نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار ط مكتبة الدعوة الإسلامية

كتاب المناسك
باب وجوب الحج والعمرة وثوابها

بسم اللَّه الرحمن الرحيم
1- عن أبي هريرة قال: "‏خطبنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال
يا أيها الناس قد فرض اللّه عليكم الحج فحجوا فقال رجل أكل عام يا رسول اللّه فسكت حتى قالها ثلاثا فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم‏"‏‏.‏ رواه أحمد ومسلم والنسائي‏.‏ فيه دليل على أن الأمر لا يقتضي التكرار‏.‏
2- وعن ابن عباس قال: "‏خطبنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال
يا أيها الناس كتب عليكم الحج فقال الأقرع بن حابس فقال أفي كل عام يا رسول اللّه فقال لو قلتها لوجبت ولو وجبت لم تعملوا بها

 

ج / 4 ص -280-       ولم تستطيعوا أن تعملوا بها الحج مرة فمن زاد فهو تطوع‏"‏ رواه أحمد والنسائي بمعناه‏.‏
الحديث الأول تمامه ثم قال:
"‏ذروني ما تركتكم‏"‏ وفي لفظ: "‏ولو وجبت ما قمتم بها‏" ‏والحدي الثاني أخرجه أيضا أبو داود وابن ماجه والبيهقي والحاكم وقال صحيح على شرطهما - وفي الباب - عن أنس عند ابن ماجه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: "‏كتب عليكم الحج فقيل يا رسول اللّه في كل عام فقال لو قلت نعم لوجبت ولو وجبت لم تقوموا بها ولو لم تقوموا بها عذبتم‏" ‏قال الحافظ ورجاله ثقات‏.‏ وعن علي عليه السلام عند الترمذي والحاكم وسنده منقطع‏.‏
قوله ‏ـ باب وجوب الحج والعمرة‏ ـ الحج بفتح الحاء هو المصدر وبالفتح والكسر هو الاسم منه وأصله القصد ويطلق على العمل أيضا وعلى الأنيان مرة بعد أخرى وأصل العمرة الزيادة وقال الخليل الحج كثرة لقصد إلى معظم ووجوب الحج معلوم بالضرورة الدينية‏.‏
وأختلف في العمرة فقيل واجبة‏.‏ وقيل مستحبة وللشافعي قولان أصحهما وجوبها وسيأتي تفصيل ذلك قريبا
والأحاديث المذكورة في الباب تدل على أن الحج لا يجب إلى مرة واحدة وهو مجمع عليه كما قال النووي والحافظ وغيرهما وكذلك العمرة عند من قال بوجوبها لا تجب إلى مرة إلى أن ينذر بالحج أو العمرة وجب الوفاء بالنذر بشرطه‏.‏ وقد اختلف هل الحج على الفور أو التراخي وسيأتي تحقيق ذلك إن شاء اللّه تعالى‏.‏ واختلف أيضا في وقت ابتداء افتراض الحج فقيل قبل الهجرة قال في الفتح وهو شاذ وقيل بعدها ثم أختلف في سنته فالجمهور على أنها سنة ست لأنه نزل فيها قوله تعالى ‏:
{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}‏ قال في الفتح وهذا ينبني على أن المراد بالأتمام ابتداء الفرض ويؤيده قراءة قلقمة ومسروق وإبراهيم النخعي بلفظ: "‏وأقيموا‏"‏ أخرجه الطبراني بأسانيد صحيحة عنهم‏.‏ وقيل المارد بالأتمام الإكمال بعد الشروع وهذا يقتضي تقدم فرضه قبل ذلك‏.‏ وقد وقع في قصة ضمام ذكر الأمر بالحج وكان قدومه على ما ذكر الواقدي سنة خمس‏.‏ وهذا يدل أن ثبت على تقدمه على سنة خمس أو وقوعه فيها وقيل سنة تسع حكاه النووي في الروضة والماوردي في الأحكام السلطانية ورجح صاحب الهدى أن افتراض الحج كان في سنة تسع أو عشر واستدل على ذلك بأدلة فلتؤخذ منه‏:‏ قوله: "‏لوقلتها لوجبت‏"‏ استدل به على أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم مفوض في شرع الأحكام‏.‏ وفي ذلك خلاف مبسوط في الأصول‏.‏
3- وعن أبي رزين العقيلي: "‏أنه أتى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال أن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن فقال
حج عن أبيك واعتمر‏"‏‏.‏ رواه الخمسة وصححه الترمذي‏.‏
الحديث يدل على جواز حج الولد عن أبيه العاجز عن المشي وسيأتي الكلام عليه في باب وجوب الحج على المعضوب وذكره المصنف رحمه اللّه تعالى في هذا الباب للاستدلال به على وجوب الحج والعمرة‏.‏
قال الإمام أحمد لا أعلم في إيجاب العمرة حديثا أجود من هذا ولا أصح

 

