مواهب
الجليل لشرح مختصر الخليل ط عالم الكتب كتاب الجهاد
كتاب الجهاد
...
كتاب الجهاد
الجهاد في أهم جهة كل سنة وإن خاف محاربا
كزيارة الكعبة فرض كفاية
ـــــــ
كتاب الجهاد
ص: "باب الجهاد في أهم جهة كل سنة وإن خاف
محاربا كزيارة الكعبة فرض كفاية" ش: الجهاد في
اللغة التعب والمشقة مأخوذ من الجهد. وفي
الشرع قال ابن عرفة قتال
(4/535)
..................................
ـــــــ
مسلم كافرا غير ذي عهد لإعلاء كلمة الله أو
حضوره له أو دخول أرضه. فيخرج قتال الذمي
المحارب على المشهور أنه غير نقض. وقول ابن
هارون هو قتال العدو لإعلاء كلمة الإسلام غير
منعكس بالأخيرين وهما جهاد اتفاقا. وقول ابن
عبد السلام هو إتعاب النفس في مقاتلة العدو
كذلك وغير مطرد بقتاله لا لإعلاء كلمة الله
انتهى. وقال ابن عرفة أيضا قال أبو عمر في
الكافي فرض على الإمام إغزاء طائفة للعدو في
كل سنة يخرج هو بها أو من يثق به وفرض على
الناس في أموالهم وأنفسهم الخروج المذكور لا
خروجهم كافة والنافلة منه إخراج طائفة بعد
أخرى وبعث السرايا وقت الغرة والفرصة. زاد ابن
شاس عنه وعلى الإمام رعي النصفة في المناوبة
بين الناس. وعزا القرافي جميع ذلك لعبد الملك
ثم قال اللخمي عن الداودي بقي فرضه بعد الفتح
على من يلي العدو وسقط عمن بعد عنه. المازري
قوله بيان لتعلق فرض الكفاية بمن حضر محل
متعلقه قادرا عليه دون من بعد عنه لعسره وإن
عصى الحاضر تعلق بمن يليه انتهى.
فائدة: إن قيل كيف غضب النبي صلى الله عليه
وسلم على الثلاثة الذين خلفوا مع أنه فرض
كفاية فالجواب ما قال السهيلي في الروض الأنف
في حديث الثلاثة إنه كان على الأنصار فرض عين
عليه بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم فكان
تخلفهم في هذه الغزاة كبيرة. كذا قال ابن بطال
انتهى.
مسألة: قال القرطبي قد حض الشرع على تمني
الشهادة ورغب فيه فقال "من سأل
(4/536)
ولو مع وال
جائر:
ـــــــ
الله الشهادة صادقا من قلبه بلغه الله منازل
الشهداء وإن مات على فراشه"1. اه. ص: "ولو مع
وال جائر" ش: ظاهره ولو كانوا يغدرون وهو ظاهر
ما حكاه في التوضيح عن
ـــــــ
1 رواه الدارمي في كتاب الجهاد باب 15. أبو
داود في كتاب الجهاد باب 40. ابن ماجه في كتاب
الجهاد باب 15.
(4/537)
على كل حر ذكر
مكلف قادر كالقيام بعلوم الشرع والفتوى ودفع
الضرر عن المسلمين والقضاء والشهادة والإمامة
ـــــــ
سحنون قال القرطبي في شرح مسلم في قوله "لكل
غادر لواء". وقد مال أكثر العلماء أنه لا
(4/538)
والأمر
بالمعروف والحرف المهمة ورد السلام وتجهيز
الميت وفك الأسير وتعين بفجء العدو وإن على
امرأة
ـــــــ
.................................
(4/539)
وعلى من بقربهم
إن عجزوا وبتعيين الإمام وسقط بمرض وصبا وجنون
وعمى وعرج وأنوثة وعجز عن محتاج له ورق ودين
حل
ـــــــ
يقاتل مع الأمير الغادر بخلاف الجائر والفاسق.
وذهب بعضهم إلى الجهاد معه والقولان في مذهبنا
انتهى. ص: "وبتعيين الإمام" ش: تصوره ظاهر.
مسألة: قال ابن عرفة الشيخ عن الموازية أيغزى
بغير إذن الإمام قال أما الجيش والجمع فلا إلا
بإذن الإمام وتولية وال عليهم. وسهل مالك لمن
قرب من العدو يجد فرصة ويبعد عليه الإمام محمد
كمن هو منه على يوم. ونحوه ولابن مزين عن ابن
القاسم إن طمع قوم بفرصة في عدو قربهم وخشوا
إن أعلموا إمامهم منعهم فواسع خروجهم وأحب
استئذانهم إياه. ثم قال ابن حبيب سمعت أهل
العلم يقولون إن نهى الإمام عن القتال لمصلحة
حرمت مخالفته إلا أن يدهمهم العدو اه. من
أوائل الجهاد منه. وفي سماع أشهب وسئل مالك عن
القوم يخرجون في أرض الروم مع الجيش فيحتاجون
إلى العلف لدوابهم فتخرج جماعة إلى هذه القرية
وجماعة إلى قرية أخرى يتعلفون لدوابهم ولا
يستأذنون الإمام فربما غشيهم العدو فيما هناك
إذا رأوا غرتهم وقتالهم فقتلوهم أو أسروهم أو
نجوا منهم وإن تركنا دوابنا هلكت فقال أرى إن
استطعتم استئذان الإمام أن تستأذنوه ولا أرى
أن تغزوا بأنفسكم فتقتلون في غير عدة ولا كثرة
ولا أرى ذلك. وسئل مالك عن العدو ينزل بساحل
من سواحل المسلمين يقاتلونهم بغير استئمار
الوالي فقال أرى إن كان الوالي قريبا منهم أن
يستأذنوه في قتالهم قبل أن يقاتلوهم وإن كان
بعيدا لم يتركوهم حتى يقعوا بهم. فقيل له بل
الوالي بعيد منهم. فقال كيف يصنعون أيدعوهم
حتى يقعوا بهم أرى أن يقاتلوهم. قال ابن رشد
وهذا كله كما قال إنه لا ينبغي لهم أن يغزوا
بأنفسهم في تعلفهم وأن الاختيار لهم أن
يستأذنوا الإمام في ذلك إن استطاعوا ويلزمهم
ذلك إن كان الوالي عدلا على ما قاله ابن وهب
في سماع زونان وهو عبد الملك بن الحسن وأن
قتال العدو بغير إذن الإمام لا يجوز إلا أن
يدهمهم فلا يمكنهم
(4/540)
كوالدين في فرض
كفاية ببحر أو خطر
ـــــــ
استئذانه. انتهى من سماع زونان. سئل عبد الله
بن وهب عن القوم يواقعون العدو هل لأحد أن
يبارز بغير إذن الإمام فقال إن كان الإمام
عنده لم يجز له أن يبازر إلا بإذنه وإن كان
غير عدل فليبارز وليقاتل بغير إذنه. قلت: له
والمبارزة والقتال عندكم واحد قال نعم. قال
ابن رشد وهذا كما قال إن الإمام إذا كان غير
عدل لم يلزمهم استئذانه في مبارزة ولا قتال إذ
قد ينهاهم عن غرة قد ثبتت له على غير وجه نظر
يقصده لقوله غير عدل في أموره فيلزمه طاعته
فإنما يفترق العدل من غير العدل في الاستئذان
له لا في طاعته إذا أمر بشيء أو نهى عنه لأن
الطاعة للإمام من فرائض الغزو فواجب على الرجل
طاعة الإمام فيما أحب أو كره وإن كان غير عدل
ما لم يأمره بمعصية انتهى. وفي سماع أصبغ
وسمعت ابن القاسم وسئل عن ناس يكونون في ثغر
من وراء عورة المسلمين هل يخرجون سراياهم لغرة
يطمعون بها من عدوهم من غير إذن الإمام
والإمام منهم على أيام قال إن كانت تلك الغرة
بينة قد ثبتت لهم منهم ولم يخافوا أن يلقوا
بأنفسهم فلا أرى بأسا وإن كانوا يخافون أن
يلقوا ما لا قوة لهم به أن يطلبوا فيدركوا فلا
أحب ذلك لهم. قال ابن رشد إنما جاز لهم أن
يخرجوا سراياهم لغرة تبينت لهم بغير إذن
الإمام لكونه غائبا عنهم على مسيرة أيام ولو
كان حاضرا معهم لم يجز لهم أن يخرجوها بغير
إذنه إذا كان عدلا انتهى وجميع هذه الأسمعة في
كتاب الجهاد ونقلها ابن عرفة إثر الكلام
المتقدم. قال في التوضيح ابن المواز ولا يجوز
خروج جيش إلا بإذن الإمام. وسئل مالك لمن يجد
فرصة من عدو قريب أن ينهضوا إليهم بغير إذن
الإمام ولم يجز ذلك لسرية تخرج من العسكر. عبد
الملك وترد السرية وتحرمهم ما غنموا. سحنون
إلا أن تكون جماعة لا يخاف عليهم فلا يحرمهم
يريد وقد أخطؤوا. انتهى ذكره عند قول ابن
الحاجب ويجب مع ولاة الجور. وقال في الشامل في
أول الجهاد ولا يجوز خروج جيش دون إذن الإمام
وتوليته عليهم من يحفظهم إلا أن يجدوا فرصة من
عدو وخافوا فواته لبعد الإمام أو خوف منعه
وحرم على سرية بغير إذنه ويمنعهم الغنيمة أدبا
لهم إلا أن يكونوا جماعة لا يخشون عدوا فلا
يمنعهم الغنيمة انتهى. وقال الشيخ أحمد زروق
في بعض وصاياه لإخوانه التوجه للجهاد بغير إذن
جماعة المسلمين وسلطانهم فإنه سلم الفتنة
وقلما اشتغل به أحد فأنجح انتهى. ص: "كوالدين
في فرض كفاية" ش: ومفهوم قوله "فرض كفاية" أنه
لو كان فرض
(4/541)
لا جد والكافر
كغيره في غيره ودعوا للإسلام ثم جزية بمحل
يؤمن وإلا قوتلوا
ـــــــ
عين لم يحتج لإذنهما ولو لم يكونا في كفاية
وهو كذلك لكن قال القرطبي في شرح مسلم في كتاب
البر والصلة إذا تعين الجهاد وكان والده في
كفاية ولم يمنعاه أو أحدهما بدأ بالجهاد فلو
لم يكونا في كفاية تعين عليه القيام بهما
فيبدأ به فلو كانا في كفاية ومنعاه لم يلتفت
لمنعهما لأنهما عاصيان بذلك المنع انتهى.
ومذهب المدونة ما قاله المصنف.
فرع: قال في رسم المحرم يتخذ حرفة من سماع ابن
القاسم من كتاب الجهاد وسئل مالك عن الرجل من
أهل الأندلس أراد أن يلحق بالمصيصة والسواحل
وله ولد وأهل بالأندلس أترى له في ذلك سعة قال
نعم. ثم قال أيخشى عليهم الضيعة قال نعم فكأنه
لم يعجبه ذلك حين خاف الضيعة. قال ابن رشد
وهذا كما قال لأن القيام عليهم وترك إضاعتهم
أوجب عليه بخلاف الغزو والرباط لا ينبغي لأحد
أن يضيع فرضا واجبا عليه بما هو مندوب إليه
انتهى. وفي سماع أصبغ من كتاب الجامع سئل عمن
يريد الجهاد وله عيال وولد قال إن خاف عليهم
الضيعة فلا أرى له أن يخرج وإن كان عنده من
يقوم بأمرهم ويخلفه فأرى أن يخرج ولا يدع ذلك.
قال ابن رشد لأن قيامه على أهله وترك إضاعتهم
واجب بخلاف الجهاد في الموضع الذي هو فيه فرض
كفاية لأن فرض الكفاية إذا أقيم به سقط عمن
سواه وكان له نافلة ولا يصح ترك فرض لنافلة.
ص: "لا جد" ش: كذا ذكر في التوضيح وذكر ابن
عرفة عن سحنون ما نصه وبر الجد والجدة واجب
وليسا كالأبوين أحب أن يسترضيهما ليأذنا له
فإن أبيا فله إلى أن يخرج انتهى. وذكر في
الإكمال في أول كتاب البر والصلة أن
(4/542)
وقتلوا إلا
المرأة إلا في مقاتلتها والصبي والمعتوه كشيخ
فان وزمن وأعمى وراهب
ـــــــ
بر الأجداد كالآباء وأنه لا يجوز الجهاد بغير
إذنهما انتهى. ص: "ثم جزية بمحل يؤمن" ش: أي
إنما تقبل منهم الجزية إذا كانوا بمحل يؤمن
عليهم من الرجوع إلى الكفر وكذا إذا أجابوا
إلى الإسلام. قاله الشيخ أبو الحسن عن ابن
يونس. ص: "وقتلوا إلا المرأة إلا في مقاتلتها
إلى قوله وراهبا" ش: قوله إلا المرأة يعني أن
المرأة لا تقتل سواء كانت في بلد الحرب أو
خرجت مع العسكر إلى بلد الإسلام. صرح به
القرطبي في شرح مسلم. وقال الرجراجي إذا غنم
من العدون ذوي القوة من الرجال فالإمام مخير
فيهم في خمسة أشياء القتل أو الجزية أو الفداء
أو المن أو الاسترقاق وأما النساء فإن كففن
أذاهم عن المسلمين ولزمن قعر بيوتهن فلا خوف
في تحريم قتلهن وإن شعرن في مدح القتال وذم
الفرار فإن قاتلن وباشرن السلاح فلا خلاف في
جواز قتلهن في حين القتل في المسايفة لوجود
المعنى المبيح لقتلهن وكذلك أيضا يباح قتلهن
بعد الأسر إذا قتلن فإن رمين بالحجارة ولم
يظهرن النكاية ولا قتلن أحدا فلا يقتلن بعد
الأسر اتفاقا. وهل يعرض عنهن في حين المقاتلة
ويشتغل بغيرهن أو يقاتلن قتالا يكفهن من غير
أن يؤدي إلى قتلهن يتخرج على قولين فإن شهرن
السلاح وباشرن الكفاح فقاتلن ولم يقتلن حتى
أسرن فهل يقتلن بعد الأسر أم لا على قولين
الأول لرواية يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في
العتبية والثاني في قول سحنون في كتاب ابنه
والصبي والمراهق كالنساء في جميع ما ذكر.
واختلف فيه إذا أنبت ولم يحتلم فالمذهب على
قولين وأما الشيخ الفاني الذي لا يخشى منه
نكاية ولا يتقى من ورائه غائلة ذميمة فلا
إشكال أنه لا يقتل وهو مذهب المدونة. واختلف
في الأجراء والحراثين
(4/543)
منعزل بدير أو
صومعة بلا رأي وترك لهم الكفاية فقط واستغفر
قاتلهم: كمن لم تبلغه دعوة وإن حيزوا فقيمتهم
والراهب والراهبة حران بقطع ماء وآلة وبنار إن
لم يمكن غيرها ولم يكن فيهم مسلم وإن بسفن
وبالحصن بغير تحريق وتغريق مع ذرية
ـــــــ
وأهل الصناعات إذا لم يخش من جهتهم وأمنت
جهتهم فهل يقتلوا أم لا على قولين أحدهما أنهم
لا يقتلون وهو قول ابن القاسم في كتاب محمد
وبه قال عبد الملك في الصناع بأيديهم والثاني:
أنهم يقتلون وهو قول سحنون. وأما ذوو الأعذار
من الزمني والمرضى والعميان والأشل
(4/544)
وإن تترسوا
بذرية تركوا إلا لخوف وبمسلم لم يقصد الترس إن
لم يخف على أكثر المسلمين وحرم نبل سم
واستعانة بمشرك إلا لخدمة
ـــــــ
والأعرج فلا يخلوا أن يخشى منهم في الحال لما
ظهر منهم من الحيل والتدبير أو لا يخشى منهم
إلا في المآل. فإن خشي منهم في الحال لما يكون
من نجابة غيرهم وعلمهم بمصالح الحرب فلا خلاف
أنهم يقتلون جميعا وإن كان لما يتوقع منهم في
ثاني حال فأما المريض إن كان شابا فالنظر فيه
إلى الإمام كسائر الأسراء وإن كان شيخا فلا
يقتل إذا كان صحيحا فكيف إذا كان مريضا وأما
من عداهم من سائر الزمني وذوي الأعذار فقد
اختلف المذهب في جواز قتلهم على قولين بعد
الاتفاق على جواز أسرهم انتهى.
