاق المعين أو بهما
وجاء مستفتيا وأما إن حصل مرافعة مع بينة أو
مع إقرار فلا تفيد قالوا وفي قوله وبينة بمعنى
مع. ص: "واستحلف مطلقا في وثيقة حق" ش: هذا
معطوف على ما استثناه يعني وكذلك لا تنفعه
نيته إذا كان مستحلفا في وثيقة حق وسواء كان
الحلف بالله أو بغيره وهذا مراده بالإطلاق لأن
اليمين في هذه الحالة على نية الحالف له. قال
في التوضيح مثال اليمين الذي على وثيقة حق كما
لو استحلف من عنده وديعة وأنكرها وحلف ما له
عندي وديعة ونوى حاضرة معه وكما لو عقد النكاح
على أنه إن تسرى على زوجته فعليه التصدق بثلث
ماله ثم تسرى عليها حبشية وقال نويت من غير
جنس الحبش فلا تفيده تلك النية ونحوه البيع
والإجارة وسائر العقود وكذا من له دين على
غريم فطالبه فطلب الغريم التأخير وحلف ليقضينه
إلى أجل فاليمين على نية الطالب لا على نية
الغريم. وحكى صاحب المقدمات وابن زرقون
الإجماع على أن النية لا تنفع إذا اقتطع بها
حق الغير للحديث الصحيح "من اقتطع حق امرئ
مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة وأوجب له
النار. قالوا وإن كان يسيرا يا رسول الله قال
وإن كان قضيبا من أراك وإن كان قضيبا من أراك
وإن كان قضيبا من أراك"1 قالها ثلاث مرات .
انتهى باختصار بعضه باللفظ وبعضه بالمعنى. وما
حكاه عن ابن زرقون من الإجماع خلاف ما حكاه
الشيخ بهرام في الوسط عنه فإنه حكى عنه قولين
فتأمله. ومفهوم قوله "وثيقة حق" أنها لو لم
تكن وثيقة حق تنفعه وهو كذلك إن كان اليمين
بالله وإن كانت بغير الله فثلاثة أقوال نقلها
ابن الحاجب. قال في التوضيح الأول أن اليمين
على نية المحلوف له رواه ابن القاسم عن مالك
وبه قال ابن وهب وسحنون وأصبغ وعيسى. والثاني:
أنها على نية الحالف وهو قول ابن القاسم.
ـــــــ
1 رواه أبو داود في كتاب الأحكام باب 1. ابن
ماجة في كتاب الأحكام باب 8. أحمد في مسنده
"5/213".
(4/434)
لا إرادة ميتة
أو كذب في طالق وحرة أو حرام وإن بفتوى
ـــــــ
والثالث التفصيل لابن الماجشون وسحنون إن كان
مستحلفا فعلى نية المحلوف له وإن كان متطوعا
فعلى نية الحالف انتهى.
قلت: ذكر في البيان في رسم الرهون من سماع
عيسى من كتاب النذور أن القول بأنها على نية
الحالف إذا كان متطوعا بها لمالك وقال إن عليه
الأكثر. ونقل عن ابن ميسر أنه رجحه وقال إنه
الأجود. وانظر المسألة في أول سماع أشهب من
الأيمان بالطلاق وفي رسم شك من سماع ابن
القاسم من كتاب النذور فظاهر كلام المؤلف أنها
على نية الحالف مطلقا سواء كانت بالله أو بغير
الله إذا لم تكن في وثيقة حق. واعلم أنه كان
حق المصنف أن يقدم هذا الفرع على قوله وخصصت
لأنه مرتب عليه لأن النية إنما تخصص وتقيد
وتقبل في القضاء والفتيا ولا تقبل اليمين إذا
كانت على نيته. كذا قاله ابن الحاجب والله
أعلم. ص: "لا إرادة ميتة وكذب في طالق وحرة أو
حرام وإن بفتوى" ش: هذا هو الوجه الرابع وهو
أن تخالف النية ظاهر اللفظ وتوافق الاحتمال
المرجوح البعيد من التساوي فلا تنفعه نيته لا
في القضاء ولا في الفتيا مثاله أن يقول امرأتي
طالق أو جاريتي حرة وقال أردت زوجتي التي ماتت
وأمتي التي ماتت وقال ابن عبد السلام وذلك
لأنه إما أن يريد الإنشاء أو الخبر وكل واحد
منهما لا يصح إرادته في الميتة.
(4/435)
..................................
ـــــــ
أما الإنشاء فلأنه يستدعي وجود محل يلزم فيه
الطلاق والحرية ملكا ماتت لا تصلح أن تكون
محلا للطلاق ولا للحرية وأما الإخبار فلأنه
إخبار بما لا يفيد فوجب صرفه لمن هي تحته الآن
أو لمن هي في ملكه الآن. انتهى بالمعنى. وكذلك
لا يصدق في إرادة الكذب فيما إذا قال لزوجته
أنت حرام وقال أردت الكذب قال ابن عبد السلام
لأن لفظه ظاهر في الإنشاء بين الظهور ولا
يحتمل الخبر إلا على بعد وإن كانت صيغة الخبر
والإنشاء في هذا سواء لأن المتبادر في الزوجة
إنما هو الإنشاء لما كان الصدق والكذب من
عوارض الخبر وجب أن لا يقبل منه أنه أراد
الكذب. ويحمل على الإنشاء. فقول المصنف "في
طالق وحرة" راجع إلى مسألة الميتة وقوله أو
حرام راجع إلى مسألة دعوى الكذب وما قاله في
هذا الوجه نحوه في المدونة قال فيها في كتاب
التخيير والتمليك ولو حلف للسلطان طائعا بطلاق
امرأته في أمر كذب فقال نويت امرأتي الميتة
فلا ينوي في قضاء ولا فتيا لأنه قال امرأتي
وتطلق امرأته. وفيه أيضا وإن قال أنت حرام ثم
قال لم أرد بذلك الطلاق وإنما أردت الكذب
فالتحريم يلزمه ولا ينوي. وفي كتاب العتق منها
ومن قال لعبده أنت حر أو امرأته أنت طالق وقال
نويت بذلك الكذب لزمه العتق والطلاق ولا ينوي.
قال ابن القاسم وقد سئل مالك عما يشبه هذا فلم
يجعل له نية. فانظر أول سماع عيسى
(4/436)
..................................
ـــــــ
من الأيمان بالطلاق في مسألة قوله أنت حرام
فإن فيه ما يشبهها وذكر أنه ينوي فيها فتأمله.
وما ذكرته في حل كلام المصنف وحمل قوله نافت
على ما تقدم هو الذي يظهر من عبارته في هذا
المحل وضعه ابن غازي وقال لو لم يكن في هذا من
التكلف الا استعمال المنافاة التي هي المضادة
في مثل هذا المعنى لكان كافيا في قبحه وحمل
الكلام على وجه آخر.
قلت: أما استعمال المنافاة في هذا المعنى فلا
قبح فيه كما تقدم واستعماله في عبارة القرافي
وابن راشد وغيرهما في هذا المحل. نعم كلام
المصنف رحمه الله يقتضي أن هذا التفصيل يأتي
في المقيدة ولم أر من ذكره فيها بل تقدم أنه
لا يشترط في المقيدة وحينئذ فلا يتأتى فيها
هذا التفصيل بل يقال هو عائد عل المخصصة والله
أعلم. وما حملنا عليه كلام المصنف هو أوضح مما
حمله عليه ابن غازي. وبقي هنا احتمال آخر ولعل
المصنف رحمه الله أراده لأنه ظاهر كلامه في
التوضيح وهو أن يكون قوله "إن نافت" عائدا إلى
قوله "خصصت" كما تقدم وقوله "ساوت راجع" إلى
قوله "وقيدت" قال في التوضيح وتتصور المساواة
في تقييد المطلق وتعيين أحد محامل المشترك.
ابن راشد مثال الأول أن يقول أحد عبيدي حر
ويقول أردت فلانا ومثال الثاني أن يقول عائشة
طالق وله زوجتان اسم كل منهما عائشة انتهى.
وليس منه أي من المساواة ما إذا قال حكمة طالق
وله زوجة وأمة اسم كل منهما حكمة لأن هذا مما
خالف فيه اللفظ ظاهر النية فلا يقبل منه في
القضاء وإن قامت عليه بينة أو أقر. كذا قال
ابن يونس وتقدم بيانه وجعله الشيخ بهرام في
شروحه الثلاثة وفي شامله من فروع: المساواة
بهذا المعنى الثاني وقال إنها مقبولة في
القضاء والفتيا وليس كذلك بل إنما تقبل نيته
في الفتيا لا في القضاء كما قاله ابن يونس عن
ابن المواز ونقله عنه ابن عرفة
(4/437)
.................................
ـــــــ
والله أعلم. ولنرجع إلى بقية كلام المصنف فظهر
معنى قول المصنف وخصصت نية الحالف وقيدت إن
نافت وساوت أي فإذا كانت مخصصة ومقيدة قبلت في
القضاء والفتيا وهذا مفهوم من إطلاقه كما
تقدم. وأتى بقوله ككونها معه ليفيد أن التخصيص
إنما هو إذا تساوى الاحتمالان كما نبه بقوله
"لا إرادة ميتة" على الاحتمال المرجوح البعيد
جدا وبقية الكلام على ما تقدم تقريره. قال في
التوضيح فهذه المسألة على ثلاثة أقسام منها ما
يقبل في الفتيا دون القضاء وهو ما خالفت النية
فيه ظاهر اللفظ ومنها ما يقبل في الفتيا
والقضاء وهو ما إذا تساويا ومنها ما لا يقبل
في الفتيا ولا في القضاء وهو ما إذا قال
امرأتي طالق وأمتي حرة ويريد الميتة انتهى.
مسألة: قال في كتاب الأيمان والنذور من
النوادر ومن المجموعة قال ابن القاسم عن مالك
فيمن سئل عن شيء فقال علي فيه يمين وهو كاذب
وإنما هو اعتذار فلا شيء عليه إلا في الطلاق
والعتاق. وإن قامت عليه بينة قال عنه ابن وهب
وإذا جاء مستفتيا ولا بينة عليه دين ولا شيء
عليه في الفتيا. قال ابن حبيب عن مطرف عن مالك
ولا يصدق في القضاء إلا أن يكون أشهد قبل أن
يقول ما قال أي إنما أقول ذلك معتذرا. قال ابن
حبيب ومن وجد امرأته قد خرجت فقال لها لم خرجت
وقد كنت حلفت بطلاقك إن خرجت ثم قال ما حلفت
وما قلت: ما قلت: إلا تغليظا عليها. قال لا
شيء عليه في الفتيا وأما في الحكم فيلزمه
الطلاق انتهى. وفي رسم سلعة سماها من سماع ابن
القاسم من كتاب النذور وسئل عن الرجل يسأل عن
الأمر فيقول فيه علي صدقة أو مشى وهو كاذب
إنما أراد بذلك أن يمنعه قال لا شيء عليه إنما
يكون ذلك عليه في العتق والطلاق يعني إذا قامت
عليه بينة. قال ابن رشد هو كما قال إن ما لا
يحكم عليه به فهو موكول إلى أمانته وحسابه على
الله تعالى يوم تبلى
(4/438)
ثم بساط يمينه
ثم عرف قولي
ـــــــ
السرائر انتهى والله أعلم. ثم لما فرغ رحمه
الله من المقتضى الأول الذي هو النية تكلم على
المقتضى الثاني الذي هو البساط فقال ص: "ثم
بساط يمينه" ش: يعني فإن فقدت النية ولم
يضبطها الحالف وكانت اليمين مما ينوي فيها
فإنه ينتقل إلى البساط وهو السبب الحامل على
اليمين وليس بانتقال عن النية في الحقيقة
وإنما هو لما كان مظنة النية عدل إليه تحويما
على النية. قاله في التوضيح والمعروف من
المذهب تقديم البساط على غيره.
فرع: لأجل تقديم البساط قلنا فيمن حلف لا يشرب
له ماء لمن امتن عليه بما يأخذه منه أنه يحنث
ولو بخيط يخيط به. قاله في التوضيح.
فرع: قال في الذخيرة قال في الكتاب لو من عليه
بهبة شاة فحلف لا يأكل لبنها ولا لحمها حنث
بما اشترى من ثمنها أكلا أو لباسا بخلاف غير
ثمنها إلا أن يكون نوى أن لا ينتفع منه بشيء
انتهى. ثم لما فرغ من الثاني تكلم على الثالث
الذي هو العرف القولي فقال ص: "ثم عرف قولي"
ش: وعطف بعضها على بعض ب"ثم" ليفيد أنها على
الترتيب. ومعنى كلامه أنه إذا فقدت النية
والبساط توصل إلى مراد الحالف من لفظه
والمشهور أنه يحمل على
(4/439)
ثم مقصد لغوي
ـــــــ
العرف القولي أولا. ابن عبد السلام لأنه غالب
قصد الحالف ولأن كل متكلم بلغة يجب حمل كلامه
على المعنى الذي يستعمل أهل تلك اللغة فيه ذلك
اللفظ. وقوله قولي احترازا من الفعلي تبعا منه
رحمه الله للقرافي وغيره من لم يعتبر الفعلي.
قال القرافي العرف قسمان فعلي وقولي والقولي
قسمان في المفردات والمركبات وعرف المفردات
قسمان في بعض أفراد الحقيقة وأجنبي منها.
فالفعلي هو غلبة ملابسه بعض أنواع مسمى اللفظ
وهو غير مقدم على اللغة ولا معارض للوضع
انتهى. قال في التوضيح مثال الفعلي أن يحلف لا
آكل خبزا وعادته أكل خبز البر فإنه يحنث بخبز
الشعير والذرة وإن لم يأكله أبدا انتهى. ثم
قال القرافي والقولي في بعض أفراد الحقيقة
كلفظ الدابة غلب استعماله في الحمار انتهى.
هذا بمصر وبالعراق في الفرس وفي قفصة الأنثى
من الحمير. قاله ابن فرحون قال القرافي
والأجنبي من الحقيقة نحو لفظ الغائط فإنه
المكان المطمئن غلب استعماله في الفضلة
الخارجة من الإنسان وهي ليست بعض المواضع
المطمئنة وعرف المركبات كغلبة استعمال مركب
مخصوص ومعنى مخصوص في سياق مخصوص حتى يصير
أشهر فيه مما لا يقتضيه لغة كقول القائل
لغريمه لأقضينك حقك في رأس الشهر في قصد عدم
التأخير عن هذه الغاية دون التأخير إليها. ثم
قال وهذا القسم غير بساط اليمين فإن البساط
حالة تتقدم الحلف وهذا العرف يفهم من نفس
اللفظ المركب مع الجهل بالحالة كيف كانت
فالعرف القولي كله مقدم على اللغة لأنه غلبة
استعمال اللفظ في غير المسمى اللغوي فهو ناسخ
للغة والناسخ مقدم على المنسوخ بخلاف الفعلي
ليس معارضا للغة انتهى. وستأتي فروع في كلام
المصنف تصلح أن تكون أمثلة ثم لما فرغ منه
أشار إلى الرابع. ص: "ثم مقصد لغوي" ش: يعني
إن فقدت النية والبساط والعرف القولي حمل
اللفظ على مقتضاه لغة. قال القرافي قال أبو
الوليد وهذا في المظنون وأما المعلوم مثل قوله
والله لأرينه النجوم في
(4/440)
ثم شرعي وحنث
إن لم تكن له نية ولا بساط بفوت ما حلف عليه
ولو لمانع شرعي أو سرقة لا بكموت حمام في
ليذبحنه
ـــــــ
النهار فلا خلاف أنه يحمل على ما علم من ذلك
من المبالغة دون الحقيقة. انتهى والله أعلم.
ثم لما فرغ من الرابع أشار إلى الخامس بقوله
ص: "ثم شرعي" ش: يعني إذا فقدت الأربعة
المتقدمة حمل اللفظ على مقتضاه في الشرع. قال
ابن فرحون في شرح ابن الحاجب وهذا إنما يصح
إذا كان المتكلم صاحب الشرع وكذلك إن كان
الحلف على شيء من الشرعيات مثل أن تقول والله
لأصلين أو لا أصلي فهذا يحمل على الصلاة
الشرعية لأن الإطلاق العرفي يتناولها أيضا ولو
حلف ليتوضأ فالعرف الشرعي الذي تستباح به
الصلاة والوضوء اللغوي قد يطلق على غسل اليدين
فقط انتهى.
فرع: قال في التوضيح في كتاب الوقف قال ابن
شعبان إذا حلف لا يكلم رجال بني فلان يحنث إذا
كلم صبيانهم انتهى والله أعلم. ص: "وحنث إن لم
تكن له نية ولا بساط بفوت ما حلف عليه ولو
لمانع شرعي أو سرقة لا بكموت حمام في ليذبحنه"
ش: لما ذكر
(4/441)
..............................
ـــــــ
رحمه الله مقتضيات البر والحنث من النية وما
بعدها أخذ يذكر فروعا تنبني على تلك الأصول
وهي في نفسها أيضا أصول. فمن ذلك إذا تعذر
الفعل المحلوف عليه لفوات محله وقاعدة المصنف
في هذا الباب أنه إذا قال وبكذا فيشير إلى ما
يقع فيه الحنث وإذا قال لا كذا فيشير إلى ما
لا يحنث فيه إلا أنه رحمه الله أجمل في كلامه
بعض الإجمال لأجل الاختصار والمسألة فيها
تفصيل. قال في التوضيح اعلم أن من حلف ليفعلن
شيئا فتعذر فعله فإما أن يكون الفعل مؤقتا أم
لا. ابن بشير فإن كان الفعل غير مؤقت بأجل فإن
كان فرط حتى تعذر الفعل فلا خلاف أنه حانث فإن
بادر فلم يمكنه لو كان مؤقتا انتهى. والمؤقت
ينقسم تعذره إلى ثلاثة أقسام إما أن يكون عقلا
أو شرعا أو عادة. فالعقلي كتعذر ذبح الحمام
المحلوف بذبحها لموتها إذا الذبح في الميت
متعذر فلا خلاف منصوص أنه لا يحنث. وخرج
اللخمي قولا بالحنث من التعذر شرعا وأما لو
حلف ليذبحن الحمامات غدا فعطبت أو سرقت أو
استحقت فذكر المصنف قولين ومذهب المدونة
الحنث. وأما لو حلف ليطأنها الليلة فوجدها
حائضا أو ليبيعن الأمة فوجدها حاملا وذكر
المصنف فيه قولين ومذهب المدونة الحنث ونص
سحنون في مسألة البيوع على عدم الحنث. ووقع
لابن القاسم وابن دينار فيمن حلف ليطأن امرأته
الليلة فقام فوجدها حائضا إن فرط قدر ما يمكنه
الوطء حنث وإلا فلا واختاره ابن حبيب وابن
يونس. وإنما فرق ابن القاسم بين الموت والسرقة
والبيع لأن الفعل في الميت لا يمكنه ألبتة
بخلاف السرقة والبيع. فإن الفعل يمكنه إذا مكن
من ذلك ومنع الشرع منه أو العادة لا يمنع بعض
الحالفين من قصده فلا يعذر بفعل السارق ونحوه
لأن من أصل ابن القاسم أن الحالف ليفعلن لا
يعذر بالإكراه والغلبة إلا أن ينوي ذلك. ابن
بشير وهذا الخلاف إنما هو إذا أطلق اليمين
وأما لو خص وقال قدرت على الفعل أم لا فلا
يختلف
(4/442)
................................
ـــــــ
في حنثه. ولو قال إن أمكنني فلم أفعل فلا
يختلف في نفي حنثه. فقول المصنف وحنث إن لم
تكن له نية ولا بساط يشير به إلى ما ذكره ابن
بشير يعني وأما إن كانت له نية أو بساط فلا
حنث وأما إن لم تكن له نية ولا بساط حنث بفوت
ما حلف عليه ولو كان المانع من الفعل أمرا
شرعيا كالحيض المانع من وطء الزوجة المحلوف
عليها أو كان المانع أمرا عاديا كسرقة الشيء
المحلوف عليه وظاهره سواء كان الفعل مؤقتا أو
غير مؤقت كما تقدم. وأشار بلو إلى الخلاف.
وذكر في الإرشاد أن الفوت يكون بفوت الزمان
ونصه ويتحقق الحنث بفوت المحلوف عليه كقوله
لأدخلن اليوم فغربت الشمس ولم يدخل انتهى. ثم
أشار إلى ما إذا كان المانع من فعل المحلوف
عليه أمرا عقليا بقوله لا بكموت حمام في
ليذبحنه هذا إذا كان الفعل مؤقتا أو غير مؤقت
وبادر ولم يفرط وأما إن كان غير مؤقت وفرط
فإنه حنث كما تقدم فيحتاج كلام المصنف إلى
تقييده بإخراج هذه الصورة وانظر ابن عرفة
وانظر رسم العرية من سماع عيسى من كتاب النذور
وفي مسألة من حلف على ابنته لا تضع صداقها
وانظر رسم أوصى من سماع عيسى من التخيير
والتمليك فيمن حلف ليقتر على امرأته الليلة
ورسم أوصى من سماع عيسى من كتاب الأيمان
بالطلاق وانظر رسم لم يدرك من سماع عيسى من
الأيمان بالطلاق فيمن حلف لربيبته ورسم
الجنائز والذبائح من سماع القرينين من النذور
وفي مسألة الحالفة لزوج ابنتها وانظر رسم
الطلاق من سماع القرينين من الأيمان بالطلاق
في الحالف ليطأن امرأته الليلة ورسم الطلاق
الأول منه في الحالف لرجل لأخاصمنك عند فلان
فيموت.
فرع: إذا حلف بعتق عبده فباعه عليه السلطان في
دين فمتى عاد إليه عادت اليمين إلا أن يعود
إليه بميراث فلا شيء عليه. قاله القرافي وذكر
الفرق بينهما فانظره وانظر القاعدة الثانية من
قواعد الأيمان من مختصر القواعد والله تعالى
أعلم.
مسألة: قال ابن رشد الحالف ليفعلن فعلا هو على
حنث حتى يفعله فإن لم يفعله حتى مات وقع عليه
الحنث بعد الموت بالطلاق أو بالعتق فوجب أن
ترثه المرأة لأن الطلاق بعد الموت لا يصح وأن
يعتق الغلام في الثلث على حكم العتق بعد
الموت. انتهى من رسم العرية من سماع عيسى من
كتاب الأيمان بالطلاق وذكر ابن عرفة المسألة
في آخر كتاب الطلاق والله أعلم.
مسألة: قال البرزلي إذا حلف ليشترين دار زيد
فليشترها بثمن مثلها في الوقت فإن طلبوا منه
ثمنا فاحشا فلا تلزمه يمين. وإن حلف إن وجد من
يشتري داره ليبيعها فأعطي فيها رجل أقل من
قيمتها إن لم تبع بما أعطى وإلا حنث. قال
البرزلي تقدم للتونسي خلافه وأنه لا يبيعها
حتى تبلغ القيمة ولا يحال بينه وبين امرأته
حتى يصل لقيمتها ولا فرق في التحقيق
(4/443)
..................................
ـــــــ
بينها وبين التي قبلها انتهى. ومنه أيضا إذا
حلف لا يأكل لزوجته خبزا فأكل ما خبزته قبل
اليمين فإن كانت نيته فيما يستقبل فلا شيء
عليه وإلا حنث ومثله ما يقع إذا حلف لا يلبس
ما غزلته زوجته وأراد أن يلبس ما كانت غزلته
قبل ذلك أو نسجته انتهى.
مسألة: من حلف أن لا يكلم فلانا في الموسم حنث
إن كلمه في الحج إلا أن يكون نوى سوقا من
الأسواق وأتى مستفتيا لأن الموسم قد تعرف في
الحج. ذكره ابن رشد في رسم الشجرة من سماع ابن
القاسم من كتاب الحج.
مسألة: قال البرزلي وسئل السيوري عمن حلف لا
دخل الدار ولا أكل الطعام في هذا العيد فما
قدر العيد فأجاب العيد على قدر ما يعرفه الناس
بينهم. قلت: أفتى أشياخنا بتونس أن آخره فتح
الربع للبيع والشراء الفتح المعتاد ولا ينظر
لتقدمه في بعض الصور كخروج الجيش ولا تأخره
كحصاد الزرع انتهى. وقال بعد ذلك مسألة من حلف
لا يعيد مع أهله فيخرج من بلده إلى بلد آخر
ولو قربت مسافته ولا يرجع إلا في اليوم الثاني
إن كان عيد الفطر وإن كان عيد الأضحى فلا يجزئ
إلا بعد ثلاثة أيام. البرزلي هذه سيرة البلاد
غير تونس وقد تقدم أن حد عيد تونس فتح الربع
لا قبل ذلك فيرجع إلى سيره كل بلد في حق العيد
عنهم انتهى. وكأنه لم يقف عليها للمتقدمين وهي
في نوازل أصبغ من كتاب الأيمان بالطلاق ونصها
وسئل أصبغ عمن حلف بالطلاق أن لا يطأ امرأته
حتى إلى العيد فوطئها ليلة العيد قبل الفجر أو
بعد الفجر قال لا يطؤها حتى العيد وبعد ما
ينصرف الإمام وإن وطئها قبل ذلك حنث والعيد
عندي انصراف الإمام. قيل له فرجل وقع بينه
وبين أهله كلام فحلف بالطلاق أن لا يدخل بيته
يوم العيد. قال لا يدخل يوم العيد ولا يومين
بعده وذلك في الفطر. قال ابن رشد جوابه في
هاتين المسألتين على المقصد الذي يرى أنه
الحالف أراد وترك الاعتبار بما يقتضيه مجرد
اللفظ فقال في الذي يحلف أن لا يطأ امرأته حتى
إلى العيد إنه لا يطؤها حتى ينصرف الناس من
صلاة العيد لأن ذلك هو القوت الذي يترفه الناس
فيه بعيدهم ويستريحون فيه من نصبهم. فمن حمل
يمين الحالف على ذلك وعلى ما يقتضيه لفظ يمينه
لا حنث عليه إن وطئها بعد طلوع الفجر والأول
هو المشهور في المذهب. قال في الذي يحلف أن لا
يدخل بيته يوم العيد إنه لا يدخل يوم العيد
ولا يومين بعده في الفطر على هذا المعنى لأن
هذه المدة هي التي جرت عادة الناس بالكون إلى
أهلهم فيها من أجل عيدهم وترك التصرف في وجوه
معاشهم فحمل يمينه على أنه إنما أراد معاقبة
أهله في أن يحرمها من نفسه ما جرت العادة فيه
من الناس بمثله وهو بين وعلى ما يقتضيه لفظ
يمينه ليس عليه أن يمتنع من دخول بيته إلا يوم
الفطر وحده وقد حكى ذلك ابن سحنون عن أبيه
والأول هو المشهور انتهى.
(4/444)
وبعزمه على ضده
ـــــــ
ص وبعزمه على ضده" ش: قال في المدونة في كتاب
النذور ومن قال لامرأته أنت طالق واحدة إن لم
أتزوج عليك فإن أراد أن لا يتزوج عليها
فليطلقها طلقة يرتجعها فتزول يمينه. ولو ضرب
أجلا كان على بر وليس له أن يحنث نفسه قبل
الأجل وإنما يحنث إذا مضى الأجل ولم يفعل ما
حلف عليه. القرافي في كفاية اللبيب في كشف
غوامض التهذيب قوله "ثم أراد إلى آخره" هذه
المسألة من مشكلات المدونة وأن الطلاق إنما
يلزم بعدم التزويج فالطلاق المعجل لا يحل
اليمين وإنما معنى هذه المسألة أنه عزم على
عدم الزواج فعزمه هذا هو حنثه فتلزمه طلقة
لحنثه لا أنه ينشئها والعزم على ترك الفعل
كترك الفعل ففي الجواهر إن لم أتزوج عليك فأنت
علي كظهر أمي يكون مظاهرا عند اليأس أو العزم
على ترك التزويج فجعل العزم يقوم مقام تعذر
الفعل. فقول الكتاب طلقها أي تسبب في طلاقها
بعزمه وقبل الأجل إذا ضرب أجلا هو على بر فلا
يحنث بمجرد العزم لمخالفته للبر وإذا كان على
حنث وعزم على الحنث قوي العزم بما كان حاصلا
قبله وهو الحنث وتظاهر عليه فوقع الحكم وها
هنا تعارضا فالبر عكس الحنث في ذلك. وقال في
الذخيرة في مدارك الحنث والبر السادس العزم
على عدم الفعل وهو على حنث. ثم ذكر كلام
المدونة وبه يقيد إطلاق المصنف. وقول الشارح
"يحنث بالعزم على ضد ما حلف عليه كانت يمينه
على بر أو حنث" غير ظاهر ومما يدل على أنه لا
يحنث في العزم في البر ما سيأتي فيمن حلف لا
كلم فلانا أنه لا يحنث بالكتابة إليه إذا لم
يصل إليه الكتاب,
(4/445)
وبالنسيان إن
أطلق
ـــــــ
وكما إذا كلم شخصا يظنه المحلوف عليه فتبين
أنه غيره ولأنه لو كان يحنث بالعزم على ضد
المحلوف عليه في البر لما تصور إخراج الكفارة
قبل الحنث فتأمله والله أعلم.
تنبيه: ما ذكره ابن غازي عن ابن رشد يفهم منه
أن اليمين بالله إذا كانت على بر أنه يحنث
بالعزم وليس كذلك. قال في الأم فيمن قال والله
لأضربن فلانا ولم يوقت في ذلك أجلا أو وقت في
ذلك أجلا قال إذا لم يوقت فليكفر عن يمينه ولا
يضرب فلانا وإن وقت في ذلك أجلا فلا يكفر حتى
يمضي الأجل لأني سألت مالكا عن الرجل يقول
لامرأته أنت طالق واحدة إن لم أتزوج عليك إلى
آخر كلام المدونة المتقدم وليس هو أيضا مراد
ابن رشد وإنما مراده أن اليمين بالله وإن كانت
على بر فإنه يجوز فيها تقديم الكفارة لأن
تقديم الكفارة قبل الحنث جائز على المشهور
فتأمله والله أعلم. ص: "وبالنسيان إن أطلق" ش:
وكذا الجهل والخطأ قال ابن عرفة إثر مسألة
النسيان وأصل المذهب أن الجهل والخطأ في موجب
الحنث كالعلم والعمد. سمع يحيى ابن القاسم من
حلف ليقضين الحق ربه يوم الفطر فكان بموضعه
يوم السبت فقضاه فيه ثم جاء الثبت من الحاضرة
أنه الجمعة حنث. الشيخ عن الموازية: من
(4/446)
..................................
ـــــــ
حلف لا وطئ امرأته حنث بوطئه إياها نائما لا
يشعر كالناسي. ابن عرفة الناسي مفرط عاقل
والنائم غير عاقل. العتبي عن أصبغ لا يحنث في
لا آخذ من فلان درهما فأخذ منه ثوبا فيه درهم
فرده حين علمه. ابن رشد لابن القاسم في
المبسوط يحنث إلا أن ينوي كقوله فيمن لا ماله
وله مال ورثه لم يعلمه. ولابن كنانة كأصبغ
فيما لا يسترفع فيه الدراهم وعلى قول سرقتها
الفرق بين ما يسترفع فيه وما لا فالأقوال
ثلاثة عدم الحنث لرعي القصد والحنث لرعي اللفظ
دونه والثالث استحسان انتهى. وقال في التوضيح
اليمين إن قيدت كما لو قال والله لا أدخل
الدار عمدا أو لا أدخلها إلا أن أنسي فالاتفاق
على أنه لا يحنث في النسيان وإن أطلقت
فالمعروف من المذهب الحنث بالنسيان. وذهب
السيوري وابن العربي في جمع من المتأخرين إلى
عدم الحنث وخرج أيضا من قول مالك في العتبية
في الحالف بالطلاق ليصومن يوما معينا فأصبح
فيه صائما ثم أفطر فيه ناسيا أنه لا شيء عليه.
فظاهره أنه لا حنث عليه وكذلك فهم جماعة وإليه
أشار ابن الحاجب بقوله "وخرج الفرق" أي بين
العمد والنسيان ورد لعله يريد لا قضاء وهو أحد
الأقوال في النذر المعين انتهى. وقد فهم ابن
رشد المسألة على عدم الحنث وجعلها جارية على
الأصول ونصه في رسم سلف دينارا من سماع عيسى
من الأيمان بالطلاق إنما قال لا شيء عليه لأن
الأكل ناسيا لا يخرجه عن أن يكون صائما بخلاف
ما لو أصبح مفطرا ناسيا وقد قال ابن دحون إنها
مسألة حائلة والحنث يلزمهم على أصولهم فيمن
حلف أن لا يفعل شيئا ففعله ناسيا وليس ذلك
بصحيح لأن أكثر أهل العلم لا يوجبون القضاء
على من أفطر في رمضان ناسيا للحديث الوارد في
ذلك انتهى. وقال في الرسم المذكور من السماع
نفسه من كتاب الصيام إنما قال لا شيء عليه إذا
كان ناسيا أي لا حنث عليه بخلاف ما لو أصبح
مفطرا ناسيا ليمينه مراعاة للخلاف في وجوب
القضاء على من أفطر في التطوع متعمدا وفي
رمضان ناسيا لما جاء في ذلك انتهى. وقال في
الرسم نفسه من كتاب النذور وتكررت هذه المسألة
ورأيت لابن دحون فيها أنها مسألة حائلة والحنث
يلزمه فيها على أصولهم فيمن حلف أن لا يفعل
شيئا أو حلف أن يفعل شيئا فنسي فعله حتى مات
وليس ذلك على ما قال بل هي مسألة صحيحة لأن
الأكل ناسيا لا يخرج الحالف عن أن يكون صائما
ولا يبطل به أجر صيامه وقد ذهب جمهور العلماء
إلى أنه لا قضاء على من أكل في رمضان ناسيا
وذكر الحديث انتهى.
