نيل
الأوطار شرح منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار ط مكتبة الدعوة
الإسلامية ج / 4 ص -264-
كتاب الاعتكاف.
1 - عن عائشة قالت: "كان رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وآله وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان
حتى توفاه اللَّه عز وجل".
2 - وعن ابن عمر قال:
"كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم
يعتكف العشر الأواخر من رمضان". - متفق
عليهما. ولمسلم: "قال نافع: وقد أراني عبد
اللَّه المكان الذي كان يعتكف فيه رسول اللَّه
صلى اللَّه عليه وآله وسلم".
3 - وعن أنس قال: "كان
النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يعتكف العشر
الأواخر من رمضان فلم يعتكف عاماً فلما كان في
العام المقبل اعتكف عشرين". - رواه أحمد
والترمذي وصححه. ولأحمد وأبي داود وابن ماجه
هذا المعنى من رواية أُبيِّ بن كعب.
- هذه الأحاديث فيها
دليل على مشروعية الاعتكاف وهو متفق عليه كما
قال النووي وغيره. قال مالك: فكرت في الاعتكاف
وترك الصحابة له مع شدة إتباعهم للأثر فوقع في
نفسي أنه كالوصال وأراهم تركوه لشدته ولم
يبلغني عن أحد من السلف أنه اعتكف إلا عن أبي
بكر بن عبد الرحمن انتهى.
ومن كلام مالك هذا أخذ
بعض أصحابه أن الاعتكاف جائز وأنكر ذلك عليهم
ابن العربي وقال: إنه سنة مؤكدة وكذا قال ابن
بطال في مواظبة النبي صلى اللَّه عليه وآله
وسلم ما يدل على تأكده. وقال أبو داود عن أحمد
لا أعلم عن أحد من العلماء خلافاً أنه مسنون
وتعقب الحافظ في الفتح قول مالك أنه لم يعتكف
من السلف إلا أبو بكر بن عبد الرحمن وقال لعله
أراد صفة مخصوصة وإلا فقد حكي عن غير واحد من
الصحابة أنه اعتكف.
"واعلم" أنه لا خلاف في
عدم وجوب الاعتكاف إلا إذا نذر به.
قوله: "يعتكف" الاعتكاف
في اللغة هو الحبس واللزوم والمكث والاستقامة
والاستدارة قال العجاج:
فهن يعكفن به إذا حجا *
عكف النبيط يلعبون الفنزجا.
والنبيط قوم من العجم
والفنزج بالفاء والنون والزاي والجيم لعبة
للعجم يأخذ كل واحد منهم بيد صاحبه ويستديرون
راقصين وقوله "حجا" أي أقام بالمكان. وفي
الشرع المكث في المسجد من شخص مخصوص بصفة
مخصوصة.
قوله: "العشر الأواخر من
رمضان" فيه دليل على استحباب مداومة الاعتكاف
في العشر الأواخر من رمضان لتخصيصه صلى اللَّه
عليه وآله وسلم ذلك الوقت بالمداومة على
اعتكافه.
قوله: "اعتكف عشرين" فيه
دليل على أن من اعتاد اعتكاف أيام ثم لم يمكنه
أن يعتكفها أنه يستحب له قضاؤها وسيأتي أن
النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم اعتكف لما لم
يعتكف العشر الأواخر من رمضان العشر الأواخر
من شوال.
4 - وعن عائشة قالت:
"كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم
إذا أراد أن يعتكف
ج / 4 ص -265-
صلى الفجر ثم دخل معتكفه وأنه أمر بخباء
فضرب لما أراد الاعتكاف في العشر الأواخر من
رمضان فأمرت زينب بخبائها فضرب وأمرت غيرها من
أزواج النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم
بخبائها فضرب فلما صلى رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وآله وسلم الفجر نظر فإذا الأخبية فقال:
آلبر يردن فأمر بخبائه فقوض وترك الاعتكاف في
شهر رمضان حتى اعتكف في العشر الأواخر من
شوال". - رواه الجماعة إلا الترمذي لكن له
منه: "كان إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل
معتكفه". - قوله: "صلى الفجر ثم دخل معتكفه"
استدل به على أن أول وقت الاعتكاف من أول
النهار وبه قال الأوزاعي والليث والثوري. وقال
الأئمة الأربعة وطائفة: يدخل قبيل غروب الشمس
وأولوا الحديث على أنه دخل من أول الليل ولكن
إنما يخلو بنفسه في المكان الذي أعده للاعتكاف
بعد صلاة الصبح.
قوله: "بخباء" بخاء
معجمة ثم باء موحدة.
قوله: "وأمرت غيرها" الخ
هذا يقتضي تعميم الأزواج وليس كذلك وقد فسر
قوله من أزواج النبي صلى اللَّه عليه وآله
وسلم بعائشة وحفصة وزينب فقط ويؤيد ذلك ما وقع
في رواية للبخاري بلفظ: "أربع قباب" وفي رواية
للنسائي: "فلما صلى الصبح إذا هو بأربعة أبنية
قال لمن هذه قالوا لعائشة وحفصة وزينب" الحديث
والرابع خباؤه صلى اللَّه عليه وآله وسلم.
قوله: "آلبر" بهمزة
استفهام ممدودة وبغير مد وبنصب الراء.
قوله: "يردن" بضم أوله
وكسر الراء وسكون الدال ثم نون النسوة. وفي
رواية للبخاري: "انزعوها فلا أراها".
قوله: "فقوض" بضم القاف
"ص 356" وتشديد الواو المكسورة بعدها ضاد
معجمة أي نقض.
قوله: "وترك الاعتكاف"
كان الحامل له صلى اللَّه عليه وآله وسلم على
ذلك خشية أن يكون الحامل للزوجات المباهاة
والتنافس الناشيء عن الغيرة حرصاً على القرب
منه خاصة فيخرج الاعتكاف عن موضوعه أو الحامل
له على ذلك أن يكون باعتبار اجتماع النسوة
عنده يصير كالجالس في بيته وربما يشغله ذلك عن
التخلي لما قصد من العبادة فيفوت مقصوده
بالاعتكاف.
قوله: "في العشر الأواخر
من شوال" في رواية في البخاري: "حتى اعتكف في
العشر الأول من شوال" ويجمع بينه وبين الرواية
الأولى بأن المراد بقوله في العشر الأواخر من
شوال انتهاء اعتكافه. قال الإسماعيلي: فيه
دليل على جواز الاعتكاف بغير صوم لأن أول شوال
يوم الفطر وصومه حرام وسيأتي الكلام عليه.
وقال غيره: في اعتكافه في شوال دليل على أن
النوافل المعتادة إذا فاتت تقضى.
قال المصنف رحمه اللَّه
تعالى: وفيه أن النذر لا يلزم بمجرد النية وأن
السنن تقضى وأن للمعتكف أن يلزم من المسجد
مكاناً بعينه وأن من التزم اعتكاف أيام معينة
لم يلزمه أول ليلة لها انتهى.
"واستدل" به أيضاً على
جواز الخروج من العبادة بعد الدخول فيها وأجيب
عن ذلك بأنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم لم
يدخل المعتكف ولا شرع في الاعتكاف وإنما همَّ
به ثم عرض له المانع المذكور فتركه فيكون
دليلاً على جواز ترك
ج / 4 ص -266-
العبادة إذا لم يحصل إلا مجرد النية كما قال
المصنف.