تنبيه: ما نقله في التوضيح وفي غيره من أن
الشيخ الفاني يترك له كما يترك للراهب يحمل
على ما إذا رأى الإمام إطلاقهم والمن عليهم
والله أعلم. ص: "وحرم نبل سم" ش: قال الأقفهسي
في شرح هذا المحل يريد أنه يحرم الرمي بالنبل
المسموم. وفي النوادر وكره مالك أن يسم النبل
والرماح ويرمي بها العدو. وقال ما كان هذا
فيما مضى وعلل ذلك خشية أن يعاد إلينا وحمل
المؤلف الكراهة على التحريم انتهى. ص:
"واستعانة بمشرك" ش:
(4/545)
وإرسال مصحف
لهم وسفر به لأرضهم كمرأة إلا في جيش آمن
ـــــــ
انظر أول رسم سماع يحيى. ص: "وإرسال مصحف لهم"
ش: تصوره ظاهر.
فروع: الأول: قال ابن عبد السلام وأجاز مالك
وأبو حنيفة والشافعي أن يقرأ عليهم القرآن وأن
يبعث إليهم بالكتاب فيه آيات من القرآن
والأحاديث بذلك كثيرة وسيقول المؤلف واحتجاج
عليهم بقرآن وبعث كتاب فيه كالآية.
الثاني: لا يجوز تعليم الكافر القرآن ولا
الفقه. نقله في التوضيح.
الثالث: كره مالك وغيره أن يعطي الكافر درهما
فيه آية من القرآن ولا خلاف فيه إذا كانت آية
تامة وإنما اختلفوا إذا كان فيه اسم من أسماء
الله تعالى ولم تكن الدراهم عليها اسم الله
تعالى وإنما ضربت دراهم الإسلام في أيام عبد
الملك بن مروان. انتهى من التوضيح. ص: "وفرارا
إن بلغ المسلمون النصف" ش: قال الأقفهسي في
شرح الرسالة ولو كان المسلمون عند الملاقاة
قدر ثلث الكفار ففر من المسلمين طائفة فزاد
الكفار على مثليهم جاز الفرار للباقين ويختص
العصيان بالأولين دون الباقين انتهى. وقوله
"قدر ثلث الكفار" لعله نصف الكفار والله أعلم.
تنبيهان: الأول: قال القرطبي في شرح مسلم في
قوله فبايعناه على أن لا نفر يعني يوم
الحديبية هذا الحكم خاص بأهل الحديبية فإنه
مخالف لما في كتاب الله من إباحة الفرار عند
مثلي العدو وعلى ما نص عليه في سورة الأنفال
وعلى مقتضى بيعة الحديبية أن لا فرار أصلا فهو
خاص بهم والله أعلم. ولهذا قال عبد الله بن
زيد لا أبايع على هذا أحدا بعد رسول الله صلى
الله عليه وسلم انتهى. وفي قوله خاص بهم نظر.
وانظر لم لا يجوز أن تتفق طائفة وتتعاهد على
(4/546)
وفرار إن بلغ
المسلمون النصف ولم يبلغوا اثنى عشر ألفا إلا
تحرفا وتحيزا إن خيف
ـــــــ
أن لا يفروا ثم قال في العدد المذكور في الآية
فحمله الجمهور على ظاهره من غير اعتبار بالقوة
والضعف والشجاعة والجبن. وحكى ابن حبيب عن
مالك وعبد الوهاب أن المراد بذلك القوة
والتكاثر دون تعيين العدد قال ابن حبيب والقول
الأول أكثر فلا تفر المائة من المائتين وإن
كانوا أشد جلدا أو أكثر سلاحا. قلت: وهو
الظاهر من الآية انتهى.
الثاني: قال السهيلي في الروض الأنف إن قيل
كيف فر الصحابة يوم حنين وهو من الكبائر قلنا
لم يجمع على أنه من الكبائر إلا في يوم بدر
وكذلك قال الحسن ونافع مولى ابن عمر ويدل له
قول الله تعالى {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ
يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} [الأنفال: من الآية16]
إشارة ليوم بدر ثم نزل التخفيف في الفارين يوم
حنين فقال {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ} [التوبة: من
الآية25] الآية. وفي تفسير ابن سلام كان
الفرار من الزحف من الكبائر يوم بدر وكذلك
يكون من الكبائر في ملحمة الروم الكبرى عند
الدجال وأيضا فإنهم رجعوا وقاتلوا حتى فتح
الله عليهم انتهى.
فرع: قال القرطبي قال عياض ولم يختلف أنه متى
جهل منزلة بعضهم من بعض في مراعاة العدد لم
يجز الفرار انتهى. ص: "إلا تحرفا أو تحيزا إن
خيف" ش: يعني أن التحرف والتحيز يجوز إن كان
الكفار أقل من ضعفهم. وهذا إذا كان انحيازهم
إلى فئة خرجوا معهم أما لو كانوا خرجوا من
بلاد الأمير والأمير مقيم في بلاده فلا يكون
فئة لهم ينحازون إليه وذلك خاص بالنبي صلى
الله عليه وسلم. قاله في أول رسم من سماع ابن
القاسم من كتاب الجامع. وقوله إن خيف قيد في
التحيز لا في التحرف فتأمله. وقول البساطي
"قوله إن خيف قيد في هذين" غير ظاهر والله
أعلم.
تنبيه: يحرم الغدر وينبغي أن يستعمل الخداع في
الحرب والله أعلم. ص: "والمثلة" ش:
(4/547)
والمثلة وحمل
رأس لبلد أو وال وخيانة أسير ائتمن طائعا ولو
على نفسه
ـــــــ
قال الأقفهسي أي يحرم أن يمثل بالمقتول. قال
في الاستذكار والمثلة محرمة في السنة المجمع
عليها. وهذا بعد الظفر وأما قبله فلنا قتله
بأي مثلة أمكننا انتهى. وهذا الأخير في
النوادر. ص: "وخيانة أسير ائتمن طائعا" ش: قال
ابن عرفة والأسير إذا ترك بعهدة أن لا يهرب
ولا يخون ظاهر أقوالهم لزومه اتفاقا وهو ظاهر
قول ابن حارث يجب على المسلم الوفاء بعهدة
العدو اتفاقا وفي لزومه العقد ولو كان مكرها
عليه أو إن كان غير مكره نقلا المازري عن
الأشياخ وإن ترك دون ائتمان ويمين فله الهروب
بنفسه وما أمكنه من قتل نفس وأخذ مال إن قدر
على النجاة وإن ترك بائتمان وأيمان طلاق أو
غيره ففي كونه كذلك أو كالعهد ثالثها له
الهروب بنفسه فقط لابن رشد عن المخزومي في
المبسوط مع ابن الماجشون وسماع عيسى بن القاسم
مع سماع عيسى والأخوين مع روايتهما انتهى.
فروع: الأول: اختلف إذا أقر الأسير أنه زنى
ودام على إقراره ولم يرجع أو شهد عليه فقال
ابن القاسم وأصبغ عليه الحد سواء زنا بحرة أو
بأمة. وقال عبد الملك لا حد عليه. قاله في
التوضيح.
الثاني: إذا قتل الأسير أحدا منهم خطأ وقد كان
أسلم والأسير لا يعلم فقد قيل عليه الدية
والكفارة وقيل عليه الكفارة فقط وعمدا وهو لا
يعلمه مسلما فعليه الدية والكفارة وعمدا وهو
يعلم بإسلامه قتل به. قاله في الكافي
(4/548)
والغلول وأدب
إن ظهر عليه وجاز أخذ محتاج نعلا وحراما
ـــــــ
الثالث: إذا جنى الأسير على أسير مثله
فكغيرهما.
الرابع: إذا قتل المسلم مسلما في حال القتال
وقال ظننته من الكفار حلف ووجبت الدية
والكفارة. قاله البساطي. ص: "والغلول وأدب إن
ظهر عليه" ش: قال في التمهيد أجمع العلماء على
أن على الغال أن يرد ما غل لصاحب المقاسم إن
وجد السبيل إلى ذلك وأنه إن فعل ذلك فهو توبة
له وخروج عن ذنبه. واختلفوا فيما يفعل بما غل
إذا افترق العسكر ولم يصل إليهم فقال جماعة من
أهل العلم يدفع إلى الإمام خمسة ويتصدق
بالباقي. هذا مذهب الزهري ومالك والأوزاعي.
انتهى من الحديث الثاني لثور بن زيد والله
أعلم. ونحوه للقرطبي في شرح مسلم. وقوله "وأدب
إن ظهر عليه" قال القرطبي مذهب مالك أنه يعزر
بحسب اجتهاد الإمام انتهى. وقال ابن عرفة سمع
ابن القاسم جواب مالك عن عقوبته إن تاب ورد ما
غل ما سمعت فيه شيئا ولو عوقب لكان لها أهلا
ابن القاسم لا يؤدب. سحنون كالمرتد ومن رجع عن
شهادته عند الحاكم. قال ابن رشد معنى قول ابن
القاسم وسحنون إن تاب قبل القسم ورد ما غل في
المغنم كمن رجع عن شهادته قبل الحكم. وقول
مالك مثل ما في سرقتها فيمن رجع عن شهادته قبل
الحكم وادعى وهما وتشبيها ولم يتبين صدقه. ومن
تاب بعد القسم وافترق الجيش أدب عند جميعهم
على قولهم في الشاهد يرجع بعد الحكم لأن
افتراق الجيش كنفوذ الحكم بل هو أشد لقدرته
على الغرم للمحكوم عليه ما أتلف عليه وعجزه عن
ذلك في الجيش انتهى. وهذه المسألة في رسم من
حلف بطلاق امرأته من سماع ابن القاسم من كتاب
الجهاد. ثم قال ابن عرفة إن تنصل منه عند
الموت فإن كان أمرا قريبا ولم يفترق الجيش فهو
من رأس ماله وإن طال فمن ثلثه انتهى. ص: "وجاز
أخذ محتاج الخ" ش:
(4/549)
وإبرة وطعاما
وإن نعما وعلفا كثوب وسلاح ودابة ليرد ورد
الفضل إن كثر فإن تعذر تصدق
ـــــــ
قال ابن عرفة ولو نهاهم الإمام عنه ثم اضطروا
إليه جاز لهم أكله انتهى. ص: "وإن نعما"
(4/550)
به ومضت
المبادلة بينهم وببلدهم إقامة الحد وتخريب
وقطع نخل وحرق إن أنكى أولم ترج والظاهر أنه
مندوب كعكسه ووطء أسير زوجة أو أمة سلمتا وذبح
حيوان وعرقبته وأجهز عليه وفي النحل إن كثرت
ولم يقصد عسلها روايتان وحرق إن أكلوا الميتة
ـــــــ
ش: قال في التوضيح وإذا أخذ الأنعام للحاجة
فله أخذ جلدها إن احتاج إليه وإلا رده للمغانم
انتهى. ص: "وحرق إن أكلوا الميتة" ش: قال
البرزلي ما وقف في بلاد العدو من الخيل
(4/551)
كمتاع عجز عن
حمله وجعل الديوان وجعل من قاعد لمن يخرج عنه
إن كانا بديوان
ـــــــ
والحيوان فإنها تعرقب وإن خيف أكلها أحرقت
انتهى. ص: "وجعل الديوان" ش: قال ابن عرفة
الديوان لقب لرسم جميع أنواع المعدين لقتال
العدو بعطاء. انتهى.
فرع: قال في المدونة قال ابن محيريز أصحاب
العطاء أفضل من المتطوعة لما يروعون. قال أبو
الحسن وذلك أن أصحاب العطاء كالعبيد والعبد
يأمره سيده وينهاه انتهى. قال ابن عرفة وحاصله
الترجيح بكثرة العمل فإذا اتحد كان دون عطاء
أفضل انتهى. ومنه أسند سحنون أن أبا ذر قال
لمن قال له لا أفترض افترض فإنه اليوم معونة
وقوة فإذا كان ثمن دين أحدكم فلا تقربوه
انتهى. وقوله "وجعل" بفتح الجيم أي يجوز
للإمام أن يجعل ديوانا ويصح أن يكون بضم الجيم
أي وجاز للشخص المجاهد أن يأخذ جعلا من
الديوان ونحوه قوله في الشامل ويجوز جعل من
ديوان. ص: "وجعل من قاعد لمن يخرج عنه إن كانا
بديوان" ش:
فرع: قال ابن يونس وإذا غزا رجل عن رجل من أهل
ديوانه بأجرة فالسهمان للذي استأجره. وقد نزلت
عندنا فأفتى فيها بعض شيوخنا بذلك وكذلك حكى
بعض أصحابنا عن بعض مشايخنا القرويين انتهى.