فرع: قال في سماع عبد الملك من الأيمان
بالطلاق في رجل مر به رجل وهو يتوضأ فقال له
قم معي فقال له امرأته طالق ألبتة إن قمت معك
حتى أفرغ من وضوئي فتوضأ ثم ذهب معه فذكر أنه
نسي التمضمض أو مسح الأذنين أو الرأس هل ترى
عليه شيئا قال هو حانث لأنه إنما أراد الوضوء
الذي يتوضأ الناس ولم يرد المفروض من المسنون.
ابن رشد وهذا كما قال لأن الوضوء إذا أطلق في
الشرع إنما يقع على جملة الوضوء وهو يشتمل على
ما فيه
(4/447)
وبالبعض عكس
البر
ـــــــ
من الفرائض والسنن فتحمل يمينه على جميعه إلا
أن يخص شيئا من ذلك بنية أو استثناء كما يحمل
أيضا على العمد والنسيان لدخولهما تحت عموم
لفظه إلا أن يخص النسيان من ذلك بنية أو
استثناء فتكون له نيته وإن جاء مستفتيا. انتهى
والله أعلم.
فرع: قال البرزلي عن ابن الحاج فيمن من عليه
أبوه بما يشتريه فحلف بالحلال عليه حرام إن
أكل شيئا مما يشتريه أبوه ثم تبدل خبزه في
الفرن بخبز أبيه فأكله إنه لا يحنث. قال
البرزلي قلت: لأنه أكله على معنى العوض فلا
منة عليه ولم يكن قصد عين الطعام كما قال في
المدونة لو اشترى منه شيئا كما يشتري من الناس
ولها نظائر كخلط الرؤوس عند الشواء وخلط
المقارض طعامه مع غيره وخلط الأزواد. انتهى من
أوائل الأيمان. ص: "وبالبعض عكس البر" ش:
فرع: قال في التوضيح اختلف الشيوخ هل يرفع
الخلاف إذا أتى بلفظ كل وهي طريقة ابن بشير أو
هو باق وإليها ذهب الأكثر وهي الصحيحة فإن
مالكا نص على الحنث فيمن حلف لا أكل هذا القرص
كله وللحنث بالبعض. قال ابن القاسم الحنث فيمن
قال امرأته طالق إن صلى ركعتين أنه إن صلى
ركعة أو أحرم ثم قطع. وكذلك يمينه لا صام ثم
بيت الصيام حتى طلع لفجر فقد حنث وإن أفطر.
وكذلك قال أصبغ في الحالف لا لبس لامرأته ثوبا
فلما أدخل طوقه في عنقه عرفه فنزعه أو حلف لا
ركب دابة فلان فأدخل رجله في الركاب واستقل عن
الأرض وهم أن يقعد على السرج ثم ذكر فنزل فروى
ابن وهب أنه حانث ولو ذكر حين استقل من الأرض
ولم يستو عليها فلا شيء عليه. قال في الموازية
في الحالف ليقرأن القرآن اليوم أو سورة فقرأ
ذلك ثم ذكر أنه أسقط حرفا فإن علم أنه يسقط
مثل ذلك حلف عليه وما نوى وإن جاء بما لا يعرف
من الخطأ الكثير أو ترك سورة فهو حانث. وقال
مالك فيمن حلف ليتزوجن على امرأته امرأة
يمسكها سنة فتزوج امرأة أمسكها أحد عشر شهرا
ثم ماتت قال يتزوج غيرها ويبتدئ السنة. وقال
سحنون يجزئه أن يمسكها بقية السنة انتهى. وفي
الذخيرة الحالف بطلاق امرأته إن وضعت ما في
بطنها فوضعت ولدا وبقي آخر يحنث على المشهور.
وقيل لا يحنث وإن علق الطلاق على الوطء حنث
بمغيب
(4/448)
وبسويق أو لبن
في لا آكل لا ماء
ـــــــ
الحشفة وقيل بالإنزال وإن ألحق اليمين غير
المحلوف عليه قصدا للإلحاق لزمه اليمين وإلا
فلا. انتهى. ثم قال صاحب البيان الحالف أن لا
يتزوج يحنث بالعقد دون الدخول انتهى. ص:
"وبسويق أو لبن في لا آكل لا ماء" ش: قال في
التوضيح هكذا قال ابن بشير وابن شاس فعلاه بإن
القصد العرفي التضييق على نفسه حتى لا يدخل
بطنه طعام واللبن والسويق من الطعام قالا ولو
كان قصده الأكل دون الشرب لم يحنث عليه. وفي
العتبية عن ابن القاسم في الحالف لا يتعشى لا
حنث في التسحر. وقول ابن عبد السلام في هذا
الفرع والذي قبله أن الجواب فيهما على اعتبار
البساط ليس بظاهر لأن الفرض كما قال المصنف
يعني ابن الحاجب عدمهما انتهى. وفي سماع أبي
زيد من كتاب النذور من حلف لا يتعشى فشرب ماء
أو نبيذا فلا شيء عليه ويحنث بالسويق ولا يحنث
بالسحور انتهى. ابن رشد لأن النبيذ شراب لا
يطلق عليه اسم الطعام والسويق طعام ليس يطلق
عليه اسم الشراب وإن شرب والعشاء إنما يقع على
الطعام لا على الشراب وإنما لم يحنث بالسحور
لأنه ليس بعشاء وإنما هو بدل من الغذاء وقد
سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم غذاء فيروى
عنه أنه قال للمقداد عليك بهذا السحور فإنما
هو الغذاء المبارك. فوجب أن لا يحنث من حلف أن
لا يتعشى إذا تسحر كما لا يحنث إذا تغدى
انتهى. ونقله ابن عرفة.
فرع: قال ابن رشد في نوازله في مسائل الطهارة
لو حلف الحالف أن يشرب ماء صرفا فشرب ماء من
آبار الصحاري المتغير من الخشب الذي يوطى به
لبر في يمينه كما لو شرب ماء متغيرا من الحمأة
أو الطحلب أو ما أشبه ذلك. وإن حلف لا يشرب
ماء صرفا أو ليشربنه فشرب ماء الورد أو ماء
مشوبا بعسل أو برب أو بشراب من الأشربة فلا
حنث عليه في الأولى ولا يبر في الثانية. انتهى
بالمعنى.
فرع: قال في أول رسم من سماع أصبغ من كتاب
الأيمان والنذور وسئل عن رجل عاتبته امرأة
فقالت تأكل من غزلي فحلف أن لا يأكل من عملها
شيئا ثم دخل يوما فدعا بشربة جذيذة من ماله
ودعا بعسل كان له في التابوت فأخطأت المرأة
فجاءت بزيت كان لها من عمل يديها أو دهن
اشترته لرأسها فصبته فيه فشربه قال إن كان
زيتا فهو حانث وإن كان دهنا فلا شيء عليه. ابن
رشد إنما لم يحنثه في الدهن لأن الدهن لما كان
مما لم يتخذ
(4/449)
ولا بتسحر في
لا أتعشى وذواق ثم يصل جوفه وبوجود أكثر في
ليس معي غيره لمتسلف لا أقل وبدوام ركوبه
ـــــــ
للأكل حمل يمينه على ما يتخذ للأكل إذا رأى
مقصده فيه ويحنث على القول أنه لا يراعى
المقصد المظنون وتحمل يمينه على ما يقتضيه
اللفظ. وقد مضى ذلك في سماع عبد الملك وفي
مواضع من سماع عيسى انتهى. والجذيذة بجيم
وذالين معجمتين بينهما ياء ساكنة. قال في
النهاية في حديث أنس إنه كان يأكل جذيذة قبل
أن يغدو في حاجته أراد شربة من سويق ونحو ذلك
سميت به لأنها تجذ أي تدق وتطحن انتهى.
فرع: قال في الكبير في فصل القيام عن صاحب
الطراز ولو حلف لا يقوم فقام متوكئا حنث ولو
حلف ليقومن فقام متوكئا بر انتهى. ص: "وبوجود
أكثر في ليس معي غيره لمتسلف لا أقل" ش: يعني
إذا حلف لمن طلب منه أن يسلفه دراهم أنه ليس
معه إلا عشرة دراهم مثلا ثم وجد معه أكثر من
عشرة دراهم فإنه يحنث في يمينه وأما إن وجد
معه أقل فلا حنث عليه.
تنبيه: هذا إذا كانت يمينه بطلاق أو عتاق أو
صدقة أو ما أشبه ذلك مما لا يدخله اللغو وأما
إن كانت يمينه بالله تعالى فلا شيء عليه وذلك
من لغو اليمين. قال ابن فرحون في ألغازه من
حلف أنه ليس عنده مال فظهر أنه عنده مال لم
يكن علم به فإن كان حلف بالله فقد بر في يمينه
وكان ذلك من لغو اليمين وإن كان حلف بطلاق أو
عتاق أو صدقة أو غير ذلك من الأيمان فقد حنث.
انتهى وهذا ظاهر والله أعلم ص: "وبدوام ركوبه
(4/450)
ولبسه في لا
أركب وألبس لا في كدخول وبدابة عبده في دابته
ـــــــ
أو لبسه في لا أركب وألبس" ش: قال في القوانين
من حلف لا يسكن دارا وهو ساكن أو أن لا يلبس
ثوبا وهو عليه أو أن لا يركب دابة وهو عليها
لزمه النزوع أول أوقات الإمكان فإن تراخى مع
الإمكان حنث وفي الواضحة لا يحنث انتهى. وانظر
رسم يوصي من سماع عيسى من كتاب النكاح قال في
التوضيح ومثاله في البر لو قال لألبسن الثوب
أو لأركبن الدابة فإنه يبر بالدوام ولا يشترط
في ذلك الدوام في كل الأوقات بل يحسب العرف
فلذلك لا يحنث في النزول ليلا ولا في أوقات
الضرورات ولا بنزع الثوب ليلا انتهى.
فرع: إذا قال إن حملت امرأته فهي طالق وهي
حامل فهل التمادي في الحمل كابتدائه وتطلق
عليه أم لا تطلق إلا بحمل آخر فيه خلاف قاله
في أول سماع ابن القاسم من النذور. وقال ابن
عرفة ودوام المحلوف عليه كابتدائه إن أمكن
تركه. الشيخ عن ابن عبدوس عن ابن القاسم
كاللبس والسكنى والركوب لا الحمل والحيض
والنوم أو قال لحامل أو حائض أو نائمة إذا
حملت أو حضت أو نمت فأنت طالق لم تطلق بتلك
الحالة بل لمستقبل فيجعل في الحيض لإتيانه.
وجعله أشهب كالحمل. التونسي اختلف في كون
تمادي الحمل والحيض والنوم كالركوب.
مسألة: سئل ابن الحاج عمن حلف بطلاق زوجته إن
قضى الله حاجته ووصل إلى موضع نواه ليتصدقن
على مساكين ذلك الموضع بشيء سماه فوصل ذلك
الموضع الذي نواه وبقي مع زوجته مدة طويلة بعد
وصوله لم يتصدق بشيء ثم طلق زوجته بعد تلك
المدة وتصدق بعد طلاقه. فهل كان مع زوجته في
تلك المدة على بر أو حنث؟
جوابها: إن كانت نيته أن يتصدق حين وصوله
عاجلا فلم يفعل فقد حنث في يمينه بالطلاق وإن
قصد التأخير فلا يحنث غير أنه إن راجعها فهو
معها على حنث فإن تصدق سقطت اليمين وإلا دخل
عليه الإيلاء من يوم ترفعه للقاضي وكذا الحكم
إن لم تكن له نية في تعجيل الصدقة ولا تأخيرها
انتهى. ثم قال ووقعت مسألة وهي أن رجلا حلف
بالطلاق الثلاث لزوجاته إن بقين له بزوجات فآل
الأمر بعد المراجعة لشيخنا الفقيه الإمام رحمه
الله إلى
(4/451)
وبجمع الأسواط
في لأضربنه كذا وبلحم الحوت وبيضه وعسل الرطب
في مطلقها وبكعك وحشكنان وهريسة وإطرية في خبز
لا عكسه
ـــــــ
أن يطلقهن واحدة على فداء ويبر في يمينه بعد
أن أفتى أولا بلزوم الثلاث. ص: "ويجمع الأسواط
في لأضربنه كذا" ش: وكذا لو ضربه بسوط له
رأسان لم يبر لكن في مسألة جمع الأسواط يستأنف
المائة جميعها وفي مسألة السوط برأسين يجتزئ
بخمسين. قال التونسي ونقله في التوضيح ونصه
وعلى المشهور يستأنف المائة في مسألة الجمع
ويجتزئ بخمسين في مسألة ذي الرأسين. قاله
التونسي. وانظر ابن عرفة في كتاب الأيمان
بالقرب من قوله هذه الأصول وذكروا فروعا وانظر
النوادر في كتاب الأيمان والنذور في ترجمة
الحالف ليضربن عبده أو امرأته وانظر سماع ابن
أبي زيد في كتاب الأيمان بالطلاق. ص: "وهريسة
وإطرية في خبز" ش: أصله لابن بشير ونقله عنه
ابن عرفة وقال قلت: الحنث بالهريسة بعيد.
انتهى وهو ظاهر والله أعلم. ص: "لا عكسه" ش:
هو شامل لما قبله إلى قوله وبكعك ص: "وبضأن
ومعز" ش: تصوره ظاهر.
(4/452)
وبضأن ومعز
وديكة ودجاجة في غنم ودجاج لا بأحدهما في آخر
وبسمن استهلك في سويق وبزعفران في طعام لا
بكخل طبخ
ـــــــ
فروع: الأول: قال ابن عرفة محمد وابن حبيب في
"لا آكل كباشا بالنعاج والصغار مطلقا لا
بالصغار في لا آكل كبشا". الصقلي وكذا عندنا
في لا آكل كباشا لا يحنث بالصغار ولا إناث
الكبار. ابن حبيب لا يحنث في "لا آكل نعجة أو
نعاجا بصغير مطلقا ولا بكبار الذكور". محمد:
لا يحنث في "لا آكل خروفا" بكبير. الشيخ عنه
ويحنث بالعتود ووقف عنها محمد. أصبغ أمرهما
واحد. ابن حبيب لا يحنث في العتود والخروف
ويحنث بالعكس في تيس أو تيوس بالعتود وصغير
ذكور المعز ولا حنث في عتود أو عتدان. ابن
حبيب أو جديان بالتيوس ولا بكبار الإناث ويحنث
بصغارها. ابن حبيب يحنث في التيوس بالجدي
انتهى.
الثاني: قال في النوادر والحالف على اللحم
يحنث بأكل الرأس والحالف على الرأس لا يحنث
بأكل اللحم. قال ابن حبيب قال ابن الماجشون
فيمن حلف لا يأكل اللحم فإنه يحنث بكل ما يخرج
من الشاة من كرش وأمعاء ودماغ وغيره.
الثالث: قال في النوادر أيضا ومن حلف لا آكل
لحما فأكل قديدا فهو حانث إلا أن تكون له نية
وإن حلف على القديد لم يحنث بأكل اللحم ولا
أسئله عن نيته. ص: "وديكة ودجاجة في غنم
ودجاح" ش: قال في سماع عبد الملك من حلف لا
يأكل دجاجة فأكل ديكة لا يحنث وكذا عكسه وإن
حلف لا يأكل دجاجا فأكل ديكة حنث لأن اسم
الدجاج يشمل الذكور والإناث ومن حلف لا يركب
فرسا حنث بالبرذون ومن حلف لا يركب برذونا
فركب فرسا لم يحنث. ابن رشد هذا كما قال لأن
يمين الحالف إذا عريت من نية أو
(4/453)
باسترخاء لها
في لا قبلتك أو قبلتني وبفرار غريمه في لا
فارقتك أو فارقتني إلا بحقي ولو لم يفرط وإن
أحاله
ـــــــ
بساط أو مقصد يخالف لفظه حملت على ما يقتضيه
اللفظ في اللسان والدجاجة لا تسمى ديكا ولا
ديكة فإن حلف لا يأكل ديكا ولا ديكة فلا يحنث
بالدجاجة والدجاج يقع على الذكور والإناث فمن
حلف أن لا يأكل دجاجا فأكل ديكا حنث لأن لفظه
اقتضاه وكذا البرذون يسمى فرسا لا يسمى برذونا
فوجب أن يحنث من حلف لا ركب فرسا فركب برذونا
ولا يحنث من حلف لا يركب برذونا فركب فرسا
انتهى. ص: "وباسترخاء لها في لا قبلتك أو
قبلتني" ش: أما في لا قبلتني فيحنث مطلقا
استرخى أم لم يسترخ كما قاله في المدونة. وفي
سماع عيسى من الأيمان بالطلاق وقبله ابن رشد
وغيره ونحوه في الموازية. وقال اللخمي وغيره
ولم أر من سوى بينهما وإنما يحنث بالاسترخاء
لها في لا قبلتك إذا قبلته على فمه وأما لو
تركها تقبله على غير الفم لم يحنث. قاله
اللخمي ونقله أبو الحسن عن عياض بخلاف قوله
"لا قبلتني". قال في المدونة ومن قال لامرأته
أنت طالق إن قبلتك أو ضاجعتك فقبلته من ورائه
أو ضاجعته وهو نائم لم يحنث إلا أن يكون منه
استرخاء وإن كانت يمينه إن قبلتني أو ضاجعتني
حنث بكل حال انتهى. قال أبو الحسن عياض قوله
إلا أن يكون في القبلة استرخاء هذا إذا كانت
على الفم لأنه مقبل وإن كانت على غيره فلا
يحنث ولو تركها. اللخمي وأما قوله "إن قبلتني"
فيحنث سواء قبلته على الفم أو غيره إلا أن
ينوي الفم انتهى. ونقل ابن عرفة التقييدين عن
اللخمي. قال زاد الصقلي عن محمد في عدم حنثه
بتقبيلها إياه في لا قبلتك غير طائع ويحلف
انتهى. فإطلاق الشيخ يوهم أنه إذا حلف "لا
قبلتني" لا يحنث إلا أن يسترخي وهو خلاف نص
المدونة المتقدم وسماع عيسى واللخمي وغيرهم ص:
"وإن أحاله"
(4/454)
وبالشحم في
اللحم لا العكس وبفرع فهي لا آكل من كهذا
الطلع أو هذا الطلع
ـــــــ
ش قال أبو الحسن وسواء تفرقا من المجلس أو لم
يتفرقا لأن بالحوالة فارقه حكما. وقال اللخمي
لا يرتفع الحنث إن نقض الحوالة وقضاه قبل أن
يفارقه. قال في المدونة لو حلف أن لا يفارقه
إلا بحقه فأحاله على غريم له وأخذ منه حقه ثم
وجد فيه نحاسا أو رصاصا أو ناقصا نقصا بينا أو
زائفا لا يجوز أو استحق من يده بعد أن فارقه
فهو حانث انتهى. ص: "وبفرع في لا آكل من كهذا
الطلع" ش: تصوره ظاهر.
فرع: قال في القوانين من حلف أن لا يأكل فاكهة
يحنث بالعنب والرمان والتفاح وغير ذلك حتى
بالفول الأخضر خلافا لأبي حنيفة ولو حلف لا
يأكل تمرا حنث بالرطب انتهى. وفي تفسير سورة
"قد أفلح" للقرطبي من حلف لا يأكل فاكهة ففي
الرواية عندنا يحنث بالباقلاء الأخضر انتهى.
فرع: وإن حلف على اللبن الحليب فله أكل
المضروب وإن حلف على المضروب فله أكل الحليب
والحالف على الجبن لا يحنث بأكل الحالوم
والحالف على الحالوم لم يحنث
(4/455)
أو طلعا إلا
نبيذ زبيب ومرقة لحم أو شحمه وخبز قمح وعصير
عنب وبما أنبتت الحنطة إن نوى المن لا لرداءة
أو لسوء صنعة طعام
ـــــــ
بأكل الجبن إلا أن تكون نية أو سبب يدل على
أنه كره ما يخرج من اللبن. قاله في النوادر ص:
"وبما أنبتت الحنطة إن نوى المن" ش:
فرع: قال في المدونة إن وهبه رجل شاة ثم من
بها عليه فحلف أن لا يشرب من لبنها ولا يأكل
من لحمها فإن أكل مما اشترى بثمنها أو اكتسى
منه حنث ويجوز أن يعطيه من غير ثمنها ما شاء
إلا أن يكون نوى أن لا ينتفع بشيء منه أبدا.
قاله أبو إسحاق التونسي أصل يمينه قد خرجت عن
كراهته منه لمن وهب الشاة فعلق يمينه على ما
كان من جهة الشاة وحدها وأرى أنه إذا وهبه
المان شيئا آخر لا يكون عوضا عن الشاة لأنه
غير داخل في اليمين والأشبه أنه لا ينتفع منه
بشيء لأنه كره منه ولا فرق بين منه في هذه
الشاة وغيرها انتهى. ونقل ابن عرفة هذه
المسألة عن المدونة وأسقط قوله فيها إلا أن
يكون نوى أن لا ينتفع منه بشيء أبدا فحصل في
كلامه خلل. ذكر ذلك في كتاب الأيمان منه قبل
الكلام على الإدام بأسطر ثم كررها بعد ذلك
بورقتين بتمامهما.
تنبيه: قال أبو إسحاق لم يذكر في المدونة ما
يفعل بالشاة إذا لم يقبلها منه الواهب وقد
تقدم منه قبول الهبة ولا يقدر أن ينتفع منها
بغلة ولا ثمن فهل يتصدق بها عن نفسه وتحمل
يمينه على أنه أراد أنه لا يتأثل منها مالا أو
يكون ذلك داخلا في الانتفاع فيتصدق بها عن
ربها إذ هو أكثر المقدور عليه والله أعلم
انتهى بالمعنى. ص:
(4/456)
وبالحمام في
البيت أو دار جاره أو بيت شعر كحبس أكره عليه
بحق
ـــــــ
"وبالحمام في البيت" ش: قال في الكبير قال ابن
القاسم إذا حلف لا دخل عليه بيتا فاجتمعا تحت
ظل جدار أو شجرة فإنه يحنث إذا كانت يمينه
بغضا فيه أو لسوء عشرته. وقال ابن حبيب إذا
كانت نيته ذلك أو لم تكن له نية فإنه يحنث
بوقوفه معه في الصحراء انتهى. وقاله في
الشامل. ابن القاسم فإن اجتمع معه في ظل جدار
أو شجرة حنث إن كانت يمينه بقضاء فيه أو سوء
عشرته. وقيل وبوقوفه معه في الصحراء انتهى.
ولا ينبغي عد كلام ابن حبيب خلافا إذا كانت
تلك نيته. وقال في التوضيح في شرح قول ابن
الحاجب ولو حلف لا دخل عليه بيتا حنث بالحمام
لا بالمسجد ثم ذكر الخلاف فيما إذا دخل عليه
الحبس كرها أو طائعا ثم قال وألحق ابن القاسم
بهذا إذا اجتمعا تحت ظل جدار أو شجرة إن كانت
يمينه بغضا فيه أو سوء عشرته. ابن حبيب إن
كانت نيته ذلك أو لم تكن له نية فإنه يحنث
بوقوفه معه في الصحراء انتهى. ص: "ودار جاره"
ش: قال في المدونة وإن حلف أن لا يدخل على
فلان بيتا فدخل عليه المسجد لم يحنث وليس على
هذا حلف وإن دخل على جاره فوجده عنده حنث
(4/457)
لا بمسجد
وبدخوله عليه ميتا في بيت يملكه
ـــــــ
انتهى. ص: "وبدخوله عليه ميتا في بيت يملكه"
ش: يعني أن من حلف لا دخل علي فلان بيتا يملكه
كذا قال ابن الحاجب وقال ما دام في ملكه كما
نقله ابن عرفة عن ابن بشير ثم إن الحالف دخل
على المحلوف عليه بعد موته في بيت كان يملكه
فإنه يحنث بدخوله واستشكل ذلك بأنه بموته
انتقل الملك للورثة. قال في التوضيح وأصله
لابن بشير وراعى في الرواية كونه له حق يجري
مجرى الملك وهو أنه لا يخرج منه حتى يجهز
انتهى. وفي سماع أشهب في رسم الأقضية من كتاب
النذور ومن حلف أن لا يدخل علي فلان بيتا في
حياته فدخل عليه ميتا حنث. ابن رشد هو مثل قول
أصبغ في نوازله فيمن حلف أن لا يدخل بيت فلان
ما عاش أو حتى يموت فدخل عليه بعد أن مات قبل
دفنه حنث. قال سحنون لا يحنث. وجه الأول أن
قوله ما عاش وحياته لا يحمل على أنه أراد به
وقتا ليمينه لأن الظاهر من إرادته أنه أراد أن
لا يدخل عليه أبدا فعبر عن ذلك بحياته أو ما
عاش لأن ذلك هو الغاية التي قصد الناس بها
التأبيد في عرف كلامهم من ذلك قول الرجل لا
أدخل هذه الدار ولا آكل هذا الطعام ولا أكلم
فلانا حياتي أو ما عشت إذا أراد أنه لا يفعل
شيئا من ذلك أبدا. ووجه قول سحنون اتباع ظاهر
اللفظ دون المعنى فقول مالك أولى بالصواب. ولو
قال الرجل لا أدخل على فلان بيتا أبدا فدخل
عليه ميتا حنث إلا أن يريد حياته قولا واحدا
على ما قال في أول رسم الطلاق من سماع أشهب من
الأيمان بالطلاق وما في سماع أبي زيد منه.
انتهى أكثره باللفظ. ومنه ما نقله البرزلي عن
ابن البراء ونصه وسئل ابن البراء عمن خطب ابنة
أخيه
(4/458)
لا بدخول محلوف
عليه إن لم ينو المجامعة وبتكفينه في لا نفعه
حياته
ـــــــ
لابنه من أخيه فلم يسعفه فحلف لا أحضره في فرح
ولا حزن فمات المحلوف عليه فهل للحالف حضور
دفنه وتكفينه وتعزيته أم لا فأجاب بأنه لا
يحضره بعد الموت إذا قصد الحالف إيلام نفس
أخيه في عدم اجتماعه معه فيما جرت العادة
بائتلاف القرابة فيه وإذا مات فلا إيلام إلا
أن يريد بقوله لا حاضرة لا حضر كل ما ينسب
إليه قصد المباعدة والقطيعة فحضور جنازته هو
مما ينسب إليه. وقد سئل مالك عمن حلفت لا تحضر
لأختها محيا ولا مماتا فماتت بنت أختها فأرادت
انتظارها عند باب المسجد لتصلي عليها ويمينها
بالمشي إلى مكة فكره مالك ذلك لها وهي لم تعز
ولم تعز ولم تحضر مشهدها والحنث يكون بأقل سبب
فترك ذلك أحسن لأن قوله لا حاضر قوي في إرادة
الحياة ولما عرف عادة بإيلامه بعدم حضوره قال
البرزلي قلت: عندي أنها تجري على مسألة لا
أدخل على فلان بيتا حياته فدخل عليه بعد موته
فنص الرواية يحنث خلافا لسحنون وهو الأصح لا
تسمية باسمه بعد موته فجاز من ثسمية الشيء بما
كان عليه ولأن القصد الإيلام لقلبه وقد مات
فلا إيلام. ص: "لا بدخول محلوف عليه إن لم ينو
المجامعة" ش: قال في المدونة إثر هذا الكلام
المتقدم عند قول المصنف "ودار جاره" في مسألة
إن حلف أن لا يدخل على فلان بيتا وإن دخل
المحلوف عليه على الحالف فخاف مالك عليه
الحنث. وقال ابن القاسم لا يحنث إلا أن ينوي
أن لا يجامعه في بيت فيحنث انتهى. وقال في
التوضيح ابن المواز وقيل لا شيء عليه إلا أن
يقيم معه بعد دخوله عليه. ابن يونس قال بعض
أصحابنا وكذا ينبغي على قول ابن القاسم أن لا
يجلس بعد دخول المحلوف عليه فإن جلس وتراخى
حنث ويصير كابتداء دخوله هو عليه انتهى. ونقله
أبو الحسن وفيه نظر لأنه قد تقدم أنه لا يحنث
باستمراره في الدار إذا حلف لا دخلها وكذلك
هنا إنما حلف على الدخول عليه فتأمله. وقوله
"فخاف عليه مالك الحنث" قال أبو الحسن لأنه
خاف أن تكون نيته أعم من لفظه انتهى. ص:
"وبتكفينه في لا أنفعه حياته" ش: تصوره واضح.
فرع: فإن حلف أن لا ينفع فلانا شيئا وهو وصي
لرجل مات وأوصى أن يقسم على المساكين أو سمى
لفلان وفلان المحلوف عليه منهم فإنه يحنث بما
دفعه إليه من الوصية إلا أن تكون له نية في
أنه أراد لا ينفعه بماله فيصدق إلا أن تكون
يمينه بطلاق أو عتاق فلا ينوي إذا قامت عليه
البينة إلا أن يكون قد كانت إليه منه صنائع من
المعروف فينوي فيما ادعاه مع يمينه. قاله في
أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب النذور.
(4/459)
وبأكل من تركته
قبل قسمها في لا أكلت طعامه إن أوصى أو كان
مدينا
ـــــــ
فرع: فإن حلف أنه لا ينفع أخاه فاحتاج أولاد
أخيه فأعطاهم شيئا فهل يحنث بذلك لم أر فيه
نصا لكن ذكر في أول رسم من سماع ابن القاسم من
كتاب الأيمان بالطلاق في عكس هذه المسألة وهي
ما إذا حلف بطلاق امرأته أنه لا يدخل عليه من
قبل أخيه هدية ولا منفعة وكان له ولد صغير أو
كبير فيدخل عليه فيصيب اليسير من الطعام
وأشباه ذلك هل ترى ذلك له منفعة فيكون حانثا
أم ما ترى في ذلك قال أما من خرج من ولاية
أبيه من ولده الكبار واستغنوا عنه فأصابوا منه
شيئا فلا أرى عليه شيئا أنه لا يصل إليه من
منفعة ولده شيء وأما ولده الصغار فإن لم
يكونوا يصيبوا من عنده إلا اليسير الذي لا
ينتفع به الأب في عون ولده مثل الثوب يكسوه
إياه فيكون قد انتفع به حين كفاه ذلك أن يشتري
له ثوبا أو يطعمه طعاما يغنيه ذلك عن مؤنته أو
شبه ذلك فإذا كان ذلك رأيت إن قد دخلت عليه
منفعة فأراه حانثا. قال ابن رشد هذه مسألة
صحيحة بينة لا وجه للقول فيها. ص: "وبأكل من
تركته قبل قسمها في لا أكلت طعامه إن أوصى أو
كان مدينا" ش: قال في الرسم المتقدم ومن حلف
أن لا يأخذ لفلان مالا فمات فأخذ من تركته قبل
قسمها ولا يأكل له طعاما فأكل من ماله قبل
قسمها. فإنه لا يحنث إلا إن كان أوصى بوصية أو
عليه دين. ابن رشد قال ابن القاسم في المجموعة
وإن لم يكن الدين محيطا وقد قيل إنه لا حنث
وإن أحاط الدين بتركته. وقال أشهب وهو أظهر
لأن الميت إذا مات فقد ارتفع ملكه عن ماله
ووجب لمن يجب أخذه من ورثته وأهل وصاياه
وغرمائه إن كان عليه دين وهذا الاختلاف إنما
هو إذا لم يكن للحالف نية ولا كان ليمينه بساط
يستدل به على إرادته فإن كانت يمين الحالف
كراهية للمال لخبث أصله فهو حانث بكل حال كان
على الميت دين أو وصية أو لم يكن وإن كان
كراهية لمنه عليه فلا حنث عليه على كل حال كان
على الميت دين وكانت له وصية أو لم تكن.
انتهى.
تنبيه: قال في التوضيح قال ابن الكاتب قولهم
"يحنث إذا أوصى" معناه عندي
(4/460)
وبكتاب إن وصل
أو رسول في لا كلمه ولم ينو في الكتاب في
العتق والطلاق
ـــــــ
أوصى بمال معلوم يحتاج فيه إلى بيع مال الميت
وأما إن كانت الوصية بجزء من ماله كالثلث
والربع فها هنا يكون الموصي شريكا للورثة
وكأحدهم ساعة يموت فلا حنث على الحالف. وهذا
كله مع عدم النية فإن كانت له نية فتقبل منه
أما إن لم يكن عليه دين ولا أوصى بوصايا فلا
يحنث باتفاق انتهى.