5 - وعن نافع عن ابن عمر: "أن النبي صلى
اللَّه عليه وآله وسلم كان إذا اعتكف طرح له
فراشه أو يوضع له سريره وراء اسطوانة
التوبة". - رواه ابن ماجه.
- الحديث رجال إسناده في سنن ابن ماجه ثقات.
وقد ذكره الحافظ في الفتح عن نافع أن ابن عمر
كان إذا اعتكف الخ ولم يذكر أنه مرفوع. وفي
صحيح مسلم عن نافع أنه قال وقد أراني عبد
اللَّه بن عمر المكان الذي كان رسول اللَّه
صلى اللَّه عليه وآله وسلم يعتكف فيه من
المسجد.
"وفيه دليل" على جواز طرح الفراش ووضع السرير
للمعتكف في المسجد وعلى جواز الوقوف في مكان
معين من المسجد في الاعتكاف فيكون مخصصاً
للنهي عن إيطان المكان في المسجد يعني ملازمته
وقد تقدم الحديث في الصلاة.
6 - وعن عائشة: "أنها كانت ترجل النبي صلى
اللَّه عليه وآله وسلم وهي حائض وهو معتكف في
المسجد وهي في حجرتها يناولها رأسه وكان لا
يدخل البيت إلا "ص 357" لحاجة الإنسان إذا كان
معتكفاً".
7 - وعنها أيضاً قالت: "إن كنت لأدخل البيت
للحاجة والمريض فيه فما أسأل عنه إلا وأنا
مارة".
8 - وعن صفية بنت حيي قالت: "كان رسول اللَّه
صلى اللَّه عليه وآله وسلم معتكفاً فأتيته
أزوره ليلاً فحدثته ثم قمت لأنقلب فقام معي
ليقلبني وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد". -
متفق عليهن.
- قوله: "ترجل" الترجيل بالجيم المشط والدهن
فيه دليل على أنه يجوز للمعتكف التنظيف والطيب
والغسل والحلق والتزيين إلحاقاً بالترجيل.
والجمهور على أنه لا يكره فيه إلا ما يكره في
المسجد وعن مالك يكره الصنائع والحرف حتى طلب
العلم وفيه دليل على أن من أخرج بعض بدنه من
المسجد لم يكن ذلك قادحاً في صحة الاعتكاف.
قوله: "إلا لحاجة الإنسان" فسرها الزهري
بالبول والغائط وقد وقع الإجماع على
استثنائهما واختلفوا في غيرهما من الحاجات
كالأكل والشرب ويلحق بالبول والغائط القيء
والفصد والحجامة لمن احتاج إلى ذلك وسيأتي
الكلام على الخروج للحاجات ولغيرها.
قوله: "فما أسأل عنه" سيأتي الكلام على الخروج
لزيارة المريض.
قوله: "ثم قمت لأنقلب" أي ترجع إلى بيتها.
قوله: "لقلبني" بفتح أوله وسكون القاف أي
يردها إلى منزلها.
"وفيه دليل" على جواز خروج المعتكف من مسجد
اعتكافه لتشييع الزائر.
قوله: "في دار أسامة بن زيد" أي التي صارت له
بعد ذلك لأن أسامة إذ ذاك ليس له دار مستقلة
بحيث يسكن فيها صفية وكانت بيوت أزواج النبي
صلى اللَّه عليه وآله وسلم حوالي أبواب
المسجد.
ج / 4 ص -267-
9 - وعن عائشة قالت: "كان النبي صلى اللَّه
عليه وآله وسلم يمر بالمريض وهو معتكف فيمر
كما هو ولا يعرج يسأل عنه". - رواه أبو داود.
10 - وعن عائشة قالت:
"السنة على المعتكف أن لا يعود مريضاً ولا
يشهد جنازة ولا يمس امرأة ولا يباشرها ولا
يخرج لحاجة إلا لما لا بد منه ولا اعتكاف إلا
بصوم ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع". - رواه
أبو داود.
- الحديث الأول في
إسناده ليث بن أبي سليم وفيه مقال. قال
الحافظ: والصحيح عن عائشة من فعلها أخرجه مسلم
وغيره وقال صح ذلك عن علي عليه السلام.
والحديث الثاني أخرجه
أيضاً النسائي وليس فيه قالت السنة. وأخرجه
أيضاً من حديث مالك وليس فيه ذلك. قال أبو
داود: غير عبد الرحمن بن إسحاق لا يقول " فيه
قالت السنة. وجزم الدارقطني بأن القدر الذي من
حديث عائشة قولها لا يخرج وما عداه ممن دونها
انتهى. وكذلك رجح البيهقي ذكره ابن كثير في
الإرشاد. وعبد الرحمن بن إسحاق هذا هو القرشي
المدني يقال له عباد قد أخرج له مسلم في صحيحه
ووثقه يحيى بن معين وأثنى عليه غيره وتكلم فيه
بعضهم.
"الحديثان" استدل بهما
على أنه لا يجوز للمعتكف أن يخرج من معتكفه
لعيادة المريض ولا لما يماثلها من القرب
كتشييع الجنازة وصلاة الجمعة. قال في الفتح:
وروينا عن علي عليه السلام والنخعي والحسن
البصري إن شهد المعتكف جنازة أو عاد مريضاً أو
خرج للجمعة بطل اعتكافه وبه قال الكوفيون وابن
المنذر في الجمعة. وقال الثوري والشافعي
وإسحاق: إن شرط شيئاً من ذلك في ابتداء
اعتكافه لم يبطل اعتكافه بفعله وهو رواية عن
أحمد انتهى.
وعند الهادوية أنه يجوز
الخروج لتلك الأمور ونحوها ولكن في وسط النهار
قياساً على الحاجة المذكورة في حديث عائشة
المتقدم وهو فاسد الاعتبار لأنه في مقابلة
النص.
قوله: "ولا يمس امرأة
ولا يباشرها" المراد بالمباشرة هنا الجماع
بقرينة ذكر المس قبلها. وقد نقل ابن المنذر
الإجماع على ذلك ويؤيده ما روى الطبري وغيره
من طريق قتادة في سبب نزول الآية يعني قوله
تعالى
{وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} أنهم كانوا إذا اعتكفوا فخرج رجل لحاجته فلقي امرأته جامعها إن شاء
فنزلت.
قوله: "ولا يخرج لحاجة
إلا لما لا بد منه" فيه دليل على المنع من
الخروج لكل حاجة من غير فرق بين ما كان مباحاً
أو قربة أو غيرهما إلا الذي لا بد منه كالخروج
لقضاء الحاجة وما في حكمها.
قوله: "ولا اعتكاف إلا
بصوم" فيه دليل على أنه لا يصح الاعتكاف إلا
بصوم وأنه شرط حكاه في البحر عن العترة جميعاً
وابن عباس وابن عمر ومالك والأوزاعي والثوري
وأبي حنيفة وحكى في البحر أيضاً عن ابن مسعود
والحسن البصري والشافعي وأحمد وإسحاق أنه ليس
بشرط قالوا يصح اعتكاف ساعة واحدة ولحظة واحدة
واستدلوا بما تقدم من أنه صلى اللَّه عليه
وآله وسلم اعتكف العشر الأول من شوال ومن
جملتها
ج / 4 ص -268-
يوم الفطر.