وقال ابن عرفة قلت: الأظهر أنه بينهما لأنه
لولا الجعالة احتمل وجوب خروج الجاعل بالقرعة
فيكون الخارج أجيرا فيستحقه الخارج أما لو
كانت الجعالة بعد تعيين الجاعل بقرعة أو كان
الجاعل من غير ديوانه فكما قالوا وفيه نظر لأن
قواعده الشرع تقتضي أن استحقاق الأسهام إنما
هو لبماشرة حضور القتال أو الخروج له إن
(4/552)
ورفع صوت مرابط
بالتكبير وكره التطريب وقتل عين وإن أمن
والمسلم كالزنديق وقبول الإمام وهديتهم وهي له
إن كانت من بعض لكقرابة وفيء إن كانت من
الطاغية إن لم يدخل
ـــــــ
عاقه عن حضوره ما لا يقدر على دفعه وتركه
اختيار إلا في مصلحة الخارجين يمنعه انتهى. ص:
"ورفع صوت مرابط بالتكبير" ش: عده المؤلف من
الجائزات وكذلك هو في لفظ المدونة. وقال في
المدخل في الفصل الأول من فصول العالم يستحب
للمرابطين إذا صلوا الخمس أن يكبروا جهرا
يرفعون أصواتهم ليرهبوا العدو. ثم قال وقال
القاضي عياض وأما رفع الصوت بالذكر فإن كانوا
جماعة فيستحسن ليرهبوا العدو بذلك وإن كان
وحده فغير مستحسن انتهى. ص: "وقتل عين وإن
أمن" ش: يريد إلا أن يسلم. ص: "والمسلم
كالزنديق" ش: قال في الشامل والذمي كذلك إلا
أن يرى الإمام استرقاقه انتهى. وقال النووي في
شرح مسلم اعلم أن الجاسوس إن كان كافرا حربيا
فإنه يقتل بإجماع وأما المعاهد والذمي فقال
مالك والأوزاعي يصير ناقضا للعهد فإن رأى
استرقاقه أرقه ويجوز قتله. ص: "وقبول الإمام
هديتهم وهي له إن كانت من بعض القرابة وفيء إن
كانت من الطاغية إن لم يدخل بلده" ش: قال في
ثاني مسألة من أول رسم من سماع عيسى من كتاب
الجهاد في الهدية تأتي الإمام في أرض العدو من
العدو أتكون له خاصة أم للجيش قال لا أرى هذا
يأتيه
(4/553)
بلده وقتال روم
وترك واحتجاج عليهم بقرآن وبعث كتاب فيه
كالآية وإقدام الرجل على كثير إن لم يكن ليظهر
شجاعة على الأظهر
ـــــــ
إلا على وجه الخوف فأراه الجماعة الجيش إلا أن
يعلم أن ذلك إنما هو من جهة قرابة أو مكافأة
كوفئ بها فأراها له خاصة خالصة إذا كان كذلك
ومثل الرمي يسلم فيولي فيدخل فيهدي له لقرابته
وما أشبه هذا. قيل له فالرجل من الجيش تأتيه
الهدية قال هذا له خاصة لا شك فيه ومثل أن
يحلوا بحصن فيعطيه بعض أقاربه المال وهو من
الجيش فهو له خالص. قال ابن رشد في الهدية
تأتي الإمام في أرض العدو أنها الجماعة الجيش
إلا أن يعلم أن ذلك من قبل قرابة أو مكافأة
ولم يفرق بين أن تأتيه من الطاغية أو من رجل
من الحربيين وذلك يفترق وأما إذا أتته من
الطاغية فلا اختلاف في أنها لا تكون له واختلف
هل تكون غنيمة للجيش وهو قوله هنا في هذه
الرواية أنها تكون للجيش يريد غنيمة لهم
وتخمس. وقيل إنها تكون فيئا لجميع المسلمين لا
خمس فيها كالجزية وهذا يأتي على ما حكى ابن
حبيب فيما أخذه والي الجيش يريد صلحا من بعض
الحصون الذي نزل عليها. واختلف إذا أتته من
الطاغية أو من غيره من العدو وقبل أن يدرب في
بلاد العدو فحكى الداودي في كتاب الأموال له
أنها تكون له والصحيح المشهور المعلوم أنها
تكون فيئا لجميع المسلمين وأن الأمير في ذلك
بخلاف النبي صلى الله عليه وسلم فيما قبل من
هدايا عظماء الكفار. وأما ما أتته من رجل من
الحربيين فقد روى عن أشهب أنها تكون له إذا
كان الحربي لا يخاف منه وأما الرجل من الجيش
تأتيه الهدية في أرض الحرب من بعض قرابته وما
أشبه ذلك فلا اختلاف أعلمه في أنها له. انتهى
(4/554)
وانتقال من موت
لآخر ووجب إن رجا حياة أو طولها كالنظر في
الأسرى بقتل أو من أو فداء أو جزية أو استرقاق
ـــــــ
كلام ابن رشد. ص: "وانتقال من موت لآخر وجب إن
رجا حياة أو طولها" ش: قال البرزلي بعد أن
تكلم على مسألة ما لا يؤكل لحمه إذا أيس من
حياته فيذبح لإراحته من ألم الوجع. وتقدم
كلامه في باب المباح طعام طاهر عند قول المصنف
كذكاة ما لا يؤكل. ومن هذا الباب ما يقع بأهل
البلايا ممن يأخذهم الولاة ويجزمون بأنهم
مقتولون فيريد أن يستعجل الموت بشرب السم
فيجري على ما تقدم. وقال عز الدين إذا رجا
الإنسان حياة ساعة فلا يحل له استعجال موته
فظاهره أنه لا يحل له ذلك. وفي الأسئلة هل
يجوز للمكلف قتل نفسه إذا علم أنه أتى ما يوجب
ذلك أو يستحب أو يحرم فإذا فعل هل يسمى بذلك
فاسقا أو مفتانا جوابها من تحتم قتله بذنب من
الذنوب لم يجز له أن يقتل نفسه وستره على نفسه
مع التوبة أولى به. وإن أراد به تطهير نفسه
بالقتل فليقر بذلك عند ولي القتل ليقتله على
الوجه الشرعي فإذا قتل نفسه لم يجز له ذلك
لكنه إذا قتل نفسه قبل التوبة كان ذنبه صغيرا
لافتياته على الإمام ويلقى الله تعالى فاسقا
بالجريمة الموجبة للقتل وإن قتل نفسه بعد
التوبة فإن جعلنا توبته مسقطة لقتله فقد لقي
الله فاسقا بقتله نفسه لأنه قتل نفسا معصومة
وإن قلنا لا يسقط قتله بتوبته لقي الله عاصيا
لافتياته على الأئمة ولا ليث بذلك إثم من
يرتكب الكبائر لأنه فوت روحا يستحق تفويتها
وأزهق نفسا يستحق إزهاقها وكان الأصل يقتضي أن
يجوز لكل أحد القيام بحق الله تعالى في ذلك
لكن الشرع فوضه إلى الأئمة كيلا يوقع
الاستبداد به في الفتن انتهى. ص: "كالنظر في
الأسرى بقتل أو من أو فداء أو جزية أو
استرقاق" ش: قال اللخمي المأخوذ من الغنيمة
على سبعة أوجه أموال ورجال ونساء وصبيان
وأرضون وأطعمة
(4/555)
ولا يمنعه حمل
بمسلم ورق إن حملت به بكفر والوفاء بما فتح
لنا به بعضهم
ـــــــ
وأسلاب وأنفال. فالأموال تقسم على السهمان
أخماسا وأما الرجال فالإمام مخير فيهم بين
خمسة أوجه المن والفداء والقتل والجزية
والاسترقاق فأي ذلك رأى أحسن نظر فعله. والمن
والفداء ومن ضربت عليه الجزية من الخمس على
القول بأن الغنيمة مملوكة بنفس الأخذ والقتل
من رأس المال والاسترقاق راجع إلى جملة
الغانمين. ثم ذكر بقية الأقسام. قال السهيلي
في الروض الأنف في رد سبايا هوازن ولا يجوز
للإمام أن يمن على الأسرى بعد القسم ويجوز له
ذلك قبل المقاسمة كما فعل عليه الصلاة والسلام
بأهل حنين. قال أبو عبيد ولا يجوز للإمام أن
يمن عليهم بردهم إلى دار الحرب ولكن على أن
يؤدوا الجزية ويكونوا تحت حكم المسلمين
(4/556)
وبأمان الإمام
مطلقا كالمبارز مع قرنه وإن أعين بإذنه قتل
معه ولمن خرج في جماعة لمثلها إذا فرغ من قرنه
الإعانة
ـــــــ
قال والإمام مخير في الأسرى بين القتل والمن
والاسترقاق والفداء بالنفوس لا بالمال. كذلك
قال أكثر الفقهاء. هذا في الرجال وأما الذراري
والنساء فليس إلا الاسترقاق والمفاداة بالنفوس
دون المال انتهى. ص: "كالمبارز مع قرنه" ش:
قال ابن المنذر أجمع كل من أحفظ عنه على جواز
المبارزة والدعوة إليها وشرط بعضهم فيها إذن
الإمام وهو قول الثوري والأوزاعي وأحمد وإسحاق
ولم يشترطه غيرهم وهو قول مالك والشافعي.
انتهى من شرح مسلم للقرطبي
(4/557)
وأجبروا على
حكم من نزلوا على حكمه إن كان عدلا وعرف
المصلحة وإلا نظر الإمام
ـــــــ
ص: "وأجبروا على حكم من نزلوا على حكمه إن كان
عدلا وعرف المصلحة وإلا نظر الإمام" ش: قال
ابن عرفة سحنون صح النهي عن إنزال العدو على
حكم الله عز وجل فإن جهل الإمام فأنزلهم عليه
ردوا لمأمنهم إلا أن يسلموا فلا يعرض لهم في
مال ولا غيره. محمد يعرض عليهم قبل ردهم
الإسلام فإن أبوا فالجزية ولينزلهم الإمام على
حكمه لا على حكم غيره ولو طلبوه.
فإن قلت: الأظهر إن كان غيره أهلا لذلك فله
إنزالهم على حكمه لصحة تحكيمه صلى الله عليه
وسلم سعد بن معاذ في بني قريظة. قلت: إنما كان
ذلك تطييبا منه صلى الله عليه وسلم لنفوس
الأوس لما طلبوا منه صلى الله عليه وسلم
تخليتهم لهم لأنهم مواليهم وما كان إنزالهم
إلا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
سحنون فإن أنزلهم على حكم غيره فإن كان مسلما
عدلا نفذ حكمه مطلقا ولم يردهم لمأمنهم ولو لم
يقبل ذلك ردوا لمأمنهم. فإن قيل بعد رده سبيهم
لم ينفذ وردوا لمأمنهم. فإن كان فاسقا تعقب
الإمام حكمه إن رآه حسنا أمضاه وإلا حكم بما
يراه نظر أو لا يردهم لمأمنهم. ولو حكموا عبدا
أو ذميا أو امرأة أو صبيا عاقلين عالمين بهم
لم يجز وحكم الإمام ولو نزلوا على حكم الله
وحكم فلان فحكم بالقتل والسبي لم ينفذ وهو
كنزولهم على حكم الله فقط فلو نزلوا على حكم
رجلين فمات أحدهما وحكم الآخر بالقتل والسبي
لم ينفذ وردوا لمأمنهم ولو اختلفا في الحكم
ردوا لمأمنهم انتهى. وقال القرطبي في شرح مسلم
قال عياض والنزول على حكم الإمام أو غيره جائز
ولهم الرجوع عنه ما لم يحكم فإذا حكم لم يكن
لهم الرجوع ولهم أن ينتقلوا من حكم رجل إلى
غيره. وهذا كله إذا كان المحكم ممن يجوز
تحكيمه من أهل العلم والفقه والديانة فإذا حكم
لم يكن للمسلمين ولا الإمام المجيز لتحكيمهم
نقض حكمه إذا حكم بما هو نظر للمسلمين من قتل
أو سبي أو إقرار على الجزية أو إجلاء فإن حكم
بغير هذا من الوجوه التي لا يبيحها الشرع لم
ينفذ حكمه لا على المسلمين ولا على غيرهم
انتهى. ص: "كتأمين غيره إقليما" ش: قال ابن
عرفة في الروايات وأقوال الرواة والأشياخ لفظ
الأمان
(4/558)
كتأمين غيره
إقليما وإلا فهل يجوز؟ وعليه الأكثر أو يمضي
من مؤمن مميز ولو صغيرا أو امرأة أو رقا أو
خارجا على الإمام لا ذميا أو خائفا منهم
تأويلان
ـــــــ
والمهادنة والصلح والاستئمان والمعاهدة والعهد
منها متباين ومترادف. فالأمان رفع استباحة دم
الحربي ورقه وماله حين قتاله أو العزم عليه مع
استقراره تحت حكم الإسلام مدة ما فيدخل الأمان
بأحد الثلاثة لأنه رفع استباحتها لا المهادنة
وما بعدها وهو من حيث استلزامه مصلحة معينة أو
راجحة أو مفسدة أو احتمالها مرجوحا واجب أو
مندوب أو حرام أو مكروه وتبعد إباحته لأنها لا
تكون إلا عند تحقق عدم استلزامه أحدهما
وتساويهما وهو عسر. اللخمي هو لأمير الجيش
باجتهاده بعد مشورة ذوي الرأي منهم انتهى. ثم
قال والمهادنة وهي الصلح عقد المسلم مع الحربي
على المسالمة مدة ليس هو فيها تحت حكم الإسلام
فيخرج الأمان والاستئمان. ثم قال والاستئمان
وهو المعاهدة تأمين حربي ينزل بنا لأمر ينصرف
بانقضائه انتهى.
فرع: قال في فتح الباري في باب إذا وادع
الإمام ملك القرية هل يكون ذلك لبقيتهم قال
ابن بطال العلماء مجمعون على أن الإمام إذا
صالح ملك القرية أنه يدخل في ذلك الصلح بقيتهم
واختلفوا في عكس ذلك وهو ما إذا استأمن لطائفة
معينة هل يدخل هو فيهم فذهب الأكثر إلى أنه لا
بد من تعينه لفظا. وقال أصبغ وسحنون لا يحتاج
إلى ذلك بل يكتفي بالقرينة لأنه لم يأخذ
الأمان لغيره إلا وهو يقصد إدخال نفسه والله
أعلم انتهى. ص: "وإلا فهل يجوز عليه الأكثر أو
يمضي إلى قوله تأويلان" ش: يشير إلى ما قاله
في التوضيح ونصه .
تنبيه: نص ابن حبيب على أنه لا ينبغي التأمين
لغير الإمام ابتداء وهو خلاف ظاهر كلام
(4/559)
وسقط القتل ولو
بعد الفتح
ـــــــ
المصنف يعني ابن الحاجب أن قوله كذلك يقتضي
جواز ذلك ابتداء إذ لا خلاف في جوازه للإمام
ابتداء. وظاهر المدونة ككلام المصنف ففيها
ويجوز أمان المرأة والعبد والصبي إن عقل
الأمان ويحتمل يجوز إن وقع ولذلك اختلف في
كلام ابن حبيب هل هو موافق للمدونة أو مخالف
انتهى. وبهذا فسر الشارح في الصغير التأويلين
وفسرهما في الكبير والوسط بما ذكره المصنف
أيضا في التوضيح ونصه وقوله يعني ابن الحاجب
كذلك أي يجوز تأمينه وليس للإمام رده وهو قول
مالك وابن القاسم. وقال ابن الماجشون الإمام
مخير بين أن يمضيه أو يرده. وإلى حمل قول ابن
الماجشون على الخلاف ذهب عبد الوهاب والباجي
وغيرهما والمصنف. وقال ابن يونس أصحابنا
يحملون قوله على أنه ليس بخلاف. ص: "وسقط
القتل ولو بعد الفتح" ش: يعني أنه إذا حصل
الأمان بعد الفتح فإنه يسقط القتل. وظاهر
كلامه أن في سقوط القتل خلافا حتى ممن أعطى
الأمان وليس كذلك. قال في التوضيح في شرح قول
ابن الحاجب وفي أمنهم بعد الفتح قولان ولأن
ظاهر كلام المصنف أن الخلاف عام في حق من أمنه
وفي حق غيره وأنه عام في القتل والاسترقاق
وليس كذلك بل لا يجوز لمن أمنه قتله اتفاقا.
والخلاف إنما هو في القتل لا في الاسترقاق
لأنه صار مملوكا. والقول بسقوط القتل لابن
القاسم وابن المواز لقوله عليه الصلاة والسلام
"يسعى بذمتهم أدناهم"1 . وقال سحنون لا يجوز
لمن أمنه قتله وأما الإمام فإن شاء قتله فعل
وإن شاء أمضى أمانه وكان قنا. وقوله "وفي
أمنهم"
1 رواه البخاري في كتاب الفرائض باب 21. مسلم
في كتاب الحج حديث 467. أبو داود في كتاب
المناسك باب 95. الترمذي في كتاب السير باب
25. ابن ماجة في كتاب الديات باب 31. أحمد في
مسنده "1/81, 119, 122, 126, 151" "2/ 192,
211, 398".
(4/560)
بلفظ أو إشارة
مفهمة إن لم يضر وإن ظنه حربي فجاء أو نهى
الناس عنه فعصوا أو نسوا أو جهلوا أو جهل
إسلامه لا إمضاءه أمضي أو رد لمحله
ـــــــ
يحتمل أن يكون من إضافة المصدر إلى الفاعل أي
وفي أمن المسلمين أو من إضافة المصدر إلى
المفعول أي وفي أمن الكفار والمعنى سواء.
والظاهر أن تقديره وفي إمضاء أمنهم لأن ابن
القاسم وغيره إنما تكلموا على ذلك بعد الوقوع
وكذلك نقل ابن بشير ولفظه وأما إذا وقع الفتح
فإن أمنه الأمير صح وإن أمنه غيره فهل يصح
تأمينه فيكون مانعا من القتل قولان انتهى.
وفهم من قول المصنف وسقط القتل أن الاسترقاق
لا يسقط وهو كذلك لا كما تقدم. ص: "إن لم يضر"
ش: يصح أن يعود إلى قوله وإلا فهل يجوز وعليه
الأكثر أو يمضي كما قاله في التوضيح فتأمله.