تنبيه: قال البرزلي في مسائل الطلاق عن
المسائل المنسوبة للرماح فيمن حلف لا يأكل
لغيره طعاما فأكله ولم يعلم إذا أعطاه ثمنه
قرب الأمر أو بعد فلا حنث عليه. انتهى فتأمله
والله أعلم ص: "وبكتاب إن وصل أو رسول في لا
كلمه" ش: يعني أنه إذا حلف لا كلمه فكتب إليه
كتابا ووصله الكتاب فإنه بمجرد وصوله يحنث
وأما إن لم يصل إليه فلا يحنث. قال في المدونة
قال مالك ومن حلف لا يكلم فلانا فكتب إليه
كتابا أو أرسل إليه رسولا حنث إلا أن ينوي
مشافهة. ثم رجع فقال لا ينوي في الكتب ويحنث
إلا أن يرجع إليه قبل وصوله إلى فلان فلا يحنث
انتهى. وقال ابن عرفة وفي حنثه بمجرد وصوله أو
حتى يقرأ ولو عنوانه نقلا اللخمي عن المذهب
وابن رشد عنه مع نص ابن حبيب وعليه في حنثه
بمجرد قراءته أو بقيد كونها لفظا قولان لظاهر
قول ابن حبيب ونص أشهب قائلا لأن من حلف لا
يقرأ جهرا فقرأ بقلبه لا يحنث.
قلت: إن رد بأن قوله جهرا في الأصل يمنع
القياس لأنه ليس كذلك في الفرع بمنع أنه ليس
كذلك في الفرع لأن كلام الغير لا يكون إلا
جهرا وهو المحلوف عليه انتهى. فقد علمت أن
حنثه بمجرد وصوله الكتاب هو ظاهر المدونة
وجعله اللخمي المذهب. وأما كونه إذا لم يصل لم
يحنث فلا خلاف في ذلك. قاله في التوضيح عن
التونسي. وقال ابن عرفة وسمع ابن القاسم لو رد
الكتاب قبل وصوله لم يحنث. ابن رشد اتفاقا.
ولو كتبه عازما عليه بخلاف الطلاق انتهى إلا
أن قوله بعد هذا لا قراءته بقلبه يعارض هذا
إلا أن يحمل قوله "لا قراءته بقلبه" يعني لا
بقراءة الحالف الكتاب المحلوف على عدم قراءته
جهرا إذا قرأه بقلبه كما تقدم. وفي بعض النسخ
إن وصل وقرئ وهذه توافق "لا قرأه بقلبه" ويكون
مشى أولا على ما قال ابن رشد إنه المذهب من
أنه لا يحنث بمجرد وصوله ولا يحنث إلا
بالقراءة كما نقله عنه ابن عرفة. ص: "ولم ينو
في الكتاب والعتق والطلاق" ش: تقدم قول
المدونة وإن حلف لا يكلم فلانا فكتب إليه
كتابا أو أرسل إليه رسولا حنث إلا أن ينوي
مشافهة ثم رجع
(4/461)
وبالإشارة له
بكلامه ولو لم يسمعه لا قراءته بقلبه أو
قراءته أحد عليه بلا إذن
ـــــــ
فقال لا ينوي في الكتاب ويحنث. قال في التوضيح
وعلى مذهب المدونة في الحنث بالكتاب والرسول
فهل ينوي في إرادة المشافهة إن كانت بطلاق
وعتاق قال فيها حنث إلا أن ينوي مشافهة ثم رجع
فقال لا ينوي في الكتاب إلا أن يرجع إليه قبل
وصوله إليه فلا يحنث. ولمالك في الموازية لا
ينوي في الكتاب والرسول وعلى أنه ينوي فإنه
يحلف على ذلك. قاله ابن يونس انتهى. ص:
"وبالإشارة له" ش: كرر في التوضيح هذا الفرع
فقال أولا عند قول ابن الحاجب ومنه لو حلف لا
عليه. الفرع الثالث لو حلف لا كلمه فأشار إليه
ففي العتبية لا يحنث وقال ابن الماجشون يحنث
انتهى. وقال ثانيا عند قول ابن الحاجب لو حلف
لا كلمه فكتب إليه أو أرسل إليه الفرع الثالث
لو أشار إليه فقال مالك وابن القاسم وابن حبيب
وغيرهم يحنث. ابن حبيب وسواء كان المحلوف عليه
أصم أو سميعا. وقال ابن القاسم لا يحنث والأول
أظهر انتهى. ونص ما في العتبية قال في رجل حلف
أن لا يكلم رجلا فأشار إليه بالسلام أو غيره
فقال ما أرى الإشارة وأحب إلي أن يترك ذلك
وكأنه لم ير عليه حنثا إن فعل. قال ابن رشد
مثل هذا في المجموعة لابن القاسم وهو ظاهر ما
في كتاب الإيلاء من المدونة وفي أول رسم من
سماع ابن القاسم من كتاب الأيمان بالطلاق
(4/462)
ولا بسلامه
عليه بصلاة
ـــــــ
وقال ابن الماجشون إنه حانث. احتج بقوله
{أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ
إِلَّا رَمْزا} [آل عمران: من الآية41] فجعل
الرمز كلاما لأنه استثناه من الكلام وليس ذلك
بحجة قاطعة لاحتمال أن يكون الاستثناء منفصلا
غير متصل مقدر بلكن ومثل قول ابن الماجشون
لأصبغ في سماعه من هذا الكتاب وجه القول الأول
أن الكلام عند الناس فيما يعرفون إنما هو
الإفهام بالنطق باللسان فعمل يمين الحالف على
ذلك إن عريت من نية أو بساط يدل على ما سواه.
ووجه القول الثاني أن حقيقة الكلام والقول هو
المعنى القائم بالنفس قال الله تعالى
{وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا}
[المجادلة: من الآية8] الآية. وقال
{وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ} [الملك: من الآية13]
الآية. فإذا أفهم الرجل ما في نفسه بلفظ أو
إشارة فقد كلمه حقيقة لأنه أفهمه ما في نفسه
من كلامه بذاته دون واسطة من رسول أو كتاب.
والقول الأول أظهر لأن التكليم وإن كان يقع
على ما سوى الإفهام باللسان فقد تعرف بالنطق
بالإفهام باللسان دون ما سواه فوجب أن يحمل
الكلام على ذلك وأن لا يحنث الحالف على ترك
تكليم الرجل بما سواه إلا أن ينوي به انتهى.
فانظر هذا القول الذي تركه المؤلف مع قوته
والله أعلم.
فرع: قال البرزلي في مسائل الأيمان في أثناء
مسألة من حلف أن لا يتكلم فقرأ بقلبه ومن حلف
أن لا يكلم رجلا فنفخ في وجهه فليس بكلام
انتهى. ونقله في النوادر ونقل عليه الإجماع
ونقله الجزولي عنه في الكبير عند قوله والنفخ
في الصلاة كالكلام والله أعلم. ص: "ولا بسلام
عليه في صلاة" ش: قال في المدونة ومن حلف أن
لا يكلم زيدا فأم قوما فيهم زيد فسلم من
الصلاة عليهم أو صلى خلف زيد وهو عالم به فرد
عليه السلام حين سلم من صلاته لم يحنث وليس
مثل هذا كلاما انتهى. قال أبو الحسن إن كان
إنما سلم عليهم تسليمة واحدة فلا يحنث إماما
كان أو مأموما وأما إن كان سلم اثنتين فإن كان
مأموما فقال في المدونة لا يحنث. وقال في كتاب
محمد يحنث. وقال أيضا إن كان الإمام الحالف
فسلم تسليمتين حنث. وقال ابن ميسر لا يحنث.
اللخمي وهذا كله إذا كان المأموم على يسار
الإمام وأسمعه لأن ثانية الإمام يشير بها إلى
اليسار فلم يحنثه بالأولى لأن القصد الخروج
بها من الصلاة وحنثه بالثانية على القول
بمراعاة الألفاظ ولم يحنثه على القول بمراعاة
المقاصد
(4/463)
ولا كتاب
المحلوف عليه ولو قرأ على الأصوب والمختار
وبسلامه عليه معتقدا أنه غيره أو في جماعة إلا
أن يحاشيه وبفتح عليه وبلا إذنه في لا تخرجي
إلا بإذني
ـــــــ
انتهى. ص: "وبسلامه عليه معتقدا أنه غيره" ش:
قال في الشامل قال محمد ولو كلم رجلا غيره
يظنه هو يعني الحالف لم يحنث ولو قصده كان سلم
على من رأى من جماعة أو عليهم ولم يره معهم
لأنه إنما كلم من عرف. ص: "أو في جماعة إلا أن
يحاشيه" ش: قال ابن ناجي في شرح المدونة عبد
الحق في النكت ومعنى قوله يعني في المدونة إلا
أن يحاشيه أي بقلبه أو بلسانه إذا كان قبل أن
يسلم وإذا حدثت له المحاشاة في أثناء الكلام
لم تنفعه إلا أن يلفظ بها كالاستثناء ولو
أدخله أولا بقلبه لم ينفعه إخراجه بلفظه ويقوم
منها جواز السلام على جماعة فيهم نصراني إذا
حاشاه. انتهى والله أعلم. ص: "وبعدم علمه في
لأعلمنه الخ" ش: قال في المدونة ومن حلف لرجل
إن علم بكذا ليعلمنه أو ليخبرنه فعلماه جميعا
لم يبر حتى يعلمه أو يخبره وإن كتب به إليه أو
أرسل إليه رسولا بر. قال اللخمي يريد إذا لم
يعلم بعلمه وأما إن علم بعلمه فلا يحنث إلا
بمراعاة الألفاظ انتهى. وأبقاها أبو عمران على
إطلاقها.
فرع: قال في التوضيح وإذا حلف ليكلمنه فلا يبر
بالكتاب والرسول بخلاف ليعلمنه
(4/464)
وبعدم علمه في
لأعلمنه وإن برسول وهل إلا أن يعلم أنه علم
تأويلان أو علم وال ثان في حلفه لأول في نظر
وبمرهون في لا ثوب لي وبالهبة والصدقة في لا
أعاره وبالعكس ونوي إلا في صدقة عن هبة
ـــــــ
وليخبرنه. انتهى بالمعنى. ص: "وبمرهون في لا
ثوب لي" ش: اعلم أن الروايات اختلفت في هذه
المسألة واختلفت الأجوبة فيها. قال الرجراجي
وتحصيلها أن نقول لا يخلو إله ما أن تكون له
نية أو لا تكون له نية. فإن كانت له نية فلا
يخلو من أن يكون في الثوبين فضل أم لا فإن لم
يكن في الثوبين فضل فلا خلاف أنه ينوي ولا حنث
عليه. وهل يحلف على نية أم لا فظاهر المدونة
أنه لا يحلف لأن كل من قبلت نيته فيما ينوي
فيه فلا
(4/465)
وببقاء ولو
ليلا في لا سكنت لا في لأنتقلن
ـــــــ
يمين عليه على أصل المدونة. ولمالك في كتاب
محمد يحلف إنه أراد ما أقدر عليه للعارية وذلك
نيته. وإن كان فيهما فضل فلا يخلو من أن يكون
غير قادر على افتكاكه قبل الأجل أو قادرا
عليه. فإن كان غير قادر على الفكاك لعسره أو
لدين لا يقدر على تعجيله إلا برضا صاحبه
كالطعام وسائر العروض من بيع فلا إشكال أنه
ينوي ولا يحنث وإن كان قادرا على الفكاك
بتعجيل الدين وهو ذو مال فهل ينوي أو يحنث
قولان أحدهما أنه ينوي وهو قول يحيى بن عمر.
الثاني: يحنث ولا ينوي وهذا القول مخرج من
ظاهر المدونة من قوله أو كان في الثوبين فضل.
وما رأيت فيها نصا إلا أن أبا إسحاق قال يحنث
وأظن في ذلك اختلافا كثيرا. هذا نص قوله وإن
لم تكن له نية فالذي يتخرج من الكتاب على
اختلاف الروايات ثلاثة أقوال أحدها إنه يحنث
كان في الثوبين فضل أم لا وهذا نقل أبي سعيد
في التهذيب. والثاني: أنه لا يحنث كان في
الثوبين فضل أم لا. وهي رواية الدباغ في
المدونة التي قال حانثا. والثالث التفصيل بين
أن يكون فيهما فضل أم لا. فإن كان فيهما فضل
حنث. وإن لم يكن فيهما فضل لم يحنث. وهذا
القول أضعف الأقوال انتهى. ولفظ تهذيب أبي
سعيد وإن استعير ثوبا فحلف بالطلاق ما يملك
إلا ثوبا وله ثوبان مرهونان فإن كانا كفاف
دينه لم يحنث إن كانت تلك نيته وإن لم تكن له
نية حنث كان فيهما فضل أم لا انتهى. ص:
"وببقائه ولو ليلا في لا سكنت" ش: أي إلا أن
تكون له نية. وقال أشهب لا يحنث حتى يستكمل
يوما وليلة. وقال أصبغ لا يحنث
(4/466)
ولا بخزن
ـــــــ
حتى يزيد عليهما. وظاهر كلامه أنه لو أقام
لنقل حوائجه لكثرتها يحنث. قال في التوضيح
التونسي وانظر إذا حلف أن لا يساكنه فابتدأ
بالنقلة فأقام يومين أو ثلاثة ينقل قماشه
لكثرته أو لأنه لا يتأتى نقله في يوم واحد
وينبغي أن لا شيء عليه لأنه المقصود باليمين
انتهى. قال ابن عرفة بعد نقله ما تقدم قلت:
مثله قولها ذلك في أخذ طعام من مدين انتهى.
قال ابن عبد السلام فإن أخذ في النقلة فأقام
ينقل متاعه يومين أو ثلاثة لكثرته لم يحنث عند
ابن القاسم انتهى. ثم قال في التوضيح عن
التونسي وانظر لو كان في الدار مطامير وقد
أكرى الدار فهل ينقل ما في المطامير وينبغي
إذا كانت المطامير لا تدخل في الكراء إلا
باشتراط فإن الناس يكرون المطامير وحدها لخزن
الطعام إلا أن لا تدخل في اليمين وإن له تركها
إذا كان قد أكرى المطامير على الانفراد ثم سكن
أو سكن ثم أكرى المطامير إلا أن لا يثق
بالمطامير أن تبقى إلا بمكان سكناه فينبغي أن
ينقلها مع قشه اه. قلت: وشبه المطامير
الصهاريج عندنا بالحجاز والظاهر إن أكرى في
عبارة التونسي بمعنى "اكترى" والله أعلم.
فروع: الأول: إذا خرج لم يرجع إلى سكنى ما حلف
أن لا يساكنه أبدا لأنه على العموم بخلاف قوله
لأنتقلن. قاله التونسي.
الثاني: قال ابن عرفة اللخمي لو حلف ليسكننها
بر على قول أشهب بيوم وليلة وعلى قول أصبغ
بأكثر وعلى رعي القصد لا يبر إلا بطول مقام
يرى أنه قصده. قلت: يلزمه على إجرائه البر على
ما به الحنث بره على قول ابن القاسم بساعة
ونحوها أو ما يوجب الحنث قد لا يوجب البر
انتهى.
الثالث: قال في التوضيح وإن حلف ليسكننها قيل
لم يبر إلا أن يسكنها بنفسه ومتاعه وعياله.
اللخمي وأرى أن يبر وإن لم يسكن بمتاعه انتهى.
ص: "ولا بخزن" ش: لأن الخزن
(4/467)
وانتقل في لا
ساكنه عما كانا عليه أو ضربا جدارا ولو جريدا
بهذه الدار
ـــــــ
لا يعد سكنى إذا انفرد. قاله في التوضيح. ص:
"وانتقل في لا أساكنه عما كانا" ش: قال ابن
عبد السلام لا فرق بين أن يقول له "لا ساكنتك"
أو "لا ساكنتك" أو "لاسكنت معك" أو "لا
جاورتك" وظاهر المجموعة أن لفظ المجاورة أشد
في طالب التباعد على ما فهمت وهو أبين انتهى.
والمراد بقوله انتقل الانتقال عن الحالة التي
كانا عليها حين اليمين. قال ابن عبد السلام
وإن كانا حين اليمين في حارة واحدة أو ربض
واحد انتقل أحدهما من تلك الحارة إلى حارة
أخرى وإلى ربض آخر حيث لا يجتمعان للصلاة في
مسجد واحد وإن كانا حين اليمين في قرية واحدة
انتقل عنها إلى قرية أخرى فإن لم يكن معه في
قرية بعد عنه إلى حيث لا يجتمع معه في مسقى
ولا محطب ولا مسرح وإن كانا من أهل العمود
فحلف أن لا يجاوره أو لينتقلن عنه فلينتقل حيث
ينقطع ما بينها من خلطة العيال والصبيان حتى
لا ينال بعضهم في العارية والاجتماع إلا
بالكلفة والتعب انتهى. وقال ابن عبد السلام
أيضا فإن انتقل أحدهما إلى العلو وبقي الآخر
في السفل أجزأه. نص عليه ابن القاسم في
المدونة. ورأى بعض الشيوخ أن هذا إنما يكفي
إذا كان سبب اليمين ما يقع بينهما من أجل
الماعون وأما إن كان ذلك من أجل عداوة حصلت
بينهما فلا يكفي. ومثل انتقال أحدهما إلى
العلو انتقالهما إلى دار فيها مقاصير وحجر سكن
كل واحدة منهما مقصورة. وإن كانا حين اليمين
على أحد هذين الخالين أعين أن يكون أحدهما في
علو والآخر في سفل أو كانا في دار ذات مقاصير
كل واحد منهما في مقصورة فلا بد أن ينتقلا
فيسكن كل واحد منهما في منزل مختص به. انتهى
والله أعلم.
فروع: الأول: إذا حلف لا ساكنه وهما في دار لم
يحنث إذا ساكنه في بلد. قاله
(4/468)
وبالزيارة إن
قصد التنحي لا لدخول عيال إن لم يكثرها نهارا
ومبيت بلا مرض وسافر القصر في لأسافرن ومكث
نصف شهر وندب كماله
ـــــــ
البساطي. وهذا إذا لم تكن له نية ولا بساط
وإلا عمل على ذلك. انظر ابن عبد السلام هنا
انتهى والله أعلم.
تنبيه: قال البساطي الانتقال هنا يصدق
بانتقالهما معا أو بانتقال أحدهما ولهذا قال
المصنف "عما كانا" لكنه يصدق بالانتقال أحدهما
إلى موضع الآخر مع بقاء الحنث اه بالمعنى.
والظاهر أن ما قاله البساطي لا يرد على المؤلف
لمن اعتنى بكلامه وما قاله في الانتقال من أنه
يصدق بانتقالهما معا أو بانتقال أحدهما هو عام
حتى في القريتين والحارتين وغير ذلك وهو ظاهر
والله أعلم.
الثاني: قال ابن عرفة وسمع ابن القاسم لا يحنث
في لا ساكنه بسفره معه وينوي. ابن القاسم إن
لم تكن له نية لا شيء عليه ومثله لمحمد عن
أشهب. ابن رشد إلا أن ينوي التنحي عنه.
الثالث: قال ابن عبد السلام قال ابن المواز من
آذاه جاره فحلف لا ساكنتك أو قال جاورتك في
هذه الدار فلا بأس أن يساكنه في غيرها ولا
يحنث إذا لم تكن له نية وأما إن كره مجاورته
أبدا فإنه يحنث قال وكذلك إن قال لا ساكنتك
بمصر فساكنه بغيرها مثل ذلك سواء انتهى. ص:
"لا لدخول عيال" ش: يشير لقوله في المدونة فإن
كانت لما يدخل بين العيال والصبيان فهو أخف.
ابن يونس أي لا يحنث والله أعلم. ص: "إن لم
يكثرها نهارا أو بيت بلا مرض" ش: قال في
التوضيح واختلف إن أطال التزاور فقال أشهب
وأصبغ لا يحنث. وقال مالك وابن القاسم يحنث
واختلف في حد الطول فقيل ما زاد على ثلاثة
أيام وقيل هو أن يكثر الزيارة نهارا ويبيت
بغير مرض إلا أن يأتي من بلد آخر فلا بأس أن
يقيم اليوم واليومين والثلاثة على غير مرض وهو
قول ابن القاسم ورواه عن مالك ومثله حكى ابن
حبيب عن مالك وأصحابه.
(4/469)
كأنتقلن ولو
بإبقاء رحله لا بكمسمار وهل إن نوى عدم عوده
تردد
ـــــــ
فرع: الحالف لا يأوي إلى فلان فالجأه مطر أو
خوف وجنه الليل فأوى إليه ليلة أو بعض ليلة
فقد حنث إلا أن يكون نوى السكنى. اه من ابن
عبد السلام ص: "كأنتقلن" ش: الظاهر يريد
كأنتقلن السابقة في قوله "لا في لأنتقلن"
ويشير به إلى أنه إذا حلف لينتقلن فانتقل ثم
أراد الرجوع إلى الموضع الأول فإنه يجزئه عند
ابن القاسم نص شهر ويستحب له أن يكمل الشهر.
قال ابن عبد السلام في مسألة لأنتقلن ولابن
القاسم إن رجع بعد خمسة عشر لم يحنث والشهر
أحب إلي. قال ابن الماجشون وكذلك إذا حلف
ليخرجن فلانا من داره فأخرجه فله رده بعد شهر.
وهذا كله إذا قصد بالانتقال ترهيب جاره وأما
إن كره جواره فلا يساكنه أبدا. قاله في
العتبية ونقله في التوضيح. ودخل في قوله أو
لأنتقلن من بلد أو من حارة أو من بيت كما تقدم
بيانه إلا أنه في البلد لا بد أن ينتقل من بلد
إلى بلد أبعد من بلده بمسافة القصر. والحالف
لأنتقلن إن لم يضرب أجلا فهو على حنث ولا يحنث
إن أخر الانتقال. قاله ابن عبد السلام. قال
البساطي ويحال بينه وبين زوجته إن كانت يمينه
بطلاق وإن ضرب أجلا قال ابن عبد السلام فهو
فيه على بر انتهى.
فرع: قال ابن عبد السلام وفي كتاب محمد فيمن
سكن منزلا لامرأته فمنت عليه فحلف بالطلاق
لينتقلن ولم يؤجل فأقام ثلاثة أيام يطلب منزلا
فلم يجده فأرجو أن لا شيء عليه. قيل إن أقام
شهرا قال إن توانى في الطلب خفت أن يحنث. قال
ابن عبد السلام وليس هذا خلافا لما تقدم عند
الواضحة لما في هذا من بساط المنة لأنه إذا
توانى شهرا قويت منتها عليه ولا يحنث بثلاثة
أيام يطلب فيها منزلا لأن هذا المقدار لا يحصل
به منة ألبتة. أه والله أعلم. ص: "ولو ببقاء
رحله لا بكمسمار" ش: الظاهر أن هذا راجع لأصل
المسألة كما قال البساطي. وقوله "كمسمار" يعني
به أن الشيء التافه الذي لا بال له لا يحنث به
(4/470)
وباستحقاق بعضه
أو عيبه بعد الأجل
ـــــــ
كالمسمار والوتد للنزارة. قال في التوضيح
فرع: قال ابن عبد السلام ونص في الموازية على
أنه إذا تصدق بمتاعه على صاحب المنزل أو غيره
فتركه المتصدق عليه في المنزل لم يحنث ونزلت
فأفتيت فيها بذلك إذا أمن من التوليج ولم يطمع
بمكافأة المتصدق عليه وأما إن طمع في ذلك ففيه
نظر انتهى. قال ابن عرفة اللخمي قال محمد عن
ابن القاسم إن أبقاه صدقة على رب الدار أو
غيره لم يحنث. قلت: إن قبله حينئذ وأما إن
تأخر عن قدر ما يحنث به جرى حنثه على المترقب
هل يعد حاصلا يوم حصوله أو يوم حصول سببه
انتهى.
فرع: قال ابن فرحون في شرح مختصر ابن الحاجب
لو حلف لا يدخل هذه الدار فأدخل يده أو رأسه
لم يحنث وإن أدخل رجلا واحدة فقال مالك يحنث.
قال ابن القاسم إن وضعها من وراء الباب أو في
موضع من العتبة يمنع الغلق حنث وقال ابن
الماجشون إن أقل الخارجة ليدخل فتذكر فأخرجها
حنث وإن وقف عليها لم يحنث وإن أدخل رأسه
وصدره قائما لم يحنث ومضطجعا حنث انتهى.
والمسألة في النوادر نقلها عن العتبية
والواضحة بأبسط من هذا والله أعلم. ص:
"وباستحقاق بعضه أو عيبه قبل الأجل" ش: قال في
المدونة ومن حلف ليقضين فلانا حقه إلى أجل
فقضاه إياه ثم وجد فيه صاحب الحق درهما نحاسا
أو رصاصا أو ناقصا نقصا بينا أو زائفا لا يجوز
أو استحقت من يده فقام عليه بعد الأجل فهو
حانث انتهى. قال في التوضيح لا إشكال في الحنث
إذا كان الدافع عالما بذلك حين القضاء وأما إن
لم يعلم ففي المدونة يحنث. قال المصنف يعني
ابن الحاجب وهو مشكل لأن القصد أن لا يماطل
وقد فعل. اللخمي الحنث على مراعاة الألفاظ ولا
يحنث على القول الآخر لأن قصده أن لا يلد
انتهى. وما ذكره عن المدونة ليس هو صريحا فيها
كما تقدم لكنه ظاهرها كما قال ابن رشد في شرح
أول مسألة من باب النذور من العتبية قال فيها
في عبد مملوك حلف لغريم له ليقضينه إلى عشرة
أيام فلما مضت تسعة خاف الحنث فعمد إلى غريم
لسيده فتقاضى منه بغير إذن سيده فقضى غريمه
فلما علم سيده أنكر ذلك وأخذ من الغريم ما
قضاه الغلام. قال مالك أراه حانثا وكذلك لو
سرقها فقضاه إياها حانثا. قيل أرأيت لو أجاز
السيد بعد العشرة الأيام قال ما أرى من أمر
بين. قال ابن القاسم أراه في هذا
(4/471)
..............................
ـــــــ
حانثا حين لم يجز قبل أن ينقضي الأجل لأنه لو
شاء أن يأخذ ما أعطاه عبده من ماله أخذه فإنما
وقع القضاء بعد الأجل. قال ابن رشد إن علم
السيد قبل العشرة الأيام فأجاز بر العبد فإن
لم يجز وأخذ حقه حنث إلا أن يقضي غريمه ثانية
قبل العشرة الأيام ولا اختلاف في هذا وإن علم
بعد العشرة الأيام فثلاثة أقوال أحدها قول ابن
القاسم إن العبد حانث أجاز السيد أو لم يجز
وهو ظاهر ما في المدونة إذ لم يفرق بين أن
يأخذ المستحق ما استحق أو لا يأخذه وظاهر ما
في نوازل سحنون. والثاني لابن كنانة أنه إن
أجاز السيد وإلا حنث. والثالث: لا حنث على
العبد أجاز السيد أو لم يجز لأن الأجل ما مضى
إلا وقد اقتضى الغريم حقه ودخل في ضمانه ولو
تلف كانت مصيبته منه وهو قول أشهب في سماع
أصبغ وقول ابن القاسم أولى الأقوال بالصواب
لأن الحنث يدخل بأقل الوجوه انتهى. وجزم
اللخمي بنسبة القول الأول للمدونة قال إن كان
عالما حنث ويختلف إن لم يعلم. فقال في المدونة
يحنث ثم قال واختلف إذا لم يأخذها المستحق
فقال ابن كنانة لا يحنث. وقال ابن القاسم يحنث
انتهى. قال في التوضيح صرح ابن بشير بالاتفاق
على الحنث إذا لم يجز المستحق وفيه نظر فقد
ذكر في البيان ثالثا أنه لا يحنث وإن لم يجز
المستحق انتهى. وقد تقدم نص كلام البيان
المشار إليه.
تنبيه: قال في التوضيح قيل وإنما يحنث إذا
استحق العين بعد الأجل إذا قامت البينة على
عين الدراهم والدنانير على القول بأنها تتعين
وأما على القول بأنها لا تتعين أو لم تقم بينة
فلا حنث عليه مطلقا انتهى. وما حكاه ب"قيل"
جزم به صاحب البيان ونصه إثر كلامه المتقدم
وهذا الاختلاف كله إنما هو إذا قامت البينة
على الدينار بعينه عند الغريم أنه هو الذي
سرقه العبد أو اقتضاه من غريم سيده فقضاه إياه
على القول بأن الدنانير تتعين وأما إن لم تقم
بينة أو قامت عليه بينة على القول بأنها لا
تتعين وهو قول أشهب وأحد قولي ابن القاسم في
المدونة فلا يكون للسيد سبيل إلى غريم العبد
ويرجع على عبده بالدنانير إن كان وكيلا له على
الاقتضاء أو على غريمه إن كان العبد متعديا في
الاقتضاء ويبر العبد في يمينه انتهى.
فرع: من حلف ليقضين فلانا حقه في الأجل
الفلاني فأعطاه رهنا لم يبر عند ابن القاسم
وهو المشهور. وقال أشهب يبر بذلك نقله ابن رشد
في رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم من كتاب
الأيمان بالطلاق ووجه قول ابن القاسم بأنه لا
يرى البر إلا بأكمل الوجوه وعزا ابن عرفة
للمدونة أنه لا يبر ولم أره في المدونة وظاهر
كلام أبي الحسن أن المسألة ليست في المدونة
فإنه نقل القولين ولم يعز أحدهما للمدونة
ووقعت مسألة وهي أن رجلا حلف أنه أوصل لغريمه
أربعة عشر دينارا ونوى أنه أعطى لشريكه أربعة
دنانير وأعطى لصاحب الحق رهنا يساوي عشرة
دنانير فلم أر فيها نصا لكن يؤخذ من هذه
المسألة أن النية تنفعه أما على قول أشهب
فظاهر لأنه جعل إعطاء الرهن ينزل منزلة قضاء
الحق مع أن ظاهر مسألة ابن القاسم وأشهب أن
الحالف لم ينو ذلك وأما على قول ابن القاسم
فلأنه لم يعلل عدم الحنث بأن إعطاء الرهن
مخالف لقضاء الحق
(4/472)
وبيع فاسد فات
قبله إن لم تف كأن لم يفت على المختار وبهبته
له أو دفع قريب عنه وإن من ماله أو شهادة بينة
بالقضاء إلا بدفعه ثم أخذه
ـــــــ
وإنما علل ذلك بكونه لا يرى البر إلا بأتم
الوجوه بل يفهم منه أن إعطاء الرهن هو من
إعطاء الحق لكنه ليس بأتم الوجوه. وعلى هذا
فإذا قال نويته قبلت نيته على أني لا أجزم
بقبول النية اعتمادا على هذا البحث ولعل الله
يفتح فيها بنص والله الموفق. ص: "إن لم تف" ش:
أي إن لم تف قيمة السلعة بالدين فإن وفت به لم
يحنث لأن المبتاع ملك السلعة بالفوات ولزمه
قيمتها وهي مساوية لدينه فهي قضاء عنه وإن لم
تكن مساوية حنث لكونه لم يقضه. ص: "كأن لم تفت
على المختار" ش: يعني إذا لم تفت السلعة
فالمختار أنه يفصل بين أن تكون القيمة مساوية
أو لا وهو قول أشهب وأصبغ وقال سحنون يحنث. ص:
"وبهبته له" ش: يعني إذا حلف ليقضينه دينه
فوهب الطالب الدين للحالف فإنه يحنث. قال في
التوضيح لعدم حصول القضاء. اللخمي هذا على
مراعاة الألفاظ وأما على مراعاة المقاصد لا
يحنث لأن القصد أن لا تكون نيته لددا. وعلى
الحنث فهل يحنث بنفس قبول الهبة وإن لم يحل
الأجل وإليه ذهب أصبغ وابن حبيب أو لا يحنث
حتى يحل الأجل ولم يقضه الدين ولو قضاه إياه
بعد القبول وقبل حلول الأجل لم يحنث وهو ظاهر
قول مالك وأشهب انتهى. ص: "أو دفع قريب عنه
وإن من ماله" ش: انظر
(4/473)
لا إن جن ودفع
الحاكم وإن لم يدفع فقولان وبعدم قضاء في غد
في لأقضينك غدا يوم الجمعة وليس هو لا إن قضى
قبله بخلاف لآكلنه ولا إن باعه به عرضا
ـــــــ
التوضيح ورسم بع ولا نقصان عليك من سماع عيسى
والذي بعده من النذور ورسم أسلم من سماع عيسى
من الأيمان بالطلاق. ص: "وبعدم قضاء في غد في
لأقضينك غدا يوم الجمعة وليس هو" ش: لا فرق
بين أن يقول لأقضينك غدا يوم الجمعة أو يوم
الجمعة غدا الحكم في ذلك سواء. قاله في رسم
سلف من سماع عيسى من كتاب الأيمان بالطلاق
وقبله أبو الحسن وابن يونس. وقال في رسم
الطلاق من سماع يحيى من كتاب الأيمان بالطلاق
وسئل عن الرجل يحلف بطلاق امرأته ليقضين رجلا
حقه يوم الفطر وهو من بعض أهل المياه فأفطروا
يوم السبت وقضاه ذلك اليوم ثم جاء الثبت من
أهل الحاضرة أن الفطر كان يوم الجمعة قال سمعت
مالكا يقول هو حانث. قال محمد بن رشد وهذه
مسألة صحيحة في أصل المذهب في أن من حلف أن لا
يفعل فعلا ففعله مخطئا أو جاهلا أو ناسيا يحنث
لأن يمينه تحمل على عموم لفظه في
(4/474)
وبر إن غاب
بقضاء وكيل تقاض أو مفوض وهل ثم وكيل ضيعة أو
إن عدم الحاكم وعليه الأكثر تأويلان وبرئ في
الحاكم إن لم يحقق جوره وإلا بر كجماعة
المسلمين يشهدهم
ـــــــ
جميع ذلك إلا أن يخص بنيته شيئا من ذلك فتكون
له نيته. ثم قال ولا ينتفع بجهله أن يوم
الجمعة كان يوم الفطر إلا أن تكون له نية
تخرجه من الحنث في مثل ذلك وإنما مثل ذلك أن
يحلف الرجل ليقضين الرجل حقه يوم كذا فيمر ذلك
اليوم وهو يظن أنه لم يأت بعد انتهى. ص: "وبر
إن غاب بقضاء وكيل تقاض أو مفوض" ش: قال في
رسم جاع من سماع عيسى من الأيمان بالطلاق وأما
إن كان المحلوف له حاضرا فالسلطان يحضره
ويجبره على قبض حقه إلا أن يكون الحق ما لا
يجبر على قبضه كعارية غاب عليها فتلفت عنده
وما أشبه ذلك فيبرأ من يمينه على دفع ذلك عليه
بدفعه إلى السلطان وبالله التوفيق. انتهى
وانظر ابن عرفة. ص: "كجماعة المسلمين يشهدهم"
ش: يعني فإن لم يكن وكيل له ولا سلطان أو له
سلطان وهو جائر
(4/475)
وله يوم وليلة
في رأس الشهر أو عند رأسه أو إذا استهل أو إلى
رمضان أو لاستهلاله شعبان وبجعل ثوب قباء أو
عمامة في لا ألبسه لا إن كرهه لضيقه ولا وضعه
على فرجه
ـــــــ
أو لا يقدر على الوصول إليه فإنه يبر في يمينه
بأن يأتي بالحق ويشهد على وزنه وعدده ولو رجع
به بعد ذلك إلى داره كما صرح به اللخمي.