وبحديث عمر الآتي
وأجابوا عن حديث عائشة المذكور في الباب بما
تقدم من الكلام عليه وهذا هو الحق لا كما قال
ابن القيم أن الراجح الذي عليه جمهور السلف أن
الصوم شرط في الاعتكاف. وقد روي عن علي وابن
مسعود أنه ليس على المعتكف صوم إلا أن يوجبه
على نفسه ويدل على ذلك "ص 359" حديث ابن عباس
الآتي ويؤيد قول من قال بجواز الاعتكاف ساعة
أو لحظة حديث:
"من اعتكف فواق ناقة فكأنما أعتق نسمة" رواه العقيلي في الضعفاء من حديث عائشة وأنس. قال في البدر المنير:
هذا حديث غريب لا أعرفه بعد البحث الشديد عنه.
وقال الحافظ: هو منكر ولكنه أخرجه الطبراني في
الأوسط قال الحافظ: لم أر في إسناده ضعفاً إلا
أن فيه وجادة وفي المتن نكارة شديدة وذهبت
العترة وأبو حنيفة إلى أن أقل مدة الاعتكاف
يوم.
قوله: "ولا اعتكاف إلا
في مسجد جامع" فيه دليل على أن المسجد شرط
للاعتكاف. قال في الفتح: واتفق العلماء على
مشروطية المسجد للاعتكاف إلا محمد بن عمر بن
لبابة المالكي فأجازه في كل مكان وأجاز
الحنفية للمرأة أن تعتكف في مسجد بيتها وهو
المكان المعد للصلاة. وفيه قول للشافعي قديم
وفي وجه لأصحابه وللمالكية يجوز للرجال
والنساء لأن التطوع في البيوت أفضل وذهب أبو
حنيفة وأحمد إلى اختصاصه بالمساجد التي تقام
فيها الصلوات وخصه أبو يوسف بالواجب منه وأما
النفل ففي كل مسجد وقال الجمهور بعمومه في كل
مسجد انتهى كلام الفتح. وسيأتي قول من قال أنه
يختص بالمساجد الثلاثة.
11 - وعن ابن عمر: "أن
عمر سأل النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال:
كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد
الحرام قال:
فأوف بنذرك". -
متفق عليه. وزاد البخاري: "فاعتكف ليلة".
12 - وعن ابن عباس: "أن
النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال:
ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه". - رواه الدارقطني وقال رفعه أبو بكر السوسي وغيره لا يرفعه.
- الحديث الثاني رجح
الدارقطني والبيهقي وقفه وأخرجه الحاكم
مرفوعاً وقال صحيح الإسناد.
قوله: "إن عمر سأل" لم
يذكر مكان السؤال. وفي رواية للبخاري أن ذلك
كان بالجعرانة لما رجعوا من حنين ويستفاد منه
الرد على من زعم أن اعتكاف عمر كان قبل المنع
من الصيام في الليل لأن غزوة حنين متأخرة عن
ذلك.
قوله: "نذرت في
الجاهلية" زاد مسلم: فلما أسلمت سألت وفي ذلك
رد على من زعم أن المراد بالجاهلية ما قبل فتح
مكة وأنه إنما نذر في الإسلام وأصرح من ذلك ما
أخرجه الدارقطني بلفظ: نذر أن يعتكف في الشرك.
قوله: "أن اعتكف ليلة"
استدل به على جواز الاعتكاف يغير صوم لأن
الليل ليس بوقت صوم وقد أمره صلى اللَّه عليه
وآله وسلم أن يفي بنذره على الصفة التي أوجبها
وتعقب بأن في رواية لمسلم يوماً بدل ليلة وقد
جمع ابن حبان وغيره
ج / 4 ص -269-
بأنه نذر اعتكاف يوم وليلة فمن أطلق ليلة
أراد بيومها ومن أطلق يوماً أراد بليلته.
وقد ورد الأمر بالصوم في
رواية أبي داود والنسائي بلفظ: "أن النبي صلى
اللَّه عليه وآله وسلم قاله اعتكف وصم" أخرجه
أبو داود والنسائي من طريق عبد اللَّه بن بديل
ولكنه ضعيف وقد ذكر ابن عدي والدارقطني أنه
تفرد بذلك عن عمرو بن دينار. قال في الفتح:
ورواية من روى يوماً شاذة وقد وقع في رواية
سليمان بن بلال عند البخاري فاعتكف ليلة فدل
على أنه لم يزد على نذره شيئاً وأن الاعتكاف
لا صوم فيه وأنه لا يشترط له حد معين.
قوله: "ليس على المعكتف
صيام" استدل به القائلون بأنه لا يشترط الصوم
في الاعتكاف وقد تقدم ذكرهم.
وقد استدل بعض القائلين
بأن الصوم شرط في الاعتكاف بقوله تعالى
{ثُمَّ
أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا
تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي
الْمَسَاجِدِ} قال: فذكر الاعتكاف عقب الصوم وتعقب بأنه ليس فيها ما يدل على
تلازمهما وإلا لزم أن لا صوم إلا بالاعتكاف
ولا قائل به وفي حديث عمر المذكور في الباب رد
على من قال أن أقل الاعتكاف عشرة أيام وفيه
أيضاً دليل على أن النذر من الكافر لا يسقط
عنه بالإسلام وسيأتي إن شاء اللَّه تعالى
الكلام على ذلك.
13 - وعن حذيفة أنه قال
لابن مسعود: "لقد علمت أن رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وآله وسلم قال:
لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة أو قال في
مسجد جماعة". -
رواه سعيد في سننه.
14 - وعن عائشة: "أن
النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم اعتكف معه
بعض نسائه وهي مستحاضة ترى الدم فربما وضعت
الطشت تحتها من الدم". - رواه البخاري. وفي
رواية: "اعتكف معه امرأة من أزواجه وكانت ترى
الدم والصفرة والطشت تحتها وهي تصلي" رواه
أحمد والبخاري وأبو داود.
- الحديث الأول أخرجه
ابن أبي شيبة ولكن لم يذكر المرفوع منه واقتصر
على المراجعة التي فيه بين حذيفة وابن مسعود
ولفظه: "أن حذيفة جاء إلى عبد اللَّه فقال ألا
أعجبك من قوم عكوف بين دارك ودار الأشعري يعني
المسجد قال عبد اللَّه فلعلهم أصابوا وأخطأت"
فهذا يدل على أنه لم يستدل على ذلك بحديث عن
النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم وعلى أن عبد
اللَّه يخالفه ويجوز الاعتكاف في كل مسجد ولو
كان ثم حديث عن النبي صلى اللَّه عليه وآله
وسلم ما خالفه وأيضاً الشك الواقع في الحديث
مما يضعف الاحتجاج أحد شقيه وقد استشهد بعضهم
لحديث حذيفة بحديث أبي سعيد وأبي هريرة
وغيرهما مرفوعاً بلفظ:
"تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد مسجدي هذا
والمسجد الحرام والمسجد الأقصى" وهو متفق عليه ولكن ليس فيه ما يشهد لحديث حذيفة لأن أفضلية
المساجد الثلاثة واختصاصها بشد الرحال إليها
لا تستلزم اختصاصها بالاعتكاف.