ج / 4 ص -281-       منه انتهى‏.‏ وقد جزم بوجوب العمرة جماعة من أهل الحديث وهو المشهور عن الشافعي وأحمد وبه قال إسحاق والثوري والمزني والناصر والمشهور عن المالكية أن العمرة ليست بواجبة وهو قول الحنفية وزيد بن علي والهادوية ولا خلاف في المشروعية‏.‏ وقد روى في الجامع الكافي القول بوجوب العمرة عن علي وابن عباس وابن عمر وعائشة وزين العابدين وطاوس والحسن البصري وابن سيرين وسعيد بن جبير ومجاهد وعطاء‏.‏
واستدل القائلون‏.‏ بعدم الوجوب بما أخرجه الترمذي وصححه وأحمد والبيهقي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن جابر: "‏أن اعرابيا جاء إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال يا رسول اللّه أخبرني عن العمرة أواجبة هي فقال
لا وأن تعتمر خير لك‏"‏ وفي رواية: "‏أولى لك‏"‏ وأجيب عن الحديث بإن في أسناده الحجاج بن أرطأة وهو ضعيف وتصحيح الترمذي له فيه نظر لأن الأكثر على تضعيف الحجاج واتفقوا على أنه مدلس‏.‏ قال النووي ينبغي أن لا يغتر بالترمذي في تصحيحه فقد اتفق الحفاظ على تضعيفه انتهى‏.‏ على أن تصحيح الترمذي له إنما ثبت في رواية الكروخي فقط وقدنبه صاحب الإمام على أنه لم يرد على قوله حسن في جميع الروايات عته إلى في رواية الكروخي وقد قال ابن حزم أنه مكذوب باطل وهو إفراض لأن الحجاج وإن كان ضعيفا فليس متهما بالوضع وقد رواه البيهقي من حديث سعيد بن عقير عن يحيى بن أيوب عن عبيد اللّه عن أبي الزبير عن جابر بنحوه‏.‏ ورواه ابن جريج عن ابن المنكدر عن جابر ورواه ابن عدي من طريق أبي عصمة عن ابن المنكدر عن أبي صالح وأبو عصمة قد كذبوه - وفي الباب - عن أبي هريرة عند الدارقطني وابن خزم والبيهقي أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال: "‏الحج جهاد والعمرة تطوع‏"‏ وإسناده ضعيف كما قال الحافظ‏.‏ وعن طلحة عند ابن ماجه بإسناد ضعيف‏.‏ وعن ابن عباس عند البيهقي قال الحافظ ولا يصح من ذلك شيء وبهذا تعرف أن الحديث من قسم الحسن لغيره وهو محتج به عند الجمهور ويؤيده ما عند الطبراني عن أبي أمامة مرفوعا: "‏من مشى إلى صلاة مكتوبة بأجره كحجة ومن مشى إلى صلاة تطوع فأجره كعمرة‏"‏ واستدل القائلون بوجوب العمرة بما أخرجه الدارقطني من حديث زيد بن ثابت بلفظ: "‏الحج والعمرة فريضتان لا يضرك بأيهما بدأت‏"‏ وأجيب عنه بأن في إسناده إسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف وفي الحديث أيضا انقطاع ورواه البيهقي موقوفا على زيد‏.‏ قال الحافظ وإسناده أصح وصححه الحاكم ورواه ابن عدي عن جابر وفي إسناده ابن لهيعة - وفي الباب - عن عمر في سؤال جبريل وفيه: "‏وأن تحج وتعتمر‏"‏ أخرجه ابن خزيمة وابن حبان والدارقطني وغيرهم وعن عائشة عند أحمد وابن ماجه قالت: "‏يا رسول اللّه على النساء جهاد قال عليهن جهاد لاقتال فيه الحج والعمرة‏"‏ وسيأتي‏.‏
والحق عدم وجوب العمرة لأن البراءة الأصلية لا ينتقل عنها إلى بدليل به التكليف ولا دليل يصلح لذلك لا سيما مع اعتضادها بما تقدم من الأحاديث القاضية بعدم الوجوب‏.‏ ويؤيد ذلك اقتصاره صلى اللّه عليه وآله وسلم على الحجج في حديث بني الإسلام على خمس واقتصار اللّه جل جلاله على الحج في قوله تعالى ‏:
{وَلِلَّهِ عَلَى

 