فرع: فإن أشهد على إحضاره الحق في الأجل ثم
جاء الطالب بعد الأجل فمطله لم يحنث. قاله
اللخمي ونقله ابن عرفة.
فرع: لو دفع الحق إلى رجل من المسلمين فأوقفه
على يديه فإنه يبرأ إذا لم يكن له وكيل ولا
سلطان. قاله اللخمي. ص: "أو لاستهلاله شعبان"
ش: كذا في بعض النسخ التي رأيت بجر استهلال
بلام الجر وهو مشكل فإنه يقتضي أنه إذا حلف
ليقضينه لاستهلال رمضان يحنث بخروج شعبان وهو
خلاف ما قاله ابن يونس. قال في المدونة ومن
حلف ليقضين فلانا حقه رأس الشهر أو عند رأسه
أو إذا استهل فله يوم وليلة من أول الشهر. وإن
قال إلى رمضان أو إلى استهلاله فإذا انسلخ
شعبان واستهل الشهر ولم يقضه حنث. قال ابن
يونس ابن المواز قال ابن القاسم وكذلك كل ما
ذكر فيه "إلى" فهو يحنث بغروب الشمس من آخر
شهر هو فيه كقوله إلى الهلال أو إلى مجيئه أو
إلى رؤيته ونحوه وإن لم يذكر "إلى" وذكر
"اللام" أو "عند" أو "إذا" فله ليلة يهل
الهلال ويومها كقوله "لرؤية الهلال" "لدخوله"
"لاستهلاله" أو "عند استهلاله" "عند رؤيته" أو
"إذا استهلط أو "إذا دخل" ونحو. وأما إن قال
"إلى انسلاخ الشهر" أو "لانسلاخه" أو "في
انسلاخهط فيحنث بالغروب وإذا قال "عند
انسلاخه" أو "إذا انسلخط فله يوم وليلة وقوله
في انقضائه كقوله في انسلاخه سواء. وقال ابن
وهب عن مالك إن الانسلاخ والاستهلال وإلى
رؤيته إلى رمضان ذلك كله واحد وله يوم وليلة
انتهى. ص: "وبجعل ثوب قباء أو عمامة في لا
(4/476)
وبدخوله من باب
غير في لا أدخله إن لم يكره ضيقه وبقيامه على
ظهره وبمكترى في لا أدخل لفلان
ـــــــ
ألبسه" ش: قال في المدونة وإن حلف أن لا يلبس
هذا الثوب فقطعه قباء أو قميصا أو سراويل أو
جبة أو قلنسية فلبسه حنث إلا أن يكون كره
الأول لضيقه أو لسوء عمله فحوله فلا يحنث وإن
ائتزر به أو لف به رأسه أو جعله على منكبه حنث
ولو جعله في الليل على فرجه ولم يعلم لم يحنث
حتى يأتزر به انتهى. قال أبو الحسن قوله "إلا
أن يكون كره" الخ. قال أبو عمران هذا إذا كان
الثوب حين حلف يلبس على وجه ما وأما إن كان لا
يلبس على وجه كالشقائق فيحنث لأنه هكذا يلبس.
الشيخ مثل من حلف لا يأكل هذه الحنطة فأكل
خبزها. وقوله "فإن ائتزر به إلى آخره" وقال
سحنون في هذا الوجه الأول لا يحنث ابن رشد هذا
على ثلاثة أوجه وجه لا يحنث فيه باتفاق وهو
إذا جعله على ناصيته ووجه الاختلاف أنه يحنث
وهو إذا لبس الثوب على هيئة لبسه مثل إذا أخذ
عمامة فأدارها على رأسه أو رداء فالتحف به
ووجه اختلف فيه وهو إذا لبس الثوب على غير
هيئته كالقميص يأتزر به وشبهه. وقوله لم يعلم
إنما هو السؤال والمعتبر إنما هو اللبس انتهى.
ولهذا أسقطه المصنف فصنيعه أحسن من صنيع صاحب
الشامل حيث ذكره فإنه يوهم اعتباره والله
أعلم.
فرع: قال أبو الحسن الصغير قال أبو محمد صالح
ولو حلف لا يلبس ثوبا فحمل فيه زرعا على
أكتافه أو حملت المرأة فيه ولدها قال لا يحنث.
قال أبو القاسم بن زانيف يحنث. وقال غيره لا
يحنث الشيخ يعني بالغير نفسه. ص: "وبقيام على
ظهره وبمكترى في لا دخل لفلان" ش: أي في قوله
لا أدخل لفلان بيتا ولا أدخل بيت فلان. قال في
المدونة وإن حلف أن لا يدخل دار فلان فدخل
بيتا سكنه فلان بكراء أو قام على ظهر بيت منها
حنث انتهى.
فرع: قال في تهذيب الطالب في باب صلاة الجمعة
نحن نقول لو حلف ليدخلن
(4/477)
بيتا وبأكل من
ولد دفع له محلوف عليه وإن لم يعلم إن كانت
نفقته عليه وبالكلام أبدا في لا كلمه الأيام
أو الشهور وثلاثة في كأيام وهل كذلك في
لأهجرنه أو شهر قولان.
ـــــــ
هذه الدار فقام على ظهر بيت منها أنها لا يبر
انتهى. ص: "وبأكل من ولد دفع له محلوف عليه"
ش: تصوره واضح. وأما لو حلف لا ينتفع به بشيء
فأكل ولده منه فتقدم عند قول المصنف وبتكفينه
في لا أنفعه حياته إنه قال في أول رسم من سماع
ابن القاسم من كتاب الأيمان بالطلاق إن الولد
إذا كان خرج من ولاية أبيه فلا حنث على الأب
الحالف بما أخذ من قليل أو كثير وأما الصغار
فإن كان ما أخذوه يسيرا لا ينتفع به الأب في
عون ولده فلا حنث عليه أيضا وإن أخذ من
المحلوف عليه شيئا ينتفع به الأب في عون ولده
مثل الثوب يكسوه إياه أو يطعمه طعاما يغنيه
ذلك عن مؤنته فقد حنث وأقره ابن رشد والله
أعلم. ص: "وبالكلام أبدا في لا أكلمه الأيام"
ش: تصوره ظاهر.
(4/478)
وسنة في حين
وزمان وعصر ودهر وبما يفسخ أو بغير نسائه في
لأتزوجن وبضمان الوجه في لا أتكفل إن لم يشترط
عدم الغرم وبه لوكيل في لا أضمن له إن كان من
ناحيته وهل إن علم تأويلان.وبقوله ما ظننته
قاله لغيري لمخبر في ليسرنه
ـــــــ
فرع: من حلف لا أكلم فلانا أياما فهل يلغي
اليوم الذي حلف فيه ذكر في أول سماع سحنون من
كتاب النذور فيه خلافا وظاهر كلامه ترجيح
القول بعدم الإلغاء. وذكر في التوضيح في باب
صلاة السفر أن الإلغاء هو قول ابن القاسم وقد
نبهت على ذلك في شرح
(4/479)
وباذهبي الآن
إثر لا كلمتك حتى تفعلي وليس قوله لا أبالي
بدءا لقول آخر لا كلمتك حتى تبدأني وبالإقالة
في لا ترك من حقه شيئا إن لم تف لا إن أخر
الثمن على المختار
ـــــــ
نظائر الرسالة وانظر رسم البر من سماع ابن
القاسم من كتاب الأيمان بالطلاق. ص: "وباذهبي
الآن إثر لا كلمتك" ش: انظر رسم العرية من
سماع عيسى من كتاب الأيمان بالطلاق. ص: "ولا
إن دفن مالا فلم يجده ثم وجده مكانه في
أخذتيه" ش: انظر رسم بع ولا نقصان عليك من
سماع عيسى من كتاب الأيمان بالطلاق.
(4/480)
ولا إن دفن
مالا فلم يجده ثم وجده مكانه في أخذتيه
وبتركها عالما في لا خرجت إلا بإذني
ـــــــ
تنبيه: قال البرزلي في مسائل الطلاق من
المسائل المنسوبة للرماح إذا حلف في دراهم أن
زوجته أخذتها فثبت أن أخذها غيرها فإنه يحنث
بخلاف ما إذا وجدها لم يأخذها أحد لأن تقدير
الكلام إن مرت فما أخذها إلا هي. التونسي هذا
على المعنى وظاهر اللفظ أنه يحنث وأما الأولى
فمن لغو اليمين الذي لا يفيد في غير اليمين
بالله تعالى وانظر ما تقدم عن ألغاز ابن فرحون
عند قول المصنف وبوجود أكثر في ليس معي غيره.
ص: "وبتركها عالما في لاخرجت إلا بإذني" ش:
قال ابن رشد في رسم حلف من سماع عيسى من كتاب
الأيمان بالطلاق بعد أن ذكر مسألة العتبية
تحصيل القول في هذه المسألة أن الرجل إذا حلف
على امرأته أن لا تخرج فليس لها أن تخرج إلى
موضع من المواضع وإن أذن لها وإذا حلف لامرأته
أن تخرج فلها أن تخرج حيث شاءت إذا لم يأذن
لها وإذا حلف أن لا تخرج إلا بإذنه ولم يقل
إلى موضع من المواضع فيجزئه أن يقول لها اخرجي
حيث شئت فيكون لها أن تخرج حيث شاءت وكلما
شاءت فلا يحنث وإن أذن لها في موضع بعينه
فذهبت إلى غيره حنث فإن ذهبت إليه ثم ذهبت منه
لغيره فقيل لا يحنث وهو قول ابن القاسم في
الواضحة وقيل يحنث وهو قول ابن القاسم في سماع
أبي زيد وقول أصبغ في نوازله وفي الواضحة فإن
رجعت تاركة للخروج ثم خرجت ثانية من غير إذنه
حنث وإن رجعت من الطريق لشيء نسيته ونحو ذلك
من ثوب تتجمل به ونحوه ثم خرجت ثانية على
الإذن الأول فقيل يحنث وقيل لا يحنث. اختلف في
ذلك قول ابن القاسم فله في سماع أبي زيد إنه
لا يحنث وهو قول مطرف وابن الماجشون وابن نافع
وله في الواضحة أنه يحنث وهو قول أصبغ. وأما
إذا حلف أن لا تخرج إلى موضع من المواضع إلا
بإذنه أو قال إلى موضع ولم يقل من المواضع
فأذن لها إلى موضع فخرجت إلى غيره أو إليه
وإلى غيره حنث وإن رجعت من الطريق غير تاركة
للإذن ثم خرجت عليه ثانيا فعلى ما تقدم من
الاختلاف. وإن قال لها اخرجي حيث شئت فقيل لا
يجزئها الإذن وليس لها أن تخرج حتى تستأذنه في
كل مرة وتعلمه بالموضع
(4/481)
لا إن أذن لأمر
فزادت بلا علم وبعوده لها بعد بملك آخر في لا
سكنت هذه الدار أو دار فلان هذه إن لم ينو ما
دامت له لا دار فلان ولا إن خربت وصارت طريقا
إن لم يأمر به،
ـــــــ
التي تخرج إليه وهو قول ابن القاسم وروايته عن
مالك ها هنا وقول مطرف وأصبغ وقيل يجزئها
الإذن ولها أن تخرج بغير إذنه إلى حيث شاءت
لأنه قد عم في الإذن لها وهو قول ابن الماجشون
وأشهب. فإن رجع عن الإذن بعد ما أذن لها فقال
لا تخرجي فخرجت على الإذن الأول حنث وقد قيل
إنه لا يحنث انتهى. ص: "لا إن أذن لأمر فزادت
بلا علم" ش: ظاهر كلامه أن هذا مخرج من قوله
لا خرجت إلا بإذني وأنه إذا حلف لا خرجت إلا
بإذني فأذن لها في الخروج لأمر فزادت أنه لا
حنث عليه وهو كذلك على أحد قولي ابن القاسم
وقد تقدم ذلك في كلام ابن رشد ونقله ابن عرفة
وغيره وحمل الشارح كلام المصنف هنا على مسألة
أخرى وهي قوله في المدونة وإن حلف أن لا يأذن
لها إلا في عيادة مريض فخرجت في العيادة بإذنه
ثم مضت بعد ذلك إلى حاجة أخرى لم يحنث لأن ذلك
بغير إذنه. ولو خرجت إلى الحمام بغير إذنه لم
يحنث إلا أن يتركها بعد علمه وحملها على الأول
أظهر والله أعلم. ص: "وبعوده لها بعد بملك آخر
في لا أسكن هذه الدار أو دار فلان هذه إن لم
ينو ما دامت له لا دار فلان ولا إن خربت وصارت
طريقا إن لم يؤمر به" ش:
(4/482)
...............................................
ـــــــ
يعني أن من حلف على دار لشخص أنه لا يسكن هذه
الدار أو دار فلان هذه فخرجت الدار عن ملك ذلك
الشخص لشخص آخر فسكنها الحالف بعد خروجها عن
ملك الأول ودخولها في ملك الثاني فإنه يحنث
بعوده لها. هذا معنى كلامه وما حمله عليه
البساطي واعترضه ليس بظاهر جدا فإنه حمل كلام
المصنف على أنه إذا حلف لا سكن هذه الدار وهي
له ثم خرجت عن ملكه ثم عادت لملكه بسبب آخر
ظاهر في عدم قصد تخيله وسكنها فإنه يحنث.
انتهى فتأمله إن أردته والله أعلم. وقوله ولا
إن خربت وصارت طريقا إن لم يأمر به قال الشارح
بهرام وقيد المصنف ذلك بما إذا لم يأمر بذلك
وانظر ما معناه. وقال ابن غازي أي إن لم يأمر
الحالف بتخريبها حتى صارت طريقا. هذا هو
المتبادر من لفظه أنا لم نقف عليه لغيره وإنما
ذكر هذا في المدونة فيمن دخلها مكرها بعد ما
بنيت فقال وإن حلف أن لا يدخل هذه الدار فهدمت
أو خربت حتى صارت طريقا فدخلها لم يحنث وإن
بنيت بعد ذلك فلا يدخلها وإن دخلها مكرها لم
يحنث إلا أن يأمرهم بذلك فيحنث. ويحتمل أن
يكون المصنف فهم أن معنى ما في المدونة إلا أن
يأمرهم بالهدم والتخريب وفيه بعد والله أعلم.
والظاهر والله أعلم ما قاله ابن غازي أنه
يحتمل أن الشيخ رحمه الله فهم أن الاستثناء
راجع لأول المسألة وهو خلاف ما يفهم من كلام
المدونة أن الاستثناء راجع إلى مسألة الإدخال.
وهو ظاهر كلام ابن يونس فإنه قال قال ابن
القاسم وإن قال لهم احملوني وادخلوني ففعل
فهذا يحنث لا شك فيه انتهى والله أعلم. وأطلق
المصنف رحمه الله كالمدونة وظاهره سواء كان
يمينه من أجل صاحبها أم لا. قال أبو الحسن
الصغير إثر كلام المدونة المتقدم وظاهرها كانت
يمينه من أجل صاحبها أم لا. قال محمد أما إن
كانت يمينه من أجل صاحب الدار فلا شيء عليه في
المرور وإن كانت كراهية في الدار خاصة فلا يمر
فيها. قال الشيخ أبو محمد صالح يحتمل أن يكون
قول محمد تفسيرا انتهى.
فرع: قال في النوادر ومن كتاب ابن المواز ومن
حلف لا دخل هذا البيت فحول مسجدا فلا يحنث
بدخوله انتهى والله أعلم.
تنبيه: قال ابن ناجي وأخذ من قول المدونة وإن
حلف أن لا يدخل هذه الدار فهدمت الخ. مسألتان
إحداهما من ترك ربعه للناس يمشون فيه أنه لا
يكون حبسا ولو طال وهذا
(4/483)
وفي لا باع منه
أو له بالوكيل إن كان من ناحيته وإن قال حين
البيع أنا حلفت فقال هو لي ثم صح أنه ابتاع له
حنث ولزم البيع
ـــــــ
الأخذ نقله شيخنا حفظه الله وعرفت أنها وقعت
بالمهدية منذ أيام قلائل وأفتى فيها شيخنا
المذكور بما قلنا فأوقف على ما كان أفتى به
شيوخنا أنه إن طال مشي الناس فيه فإنه يكون
حبسا فروجع في ذلك فأفتى به والثانية أخذ منها
بعض شيوخنا أن المسجد إذا خرب صار طريقا ودخله
رجل فإنه لا يطلب فيه بتحية المسجد. انتهى
والله أعلم. ص: "في لا باع منه أو له بالوكيل
إن كان من ناحيته" ش: هاتان المسألتان في
المدونة وترك المصنف قيدا من قيود المسألة وهو
أن لا يكون الحالف عالما بأنه وكيله فإن علم
فإنه يحنث سواء كان من ناحيته أم لا. وأجرى
أبو الحسن التأويلين المتقدمين في قوله "وبه
لوكيل" هنا فانظره. وقوله إن كان من ناحيته
أشار به لما قاله في المدونة وإن حلف أن لا
يبيع لفلان شيئا فدفع فلان ثوبا بالرجل فأعطاه
الرجل للحالف فباعه ولم يعلم به فإن لم يكن
الرجل من سبب فلان وناحيته مثل الصديق الملاطف
أو من في عياله ونحوه لم يحنث وإلا حنث. قال
أبو الحسن قال اللخمي اختلف فيمن هو من سببه
فقال ابن القاسم في المدونة الصديق الملاطف
ومن هو في عياله أو هو في ناحيته. وقال ابن
حبيب هو الذي يدبر أمره أب أو أخ ممن يلي أمره
وأما الصديق والجار والجلساء فلا. انتهى.
فرع: قال ابن يونس وانظر لو اشترى لنفسه ثم
ولي المحلوف عليه بحضرة المبيع في الموضع الذي
يكون عنده المولى على البائع هل يحنث البائع
لأن المحلوف عليه هو يطلبه بعهدة الاستحقاق أم
لا يحنث لأن الحالف لم يطلب بثمنه إلا المولى
انظر بقيته وشبهه مسألة من حلف لا يشتري
لامرأته شيئا فلولاها ما اشتراه لنفسه وهي في
رسم تأخير صلاة العشاء من سماع ابن القاسم من
النذور ورسم تسلف منه. ص: "وإن قال حين البيع
أنا حلفت فقال هو لي ثم صح أنه ابتاع له لزم
البيع" ش: هذا مبالغة في الكلام السابق. قال
أبو الحسن قال أبو إسحاق لو قال المشتري بعد
الشراء لفلان بعد تقدم قوله لنفسي اشتريته لم
(4/484)
وأجزأ تأخير
الوارث في إلا أن تؤخرني لا دخول دار وتأخير
وصي بالنظر ولا دين وتأخير غريم إن أحاط وأبرأ
ـــــــ
يحنث بذلك الحالف لأنه غير مصدق فيما يدعي بعد
أن قال لنفس اشتريته انتهى. قال ابن ناجي قال
بعض شيوخنا يقوم منها أنه لو قال له أنا أبيع
منك بشرط أنك إن اشتريت لفلان فلا بيع بيننا
فثبت الشراء لفلان فإنه يحنث. وقول التونسي
واللخمي ينبغي أن لا يحنث ولا ينعقد البيع رد
بقولها. قال ابن ناجي قلت: وفيما ذكره نظر لأن
مسألة المدونة انعقد البيع بين المتبايعين
وكان البائع صدق ثم تبين كذبه وفي مسألتها
البيع لم ينعقد والصواب الرد عليهما بقولها في
البيوع الفاسدة وإن لم يأت بالثمن إلى أجل كذا
وإلا فلا بيع فإن البيع ماض والشرط باطل
انتهى. ص: "وأجزأ تأخير الوارث في إلا أن
تؤخرني" ش: قال ابن ناجي قال بعض شيوخنا وظاهر
الكتاب أنه لو لم تؤخره الورثة أنه حانث وهو
خلاف نقل ابن حارث عن المجموعة لو حلف لأقضينك
إلى أجل كذا فمات ربه قبل فقضى ورثته بعد
الأجل لم يحنث انتهى. وانظر أبا الحسن الصغير.
ص: "لا في دخول دار" ش: قال في المدونة وإن
حلف بطلاق أو غيره أن لا يدخل دار زيد أو لا
يقضيه حقه إلا بإذن محمد فمات محمد لم يجزه
إذن ورثته إذ ليس بحق يورث. قال أبو الحسن قال
ابن المواز فإذا أذن له فدخل فلا يدخل ثانية
إلا بإذن ثان وإن مات فقد انقطع الإذن وصار
كمن حلف أن لا يدخل الدار مبهما إلا أن يقول
له قد أذنت لك أن تدخل كلما شئت فيكون ذلك له
وإن أذن له فلم يدخل حتى نهاه قال أشهب فقد
قيل لا يدخل فإن دخل حنث لأنه دخل بغير إذنه
انتهى. ثم قال قوله إذ ليس بحق يورث. ابن
المواز وإن زوجت امرأة مملوكتها لعبد امرأة
فعلمت سيدته ففرقت بينهما فحلفت سيدة الجارية
لا زوجتها إياه ثانية إلا برضا سيدته وورثه
ورثتها فلها أن تزوجها للعبد بإذن ورثتها
الذين ملكوه لأن هذا حق ورثوه فهم كميتهم
انتهى. وهذا على مراعاة المقاصد ظاهر وأما على
مراعاة الألفاظ فقد يقال إنها تحنث فتأمله
والله أعلم. ص: "وتأخير وصي بالنظر ولا دين"
ش: قال ابن ناجي المشهور لا يجزئ تأخير الوصي
مع الغرماء خلافا لأشهب. انتهى بالمعنى. قال
أبو الحسن قال اللبيدي عن أبي محمد يجوز تأخير
الوصي الغريم بأحد أربعة أشياء أحدها أن يكون
التأخير يسيرا. الثاني خوف الجحود. الثالث:
خوف المخاصمة. الرابع: أن يشك هل هو نظر أم
لا. الشيخ أبو الحسن إذا أخره التأخير الكثير
برئ الحالف من اليمين والوصي ظالم لنفسه
انتهى. وأطلق في المدونة هنا تأخير الوصي
وقيده في الوصايا بالنظر. ص: "وتأخير غريم
(4/485)
وفي بره في
لأطأنها فوطئها حائضا وفي لتأكلنها فخطفتها
هرة فشق جوفها وأكلت أو بعد فسادها قولان
ـــــــ
إن أحاط وأبرأ" ش: قال ابن ناجي قال بعض
شيوخنا وكذا في حياته إذا فلس وقيد أبو عمران
قولها بكون الحق من جنس دين الغرماء وتكون
حوالة ويقضي بها يريد وإلا جاء فسخ الدين في
الدين انتهى. قال أبو الحسن وانظر إذا لم
يتجانس الدينان هل يكون مثل تأخير الوصي لا
للنظر أو مثل القضاء الفاسد انتهى.
فرع: قال أبو الحسن قال ابن القاسم وهذا إنما
يكون إذا جعل الورثة ما بأيديهم من الخيار
بأيدي الغرماء ألا ترى أن الطالب إذا أحال على
غريم له فأخر المحال عليه لم يبر إلا أن يجعل
الطالب ذلك إليه انتهى. وقوله إذا أحال على
غريم له يريد وكان ذلك الغريم حلف له ليقضينه
إلا أن يؤخره. ونقله ابن عرفة عن ابن القاسم
في المجموعة.
فرع: قال مالك في كتاب محمد إن حلف ليقضينه
رأس الشهر إلا أن يؤخره فأخره شهرا. ثم قال
المطلوب بعد حلول الشهر الآخر ما بقي على يمين
قال مالك اليمين عليه فإن لم يقضه حنث انتهى.
فرع: فإن أنظره الطالب من قبل نفسه ولم يعلم
الحالف قال مالك عسى به أن يجزئه. وقال ابن
وهب هو في سعة. اللخمي هذا على مراعاة الألفاظ
لأنه قال إلا أن يؤخرني وقد أخره وعلى مراعاة
المقاصد وهو أحسن يحنث لأنه قصد أن لا يلد
فإذا لم يعلم بتأخيره فقد لد. انتهى من
اللخمي. ص: "وفي بره في لأطأنها فوطئها حائضا"
ش: قال ابن عرفة وسمع عيسى ابن القاسم في
ليطأنها لا يبر بوطئها حائضا ولا في رمضان
ويحنث في لا وطئها بأحدهما. ابن رشد الصواب
نقل محمد عن ابن القاسم بره بذلك انتهى.
والمسألة في رسم لم يدرك من سماع عيسى من كتاب
الأيمان بالطلاق فانظرها. ص: "وفي لتأكلنها
فخطفتها هرة فشق جوفها وأكلت أو بعد فسادها
قولان" ش: ظاهر كلامه أنها لو لم تتوان ففي
حنثه قولان. قال الشارح
(4/486)
إلا أن تتوانى
وفيها الحنث بأحدهما في لا كسوتها ونيته الجمع
واستشكل
ـــــــ
في الصغير والقول بالبر حكاه في التوضيح عن
ابن القاسم والقول بالحنث إن لم يتوان لم أقف
عليه انتهى. وما قاله ظاهر والمسألة في سماع
أبي زيد من الأيمان بالطلاق قال فيه في رجل
تغذى مع امرأته لحما فجعلت المرأة لحما بين
يديه ليأكله فأخذ الزوج بضعة فقال لها كلي هذه
فردتها. فقال لها أنت طالق إن لم تأكليها.
فجاءت هرة فذهبت بها فأكلتها فأخذت الهرة
فذبحتها فأخرجت البضعة فأكلتها المرأة هل يخرج
من يمينه فقال ليس ذبح الهرة ولا أكلها ولا
إخراج ما ولا أكله من ذلك بشيء ولا يخرجه ذلك
من يمينه في شيء يحنث فيه. فإذا كان ساعة حلف
لم يكن بين يمينه وبين أخذ الهرة قدر ما
تتناولها المرأة وتحوزها دونها فلا
(4/487)
..................................
ـــــــ
شيء عليه وإن توانت قدر ما لو أرادت أن تأخذها
وتحوزها دونها فعلت فهو حانث. ابن رشد مثل هذا
حكى ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون وهو صحيح
على المشهور من المذهب من حمل الأيمان على
المقاصد التي تظهر من الحالفين وإن خالف في
مقتضى ألفاظهم لأن الحالف في المسألة لم يرد
إلا أن تأكلها وهي على حالها مستمرة مساغة لا
على أنها مأكولة تعاف. وقد روى أبو زيد عن ابن
الماجشون أنها إن استخرجت من بطن الهرة صحيحة
كما هي بحدثان ما بلعتها من قبل أن يتحلل في
جوفها شيء منها فأكلتها فلا حنث عليه. وهذا
يأتي على مراعاة ما يقتضيه اللفظ وهو أصل
مختلف فيه انتهى. فلم يذكر قولا بالحنث إذا لم
تتوان بل الخلاف إنما هو مع التواني فابن
القاسم يحنثه بذلك وابن الماجشون لا يحنثه
وهذا هو الجاري على الأصل المعلوم من المحلوف
عليه إذا منع منه مانع عقل لا يحنث بفواته كما
قال في المدونة في مسألة الحمامات. وقد ذكر
أبو الحسن في التفريع على مسألة الحمامات قال
وانظر لو حلف لرجل على قطعة لحم فانتهبتها هرة
فإن أكلتها لحينها لم يحنث وإن دخلت بها في
غار حيث لا يقدر عليها كانت كمسألة السارق
فيحنث اه. وقد ذكر الرجراجي أيضا في آخر كتاب
الأيمان خطف الهرة وشق جوفها وذكر قول ابن
القاسم ولم يذكر قولا بالحنث إذا لم يتوان
فعلم من هذا أنها إن لم تتوان لا حنث عليه ولو
لم يشق جوف الهرة ويخرجها والعجب من الشارح
كيف اعترض على المصنف هنا وذكر القولين في
شامله.
فرع: قال ابن عبد السلام وفي المجموعة عن ابن
دينار وأشهب في الحالف ليشترين لزوجته بهذا
الدينار ثوبا فخرج به لذلك فسقط منه فإن كان
أراد بالدينار بعينه فقد حنث وإن أراد الشراء
به وبغيره فليشتر بغيره ولا يحنث انتهى.
مسألة: قال صاحب القبس في كتاب الصلاة منه حلف
شخص بالبيت المقدس لا لعبت معك شطرنجا إلا هذا
الدست فجاء رجل فخبط عليهم ذلك الدست قال
اختلف فتاوى الفقهاء فيه حينئذ فأفتى بعض
الشافعية بعدم حنثه وأفتى غيرهم بحنثه واجتمعت
بعد ذلك بالطرطوشي فأفتى بعدم الحنث. انتهى من
الذخيرة والله أعلم.
(4/488)
فصل في النذر
النذر التزام مسلم كلف ولو غضبان
ـــــــ
فصل في النذر التزام مسلم مكلف
قال في الإكمال: نذر بكسر الذال المعجمة نذارة
علم بالشيء ونذرت لله تعالى نذرا بفتحها معناه
وعدت. ابن عرفة النذر الأعم من الجائز إيجاب
امرئ على نفسه لله تعالى أمرا لحديث من نذر أن
يعصي الله. وإطلاق الفقهاء على المحرم نذرا
وأخصه المأمور بأدائه التزام طاعة بنية قربة
لا لامتناع من أمر هذا يمين حسبما مر. وقاله
ابن رشد انتهى. وقوله مسلم قال ابن عرفة ابن
رشد أداء ملتزمه كافرا بعد إسلامه عندنا ندب.
ابن زرقون المغيرة فوجب الوفاء بما نذر بالكفر
انتهى. وقوله مكلف قال ابن رشد في المسألة
الثانية من رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم
من كتاب النذور ولا اختلاف أعلمه أن الصبي لا
يلزمه بعد بلوغه ما نذره على نفسه قبل بلوغه
إلا أنه يستحب له الوفاء به انتهى. وقال ابن
عرفة وشرط إيجاب الحنث الكفارة وغيره في
التعليق في يمين كذلك من مكلف مسلم ينفذ منه
انتهى. وشمل قوله "مكلف" العبد والأمة لأن
الحرية ليست بشرط في النذر فيجب عليهما الوفاء
بما نذرا لكن للسيد منعهما من الوفاء به في
حال الرق فإذا أعتقا وجب عليهما الوفاء بما
نذرا فإن رد سيدهما النذر وأبطله فاختلف في
ذلك قال في كتاب العتق من المدونة وإذا قال
العبد كل عبد أملكه إلى ثلاثين سنة حر فعتق ثم
ابتاع رقيقا قبل الأجل فإنهم يعتقون ولا يعتق
عليه من العبيد ما يملك وهو في ملك سيده إذ لا
يجوز عتق العبد لعبيده إلا بإذن سيده سواء
تطوع
(4/489)
...............................