ص: "أو جهل إسلامه" ش: هذا مفرع على القول
الذي مشى عليه أولا وهو أن أمان الذمي غير
ملزوم وهو المشهور يعني أنا إذا قلنا أمانه
غير معتبر فقال الحربيون ظننا أن هذا الذي
أعطانا الأمان مسلم فإن الإمام مخير إما أمضاه
أو ردهم لمأمنهم. وهذا أحد قولي ابن القاسم.
وقال مرة لا يعذرون وهم فيء. قال في النوادر
إن أمنهم الذمي فلا أمان لهم وهم فيء. قال
محمد فإن قالوا ظنناه مسلما فأحب إلي أن يردوا
إلى مأمنهم إن أبى الإمام أن يؤمنهم. واختلف
فيه قول ابن القاسم فقال هم فيء. وقال ويردون
لمأمنهم. ثم قال ابن المواز وإن قالوا علمنا
أنه ذمي وظننا أن أمانه يجوز لذمته منكم كما
يجوز أمان عبدكم وصغيركم قال لا أمان لهم وهم
فيء انتهى. فما ذكره المصنف من التفصيل هو
الذي اختاره
(4/561)
وإن أخذ مقبلا
بأرضهم وقال جئت أطلب الأمان أو بأرضنا وقال
ظننت أنكم لا تعرضون لتاجر أو بينهما رد
لمأمنه وإن قامت قرينة فعليها وإن رد بريح
فعلى أمانه حتى يصل
ـــــــ
محمد بن المواز وهو عكس ما اختاره اللخمي
وذكره في توضيحه والله أعلم. ص: "أو بأرضنا
وقال ظننت أنكم لا تعرضون لتاجر" ش: قال في
التوضيح ولا خلاف فيمن أتى تاجرا فيقول ظننت
أنكم لا تعرضون لتاجر أنه يقبل منه ويرد
لمأمنه انتهى. فحكاية الشارح فيه خلافا غير
ظاهر وإنما الخلاف فيما إذا وجد ببلد الإسلام
وقال جئت إلى الإسلام. وكذا إذا قال:
(4/562)
وإن مات عندنا
فماله فيء إن لم يكن معه وارث ولم يدخل على
التجهيز ولقاتله إن أسر ثم قتل وإلا أرسل مع
ديته لوارثه كوديعته وهل وإن قتل في معركة أو
فيء قولان
ـــــــ
جئت أطلب الفداء. ص: "وإن مات عندنا فماله فيء
إن لم يكن معه وارث أو لم يدخل على التجهيز"
ش: قوله معه يعني في بلدنا وإن لم يكن معه في
بلدنا فلا شيء له إلا أن يدخل مورثه على
التجهيز. قال في المدونة وإن مات عندنا حربي
مستأمن أو ترك مالا أو قتل فماله وديته تدفع
إلى من يرثه ببلده. ابن يونس وإنما يرد ماله
لورثته إذا مات عندنا إذا استؤمن على الرجوع
أو كان شأنهم الرجوع وأما لو استؤمن على
المقام أو كان ذلك شأنهم فإن ما ترك يكون
للمسلمين. وكذلك إذا استؤمن على الرجوع وطالت
إقامته عندنا يكون ماله للمسلمين فإذا لم يعرف
حالهم ولا ذكروا رجوعا فميراثه للمسلمين.
انتهى من أبي الحسن الصغير ص: "ولقاتله إن أسر
ثم قتل" ش: يعني أن القولين إنما هو إذا قتل
في المعركة قبل أن يؤسر وأما إن أسر ثم قتل
فإن وديعته لمن قتله. انظر التوضيح.
فرع: قال في المدونة ويعتق قاتله رقبة. قال
أبو الحسن إن كان قتله عمدا كان عتق الرقبة
مستحبا وإن كان خطأ كان واجبا انتهى. قال ابن
عرفة عبد الحق عن محمد ودية المستأمن خمسمائة
دينار. قال إنما ذكرته لأن لإسماعيل في ديته
غير ذلك والصواب الأول انتهى. ص: "وإلا أرسل
مع ديته لوارثه" ش: فإن لم يكن له ورثة فظاهر
نصوصهم بل صريحها أنه لا حق للمسلمين في ماله.
قال ابن ناجي على المدونة في شرح المسألة
المتقدمة:
(4/563)
وكره لغير
المالك اشتراء سلعه وفاتت به وبهبتهم لها
ـــــــ
قال ابن يونس وظاهر الكتاب تعين وارثه ببينة
مسلمين أو لا وهو كذلك انتهى. وقال ابن عبد
السلام وأما إن قدم لحاجة ثم يعود إلى بلاده
وهذا مراد المؤلف يعني ابن الحاجب بقوله وإن
كان على التجهيز فهذا لا حق للمسلمين في ماله
إن مات ولا فيه ولا في ديته إن قتل بل يبعث
بجميع ذلك إلى بلاده. قال المؤلف وفي رده إلى
حكامهم أو إلى ورثتهم قولان انتهى. ونقله في
التوضيح. ص: "كوديعته" ش: يعني أن المستأمن
إذا ترك وديعة وسافر إلى بلاده فإنها ترسل
إليه. قال ابن الحاجب ولو ترك المستأمن وديعة
فهي له. قال في التوضيح يعني ذهب إلى بلده
فإنها ترد إليه أو لورثته لقوله {إِنَّ
اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا
الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: من
الآية58] ص: "وهل وإن قتل في معركة أو فيء
قولان" ش: يعني وهل ترسل وديعة المستأمن
لورثته وإن قتل في محاربة المسلمين. وهو لابن
القاسم وأصبغ في الموازية وإنما يرسلها إذا
مات وأما إذا قتل في معركة فهي فيء فهو لابن
حبيب ونقل عن ابن القاسم وأصبغ أيضا. ص: "وكره
لغير المالك اشتراء سلعة وفاتت به وبهبتهم
لها" ش: يعني إذا قدم الكافر بسلع للمسلمين
وأتى بها ليبيعها فيكره لغير مالك تلك السلع
أن يشتريها منهم فإن باعها واشتراها مسلم
فإنها
(4/564)
وانتزع ما سرق
ثم عيد به لبلدنا على الأظهر
ـــــــ
تفوت باشترائه لها. وكذلك إذا قدموا بها
ووهبوها لمسلم فإنها تفوت بالهبة وهذا بخلاف
ما يبيعه أهل الحرب ببلدهم أو يهبونه فإن لربه
أن يأخذه في البيع بالثمن وفي الهبة بلا شيء
كما سيأتي. ونص عليه في المدونة قال فيها وإذا
دخلت دار الحرب بأمان فابتعت من يد حربي عبدا
لمسلم أسره أو أبق إليه أو وهبه الحربي لك
فكافأته عليه فلسيده أخذه بعد أن يدفع إليك ما
أديت من ثمن أو عرض وإن لم تثب واهبك أخذه ربه
بغير شيء وإن بعته أنت ثم جاء ربه مضى البيع
وإنما له أن يأخذ الثمن منك ويدفع إليك ما
أديت من ثمن أو عرض وإن لم تؤد عرضا فلا شيء
لك. قال غيره ينقض بيع الموهوب له ويأخذه ربه
بعد أن يدفع الثمن إلى المبتاع ويرجع به على
الموهوب له. قاله ابن القاسم. وأما إن نزل بنا
حربي بأمان ومعه عبيد لأهل الإسلام قد كان
أحرزهم فباعهم عندنا من مسلم أو ذمي لم يكن
لربهم أخذهم بالثمن إذا لم يكن يقدر أن يأخذهم
من بائعهم في عهده بخلاف بيع الحربي إياهم في
بلد الحرب لأن الحربي لو وهبهم في بلاد الحرب
من المسلم فقدم بهم كان لربهم أخذهم بغير
الثمن. وهذا الذي خرج بهم إلينا بأمان لو
وهبهم لأحد لم يأخذهم سيدهم على كل حال انتهى.
وقال قبله ابن القاسم وما أحرز أهل الشرك من
أموال المسلمين فأتوا به ليبيعوه لم أحب لأحد
أن يشتريه منهم انتهى. ثم قال أبو الحسن ابن
المواز واستحب غيره أن يشتري ما بأيديهم
للمسلمين ويأخذه ربه بالثمن
(4/565)
لا أحرار
مسلمون قدموا بهم وملك بإسلامه غير الحر
المسلم
ـــــــ
وقوله لم أحب على بابه أي ذلك مكروه ووجه
الكراهة فيه تسليطا لهم على أموال المسلمين
وأشلاءهم. وقيل لأن فيه تقوية لهم على
المسلمين. ورد بأنه يجوز إجماعا شراء أمتعتهم
وفيه تقوية لهم. انتهى بالمعنى. ثم قال أبو
الحسن في قوله إذا قدم الحربي بأمان وباع لم
يكن لربهم أخذهم. الشيخ وعلى قول محمد له أن
يأخذهم بالثمن على ما حكاه عن الغير. ثم قال
والفرق بين ما يشترى ببلد الحرب وبين ما اشتري
من الحربي إذا قدم بأمان أن ما اشتري من
الحربي في بلد الحرب ضعيف لأنه اشتري ممن لا
حرمة له ولهذا يأخذه ربه بالثمن والذي اشترى
من الحربي إذا قدم بأمان قوي لأنه اشترى ممن
له حرمة ولهذا لا يأخذه به بالثمن انتهى.
فرع: ولهذا يجوز شراء أولاد أهل الشرك منهم.
قاله في النوادر. ص: "غير الحر المسلم" ش:
وكذلك الفرس المحبس والأرض المحبسة وغيرها من
الأحباس وانظر فيما إذا وجد في
(4/566)
وفديت أم الولد
وعتق المدبر من ثلث سيده ومعتق لأجل بعده ولا
يتبعون بشيء ولا خيار للوارث وحد زان وسارق
وإن حيز المغنم
ـــــــ
الغنيمة فرس حبس والله أعلم. ص: "وفدية أم
الولد" ش: أي بقيمتها فإن كان سيدها معسرا
اتبع بالقيمة. ص: "وعتق المدبر من ثلث سيده
ومعتق لأجل بعده ولا يتبعون بشيء" ش: ذكر حكم
المدبر. والمعتق لأجل ولم يذكر حكم المكاتب
والحكم فيه أنه يبقى على كتابته يستوفيها الذي
أسلم فإن وفى خرج حرا وكان الولاء لسيده وإن
عجز رجع رقيقا للذي أسلم وهو في يده. ونقله
ابن عرفة وغيره. ص: "وحد زان وسارق وإن حيز
المغنم" ش: قال في كتاب العتق الثاني من
المدونة ومن أعتق عبدا من الغنيمة وله فيها
نصيب لم يجز عتقه وإن وطئ منها أمة حد وإن سرق
منها بعد أن تحرز قطع. قال غيره لا يحد للزنا
ويقطع إن سرق فوق حقه بثلاثة دراهم لأن حقه
فيها واجب موروث بخلاف حقه في بيت المال لأنه
لا يورث. قال أبو إسحاق التونسي في قوله ومن
وطئ جارية من الغنيمة حد لم يبين كان ذلك قبل
الإحراز أو بعده ويحتمل أن يكون أراد إذا كان
ذلك قبل الإحراز أن يحد أيضا لأنها وإن لم
تحرز فهي كالحربية يزنى بها. وقد قال ابن
القاسم إن من زنى بحربية أن عليه الحد. ويحتمل
أن لا يحد قبل الإحراز وهو الأشبه من أجل أنها
لم تملك بعد ولا حيزت عنه وقد تتلف فلا تكون
ملكا للمسلمين فيكون لدرء الحد وجه بالشبهة
وكلا الوجهين محتملان
(4/567)
ووقفت الأرض
كمصر والشام والعراق وخمس غيرها إن أوجف عليه
ـــــــ
والغير المخالف لابن القاسم في هذه المسألة هو
عبد الملك ذكر ابن المواز وهو الصحيح. وقد قال
أشهب كقول ابن القاسم ذكر ذلك سحنون ونقله أبو
الحسن. فظاهر المدونة الاحتمال الأول لأنه فصل
بين الزنا والسرقة ولأنه قال في كتاب القذف من
المدونة إن من زنا بحربية فعليه الحد كما نقله
أبو إسحاق ولأن المصنف سيقول في باب الزنا أو
ذات مغنم أو حربية ص: "وخمس غيرها إن أوجف
عليه" ش: قال ابن عرفة ما ملك من مال الكافر
غنيمة ومختص بآخذه وفيء الغنيمة ما كان بقتال
أو بحيث أن يقاتل عليه ولازمه تخميسه. اللخمي
ما انجلى عنه أهله بعد نزول الجيش في كونه
غنيمة أو فيئا قولان بناء على اعتبار سببية
الجيش أو عدم ممانعة العدو. وقال وقبل خروج
الجيش فيء. قلت: وبعده وقبل نزوله يتعارض فيه
مفهوم ما نقله. قال ويختلف في خراج أرضهم. ثم
قال والمختص بآخذه ما أخذ من مال حربي غير
مؤمن دون علمه أو كرها دون صلح ولا قتال مسلم
ولا قصده بخروج إليه مطلقا على رأي أو بزيادة
من أحرار الذكور البالغين على رأي كما لو هرب
به أسير أو تاجر أو من أسلم بدار الحرب وما
غنمه الذميون وفيما غنمه النساء والعبيد
والصبيان خلاف كما تقدم فلا يدخل الركاز
والفيء ما سواهما منه فيها خراج الأرضين
والجزية وما افتتح من أرض بصلح وخمس غنيمة أو
ركاز فيء. الشيخ زاد ابن حبيب وما صولح عليه
أهل الحرب وما أخذ من تجرهم وتجر الذميين.
قلت: وعزاه في باب آخر لمحمد عن ابن القاسم
انتهى.
فرع: قال في رسم جاع فباع امرأته من سماع عيسى
من كتاب الجهاد وسألته عن القوم يغنمون الرقيق
هل يشترى منهم وهم لم يؤدوا خمسا قال لا يشترى
منهم إذا لم يؤدوا خمسا.
قلت: وإن كانوا قوما صالحين لا يظن بهم أن
يحبسوا خمسا قال لا يشترى منهم إلا
(4/568)
فخراجها والخمس
والجزية لآله عليه الصلاة والسلام ثم للمصالح
وبدئ بمن فيهم المال ونقل للأحوج الأكثر
ـــــــ
أن يعلم حالهم أنهم يؤدون خمسا. قال ابن رشد
أما إذا كانوا قوما صالحين لا يظن بهم أنهم
يمنعون خمسا قال فلا وجه للمنع من الشراء منهم
وأما إذا لم يعلم حالهم فترك الشراء منهم هو
التورع وأما إذا علم أنهم يبيعون ولا يؤدون
الخمس فاختلف في جواز الشراء منهم فروى يحيى
بن عمر عن أبي مصعب أنه يشترى منهم وتوطأ
الأمة وإنما الخمس على البائع وعلى هذا يأتي
قول ابن حبيب في الوالي يعزل الظلمة من العمال
فيرهقهم ويعذبهم في غرم يغرمهم لنفسه أو ليرده
على أهله فيلجئهم إلى بيع أمتعتهم ورقيقهم أن
الشراء منهم جائز. وقيل الشراء منهم لا يجوز
إذا علم أنهم يبيعون ولا يؤدون الخمس لأنه بيع
عداء وهو قول سحنون. وعلى هذا يأتي قياس قول
ابن القاسم في رسم الجواب من سماع عيسى من
زكاة الماشية إن الصدقات والعشور لا يحل
الاشتراء منها إذا كانوا لا يضعون أثمانها في
مواضعها وهذا الاختلاف عندي إنما ينبغي أن
يكون إذا كانت الرقاب لا تنقسم أخماسا فكان
الواجب أن تباع ليخرج الخمس هن أثمانها وأما
إذا كانت تنقسم أخماسا فلم يخرجوا منها الخمس
وباعوها ليستأثروا بها فهم كمن تعدى على سلعة
لغيره فباعها فلا يجوز لمن علم ذلك شراؤها
انتهى. زاد في النوادر وعن أبي المصعب قيل إن
الخليفة منعهم أن يخمسوها في ذلك الموضع
(4/569)
ونفل منه السلب
لمصلحة
ـــــــ
قال لا أعرف هذا ولهم الشراء والوطء والخمس
على البائع. ثم قال في النوادر وقال سحنون في
قوم أسروا فقسموا الرقيق قبل أن يخمسوها
أيشترى منهم قال لا ولكن إذا أدوا الخمس في
مواضعه فهو جائز والشراء منهم حسن انتهى. ونقل
هذا الفرع في الذخيرة في آخر فصل الغلول والله
أعلم.