ج / 4 ص -282-       النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ}‏ وقد استدل على الوجوب بحديث عمر الآتي قريبا وسيأتي الجواب عنه‏.‏ وأما قوله تعالى ‏: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}‏ فلفظ التمام مشعر بأنه إنما يجب بعد الأحرام‏.‏ لا قبله ويدل على ذلك ما أخرجه الشيخان وأهل السنن وأحمد والشافعي وابن أبي شيبة عن يعلى بن أمية: "‏قال جاء رجل إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وهو بالجعرانة عليه جبة وعليها خلوق فقال كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي فأنزل اللّه تعالى على النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏"‏ الآية‏.‏ فهذا السبب في نزول الآية والسائل قد كان أحرمم وإنما سأل كيف يصنع‏.‏
4 - وعن عائشة قالت قلت يا رسول اللّه هل على النساء من جهاد قال:
"‏نعم عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة‏"‏‏.‏ رواه أحمد وابن ماجه وإسناده صحيح‏.‏
الحديث فيه دليل على أن الجهاد غير واجب على النساء وسيأتي إن شاء اللّه تعالى الكلام على ذلك فيه وإشارة إلى وجوب العمرة وقد تقدم البحث عن ذلك‏.‏
5 - وعن أبي هريرة قال سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أي الأعمال أفضل قال:
"‏إيمان باللّه وبرسوله قال ثم ماذا قال ثم الجهاد في سبيل اللّه قيل ثم ماذا قال ثم حج مبرور‏"‏‏.‏ متفق عليه‏.‏ وهو حجة لمن فضل نفل الحج على نفل الصدقة‏.‏
6 - وعن عمر بن الخطاب: "‏قال بينما نحن جلوس عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم جاء رجل فقال يا محمد ما الإسلام قال
الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا اللّه وأن محمدا رسول اللّه وأن تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتحج البيت وتعتمر وتغتسل من الجنابة وتتم الوضوء وتصوم رمضان‏"‏ وذكر في باقي الحديث وأنه قال: "‏هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم‏"‏‏.‏ رواه الدارقطني وقال هذا إسناد ثابت صحيح‏.‏ ورواه أبو بكر الجوزقي في كتابه المخرج على الصحيحين‏.‏
7 - وعن أبي هريرة: "‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال
العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلى الجنة‏"‏‏.‏ رواه الجماعة إلا أبا داود‏.‏
قوله: "‏إيمان باللّه‏"‏ الخ فيه دليل على أن الإيمان باللّه وبرسوله أفضل من الجهاد والجهاد أفضل من الحج المبرور‏.‏ وقد اختلفت الأحاديث المشتملة على بيان فاضل الأعمال من مفضولها فتارة تجعل الأفضل الجهاد وتارة الإيمان وتارة الصلاة وتارة غير ذلك وأحق ما قيل في الجمع بينها أن

 

ج / 4 ص -283-       بيان الفضيلة يختلف باختلاف المخاطب فإذا كان المخاطب ممن له تأثير في القتال وقوة على مقارعة الأبطال قيل له أفضل الأعمال الجهاد وإذا كان كثير المال قيل له أفضل الأعمال الصدقة ثم كذلك يكون الأختلاف على حسب اختلاف المخاطبين‏.‏
قوله: "‏مبرور‏"‏ قال ابن خالوية المبرور المقبول وقال غيره الذي لا يخالطه شيء من الأثم ورجحه النووي وقيل غير ذلك‏.‏ وقال القرطبي الأقوال التي ذكرت في تفسيره متقاربة المعنى وهي أنه الحج الذي وفيت أحكامه فوقع موقعا لما طلب من المكلف على الوجه الأكمل‏.‏ ولأحمد والحاكم من حديث جابر: "‏قالوا يا رسول اللّه ما بر الحج قال
إطعام الطعام وإفشاء السلام‏"‏ قال في الفتح وفي إسناده ضعيف ولوثبت كان هو المتعين دون غيره‏.‏
قوله: "‏ما الإسلام‏"‏ إلى قوله: "‏وتحج البيت‏"‏ قد تقدم الكلام على هذه الكلمات في أوائل كتاب الصلاة‏.‏ قوله: "‏وتعتمر‏"‏ فيه متمسك لمن قال بوجوب العمرة لكنه لا يكون مجرد اقتران العمرة بهذه الأمور الواجبة دليلا على الوجوب لما تقرر من الأصول من ضعف دلالة الاقتران لاسيما وقد عارضها ما سلف من الأدلة القاضية بعدم الوجوب: "‏فإن قيل‏"‏ إن وقوع العمرة في جواب من سأل عن الإسلام يدل على الوجوب فيقال ليس كل أمرمن الإسلام واجبا والدليل على ذلك حديث شعب الإسلام والإيمان فإنه أشتمل على أمور ليست بواجبة بالإجماع‏.‏ قوله: "‏كفارة لما بينهما‏"‏ أشار ابن عبد البر إلى أن المراد تكفير الصغائر دون الكبائر قال وذهب بعض العلماء من عصرنا إلى أن المراد تكفير الصغائر دون الكبائر قال وذهب بعض العلماء من عصرنا إلى المراد تعميم ذلك ثم بالغ في الإنكار عليه وقد تقدم البحث عن مثل هذا مواضع من هذا الشرح وقد استشكل بعضهم كون العمرة كفارة مع أن اجتناب الكبائر يكفر للصغائر فماذا تكفر العمرة وأجيب بأن تكفير العمرة مقيد بزمنها وتكفير الأجتناب للكبائر عام لجميع عمر العبد فتغايرا من هذه الحيثية وقد جعل البخاري هذا الحديث المذكور من جملة أدلة وجوب العمة وفضلها وهو لا يصلح للاستدلال به على الوجوب وقد قيل أنه أشار إلى ماورد في بعض طرق الحديث المذكور وهو ما أخرجه الترمذي وغيره من حديث ابن مسعود مرفوعة:
"‏تابعوا بين الحج والعمرة فإن متابعة بينهما تنفي الذنوب والفقر كما ينفي الكبر خبث الحديد وليس للحجة المبرورة جزاء إلى الجنة‏"‏ فإن ظاهرة التسوية بين أصل الحج والعمرة ولكن الحق ما أسلفناه لأن هذا استدلال بمجرد الاقتران وقد تقدم ما فيه وأما الأمر بالمتابعة فهو مصروف عن معناه الحقيقي بما سلف - وفي الحديث - دلالة على استحباب الاستكثار من الاعتمار خلافا لقول من قال يكره أن يعتمر في السنة أكثر من مرة كالمالكية ولمن قال يكره أكثر من مرة في الشهرمن غيرهم واستدل للمالكية بأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لم يفعلها إلى من سنة إلى سنة وأفعاله على الوجوب أو الندب وتعقب بأن المندوب لا ينحصر في أفعاله صلى اللّه عليه وآله وسلم فقد كان يترك الشيء وهو يستحب فعله لدفع المشقة على أمته وقد ندب إلى العمرة بلفظه فثبت الأستحباب من غير تقييد واتفقوا على جوازها في جميع الأيام لمن لم يكن متلبسا بالحج إلى من نقل عن الحنفية أنها تكره في يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق‏.‏ وعن الهادي انها تكره في أيام