ـــــــ
بعتقهم أو حلف بذلك فحنث إلا أن يعتق وهم في
يده فيعتقون. وهذا إذا لم يرد السيد عتقه حين
عتق وأما إن رده سيده قبل عتقه وبعد حنثه لم
يلزمه فيهم عتق ولزمه بعد عتقه عتق ما يملك
بقية الأجل. وكذلك أمة حلفت بصدقة مالها أن لا
تكلم أختها فعليها إن كلمتها صدقة ثلث مالها
ذلك بعد عتقها إذا لم يرد السيد ذلك حتى عتقت
انتهى. وقال في كتاب الكفالة ولا يجوز لعبد
ولا مدبر ولا مكاتب ولا أم ولد كفالة ولا عتق
ولا هبة ولا صدقة ولا غير ذلك مما هو معروف
عند الناس إلا بإذن السيد فإن فعلوا بغير إذنه
لم يجز إن رده السيد فإن رده لم يلزمهم وإن
عتقوا وإن لم يرده حتى عتقوا لزمهم ذلك علم
السيد قبل عتقهم أم لم يعلم انتهى. وقال ابن
عرفة ونذر ذي رق ما يلزم الحر يلزمه ولربه
منعه فعله. ابن حارث اتفقوا في الأمة تنذر
مشيها إلى مكة فيرده ربها ثم تعتق أنه يلزمها
لو رد صدقة نذرها ففي سقوطها قول سحنون ورواية
اعتكافها وفي سقوط نذره برد ربه عتقه متقدم
نقل اللخمي عن ابن القاسم وأشهب في نذره حجا
انتهى.
فرع: قال ابن عرفة وسمع ابن القاسم من سئل
أمرا فقال علي فيه صدقة أو مشى كاذبا إنما
يريد أن يمنعه لا شيء عليه إنما يلزمه في
العتق والطلاق إذا كانت عليه بينة انتهى.
(4/490)
وإن قال إلا أن
يبدو لي أو أرى خيرا منه
ـــــــ
تنبيه: تقدم في باب اليمين عند قول المصنف
بذكر اسم الله في اليمين بإنشاء كلام النفس
وحده أو لا بد من اللفظ وتقدم ما في ذلك من
الخلاف وانظر أيضا هل ينعقد النذر بالكلام
النفسي وحده أو لا ينعقد أو يدخله الخلاف كما
في اليمين قال القرافي في كتاب الأحكام في
تمييز الفتاوى من الأحكام في الفرق بين النذر
والحكم السؤال الثالث والعشرون فإذا قلتم إن
حكم الحاكم إنشاء في النفس والنذر أيضا إنشاء
حكم لم يكن متقررا فقد استويا في الإنشاء وإن
كليهما متعلق يجري دون شرع عام فهل بينهما فرق
أو هما سواء وجوابه أنهما وإن استويا في
الإنشاء فبينهما فروق أحدهما أن العمدة الكبرى
في النذر اللفظ فإنه السبب الشرعي الناقل لذلك
المندوب المنذور إلى الوجوب كما أن سبب حكم
الحاكم إنما هو الحجة وسبب حكم الحاكم يستقل
دون نطق والقول الواقع بعد ذلك إنما هو إخبار
بما حكم به وأمر بالتحمل عنه الشهادة في ذلك
انتهى وقال الحفيد بن رشد في بداية المجتهد
واتفقوا على لزوم النذر المطلق في القرب إلا
ما حكي عن بعض أصحاب الشافعي أن النذر المطلق
لا يجوز وإنما اتفقوا على لزوم النذر المطلق
إذا كان على وجه الرضا لا على وجه اللجاج وصرح
فيه بلفظ النذر لا إذا لم يصرح والسبب في
اختلافهم في التصريح بلفظ النذر في النذر
المطلق هو اختلافهم هل يجب النذر بالنية
واللفظ معا أو بالنية فقط فمن قال بهما معا
قال إذا قال لله علي كذا كذا ولم يقل نذرا لم
يلزمه شيء لأنه إخبار بوجوب شيء لم يوجبه الله
عليه إلا أن يصرح بجهة الوجوب ومن قال ليس من
شرطه اللفظ قال ينعقد النذر وإن لم يصرح بلفظه
وهو مذهب مالك أعني أنه إذا لم يصرح بلفظ
النذر أنه يلزمه وإن كان من مذهبه أن النذر لا
يلزم إلا بالنية واللفظ لكن رأى أن حذف لفظ
النذر من القول غير معتبر وإن كان المقصود من
الأقاويل التي مخرجها مخرج النذر وإن لم يصرح
فيها بلفظ النذر وهذا مذهب الجمهور والأول
مذهب سعيد بن المسيب انتهى. ونقله الجزولي في
شرح قول الرسالة ومن قال إن فعلت كذا بلفظ قال
الحفيد اختلفوا إذا لم يلفظ بالنذر هل يلزم أم
لا إلا أنه يلزمه على اختلافهم هل يلزمه
بالنية أو بلفظ النذر مالك يلزمه بالنذر وقيل
لا يلزمه إلا إذا لفظ به ثم قال الشيخ قال ابن
فرس اختلفوا فيه على قولين المشهور أنه يلزمه
وقيل لا يلزمه إلا إذا لفظ بالنذر انتهى
والظاهر المتبادر أن حكمه حكم اليمين ويؤخذ
ذلك من قول المصنف في باب الاعتكاف "لا النهار
فقط فباللفظ" فتأمله والله أعلم. ص: "ولو قال
إلا أن يبدو لي أو أرى خيرا منه" ش: في بعض
النسخ ولو قال وفي بعضها وإن وهي الأحسن.
(4/491)
بخلاف إن شاء
فلان فبمشيئته وإنما يلزم به ما ندب
ـــــــ
لأن هذا الفرع في ظني أنه عار من الخلاف والله
أعلم. قال في القوانين ينظر في النذر إلى
النية ثم إلى العرف ثم إلى مقتضى اللفظ لغة
ولا ينفع فيه الاستثناء بالمشيئة انتهى. يريد
إلا المبهم. قال في المدونة وكذلك الاستثناء
بمشيئة الله في العتق والطلاق والصدقة والمشي
وأما في النذر المبهم فيفيد انتهى. وتقدم كلام
المدونة في باب اليمين عند قول المصنف ولم يفد
في غير الله كالاستثناء بإن شاء الله والله
أعلم. ص: "بخلاف إلا أن يشاء فلان فبمشيئته"
ش: قال أبو الحسن الصغير فلو مات قبل أن يجيز
أو يرد فلا شيء على الحالف انتهى. ص: "وإنما
يلزم به ما ندب" ش: قال ابن عرفة نذر المحرم
محرم وفي كون المكروه والمباح كذلك أو مثلهما
قولا الأكثر مع ظاهر الموطأ والمقدمات انتهى.
وما عزاه لابن رشد في المقدمات نحوه له في رسم
سلف من سماع عيسى من كتاب الأيمان بالطلاق
ونصه النذر ينقسم على أربعة أقسام نذر في طاعة
الله يلزم الوفاء به ونذر في معصية يحرم
الوفاء به ونذر في مكروه يكره الوفاء به ونذر
في مباح يباح الوفاء به انتهى. قال في التوضيح
وقسم اللخمي نذر المعصية كصوم يوم الفطر أو
الأضحى على ثلاثة أقسام إن كان الناذر عالما
بتحريم ذلك استحب له أن يأتي بطاعة من جنس ذلك
وإن كان جاهلا بالتحريم فظن أن في صومه فضلا
عن غيره لمنعه نفسه لذتها في ذلك اليوم فهذا
لا يستحب له القضاء ولا يجب عليه وإن كان يظن
أنه في جواز الصوم كغيره كان في القضاء قولان.
انتهى باختصار وانظر ابن ناجي على الرسالة.
فائدة: قال ابن عبد السلام في قول ابن الحاجب
ومن نذر أن يصلي أو يعتكف في مسجد من المساجد
النائية عن محله لم يلزمه ما نصه.
فإن قلت: هل في قول المؤلف "لم يلزمه دليل"
على جواز الإقدام على الوفاء بذلك والذهاب إلى
المسجد النائي لأجل الصلاة أو الاعتكاف لما
علمت أن عدم اللزوم أعم من المنع .
قلت: لا دلالة فيه على ذلك لأن عدم اللزوم كما
هو أعم من المنع فكذلك هو أعم من الإذن. وأيضا
فإن غالب مسائل النذر أو جميعها لا تخرج عن
قسمي الوجوب والتحريم لأن نذر الطاعة لازم
ونذر ما عداها لا يلزم ولا يجوز الوفاء به
كنذر المشي في السوق أو لبس
(4/492)
كلله على أو
علي ضحية وندب المطلق وكره المكرر وفي كره
المعلق تردد
ـــــــ
ثوب وشبهه انتهى. ص: "كلله علي أو على ضحية"
ش: قال ابن الفرس في أحكام القرآن في سورة
المائدة واختلف في المذهب إذا قال لله علي أن
أفعل كذا وكذا وأن لا أفعل كذا لقربة من القرب
ولم يأت بلفظ النذر هل يلزم أم لا فعندنا فيه
قولان والصحيح لزومه لقوله تعالى {أَوْفُوا
بِالْعُقُود} [المائدة: من الآية1] انتهى ص:
"ونذر المطلق" ش: يشير به لقول ابن رشد النذر
ثلاثة أقسام مستحب وهو النذر المطلق الذي
يوجبه الرجل على نفسه شكرا لله تعالى على ما
كان ومضى انتهى. وقال في التلقين ويلزم
بإطلاقه انتهى. وقال البساطي يعني إذا قال علي
نذر ولم يعلقه بشيء معين لا يلزم الوفاء به
ويندب له أن يفعل شيئا مما يقبل أن ينذر
انتهى. وهذا ليس بظاهر لأن هذا نذر مبهم وفيه
كفارة يمين فتأمله والله أعلم. ص: "وكره
المكرر" ش: انظر قوله هذا مع قوله في الصيام
ونذر يوم مكرر فإن الظاهر أن فيه تكرار والله
أعلم. ص: "وفي كره المعلق تردد" ش: الكراهة
فيه وفيما قبله مع لزومها. قال في التلقين
ويلزم عند وجود شرطه وسواء كان شرطه مباحا أو
محظورا أو طاعة أو معصية كان فعلا للناذر أو
لغيره من العباد أو من فعل الله تعالى انتهى.
وقال القرطبي ورد في صحيح مسلم عنه عليه
الصلاة
(4/493)
.................................
ـــــــ
والسلام أنه قال "لا تنذروا فإن النذر لا يرد
من قضاء الله شيئا". قال القرطبي محل النهي أن
يقول إن شفى الله مريضي فعلي عتق أو صدقة
ونحوه. ووجهه أنه لما وقف فعل القربة على حصول
غرض عاجل ظهر أنه لم ير بتمحض نيته التقرب إلى
الله تعالى بل سلك سبيل المعاوضة وهذا حال
البخيل الذي لا يخرج من ماله إلا بعوض عاجل
أكثر منه ثم ينضاف إلى هذا اعتقاد جاهل يظن أن
النذر يوجب حصول ذلك الغرض أو أن الله يفعل له
ذلك الغرض لأجل النذر وإليهما الإشارة بقوله
"فإن النذر لا يرد من قضاء الله شيئا" فالأولى
تقارب الكفر والثانية خطأ صراح. وإذا تقرر هذا
فهل النهي محمول على التحريم أو على الكراهة
المعروف من مذاهب العلماء الكراهة.
قلت: والذي يظهر لي التحريم في حق من يخاف
عليه ذلك الاعتقاد الفاسد فيكون إقدامه على
ذلك محرما والكراهة في حق من لم يعتقد ذلك
وإذا وقع النذر على هذه الصفة وجب الوفاء به
قطعا من غير خلاف. ومما يلحق هذا في الكراهة
النذر على وجه التبرم والتحرج فالأولى لمن
يستثقل عبدا لقلة منفعته وكثرة مؤنته فينذر
عتقه تخلصا منه وإبعادا له. وإنما كره ذلك
لعدم تمحض نية القربة والثاني: أن يقصد
التضييق على نفسه والحمل عليها بأن ينذر كثيرا
من الصوم أو الصلاة أو غيرهما مما يؤدي إلى
الحرج والمشقة مع القدرة عليه أما لو التزم
بالنذر ما لا يطيقه لكان محرما. وأما النذر
الخارج عما تقدم فما كان منه غير معلق على شيء
وكان طاعة جاز الإقدام عليه ولزم الوفاء به
وأما ما كان منه على وجه الشكر فهو مندوب إليه
كمن شفي مريضه فنذر أن يصوم أو يتصدق انتهى.
فرع: قال ابن عرفة ووجوب أداء النذر المعلق
على أمر بحضوره واضح. وبحضور بعضه ظاهر
الروايات عدمه بخلاف اليمين. وسمع أبو زيد ابن
القاسم من نذر إن رزقه الله
(4/494)
ولزم البدنة
بنذرها فإن عجز فبقرة ثم سبع شياه لا غير
وصيام بثغر
ـــــــ
ثلاثة دنانير صام ثلاثة أيام فصامها بعد أن
رزق دينارين ثم رزق الثالث لم يجزه صومه ولو
نذر إن قضى الله عنه دينه مائة دينار صام
ثلاثة أشهر فصامها بعد قضاء المائة إلا دينارا
ونصفا أرجو أن يجزئه. وأفتى به وضعفه. ابن رشد
القياس عدم إجزائه ووجه رجائه اعتبار كون
التعليق على زوال ثقل الدين ويقوم من سماع ابن
القاسم من كتاب الصدقة أنه يلزمه أن يصوم بقدر
ما أدى الله عنه فالأقوال ثلاثة انتهى. ص:
"ولزم البدنة بنذرها" ش: يجوز إثبات التاء كما
في بعض النسخ وحذفها كما في بعضها أيضا لأن
البدنة تطلق على الذكر والأنثى فليس بمؤنث
حقيقي والله أعلم. ص: "ثم سبع شياه لا غير" ش:
قال ابن عرفة وفيها لا أعرف لمن لم يجد الغنم
صوما إن أحب صيام عشر الأيام. فإن أيسر كان
عليه ما نذر لقول مالك في عاجز عن عتق ما نذره
لا يجب به صوم إن أحب صيام عشرة أيام فإن أيسر
أعتق. الصقلي إن شاء صام عشرة أيام وقيل شهرين
إن لم يجد رقبة ولم أره انتهى. وهو في أول
كتاب النذور من المدونة. ص: "وصيام بثغر" ش:
هذا مكرر مع قوله في الاعتكاف وإتيان ساحل
لنذر صوم به مطلقا والله أعلم.
فرع: قال في النوادر من العتبية روى سحنون عن
ابن القاسم فيمن قال لله علي صيام
(4/495)
وثلثه حين
يمينه
ـــــــ
ولم يسمه أو قال صدقة فإنه يصوم ما شاء ويتصدق
بالدرهم وبنصف الدرهم والربع درهم. قيل فالفلس
والفلسين قال ما زاد فهو حسن انتهى. والمسألة:
في نوازل سحنون من كتاب النذور. وقال ابن رشد
في شرحها وهذا إذا لم تكن للحالف نية ولا بساط
ولا عرف ولا مقصد. قال في الذخيرة قال في
الجواهر الناذر الصوم يلزمه يوم انتهى. وقال
في القوانين إذا نذر الصوم ولم يعين عددا كفاه
يوم واحد وكذلك إذا نذر صلاة ولم يعين شيئا
كفته ركعتان.
فرع: قال في الشامل وأتى بعبادة كاملة إن نذر
صوم بعض يوم أو صلاة ركعة أو طواف شوط. وقيل
لا شيء عليه انتهى.
فرع: فلو نذر أن يصوم أياما كان عليه أن يصوم
ثلاثة أيام. قاله اللخمي في كتاب الصوم.
فرع: قال في النوادر ومن العتبية قيل فمن نذر
إطعام مساكين أيطعم كل مسكين خمس تمرات قال ما
هذا وجه إطعامهم إلا أن ينوي ذلك فلذلك له وإن
لم ينو فليطعم كل مسكين مدا بمد النبي صلى
الله عليه وسلم يقول الله تعالى {إِطْعَامُ
عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة: من الآية89]
فكان مدا لكل مسكين انتهى. وهذه المسألة في
أواخر سماع أشهب من كتاب النذور. وقال ابن رشد
في شرحها وليس هذا بواجب عند مالك وإنما ذلك
استحسان منه والله أعلم انتهى مختصرا بالمعنى.
ص: "وثلثه حين يمينه" ش: تصوره ظاهر وهذا إذا
لم يكن عليه دين. قال البرزلي في أول كتاب
الأيمان وسئل ابن أبي زيد عمن حلف بالصدقة
وعليه دين فأجاب يؤدي دينه ومهر امرأته وإن
بقي شيء تصدق بثلثه. قال البرزلي قلت: هذا في
الحقوق المعينة فإن كان مستغرق الذمة لغير
معين ففيه خلاف انتهى.
تنبيه: وإذا وجب عليه إخراج الثلث فتارة لا
يقتضى عليه بذلك ولكن يؤمر به من غير قضاء
وتارة يقضى عليه ذلك. قال الشيخ يوسف بن عمر
في شرح قول الرسالة ومن جعل ماله هديا أو صدقة
أجزأه ثلثه ولا يقضى عليه بذلك إن جعله
لمساكين غير معينين وإن جعله لمعينين فإنه
يقضى عليه به وإن جعله لمسجد معين قيل يقضى
عليه وقيل لا يقضى عليه انتهى. قال المصنف في
آخر باب الهبة وإن قال داري صدقة بيمين مطلقا
أو بغيرها ولم يعين لم يقض عليه بخلاف المعين
وفي مسجد معين قولان انتهى. وقال في باب العتق
ووجب بالنذر ولم يقض إلا بيت معين انتهى. وقال
في المدونة في كتاب الهبات ومن قال داري صدقة
على المساكين أو رجل بعينه في يمين فحنث لم
يقض عليه بشيء وإن قال ذلك في غير يمين بتلا
فليقض عليه إن كان الرجل بعينه. ولو قال كل
مال أملكه صدقة على المساكين لم أجبره على
صدقة بثلث ماله وآمره بإخراج صدقة ثلث من عين
(4/496)
.................................
ـــــــ
وعرض ودين ولا شيء عليه في أم ولده ومدبرته
وأما المكاتبون فيخرج ثلث قيمة كتابتهم. فإن
رقوا يوما ما نظر إلى قيمة رقابهم فإن كان ذلك
أكثر من قيمة كتابتهم يوم أخرج ذلك فليخرج ثلث
الفضل. قال وإن لم يخرج ثلث ماله حتى ضاع ماله
كله فلا شيء عليه فرط أو لم يفرط. وكذلك إن
قال ذلك في يمين فحنث فلم يخرج ثلث حتى تلف جل
ماله فليس عليه إلا إخراج ثلث ما بقي في يديه
انتهى. قال الشيخ أبو الحسن في شرح مسألة
الدار وحيث قالوا يؤمر ولا يجبر ليس لأنه لا
يجبر عليه بل هو واجب عليه فيما بينه وبين
الله. ونقل عن ابن رشد أنه أثم في الامتناع من
الإخراج. وقال ابن عرفة الباجي عن محمد عن ابن
القاسم وأشهب لو امتنع من جعل ماله صدقة من
إخراج ثلثه إن كان لمعين أجبر عليه ولغير معين
في جبره قولان لابن القاسم وأشهب محتجا بأنه
لا يستحق طلب معين ويلزمه في الزكاة. قلت: لها
طالب معين وهو الإمام انتهى. ثم ذكر مسألة
الدار المذكورة عن كتاب الهبات ولم يذكر نص
المدونة الذي بعدها مع أنه صريح في مسألة
الباجي والعجب من الباجي حيث لم يعز القول
بعدم الجبر للمدونة وإنما عزاه لأشهب بل ظاهر
المدونة أن ابن القاسم موافق عليه إذ لم يذكر
خلافه. وقد قال سند في آخر كتاب الحج إن عادته
إذا روى ما لا يرتضيه أن يبين مخالفته له
فتأمله والله أعلم.
تنبيه: علم مما تقدم ما يخرج ثلثه وما لا
يلزمه إخراجه كما تقدم في نص المدونة.
فروع: الأول: قال أبو الحسن في شرح قوله ولو
قال كل مال أملكه قال عبد الحق عن بعض الشيوخ
لو كان ذلك على رجل بعينه لزمه إخراج جميع
ماله. قال ويترك له كما يترك لمن فلس ما يعيش
به هو وأهله الأيام. ابن المواز كالشهر ذكره
في غير هذا الموضع. انتهى كلام الشيخ أبي
الحسن ونقله في التوضيح عن النوادر وعن صاحب
النكت وانظر هل يقام مثل ذلك فيما إذا نذر
شيئا معينا وكان ذلك جميع ماله فتأمله والله
أعلم.
الثاني: قال ابن عبد السلام إذا حلف بصدقة ما
يفيده أو يكسبه أبدا فحنث فلا شيء عليه. ابن
رشد باتفاق المذهب. وأما إن نذر أن يتصدق
بجميع ما يفيده أبدا فيلزمه أن يتصدق بثلث ذلك
قولا واحدا وإن نذر أن يتصدق بجميع ما يفيده
إلى أجل كذا فيلزمه إخراج ذلك قولا واحدا.
واختلف إذا حلف بصدقة ما يفيده أو يكتسبه إلى
مدة ما أو في بلدة ما فحنث عند ابن القاسم
وأصبغ لا يلزمه شيء وحكى ابن حبيب عن ابن
القاسم إخراج جميع ما يفيده ابن رشد وهو
القياس انتهى.
الثالث: قال ابن عبد السلام وإذا قال لرجل كل
مال أملكه إلى كذا من الأجل صدقة إن فعلت كذا
فحنث فيها خمسة أقوال قول ابن القاسم وابن عبد
الحكم يلزمه إخراج ثلث
(4/497)
إلا أن ينقص
فما بقي بمالي في كسبيل الله وهو الجهاد
والرباط بمحل خيف وأنفق عليه
ـــــــ
ماله الساعة وجميع ما يملكه إلى ذلك الأجل
انتهى. ص: "إلا أن ينقص فما بقي" ش: سواء كان
النقصان من سببه أو من أمر من الله دون تفريط.
قاله في التوضيح وتخيره وظاهره كان النقصان
بعد الحنث أو قبله. فأما قبل الحنث فالمشهور
ما قاله وإن لم يبق شيء فالظاهر أنه لا يلزمه
شيء وأما بعد الحنث فثلاثة أقوال قال ابن
القاسم يضمن إذا أنفقه أو ذهب منه كزكاة فرط
فيها حتى ذهب المال. وقال أشهب لا شيء عليه
فيما أنفقه بعد الحنث. وقال سحنون إذا فرط في
إخراج الثلث حتى ذهب المال ضمن. وفي الواضحة
من حلف بصدقة ماله فحنث ثم ذهب ماله باستنفاق
فذلك دين عليه وإن ذهب بغير سببه فلا يضمن ولا
يضره تفريط حتى أصابه ذلك. ص: "وهو الجهاد
والرباط بمحل خيف" ش: قال في كتاب النذور من
المدونة إذا جعل ماله أو غيره في سبيل الله
فذلك الجهاد والرباط من السواحل والثغور وليس
جدة من ذلك فإنما كان الخوف فيها مرة انتهى.
وقال في كتاب الحبس ومن حبس في سبيل الله فرسا
أو متاعا فذلك في الغزو ويجوز أن يصرف في
مواحيز الرباط كالإسكندرية ونحوها. وأمر مالك
في مال جعل في سبيل الله أن يفرق في السواحل
من الشام ومصر ولم ير جدة من ذلك. قيل له قد
نزل بها العدو. قال كان ذلك أمرا خفيفا. وسأله
قوم أيام كان من دهلك ما كان وقد تجهزوا
يريدون الغزو إلى عسقلان والإسكندرية وبعض
السواحل واستشاروه أن ينصرفوا إلى جدة فنهاهم
عن ذلك وقال لهم الحقوا بالسواحل انتهى. قال
في التوضيح بعد ذكره كلام مالك وهو مقيد بما
إذا كان حالها اليوم كحالها في الزمن المتقدم
وذلك لأن الثغر في الاصطلاح موضوع للمكان
المخوف عليه العدو فكم من رباط في الزمان
المتقدم زال عنه ذلك الوصف في زماننا وبالعكس
انتهى. وأصله لابن عبد السلام وزاد فيجب أن لا
يحكم على موضع ما أبدا بأنه ثغر كما يعتقده
بعض جهلة زماننا انتهى. وقال ابن عرفة الباجي
إذا ارتفع الخوف من الثغر لقوة الإسلام به أو
بعده عن العدو زال حكم الرباط عنه وقد قال
مالك فيمن جعل شيئا في السبيل لا يجعله بجدة
لأن الخوف الذي كان بها قد ذهب. الشيخ عن ابن
حبيب روى إذا نزل العدو بموضع مرة فهو رباط
(4/498)
................................
ـــــــ
أربعين سنة انتهى. والمواحيز بالحاء المهملة
النواحي جمع ماحوز. قال في المدونة في كتاب
الجهاد ولا بأس بالطوى من ما حوز إلى ماحوز أن
يقول لصاحبه خذ بعثي وآخذ بعثك. قال أبو الحسن
قوله ماحوز إلى ماحوز أي من ناحية إلى ناحية.
قال عبد الحق والطوى المبادلة انتهى. وجدة هي
الآن ساحل مكة الأعظم. وعثمان رضي الله عنه
أول من جعلها ساحلا بعد أن شاور الناس في ذلك
لما سئل في سنة ست وعشرين من الهجرة وكانت
الشعبية ساحل مكة قبل ذلك. قال القاضي تقي
الدين في تاريخه عن الفاكهي بسنده قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم "مكة رباط وجدة جهاد"
وعن ابن جريج إني لأرجو أن يكون فضل رباط جدة
على سائر المرابط كفضل مكة على سائر البلاد.
وعن وضوء بن فخر قال كنت جالسا مع عباد بن
كثير في المسجد الحرام فقلت: الحمد لله الذي
جعلنا في أفضل المجالس وأشرفها. قال وأين أنت
عن جدة الصلاة فيها بسبعة عشر ألف ألف صلاة
والدرهم فيها بمائة ألف وأعمالها بقدر ذلك
يغفر للناظر فيها مد بصره. قال قلت: رحمك الله
مما يلي البحر قال مما يلي البحر. وعن عبيد
الله بن سعيد قال جاءنا فرقد السنجي بجدة فقال
إني رجل أقرأ هذه الكتب وإني لأجد فيها مما
أنزل الله عز وجل من كتبه جدة أو جديدة يكون
بها قتلى وشهداء لا شهيد يومئذ على وجه الأرض
أفضل منهم وقال بعض أهل مكة إن الحبشة جاءت
جدة في سنة ثلاث وثمانين في مصدرها فوقعوا
بأهل جدة فخرج الناس من مكة إلى جدة وأميرهم
عبد الله بن محمد بن إبراهيم فخرج الناس غزاة
في البحر واستعمل عليهم عبد الله المذكور عبد
الله بن الحارث المخزومي وإبراهيم جد عبد الله
هذا هو أخو السفاح وعبد الله هو ولي مكة
للرشيد بن المهدي وعلى هذا فسنة ثلاث وثمانين
المشار إليها في هذا الخبر سنة ثلاث وثمانين
ومائة انتهى فيمكن أن يكون هذا هو النزول الذي
ذكره مالك وغيره والله أعلم وقد صارت جدة في
هذه الأيام رباطا لخوف نزول العدو بها خصوصا
في أواخر فصل الشتاء وأوائل فصل الربيع عند
وصول مراكب الهند فإن العدو خذلهم الله توصلوا
إلى بلاد الهند في أوائل هذا القرن وأواخر
الذي قبله ثم لم يزالوا يستولون عليه حتى
استولوا على بلاد كثيرة منه ثم إنهم خذلهم
الله قصدوا إلى جدة في سنة تسعة عشر وتسعمائة
ووصلوا إلى ساحل يسمى كمران من سواحل اليمن
بالقرب من جدة واشتد ذلك على المسلمين ونزل
الناس إلى جدة ثم إنهم خذلهم الله رجعوا من
كمران بعد أن نزلوا فيها وبنوا بها حصنا لوخم
أرسله الله عليهم ثم جاؤا في سنة ثلاث وعشرين
ونزلوا بساحل جدة في ثمانية وعشرين قطعة بين
غراب وبرشة وكان ذلك في عشية يوم الجمعة سادس
عشر من ربيع الأول أو خامس عشرينه وحصل للناس
وجل عظيم وأيقنوا بالأخذ ونزل الناس إلى جدة
وأتوا إليها من المدينة المشرفة وغيرها لكن
أهل المدينة لم يصلوا إلا بعد أن رد الله
الذين كفروا بغيظهم وكان اجتمع بجدة قبل
وصولهم خلق كثير لأن الناس سمعوا بهم قبل
وصولهم بمدة وحصن الناس جدة بالمدافع ثم إن
الله
(4/499)
من غيره إلا
لمتصدق به على معين فالجميع
ـــــــ
تعالى ألقى في قلوبهم الرعب وحبسهم عن النزول
إلى البر بما حبس به الفيل فلم ينزلوا ولم
يقاتلوا وأقاموا نحو خمسة أيام ثم إنهم رجعوا
قتال فتلا الناس هذه الآية كأنها أنزلت في تلك
الساعة {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا
بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى
اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ
اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً} [الأحزاب:25] ثم
إنهم تشتتوا وتفرقوا وأهلهكم الله وأدركهم
الأمير سلمان أمير جدة وغنم منهم غرابا وأخذه
وأسر من فيه. واتفق عند رجوعهم من جدة إن تأخر
منهم غراب فأراد الأمير سلمان إدراكه فنزل
إليه فلما قرب منه رجع عليه منهم نحو عشرة
أغربة فقصدهم فشق ذلك على المسلمين خوف أن
يظفروا به فقدر أنهم أطلقوا على الكفرة مدفعا
فرجع عليه وأحرق شراعهم وأحرق بعضهم رأيت منهم
نحو الثلاثة محرقين فلما رأى الأمير ذلك رجع
بسرعة إلى جدة فلم يدركوه وشنق الذي أطلق
المدفع فإنه يقال إنه فعل ذلك عمدا لأنه حديث
عهد بالإسلام. ويقال إن إسلامه في الظاهر فقط
والله أعلم. وفي ذلك اليوم رآهم الناس من بعد
قرب البر فظنوا أنهم نزلوا إلى البر فخرجوا
إليهم وساروا منهم فلم ينزل منهم أحد. أسأل
الله أن يخذلهم ويكف شرهم عن المسلمين آمين.
ودهلك المذكورة قال عياض بفتح الدال اسم ملك
من ملوك السودان وبه سمي البلد وهو جزيرة ساحل
البحر من جهة اليمن. قال وتلك الناحية أقصى
تهامة اليمن. قال عياض دهلك أقدم من الزمن
الذي تكلم فيه مالك انتهى. ولم أقف على حقيقة
ذلك ما هو والله أعلم. ثم في سنة ست وعشرين
أتوا إلى قرب جدة ورجعوا مخذولين ثم في جمادى
الأولى من سنة تسع وعشرين أشيع أنهم واصلون
إلى جدة وتتابع الخبر بذلك إلى رابع جمادى
الأخيرة فجاء الخبر بأنه مر بعض الجلاب على
مواضع قريبة من جدة وسمع مدافع كثيرة فيه فما
شك الناس أنهم أعداء الله الكفرة وأنهم واصلون
في القرب فبادر الناس إلى النزول إلى جدة
وتحصينها بالمدافع والآلات وأقاموا بها مدة ثم
لم يظهر لهم خبر ولم يأت منهم أحد بعد تلك
السنة ولله الحمد غير أنه في بعض السنين يذكر
أن بعض مراكب منهم في البحر في طريق عدن
وسواحل اليمن إلى سنة تسع وأربعين وتسعمائة
فجاء منهم بعض أغربة في تلك السنة إلى أن
وصلوا إلى ساحل جدة وأخذوا بعض الجلاب الواصلة
إلى جدة من الشام ومن اليمن وفيها جماعة من
الحجاج فك الله أسرهم ونصر المسلمين وألهمهم
رشدهم وخذل الكفرة ورد كيدهم في نحرهم آمين
آمين. ص: "إلا المتصدق به على معين فالجميع"
ش: ذكر هذا
(4/500)
وكرر إن أخرج
وإلا فقولان وما سمى وإن معينا أتى على الجميع
ـــــــ
الفرع في النوادر ونقله الشيخ أبو الحسن عنها
وذكر عبد الحق في كتاب الهبات من النكت عن بعض
شيوخه قال عنه ويترك له منه شيء كما يترك لمن
فلس وأخذ ماله ما يعيش به هو وأهله الأيام
انتهى. فرع: قال في المدونة وإن قال ثلث مالي
أو ثلاثة أرباعه أو أكثر فليخرج جميع ما سمى
ما لم يقل ماله كله انتهى. والضابط في ذلك أنه
حيث أبقى لنفسه شيئا لزمه ما نذر وحيث لم يبق
لزمه الثلث وإنما لزمه إذا نذر جميعه لشخص لأن
المستحق له معين يطالب به وإنما لزمه فيما إذا
نذر شيئا معينا وكان ذلك جميع ماله كما سيأتي
في كلام المصنف. لأنه قد أبقى شيئا ولو ثياب
بدنه وما لم يعلم به من المال فتأمله والله
أعلم. ص: "وكرر إن أخرج وإلا فقولان" ش: يعني
أنه إذا حلف بماله وأخرج ثلثه ثم حلف بماله
فإنه يكرر إخراج ثلثه وكذلك ثالثا ورابعا هذا
إذا كانت يمينه الثانية وحنثها بعد الحنث
والإخراج فإن كانت يمينه وحنثه بعد الحنث في
الأولى وقبل الإخراج ففيها قولان وإن كانت
يمينه الثانية قبل الحنث والإخراج فقال ابن
عبد السلام اختلف نظر الشيوخ هل يجري فيه
القولان أو لا وظاهر كلام الباجي أنه يجري فيه
القولان. قال في التوضيح الباجي وإذا قلنا
يكفي ثلث واحد فقال يحيى عن ابن القاسم سواء
كانت أيمانه في أوقات مختلفة أو أيمان مختلفة
فحنث فيها في وقت واحد أو حنث فيها حنثا بعد
حنث انتهى. قال ابن عرفة ولو كرره قبل حنثه
ففي لزوم ثلثه واحد لجميع الأيمان ولو اختلفت
وتعددت أوقاتها أو أوقات حنثها حنث في بعضها
فأخرج ثلثه ثم حنث في بقيتها كتكررها بعتق عبد
معين أو لأول حنثه ثلثه ولثانيه ثلث ما بقي
نقلا ابن رشد عن سماع يحيى ابن القاسم قائلا
كانت أيمانه في أيام متفرقة أو غير متفرقة أو
كان حنثه كذلك وعن سماع أبي زيد محتملا كونه
لابن القاسم أو لابن كنانة انتهى. ص: "وما سمى
وإن معينا أتى على الجميع" ش: وفي مسائل
القابسي فيمن حلف بصدقة ربعه
(4/501)
وبعث فر وسلاح
لمحله إن وصل وإن لم يصل بيع وعوض كهدي ولو
معيبا على الأصح
ـــــــ
ولا شيء له غيره وعليه الحج أنه يأخذ من ثمن
الربع ما يحج به نفقة بلا ترفه ولا إسراف ولا
هدية ولا تفضل على أحد وما فضل من ثمنه تصدق
به. وإن كان عليه كفارات أيمان تستغرق ثمن
الربع الذي حلف بصدقته وليس له غيره فإنه يبدأ
بكفارات الأيمان ولا تؤخر فما فضل عنها كان في
اليمين بالصدقة وإن أيسر قبل النظر في ذلك
فكفارة الأيمان في يسره والربع يصرف في يمينه
التي حلف انتهى.