فرع: قال البرزلي في نوازل ابن الحاج إذا
افترق الجيش قبل قسم الغنيمة فإن الإمام يأخذ
خمسها ثم يحصي من حضر الغنيمة من الغزاة على
التحري والتخمين بأن يجمع أعيان أصحابه وشيوخ
عسكره ويقول لهم كم تقدرون الجيش الذي كان في
غزاة كذا فإن اتفقوا على تقديره بعدد ما قسم
أربعة أخماسه على ذلك وإن اختلفوا في التقدير
أخذ بما اتفقوا عليه من القدر وترك المختلف
فيه. ونزلت أيام المنصور فاستفتى ابن زرب
فأجابه بأن أمره راجع إلى اجتهاد الأمير لأنه
يعلم من حال الجيش ما لا يعلمه غيره. وقال
غيره إنه يوقف أنصباء الغيب بعد قسمه على نحو
ما ذكرته وفي جواب ابن زرب إجمال وتفسيره ما
قدمناه. قال البرزلي قلت: الموقوف حكمه حكم
اللقطة فإن مضت له سنة ولم يعلم له طالب جرى
على حكمها. وقد نص ابن مالك على ذلك في سماع
أشهب وقال فيمن أخذ كبة فوجد فيها بعد تفرق
الجيش حليا زنته سبعون مثقالا قال هو كاللقطة
تطيب له إذا جهل الجيش بعد المدة. ونزلت مسألة
وهي من يغزو مع الجيش أو السرية فيغنمون
الغنيمة ويعلم أنهم لا يتوصلون إلى حقوقهم
منها فهل يطيب له أن يخفى مقدار ما يحصل له لو
قسمت على وجهها فوقعت الفتيا أنه يتحرى عدد
الجيش ويخرج من الغنيمة الخمس ويقدر حقه
ويأخذه وكلما شك فيه طرحه. انتهى من باب
الجهاد والله أعلم. ص: "ونفل منه السلب
لمصلحه" ش: ليس النفل مقصورا على السلب. ابن
عبد السلام السلب نوع من النفل فإن شاء أعطاه
القاتل أو لم يعطه أو أعطاه بعضه خاصة انتهى.
وقوله لمصلحة يعني أن السلب إلى نظر الإمام
وكذلك المقدار الذي يعطيه لكنه لا يحكم في شيء
من ذلك برأيه ولا بالهوى فلا يعطي الجبان
ويحرم الشجاع ولا يعطي الشجاع فوق ما يستحقه.
قال ابن عبد السلام.
تنبيه: قال في التنبيهات النفل بفتح الفاء
وسكونها. وقال الفاكهاني النفل إسكان الفاء
(4/570)
ولم يجز إن لم
ينقض القتال من قتل قتيلا فله السلب ومضى
ـــــــ
وفتحها وهو زيادة السهم أو هبة لمن ليس من أهل
السهم يفعله الإمام بطريق الاجتهاد لحارس أو
لطليعة أو لنحو ذلك انتهى. وقال ابن عرفة
النفل ما يعطيه الإمام من خمس الغنمية مستحقها
لمصلحة انتهى. ص: "ولم يجز إن لم ينقض القتال
من قتل قتيلا فله السلب" ش: يعني ولم يجز قول
الإمام قبل أن ينقضي القتال من قتل قتيلا فله
سلبه.
فرع: قال سحنون وإن قال الإمام للسرية ما
غنمتم فلكم بلا خمس فهذا لم يمض عليه السلف
وإن كان فيه اختلاف فإن أبطله لأنه شاذ. انظر
ابن عبد السلام ص:
(4/571)
إن لم يبطله
قبل المغنم وللمسلم فقط سلب اعتيد لا سوار
وصليب وعين ودابة وإن لم
ـــــــ
"ولمسلم فقط سلب اعتيد" ش: ومنه الخاتم قاله
ابن عرفة. واحترز بالمسلم من الذمي وفهم من
لفظ المسلم أن المسألة لا شيء لها وهو المنصوص
ولو قاتلت المرأة.
فروع: الأول: قال ابن عرفة قلت: ويستحق سلبه
بقتله قبل كمال الاستيلاء عليه. ولذا قال
سحنون من أتى بعد ذلك بأسير للإمام فقتله لم
يستحق سلبه لأنه لم يقتله.
الثاني: قال ابن عرفة والشركة في موجب السلب
يوجبها فيه. سحنون من أنفذ مقتل علج وأجهز
عليه غيره فسلبه للأول ولو جرحه فلم ينفذ
مقتله فبينهما ولو تداعى قتله جارحه ومحترز
رأسه فبينهما انتهى. وانظره فإنه بحث في ذلك.
الثالث: قال ابن عرفة وسلب القتيل المستحق
سلبه إن ثبت أنه غصبه من مسلم أو استعاره من
مباح ماله فلقاتله وإلا فلربه كمسلم تاجر أو
رسول فإن كان من أسلم بدار الحرب فلقاتله على
قول ابن القاسم. ص: "وإن لم يسمع" ش: يعني ولو
لم يسمعه أحد فلغو. قاله ابن عرفة ونصه وشرط
استحقاق التنفيل لأمر يفعل سماع من يصدق عليه
بعض قول الإمام لقول ابن سحنون عنه من لم يسمع
قول الإمام من قتل قتيلا فله سلبه كما سمعته
ولو لم يسمعه أحد فلغو انتهى. ومنه لو دخل
عسكر ثان لم يسمعوا ما جعل للأول فلهم مثله إن
كان أمير العسكرين واحدا وانظر بقية فروعه
فيه. ص: "أو تعدد" ش: قال ابن عرفة ولو قال
(4/572)
يسمع أو تعدد
إن لم يقل قتيلا وإلا فالأول ولم يكن لكمرأة
إن لم تقاتل كالإمام إن لم يقل منكم أو يخص
نفسه وله البغلة إن قال على بغل لا إن كانت
بيد غلامه وقسم الأربعة لحر مسلم عاقل بالغ
حاضر كتاجر وأجير إن قاتلا أو خرج بنية غزو
ـــــــ
الإمام لعشرة هو أحدهم من قتل قتيلا فله سلبه
أو زاد منا فله إن قتل ثلاثة سلبهم كغيره من
العشرة. قلت: إذا كان من ضمه إليه ممن لا يتهم
في شهادته له أو إقرار له بدين في مرض أو ذي
خصوصية لا يشاركهم فيها غيرهم انتهى. ص: "وإلا
فالأول" ش: فإن جهل فقيل له نصفهما وقيل
أقلهما. قاله في التوضيح. ص: "أو يخص نفسه" ش:
قال ابن عرفة ولو خص نفسه لم يثبت له ولو قال
بعد ذلك منكم ولو عم بعد ذلك اندرج فلو قتل
قتيلا قبل تعميمه وآخر بعده استحق الثاني فقط.
ولو قال إذا قتلت قتيلا فلي سلبه ومن قتل منكم
قتيلا فله
(4/573)
لا ضدهم ولو
قاتلوا إلا الصبي ففيه إن أجيز وقاتل خلاف ولا
يرضخ لهم كميت قبل اللقاء وأعمى وأعرج وأشل
ومتخلف لحاجة إن لم تتعلق بالجيش
ـــــــ
سلبه فقتل الأمير قتيلين وقتل غيره قتيلين
فللأمير سلب قتيله الأول لا الثاني ولغيره
سلبا قتيليه لأن الأمير إنما خص نفسه بقتيل
واحد انتهى.
فرع: منه أيضا والقتل الموجب لما رتب عليه إن
ثبت بشاهدين فواضح وإلا فإن كان
(4/574)
وضال ببلدنا
وإن بريح بخلاف بلدهم ومريض شهد كفرس رهيص أو
مرض بعد أن أشرف على الغنيمة وإلا فقولان
ـــــــ
قول الإمام من قتل قتيلا له عليه بينة لم يثبت
دونها. الباجي ولا بشاهد ويمين لأن المثبت
القتل لا المال ولا يثبت القتل بيمين وإن لم
يقل ببينة ففي لزومها نقل الشيخ وقول الباجي
انظر بقيته فيه. وظاهر كلام القرطبي في شرح
مسلم إنه لم يقف على نص في المسألة لأنه قال
في شرح قوله صلى الله عليه وسلم "من قتل قتيلا
له عليه بينة" بعد أن ذكر اختلاف العلماء
ويتخرج على أصول المالكية في هذه المسألة ومن
قال بقوله أنه لا يحتاج الإمام إلى بينة لأنه
من الإمام ابتداء عطية فإن شرط فيها الشهادة
كان له وإن لم يشترط جاز أن يعطيه من غير
شهادة انتهى. وقال النووي فيه تصريح بالدلالة
لمذهب الشافعي والليث ومن وافقهما من المالكية
وغيرهم أن السلب لا يعطى إلا لمن له بينة ولا
قبل قوله بغير بينة. وقال مالك والأوزاعي
يعطاه بلا بينة انتهى. ص: "ومريض شهد كفرس
رهيص أو مرض بعد أن أشرف على الغنيمة وإلا
فقولان" ش: الصواب كما نقل ابن غازي بأو أعني
في قوله أو مرض والمسألة على خمس حالات الحالة
الأولى أن يخرج في الجيش وهو صحيح ولم يزل
كذلك حتى ابتدأ القتال فمرض وتمادى به المرض
إلى أن هزم العدو فإن مرضه لا يمنع سهمه على
المشهور وهو مراد
(4/575)
................................
ـــــــ
المؤلف بقوله ومريض شهد فإنه معطوف على ضال في
قوله "بخلاف بلدهم". والمعنى بخلاف الضال
ببلدهم فإنه يسهم له وكذلك المريض. الحالة
الثانية مثل الأولى إلا أنه لم يزل وهو صحيح
حتى قتل أكثر القتال ثم مرض وهذا له سهمه
باتفاق وهو مراد المؤلف بقوله أو مرض بعد أن
يشرف على الغنيمة. وهذه وإن كان يستغنى عنها
بالأولى لأنه يؤخذ حكمها منها بالأخروية
فذكرها المؤلف ليفرع عليها قوله "وإلا
فقولان". والظاهر في هذه أنه لا فرق بين أن
يكون قبل مرضه يقاتل أو كان حاضرا ولم يقاتل
لأن المقصود أنه طرأ عليه المانع بعد أن كان
خاليا عنه فإنه لا يشترط في الإسهام أن يقاتل.
الحالة الثالثة أن يخرج من بلد الإسلام مريضا
ولا يزال كذلك حتى ينقضي القتال. الحالة
الرابعة أن يخرج صحيحا ثم يمرض قبل أن يحصل في
حوز أهل الحرب. الحالة الخامسة أن يخرج صحيحا
ولا يزال كذلك ثم يمرض عند ما دخل بلاد الحرب
وقبل الملاقاة وفي الثلاث قولان بالإسهام
وعدمه وفي الثالثة ثالث. اللخمي يفصل بين من
له رأي وتدبير فيسهم له وبين من لا يكون كذلك
وهو مراد المؤلف بقوله "وإلا فقولان". واستظهر
ابن عبد السلام القول بالإسهام مطلقا إلا في
الثالثة. فاستظهر قول اللخمي. وإنما لم تدخل
في كلامه الحالة الرابعة كما فعل ابن غازي
وفعل المصنف في كلام ابن الحاجب وهي أن يخرج
صحيحا ويشهد القتال كذلك ثم يمرض قبل الإشراف
على الغنيمة لأن المصنف شهر في الحالة الأولى
أنه يسهم له فلا يمكن أن يجعل في هذه قولين
(4/576)
وللفرس مثلا
فارسه وإن بسفينة
ـــــــ
متساويين لأن هذه أحرى. لأن المانع في الأولى
حصل من أول القتال بخلاف هذه ولهذا لم يدخل
ابن عبد السلام قول في ابن الحاجب "وإلا
فقولان" غير الثلاث المذكورة وتبعه على ذلك
ابن فرحون. والفرق بين هذه الثلاث وبين الأولى
أن المانع فيهن أقوى من المانع فيها فلذلك كان
المشهور في تلك الأسهام وفي هذه الثلاثة
القولان متساويان وكلام البساطي بعيد جدا. ولا
يدخل في كلام المصنف ما إذا خرج مريضا ثم قبل
الدخول في بلاد الحرب أو بعد الدخول وقبل
القتال أو بعد القتال وقبل الإشراف على
الغنيمة وإن هذا يسهم له بلا كلام. وإنما لم
تدخل في قوله "وإلا فقولان" لأنه يتكلم في
حصول المانع لا في زواله. وانظر ابن عبد
السلام في جميع ما تقدم فإنه منقول منه بعضه
باللفظ وبعضه بالمعنى إلا شيئا يسيرا لا يحتاج
إلى نقل والله أعلم.
ص: "كفرس رهيص" ش: حين حصل الرهص عند ابتداء
القتال واستمر إلى انهزام العدو أو كان بعد
الإشراف على الغنيمة. ص: "وللفرس مثلا فارسه"
ش: هذا هو المذهب وعزا المصنف لابن وهب أنه
يسهم للفرس سهم واحد وتبع في ذلك ابن عبد
السلام وأنكر ابن عرفة وجوده واعترض على ابن
عبد السلام فقال حظ الفارس منها ثلاثة أمثال
الراجل للخبر والعمل وعللوه بكلفة نفسه وفرسه
وخادمه. ونقل ابن عبد السلام عن بعض المؤلفين
عن ابن وهب للفارس ضعف ما للراجل كقول أبي
حنيفة لا أعرفه بل نقل ابن رشد المذهب قائلا
اتفاقا. ونقل الشيخ عن ابن وهب إسناده حديث
حجة المذهب ولم يبين المصنف حكم الراجل لوضوح
ذلك وأنه كالفارس لأنه قد جعل للفرس حصة فساوى
الراكب الفارس. قال ابن الحاجب وللفرس سهمان
وللفارس سهم كالراجل. ص: "وإن بسفينة" ش:
وكذلك إن نزلوا عن الخيل وقاتلوا رجالة لو
عرفي في موضع القتال وما أشبه ذلك فإنه يسهم
للخيل. قاله ابن عبد السلام.
(4/577)
أو برذونا
وهجينا وصغيرا يقدر بها على الكر والفر
ـــــــ
فرع: قال في المدونة ولو ساروا رجالة ولبعضهم
خيل فغنموا وهم رجالة أعطي لمن كان له فرس
ثلاثة أسهم. قاله ابن عبد السلام. ولفظ
المدونة وإذا لقوا العدو في البحر ومعهم الخيل
في السفن أو ساروا رجالة ولبعضهم خيل فغنموا
وهم رجالة أعطي لمن له فرس ثلاثة أسهم انتهى
والله أعلم. ص: "أو برذونا وهجينا" ش: قال ابن
حبيب البراذين هي العظام قال الباجي يريد
الجافية الخلقة العظيمة الأعضاء. وقال غيره
البرذون ما كان أبواه قبطيين فإن كانت الأم
قبطية والأب عربيا كان هجينا وإن كان بالعكس
كان مقرفا ومنهم من عكس هذا. انتهى من ابن
غازي. والمقرف اسم فاعل من أقرف. قال في
الصحاح في فصل القاف من باب الفاء والمقرف
الذي دانى الهجنة من الفرس وغيره الذي أمه
عربية وأبوه ليس كذلك لأن الأقراف إنما هو من
قبل الفحل والهجنة من قبل الأم انتهى. قال ابن
بري في حاشيته على الصحاح والأقراف من قبل
الأب قالت هند:
وإن يك أقراف فمن قبل الفحل.