وقد حكى في الفتح عن
حذيفة أن الاعتكاف يختص بالمساجد الثلاثة ولم
يذكر هذا الحديث وحكى عن عطاء
ج / 4 ص -270-
أنه يختص بمسجد مكة وعن ابن المسيب بمسجد
المدينة.
وقوله: "أو قال في مسجد
جماعة" قيل فيه دليل لمذهب أبي حنيفة وأحمد
المتقدم.
قوله: "بعض نسائه" قال
ابن الجوزي: ما عرفنا من أزواج النبي صلى
اللَّه عليه وآله وسلم من كانت مستحاضة قال:
والظاهر أن عائشة أشارت بقولها من نسائه أي من
النساء المتعلقات به وهي أم حبيبة بنت جحش أخت
زينب ولكنه يرد عليه ما وقع في البخاري في
كتاب الاعتكاف بلفظ امرأة مستحاضة من أزواجه
ووقع في رواية سعيد بن منصور عن عكرمة أن أم
سلمة كانت عاكفة وهي مستحاضة وهذه الرواية
تفيد تعيينها.
وقد حكى ابن عبد البر أن
بنات جحش الثلاث كن مستحاضات زينب وحمنة وأم
حبيبة ويدل على ذلك ما وقع عند أبي داود عن
عائشة أنها قالت استحيضت زينب بنت جحش. وقد عد
مغلطاي في المستحاضات سودة بنت زمعة وقد روى
ذلك أبو داود تعليقاً وذكر البيهقي أن ابن
خزيمة أخرجه موصولاً فهذه ثلاث مستحاضات من
أزواج النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم.
قوله: "من الدم" أي لأجل
الدم.
"والحديث" يدل على جواز
مكث المستحاضة في المسجد وصحة اعتكافها
وصلاتها وجواز حدثها في المسجد عند أمن
التلويث ويلحق بها دائم الحدث ومن به جرح يسيل
وقد تقدم البحث عن ذلك.
باب الاجتهاد في
العشر الأواخر وفضل قيام ليلة القدر وما يدعى
به فيها وأي ليلة هي.
1 - عن عائشة: "أن النبي صلى اللَّه عليه وآله
وسلم كان إذا دخل العشر الأواخر أحيا الليل
وأيقظ أهله وشد المئزر". - متفق عليه. ولأحمد
ومسلم: "كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا
يجتهد في غيرها" "ص 362".
- قوله: "أحيا الليل"
فيه استعارة الإحياء للاستيقاظ أي سهره فأحياه
بالطاعة وأحيا نفسه بسهره فيه لأن النوم أخو
الموت.
"والحديث" فيه دليل على
مشروعية الحرص على مداومة القيام في العشر
الأواخر من رمضان وإحيائها بالعبادة واعتزال
النساء وأمر الأهل بالاستكثار من الطاعة فيها.
قوله: "وأيقظ أهله" أي
للصلاة وفي الترمذي عن أم سلمة: "لم يكن صلى
اللَّه عليه وآله وسلم إذا بقي من رمضان عشرة
أيام يدع أحداً من أهله يطيق القيام إلا
أقامه".
قوله: "وشد المئزر" أي
اعتزل النساء كما رواه عبد الرزاق عن الثوري
وابن أبي شيبة عن أبي بكر بن عياش وحكى في
الفتح عن الخطابي أنه يحتمل أن يراد به الجد
في العبادة كما يقال شددت لهذا الأمر مئزري أي
شمرت له ويحتمل أن يراد التشمير والاعتزال
معاً ويحتمل أن يراد حقيقته والمجاز كمن يقول
طويل النجاد لطويل القامة وهو طويل النجاد
حقيقة يعني شد مئزره حقيقة واعتزل النساء وشمر
للعبادة يعني فيكون كناية وهو يجوز فيها إرادة
اللازم والملزوم. وقد وقع في رواية:
"شد مئزره واعتزل النساء" فالعطف بالواو يقوي الاحتمال الأول كما قال الحافظ.
ج / 4 ص -271-
2 - وعن أبي هريرة: "أن النبي صلى اللَّه عليه
وآله وسلم قال:
من قام ليلة القدر إيماناً
واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه". -
رواه الجماعة إلا ابن ماجه.
3 - وعن عائشة قالت: "قلت يا رسول اللَّه
أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول
فيها قال قولي اللَّهم
إنك عفو تحب العفو فاعف عني". - رواه
الترمذي وصححه وأحمد وابن ماجه وقالا فيه:
"أرأيت إن وافقت ليلة القدر".
- الحديث الأول قد تقدم مع شرحه في باب صلاة
التراويح وأورده المصنف ههنا للاستدلال به على
مشروعية قيام ليلة القدر.
والحديث الثاني صححه الترمذي كما ذكر المصنف
وفيه دليل على إمكان معرفة ليلة القدر وبقائها
وسيأتي الكلام على ذلك.
قوله: "ليلة القدر" اختلف في المراد بالقدر
الذي أضيفت إليه الليلة فقيل هو التعظيم لقوله
تعالى
{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}
والمعنى أنها ذات قدر لنزول القرآن فيها أو
لما يقع فيها من نزول الملائكة أو لما ينزل
فيها من البركة والرحمة والمغفرة أو أن الذي
يحييها يصير ذا قدر وقيل القدر هنا التضييق
لقوله تعالى
{وَمَنْ
قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} ومعنى
التضييق فيها إخفاؤها عن العلم بتعيينها. وقيل
القدر بمعنى القدر بفتح الدال الذي هو مؤاخي
القضاء. والمعنى " أنه يقدر فيها أحكام تلك
السنة لقوله تعالى
{فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} وبه صدر النووي كلامه فقال: قال العلماء سميت ليلة القدر لما يكتب
فيها الملائكة من الأقدار لقوله تعالى
{فِيهَا يُفْرَقُ} الآية.
ورواه عبد الرزاق وغيره من المفسرين بأسانيد
صحيحة عن مجاهد وعكرمة وقتادة وغيرهم. قال
التوربشتي: إنما جاء القدر بسكون الدال وإن
كان الشائع في القدر الذي يؤاخي القضاء فتح
الدال ليعلم أنه لم يرد به ذلك وإنما أريد به
تفصيل ما جرى به القضاء وإظهاره وتحديده في
تلك السنة لتحصيل ما يلقي إليهم فيها مقدار
بمقدار.
قوله: "إنك عفو" بفتح العين وضم الفاء وتشديد
الواو صيغة مبالغة. وفيه دليل على استحباب
الدعاء في هذه الليلة بهذه الكلمات.
4 - وعن ابن عمر قال: "قال رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وآله وسلم:
"من كان متحريها فليتحرها ليلة سبع وعشرين أو قال تحروها ليلة سبع
وعشرين يعني ليلة القدر". -
رواه أحمد بإسناد صحيح.
5 - وعن ابن عباس: "أن رجلاً أتى نبي اللَّه
صلى اللَّه عليه وآله وسلم فقال: يا نبي
اللَّه إني شيخ كبير عليل يشق علي القيام
فأمرني بليلة لعل اللَّه يوفقني فيها لليلة
القدر فقال
عليك بالسابعة". - رواه
أحمد.