 

ج / 4 ص -284-       التشريق فقط وعن الهادوية أنها تكره في أشهر الحج لغير المتمتع والقارن إذ يشتغل بها عن الحج ويجاب بأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم اعتمر في عمره ثلاث عمر مفردة كلها في أشهر الحج وسيأتي لهذا مزيد بيان في باب جواز العمرة في جميع السنة‏.‏

باب وجوب الحج على الفور
1- عن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم:
"‏قال تعجلوا إلى الحج يعني الفريضة فإن أحدكم ما يعرض له‏"‏‏.‏ رواه أحمد‏.‏
2 - وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن الفضل أو أحدهما عن الآخر قال: "‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
من أراد الحج فليتعجل فإنه قد يمرض المريض وتضل الراحلة وتعرض الحاجة‏"‏‏.‏ رواه أحمد وابن ماجه وسيأتي قوله عليه السلام: "‏من كسر أوعرج فقد حل وعليه الحج من قابل‏"‏‏.‏
3 - وعن الحسن قال: "‏قال عمر بن الخطاب لقد هممت أن أبعث رجالا إلى هذه الأمصار فينظروا كل من كان له جدة ولم يحج فيضربوا عليهم الجزية ما هم بمسلمين‏"‏‏.‏ رواه سعيد في سننه‏.‏
حديث ابن عباس الآخر في إسناده إسماعيل بن خليفة العبسي أبو اسرائيل وهو صدوق ضعيف الحفظ‏.‏ وقال ابن عدي عامة ما يرويه يخالف فيه الثقات وحديث من كسر أو عرج يأتي إن شاء اللّه تعالي في باب الفوات والاحصار وأثر عمر اخرجه أيضا البيهقي - وفي الباب - عن أبي أمامة مرفوعا عند سعيد ابن منصور في سننه وأحمد وأبي يعلى والبيهقي بلفظ:
"‏من لم يحبسه مرض أو حاجة ظاهرة أو مشقة ظاهرة أو سلطان جائر فلم يحج فليمت إن شاء اللّه يهوديا وإن شاء نصرانيا‏"‏ ولفظ أحمد: "‏من كان ذا يسار فمات ولم يحج‏"‏ ثم ذكره كما سلف وفي إسناده ليث بن أبي سليم وهو ضعيف وشريك وهو سيء الحفظ وقد خالفه سفيان الثوري فأرسله رواة أحمد عن ابن سابط عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وكذا رواه ابن أبي شيبة مرسلا وله طريق أخرى عن علي مرفوعا عند الترمذي بلفظ: "‏من ملك زادا وراحلة تبلغه إلى بيت اللّه ولم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا وذلك لأن اللّه تعالى قال في كتابه وللّه حج البيت من استطاع إليه سبيلا‏"‏ قال الترمذي غريب في إسناده مقال والحرث يضعف وهلال بن عبد اللّه الراوي له عن أبي إسحاق مجهول‏.‏ وقال العقيلي لا يتابع عليه وقد روي عن علي موقوفا ولم يرو مرفوعا من طريق أحسن من هذا‏.‏ وقال المنذري طريق أبي أمامة على ما فيها أصلح من هذه وقد روى من طريق ثالثة عن أبي هريرة رفعه عند ابن عدي بلفظ: "‏من مات ولم يحج حجة الإسلام في غير وجع حابس

 

ج / 4 ص -285-       أو حاجة ظاهرة أو سلطان جائر ليمت أي الميتتين شاء إما يهوديا أو نصرانيا‏"‏ وهذه الطرق يقوي بعضها بعضا وبذلك يتبين مجازفة ابن الجوزي في عده لهذا الحديث من الموضوعات فإن مجموع تلك الطرق لا يقصر عن كون الحديث حسن لغيره وهو محتج به عند الجمهور ولا يقدح في ذلك قول العقيلي والدارقطني لا يصح في الباب شيء لأن نفي الصحة لا يستلزم نفي الحسن وقد شد من عضد هذا الحديث الموقوف الأحاديث المذكورة في الباب قال الحافظ وإذا انضم هذا الموقوف إلى مرسل ابن سابط علم أن لهذا الحديث أصلا ومحمله على من استحل الترك ويتبين بذلك خطأ من إدعى إنه موضوع انتهى‏.‏
وقد استدل المصنف بما ذكره في الباب على أن الحج واجب على الفور‏.‏ ووجه الدلالة من حديث ابن عباس الأول والثاني ظاهرة ووجهها من حديث:
"‏من كسر أو عرج‏"‏قوله: "‏وعليه الحج من قابل‏"‏ ولو كان على التراخي لم يعين العام القابل ووجهها من أثر عمر ومن الأحاديث التي ذكرناها ظاهر وغلى القول بالفوري ذهب مالك وأبو حنيفة وأحمد وبعض أصحاب الشافعي ومن أهل البيت زيد بن علي والهادي والمؤيد باللّه والناصر‏.‏ وقال الشافعي والأوزاعي وأبو يوسف ومحمد‏.‏ ومن أهل البيت القاسم ابن إبراهيم وأبو طالب أنه على التراخي واحتجوا بأنه صلى اللّه عليه وآله وسلم حج سنة عشر وفرض الحج كان سنة ست أو خمس وأجيب بأنه قد أختلف في الوقت الذي فرض عليه الحج ومن جملة الأقوال أنه فرض في سنة عشر فلا تأخير ولو سلم أنه فرض قبل العاشرة فتراخيه صلى اللّه عليه وآله وسلم إنما كان لكراهة الأختلاط في الحج بأهل الشرك لأنهم كانا يحجون ويطوفون بالبيت عراة فلما طهر اللّه البيت الحرام منهم حج صلى اللّه عليه وآله وسلم فتراخيه لعذر ومحل النزاع التراخي مع عدمه‏.‏