مسألة: إذا لم يكن للإنسان إلا قوت يوم الفطر
لا يلزمه إخراجه في زكاة الفطر ولو نذر إخراجه
لزمه. قاله في التوضيح في كتاب الحج في قوله
وفي ركوبها البحر والمشي البعيد. ص: "كهدي" ش:
يعني أنه إذا نذر هدي شيء مما يهدى كالإبل
والبقر والغنم وكان يمكن وصوله لزمه إرساله
وإن لم يمكن وصوله بيع وعوض به من مكة أو من
أي موضع فإن ابتاعها من مكة فليخرجها إلى الحل
ثم يدخلها إلى الحرم. قاله في التوضيح. وقال
ابن عرفة اللخمي يشتري من حيث يرى أنه يبلغه
لا يؤخر إلى موضع أغلى إلا أن لا يجد من يسوقه
فلا بأس أن يؤخر إلى مكة ولو وجد مثل الأول
ببعض الطريق لم يؤخر لا فضل منه بمكة. قلت:
فيها لمالك يشتري بثمن الشاة شاة بمكة ولابن
القاسم فيما لا يصل من إبل يشتري بثمنها من
المدينة أو من مكة أو من حيث أحب وله أيضا
فيما لا يبلغ من بقر يشتري بثمنها هديا من حيث
يبلغ ويجزئه عند مالك من مكة أو المدينة أو من
حيث أحب من حيث يبلغ انتهى. ص: "ولو معيبا على
الأصح" ش: أي يلزم بعث الهدي ولو كان معيبا
على الأصح
(4/502)
وله فيه إذا
بيع الإبدال بالأفضل وإن كان كثوب بيع وكره
بعثه وأهدي به وهل اختلف هل يقومه أو لا ندبا
أو التقويم إذا كان بيمين تأويلات
ـــــــ
وهو قول أشهب وانظر من صححه وظاهر قول أشهب
أنه لا يجوز أن يعوضه بالسليم إذا عينه وأما
إن لم يعينه فالاتفاق على أنه يلزمه السليم.
وإذا قلنا يلزم بعث المعيب وتعذر وصوله وباعه
فهل يتعين عليه شراء السليم أم لا والظاهر أنه
يلزمه السليم. ص: "وله فيه إذا بيع الإبدال
بالأفضل" ش: الضمير في فيه يتعين رده إلى قوله
كهدي يعني أنه له فيه خاصة إبداله بالأفضل
بخلاف الفرس والسلاح. قال في التوضيح فلا يجوز
أن يشتري بثمنه إذا لم يصل غير جنسه من سلاحة
وكراع ولو كان الاحتياج إلى الغير أكثر انتهى.
ص: "وإن كان كثوب بيع وكره بعثه وأهدي به" ش:
أي فإن كان ما نذره هديا مما لا يهدى مثل
الثوب والعبد والدابة باعه وعوض بثمنه هديا
فإن لم يبعه وبعثه كره له ذلك وباعه وأهدي به.
فقوله أهدي به يعني فإن فعل المكروه وبعثه بيع
هناك واشترى به هدي. قاله في المدونة وهو مبني
للمفعول والله أعلم. ص: "وهل اختلف هل يقومه
الخ" ش: ما حمله عليه بهرام هو الظاهر.
(4/503)
فإن عجز عوض
الأدنى ثم لخزنة الكعبة يصرف فيها إن احتاجت
وإلا تصدق به وأعظم مالك أن يشرك معهم غيرهم
لأنها ولاية منه عليه الصلاة والسلام
ـــــــ
والله أعلم. ص: "فإن عجز عوض الأدنى" ش: قال
في التوضيح أي فإن قصر الثمن في مسألة الهدي
والجهاد عن شراء المثل فإنه يعوض الأدنى. ابن
هارون ولا خلاف في ذلك اه. وقال ابن عرفة وما
التزم إخراجه في سبيل الله مما يصلح بعينه
للجهاد أو حلف به كالهدي في إخراج عينه أو
ثمنه إن تعذر وصوله لمحله إلا أنه لا يشتري
بثمنه إلا مثله لاختلاف المنافع فيه. التونسي
فإن لم يبلغ مثله اشترى به أقرب غيره إليه فإن
قصر عنه فكما لا يصلح فيها كعبده يبيعه ويدفع
ثمنه لمن يغزو به من موضعه إن وجد وإلا بعث به
إليه انتهى. فقول المصنف فإن عجز يعني فإن عجز
ثمن ما نذر أنه هدي ولم يمكن وصوله ولا ثمن ما
نذر في السبيل مما لم يصل أيضا أو ثمن ما لا
يهدى عن أعلى الهدي عوض الأدنى فإن لم يبلغ
ذلك من أدنى الهدي وهو شاة فإنه يدفع لخزنة
الكعبة. ص: "ثم لخزنة الكعبة يصرف فيها إن
احتاجت وإلا تصدق به وأعظم مالك أن يشرك معهم
غيرهم لأنه ولاية منه عليه الصلاة والسلام" ش:
يعني أنه إذا عجز ثمن ما لا يهدي عن قيمة أدنى
الهدي وهو الشاة فإنه يدفع لخزنة الكعبة يصرف
فيها إن احتاجت إليه وإن لم يحتج إليه فيتصدق
به. قال في المدونة فإن لم يبلغ ذلك ثمن هدي
وأدناه شاة أو فضل منه ما لا يبلغ ذلك قال
مالك يبعثه إلى خزنة الكعبة ينفق عليها. وقال
ابن القاسم أحب إلي أن يتصدق به حيث شاء.
واستشكل بعض الأشياخ قول مالك بأن الكعبة لا
تنقض فتبنى ولا يكسوها إلا الملوك ويأتيها من
الطيب ما فيه كفاية ومكانسها خوص لا تساوي إلا
ما لا بال له فلم يبق إلا أن تأكله الحجبة.
وليس من قصد الناذر في شيء لكن وقع في كتاب
محمد ما يزيل هذا الإشكال فإنه قال بعد قوله
ينفق عليها فإن لم تحتج الكعبة إليه تصدق به
وساقه ابن يونس على أنه تفسير. ونبه المصنف
على ذلك بقوله "إن احتاجت وإلا تصدق به" ثم
أشار بقوله "وأعظم مالك الخ" إلى مسألة تتعلق
(4/504)
.................................
ـــــــ
بخزنة الكعبة وليست من باب النذور ولكن ذكرها
في المدونة فيه فتبعه المصنف كغيره من أهل
المذهب. ولما تعرض المصنف لهذه المسألة فلا
بأس أن نبسط القول فيها ونذكر ما يتعلق بها من
المسائل والأحكام تتميما للفائدة إذ ليس لها
محل غير هذا فأقول الخزنة جمع خازن وخزنة
الكعبة هم بنو شييبة. يقال لهم خزنة وسدنة
وحجبة منصبهم يقال له حجابة وسدانة وخزانة
بكسر الخاء. قال المحب الطبري في الباب الثامن
والعشرين من كتاب القربى الحجابة منصب بني
شيبة ولاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
إياها كما ولى السقاية لعمه العباس رضي الله
عنه وصح في الحديث أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال "ألا إن كل مأثرة كانت في الجاهلية
فهي تحت قدمي إلا سقاية الحاج وسدانة البيت"
والمأثرة المكرمة والمفخرة التي تؤثر عنهم أي
تروى عنهم ونذكر والمراد والله أعلم إسقاطها
وحطها إلا هاتين المأثرتين وسدانة البيت خدمته
وقولي أمره وفتح بابه وإغلاقه يقال سدن يسدن
فهو سادن والجمع سدنة. ثم ذكر أن النبي صلى
الله عليه وسلم لما دخل مكة عام الفتح قال
لعثمان بن طلحة ائت بالمفتاح قال فأتيته به ثم
دفعه إلي وقال خذوها يا بني أبي طلحة خالدة
تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم. ثم قال ولم
يزل عثمان يلي البيت إلى أن توفي فدفع ذلك إلى
شيبه بن عثمان بن أبي طلحة وهو ابن عمه فبقيت
الحجابة في بني شيبة. ثم ذكر عن ابن عبد البر
أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع المفتاح يوم
الفتح إلى عثمان بن أبي طلحة وإلى ابن عمه
شيبة بن عثمان بن أبي طلحة وقال خذوها خالدة
تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم. قال ثم نزل
عثمان المدينة فأقام بها إلى أن توفي رسول
الله صلى الله عليه وسلم ثم انتقل إلى مكة
فسكنها حتى مات في أول خلافة معاوية رضي الله
عنه سنة اثنين وأربعين. وقيل قتل بأجنادين. ثم
ذكر عن الواحدي أن أخذ المفتاح من عثمان ورده
إليه ونزول الآية بالأمر برده كان عثمان كافرا
انتهى.
قلت: والأول هو الذي تدل عليه الأحاديث.
وأجنادين بفتح الهمزة وفتح الدال المهملة
ومنهم من يكسرها وهو موضع بالشام كانت به وقعة
مشهورة بين المسلمين والروم. وقال النووي في
تهذيب الأسماء واللغات في ترجمة عثمان بن أبي
طلحة أسلم مع خالد بن الوليد وعمرو بن العاص
في هدنة الحديبية وشهد فتح مكة ودفع النبي صلى
الله عليه وسلم مفتاح الكعبة إليه وإلى ابن
عمه شيبة بن عثمان بن أبي طلحة وقال خذوها يا
بني أبي طلحة خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا
ظالم. ونزل عثمان المدينة ثم مكة وروى عن
النبي صلى الله عليه وسلم وتوفي بمكة سنة
اثنتين وأربعين. وقيل قتل يوم أجنادين وقتل
أبو طلحة وعمه عثمان بن أبي طلحة يوم أحد
كافرين. وذكر المحب الطبري في آخر كلام
الواحدي أنه جاء جبريل وقال ما دام هذا البيت
فإن المفتاح والسدانة في أولاد عثمان. زاد
الواحدي في أسباب النزول وهو اليوم في أيديهم
وقال المحب الطبري وقوله "خالدة تالدة" لعله
من التالد وهو المال القديم أي أنها لكم من
أول ومن آخر أو يكون اتباعا لخالدة بمعناها
قال العلماء لا يجوز لأحد أن ينزعها منهم
قالوا وهي ولاية
(4/505)
..................................
ـــــــ
رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأعظم مالك أن
يشرك معهم غيرهم. قال المحب الطبري قلت: ولا
يبعد أن يقال هذا إذا حافظوا على حرمته
ولازموا في خدمته الأدب أما إذا لم يحفظوا
حرمته فلا يبعد أن يجعل عليهم مشرف يمنعهم من
هتك حرمته وربما تعلق العنين الرأي المعكوس
الفهم بقوله صلى الله عليه وسلم وكلوا
بالمعروف فاستباح أخذ الأجرة على دخول البيت
ولا خلاف بين الأمة في تحريم ذلك وأنه من أشنع
البدع وأقبح الفواحش. وهذه اللفظة إن صحت
فيستدل بها على إقامة الحرمة لأن أخذ الأجرة
ليس من المعروف وإنما الإشارة والله أعلم إلى
ما يقصدون به من البر والصلة على وجه التبرر
فلهم أخذه وذلك أكل بالمعروف لا محالة أو إلى
ما يأخذونه من بيت المال على ما يتولونه من
خدمته والقيام بمصالحه فلا يحل لهم منه إلا
قدر ما يستحقونه انتهى. ونقل القاضي تقي الدين
الفاسي المالكي في شفاء الغرام بأخبار البلد
الحرام في الباب الثامن منه كلام المحب الطبري
مختصرا.
قلت: وما ذكره المحب الطبري من أنهم يمنعون من
هتك حرمته هو الحق الذي لا شك فيه لا كما
يعتقده بعض الجهلة من أنه لا ولاية لأحد عليهم
وأنهم يفعلون في البيت الشريف ما شاؤا فإن هذا
لا يقوله أحد من المسلمين وإنما المحرم نزع
المفتاح منهم وأما إجراء الأحكام الشرعية
عليهم ومنعهم من كل ما فيه انتهاك لحرمة البيت
أو قلة أدب فهذا واجب لا يخالف فيه أحد من
المسلمين وما ذكره من تحريم أخذ الأجرة على
فتح البيت ظاهر أيضا لا شك فيه ووجهه أن أخذ
الأجرة إنما يجوز على ما يختص الإنسان بمنفعته
والانتفاع به والبيت لا يختص به أحد دون أحد
فلا يجوز لهم أخذ الأجرة على فتحه وإنما لهم
الولاية على فتحه وإغلاقه في الأوقات التي جرت
العادة بفتحه فيها ولا يجوز لهم إغلاقه ومنع
الناس منه دائما والله أعلم.
تنبيه: والظاهر أن حكم فتح المقام وأخذ الأجرة
عليه كذلك ولم أقف لأحد في ذلك على كلام والله
أعلم.
مسألة: جرت عادة الشيبيين في زماننا وقبله
بمدة طويلة بتقديم الأكبر منهم فالأكبر في
السن في كون المفتاح عنده بل الظاهر أن ذلك
كان من أول الإسلام إن النبي صلى الله عليه
وسلم دفع المفتاح إلى عثمان بن طلحة مع وجود
ابن عمه شيبة بن عثمان كما تقدم. وتقدم أيضا
أنه لما مات عثمان ولي شيبة المفتاح بل الظاهر
أن ذلك كان شأن ولاة البيت في الجاهلية. قال
ابن إسحاق في السيرة النبوية. فوليت خزاعة
البيت يتوارثون ذلك كابرا عن كابر حتى كان
آخرهم خليل بن حبشية الخزاعي والد حبي زوجة
قصي الذي ورث منه مفتاح الكعبة على أحد
الأقوال المروية وخلفه عليه أكبر بنيه عبد
الدار فكان فيه وفي ولده إلى وقت فتح مكة
فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم من عثمان بن
طلحة بن أبي طلحة واسمه عبد الله بن عبد العزي
بن عثمان بن عبد
(4/506)
...............................
ـــــــ
الدار بن قصي القرشي العبدري ورده إليه صلى
الله عليه وسلم في يوم فتح مكة. وفي كلام ابن
جبير في رحلته وفي كلام الفاسي في عقده ما
يقتضي اختلال هذه العادة ولعل ذلك لتعد من بعض
الولاة أو لسبب اقتضى ذلك كما دل عليه
كلامهما. وقال الأزرقي في موضع من كتابه فخرج
عثمان بن طلحة إلى هجرته مع النبي صلى الله
عليه وسلم وأقام ابن عمه شيبة بن عثمان بن أبي
طلحة فلم يزل يحجب هو وولده وولد أخيه وهب بن
عثمان حتى قدم ولد عثمان بن طلحة بن أبي طلحة
وولده مسافع بن طلحة بن أبي طلحة من المدينة
وكانوا بها دهرا طويلا فلما قدموا حجبوا مع
بني عمهم فولد أبي طلحة جميعا يحجبون انتهى.
فهذا الكلام يقتضي أنهم يحجبون جميعا وكأنه
والله أعلم يشير به إلى ما جرت به عادتهم
قديما وحديثا أنهم إذا فتحوا البيت جلسوا فيه
وإن كان المتولي للفتح منهم هو الأكبر وإلى
أنهم من أهل الحجابة فإن بني شيبة بن عثمان بن
أبي طلحة منعوا أولاد عثمان بن طلحة بن أبي
طلحة من الحجابة كما نقل ذلك الفاكهي في تاريخ
مكة ونصه قال حدثني عبد الله بن أحمد قال سمعت
بعض المكيين يقول إن عثمان بن طلحة خرج إلى
المدينة مهاجرا ودفع المفتاح إلى ابن عمه شيبة
بن عثمان فلم يزل ولد شيبة يحجبون وولد عثمان
بالمدينة فلما كان في خلافة أبي جعفر انتقل
ولد عثمان إلى مكة فدفعهم ولد شيبة عن الحجابة
فركبوا إلى أبي جعفر فأعلموه فكتب إلى ابن
جريج يسأله فكتب إليه ابن جريج يقول إن رسول
الله صلى الله عليه وسلم دفع المفتاح إلى
عثمان فأدفعه إلى ولده فدفعه إلى ولد عثمان
فدفعوا ولد شيبة عن الحجابة فركبوا إلى أبي
جعفر فأعلموه أن ابن جريج يشهد أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال خذوها يا بني أبي طلحة
خالدة تالدة لا يظلمكم عليها إلا ظالم. وأن
الحجابة إلى ولد أبي طلحة فكتب إلى عامله إن
شهد ابن جريج بذلك فأدخل بني شيبة وولد أبي
طلحة في الحجابة فشهد ابن جريج عند العامل على
ذلك فجعل الحجابة لهم كلهم جميعا انتهى. وانظر
إذا اختلفوا هل يقضى لهم بما جرت به عادتهم من
تقديم الأكبر فالأكبر أم لا وربما كان الأكبر
غير مرضي الحال لم أر في ذلك نصا لأحد من
العلماء.
قلت: والظاهر أنه يقضى لهم بذلك وإن كان
الأكبر غير مرضي الحال فيجعل معه مشرفا أما
القضاء لهم بما جرت به عادتهم فتشهد له مسائل
من ذلك ما ذكره ابن بطال في مقنعه ونقله عنه
ابن فرحون أنه إذا جرت عادة ولاة الوقف على
أمر في ترتيبه ولم يوجد له كتاب وقف أنهم
يحملون على عادتهم. ومن ذلك ما ذكره ابن رشد
في المقدمات فيمن حفر بئرا في صحراء أنه أحق
بها حتى تروى ماشيته قال ولا تباع ولا تورث
على وجه الملك إلا أن الورثة يتنزلون منزلة
مورثهم في التبدئة. قال فإن تشاح أهل البئر في
التبدئة فقد قال ابن الماجشون إن كانت لهم سنة
من تقديم ذي المال الكثير أو قوم على قوم أو
كبير على صغير حملوا عليها وإلا استهموا
انتهى. ولا شك أن القضاء بالعرف والعادة أمر
معمول به في
(4/507)
................................
ـــــــ
الشريعة في أبواب متعددة من أبواب الفقه
كمسألة: اختلاف الزوجين في متاع البيت فما جرت
العادة أنه للنساء حكم به للمرأة وما جرت به
العادة أنه لرجال حكم به للزوج وإذا كان في
البلد سكك مختلفة ولم ينعقد النكاح والبيع على
سكة معينة منها فيقضى بما جرت العادة بالتعامل
به غالبا. وإذا اختلف المتبايعان في قبض الثمن
فالأصل بقاؤه عند المشتري إلا إذا جرت العادة
أن مثل تلك السلعة لا يذهب بها المشتري حتى
يدفع الثمن فيحكم في ذلك بالعادة. وإذا اختلفا
في صحة البيع وفساده فالقول قول مدعي الصحة
إلا إذا غلب الفساد في العادة فيحكم به وإذا
اختلف المتؤاجران في تعجيل الأجرة ولم يكن شرط
فيحكم بينهما بالعرف والعادة في ذلك. وفي باب
الأيمان مسائل من ذلك وقد ذكر ابن فرحون في
الباب السابع والخمسين من تبصرته مسائل متعددة
من ذلك وبقيت مسائل أخر غير ما ذكر والله
أعلم.
تنبيه: على وهم وغلط رأيت بخط بعض العلماء
منقولا من كتاب الجوهر المكنون في القبائل
والبطون للشريف محمد بن أسعد الجواني النسابة
ما نصه الحجبيون بطن من قريش منسوبون إلى حجبة
الكعبة قدسها الله تعالى وهم ولد شيبة بن
عثمان بن أبي طلحة عبد الله بن العزي بن عثمان
بن عبد الدار بن قصي بن كلاب. قال الشيخ
الشريف ابن أبي جعفر الحسني النسابة وقالوا
ليس لبني عبد الدار بقية درج عقبهم زمان هشام
بن عبد الملك بن مروان فورثوا كلالة ورثهم تسع
نفر بتقديم التاء بالقعدد من قصي منهم علي
وجعفر وعبيد الله بنو عبد الله بن عباس وجعفر
وقثم والعباس بنوا تمام بن العباس بن عبد
المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي ومحمد وعبد
الله ابنا قيس بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف
وعمرو بن عبيد بن ثويب بن حبيب بن أسد بن عبد
العزي بن قصي. فعلى هذا القول كل من يدعي إلى
هذا البطن فهو في ضح انتهى. قال الناقل
وللشريف المذكور في كتاب ذكر أوائل قبائل قريش
واليمن نحو ذلك. والضح بكسر الضاد المعجمة
وتشديد الحاء قال في النهاية ضوء الشمس فكأنه
يعني في أمر بين بطلانه مثل ضوء الشمس.
قلت: وقوى بعض الناس ما ذكره الشريف النسابة
بما ذكره أبو الوليد الأزرقي مؤرخ مكة قديما
ونقله عنه مؤرخها قاضي القضاة تقي الدين محمد
بن أحمد الفاسي المالكي في عدة من تواريخه من
أن معاوية رضي الله عنه أجرى للكعبة الشريفة
وظيفة الطيب لكل صلاة وكان يبعث بالمجمر
والخلوق في الموسم وفي رجب وأخدمها عبيدا ثم
اتبعت ذلك الولاة بعده انتهى.
قلت: وذلك كله وهم وغلط. أما ما نقل عن الشريف
النسابة فمردود بنصوص علماء مكة والمدينة
الذين لا يخفى عليهم مثل ذلك لو وقع. فمن ذلك
ما نقله ابن القاسم صاحب
(4/508)
.................................
ـــــــ
مالك رحمه الله في كتاب النذور من المدونة عن
إمامنا إمام دار الهجرة مالك رضي الله عنه
ونصه وأعظم مالك أن يشرك مع الحجبة في الخزانة
أحد لأنها ولاية من النبي صلى الله عليه وسلم
إذ دفع المفتاح لعثمان بن طلحة انتهى. قال
القاضي عياض في التنبيهات الخزانة بكسر الخاء
أمانة البيت انتهى. فالشريف النسابة يقول إنه
درج عقبهم في زمان هشام بن عبد الملك وقد مات
هشام في سنة خمس وعشرين ومائة وصريح كلام مالك
أنهم موجودون في زمنه وقد عاش مالك إلى سنة
تسع وسبعين ومائة ولا شك أنه أدرك زمن هشام بن
عبد الملك فإنه رضي الله عنه ولد بعد التسعين
في المائة الأولى وخلافة هشام نحو العشرين سنة
فلو وقع ذلك في زمن هشام لما خفي على مالك لأن
مثل هذا الأمر مما تتوفر الدواعي على نقله فلا
يخفى على العوام فضلا عن العلماء ولو وقع ذلك
لتنازعت قريش في ذلك وكانوا أحق به من غيرهم
ولنقل ذلك المؤرخون في كتبهم ولم نقف عليه في
كلام أحد منهم بل الموجود في كلامهم خلافه كما
ستقف عليه. وقد تلقى أصحاب مالك جميعهم ما
ذكرناه عنه بالقبول ونقلوه في متونهم وشروحهم
ولم ينكره أحد منهم بل نقل عن مالك جماعة من
العلماء من غير أهل مذهبه وتلقوه كلهم بالقبول
ومن ذلك ما وقع في كلام أبي الوليد الأزرقي
وأبي عبد الله محمد بن إسحاق الفاكهي المكيين
مؤرخي مكة في غير موضع من تاريخهما فمن ذلك ما
تقدم في كلامهما أن ولد عثمان كانوا بالمدينة
دهرا ثم قدموا وحجبوا مع بني عمهم شيبة بن
عثمان. وقد بين الفاكهي أن ذلك كان في ولاية
أبي جعفر المنصور وهو بعد هشام بن عبد الملك
لأن أبا جعفر من بني العباس وهشام من بني
أمية. ومن ذلك أيضا ما ذكره الأزرقي في كتاب
العهد الذي كتب بين الأمين والمأمون ابني
هارون الرشيد وفيه شهادة جماعة من الحجبة ولفظ
الفاكهي كان الشهود الذين شهدوا في الشطرين من
بني هاشم فلان وفلان وسماهم ثم قال ومن أهل
مكة من قريش من بني عبد الدار بن قصي وسمى
الجماعة الذين سماهم الأزرقي وتاريخ الكتاب
المذكور في سنة ست وثمانين ومائة. ومن ذلك ما
ذكره الأزرقي في عمل أبي جعفر المنصور في
المسجد الحرام فقال وكان الذي ولي عمارة
المسجد الحرام لأمير المؤمنين أبي جعفر زياد
بن عبد الله الحارثي وهو أمير مكة وكان على
شرطته عبد العزيز بن عبد الله بن مسافع الشيبي
جد مسافع بن عبد الرحمن. ومن ذلك أيضا ما ذكره
الأزرقي لما تكلم على الذهب الذي في المقام
فقال حدثني جدي قال سمعت عبد الله بن شعيب بن
شيبة بن جبير بن شيبة يقول ذهبنا نرفع المقام
في زمن المهدي فانثلم إلى آخر القصة. فهذا
صريح في وجودهم في خلافة المهدي وهو ولد أبي
جعفر المنصور ومات في سنة تسع وستين ومائة.
ومن ذلك أن الأزرقي والفاكهي رحمهما الله لما
ذكر أرباع مكة ذكرا جملة من رباع بني عبد
الدار ولم يذكرا أنها انتقلت: إلى غيرهم كما
هي عادتهما وفي كلامهما مواضع كثيرة تدل على
ذلك والأزرقي كان موجودا بعد الأربعين ومائتين
والفاكهي كان موجودا
(4/509)
...............................
ـــــــ
بعد السبعين ومائتين وهما من أهل مكة ومن أسبق
الناس بذلك ولهما المعرفة التامة بأخبارها ولم
يذكرا ذلك بل كلامهما صريح في خلافه كما ذكرنا
ولو وقع ذلك لما خفي عليهما ولكان ذلك من أعظم
ما ينبهان عليه وقد نبها على ما هو أيسر من
ذلك كما يظهر ذلك لمن طالع كلامهما. ومما يرد
ما نقل عن الشريف النسابة ما ذكره الزبير بن
بكار قاضي مالك ومؤلف كتاب النسب لما ذكر حديث
دفع المفتاح إلى شيبة قال فبنو أبي طلحة هم
الذين يلون سدانة الكعبة دون بني عبد الدار
عاش الزبير بن بكار إلى سنة ست وخمسين
ومائتيتن ومن ذلك أيضا ما ذكره ابن حزم
الظاهري في كتاب جمهرة النسب لما ذكر الحديث
المذكور قال فبنو أبي طلحة هم ولاة الكعبة إلى
اليوم دون سائر بني عبد الدار. وعاش ابن حزم
إلى سنة ست وخمسين وأربعمائة. ومن ذلك ما ذكره
ابن عبد البر في كتاب الاستيعاب في ترجمة شيبة
بن عثمان بعد أن ذكر عن الزبير بن بكار ما
نقلناه عنه ونصه قال أبو عمر شيبة هذا جد بني
شيبة حجبة الكعبة إلى اليوم انتهى. وعاش ابن
عبد البر إلى سنة ثلاث وستين وأربعمائة. ومن
ذلك ما وقع في كلام غير واحد من العلماء من
أهل مكة وممن قدم إليها ممن هو من أهل الخبرة
بهذا الشأن الذين لو وقع هذا الأمر لما خفي
عليهم كالمحب الطبري وقد تقدم كلامه وابن جبير
في رحلته وابن الأثير في كتاب الأنساب له
وسيأتي كلامه والقاضي تقي الدين الفاسي وأنه
ترجم جماعة منهم في العقد الثمين وكرر ذكرهم
في شفاء الغرام وغيره من تآليفه ولم يعرج على
انقراضهم بوجه من الوجوه. وكذلك العلامة أبو
العباس أحمد بن علي القلقشندي فإن كلامه في
كتاب نهاية الأرب في معرفة قبائل العرب يدل
على بقائهم إلى زمنه. وقد عاش إلى سنة إحدى
وعشرين وثمانمائة ولو كان ما نقل عن الشريف
النسابة حقيقة لما خفي على هؤلاء العلماء. ومن
ذلك أيضا ما تقدم عن المحب الطبري عن الواحدي
أن جبريل عليه السلام قال ما دام هذا البيت
فإن المفتاح والسدانة في أولاد عثمان. ويشهد
لذلك اتصال نسب ذريته الموجودين في زماننا
الآن. وقول الواحدي بعده وهو اليوم في أيديهم
وعاش الواحدي إلى سنة ست وثمانين وأربعمائة.
وقال العلماء أيضا في قوله صلى الله عليه وسلم
في الحديث المتقدم "خالدة تالدة" أشار به إلى
بقاء عقبهم. وأما ما ذكره الأزرقي من إخدام
سيدنا معاوية رضي الله عنه الكعبة عبيدا فلا
دلالة فيه على انقراض الحجبة لأن خدام الكعبة
غير ولاة فتحها كما هو معلوم مقرر إلى زماننا
وكثيرا يقع في كلام الأزرقي والفاكهي ذكر
الحجبة ثم ذكر خدمة الكعبة أو عبيدها مما يدل
على التغاير بينهما. وكيف يتوهم انقراضهم في
زمان سيدنا معاوية رضي الله عنه والنصوص
المتقدمة صريحة في بقائهم بعده بزمن طويل بل
قد ذكر ابن الأثير في كتاب الأنساب أن شيبة بن
عثمان بن أبي طلحة عاش إلى أيام يزيد بن
معاوية وكلامه يدل على بقائهم إلى زمانه وقد
عاش إلى سنة ثلاثين وستمائة ولو انقرضوا لنبه
على ذلك وإنما نبهت على ذلك وإن كان والحمد
لله كالمقطوع به خشية أن يقف من لا
(4/510)
والمشي لمسجد
مكة ولو لصلاة
ـــــــ
علم عنده على ما نقل الشريف النسابة خصوصا مع
ما قوي به مما نسب لسيدنا معاوية فيتوهم خلاف
ما ذكرناه أو يجوز ذلك والتحقيق ما أشار
العلماء إلى استنباطه من الحديث الشريف من
بقائهم والله أعلم.
فوائد: الأولى: ذكر الفاكهي أن النبي صلى الله
عليه وسلم لما أخذ المفتاح من عثمان فتحها
بيده وقد كانوا يقولون لا يفتح الكعبة إلا
الحجبة.
الثانية ذكر الفاكهي أيضا أن النبي صلى الله
عليه وسلم لما دفع المفتاح إلى عثمان كان
مضطبعا عليه رداؤه مغيبا له ودفعه إليه من
وراء الثوب وقال غيبوه. قال الزهري فلذلك يغيب
المفتاح انتهى.
قلت: فلذلك والله أعلم يرخون ستر الباب حين
فتحه وحين إغلاقه.