ج / 4 ص -272-
6 - وعن معاوية بن أبي سفيان: "عن النبي صلى
اللَّه عليه وآله وسلم في ليلة القدر قال
ليلة سبع وعشرين".
- رواه أبو داود.
7 - وعن ذر بن حبيش قال: "سمعت أُبيّ بن كعب
يقول وقيل له أن عبد اللَّه بن مسعود يقول من
قام السنة أصاب ليلة القدر فقال أُبيّ واللَّه
الذي لا إله إلا هو إنها لفي رمضان يحلف ما
يستثني وواللَّه إني لأعلم أي ليلة هي هي
الليلة التي أمرنا رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وآله وسلم بقيامها هي ليلة سبع وعشرين
وإمارتها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء
لا شعاع لها". - رواه أحمد ومسلم وأبو داود
والترمذي وصححه.
- حديث ابن عباس أخرجه أيضاً الطبراني في
الكبير قال في مجمع الزوائد: ورجال أحمد رجال
الصحيح. وقد أخرج نحوه عبد الرزاق عن ابن عمر
مرفوعاً والمراد بالسابعة إما السبع بقين أو
لسبع مضين بعد العشرين. وحديث معاوية سكت عنه
أبو داود والمنذري ورجال إسناده رجال الصحيح.
"وفي الباب" عن جابر بن سمرة عند الطبراني في
الأوسط بنحو حديث ابن عمر. وعن ابن مسعود عند
الطبراني قال: "سئل رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وآله وسلم عن ليلة القدر فقال
أيكم يذكر
ليلة الصهيا "ص 364" قلت أنا وذلك ليلة سبع وعشرين" ورواه ابن أبي شيبة عن عمر
وحذيفة وناس من الصحابة.
وروى عبد الرزاق عن ابن عباس قال: "دعا عمر
أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم
وسألهم عن ليلة القدر فأجمعوا على أنها في
العشر الأواخر قال ابن عباس فقلت لعمر إني
لأعلم أو أظن أي ليلة هي قال عمر أي ليلة هي
فقلت سابعة تمضي أو سابعة تبقى من العشر
الأواخر فقال من أين علمت ذلك فقلت خلق اللَّه
سبع سماوات وسبع أرضين وسبعة أيام والدهر يدور
في سبع والإنسان خلق من سبع ويأكل من سبع
ويسجد على سبع والطواف والجمار وأشياء ذكرها
فقال عمر لقد فطنت لأمر ما فطنا له" وقد أخرج
نحو هذه القصة الحاكم وإلى أن ليلة القدر ليلة
السابع والعشرين ذهب جماعة من أهل العلم وقد
حكاه صاحب الحلية من الشافعية عن أكثر العلماء
وقد اختلف العلماء فيها على أقوال كثيرة ذكر
منها في فتح الباري ما لم يذكره غيره وسنذكر
ذلك على طريق الاختصار فنقول:
"القول الأول" أنها رفعت حكاه
المتولي عن الروافض والفاكهاني عن الحنفية.
"الثاني" أنها خاصة بسنة
واحدة وقعت في زمنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم
حكاه الفاكهاني.
"الثالث" أنها خاصة بهذه
الأمة جزم به جماعة من المالكية ونقله صاحب
العمدة عن الجمهور من الشافعية واعترض بحديث
أبي ذر عند النسائي قال: قلت يا رسول اللَّه
أتكون مع الأنبياء فإذا ماتوا رفعت فقال
هي باقية واحتجوا بما ذكره مالك في الموطأ بلاغاً أن رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وآله وسلم تقال أعمار أمته عن أعمار
الأمم الماضية فأعطاه اللَّه ليلة القدر. قال
الحافظ: وهذا محتمل للتأويل فلا يدفع التصريح
في حديث أبي ذر.
"والرابع" أنها ممكنة في جميع
السنة وهو2ض
ج / 4 ص -273-
المشهور عن الحنفية وحكى عن جماعة من السلف
وهو مردود بكثير من أحاديث الباب المصرحة
باختصاصها برمضان.
"الخامس"
أنها مختصة برمضان ممكنة في جميع لياليه. وروي
عن ابن عمر وأبي حنيفة وبه قال ابن المنذر
وبعض الشافعية ورجحه السبكي.
"السادس"
أنها في ليلة معينة مبهمة قاله النسفي في
منظومته.
"السابع"
أنها أول ليلة من رمضان حكى عن أبي رزين
العقيلي الصحابي. وروى ابن أبي عاصم من حديث
أنس قال ليلة القدر أول ليلة من رمضان قال ابن
أبي عاصم: لا نعلم أحداً قال ذلك غيره.
"الثامن"
أنها ليلة النصف من رمضان حكاه ابن الملقن في
شرح العمدة.
"التاسع"
أنها ليلة النصف من شعبان حكاه القرطبي في
المفهم وكذا نقله السروجي "ص 365" عن صاحب
الطراز.
"العاشر"
أنها ليلة سبع عشرة من رمضان ودليله ما رواه
ابن أبي شيبة والطبراني من حديث زيد بن أرقم
قال بلا شك ولا امتراء أنها ليلة سبع عشرة من
رمضان ليلة أنزل القرآن. وأخرجه أبو داود عن
ابن مسعود.
"الحادي عشر"
أنها مبهمة في العشر الوسط حكاه النووي وعزاه
الطبري إلى عثمان بن أبي العاص والحسن البصري
وقال به بعض الشافعية.
"الثاني عشر"
أنها ليلة ثمان عشرة ذكره ابن الجوزي في
مشكله.
"الثالث عشر"
ليلة تسع عشرة رواه عبد الرزاق عن علي عليه
السلام وعزاه الطبري إلى زيد بن ثابت ووصله
الطحاوي عن ابن مسعود.
"الرابع عشر"
أول ليلة من العشرة الآخرة وإليه مال الشافعي
وجزم به جماعة من أصحابه.
"الخامس عشر"
مثل الذي قبله إن كان الشهر تاماً وإن كان
ناقصاً فليلة إحدى وعشرين وهكذا في جميع العشر
وبه جزم ابن حزم ودليله حديث أبي سعيد وعبد
اللَّه بن أنيس وأبي بكرة وسيأتي.
"السادس عشر"
ليلة اثنين وعشرين ودليله ما أخرجه أحمد من
حديث عبد اللَّه بن أنيس أنه سأل رسول اللَّه
صلى اللَّه عليه وآله وسلم عن ليلة القدر وذلك
صبيحة إحدى وعشرين فقال:
كم الليلة قلت: ليلة اثنين وعشرين فقال:
هي الليلة أو القابلة.
"السابع عشر"
ليلة ثلاث وعشرين ودليله حديث عبد اللَّه بن
أنيس الآتي وقد ذهب إلى هذا جماعة من الصحابة
والتابعين.
"الثامن عشر"
أنها ليلة الرابع والعشرين ودليله ما رواه
الطيالسي عن أبي سعيد مرفوعاً ليلة القدر ليلة
أربع وعشرين وما رواه أحمد من حديث بلال بنحوه
وفيه ابن لهيعة وروي ذلك عن ابن مسعود والشعبي
والحسن وقتادة.