باب وجوب الحج على المعضوب إذا أمكنته الاستنابة وعن الميت إذا كان قد وجب عليه
1- عن ابن عباس: "‏أن إمراءة من خثعم قالت يا رسول اللّه إن أبي أدركته فريضة اللّه في الحج شيخا كبيرا لا يستطيع أن يستوي على ظهر بعيره قال
فحجي عنه‏"‏‏.‏ رواه الجماعة‏.‏
2 - وعن علي عليه السلام أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم: "‏جاءته امرأة شابة من خثعم فقالت إن أبي كبير وقد أفند وأدركته فريضة اللّه في الحج ولا يستطيع أداءها فيجزي عنه أن أؤديها عنه فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
نعم‏"‏‏.‏ رواه أحمد والترمذي وصححه‏.‏
3 - وعن عبد اللّه بن الزبير قال: "‏جاء رجل من خثعم إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال إن أبي أدركه الإسلام وهو شيخ كبير لا يستطيع ركوب الرحل والحج مكتوب عليه أفأحج عنه قال
أنت

 

ج / 4 ص -286-       أكبر ولده قال نعم قال أرأيت لو كان على أبيك دين فضيته عنه أكان يجزي ذلك عنه قال نعم قال فأحجج عنه‏"‏‏.‏
رواه أحمد والنسائي بمعناه‏.‏
حديث علي أخرجه أيضا البيهقي وحديث ابن الزبير قال الحافظ إن إسناده صالح‏.‏
قوله: "‏إن فريضة اللّه أدركت أبي‏"‏ قد اختلف هل المسؤل عنه رجل أو أمرأة كما وقع الاختلاف في الروايات في السائل ففي بعض الروايات أنه إمرأة وفي بعضها أنه رجل وقد بسط ذلك في الفتح:‏ شيخا قال الطيبي هو حال والمعنى أنه وجب عليه الحج بأن أسلم وهو بهذه الصفة‏.‏ قوله: "‏قال فحجي عنه‏"‏ في رواية للبخاري قال نعم‏:‏ قوله: "‏وقد أفند‏"‏ بهمزة مفتوحة ثم فاء ساكنة بعدها نون مفتوحة ثم دال مهملة قال في القاموس الفند بالتحريك الخرف وإنكار العقل بهرم أو مرض والخطأ في القول والرآي والكذب كالإفناد ولا تقل عجوز مفندة لأنها لم تكن ذات رأي أبدا وفنده تفنيدا أكذبه وعجزه وخطأ رأية كافنده انتهى‏.‏
قوله: "‏أنت أكبر ولده‏"‏ فيه دليل على أن المشروع ان يتولى الحج عن الأب العاجز أكبر أولاده قوله: "‏أرأيت‏"‏ الخ فيه مشروعة القياس وضرب المثل ليكون أوضح وأوقع في نفس السامع وأقرب إلى سرعة فهمه وفيه تشبيه ما أختلف فيه وأشكل بما أتفق عليه وفيه أنه يستحب التنبيه على وجه الدليل لمصلحة وأحاديث الباب تدل على أنه يجوز الحج من الولد عن والده إذا كان غير قادر على الحج وقد أدعى بعضهم أن هذه القصة مختصة بالخثعمية كما أختص سالم مولى أبي حذيفة بجواز إرضاع الكبير حكاه ابن عبد البر وتعقب بأن الأصل عدم الخصوص وأما ما رواه عبد الملك بن حبيب صاحب الواضحة بإسنادين مرسلين في هذا الحديث في هذا الحديث فزاد حجي عنه وليس لأحد بعده فلا حجة في ذلك لضعف إسنادهما مع الإرسال والظاهر عدم اختصاص جواز ذلك بالابن وقد ادعة جماعة من أهل العلم أنه خاص به‏.‏
قال في الفتح ولا يخفى أنه جمود وقال القرطبي رأي مالك أن ظاهر حديث الخثعمية مخالف للقرآن فيرجح ظاهر القرآن ولا شك في ترجحه من جهة تواتره انتهى ولكنه يقال هو عموم مخصوص بأحاديث الباب ولا تعارض بين عام وخاص وهذه الأحاديث ترد على محمد بن الحسن حيث قال فمن الحج يقع عن المباشر وللمحجوج عنه أجر نفقته وقد اختلفوا فيما إذا عوفى المعضوب فقال الجمهور لا يجزئه لأنه تبين أنه لم يكن مأيوسا عنه‏.‏ وقال أحمد وأسحق لانلزمه الإعادة لئلا تفضى إلى إيجاب حجتين وأجيب بأن العبرة بالانتهاء وقد انكشف إن الحجة الأولى غير مجزئة‏.‏
4 - وعن ابن عباس: "‏إن إمرأة من جهينة جاءت إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقالت أن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها قال
نعم حجي عنها أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته أقضوا اللّه فاللّه