الثالثة قال الفاكهاني أيضا كان من سنة
المكيين وهم على ذلك إلى اليوم إذا ثقل لسان
الصبي وأبطأ كلامه عن وقته جاؤا به إلى حجبة
الكعبة فسألوهم أن يدخلوا مفتاح الكعبة في فمه
فيأخذونه الحجبة فيدخلون خزانة الكعبة ثم
يغطون وجهه ثم يدخل مفتاح الكعبة في فمه
فيتكلم سريعا وينطلق لسانه بإذن الله تعالى
وذلك مجرب بمكة إلى يومنا هذا انتهى. قال بعض
شيوخ شيوخنا وإلى عصرنا هذا وهو سنة خمس
وثمانمائة.
قلت: وإلى وقتنا هذا وهو سنة أربعين وتسعمائة
ولا يخصون بذلك من ثقل لسانه بل يفعلون ذلك
بالصغار مطلقا تبركا بذلك ورجاء أن يمن عليه
بالحفظ والفهم وقد فعل ذلك آباؤنا وفعلناه
بأولادنا والحمد لله على ذلك. ص: "والمشي
لمسجد مكة ولو لصلاة" ش: قال القرافي وفي
الكتاب إن كلمت فلانا فعلي المشي فكلمه لزمه
المشي في حج أو عمرة. والمدرك إما لأن الحج
والعمرة العادة تلزم أحدهما وإما لأن دخول مكة
لا يتأتى إلا بإحرام بأحدهما فكان اللفظ دالا
عليهما بالالتزام. قال اللخمي الناذر المشي إن
نوى حجا أو عمرة أو طوافا أو صلاة لزمه ويدخل
محرما إذا نوى حجا أو عمرة وإن نوى طوافا
يتخرج دخوله محرما على
(4/511)
...............................
ـــــــ
الخلاف في جواز دخول مكة حلالا ونادر السعي
يختلف فيه هل يسقط نذره أو يأتي بعمرة لأن
السعي ليس بقربة بانفراده فيصحح نذره بحسب
الإمكان وإن نذر صلاة فريضة أو نافلة أتى مكة
ووفى بنذره وهذا قول مالك. وذهب بعض أهل العلم
إلى أنه لا يأتي للنفل فإن نوى الوصول خاصة
وهو يرى أن ذلك قربة لم يكن عليه شيء وإن كان
عالما أنه لا قربة فيه كان نذره معصية فيستحب
له أن يأتي بذلك المشي في حج أو عمرة فإن لم
تكن له نية مشى في حج أو عمرة. انتهى مختصرا.
وقال الرجراجي إذا حلف بالمشي إلى مكة ونوى
الوصول ويعود ولا نية له في أكثر من ذلك فلا
يخلو من وجهين إما أن يرى أن ذلك قربة وفضيلة
فلا شيء عليه لا مشي ولا غيره أو يكون عالما
بأنه لا فضيلة في نذره ووصوله إلى مكة فيكون
نذره معصية وهل يلزم أن يجعل ذلك في حج أو
عمرة قولان قائمان من المدونة أحدهما أن يجعل
ذلك في حج أو عمرة ويلزمه ذلك وجوبا والثاني:
أنه لا شيء عليه ولا يلزمه المشي وهما مبنيان
على الخلاف فيمن نذر معصية هل يلزمه أن يعكس
نذره في طاعة أم لا انتهى.
فروع: الأول: قال الشيخ يوسف بن عمر في شرح
الرسالة قال أبو الوليد بن رشد وإنما يلزمه
المشي إذا وجد الاستطاعة فإذا لم يجد فلا يجب
عليه المشي وإنما يلزمه نية المشي إذا وجد
التمكن من ذلك.
الثاني: قال في الذخيرة قال ابن يونس وإحرامه
من الميقات لا من موضعه انتهى.
الثالث: قال اللخمي واختلف في مشي المناسك إذا
نذر الحج فقال مالك يمشي المناسك. وذهب بعض
أهل العلم إلى أنه يركبها. ورجع مالك مرة لمثل
ذلك فقال في كتاب محمد إن جهل فركب المناسك
ومشى ذلك قابلا فلا هدي عليه. قال محمد ولم
يره بمنزلة من عجز في الطريق. قال ابن القاسم
ذلك فيما ظننت لأن بعض الناس رأى أن مشيه
الأول يجزئه وأرخص في الركوب إلى عرفة. قال
الشيخ وهذا هو الأصل لأن الناذر إنما قال علي
المشي إلى مكة فجعل غاية مشيه إلى مكة فلم
يلزمه أكثر من ذلك ولو كانت نيته الحج. ولو
قال رجل علي المشي إلى مصر في حج لم يكن عليه
أن يمشي إلا إلى مصر لم يركب ويحج. فكذلك قوله
على المشي إلى مكة في حج يمشي إلى مكة ويركب
فيما سواها إلا أن ينوي مشي المناسك. وقول ابن
حبيب يمشي لرمي الجمار وإن كان قد أفاض فلعادة
فإن لم تكن كان له أن يركب انتهى. وهذا الذي
ذكره ظاهر إذا قال علي المشي إلى مكة أو قال
علي المشي إلى مكة في حج وأما إذا قال علي
الحج ماشيا فالظاهر لزوم مشيه الجميع والله
أعلم.
الرابع: قال القرطبي في شرح مسلم فلو قال علي
المشي إلى مسجد من المساجد الثلاثة لم يلزمه
المشي عند ابن القاسم بل اللازم له المضي
إليها. وقال ابن وهب يلزمه المشي وهو
(4/512)
وخرج من بها
وأتى بعمرة كمكة أو البيت أو جزئه لا غير إن
لم ينو نسكا من حيث نوى.
ـــــــ
القياس انتهى. فظاهر كلامه أن صورة المسألة
أنه نذر المشي إلى مسجد من المساجد الثلاثة
ولم يعينه وإنما يلزمه المسير إليها جميعها
فتأمله والله أعلم.
الخامس: القائل على المشي إلى بيت الله هو
الكعبة إلا أن ينوي غيره لاشتهاره وانظر ابن
عبد السلام والرجراجي وأبا الحسن فيما يتعلق
بقول المصنف "ولو لصلاة" والله أعلم ص: "وخرج
من بها وأتى بعمرة" ش: شمل قوله "بها" من كان
بالمسجد الحرام ومن كان بمكة خارج المسجد
فيلزمه الإتيان بعمرة وأما من كان في المسجد
فلم يذكروا فيه خلافا سواء نذر المشي إلى
المسجد أو إلى مكة وكذا من كان خارجه ونذر
المشي إلى مكة. وأما من كان خارجه ونذر المشي
إلى المسجد فذكروا لابن القاسم فيه قولين. قال
اللخمي في تبصرته. قال ابن القاسم وإذا قال
علي المشي إلى مكة وهو بها خرج إلى الحل فيأتي
بعمرة لأن مفهوم قوله أن يأتي إليها من غيرها
وأقل ذلك أوائل الحل. وإن قال علي المشي إلى
المسجد وهو بمكة خرج إلى المسجد من موضعه ولم
يكن عليه أن يخرج إلى الحل. وقال مرة يخرج إلى
الحل كالأول وإن قال وهو بالمسجد علي المشي
إلى مكة أو إلى المسجد خرج إلى الحل ثم يدخل
بعمرة انتهى. وقريب منه في التوضيح. وانظر
كلام ابن يونس فإنه ذكر أنه يحرم من الحل وأنه
لو أحرم من الحرم خرج راكبا ومشى من الحل
والله أعلم. ص: "من حيث نوى" ش: قال ابن عرفة
ابن رشد لا يجوز نذر التحليق في المشي كنذر
مدني مشيا على العراق أو الشام انتهى.
(4/513)
وإلا حلف أو
مثله إن حنث به وتعين محل اعتيد وركب في
المنهل ولحاجة كطريق قربى اعتيدت وبحرا اضطر
له لا اعتيد على الأرجح لتمام الإفاضة وسعيها
ورجع وأهدى إن ركب كثيرا بحسب المسافة أو
المناسك والإفاضة نحو المصري قابلا
ـــــــ
ص ولحاجة" ش: أي نسيها ورجع إليها ص: "ورجع
وأهدى إن ركب كثيرا بحسب مسافته أو المناسك
والإفاضة نحو المصري فيرجع قابلا" ش: تصوره
ظاهر.
فروع: الأول: الهدي إنما يكون بعد رجوعه كما
هو ظاهر كلام المصنف كمن فاته
(4/514)
فيمشي ما ركب
في مثل المعين
ـــــــ
الحج إنما يهدي إذا حج ثانية ولا يقدمه قبل
ذلك. فإن فعل هنا أجزأه. قاله أبو إسحاق نقله
أبو الحسن.
الثاني: قال في الذخيرة ولا يجعل مشيه الأول
ولا الثاني في فريضة.
الثالث: قول المصنف وغيره فيما إذا ركب في
المناسك والإفاضة أنه يرجع فيحج راكبا ويمشي
في المناسك يعنون به إذا سافر من مكة وأما لو
أقام بمكة إلى العام القابل لحج من مكة ماشيا
وأجزأه على ما سيأتي وكلام أبي الحسن عن أبي
إسحاق في الفرع الخامس والله أعلم.
الرابع: لو ركب في مشيه فوجب أن يرجع ثانيا
فلو لم يرجع في العام الذي يليه وحج بعد ذلك
بأمد أجزأه. نقله أبو الحسن عن عبد الحق.
الخامس: قال أبو الحسن الصغير انظر إذا عجز
فركب هل يرجع إلى منزله وحينئذ يبتدئ الركوب
من هناك ثم يمشي ما ركب أم لا وإنما يرجع إلى
حيث ابتدأ منه الركوب فيمشي ما ركب قال الشيخ
أبو محمد صالح ظاهره أنه يرجع إلى موضعه
فيبتدئ الركوب من هناك فيركب ما مشى ثم يمشي
ما ركب. وقال أبو إسحاق لو مشى أولا شيئا
كثيرا ثم عرض له هذا يعني الركوب قال يمشي من
حيث عرض له ذلك في المرة الثانية واعتد بما
تقدم من المشي المنفرد انتهى. ص: "فيمشي ما
ركب" ش: هذا إذا علم بتلك المواضع وإلا فيلزم
(4/515)
وإلا فله
المخالفة إن ظن أولا القدرة وإلا مشى مقدوره
وركب وأهدى فقط كأن قل ولو قادرا كالإفاضة فقط
وكعام عين وليقضه أو لم يقدر وكإفريقي وكإن
فرقه ولو بلا عذر.
ـــــــ
مشي الجميع. انظر التوضيح وابن عرفة. ص: "وإن
ظن أولا القدرة وإلا مشى مقدوره وركب وأهدى
فقط" ش: ظاهر كلام المصنف أن الهدي واجب وذكر
القرطبي في شرح مسلم أن الهدي مستحب فانظره.
ص: "ولو قادرا" ش: هذا الذي اختاره المصنف من
الخلاف خلاف ما نسبه ابن رشد للمذهب واللخمي
أن القادر إذا ركب يلزمه الرجوع ثانية ولا
يجزئه المشي وسيأتي كلام ابن رشد وانظر ابن
عرفة. ص: "وكأن فرقه ولو بلا عذر" ش: ظاهر
كلام المصنف أن هذا يلزمه الهدي لأنه عده في
جملة النظائر الواجب فيها الهدي ولم أر الآن
من صرح بلزوم الهدي مع التفتيش عليه بل ظاهر
كلام اللخمي أنه لا شيء عليه. وقد يؤخذ وجوب
الهدي مما قالوا فيما إذا أفسده أنه يجب عليه
هديان هدي للفساد وهدي
(4/516)
وفي لزوم
الجميع بمشي عقبة وركوب أخرى تأويلان والهدي
واجب إلا فيمن شهد المناسك فندب ولو مشى
الجميع ولو أفسد أتمه ومشى في قضائه من
الميقات
ـــــــ
لتبعيض المشي فتأمله. وكذلك الفرع الذي قبله
لم أر من نص على لزوم ابن غازي ولم يعزه ولكن
لزوم الهدي فيه ظاهر لأنهم جعلوه بمنزلة
الرجوع ثالثة فإنه يسقط ويلزم الهدي والله
أعلم. ص: "يمشي عقبة ويركب أخرى" ش: العقبة
ستة أميال قاله أبو الحسن. ص: "ولو أفسد أتمه
ومشى في قضائه من الميقات" ش: هذا أعم من أن
يكون معينا أو مبهما انظر المدونة وعبارة
المصنف نحو عبارة ابن الحاجب. قال في التوضيح
ولم يصرح يعني ابن الحاجب هل يتمادى بعد
الإفساد ماشيا أو راكبا. ابن عبد السلام
والأقرب أنه لا يلزمه المشي لأن إتمامه ليس من
النذر في شيء وإنما هو لإتمام الحج انتهى. وما
قاله ابن عبد السلام أنه الأقرب صرح به في
سماع يحيى من كتاب الحج. وقال ابن رشد فيه
ومساواته بين أن يركب من حيث أفسد حجه أو يمضي
ماشيا إلى تمام حجه صحيح لأن المشي لا يجزئه
بعد الوطء لفساد الحج ووجوب قضائه عليه وسواء
ركب أو مشى انتهى. وقول المؤلف ومشى في قضائه
من الميقات هو الذي صرح به في سماع يحيى
المذكور ونقله الصقلي عن يحيى بن
(4/517)
وإن فاته جعله
في عمرة وركب في قضائه وإن حج ناويا نذره
وفرضه مفردا أو قارنا أجزأ عن النذر وهل إن لم
ينذر حجا تأويلان
ـــــــ
عمر عن ابن القاسم واعترضه ابن رشد في شرح
السماع المذكور فقال وقوله إنه يمشي من ميقاته
ويجزئه المشي الذي مشى من حيث حلف إلى الميقات
خلاف مذهب مالك وابن القاسم في المدونة. وما
نص عليه ابن حبيب في الواضحة من أن من ركب من
غير عجز عن المشي أعاد المشي كله إذ لا يجوز
له أن يفرق مشيه إلا من ضرورة ويهدي لأنه لما
وطئ فرق مشيه من غير ضرورة ثم قال إلا أن يكون
وطئه ناسيا فحينئذ يمشي من الميقات لأنه مغلوب
على التفرقة بالوطء ناسيا انتهى. ص: "وإن حج
ناويا نذره وفرضه مفردا أو قارنا" ش: قال في
المدونة ولو قرن يريد بالعمرة المشي عليه
وبالحج فريضته لم يجزه عن الفرض وعليه دم
القران كمن نذر مشيا فحج ماشيا وهو ضرورة ينوي
بذلك نذره وفريضته أجزأه لنذره لا لفرضه وعليه
قضاء الفريضة قابلا انتهى.
فرع: قال البرزلي في آخر كتاب الأيمان من أحرم
من الميقات بعمرة عن نذره وأحرم من مكة عن
فرضة لم يجزه عن فرضه ويجزئه عن نذره وعليه دم
القران. البرزلي يريد أحرم قبل أن يكمل العمرة
في الوقت الذي يرتدف ولو كان في وقت لا ترتدف
بحيث تمت عمرته جاز عنهما وكان متمتعا وعليه
دم لتأخير الحلاق انتهى.
فرع: قال ابن المواز إذا مشى لنذره حتى بلغ
ميقاته فأحرم بحجة نوى بها فرضه فإنها تجزئه
لفرضه ثم يحزم بالعمرة بعد ذلك من ميقاته
ليمشي ما بقي من نذره. انتهى من التوضيح.
فرع: فإن أحرم ولم يقصد فرضا ولا نذرا لم أر
فيه نصا والظاهر أنه ينصرف للحج كمن أحرم
بالحج ولم ينو فرضا ولا نفلا فإنه ينصرف للفرض
كما صرح به سند وغيره. ص:
(4/518)
وعلى الصرورة
جعله في عمرة ثم يحج من مكة على الفور وعجل
الإحرام في أنا محرم أو أحرم إن قيد بيوم كذا
ـــــــ
ثم يحج من مكة على الفور" ش: يعني إنما يكون
على الصرورة جعله في عمرة ثم يحج إذا قلنا إن
الحج على الفور والله أعلم. ص: "وعجل الإحرام
في أنا محرم أو أحرم إن قيد بيوم كذا" ش: يعني
أن الناذر للإحرام إذا قيده بقوله يوم أفعل
كذا فإنه يوم يفعله يلزمه الإحرام. سواء نذر
الإحرام بحج أو عمرة. قال ابن عرفة وأداء
الإحرام نذرا أو يمينا إن قيده بزمان أو مكان
لزم منه. قاله الباجي كأنه المذهب وعزاه الشيخ
للموازية.
قلت: هو نص المدونة بزيادة ولو نواه قبل أشهر
الحج انتهى. ونص المدونة قال فيها ومن قال إذا
كلمت فلانا فأنا محرم بحج أو عمرة فإن كلمه
قبل أشهر الحج لم يلزمه أن يحرم بالحج إلى
دخول أشهر الحج إلا أن ينوي أنه محرم من يوم
حنث فيلزمه ذلك وإن كان في غير أشهر الحج.
وأما العمرة فعليه أن يحرم بها وقت حنثه إلا
أن لا يجد صحابة ويخاف على نفسه فليؤخر حتى
يجد فيحرم حينئذ وإحرامه بذلك بحج أو عمرة من
موضعه لا من ميقاته إن لم ينوه فله نيته. ومن
قال أنا محرم يوم أكلم فلانا فإنه يوم يكلمه
محرم. وقوله يوم أفعل كذا فأنا أحرم بحجة
كقوله فأنا محرم انتهى. قال أبو الحسن قوله لم
يلزمه أن يحرم إلى دخول أشهر الحج قال أبو
محمد هذا إن كان يصل من بلده إلى مكة في أشهر
الحج وإن كان لا يصل من بلده حتى تخرج أشهر
الحج فيلزمه الإحرام من وقت حنثه. ابن يونس
يريد من وقت يصل فيه إلى مكة ويدرك الحج. وقال
القابسي بل يخرج من بلده غير محرم فحيثما
أدركته أشهر الحج أحرم. وقول أبي محمد أولى
لأن قوله أنا محرم بحجة أي إذا جاء وقت خروج
الناس خرجت وأنا وحدي وعليه يدل لفظه وفي كتاب
محمد ما يؤيده. وقوله في العمرة يحرم وقت حنثه
حكي عن أبي محمد أنه فرق بين الحج والعمرة بأن
العمرة لا وقت لها فلذا وجب أن يحرم بها وقت
حنثه بخلاف الحج. وقوله "إلا أن لا يجد صحابة"
وقال سحنون يحرم ويبقى حتى يجد صحابة. وقوله
"من موضعه لا من ميقاته"،
(4/519)
كالعمرة مطلقا
إن لم يعدم صحابة لا الحج
ـــــــ
وقيل من ميقاته. وقوله فإنه يكلمه محرم ظاهره
يكون محرما من غير استئناف إحرام وبهذا الظاهر
قال سحنون. وأما ابن القاسم فإنه يقول يستأنف
بدليل قوله بعده. وقوله يوم أفعل كذا فأنا
أحرم بحجة كقوله فأنا محرم أو أحرم اتفق فيه
ابن القاسم وسحنون أنه يستأنف الإحرام وهو
منصوص لابن القاسم في كتاب محمد أنه يستأنف
الإحرام. قال أبو إسحاق لم يبين في الكتاب في
قوله محرم هل يكون محرما حينئذ أو يستأنف
وظاهر قوله في كتاب محمد أنه لا يكون محرما
بنفس الفعل حتى يحرم صح منه ففرق سحنون بين
"أنا محرم" و"أنا أحرم" وسوى ابن القاسم
بينهما. قال ابن محرز قال عبد الوهاب إنما قال
سحنون ذلك لأن النذر معنى يتعلق بالحصر. قال
الشيخ يعني بالشرط. قال فإذا وجب شرط وجب
حصوله أصله الطلاق ولا يلزمه عليه الصلاة
والصيام لأن الصلاة مضيقة في باب النية عن
سائر العبادات والإحرام بالحج وسع في نيته ما
لم يوسع في غيره بدليل جواز النيابة فيه عند
كثير من الناس. وعند قوم من أهل العلم أن
المغمى عليه يحرم عنه أصحابه ويكون إذا أفاق
محرما بذلك ووجه القول بأنه لا يكون محرما حتى
يستأنف إحراما. ما ذكرناه من الصلاة والصيام
صح من تبصرة ابن محرز. وقال أبو عمران سوى ابن
القاسم بين قوله "أنا محرم" و"أنا أحرم" فأوجب
أن لا يكون محرما بنفس الحنث حتى يحرم بعد
الحنث. وقال سحنون في التفريق بينهما هو خلاف
لابن القاسم قديما والذي يظهر لي أن العلة
إنما هي لما وجدت لفظة محرم مشتركا فيها الحال
والاستقبال فلم يكن ينعقد عليه الإحرام بالشك
حتى يحدث إحراما مستقبلا فصح بهذا أن لا يكون
محرما بنفس الإحرام. وأما قوله فأنا أحرم
فباتفاق أنه لا يكون محرما إلا بتجديد إحرام
انتهى. وقوله بنفس الإحرام صوابه بنفس الحنث
والله أعلم. وقال في التوضيح قال ابن رشد إذا
قال إن كلمت فلانا فأنا أحرم بحجة أو عمرة
فكلمه فلا خلاف أنه لا يكون محرما حتى ينشىء
الإحرام. وإن قال أنا محرم فقال مالك لا يكون
محرما حتى ينشىء الإحرام. وقال سحنون يكون
محرما واختلف الشيوخ في معناه واستشكل كونه
محرما بنفس الحنث وهو حقيق بالإشكال. لأن
الإحرام عبادة تفتقر إلى نية فمشى المؤلف على
قول مالك. ص: "كالعمرة مطلقا" ش: يعني أن من
حلف بالإحرام بالعمرة مطلقا بكسر اللام يعني
لم يقيده بقوله يوم أفعل كذا بل قال إن كلمت
فلانا فأنا محرم بعمرة فإنه يلزمه أن يحرم بها
وقت حنثه إلا أن لا يجد صحابة ويخاف على نفسه
فيؤخر حتى يجد. ص: "إلا الحج" ش: يعني فإنه
إذا قال إن كلمت
(4/520)
والمشي فلأشهره
إن وصل وإلا فمن حيث يصل على الأظهر
ـــــــ
فلانا فأنا محرم بحجة فكلمه قبل أشهر الحج لم
يلزمه أن يحرم بالحج إلى دخول أشهر الحج إن
كان يصل إلى مكة فيها. وإن لم يصل فيها فيلزمه
الخروج من حيث يصل فيه ويحرم حينئذ على ما
قاله ابن أبي زيد واختاره ابن يونس. ص:
"والمشي" ش: يعني إذا قال علي المشي إن كلمت
فلانا فكلمه فهل يجب عليه المشي على الفور قال
ابن الحاجب بعد مسألة تعجيل الإحرام وخرج عليه
المشي في الفورية لا في الإحرام والمشهور
التراخي يعني وخرج قول بالفورية من مسألة
الإحرام قال في التوضيح قال ابن رشد وما حكاه
المصنف من أن المشهور التراخي ثبت في نسختي
ولم أقف عليه ولا يلزم على ما ذكره المصنف أن
يكون المشهور كذلك في الإحرام لأن الإحرام ركن
والمشي وسيلة والوسائل أخفض رتبة من المقاصد
انتهى.
تنبيه: لم يتكلم في التوضيح على قوله لا في
الإحرام. وقال ابن فرحون يعني أنه لا يلزمه
الإحرام في قوله علي المشي إلا من الميقات
يريد ولا يصح أن يقال يلزمه أن يحرم من موضعه
قياسا على قوله فأنا محرم لأنه هنا صرح
بالإحرام ولم يصرح به في قوله فعلي المشي
انتهى. وقال ابن يونس في قوله في المدونة في
مسألة من قال إن كلمت فلانا فأنا محرم وإحرامه
من موضعه بخلاف من قال علي المشي إلى مكة فهذا
يحرم من ميقاته جعل مشيه في حج أو عمرة.
انتهى. وقال في الشامل ولا يلزم الفور في
المشي على المنصوص انتهى. وقال الرجراجي في
المسألة الثانية فيمن نذر إحراما بحج أو عمرة
إن فعل كذا فلا يخلو أن يقيد يمينه بوقت أو لا
يقيدها فإن قيدها بوقت غير معين وكانت يمينه
بحج مثل أن يقول يوم يفعل كذا فهو محرم فقد
قال في الكتاب إنه يكون محرما يوم كلمه وكذلك
العمرة. وهل يكون محرما بنفس الفعل أو لا بد
من إحرام ويحرم به فيصير بإحرامه محرما فإنه
يتخرج على قولين أحدهما أنه لا يكون محرما
بنفس الفعل حتى يبتدئ الإحرام وهو ظاهر ما في
الكتاب والثاني: أنه يكون محرما بنفس الفعل
وهو ظاهر قول سحنون فإن تمكن له الخروج خرج في
الحال وإلا بقي على إحرامه حتى يصيب الطريق
والحج والعمرة في ذلك سواء فإن لم يقيد يمينه
بوقت مثل أن يقول إن فعل كذا وكذا فهو محرم أو
أنا محرم بحج أو
(4/521)
..................................
ـــــــ
عمرة فأما الحج فلا يخلو من أن يحنث قبل أشهر
الحج أو في أشهره فإن حنث قبلها فأما في قوله
أنا أحرم فلا خلاف أعلمه في المذهب أنه لا
يكون محرما بنفس الحنث وإنما يكون محرما إذا
دخلت عليه أشهر الحج لأن أشهر الحج وقت
الإحرام وقبلها لا يجوز فإذا حنث قبل أشهر
الحج أخر حتى تدخل إلا أن تكون له نية فيكون
محرما يوم حنث كما قال في الكتاب غير أنه ينظر
فإن كان إذا أخر الخروج إلى أشهر الحج لم يصل
ولم يدرك الحج فينبغي له أن يخرج بغير إحرام
فإذا دخلت أشهر الحج في طريقه أحرم فإن حنث في
أشهر الحج فإن الإحرام لم يلزمه ويكلف الخروج
ليوفي بعهدة يمينه.
وأما قوله فأنا محرم هل هو مثل قوله فأنا أحرم
والمذهب على ثلاثة أقوال أحدها أن قوله فأنا
محرم كقوله فأنا أحرم فلا يكون محرما بنفس
الحنث وهو قول ابن القاسم في كتاب النذور.
والثاني: أنه يكون محرما بنفس الحنث في أنا
محرم وفي أنا أحرم وهو قول سحنون. والثالث:
الفرق بينهما. وأما العمرة يحنث الحالف بها
فلا يخلو من أن يكون يمكنه الخروج أو لا. فإن
أمكنه الخروج ووجد الأصحاب فلا خلاف أعلمه في
المذهب أنه يؤمر بالخروج ولا يجوز له التأخير
إلا متأولا فإن لم يمكنه فهل يلزمه الإحرام مع
الانتظار وهو قول سحنون أو لا يلزمه الإحرام
إلا مع المشي وهو قول مالك في الكتاب انتهى.
وفي كلامه تعارض لأنه حكى أولا أنه لا يلزمه
الإحرام في أنا أحرم بنفس الحنث بلا خلاف ثم
ذكر أنه يلزمه الحنث في قول سحنون وما ذكره
أولا هو الصواب الموافق لما نقله غير واحد أبو
الحسن وابن محرز وأبو عمران وابن رشد وغيرهم
كما تقدم في كلام أبي الحسن وكلام صاحب
التوضيح. وقوله وإنما يكون محرما إذا دخلت
أشهر الحج يعني يؤمر بالإحرام إذا دخلت أشهر
الحج لا أنه لا يكون محرما بنفس دخولها إذ لا
قائل به. وقوله فيما إذا كان لا يصل إذا خرج
في أشهر الحج أنه يحرم ويؤخر الإحرام إلى دخول
أشهر الحج هو قول القابسي خلافا لما قاله أبو
محمد واختاره ابن يونس ومشى عليه المصنف.
قال في التوضيح إذا قال إن كلمت فلانا فأنا
محرم بحج أو عمرة فإن نوى تقديما أو تأخيرا
وصرح بذلك لم يلزمه إلا ما نوى أو صرح به
انتهى. فعلم من كلام التوضيح المتقدم وكلامه
هنا وكلام الرجراجي وأبي الحسن وابن عرفة أن
معنى قول المصنف "وعجل الإحرام" في "أنا محرم"
أو "أنا أحرم إن قيد بيوم كذا" أن من نذر
الإحرام أو حلف به في يمين فحنث فإن قيده بيوم
يريد بلفظ أو نية فإنه يجب عليه أن يعجله في
ذلك اليوم الذي سماه أو نواه سواء كان بحج أو
عمرة. وفهم من كلامه أعني من قوله "وعجل" أنه
لا يكون محرما بنفس الحنث في قوله أنا محرم
كما هو في قول مالك وابن القاسم خلافا لسحنون.
ثم لما فرغ من القسم المقيد ذكر المطلق وبدأ
بالعمرة فقال كالعمرة مطلقا. ويعني أن من نذر
الإحرام بعمرة مطلقا أي غير مقيد ذلك بزمن
معين لا بلفظ ولا بنية كمن قيدها فيجب عليه أن
(4/522)
ولا يلزم فهي
مالي في الكعبة أو بابها أو كل ما اكتسبه
ـــــــ
يعجل الإحرام بها يوم حنثه كما تقدم عن
المدونة. فقوله مطلقا بكسر اللام كما تقدم. ثم
ذكر القيد الذي ذكره في المدونة وهو وجود
الأصحاب وأنه إن لم يجد رفقة أخر الإحرام حتى
يجد خلافا لسحنون ثم قال لا الحج يعني الحج
المطلق فإذا نذر الإحرام بالحج مطلقا غير مقيد
إحرامه بزمن لا بلفظ ولا بنية ثم حنث فإنه لا
يجب عليه أن يحرم حتى تدخل أشهر الحج إن كان
يصل فيها إلى مكة وإن لم يصل فيجب عليه أن
يحرم ويخرج من الوقت الذي يصل كما قاله أبو
محمد واختاره ابن يونس خلافا للقابسي في قوله
يدخل بغير إحرام فإذا دخلت أشهر الحج أحرم.
واستعمل المصنف هنا حيث للزمان وقد أنكره
بعضهم. وقال في المغني وهو للمكان اتفاقا.
وقال الأخفش وقد ترد للزمان وقوله على الأظهر
نوقش في ذلك بأن الترجيح إنما هو لابن يونس لا
لابن رشد. ومعنى قوله "لا المشي" تقدم قبل هذا
وما ذكره المصنف في الإحرام المطلق من التفصيل
بين الحج والعمرة هو مذهب المدونة. وذكر ابن
الحاجب في كونه على الفور قولين ثم ذكر مذهب
المدونة فقال في التوضيح بعد كلامه المتقدم
وإن لم يعين شيئا لا بلفظ ولا بنية فالقول
بالفور لعبد الوهاب وعلله بأن النذور المطلقة
محلها على الفور. ابن عبد السلام والقول الآخر
ظاهر الروايات وتأول الباجي قول عبد الوهاب
على الاستحباب. ابن عبد السلام وهو الصحيح اه.
فرع: قال أبو الحسن لو كلمه فحنث بالحج ولا
يمكن أن يدرك الحج لضيق الوقت قالوا يحرم
ويقيم على إحرامه إلى قابل لأنه ضيق على نفسه
باليوم. انتهى من شرح قوله يوم أكلم فلانا.
ومفهوم كلامه أنه إذا حنث في المطلق وكان
الوقت ضيقا لا يلزمه الإحرام والله أعلم. ص:
"ولا يلزم في مالي في الكعبة أو بابها" ش: قال
في المدونة ومن قال مالي في الكعبة أو في
رتاجها أو حطيمها فلا شيء عليه لأن الكعبة لا
تنقض فتبنى. والرتاج الباب والحطيم ما بين
الباب إلى المقام. زاد ابن يونس بعد قوله لا
شيء عليه كفارة يمين ولا غيرها. وقال ابن حبيب
الحطيم ما بين الركن الأسود إلى الباب إلى
المقام عليه يتحطم الناس. أبو محمد فعلى تفسير
ابن حبيب ذلك كله حطيم الجدار من الكعبة
والفضاء الذي بين البيت والمقام الآن انتهى.
وقال أبو الحسن عن عياض في المشارق والحطم
الهلاك مأخوذ من هلاك الجبابرة هناك بالدعاء.
وقيل هو من تحطيم الذنوب والحطم هو الانكسار
انتهى. قال أبو
(4/523)
.................................
ـــــــ
الحسن حمله على أنه أراد في بنائها فلذلك قال
لا شيء عليه كما لو نوى ذلك وأما إن نوى أن
ينفق عليها لزمه انتهى. وذكر ابن الحاجب كلام
المدونة وقال في التوضيح وما ذكره المصنف من
قوله فلا شيء عليه هو المشهور. وروي عن مالك
أن عليه كفارة يمين ونقل في الاستذكار أن
إسماعيل بن أبي أويس روى عن مالك أنه يلزمه
إخراج ثلث ماله. وقال ابن حبيب أرى أن يسأل
فإن نوى أن يكون ماله في الكعبة فيدفع ثلثه
للخزنة يصرفونه في مصالحها فإن استغنت عنه بما
أقامه السلطان من ذلك تصدق به وإن قال لم أنو
شيئا ولا أعرف لهذه الكلمة تأويلا فكفارة يمين
أحب إلي وسواء كان ذلك في نذر أو يمين انتهى.