"التاسع عشر"
ليلة خمس وعشرين حكاه ابن الجوزي في المشكل عن
أبي بكرة.
"العشرون"
ليلة ست وعشرين قال الحافظ: وهو قول لم أره
صريحاً إلا أن عياضاً قال: ما من ليلة من
ليالي العشر الأخيرة إلا وقد قيل فيها أنها
ليلة القدر.
"الحادي والعشرون"
ليلة سابع وعشرين وقد تقدم دليله ومن قال به.
"الثاني والعشرون"
ليلة الثامن والعشرين وهذا لم يذكره صاحب
الفتح ولكن ظاهر قول عياض المتقدم أنه قد قيل
أنها ليلة القدر وقد أسقط في الفتح القول
الثاني والعشرين وذكر الثالث والعشرين بعد
الحادي والعشرين فلعله سقط عليه حكاية هذا
القول وقد ثبت في بعض النسخ "الثالث والعشرون"
ج / 4 ص -274-
أنها ليلة تسع وعشرين حكاه ابن العربي.
"الرابع والعشرون"
أنها ليلة الثلاثين حكاه عياض ورواه محمد بن
نصر عن "ص 366" معاوية وأحمد عن أبي هريرة.
"الخامس والعشرون"
أنها في أوتار العشر الأخيرة ودليله حديث
عائشة الآتي في آخر الباب وكذلك حديث ابن عمر.
قال في الفتح: وهو أرجح الأقوال وصار إليه أبو
ثور المزني وابن خزيمة وجماعة من علماء
المذاهب انتهى.
"القول السادس والعشرون"
مثله بزيادة الليلة الأخيرة ويدل عليه حديث
أبي بكرة الآتي وقد أخرج أحمد من حديث عبادة
بن الصامت ما يدل على ذلك.
"السابع والعشرون"
تنتقل في العشر الأواخر كلها قاله أبو قلابة
ونص عليه مالك والثوري وأحمد وإسحاق وزعم
الماوردي أنه متفق عليه. ويدل عليه حديث أبي
سعيد الآتي.
"الثامن والعشرون"
مثله إلا أن بعض ليالي العشر أرجى من بعض قال
الشافعي أرجاها ليلة إحدى وعشرين.
"التاسع والعشرون"
مثل السابع والعشرين إلا أن أرجاها ليلة ثلاث
وعشرين ولم يذكر في الفتح قائله.
"الثلاثون"
كذلك إلا أن أرجاها ليلة سبع وعشرين ولم يحك
صاحب الفتح من قاله.
"الحادي والثلاثون"
أنها تنتقل في جميع السبع الأواخر ويدل عليه
حديث ابن عمر الآتي وقد اختلف أهل هذا القول
هل المراد السبع من آخر الشهر أو آخر سبعة تعد
من الشهر قال في الفتح: ويخرج من ذلك القول
"الثاني والثلاثون"
القول
"الثالث والثلاثون"
أنها تنتقل في النصف الأخير ذكره صاحب المحيط
عن أبي يوسف ومحمد وحكاه إمام الحرمين عن صاحب
التقريب.
"الرابع والثلاثون"
ليلة ست عشرة أو سبع عشرة رواه الحارث بن أبي
أسامة من حديث عبد اللَّه بن الزبير.
"الخامس والثلاثون"
ليلة سبع عشرة أو تسع عشرة أو إحدى وعشرين
رواه سعيد بن منصور من حديث أنس بإسناد ضعيف.
"السادس والثلاثون"
أول ليلة من رمضان أو آخر ليلة منه رواه ابن
أبي عاصم من حديث أنس بإسناد ضعيف.
"السابع والثلاثون"
ليلة تاسع عشرة أو إحدى عشرة أو ثلاث وعشرين
رواه أبو داود من حديث ابن مسعود بإسناد فيه
مقال وعبد الرزاق من حديث علي بسند منقطع
وسعيد بن منصور من حديث عائشة بسند منقطع
أيضاً.
"الثامن والثلاثون"
أول ليلة أو تاسع ليلة أو سابع عشرة أو إحدى
وعشرين أو آخر ليلة رواه ابن مردويه في تفسيره
عن أنس بإسناد ضعيف.
"التاسع والثلاثون"
ليلة ثلاث وعشرين أو سبع وعشرين ودليله حديث
ابن عباس الآتي ولأحمد نحوه من حديث النعمان
بن بشير.
"القول الأربعون"
ليلة إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين أو خمس "ص
367" وعشرين ويدل عليه حديث ابن عباس الآتي
وأخرج البخاري نحوه من حديث عبادة بن الصامت.
"الحادي والأربعون"
أنها منحصرة في السبع الأواخر ويدل عليه حديث
ابن عمر الآتي وفي الفرق بينه وبين القول
الحادي والثلاثين خفاء.
"الثاني والأربعون"
ليلة اثنين وعشرين أو ثلاث وعشرين ويدل عليه
حديث عبد اللَّه بن أنيس عند أحمد.
"الثالث والأربعون"
أنها في إشفاع العشر الوسط والعشر الأواخر.
قال الحافظ: قرأته بخط مغلطاي.
"الرابع والأربعون"
أنها ليلة الثالثة من العشر
ج / 4 ص -275-
الأواخر أو الخامسة منه رواه أحمد من حديث
معاذ. قال في الفتح: والفرق بينه وبين ما تقدم
أن الثالثة تحتمل ليلة ثلاث وعشرين وتحتمل
ليلة سبع وعشرين.
"الخامس والأربعون"
أنها في سبع أو ثمان من أول النصف الثاني رواه
الطحاوي من حديث عبد اللَّه بن أنيس.
هذا جملة ما ذكره الحافظ
في الفتح أوردناه مختصراً مع زوائد مفيدة.
ومما ينبغي أن يعد قولاً
خارجاً عن هذه الأقوال قول الهادوية أنها في
تسع عشرة وفي الإفراد بعد العشرين من رمضان
واستدلوا على أنها في الإفراد بعد العشرين بما
استدل به أهل القول الخامس والعشرين على أنها
قد تكون في ليلة تسع عشرة بما أخرجه الطبراني
من حديث أبي هريرة: "أن النبي صلى اللَّه عليه
وآله وسلم قال:
التمسوا ليلة القدر في سبع عشرة أو تسع عشرة أو
إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين أو سبع وعشرين أو
تسع وعشرين" قال الهيثمي بعد أن ساقه في مجمع الزوائد: فيه أبو الهزم وهو ضعيف
فيكون هذا القول هو السادس والأربعين وينبغي
أن يجعل ما اشتمل عليه هذا الحديث القوي
السابع والأربعين وإما كونها مبهمة في جميع
السنة فلا ينبغي أن يجعل قولاً خارجاً عن هذه
الأقوال لأنه عين القول الرابع منها وأرجح هذه
الأقوال هو القول الخامس والعشرون أعني أنها
في أوتار العشر الأواخر قال الحافظ: وأرجاها
عند الجمهور ليلة سبع وعشرين.
قوله: "وإمارتها أن تطلع
الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها" قد
ورد لليلة القدر علامات أكثرها لا تظهر إلا
بعد أن تمضي منها طلوع الشمس على هذه الصفة.