 

ج / 4 ص -287-       أحق بالوفاء‏"‏‏.‏ رواه البخاري والنسائي بمعناه‏.‏ وفي رواية لأحمد والبخاري بنحو ذلك وفيها قال: "‏جاء رجل فقال أن أختي نذرت أن تحج‏"‏ وهو يدل على صحة الحج عن الميت من الوارث وغيره حيث لم يستفصله أوارث هوأم لا وشبهه بالدين‏.‏
5 - وعن ابن عباس قال: "‏أتى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم رجل فقال إن أبي مات وعليه حجة الإسلام أفاحج عنه قال
أرأيت لو أن أباك ترك دينا عليه أقضيته عنه قال نعم قال فأحجج عن أبيك‏"‏‏.‏ رواه الدارقطني‏.‏
حديث ابن عباس الآخر أخرجه النسائي والشافعي وابن ماجه‏:‏ قوله: "‏إن أمي نذرت‏"‏ الخ قيل إن هذا الحديث مضطرب لأنه قد روى أن هذه المرأة قالت إن أمي ماتت وعليها صوم شهر كما تقدم في الصيام وأجيب بأنه محمول على أن المرأة سألت عن كل من الصوم والحج ويؤيد ذلك ماعند مسلم عن بريدة: "‏أن امرأة قالت أن أمي‏"‏وفيه: "‏يا رسول اللّه إنه كان عليها صوم شهر أفاصوم عنها قال
صومي عنها قالت إنها لم تحج أفأحج عنها قال حجي عنها‏"‏قوله: "‏قال نعم‏"‏فيه دليل على صحة النذر بالحج ممن لم يحج فإذا حج أجزأ عن حجة الإسلام عند الجمهور وعليه الحج عن النذر وقيل يجزيء عن النذر ثم يحج عن حجة الإسلام وقيل يجزيء عنهما: "‏وفيه دليل‏"‏ أيضا على إجزاء الحج عن الميت من الولد وكذلك من غيره ويدل على ذلك قوله: "‏اقضوا اللّه فاللّه أحق بالوفاء‏"‏وروى سعيد بن منصور وغيره عن ابن عمر بإسناد صحيح أنه لا يحج أحد عن أحد ونحوه عن مالك والليث‏.‏ وعن مالك أن أوصى بذلك فليحج عنه وإلا فلا:‏قوله: "أكنت قاضيته‏"‏فيه دليل على أن من مات وعليه حج وجب على وليه أن يجهز من يحج عنه من رأس ماله كما أن عليه قضاء ديونه وقد أجمعوا على أن دين الآدمي من رأس المال فكذلك ما شبه به في القضاء ويلحق بالحج كل حق ثبت في ذمته من نذر أو كفارة أو زكاة أو غير ذلك‏:‏ قوله: "فاللّه أحق بالوفاء‏"‏فيه دليل على أنه حق اللّه مقدم على حق الآدمي وهو أحد أقوال الشافعي وقيل بالعكس وقيل سواء:‏قوله: "‏جاء رجل فقال إن أختي‏"‏الخ لامنافاة بين هذه الرواية والأولى لأنه يحتمل أن تكون القصة متعددة وأن تكون متحدة ولكن النذر وقع من الأخت والأم فسأل الأخ عن نذر أخته والبنت عن نذر الأم: "‏وقد استدل‏"‏ المصنف بهذه الرواية على صحة الحج من غير الوارث لعدم استفصاله صلى اللّه عليه وآله وسلم للأخ هل هو وارث أولا وترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال كما تقرر في الأصول: "‏واستدل‏"‏ بأحاديث الباب على أنه يصح ممن لم يحج أن يحج نيابة عن غيره لعدم استفصاله صلى اللّه عليه وآله وسلم لمن سأله عن ذلك وبه قال الكوفيون وخالفهم الجمهور فخصوه بمن حج عن نفسه واستدلوا بحيث ابن عباس الآتي في باب من حج عن غيره ولم يكن حج عن نفسه وسيأتي الكلام فيه‏.‏ قوله: "‏إن أبي مات وعليه حجة الإسلام‏"‏ الخ فيه دليل على أنه يجوم للابن أن

 

ج / 4 ص -288-       يحج عن أبيه حجة الإسلام بعد موته وإن لم يقع منه وصية ولا نذر ويدل على الجواز من غير الولد حديث الذي سمعه النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول لبيك عن شبرمة وسيأتي‏.