وقال في الصحاح في باب النون والهجنة في الناس
وفي الخيل وإنما تكون من قبل الأم فإن كان
الأب عتيقا والأم ليست كذلك كان الولد هجينا
والأقراف من قبل الأب انتهى. وقال في فصل
العين من باب الباء المعرب من الإبل الخيل
الذي ليس فيه عرق هجنة والأنثى معربة انتهى.
وقال في مختصر العين والهجين ابن الأمة والجمع
هجن انتهى. ص: "يقدر بها على الكر والفر" ش:
ظاهر كلام ابن الحاجب أن هذا خاص بالصغير وهو
خلاف ظاهر كلام ابن حبيب فظاهر كلامه أنه لا
يشترط مع ذلك إجازة الإمام أو نحوه ابن
(4/578)
ومريض رجي
ومحبس ومغصوب من الغنيمة أو من غير الجيش ومنه
لربه لا أعجف أو كبير لا ينتفع به
ـــــــ
حبيب وشرط في المدونة إجازة الإمام. قال
والبراذين إذا أجازها الإمام كانت كالخيل. أبو
الحسن معنى أجازها أنها تعرض عليه فإن كانت
كالخيل في جريها وسبقها أسهم لها انتهى. وقال
في الشامل وهل مطلقا أو إن أجازها الوالي وهو
ظاهرها خلاف انتهى. وقوله "ظاهرها" فيه مسامحة
بل نصها والله أعلم. ص: "ومحبس" ش: تصوره
ظاهر.
فرعان: الأول: في سهم الفرس المستعار هل هو
لربه أو للمستعير قولان الأول أحد قولي ابن
القاسم. والثاني لمالك وأحد قولي ابن القاسم.
الثاني: اختلف هل ما للفرس للفارس في الحقيقة
أوله وعليه قولان فقال في التوضيح عن المازري
ولو أن عبدا قاتل على فرس يسده فإن قلنا إن
السهمين للفرس كان ذلك لسيده وإن قلنا للفارس
فالعبد ممن لا سهم له. فهذه المسألة لا أعرف
فيها نصا وفيها نظر انتهى. وقال البساطي لا
يسهم له والله أعلم. ص: "ومنه لربه" ش: هذا
إذا لم يكن مع ربه سواه فإن كان معه فرسان
فغصب منه واحدة فقاتل عليها فله سهمه. قال ابن
عرفة من غصب فرسا لذي فرسين فسهماه لغاصبه
وعليه أجره انتهى. ص: "لا أعجف أو كبيرا
(4/579)
وبغل وبعير
وأتان والمشترك للمقاتل ودفع أجر شريكه
والمستند للجيش كهو وإلا فله
ـــــــ
لا ينتفع به" ش: قوله لا ينتفع به قيد فيهما.
قاله في التوضيح وجعل الشارح "لا" نافية للجنس
وليس كذلك وإنما هي عاطفة والله أعلم ص:
"وبغل" ش: ومثله الفيل قاله ابن عرفة ص:
(4/580)
................................
ـــــــ
................................
(4/581)
كمتلصص فيخمس
المسلم دون الذمي وفي العبد قولان
ـــــــ
................................
(4/582)
وخمس مسلم ولو
عبدا على الأصح لا ذمي ومن عمل سرجا أو سهما
والشأن القسم ببلدهم
ـــــــ
"ولو عبدا على الأصح" ش: قال في التوضيح قال
اللخمي واختلف فيما غنمه النساء والصبيان إذا
انفرد بالغنيمة هل يخمس أم لا وكأنه أشار إلى
تخريجه على ما انفرد به العبد. ولم يذكر
التونسي تخريجا ولا أشار إليه بل تردد رحمه
الله في ذلك قال ولا نعلم نص خلاف أنه يخمس ما
أصابوه من ركاز. انتهى ونقله ابن عرفة.
فرع: وهذا بخلاف ما لو أبق العبد بشيء من
أموال المسلمين فإنه له. قاله في سماع يحيى من
كتاب الجهاد.
فرع: فلو خرج عبد وحر أو ذمي ومسلم للتلصص فما
أخذه العبد والحر المسلمان يخمس ويقسم الباقي
بين الحر والعبد وما أخذه الذمي والمسلم يقسم
أولا بينهما ثم يخمس ما صار للمسلم قال ابن
رشد وإنما لم يكن للعبد والنصراني في الغنيمة
حق مع الأحرار المسلمين إذا غزوا معهم في
عسكرهم من أجل أنهم في حيز التبع لهم فإذا لم
يكونوا في حيز التبع لهم كان لهم حقهم من
الغنيمة. وكذلك إذا خرج العبد أو النصراني مع
الرجل أو مع الرجلين أو الثلاثة أو الأربعة
كان لكل واحد منهما سهمه انتهى. ص: "والشأن
القسم ببلدهم" ش: قال الجزولي ناقلا عن عبد
الوهاب وتركها إلى بلد الإسلام مكروه انتهى.
قال في التوضيح والمراد بالشأن السنة الماضية.
وقال أبو الحسن الشأن يحتمل أن يريد به العمل
(4/583)
وهل يبيع ليقسم
قولان وأفرد كل صنف إن أمكن على الأرجح وأخذ
معين وإن ذميا ما عرف له قبله مجانا
ـــــــ
ويحتمل أن يريد به أنه الوجه الصواب. ص: "وأخذ
معين وإن ذميا ما عرف له قبله مجانا" ش:
تنبيه: قال ابن الحاجب إذا ثبت أن في الغنيمة
مال مسلم أو ذمي قال في التوضيح أي ثبت بطريقه
الشرعي ثم قال ناقلا عن ابن عبد السلام قول
المصنف ثبت وشرط الثبوت مع العلم بعين المالك
مخالف لعبارة أهل المذهب في هذه المسألة وهي
قولهم فإن عرف ربه ولفظ الثبوت إنما يستعملونه
فيما هو سبب الاستحقاق كالشاهدين وما يقوم
مقامهما ولفظ المعرفة والاعتراف وشبههما
يستعملونه فيما دون ذلك وفيما يشمل البينة أو
ما دونها وفي كلام ابن عبيد والبرقي المتقدم
دليل على ذلك. ومنه استعمالهم لفظ المعرفة في
اللقطة ومعرفة العفاص والوكاء انتهى. وكلام
البرقي وأبي عبيد المشار إليه هو ما نصه من
التوضيح ونص البرقي وأبو عبيد على عدم قسمه
إذا عرف ذلك واحد من العسكر قالا وإن وجد
أحمال متاع وعليها مكتوب لفلان ابن فلان وعرف
البلد الذي اشترى منه كالكتان بمصر لم يجز
قسمه ووقف حتى يبعث إلى ذلك البلد ويكشف عمن
اسمه عليه فإن وجد من يعرفه وإلا
(4/584)
وحلف أنه ملكه
وحمل له إن كان خيرا وإلا بيع له ولم يمض قسمه
إلا لتأول على الأحسن
ـــــــ
قسم. انتهى ونحوه نقله ابن فرحون في شرحه ونقل
ابن عرفة في ذلك ثلاثة طرق ونصه وفي أخذه ربه
إن حضر بموجب الاستحقاق طرق مقتضى نقل اللخمي
عن المذهب ومحمد بعثه لربه الغائب عدم يمينه.
المازري كالاستحقاق في إثبات ملكه ويمينه. ابن
بشير في وقفه عليه وأخذه إياه بمجرد دعواه مع
يمينه قولا ابن شعبان والتخريج عن مالك
الغنيمة بالقسم لا قبله وفيها ما أدركه مسلم
أو ذمي من ماله قبل قسمه أخذه بغير شيء. وهذا
يبين لك الحق في نقول ابن عبد السلام عبارة
ابن الحاجب. وإذا ثبت أن في الغنيمة مخالفة
لعبارة أهل المذهب إن عرف ربه لأن لفظ الثبوت
إنما يستعمل فيما هو سبب للاستحقاق كالبينة
ولفظ المعرفة والاعتراف فيما دون ذلك اه. فقول
المصنف "عرف" يعني أنه عدل عن طريقة ابن
الحاجب. وقوله "وحمل له" يقتضي أنه ماش على
طريقة اللخمي. وقوله بعد ذلك "حلف" يقتضي أنه
(4/585)
لا إن لم يتعين
بخلاف اللقطة وبيعت خدمة معتق لأجل ومدبر
وكتابة لا أم ولد وله بعده أخذه بثمنه وبالأول
إن تعدد
ـــــــ
مشى على طريقة ابن بشير ويمكن أن يجمع بين
كلامه بأن يحمل قوله "وحلف أنه ملكه" على ما
إذا لم تكن إلا دعواه كما قال ابن بشير
فتأمله. ص: "وله بعده أخذه بثمنه" ش: قال
(4/586)
وأجبر في أم
الولد على الثمن واتبع به إن أعدم إلا أن تموت
هي أو سيدها وله فداء معتق لأجل ومدبر لحالهما
وتركهما مسلما لخدمتهما فإن مات سيد المدبر
قبل الاستيفاء فحر إن
ـــــــ
ابن الحاجب فإن ثبت بعد القسم فلمالكه إن شاء
أخذه بثمنه إن علم وإلا فبقيمته.قال في
(4/587)
حمله الثلث
واتبع بما بقي كمسلم أو ذمي قسما ولم يعذرا في
سكوتهما بأمر وإن حمل بعضه رق باقيه ولا خيار
للوارث بخلاف الجناية وإن أدى المكاتب ثمنه
فعلى حاله وإلا فقن أسلم أو فدي وعلى الآخذ إن
علم بملك معين:ترك تصرف ليخيره
ـــــــ
التوضيح له أخذه بالثمن أي بالقدر الذي قوم به
في الغنيمة. قال صاحب الاستذكار وغيره وسواء
دخله عند ربه زيادة أو نقص فإنه إنما يأخذه
بسبب قديم ثم قال وإن لم يعلم ذلك القدر أو لم
يشتره أخذه بالقيمة. ابن راشد وتكون القيمة
يوم القسمة وهو مقتضى كلامهم انتهى. ص: "وعلى
الآخذ إن علم بملك معين ترك تصرف ليخيره" ش:
يعني إن أخذ شيئا من أموال الكفار وعلم أنه
ملك لمعين مسلم أو ذمي قال في التوضيح وغيره
فعليه أن يترك التصرف فيه ليخير ربه فيه. وفهم
من قوله عليه أن ذلك واجب وهو الذي عليه أكثر
الروايات من المدونة. وهذا إذا كان أخذ من
المغانم أو اشتراه من بلاد الحرب وأما إن
اشتراه من بلاد
(4/588)
وإن تصرف مضى
كالمشتري من حربي باستيلاد إن لم يأخذه على
رده لربه وإلا فقولان
ـــــــ
الإسلام من حربي قدم بأمان فليس عليه ذلك لأنه
ليس لربه أخذه. قال في المدونة قيل فمن وقع في
سهمه من المغنم أمة أو ابتاعها من العدو الذين
أحرزوها هل يحل له وطؤها قال إن علم أنها
لمسلم فلا يطؤها حتى يعرضها عليه فيأخذها
بالثمن أو يدع وسواء اشتراها ببلد الحرب أو
ببلد الإسلام وكذلك إن كان عبدا فليعرضه على
سيده انتهى. قال أبو الحسن في الأمهات فلا يحل
وفي بعض الروايات فلا أحب. واختلف الشيوخ فيه
فمنهم من حمله على بابه ومنهم من قال معناه لا
يجوز لأنه فرج فيه خيار للغير فلا يحل. وقوله
"سواء اشتراها ببلد الحرب أو ببلد الإسلام"
ظاهره اشتراها في بلد الإسلام أو من المغنم أو
ممن اشتراها من حربي في دار الحرب أو اشتراها
من حربي دخل إلينا بأمان وليس كذلك وإنما
معناه إذا اشتراها في بلد الإسلام من المغنم
أو ممن اشتراها من حربي في دار الحرب وأما إن
اشتراها من حربي دخل إلينا بأمان فلا يأخذها
سيدها وقد قال ذلك فيما يأتي فحمل الكلام على
ظاهره يناقض ما يأتي انتهى. ونقل ابن عرفة عن
المدونة ما ظاهره أنه يخالف هذا فتأمله. وقول
الشيخ أبي الحسن "أو ممن اشتراها من حربي في
دار الحرب" فيه أيضا نظر لأنه قد نص أيضا في
المدونة على أن من اشترى شيئا من بلاد الحرب
ثم باعه فإنه يفوت ببيعه على ربه ولا يصير
لربه إلا الثمن. وقد تقدم لفظ المدونة فراجعه
والله أعلم. ص: "وإن تصرف مضى كالمشتري من
حربي باستيلاد" ش: قال ابن غازي يتعلق
باستيلاد بمضي فالعتق أحرى بخلاف البيع انتهى.
وقوله "بخلاف البيع" ليس بظاهر فقد قال ابن
يونس عقيب مسألة المدونة التي نقلها ابن غازي
ما نصه قال ابن القاسم وما وجده السيد قد فات
بعتق أو ولادة فلا سبيل له إليه ولا إلى رقه.
ابن يونس يريد وإن فاتوا ببيع مضى ذلك ولم يكن
له نقضه ولكن له أخذ الثمن الذي بيع به بعد أن
يدفع ما وقع به في المقاسم ويتفاضل انتهى.
ونقله أبو الحسن وانظر قول المصنف "وبالأول إن
تعدد". ص: "وإلا فقولان" ش: أي وإن دخل على
رده لربه فهل يمضي عتقه وهو قول القابسي وأبي
بكر بن عبد الرحمن أو
(4/589)
وفي
المؤجل:تردد ولمسلم أو ذمي: أخذ ما وهبوه
بدارهم مجانا وبعوض به إن لم يبع فيمضي
ولمالكه الثمن أو الزائد والأحسن في المفدي من
لص: أخذه بالفداء
ـــــــ
لا يمضي وهو قول ابن الحارث ص: "وفي المؤجل
تردد" ش: قال ابن عرفة الشيخ عن محمد عن ابن
القاسم الكتابة والتدبير كالعتق. اللخمي
المعتق لأجل كناجز. ابن بشير إجراؤه عليه بعيد
لتأخره. قلت: قول ابن القاسم في الكتابة
والتدبير كالعتق يرده فأتى قولها وقول ابن عبد
السلام انظر لو كاتبه عدم وقوفهم على قول ابن
القاسم في الكتابة والتدبير انتهى. وذكره في
التوضيح عن ابن بشير بعد قوله المتقدم فيقوي
الرد هنا انتهى. وإلى كلامه وكلام اللخمي أشار
بالتردد هنا. ص: "ولمسلم أو ذمي أخذ ما وهبوه
بدارهم مجانا وبعوض به إن لم يبع" ش: تقدم
الكلام على هذه المسألة والفرق بينها وبين
قوله فيما تقدم وكره لغير المالك اشتراء
(4/590)
وإن أسلم
لمعاوض مدبر ونحوه استوفيت خدمته ثم هل يتبع
إن عتق بالثمن أو بما بقي قولان وعبد الحربي
يسلم حر إن فر أو بقي حتى غنم لا إن خرج بعد
إسلام سيده أو بمجرد إسلامه وهدم السبي النكاح
إلا أن تسبى وتسلم بعده
ـــــــ
سلعة وفاتت به وبهبتهم لها في شرح هذه القولة
والله أعلم. وقوله به أي بذلك الثمن. قال في
التوضيح فإن كان عينا دفع مثله حيث لقيه أو
حاكمه وإن كان مثليا أو عرضا دفع إليه مثل ذلك
في بلد الحرب إن كان الوصول إليها ممكنا كمن
أسلف ذلك فلا يلزمه إلا مثله بموضع السلف إلا
أن يتراضيا على ما يجوز. ابن يونس عن بعض
شيوخه وإن كان لم يمكن الوصول إليها فعليه هنا
قيمة ذلك الكيل ببلد الحرب انتهى. ص: "ثم هل
يتبع إن
(4/591)
وولده وماله
فيء مطلقا لا ولد صغير لكتابية سبيت أو مسلمة
وهل كبار المسلمة فيء أو إن قاتلوا تأويلان
وولد الأمة لمالكها
ـــــــ
عتق بالثمن أو بما بقي قولان" ش: صدر ابن
الحاجب بأنه يتبعه بجميع الثمن وعطف الثاني
بقيل إلا أنه قال في التوضيح ظاهر كلام المصنف
أن اتباعه بالجميع هو المشهور ولم أر من شهره
انتهى. والفرق بين هذه وبين ما اشترى من
المقاسم أنه في المعاوضة ما دخل إلا على أن
الرقبة له بخلاف الذي بيع في المقاسم والله
أعلم.