وروى ابن خزيمة من حديث
ابن عباس مرفوعاً: "ليلة القدر طلقة لا حارة
ولا باردة تصبح الشمس يومها حمراء ضعيفة".
ولأحمد من حديث عبادة:
"لا حر فيها ولا برد وأنها ساكنة صاحية وقمرها
ساطع"
وفي علاماتها أحاديث. منها عن جابر "ص 368"
ابن سمرة عند ابن أبي شيبة وعن جابر بن عبد
اللَّه عند ابن خزيمة وعن أبي هريرة عنده وعن
ابن مسعود عند ابن أبي شيبة وعن غيرهم.
8 - وعن أبي سعيد: "أن
النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم اعتكف العشر
الأول من رمضان ثم اعتكف العشر الأوسط في قبة
تركية على سدتها حصير فأخذ الحصير بيده فنحاها
في ناحية القبة ثم أطلع رأسه فكلم الناس فدنوا
منه فقال إني اعتكفت العشر الأول ألتمس هذه الليلة ثم اعتكف العشر الأوسط ثم أتيت فقيل لي إنها في العشر الأواخر فمن أحب منكم أن يعتكف
فليعتكف فاعتكف الناس معه قال وإني أريتها
ليلة وترواني أسجد في صبيحتها في طين وماء
فأصبح من ليلة إحدى وعشرين وقد قام إلى الصبح
فمطرت السماء فوكف المسجد فأبصرت الطين والماء
فخرج حين فرغ من صلاة الصبح وجبينه وروثة أنفه
فيها الطين والماء وإذا هي ليلة إحدى عشر من
العشر
ج / 4 ص -276-
الأواخر". - متفق عليه ولكن لم يذكر في
البخاري اعتكاف العشر الأول.
- قوله: "العشر الأوسط"
هكذا في أكثر الروايات والمراد به العشر
الليالي وكان القياس أن يوصف بلفظ التأنيث لأن
مرجعها مؤنث لكن وصف بالمذكر على إرادة الوقت
أو الزمان والتقدير الثلث كأنه قال الليالي
العشر التي هي الثلث الأوسط من الشهر ووقع في
الموطأ العشر الوسط بضم الواو والسين جمع وسط
ويروى بفتح السين مثل كبر وكبر ورواه الباجي
في الموطأ بإسكانها على أنه جمع واسط كبازل
وبزل وهذا يوافق رواية الأوسط.
قوله: "في قبة تركية" أي
قبة صغيرة من لبود.
قوله: "فأصبح من ليلة
إحدى وعشرين" في رواية للبخاري: "فخرج في
صبيحة عشرين" وظاهرها يخالف رواية الباب وقد
قيل أن المراد بقوله فأصبح من ليلة إحدى
وعشرين أي من الصبح الذي قبلها وهو تعسف وقد
وقع في البخاري ما هو أوضح من ذلك بلفظ:
"فإذا كان حين يمسي من عشرين ليلة تمضي
ويستقبل إحدى وعشرين رجع إلى مسكنه".
قوله: "وروثة أنفه" بالثاء المثلثة وهي طرفه ويقال لها أيضاً
أرنبة الأنف كما جاء في رواية أخرى.
"والحديث" فيه دليل على
أن ليلة القدر في العشر الأواخر من شهر رمضان
وقد تقدم بسط الكلام في ذلك
9 - وعن عبد اللَّه بن
أنيس: "أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله
وسلم قال:
رأيت ليلة القدر ثم أنسيتها وأراني أسجد
صبيحتها في ماء وطين
قال فمطرنا في ليلة ثلاث وعشرين فصلى بنا رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وانصرف وإن
أثر الماء والطين على جبهته وأنفه". - رواه
أحمد ومسلم وزاد وكان عبد اللَّه بن أنيس يقول
ثلاث وعشرين.
- وفي الباب عن رجل من
بني بياضة له صحبة مرفوعاً عند إسحاق في مسنده
قال: "قلت يا رسول اللَّه إن لي بادية أكون
فيها فمرني بليلة القدر فقال انزل ليلة ثلاث
وعشرين".
وعن ابن عمر مرفوعاً:
"من كان متحريها فليتحرها ليلة سابعة"
قال: فكان أيوب يغتسل ليلة ثلاث وعشرين ويمس
الطيب.
وعن ابن جريج عن عبيد
اللَّه بن أبي يزيد عن ابن عباس أنه كان يوقظ
أهله ليلة ثلاث وعشرين. وروى عبد الرزاق من
طريق يونس بن سيف سمع سعيد بن المسيب يقول:
استقام كلام القوم على أنها ليلة ثلاث وعشرين.
وروي نحو ذلك من طريق إبراهيم عن الأسود عن
عائشة. ومن طريق مكحول أنه كان يراها ليلة
ثلاث وعشرين كذا في الفتح وقد استدل بحديث
الباب من قال إنها ليلة ثلاث وعشرين كما تقدم.
قوله: "يقول ثلاث
وعشرين" هكذا في معظم النسخ من صحيح مسلم وفي
بعضها ثلاث وعشرون قال النووي: وهذا ظاهر
والأول جائز على لغة شاذة أنه يجوز حذف المضاف
ويبقى المضاف إليه مجروراً أي ليلة ثلاث
وعشرين.
10 - وعن أبي بكرة: "أنه
سمع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم
يقول
التمسوها
ج / 4 ص -277-
في تسع
بقين أو سبع بقين أو خمس بقين أو ثلاث بقين أو
آخر ليلة قال: وكان أبو بكرة يصلي في العشرين
من رمضان صلاته في سائر السنة فإذا دخل العشر
اجتهد". - رواه أحمد والترمذي وصححه.
- وفي الباب عن عبادة بن الصامت عند أحمد
والحديث يدل على أن ليلة القدر ترجى مصادفتها
لتسع ليال بقين من الشهر أو سبع أو خمس أو
ثلاث أو آخر ليلة وهو أحد الأقوال المتقدمة.
قال الترمذي في جامعه: وروي عن النبي صلى
اللَّه عليه وآله وسلم في ليلة القدر أنها
ليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين وخمس "ص
370" وعشرين وسبع وعشرين وتسع وعشرين وآخر
ليلة من رمضان قال: قال الشافعي: كان هذا عندي
واللَّه أعلم أن النبي صلى اللَّه عليه وآله
وسلم كان يجيب على نحو ما يسئل عنه يقال له
نلتمسها في ليلة كذا فيقول التمسوها في ليلة
كذا قال الشافعي: وأقوى الروايات عندي فيها
ليلة إحدى وعشرين انتهى.
11 - وعن أبي نضرة عن أبي سعيد في حديث له:
"أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم خرج على
الناس فقال: يا أيها الناس إنها كانت أبينت لي
ليلة القدر وإني خرجت لأخبركم بها فجاء رجلان
يحتقان معهما الشيطان فنسيتها فالتمسوها في
العشر الأواخر من رمضان التمسوها في التاسعة
والخامسة والسابعة قال قلت يا أبا سعيد إنكم
أعلم بالعدد منا فقال أجل نحن أحق بذاك منكم
قال قلت ما التاسعة والخامسة والسابعة قال إذا
مضت واحدة وعشرون فالتي تليها اثنان وعشرون
فهي التاسعة فإذا مضت ثلاث وعشرون فالتي تليها
السابعة فإذا مضت خمس وعشرون فالتي تليها
الخامسة". - رواه أحمد ومسلم.