باب اعتبار الزاد والراحلة
1 - عن أنس: "‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم في قوله عز وجل ‏: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}‏ قال قيل يا رسول اللّه ما السبيل قال الزاد والراحلة‏"‏‏.‏ رواه الدارقطني‏.‏
2 - وعن ابن عباس: "‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال
الزاد والراحلة يعني قوله من استطاع إليه سبيلا‏"‏‏.‏ رواه ابن ماجه‏.‏
الحديث الأول أخرجه أيضا الحاكم وقال صحيح على شرطهما والبيهقي كلهم من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس مرفوعا قال البيهقي الصواب عن قتادة عن الحسن مرسلا‏.‏ قال الحافظ وسنده صحيح إلى الحسن ولا أرى الموصول إلا وهما وقد رواه الحاكم من حديث حماد بن سلمة عن قتادة عن أنس أيضا إلا أن الراوي عن حماد هو أبو قتادة عبداللّه بن واقد الحراني وهو منكر الحديث كما قال أبو حاتم ولكنه قد وثقه أحمد‏.‏ والحديث الثاني أخرجه أيضا الدارقطني قال الحافظ وسنده ضعيف‏.‏ ورواه ابن المنذر من قول ابن عباس - وفي الباب - عن ابن عمر عند الشافعي والترمذي وحسنه وابن ماجه والدارقطني وفي إسناده إبراهيم بن يزيد الخوزي بخاء معجمة مضمومة ثم واو ثم زاي معجمة وقد قال فيه أحمد والنسائي متروك الحديث وعن جابر وعلي وابن مسعود وعائشة وعبد اللّه بن عمر وعند الدارقطني من طرق قال الحافظ كلها ضعيفة‏.‏ وقد قال عبد الحق أن طرق الحديث كلها ضعيفة‏.‏ وقال أبو بكر بن المنذر لا يثبت الحديث في ذلك مسندا والصحيح من الروايات رواية الحسن المرسلة ولا يخفى أن هذه الطرق يقوي بعضها بعضا فتصلح للاحتجاج بها وبها استدل من قال أن الاستطاعة المذكورة في القرآن هي الزاد والراحلة وقد حكى في البحر عن الأكثر أن الزاد شرط وجوب وهو أن يجد ما يكفيه ويكفي من يعول حتى يرجع‏.‏ وحكى أيضا عن ابن عباس وابن عمر والثوري والهادوية وأكثر الفقهاء أن الراحلة شرط وجوب وقال ابن الزبير وعطاء وعكرمة ومالك أن الاستطاعة الصحة لا غير‏.‏ وقال مالك والناصر والمرتضى وهو مروي عن القاسم أن من قدر على المشي لزمه أنه من لم يجد راحلة لقوله تعالى ‏:
{يَأْتُوكَ رِجَالاً}‏ قال مالك ومن عادته السؤال لزمه وإن لم يجد الزاد وفي كتب الفقه تفاصيل في قدر افستطاعة ليس هذا محل بسطها والذي دل عليه الدليل هو اعتبار الزاد الراحلة‏.‏

 

ج / 4 ص -289-       باب ركوب البحر للحج إلا أن يغلب على ظنه الهلاك
1 - عن عبد اللّه بن عمرو: "‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
لا تركب البحر إلا حاجا أو معتمرا أو غازيا في سبيل اللّه عز وجل فإن تحت البحر نارا وتحت النار بحرا‏"‏‏.‏ رواه أبو داود وسعيد بن منصور في سننهما‏.‏
2 - وعن أبي عمران الجوني قال: "‏حدثني بعض أصحاب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وغزونا نحو فارس فقال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
من بات فوق بيت ليس له إجار فوقع فمات فقد برئت منه الذمة ومن ركب البحر عند ارتجاجه فمات برئت منه الذمة‏"‏‏.‏ رواه أحمد‏.‏
الحديث الأول أخرجه أيضا البيهقي قال أبو داود رواته مجهولون وقال الخطابي ضعفوا إسناده وقال البخاري ليس هذا الحديث بصحيح ورواه البزار من حديث نافع عن ابن عمر مرفوعا وفي إسناده ليث بن أبي سليم‏.‏
والحديث الثاني في إسناده زهير بن عبد اللّه قال الذهبي هو مجهول لا يعرف وأخرج هذا الحديث أبو داود عن عبد اللّه بن علي يعني شيبان قال: "‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
من بات على ظهر بيت ليس له حجار فقد برئت منه الذمة‏"‏ وبوب عليه باب النوم على سطح غير محجر وسكت عنه هو والمنذري‏.‏ قوله: "‏ليس له أجار‏"‏ الإجار بهمزة مكسورة بعدها جيم مشددة وآخره راء مهملة هو ما يرد الساقط من البناء من حائط على السطح أو نحوه ورواية أبي داود ليس له حجار كما تقدم قال المنذري هكذا وقع في روايتنا حجار براء مهملة بعد الألف ويدل عليه تبويب أبي داود على هذا الحديث كما تقدم فإنه قال على سطح غير محجر والحجار جمع حجر بكسر الحاء أي ليس عليه شيء يستره يمنعه من السقوط ويقال احتجرت الأرض إذا ضربت عليها منارا تمنعها به عن غيرك أو يكون من الحجر أي حظيرة الإبل وحجرة الدار وهو راجع إلى المنع أيضا ورواه البخاري أيضا بالياء حجي وذكر أنه يروى بكسر الحاء وفتحها قال غيره فمن كسر شبهه بالحجي الذي هو العقل لأن الستر يمنع من الفساد ومن فتحه قال الحجي مقصور الطرف والناحية وجمعه أحجاء قال المنذري وقد روى أيضا أحجاب بالباء قوله: "‏عند ارتجاجه‏"‏ الارتجاج الاضطراب ‏.‏
والحديث الأول يدل على عدم جواز ركوب البحر لكل أحد إلا للحاج والمعتمر والغازي ويعارضه حديث أبي هريرة المتقدم في أول هذا الكتاب لأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لم ينكر على الصيادين لما قالوا له: "‏إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء‏"‏وروى الطبراني في الأوسط من طريق قتادة عن الحسن عن سمرة قال كان أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يتجرون في البحر وفي سماع الحسن من سمرة مقال معروف وغاية ما في ذلك أن يكون ركوب البحر للصيد والتجارة مما خصص به عموم مفهوم حديث الباب على فرض صلاحيته للاحتجاج ‏.‏ والحديث الثاني يدل على عدم جواز المبيت على سطوح التي ليس لها حائط‏.‏ وعلى جواز ركوب البحر في أوقات اضطرابه‏.‏