(4/592)
فصل في عقد الجزية
عقد الجزية: إذن الإمام لكافر:صح سباؤه
ـــــــ
فصل
ص: "عقد الجزية إذن الإمام لكافر صح سباؤه" ش:
قال ابن عرفة الجزية حكمها الجواز المعروض
للترجيح وقد تتعين عند الحاجة إليها قبل
القدرة انتهى. وهذا الحكم ينتهي إلى نزول
السيد عيسى عليه السلام ثم لا يقبل إلا
الإيمان. قال الأبي عن القاضي عياض في قوله
صلى الله عليه وسلم "ويضع الجزية" أي لا
يقبلها الفيض المال وعدم النفع به حينئذ وإنما
يقبل الإيمان وقد يكون معنى وضعها ضربها على
جميع أهل الكفر لأن الحرب تضع حينئذ أوزارها
ولا يقاتله أحد انتهى.
فائدة: قال في فتح الباري قال العلماء الحكمة
في وضع الجزية أن الذل الذي يلحقهم يحملهم على
الدخول في الإسلام مع ما في مخالطة المسلمين
من الاطلاع على محاسن الإسلام. واختلف في سنة
مشروعيتها فقيل في سنة ثمان وقيل في ستة تسع
انتهى. والأصل فيها الآية الكريمة. ومما يدل
للحكمة المذكورة أنه لما حصل صلح الحديبية
وخالط المسلمون الكفار آمنين أسلم بسبب ذلك
خلق كثير كما قال ذلك أيضا في صلح الحديبية
ونصه ولقد دخل في تينك السنتين خلق كثير مثل
من كان في الإسلام قبل ذلك أو أكثر يعني من
صناديد قريش انتهى. وقوله "إذن الإمام" قال في
الذخيرة عن الجواهر ولو عقده مسلم بغير إذن
الإمام لم يصح لكن يمنع الاغتيال انتهى. وانظر
ما نقله البساطي عن الجواهر فإنه عكس هذا
والله أعلم. وقوله لكافر صح سباؤه ظاهر كلامه
أنه مشى على ظاهر كلام ابن الحاجب وأن المشهور
من المذهب أن الجزية تؤخذ من كل كافر يصح
سباؤه ولا يخرج من ذلك إلا المرتد. قال في
التوضيح وعلى هذا الظاهر مشاه ابن راشد وابن
عبد السلام. وذكر المازري أنه ظاهر المذهب كما
شهره المصنف. قال وحكى المصنفون في الخلاف من
أصحابنا وغيرهم أن مذهب مالك أنها تقبل إلا من
كفار قريش. ونقل صاحب المقدمات الإجماع على أن
كفار قريش لا تؤخذ منهم الجزية،
(4/593)
مكلف حر قادر
مخالط لم يعتقه مسلم سكنى غير مكة والمدينة
واليمن
ـــــــ
وذكر أن ابن الجهم نقل الإجماع أيضا. واختلف
في تعليل عدم أخذها من كفار قريش فعلله ابن
الجهم بأن ذلك إكراما لهم لمكانهم من النبي
صلى الله عليه وسلم وعلله القرويون بأن قريشا
أسلموا كلهم فإن وجد منهم كافر فمرتد فلا تؤخذ
منه. المازري وإن ثبتت الردة فلا يختلف في عدم
أخذها منهم انتهى. ونقل ابن عرفة فيمن تؤخذ
منهم الجزية طرقا فذكر طريق ابن رشد المتقدمة
ثم ذكر كلام اللخمي وابن بشير ثم قال وظاهر
نقليهما قريش كغيرها ثم قال لما حصل الأقوال
وخامسها إلا من قريش. واعتمد صاحب الشامل على
ما قاله صاحب المقدمات فقال إلا من مرتد وكافر
قريش انتهى. والسباء بالمد قاله في الصحاح وهو
الأسر. ص: "مخالط" ش: احترازا من راهب الصوامع
فلو ترهب بعد عقدها ففي سقوطها قولان لنقل
صاحب البيان عن ابن القاسم ولنقل اللخمي عن
مطرف وابن الماجشون نقله ابن الحاجب وصحح
الأول صاحب الشامل. ص: "لم يعتقه مسلم" ش: هذا
أحد الأقوال الثلاثة وقيل تؤخذ منه مطلقا وقيل
لا تؤخذ منه مطلقا. قال ابن رشد وهذا الخلاف
إنما هو فيمن أعتق ببلد الإسلام وأما من أعتق
بأرض الحرب فعليه الجزية بكل حال ونقله ابن
عرفة وصاحب التوضيح. ص: "بسكنى غير
(4/594)
ولهم الاجتياز
بمال للعنوي أربعة دنانير أو أربعون درهما في
سنة والظاهر آخرها
ـــــــ
مكة والمدينة واليمن" ش: وهذه جزيرة العرب.
قال في الذخيرة والجزيرة مأخوذة من الجزر وهو
القطع ومنه الجزار لقطعه أعضاء الحيوان
والجزيرة لانقطاع المياه عن وسطها إلى أجنابها
وجزيرة العرب قد احتف بها بحر القلزم من جهة
المغرب وبحر فارس من جهة المشرق وبحر الهند من
جهة الجنوب انتهى. وقال ابن عرفة وإنما قيل
لها جزيرة لانقطاع ما كان فائضا عليها من ماء
البحر انتهى. وقال القرطبي في سورة براءة وأما
جزيرة العرب وهي مكة والمدينة واليمامة واليمن
ومخاليفها. فقال مالك يخرج من هذه المواضع كل
من كان على غير الإسلام ولا يمنعون من التردد
بها مسافرين وكذلك قال الشافعي إلا أنه استثنى
من ذلك اليمن فيضرب لهم فيها ثلاثة أيام كما
ضرب لهم عمر حين أجلاهم ولا يدفنون فيها
ويلجؤن إلى الحل انتهى. وقال القرطبي المحدث
في شرح حديث ثمامة في كتاب الجهاد من مسلم
ومنع مالك رحمه الله دخول الكفار جميع المساجد
والحرم وهو قول عمر بن عبد العزيز وقتادة
والمزني انتهى. ولعله يريد بقوله يمنعون دخول
الحرم أي الإقامة ومفهوم كلام المصنف أن لهم
سكنى غير ذلك وهو صحيح لكنه يشترط أن يسكن حيث
يناله حكمنا لا ويسكن حيث يخشى منه أن ينكث
ويؤمر بالانتقال فإن أبوا قوتلوا.
فرع: قال في الذخيرة وللذمي أن ينقل جزيته من
بلد إلى بلد من بلاد الإسلام انتهى.
فرع: قال بعض المحققين إذا أسلم أهل جهة وخفنا
عليهم الارتداد إذا فقد الجيش فإنهم يؤخذون
بالانتقال. قاله ابن عبد السلام. وظاهر كلام
المصنف أن حكم العبيد حكم الأحرار في عدم
السكنى في جزيرة العرب وهو قول عيسى خلاف قول
ابن سيرين. قاله في التوضيح. ص: "ولهم
الاجتياز" ش: قال ابن عرفة وضرب لهم عمر ثلاثة
أيام يستوفون وينظرون في حوائجهم انتهى. وتقدم
نحوه في كلام القرطبي. ص: "بمال" ش: قال في
الجواهر فلو أقرهم من غير جزية أخطأ ويخيرون
بين الجزية والرد إلى المأمن. انتهى من
الذخيرة. ص: "للعنوي" ش: منسوب إلى العنوة.
قال في التنبيهات في كتاب التجارة لأرض الحرب
أرض العنوة بفتح العين التي غلب عليها قهرا
انتهى. ص: "والظاهر آخرها" ش: قال في التوضيح:
(4/595)
ونقص الفقير
بوسعه ولا يزاد وللصلحي ما شرط وإن أطلق
فكالأول والظاهر إن بذل الأول حرم قتاله مع
الإهانة عند أخذها وسقطتا بالإسلام
ـــــــ
قال صاحب المقدمات نقل عن بعض الأصحاب أن هذا
في العنوية وأما في الصلحية فتؤخذ معجلة لأنها
عوض عن حقن دمائهم ورد عليه ورأى أنه لا فرق
انتهى.
فرع: قال في التوضيح ومن بلغ منهم أخذت منه
الجزية عند بلوغه ولا ينتظر به الحول انتهى.
ص: "ونقص الفقير لوسعه" ش: قال ابن شاس قال
القاضي أبو الوليد من اجتمعت عليه جزية سنين
إن كان فر منها أخذت لماضي الأعوام وإن كان
لعسر لم تؤخذ منه. انتهى من ابن عرفة. زاد في
التوضيح ولا يطلب بها بعد غناه والله أعلم. ص:
"وإن أطلق فكالأول" ش: إذا وقع العقد فاسدا
فلا نقتلهم ونلحقهم بمأمنهم. انتهى من
الذخيرة. ص: "وسقطتا بالإسلام" ش: ولو كانت في
ذمته سنون متعددة قاله ابن الحاجب وغيره ص:
(4/596)
كأرزاق
المسلمين وإضافة المجتاز ثلاثا للظلم والعنوي
حر
ـــــــ
كأرزاق المسلمين" ش: قال ابن عرفة قال اللخمي
ولا أرى أن توضع عليهم اليوم بالمغرب لأنهم لا
جور عليهم. قلت: قل أن يكون وفاء غير عمر
كوفائه.
فرع: قال ابن عرفة ولا تثبت الجزية لمدعيها
إلا ببينة أو دليل لسماع سحنون ابن القاسم إن
أخذ يهود يتجرون مقبلين من أرض الشرك قالوا
نحن من جزيرة ملك الأندلس إن ثبت قولهم تركوا
وإلا فهم فيء فإن ثبت وادعوا على آخذيهم أخذ
مال لم يحلفوا إن كانوا صالحين مأمونين. قال
ابن رشد إنما كانوا فيئا إن عجزوا عن البينة
لدعواهم ما لا يشبه لإقبالهم من بلاد الشرك
ولو ادعوا ما يشبه لم يستباحوا وأسقط اليمين
عن المأمونين لأنها دعوى عداء والله أعلم. ص:
"والعنوي حر" ش: هذا قول ابن حبيب وشهره ابن
الحاجب قاله في التوضيح. ولم أر من صرح
بمشهوريته ثم قال ويشهد لتشهير المصنف ما قال
صاحب البيان وابن زرقون إن ظاهر المدونة في
باب الهبة لا يمنع أهل العنوة من الهبة
والصدقة إذا لم يفرق بين أهل العنوة والصلح
خلافا لابن حبيب انتهى. قلت: وما عزاه في
التوضيح لابن
(4/597)
وإن مات أو
أسلم فالأرض فقط للمسلمين وفي الصلح إن أجملت
فلهم أرضهم والوصية بمالهم وورثوها وإن فرقت
على الرقاب فهي لهم إلا أن يموت بلا وارث
فللمسلمين ووصيتهم
ـــــــ
حبيب أعني القول الذي مشى عليه المصنف عزاه
ابن عرفة لسماع عيسى ويحيى وعليه فلا يحل
النظر إلى شعور نسائهم ودية من قتل منهم
مائتان وخمسون وتجوز هبتهم وصدقتهم ولا يمنعون
من الوصية بجميع أموالهم إذا كان لهم وارث من
أهليهم. قاله ابن عرفة. ص: "وإن مات أو أسلم
فالأرض فقط للمسلمين" ش: تصوره ظاهر.
فرع: قال في التوضيح وكيف نعلم ورثته ونحن لا
نعلم مورثيهم روى يحيى عن ابن القاسم أن ذلك
راجع إلى أهل دينهم وأساقفتهم فمن قالوا يرثه
من ذوي رحم أو غيره أو امرأة سلم إليه وإن
قالوا لا وارث له فميراثه للمسلمين. ووجه ذلك
أن طريق ذلك الخبر كما ينفردون به من العلم
فيقبل قولهم كأخبارهم عما يعلمونه من الأدواء
وترجمتهم على الألسنة التي لا نعرفها. قاله
الباجي قال ابن راشد وأما العنوي فإن كان له
وارث ورثه
(4/598)
في الثلث وإن
فرقت عليها أو عليهما فلهم بيعها وخراجها على
البائع وللعنوي إحداث
ـــــــ
وسئل عن ذلك أساقفتهم وإن لم يكن له وارث
فماله لبيت المال والله أعلم. ص: "وإن فرقت
عليها أو عليهما فلهم بيعها وخراجها على
البائع" ش: هذا هو الوجه الثالث من أوجه الصلح
وما ذكره من أن لهم بيع الأرض هو أحد الأقوال
الثلاثة والثاني: أن البيع لا يجوز والثالث:
أنه يجوز والخراج على المشتري. زاد في
المقدمات ولا خلاف أنها تكون لهم وإن أسلموا
عليها وأنهم يرثونها بمنزلة سائر أموالهم
وقرابتهم من أهل دينهم أو المسلمين إن لم يكن
لهم قرابة. انتهى من الكبير. ص: "وللعنوي
إحداث الكنيسة إن شرط وإلا فلا" ش: مذهب ابن
القاسم على ما نقله ابن عرفة أن يترك لأهل
الذمة كنائسهم القديمة في بلد العنوة المقر
بها أهلها وفيما اختطه المسلمون فسكنوه معهم
وأنه لا يجوز إحداثها إلا أن يعطوا ذلك. وهذا
هو المأخوذ من المدونة في كتاب الجعل والإجارة
بعد تأمل كلامه وكلام شراحه. وقال عبد الملك
لا يجوز الإحداث مطلقا ولا يترك لهم كنيسة وهو
الذي نقله في الجواهر وهو
(4/599)
كنيسة إن شرط
وإلا فلا كرم المنهدم وللصلحي الإحداث وبيع
عرصتها أو حائط لا ببلد
ـــــــ
الذي رآه البساطي فاعترض على المؤلف فراجعه إن
شئت وعليه اقتصر في الإرشاد. ص: "وللصلحي
الإحداث" ش: قال في المدونة في كتاب الجعل
والإجارة ولهم أن يحدثوها أي الكنائس في بلد
صولحوا عليها انتهى. وقال ابن عرفة ويجوز أي
الاحداث لهم بأرض الصلح إن لم يكن بها معهم
مسلمون وإلا فعلى قول ابن القاسم وابن
الماجشون انتهى.