- قوله: "يحتقان" بالحاء المهملة بعدها مثناة
فوقية ثم قاف مشددة ومعناه يطلب كل واحد منهما
حقه ويدعي أنه المحق وفيه أن المخاصمة
والمنازعة مذمومة وأنها سبب للعقوبة المعنوية.
قوله: "فإذا مضت واحدة وعشرون فالتي تليها
اثنان وعشرون" هكذا في بعض نسخ مسلم وفي
أكثرها ثنتين وعشرين بالياء. قال النووي: وهي
أصوب والنصب بفعل محذوف تقديره أعني ثنتين
وعشرين انتهى. وجعل النصب على الاختصاص أصوب
من الرفع بتقدير مبتدأ لأجل قوله بعد ذلك فهي
التاسعة لأنه يصير تقدير الكلام فالتي تليها
هي اثنان وعشرون فهي التاسعة ولا يخفى أنها
عبارة نابية بخلاف النصب على الاختصاص فإنه
يصير التقدير فالتي تليها أعني ثنتين وعشرين
فهي التاسعة فإنها عبارة خالية عن ذلك.
"والحديث" يدل على أن ليلة القدر يرجى وجودها
في تلك الثلاث الليالي.
ج / 4 ص -278-
12 - وعن ابن عباس: "أن النبي صلى اللَّه عليه
وآله وسلم قال: التمسوها في العشر الأواخر من رمضان ليلة القدر في تاسعة تبقى في
سابعة تبقى في خامسة تبقى". -
رواه أحمد والبخاري وأبو داود. وفي رواية:
"قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم: هي في العشر في سبع يمضين أو في تسع يبقين يعني ليلة
القدر"
رواه البخاري
- قوله: "في تاسعة
تبقى" يعني ليلة اثنين وعشرين.
قوله: "في خامسة تبقى"
يعني ليلة ست وعشرين.
قوله: "في سبع يمضين أو
تسع يبقين" هكذا رواية المصنف رحمه اللَّه
بتقديم السين في الأولى والتاء في الثانية.
قال في الفتح: الأكثر بتقديم السين في الثاني
وتأخيرها في الأول وبلفظ المضي في الأول
والبقاء في الثاني وللكشمهيني بلفظ المضي
فيهما. وفي رواية الإسماعيلي بتقديم السين في
الموضعين انتهى.
والمراد في سبع ليال
تمضي من العشر الأواخر أو في تسع ليال تبقى
منها فتكون في ليلة سبع وعشرين أو ليلة اثنين
وعشرين وقد تقدم الخلاف في ذلك.
13 - وعن ابن عمر: "أن
رجالاً من أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وآله
وسلم أوروا ليلة القدر في المنام في السبع
الأواخر فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وآله وسلم
أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر فمن
كان متحرياً فليتحرها في السبع الأواخر". - أخرجاه. ولمسلم قال: "أري رجل أن ليلة القدر ليلة سبع وعشرين
فقال النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم:
أرى رؤياكم في العشر الأواخر فاطلبوها في
الوتر منها".
14 - وعن عائشة: "أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم
قال:
تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان".
- رواه مسلم والبخاري.
وقال:
"في الوتر من العشر الأواخر".
- قوله: "أوروا ليلة
القدر" بضم أوله على البناء للمجهول أي قيل
لهم في المنام أنها في السبع الأواخر. قال في
الفتح: والظاهر أن المراد به أواخر الشهر وقيل
المراد به السبع التي أولها ليلة الثاني
والعشرين وآخرها ليلة الثامن والعشرين فعلى
الأول لا تدخل ليلة إحدى وعشرين ولا ثلاث
وعشرين وعلى الثاني تدخل الثانية فقط ولا تدخل
ليلة التاسع والعشرين. ويدل على الأول ما في
البخاري في كتاب التعبير من صحيحه: "أن ناساً
أروا ليلة القدر في السبع الأواخر وأن ناساً
رأوا أنها في العشر الأواخر فقال النبي صلى
اللَّه عليه وآله وسلم
التمسوها في السبع الأواخر"
وكأنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم نظر إلى
المتفق عليه من الروايتين فأمر به.
وقد رواه أحمد عن ابن
عيينة عن الزهري بلفظ: "رأى رجل أن ليلة القدر
ليلة سبع وعشرين أو كذا وكذا فقال النبي صلى
اللَّه عليه وآله وسلم التمسوها
ج / 4 ص -279-
في العشر البواقي في الوتر منها" ورواه أحمد من حديث علي مرفوعاً:
"إن غلبتم فلا تغلبوا في التسع البواقي".
قوله: "أري" بفتحتين أي
أُعلِم.
قوله: "رؤياكم" قال
عياض: كذا جاء بإفراد الرؤيا والمراد مرائيكم
لأنها لم تكن رؤيا واحدة وإنما أراد الجنس.
قال ابن التين: كذا روي بتوحيد الرؤيا وهو
جائز لأنها مصدر.
قوله: "تواطأت" بالهمزة
أي توافقت وزناً ومعنى. وقال ابن التين: بغير
همزة والصواب بالهمز وأصله أن يطأ الرجل برجله
مكان وطء صاحبه.
"وفي الحديث" دلالة على
عظم قدر الرؤيا وجواز الاستناد إليها في
الاستدلال على الأمور الوجودية بشرط أن لا
يخالف القواعد الشرعية هكذا في الفتح.
قوله: "تحروا ليلة
القدر" في رواية للبخاري:
"التمسوا"
وفي حديث عائشة دليل على أن ليلة القدر في
أوتار العشر الأواخر وقد تقدم أنه القول
الراجح.
"فائدة"
قال الطبري: في إخفاء ليلة القدر دليل على كذب
من زعم أنه يظهر في تلك الليلة للعيون ما لا
يظهر في سائر السنة إذ لو كان حقاً لم يخف على
كل من قام ليالي السنة فضلاً عن ليالي رمضان
وتعقبه ابن المنير بأنه لا ينبغي إطلاق القول
بالتكذيب لذلك بل يجوز أن يكون ذلك على سبيل
الكرامة لمن شاء اللَّه من عباده فيختص بها
قوم دون قوم والنبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم
لم يحصر العلامة ولم ينف الكرامة قال: ومع ذلك
فلا يعتقد أن ليلة القدر لا ينالها إلا من رأى
الخوارق بل فضل اللَّه تعالى واسع ورب قائم
تلك الليلة لم يحصل منها إلا على العبادة من
غير رؤية خارق وآخر رأى الخوارق من غير عبادة
والذي حصل على العبادة أفضل والعبرة إنما هي
بالاستقامة بخلاف الخارق فقد يقع كرامة وقد
يقع فتنة. وقيل إن المطلع على ليلة القدر يرى
كل شيء ساجداً وقيل يرى الأنوار ساطعة في كل
مكان حتى في المواضع المظلمة وقيل يسمع سلاماً
أو خطاباً من الملائكة وقيل من علاماتها
استجابة دعاء من وفق لها. |