ونقل ابن عرفة قول ابن أبي أويس ونصه أبو عمر
عن ابن أبي أويس مشهور قول مالك إخراج ثلث
ماله لا كفارة يمين انتهى. وما ذكره أبو الحسن
ظاهر فينبغي أن يقيد به كلام المدونة وكلام
المصنف بدليل هذا الفرع الذي في المدونة وهو
ما نصه قال في المدونة ومن قال مالي في كسوة
الكعبة أو طيبها أهدى ثلث ماله يدفعه إلى
الحجبة انتهى. قال في التوضيح والظاهر في
زماننا أن يتصدق بذلك لأن الملوك تكفلت
بالكعبة ولا يتركون أحدا يكسوها والحجبة لا
يؤمنون في الغالب وكذلك قال ابن راشد وهو يؤخذ
مما قدمناه عن الموازية انتهى. يشير إلى ما
نقله عنه قول ابن الحاجب فإن قصر يعني ثمن
الهدي عن التعويض فقال ابن القاسم يتصدق به
حيث شاء وفيها أيضا يبعثه لخزنة الكعبة ينفق
عليها قال في التوضيح أشعر قوله أيضا أن قوله
في المدونة أيضا وفي قول مالك إشكال ولعل ذلك
هو الموجب لنسبة ذلك للمدونة أن الكعبة لا
تنقض وتبنى ولا يكسوها إلا الملوك ويأتيها من
الطيب ما فيه كفاية وهي أن كانت تكنس فمكانسها
من خوص قبل الكنس لا تساوي الفلس وبعده تساوي
الدرهم فلم يبق إلا أن يأكله الخزنة وليس هذا
من قصد الناذر في شيء لكن في الموازية ما يدفع
هذا الإشكال فإنه قال بعد قوله ينفق عليها فإن
لم تحتج إليه الكعبة تصدق به وساقه ابن يونس
على أنه تقييد وهو كذلك إن شاء الله تعالى
انتهى ولقوة ذلك عنده جزم به في المختصر كما
تقدم وهو ظاهر لا شك فيه ونقل ابن فرحون كلامه
وقبله غير أن فيه وكذلك قال ابن هارون فما
أدري تصحف عليه أم قاله ابن هارون أيضا والله
أعلم.
فروع: الأول: قال في المدونة ومن قال أنا أضرب
بما لي أو بشيء منه يعينه حطيم الكعبة أو
الركن فعليه حجة أو عمرة ولا شيء عليه في ماله
وكذلك لو قال أنا أضرب بكذا الركن الأسود
فليحج أو يعتمر ولا شيء عليه إن لم يرد حملان
ذلك الشيء على عنقه قال ابن القاسم وكذلك هذه
الأشياء ابن يونس قال ابن المواز وإن أراد
حملانه وكان يقوى على حمله فكذلك يحج أو يعتمر
راكبا ولا شيء عليه فإن كان مما لا يقوى على
حمله مشى وأهدى وقال ابن حبيب إذا قال أنا
أضرب بكذا لشيء من ماله الركن الأسود أو
الكعبة وأراد حمله على عنقه مشى إلى البيت في
حج أو عمرة وأهدى فلا يحمله ثم يدفع ما سمى إن
كان لا يبلغ ثمن هدي إلى خزنة الكعبة يصرف في
مصالحها وقاله ابن القاسم.
(4/524)
................................
ـــــــ
انتهى . ونقله أبو الحسن وقال انظر الهدي هنا
خفيف انتهى . وقال ابن يونس معنى قوله أضرب
بمالي حطيم الكعبة أي أسير به وأسافر به إلى
الكعبة ومن ذلك قوله تعالى { وَإِذَا
ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ} [النساء: من
الآية101] أي سافرتم. ومنه قولهم ضرب المقارض
بالمال لأنه يسير به ويضرب في الأرض لابتغاء
الرزق ولم يرد به ما عند الناس من الضرب بماله
الكعبة لأن ذلك استخفاف من فاعله وغير ما أمر
به من التعظيم لها انتهى. ونقله أبو الحسن
وقال بعده وحمل اللخمي هذا على الضرب حقيقة
قال ظاهره نذر معصية لا شيء فيه ولكنه يحتمل
أن يريد الضرب الذي هو السير لأنه لفظ مشترك
انتهى. وقال قبله قوله هنا يناقض ما قال فيمن
قال على الانطلاق إلى مكة لأن القائل أنا أضرب
قد عبر بلفظ المشي إلى مكة وبغير لفظ الركوب
الذي اختلف فيه قوله. الشيخ والفرق بينهما أنه
هنا ذكر البيت أو بعضه وهناك إنما ذكر مكة وهي
مشتملة على البيت وغيره فلو كان هناك أضاف
السير والذهاب إلى البيت لقال مثل ما قال هنا
يلزمه انتهى. فتحصل أنه إذا قال أضرب بكذا في
البيت أو جزء منه أنه إن أراد الضرب الحقيقي
فلا يلزمه شيء لأنه معصية وإن أراد السير أو
لم تكن له نية فإنه لم ينو حمله حج أو اعتمر
راكبا ولا شيء عليه وإن أراد حمله فعند ابن
المواز يفصل فيه إن كان يقوى عليه فمثل الأول
وإلا مشى وأهدى وعند ابن حبيب يمشي ويهدي
ويدفع ما سمى إن لم يبلغ ثمن هدي لخزنة الكعبة
والله أعلم.
تنبيه: ورد في الحديث الصحيح "لولا حداثة قومك
بكفر لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله"1 . قال
القرطبي كنز الكعبة المال المجتمع مما يهدى
إليها بعد نفقة ما تحتاج إليه وليس من كنز
الكعبة ما تحلى به من الذهب والفضة كما ظنه
بعضهم فإن ذلك ليس بصحيح لأن حليتها حبس عليها
كحصرها وقناديلها لا يجوز صرفها في غيرها وحكم
حليها حكم حلية السيف والمصحف المحبسين انتهى.
الثاني: وأما النذر للكعبة فإما أن يقصد بها
خدمتها وهو الغالب أو مطلق أهل الحرم فيصرف
لمن قصد أو يقصد أن يصرف في مصالحها وحكمه ما
ذكره في التوضيح وذكره أبو الحسن في مسألة
مالي في الكعبة أو بابها أو طيبها وإن لم يقصد
شيئا فلم أر فيه نصا والظاهر أن يصرف في غالب
ما يقصده الناس بنذورهم والله أعلم.
الثالث: قال ابن عرفة ونذر شيء لميت صالح معظم
في نفس الناذر لا أعرف نصا فيه وأرى إن قصد
مجرد كون الثواب للميت تصدق به بموضع الناذر
وإن قصد الفقراء الملازمين لقبره أو زاويته
تعين لهم إن أمكن وصوله لهم انتهى. وإن لم ينو
شيئا فقال البرزلي في آخر مسائل الهبة والصدقة
وسألت شيخنا الإمام يعني ابن عرفة عما يأتي
إلى الموتى من الفتوح
ـــــــ
1 رواه مسلم في كتاب الحج حديث 400.
(4/525)
أو هدي لغير
مكة
ـــــــ
ويوعدون به مثل أن يقول إن بلغت كذا لسيدي
فلان كذا ما يصنع به فأجاب بأنه ينظر إلى قصد
المتصدق فإن قصد نفع الميت تصدق به حيث شاء
وإن قصد الفقراء الذين يكونون عنده فليدفع ذلك
إليهم وإن لم يكن له قصد فلينظر عادة ذلك
الموضع في قصدهم الصدقة على ذلك. الشيخ وكذلك
إن اختلف ذرية الولي فيما يؤتى به إليه من
الفتوح فلينظر قصد الآتي به فإن لم يكن له قصد
حمل على العادة في إعطاء ذلك للفقراء أو لهم
أو للأغنياء. وسمعته حين سئل إني تصدقت على
سيدي محرز بدرهم أو نحوه. فقال يعطى ذلك
للفقراء الذين على بابه انتهى. وقال الدماميني
في حاشيته على البخاري في باب كسوة الكعبة من
كتاب الحج بعد أن ذكر كلام ابن عرفة الأول
وبقي عليه ما إذا علمنا نذره وجهلنا قصده
وتعذر استفساره فعلى ماذا يحمل والظاهر حمله
على ما هو الغالب من أحوال الناس بموضع الناذر
انتهى. وهذا الذي ذكره يؤخذ مما ذكره البرزلي
عن ابن عرفة والله أعلم ومثل ذلك من ينذر شيئا
للنبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم. ص: "أو
أهدى لغير مكة" ش: قال ابن الحاجب وإذا التزم
هديا لغير مكة لم يفعله لأنه معصية. قال في
التوضيح قال في المدونة وسوق البدن إلى غير
مكة من الضلال انتهى. وقال ابن فرحون لأن
الهدي إنما يكون قربة إذا كان لمكة يريد إذا
ذكر لفظ الهدي لأن سوق البدن إلى غير مكة من
الضلال ومعناه أنه التزم ذلك على سبيل النذر
كقوله لله علي نذر سواء كان معلقا أو غير معلق
انتهى. وقال ابن عبد السلام لا شك أن ناذر
الهدي وفي معناه أن يقول لله علي بدنة فأما أن
يكون نذرا مطلقا غير مقيد ببلد أو مقيدا ببلد
والبلد إما مكة أو غيرها والحكم في الثاني من
الأقسام بين وكذلك الأول وهو المطلق لأن مكة
ومنى محل الهدايا. وعلى هذا القسم تكلم في
المدونة وأشار فيها إلى الثالث بقوله وسوق
البدن لغير مكة من الضلال. والمصنف لما كان
مذهبه الاختصار اعتمد الكلام على القسم الثالث
وسكت عن الأول والثاني لأن الكلام على الثالث
يستلزم الكلام عليهما ولا ينعكس أعني إذا كان
من سمى غير مكة لا يجزئه أن ينحر إلا بمكة
فأحرى من لم يسم أو سماها وهو بين انتهى. وما
قاله ظاهر إلا إن أخر كلامه يوهم أن من نذر
هديا لغير مكة يلزمه أن ينحره
(4/526)
.................................
ـــــــ
بمكة وهو خلاف ما قال المصنف وليس كذلك بل
مراده أنه لا يجوز له نحره بغير مكة. فإن أراد
نحره فإنما ينحر بمكة ويستحب له ذلك كما سيأتي
عن اللخمي. قال في المدونة ومن قال علي لله أن
أنحر بدنة أو قال لله هدي فلينحر ذلك بمكة.
ابن يونس أو بمنى يوم النحر. وقاله ابن عمر
وابن عباس انتهى. وقال ابن عرفة وفيها ينحر من
قال لله علي نحر بدنة أو لله علي هدي بمكة.
قلت: يريد أو بمنى بشرطه انتهى. وظاهره أنه لم
يقف عليه للمتقدمين وقد ذكره ابن يونس كما
تقدم إلا أن يريد أن مفهوم كلام ابن يونس
يقتضي تخصيص نحره بيوم النحر فعدل عن ذلك
بقوله أو بمنى بشرطه ليدخل في ذلك ما بعد يوم
النحر مما يجوز فيه نحر الهدي. ثم قال ابن
عرفة إثر كلامه المتقدم الشيخ عن أشهب من حل
بعمرة في أشهر الحج ومعه هدي تطوع نحره بمكة
إلا أن يكون نذره بمنى فإن نحره بمكة قبل عرفة
فعليه بدله انتهى. ثم قال في المدونة ولله علي
جزور أو أن أنحر جزورا فلينحرها بموضعه ولو
نوى موضعا أو سماه فلا يخرجها إليه كانت
الجزور بعينها أو بغير عينها. وكذلك إن نذرها
لمساكين بلده وهو بغيرها فلينحرها بموضعه
ويتصدق بها على مساكين من عنده وسوق البدن إلى
غير مكة من الضلال انتهى. قال ابن عبد السلام
مذهب المدونة في هذه المسألة هو المشهور وكذلك
قال في التوضيح ومقابله عن مالك أيضا. قال ابن
يونس إثر نقله كلام المدونة المتقدم قال في
الموازية وهو كمن نذر أن يصلي بمصر مائة ركعة
وهو من أهل المدينة أو غيرها أنه لا يصلي إلا
بموضعه قال وقد قال مالك مرة إنه ينحرها حيث
نوى وقاله أشهب. قال أشهب وإن لم تكن له نية
نحرها بموضعها انتهى. قال ابن عرفة بعد ذكره
كلام المدونة وكلام أشهب وصوبه اللخمي قال ولو
نوى هديه لذلك البلد كان نذر معصية يستحب أن
يفي به بمكة انتهى.
تنبيهات: الأول: قال ابن يونس قال ابن حبيب
وإن نذر أن ينحر الجزور بمكة كان عليه أن
ينحرها بها وليس بهدي. قال ابن عرفة ونقله
اللخمي بلفظ نحره بها ولم يكن عليه أن يقلده
ويشعره. قلت: ظاهره له كذلك فيصير هديا كفعل
ذلك في نسك. انتهى يعني بالنسك الفدية.
الثاني: قال في التوضيح أشار بعضهم إلى أنه
يجوز أن لا ينحر شيئا ويطعم المساكين لحما
يكون قدره قدر لحم الجزور وهو ظاهر لأنه لا
قربة في النحر انتهى والبعض المشار إليه هو
الباجي وعنه نقله ابن عرفة ونصه الباجي. وعندي
أن النذر إنما هو في إطعام لحمها في إراقة
دمها فمن نذر نحر جزور بغير مكة فاشتراه
منحورا وتصدق به أجزأه انتهى. الثالث: قال أبو
الحسن البدنة عندهم ما يذبح في محل مخصوص
والجزور الناقة المعدة
(4/527)
أو مال غير إن
لم يرد إن ملكه أو علي نحر فلان ولو قريبا
ـــــــ
للنحر في غير محل مخصوص انتهى. ص: "أو إن لم
يرد إن ملكه" ش: سواء كان ذلك مما يهدى أو مما
لا يهدى فإن أراد أن ملكه فالمشهور يلزمه
ويجري على ما تقدم فيما يصح هديه وما لا يصح
هديه. تنبيهات: الأول: قال أبو الحسن إنما فرق
بين قوله الحر أنا أهديك وقوله لعبد غيره هو
هدي وإن كانا جميعا لا ملك له عليهما لأن
العبد يصح ملكه فيخرج عوضه وهو نيته وأما الحر
فليس مما يصح ملكه ولا يخرج عوضه فجعل عليه
فيه الهدي إذا قصد القربة انتهى.
الثاني: قال أبو الحسن وقع في كتاب محمد فيمن
قال أنا أنحر عبد فلان أنه لا شيء عليه كمن
قال أنا أهدي هديا كما إذا قال أنا أنحر فلانا
انتهى. وهذا ليس هو المشهور في قوله أنا أنحر
فلانا والمشهور أنه لا يلزمه شيء والله أعلم.
الثالث: أصل هذه المسألة ما رواه مسلم في
المرأة الأنصارية التي أسرت وكانت العضباء
ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها
العرب الذين أسروا المرأة فهربت المرأة على
العضباء ونذرت إن نجاها الله عليها لتنحرنها.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم بئسما جزتها لا
وفاء لنذر في معصية ولا فيما لا يملكه العبد.
قال القرطبي ظاهر هذا الكلام يدل على أن الذي
صدر من المرأة معصية لأنها التزمت أن تهلك مال
الغير فتكون عاصية بهذا القصد وهذا ليس بصحيح
لأن المرأة لم يتقدم لها من النبي صلى الله
عليه وسلم بيان تحريم ذلك ولم تقصد ذلك وإنما
معنى ذلك والله أعلم. أن من أقدم على ذلك بعد
التقدمة إليه وبيان أن ذلك محرم كان عاصيا
بذلك القصد. ولا يدخل في ذلك المعلق على الملك
كقوله إن ملكت هذا البعير فهو هدي أو صدقة لأن
ذلك الفعل معلق على ملكه لا ملك غيره انتهى.
فهذا يدل على أن حلف الإنسان بملك الغير محرم.
وقال القرطبي في شرح مسلم في شرح قوله في كتاب
الإيمان ليس على الرجل نذر فيما لا يملك اختلف
العلماء فيما إذا علق العتق أو الهدي أو
الصدقة على الملك مثل أن يقول إن ملكت عبد
فلان فهو حر. فلم يلزمه الشافعي شيئا من ذلك
عم أو خص تمسكا بهذا الحديث وألزمه أبو حنيفة
كل شيء من ذلك عم أو خص لأنه من باب العقود
المأمور بالوفاء بها ووافق أبا حنيفة مالك
فيما إذا خص تمسكا بمثل ما تمسك به أبو حنيفة
وخالفه إذا عم رفعا للحرج الذي أدخله على
نفسه. ولمالك قول آخر مثل قول الشافعي انتهى.
وقال ابن عبد السلام في باب
(4/528)
إن لم يلفظ
بالهدي أو ينوه أو يذكر مقام إبراهيم
ـــــــ
التفليس في شرح قول ابن الحاجب وللحجر أربعة
أحكام منع التصرف في المال الموجود. قال ابن
عبد السلام احترازا مما لم يوجد له من المال
كالتزامه عطية شيء ما إن ملكه فإنه لا يمنع
منه الآن ولكنه إن ملك ذلك الشيء وقد زال عنه
حكم الفلس لزمه ما التزم وإلا كان للغرماء
منعه. انتهى. ص: "إن لم يلفظ بالهدي أو ينويه
أو يذكر مقام إبراهيم" ش: يعني فإن تلفظ
بالهدي كأن قال لله علي أن أهدي فلانا أو نواه
كما إذا قال علي أن أنحر فلانا ونوى بذلك
الهدي أو ذكر مقام إبراهيم كما إذا قال أنحر
فلانا في مقام إبراهيم يريد أو البيت أو
المسجد أو منى أو مكة أو الصفا أو المروة فإنه
يلزمه هدي. قال في التوضيح عن ابن بشير أو
يذكر موضعا من مواضع مكة أو منى.
تنبيهات: الأول: ظاهر كلام المصنف أنه إذا ذكر
مقام إبراهيم لزمه الهدي في القريب والأجنبي
وهذه طريقة للباجي كما ذكره في التوضيح. وذكره
أبو الحسن عن ابن المواز عن ابن القاسم وظاهره
أنه تقييد وخص ابن الحاجب وغيره ذلك بالقريب.
الثاني: ظاهر كلامه أيضا سواء كان ذلك في نذر
أو تعليق وهو اختيار ابن يونس كما قال في
التوضيح وخص بعضهم ذلك بالتعليق قال وأما إن
قال لله علي نحر فلان أو ولدي فلا يلزمه.
الثالث: قيد ابن بشير مسألة ما إذا ذكر الهدي
بأن لا يقصد المعصية يعني ذبحه قال فلا يلزمه
حينئذ شيء ويقيد به مسألة نية الهدي وذكر
المقام من باب أولى وارتضى القيد في الشامل
وأتى به على أنه المذهب وهو ظاهر والله أعلم.
وقال في التوضيح خليل المسألة على ثلاثة أوجه
إن قصد الهدي والقربة لزمه باتفاق ومن قصد
المعصية لم يلزمه باتفاق واختلف حيث لا نية
والمشهود عليه الهدي انتهى.
(4/529)
والأحب حينئذ
كنذر الهدي بدنة ثم بقرة كنذر الحفاء
ـــــــ
الرابع: قال في التوضيح عن الباجي إذا علق ذلك
بمكان النحر كأن يقول أنحرك عند مقام إبراهيم
قال فانظر قوله "فإن علق ذلك بمكان الذبح وعند
المقام" فإنه مخالف لما قاله ابن هارون أن
المراد بمقام إبراهيم قضيته في التزام ذبح وله
وفداؤه بالهدي لا مقام مصلاه انتهى. وقال ابن
فرحون عند ذكر كلام ابن هارون وهو بعيد من
كلام أهل المذهب انتهى. وفي المدونة نحو ما
ذكر عن الباجي قال وإن قال عند مقام إبراهيم
انتهى.
الخامس: قال أبو الحسن قال ابن المواز لو قال
لعدة من ولده أو غيره أنا أنحركم كان عليه أن
يهدي عن كل واحد هديا. وقد قيل عليه هدي
لجميعهم والأول أحب إلينا وهو الحق والله
أعلم.
السادس: قال في النوادر ومن كتاب ابن المواز
ومن نذر أن يذبح نفسه فليذبح كبشا أراه يريد
إن سمى موضع النحر بمكة انتهى.
السابع: قال في سماع أبي زيد من النذور إذا
قال لولده أنت بدنة لا شيء عليه إلا أن يكون
نوى الهدي. ابن رشد قوله في ابنه هو بدنة
بمنزلة قوله أنا أنحره وقوله لا شيء عليه إلا
أن يكون نوى الهدي هو أحد أقوال مالك. والذي
يتحصل أنه إن أراد الهدي أو سمى المنحر فعليه
الهدي قولا واحدا وإن لم تكن له نية ولا سمى
المنحر فمرة رأى عليه كفارة يمين ومرة لم ير
عليه شيئا وهو قول ابن القاسم في هذه الرواية.
ص: "كنذر الهدي بدنة" ش: يشير إلى قول ابن
الحاجب وإن نذر هديا مطلقا فالبدنة أولى
والبقرة والشاة تجزئ. قال في التوضيح قوله
مطلقا يحتمل أن يريد من غير تعيين ويحتمل أن
يريد سواء كان معلقا أم لا. وما ذكره من أن
البدنة أولى والبقرة والشاة تجزئ نص عليه في
المدونة في الحج الثاني. انتهى.
فرع: قال ابن الحاجب ومن نذر هديا بدنة أو
غيرها أجزأه شراؤها ولو من مكة. قال ابن عبد
السلام يعني أن من قال لله علي هدي بدنة أو
بقرة أو شاة وهو بغير مكة لم يلزمه أن يهديها
من بلده وإن أمكن وصولها إلى مكة لأن نذره لا
يدل على ذلك وحيث اشتراه من مكة فلا بد أن
يخرجه إلى الحل قبل أن ينحره ويفعل به من
التقليد والإشعار ما هو سنة فيه وهذا معلوم
ونص على بعضه في المدونة انتهى وبعضه في
التوضيح. ص: "كنذر الحفاء" ش:
(4/530)
أو حمل فلان إن
نوى التعب وإلا ركب وحج به بلا هدي ولغى علي
المسير والذهاب والركوب لمكة ومطلق المشي ومشي
لمسجد وإن لاعتكاف إلا القريب جدا
ـــــــ
قال في الشامل ومشى في نذر الحفاء والحبو
والزحف انتهى. ص: "أو حمل فلان إن نوى التعب"
ش: قال أبو الحسن في مسائل الكتب في قوله
"أحمل" على ثلاثة أوجه تارة يحج الحالف وحده
وهذا إذا أراد المشقة على نفسه بحمله على عنقه
وتارة يحج المحلوف به وحده إذا أراد حمله في
ماله وتارة يحجان جميعا إذا لم تكن له نية
انظر بقية كلامه. ص: "وألغي على المسير
والذهاب والركوب لمكة" ش: قال في المدونة ومن
قال إن كلمت فلانا فعلي أن أسير أو أذهب أو
أنطلق أو آتي أو أركب إلى مكة فلا شيء عليه
إلا أن ينوي أن يأتيها حاجا أو معتمرا فيأتيها
راكبا إلا أن ينوي ماشيا وقد اختلف قول ابن
القاسم في الركوب فأوجبه مرة وأشهب يرى عليه
إتيان مكة في هذا كله حاجا أو معتمرا. ص:
"ومطلق المشي" ش: قال في المدونة ومن قال علي
المشي ولم يقل لبيت الله فإن نوى مكة مشى وإن
لم ينو ذلك فلا شيء عليه ولو قال مع ذلك إلى
بيت الله فليمش إلى بيت الله إلا أن ينوي
مسجدا فله نيته. انتهى. ص: "ومشي لمسجد وإن
لاعتكاف إلا القريب جدا
(4/531)
فقولان
تحتملهما ومشي للمدينة أو إيليا إن لم ينو
صلاة بمسجديهما أو يسمهما فيركب
ـــــــ
فقولان تحتملهما" ش: أي هل يلزمه الذهاب إليه
أو لا يلزمه وإذا لزمه فيذهب إليه ماشيا ولا
يركب. وحكى ابن الحاجب في ركوبه قولين. قال في
التوضيح ولم أر من قال يلزمه الذهاب ولا يلزمه
المشي كما قال المصنف انتهى. وقال ابن عبد
السلام الأقرب لزومه الذهاب لتناول الدليل
الدال على وجوب الوفاء بالنذر له وعدم تناول
حديث إعمال المطي ثم الأقرب لزوم المشي لأنه
جاء في الماشي إلى المسجد من الفضل ما لم يأت
مثله في الراكب انتهى. وحد القرب قالوا ما لا
يحتاج فيه إلى إعمال المطي وشد الرحال. ص:
"ومشي للمدينة" ش.
فرع: قال الشيخ زروق في شرح الإرشاد وتوقف
الشيخ عيسى الغبريني في ناذر زيارته صلى الله
عليه وسلم لعدم النص واستظهر غيره اللزوم
لتحقق القربة وأنكر ابن العربي زيارة قبر غيره
عليه السلام للتبرك وعده الغزالي في المندوبات
وأجاز الرحلة له في آداب السفر ونقل ابن الحاج
كلامه بنصه وحروفه فانظره انتهى. وقال السيد
السمهودي في تاريخ المدينة بعد أن ذكر كلام
الشافعية في نذر زيارة قبر النبي صلى الله
عليه وسلم. وقال العبدي من المالكية في شرح
الرسالة وأما النذر للمشي إلى المسجد الحرام
والمشي إلى مكة فله أصل في الشرع وهو الحج
والعمرة إلى المدينة لزيارة قبر النبي صلى
الله عليه وسلم أفضل من الكعبة ومن بيت المقدس
وليس عنده حج ولا عمرة فإذا نذر المشي إلى هذه
الثلاثة لزمه فالكعبة متفق عليها ويختلف
أصحابنا في المسجدين الآخرين. انتهى من خلاصة
الوفا وانظر البرزلي. ص: "إن لم ينو صلاة
بمسجديهما" ش: قال أبو الحسن ظاهره كانت فريضة
أو نافلة. أما إن نوى صلاة الفريضة فلا إشكال
وأما إن نوى صلاة النافلة فلا تضعيف فيها بل
في البيوت أفضل. وانظر أواخر الشفا فإنه حكى
فيه قولين. الشيخ إلا أن ينوي أن يقيم أياما
يتنفل فيتضمن ذلك صلاة الفرض انتهى.
فرع: قال في النوادر قال ابن حبيب من نذر أن
يصلي عند كل سارية من سواري
(4/532)
وهل إن كان
ببعضها أو إلا لكونه بأفضل خلاف والمدينة أفضل
ثم مكة
ـــــــ
المسجد ركعتين قال يعد السواري ويصلي إلى
واحدة لكل سارية ركعتين وهو قول مالك انتهى.
ص: "والمدينة أفضل ثم مكة" ش: هذا هو المشهور.
وقيل مكة أفضل من المدينة بعد إجماع الكل على
أن موضع قبره عليه الصلاة والسلام أفضل بقاع
الأرض. قال الشيخ زروق في شرح الرسالة قلت:
وينبغي أن يكون موضع البيت بعده كذلك ولكن لم
أقف عليه لأحد من العلماء فانظره انتهى. وقال
الشيخ السمهودي في تاريخ المدينة نقل عياض
وقبله أبو الوليد والباجي وغيرهما الإجماع على
تفضيل ما ضم الأعضاء الشريفة على الكعبة. بل
نقل التاج السبكي عن ابن عقيل الحنبلي أنها
أفضل من العرش وصرح التاج الفاكهي بتفضيلها
على السموات قال بل الظاهر المتعين جميع الأرض
على السموات لحلوله صلى الله عليه وسلم بها.
وحكاه بعضهم عن الأكثر بخلق الأنبياء منها
ودفنهم فيها لكن قال النووي الجمهور على تفضيل
السماء على الأرض أي ما عدا ما ضم الأعضاء
الشريفة. وأجمعوا بعد على تفضيل مكة والمدينة
على سائر البلاد. واختلفوا فيهما والخلاف فيما
عدا الكعبة فهي أفصل من بقية المدينة اتفاقا.
انتهى من خلاصة الوفا. وقال في المسائل
الملقوطة ولا خلاف أن مسجد المدينة ومكة أفضل
من مسجد بيت المقدس واختلفوا في مسجدي مكة
والمدينة والمشهور من المذهب أن المدينة أفضل
وهو قول أكثر أهل المدينة. وقال ابن وهب وابن
حبيب مكة أفضل.
مسألة: قال في المسائل الملقوطة وحكم ما زيد
في مسجده عليه الصلاة والسلام حكم المزيد فيه
في الفضل. ثم ذكر أحاديث ورواية عن مالك في
ذلك ونقل ذلك عن تسهيل المهمات لوالده ونص
كلامه وحكم ما زيد في مسجده صلى الله عليه
وسلم حكم المزيد في الفضل لأحاديث عنه صلى
الله عليه وسلم وآثار عن عمر وأبي هريرة رضي
الله عنهما مصرحة بذلك. ذكرها المؤرخون في
كتبهم والله أعلم بصحتها. قال عمر رضي الله
عنه لما فرغ من بناء المسجد ومن زيادته لو
انتهى بناؤه إلى الجبانة لكان الكل مسجد رسول
الله صلى الله عليه وسلم. وقال أبو هريرة سمعت
(4/533)
..............................
ـــــــ
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لو زيد في
هذا المسجد إلى صنعاء كان مسجدي. وعن ابن أبي
ذؤيب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لو مد
مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذي
الحليفة لكان منه. وقال عمر بن أبي بكر
الموصلي بلغني عن ثقات أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال ما زيد في مسجدي فهو منه ولو
بلغ ما بلغ. ومذهب الأئمة الثلاثة حكم الزيادة
حكم المزيد فيه وصرح به الشافعية غير النووي
فذكر أن مضاعفة الصلاة تختص بمسجده القديم. ثم
ذكر الفقيه محب الدين الطبري في كتاب الأحكام
في الحديث أن النووي رجع عن ذلك. وقال ابن
تيمية في منسك الحج حكم الزيادة حكم المزيد
فيه في جميع الأحكام. ونقل أبو محمد عبد الله
بن فرحون في شرح مختصر الموطأ له أنه وقف على
كتاب من كتب المالكية فيه أن مالكا رحمه الله
سئل عن ذلك فقيل له هل الصلاة فيما زيد في
مسجده عليه الصلاة والسلام كالصلاة في المزيد
فيه في الفضل فقال ما أراه عليه السلام أشار
بقوله صلاة في مسجدي هذا إلا لما سيكون من
مسجده بعده وإن الله تعالى أطلعه على ذلك حتى
أشار إليه انتهى. ويحتمل أنه أشار بقوله هذا
إلى إخراج ما عداه من مساجده التي تنسب إليه
كمسجد قباء ومسجد ذي الحليفة ومسجد العيد
ومسجد الفتح وغيرها انتهى. من تسهيل المهمات
وذكر ذلك والده في باب صلاة الجماعة في شرح
قول ابن الحاجب ولا تعاد صلاة جماعة مع واحد
فأكثر وقال السيد السمهودي الشافعي في تاريخ
المدينة المسمى خلاصة الوفا. لما تكلم في
تخصيص المضاعفة بالمسجد النبوي الأصلي وعمومها
لما زيد فيه وقد سئل مالك عن ذلك فيما قاله
ابن نافع صاحبه فقال بل هو يعني المسجد الذي
جاء فيه على ما هو عليه لأن النبي صلى الله
عليه وسلم أخبر بما يكون بعده وزويت له الأرض
فرأى مشارقها ومغاربها وتحدث بما يكون بعده
ولولا هذا ما استجاز الخلفاء الراشدون أن
يزيدوا فيه بحضرة الصحابة ولم ينكر عليهم ذلك
منكر. قال السيد انتهى يعني كلام مالك ثم قال
بعد ذلك بل نقل البرهان ابن فرحون إنه لم
يخالف في ذلك إلا النووي انتهى. وقال ابن
فرحون في تبصرته في الفصل السادس من القسم
الأول ونسبة المحراب إليه صلى الله عليه وسلم
كنسبة جميع المسجد إليه فيقال مسجد النبي صلى
الله عليه وسلم ولو زيد فيه. وقال العلماء إن
الصلاة تضاعف فيما زيد فيه كما تضاعف في
المسجد القديم. ولما زاد عمر رضي الله عنه في
المسجد من ناحية القبلة ونقل محل الإمام إلى
تلك الزيادة وكان فيها محراب واستشهد رضي الله
عنه في ذلك المحراب ثم زاد بعده عثمان من
ناحية القبلة أيضا وأيضا انتقل محل الإمام إلى
المحراب الذي في القبلة الآن وهو محراب عثمان
وكان في أيام مالك يصلي الإمام في محراب عثمان
فلما قل الناس رجعوا إلى محراب النبي صلى الله
عليه وسلم الذي بين القبر والمنبر انتهى والله
أعلم.
(4/534)
|