فرع: فإن أسلم الصلحي أو اشترى مسلم دارا في
مدينتهم أو قريتهم وقلنا يجوز لأهل الصلح
الإحداث فهل يجوز له أن يبيعهم داره أو يكريها
لهم ليعملوها كنيسة أو بيت نار قال في المدونة
في كتاب الجعل والإجارة إن ذلك لا يجوز.
فرع: مرتب قال ابن يونس واختلف شيوخنا كيف
الحكم إن نزل فقال بعضهم يتصدق بالثمن والكراء
وقال بعضهم يتصدق بفضلة هذا الثمن والكراء على
ثمن الدار وكرائها على أن لا تتخذ كنيسة. وقال
بعضهم أما في البيع فيتصدق بالفضلة كما ذكر
وأما في الكراء فيتصدق بالجملة وبه أقول انتهى
وهذا يأتي للمصنف إن شاء الله.
حكاية: قال المتيطي جاء في الخبر أن الوليد بن
عبد الملك هدم كنيسة للروم وكان أبوه عبد
الملك قد أذن لهم فيها ذلك فكتب ملكهم إلى
الوليد وهو يقول إن أباك قد أذن لنا في البناء
ذلك وأنت هدمتها فإما أن يكون أباك قد أصاب
وأخطأت
(4/600)
الإسلام إلا
لمفسدة أعظم ومنع ركوب الخيل والبغال والسروج
وجادة الطريق وألزم بلبس يميزه وعزر لترك
الزنار وظهور السكر ومعتقده وبسط لسانه وأريقت
الخمر وكسر
ـــــــ
أنت وإما أن تكون أصبت وأخطأ أبوك فأشكل على
الوليد الجواب وطلبه من أهل الفطنة حتى تكلم
فيه مع الفرزدق فقال له الجواب ما حكاه الله
في قصة سليمان وداود {وَكُلّاً آتَيْنَا
حُكْماً وَعِلْماً} [الانبياء: من
الآية79]الآية. فاستحسن الوليد هذا الجواب
وعلم فطنته وأتحفه بعطية. قال المشذالي حاصل
هذا الجواب أنا لا نسلم إلى انحصار القسمة في
إصابة أحدهما وخطأ الآخر حتى تكون من مادة
مانعة الجمع والخلو لجواز إصابتهما معا لنظر
ورأي رآه كل منهم. انتهى من كتاب الجعل
والإجارة والله أعلم. ص: "ومنع ركوب الخيل" ش:
نائب فاعل منع ضمير مستتر يعود إلى الذمي
المفهوم من قوله للعنوي والصلحي. وركوب الخيل
منصوب على أنه مفعول والله أعلم. ص: "وجادة
الطريق" ش: قال الشيخ زروق في شرح الإرشاد:
ولهم
(4/601)
الناقوس وينتقض
بقتال ومنع جزية وتمرد على الأحكام وبغصب حرة
مسلمة وغرورها وتطلعه على عورات المسلمين وسب
نبي بما لم يكفر به قالوا كليس بنبي أو لم
يرسل أو لم ينزل عليه قرآن أو تقوله أو عيسى
خلق محمدا أو مسكين محمد يخبركم أنه في الجنة
ماله لم ينفع نفسه حين أكلته الكلاب وقتل إن
لم يسلم وإن خرج لدار الحرب وأخذ استرق
ـــــــ
المشي على الجادة عند اختلائها وإلا فيضطرون
إلى أضيق الطريق انتهى. وفي الإرشاد ولا يكنون
ولا تتبع جنائزهم. قال في الشرح التكنية تعظيم
وإكرام فلذلك لا يكنون. وهل تكنيتهم بفلان
الدين كذلك أو لا لم أقف على شيء فيه والأشبه
المنع. وتشييع الجنائز
(4/602)
إن لم يظلم
وإلا فلا كمحاربته وإن ارتد جماعة وحاربوا
فكالمرتدين وللإمام المهادنة لمصلحة إن خلا عن
كشرط بقاء مسلم وإن بمال إلا لخوف
ـــــــ
إكرام ولو كان قريبا أو أبا أو ابنا. نعم
لوارثه إن لم يجد أحدا من أهل دينه انتهى. ص:
"وإن خلا عن كشرط بقاء مسلم" ش: يعني وفعله
النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الحديبية خاص
به لما
(4/603)
ولا حد وندب أن
لا تزيد على أربعة أشهر وإن استشعر خيانتهم
نبذه وأنذرهم ووجب الوفاء وإن برد رهائن ولو
أسلموا كمن أسلم وإن رسولا إن كان ذكرا
ـــــــ
علم في ذلك من الحكمة من حسن العاقبة. قاله
ابن العربي. ص: "ووجب الوفاء وإن برد رهائن
ولو أسلموا كمن سلم وإن رسولا إن كان ذكرا" ش:
قال ابن عرفة المازري لو
(4/604)
وفدي بالفيء ثم
بمال المسلمين ثم بماله ورجع
ـــــــ
تضمنت المهادنة أن يرد إليهم من جاءنا منهم
مسلما وفي لهم بذلك في الرجال لفعله صلى الله
عليه وسلم دون النساء لقوله تعالى {فَلا
تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة:
من الآية10] ابن شاس لا يحل شرط ذلك في رجال
ولا نساء فإن وقع لم يحل ردهما. قلت: مثله
لابن العربي فعله صلى الله عليه وسلم
(4/605)
بمثل المثلي
وقيمة غيره على الملي والمعدم إن لم يقصد صدقة
ولم يمكن الخلاص بدونه إلا محرما أو زوجا إن
عرفه أو عتق عليه إلا أن يأمره به
ـــــــ
خاص به لما علم فيه من الحكمة وحسن العاقبة.
ص: "والمعدوم" ش: قال ابن رشد في أول
(4/606)
ويلتزمه وقدم
على غيره ولو في غير ما بيده على العدد إن
جهلوا قدرهم والقول للأسير في الفداء أو بعضه
ولو لم يكن بيده وجاز بالأسرى المقاتلة
ـــــــ
سماع أشهب في شرح المسألة الثانية وأما من فدا
أسيرا لا مال له بغير أمره فالصحيح الذي يوجبه
النظر والقياس أنه ليس له أن يتبعه بما فداه
به لأن ذلك إنما يتعين على الإمام وجميع
(4/607)
والخمر
والخنزير على الأحسن ولا يرجع على مسلم وفي
الخيل وآلة الحرب قولان
ـــــــ
المسلمين وظاهر الروايات خلاف ذلك وهو بعيد
انتهى. ص: "ولا يرجع به على مسلم" ش: قال في
آخر شرح آخر مسألة من سماع أصبغ من فدا مسلما
بخمر أو خنزير أو ميتة فلا رجوع له عليه بشيء
من ذلك إلا أن يكون المعطي ذميا فليرجع عليه
بقيمة الخمر والخنزير والميتة إن كانت مما
يملكونها. قال سحنون في كتاب ابنه ومعناه إذا
فداه به من عنده وأما إن ابتاعه ليفديه به
فإنما يرجع عليه بالثمن الذي اشتراه به انتهى.
(4/608)
باب المسابقة
المسابقة: بجعل في الخيل والإبل وبينهما
والسهم إن صح بيعه
ـــــــ
فرع: قال المشذالي عن الوانوغي في باب الغصب
في شرح مسألة من غصب جارية ثم ماتت بعد أن
باعها الغاصب إن لربها عليه إجازة البيع وأخذ
الثمن الذي بيعت به ولا يستقر من هنا جواز
فداء الأسير بنصراني ميت لأنه إنما نظر هنا
إلى يوم العقد ولو نظر إلى يوم الإجازة وأجاز
لصح الأخذ والحكم فيه من غير هذا الموضع
الجواز. قلت: الذي نص عليه عياض المنع قال ما
نصه في تحريم بيع الميتة حجة على منع بيع جثة
الكافر إذا قتلناه من الكفار وافتدائهم منابه
وقد امتنع النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك.
انظر تمامه. ابن العربي إن النبي صلى الله
عليه وسلم أعطاه الكفار في جسد كافر استولى
المسلمون عليه عشرة آلاف وقال لا حاجة لنا
بجسده ولا بثمنه انتهى. وقال القرطبي في شرح
مسلم في تحريم بيع الميتة ومما لا يجوز بيعه
لأنه ميتة جسد الكافر وقد أعطى رسول الله صلى
الله عليه وسلم يوم الخندق في جسد نوفل بن عبد
الله المخزومي عشرة آلاف درهم فلم يأخذها
ودفعها إليهم وقال لا حاجة لنا بجسده ولا
بثمنه انتهى والله أعلم.
باب
ص: "المسابقة بجعل في الخيل والإبل وبينهما
والسهم" ش: ولا تجوز في غير هذه
(4/609)
عين المبدأ
والغاية والمركب
ـــــــ
الأشياء المذكورة من بغال أو حمير وكذلك الفيل
والبقر. قاله الجزولي في التقييد الصغير عن
عبد الوهاب. وعن الزناتي في شرح قول الرسالة
ولا بأس بالسبق في الخيل والإبل وبالسهام
بالرمي. وإنما قال ذلك لأنه من اللهو واللعب
فينبغي أن لا يشتغل بشيء منه لكن لما كانت هذه
الأشياء مما يستعان بها على الجهاد في سبيل
الله الذي هو طريق إلى إظهار دين الله ونصرته
جاز لما فيه من منفعة الدين وما يؤدي إلى
عبادة أو يستعان به في عبادة فهو عبادة. وقد
أثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على
المتصفين من الرجال بأوصاف الكمال إذ بالناس
حاجة إليه فقال من ركب وعام وخط وخاط ورمى
بالسهام فذلك نعم الغلام وقال كل لهو يلهوه
المؤمن فهو باطل إلا لهوه بفرسه أو قوسه أو
زوجته انتهى. ص: "وعين المبدأ والغاية" ش: قال
ابن عرفة ولا بأس أن يقدم أحدهما الآخر بقدر
من المسافة على أن يجريا معا أو إذا بلغ
(4/610)
والرامي وعدد
الإصابة ونوعها من خزق أو غيره وأخرجه متبرع
أو أحدهما فإن سبق غيره أخذه وإن سبق هو فلمن
حضر لا إن أخرجا ليأخذه السابق ولو بمحلل يمكن
سبقه
ـــــــ
المؤخر المقدم ثم قال ويجوز نصبهما أمينا يحكم
بالإصابة والخطأ. ص: "وأخرجه متبرع" ش: قال
الزناتي وهذا وعد يجب الوفاء به ويقضى عليه به
إن امتنع والله أعلم. ص: "أو أحدهما فإن سبق
غيره أخذه وإن سبق هو فلمن حضر" ش: الذي يفهم
من كلامه إنما هو حكم ما إذا كان السبق بين
اثنين وأما إذا كان بين جماعة فلا يفهم له
حكم. وحكمه أنه إن سبق غيره أخذه وإن سبق هو
كان للذي يليه وسواء شرطوا هذا على الوجه أو
لم يشرطوا. قاله في الجواهر وأما إن شرط صاحب
السبق أنه إن سبق أخذه فلا يجوز على المشهور.
قاله في الجواهر. وقال البساطي إنما فيه قول
بالكراهة. وقول بالإباحة ليس بظاهر بل نقل
المنع ابن عرفة ونقله في الجواهر وغيرها.
وقوله فلمن حضر يعني صدقة عليهم ويؤجر عليه
الذي أخرجه. وهل يأكل المخرج معهم منه فيه
قولان. قال بعض الشيوخ يؤخذ من الرسالة
الجواز. وقال بعضهم يؤخذ عدم جواز الأكل. وقال
بعضهم يحتمل ويحتمل. قاله الجزولي. وقال أيضا
نظر قوله لمن حضر هل من حضر العقد أو المسابقة
أو هما معا محل نظر. وانظر إذا لم يسبق أحد
أحدا بل استوى الجميع لمن يكون السبق. والظاهر
أنه يكون لمن حضر ولا يعود لصاحبه لأنه إذا لم
يعد إليه إذا سبق فأحرى إذا استوى مع غيره
وانظر لو لم يحضر أحد عندهما وسبق جاعل السبق
ما يفعل فيه والله أعلم. ص: "ولو بمحلل يمكن
سبقه" ش: أما إن
(4/611)
ولا يشترط
تعيين السهم والوتر وله ما شاء ولا معرفة
الجري والراكب ولم يحمل صبي ولا استواء الجعل
أو موضع الإصابة أو تساويهما
ـــــــ
لم يكن سبقه فلا قائل بالجواز لأنه قمار وسمي
محللا لأنه أجاز هذا الفعل لأن دخوله يدل على
أنهما لم يقصدا القمار وإنما قصدا القوة على
الجهاد. قال الجزولي في الكبير. وعلى قول ابن
المسيب أنه يجوز مع المحلل لو استوى الثلاثة
في الوصول إلى الغاية أخذ كل واحد من
المتسابقين جعله ولا شيء للمحلل وإن سبق أحد
المتسابقين أخذ الجميع وكذلك إن سبق المحلل
أخذ الجميع وإن سبق المتسابقان دون المحلل أخذ
كل واحد جعله وإن سبق أحدهما مع المحلل أخذ
السابق منهما جعله وقسم جعل المسبوق بينه وبين
المحلل نصفين. انتهى بالمعنى من الجزولي
والشيخ يوسف بن عمر.
فرع: واختلف بماذا يكون السابق سابقا. فقيل إن
سبق بأذنيه وقيل إن سبق بصدره. قال الجزولي في
الصغير وهذان القولان حكاهما في الاستظهار.
وقيل حتى يكون رأس الثاني عند مؤخر الأول.
ونقله في الكبير ولم يعزه وكذلك الشيخ يوسف بن
عمر. ص: "ولا معرفة الجري" ش: بل يشترط أن
يجهل كل واحد جري فرس صاحبه. قال القرطبي في
شرح
(4/612)
وإن عرض للسهم
عارض أو انكسر أو للفرس ضرب وجه أو نزع سوط لم
يكن مسبوقا بخلاف تضييع السوط أو حرن الفرس
وجاز فيما عداه مجانا
ـــــــ
مسلم ومن شرط جوازها أن تكون الخيل متقاربة في
النوع والحال فمتى علم حال أحدهما أو كان مع
غير نوعه كان السبق قمارا باتفاق انتهى. ص:
"وإن حصل للسهم عارض" ش: قال ابن عرفة ومن
عاقه الرمي لفساد بعض آلته انتظره مناضله
لتلافيه على ما عرف دون طول فإن انقطع وتره
ومعه آخر يبعد من وتره في الرقة والغلظ لم
يلزمه الرمي به إلا أن يقاربه وكذلك السهم
انتهى. وقال ويرتفع لزوم الرمي بالغروب ولو
كان في أثناء وجه ولو رميا بعد الغروب لزم
تمام الرمي والمطر وعاصف الريح يرفعه انتهى.
ص: "وجاز فيما عداه مجانا" ش:
(4/613)
والافتخار عند
الرمي والرجز والتسمية والصياح والأحب ذكر
الله تعالى لا حديث الرامي ولزم العقد
كالإجارة.
ـــــــ
بشرط أن يكون فيه منفعة للجهاد قاله في
الجواهر.
فرع: قال الزناتي واختلف فيمن تطوع بإخراج شيء
للمصارعين وللمتسابقين على أرجلهما أو على
حماريهما أو على غير ذلك مما لم ترد به سنة
بالجواز والكراهة ص: "ولزم العقد كالإجارة" ش:
قال ابن عرفة ولو سلم أحدهما للآخر أنه نضله
فإن كان قبل رمي ما يتبين بمثله أنه منضول
فليس على مناضله قبول ذلك وكأنه ذكره أن يسمى
منضولا وإن كان بعد تبين كونه منضولا جاز إن
قبله الآخر ويمنع من شرط أن من ترك الرمي
اختيارا فهو منضول انتهى. وقد استوفى في ابن
عرفة غالب فروع هذا الباب والله أعلم.
(4/614)
|