 

ج / 4 ص -290-       باب النهي عن سفر المرأة للحج وغيره إلا بمحرم
1 - عن ابن عباس: "‏أنه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يخطب يقول لا يخلون رجل بإمرأة إلا ومعها ذو محرم ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم فقال رجل فقال يا رسول اللّه إن إمرأتي خرجت حاجة وإني اكتتبت غزوة كذا وكذا قال فانطلق فحج مع إمرأتك‏"‏‏.‏
2 - وعن ابن عمر قال: "‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
لا تسافر المرأة ثلاثا إلا ومعها ذو محرم‏"‏‏.‏
متفق عليهما‏.‏
3 - وعن أبي سعيد: "‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نههى أن تسافر المرأة مسيرة يومين أو ليلتين إلا ومعها زوجها أو ذو محرم‏"‏‏.‏ متفق عليه‏.‏ وفي لفظ قال:
"‏لا يحل لإمرأة تؤمن باللّه واليوم الآخر أن تسافر سفرا يكون ثلاثة أيام فصاعدا إلا ومعها أبوها أو زوجها أو إبنها أو أخوها أو ذو محرم منها‏"‏‏.‏ رواه الجماعة إلا البخاري والنسائي‏.‏
4 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال:
"‏لا يحل لإمرأة تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم عليها‏"‏‏.‏ متفق عليه‏.‏ وفي رواية: "‏مسيرة يوم‏"‏‏.‏ وفي رواية: "‏مسيرة ليلة‏"‏‏.‏ وفي رواية: "‏لا تسافر امرأة مسيرة ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم‏"‏ رواهن أحمد ومسلم‏.‏ وفي رواية لأبي داود: "‏بريدا‏"‏‏.‏
قوله: "‏لا يخلون رجل بامرأة‏"‏ الخ فيه منع الخلوة بالأجنبية وهو إجماع كما قال في الفتح وتجوز الخلوة مع وجود المحرم واختلفوا هل يقوم غير المحرم مقامه في هذا كالنسوة الثقات فقيل يجوز لضعف التهمة وقيل لا يجوز بل لا بد من المحرم وهو ظاهر الحديث‏.‏
وقوله: "‏ولا تسافر المرأة‏"‏ أطلق السفر ههنا وقيده في الأحاديث المذكورة بعده‏.‏ قال في الفتح وقد عمل أكثر العلماء في هذا الباب بالمطلق لاختلاف التقديرات‏.‏ قال النووي ليس المراد من التحديد ظاهره بل كل ما يسمى سفرا فالمرأة منهية عنه إلا بالمحرم وإنما وقع التحديد عن أمر واقع فلا يعمل بمفهومه‏.‏ وقال ابن التين وقع الاختلاف في مواطن بحسب السائلين‏.‏ وقال المنذري يحتمل أن يقال أن اليوم المفرد والليلة المفردة بمعنى اليوم والليلة يعني فمن أطلق يوما أراد بليلته أو ليلة أراد بيومها قال ويحتمل أن يكون هذا كله تمثيلا لأوائل الأعداد فاليوم أول العدد والإثنان أول التكثير والثلاث أول الجمع ويحتمل أنه ذكر الثلاث قبل ذكر ما دونها فيؤخذ

 

ج / 4 ص -291-       بأقل ما ورد من ذلك وأقله الرواية التي فيها ذكر البريد كما في رواية أبي هريرة المذكورة في الباب وقد أخرجها الحاكم والبيهقي وقد ورد من حديث ابن عباس عند الطبراني ما يدل على اعتبار المحرم فيما دون البريد ولفظه: "‏لا تسافر المرأة ثلاثة أميال إلا مع زوج أو ذي محرم‏"‏ وهذا هو الظاهر أعني الأخذ بأقل ما ورد لأن ما فوقه منهي عنه بالأولى والتنصيص على ما فوقه كالتنصيص على الثلاث واليوم والليلة واليومين والليلتين لا ينافيه لأن الأقل موجود في ضمن الأكثر وغاية الأمر أن النهي عن الأكثر يدل بمفهومه على أن ما دونه غير منهي عنه والنهي عن الأقل منطوق وهو أرجح من المفهوم وقالت الحفية أن المنع ميد بالثلاث لأنه متحقق وما عداه مشكوك فيه فيؤخذ بالمتيقين‏.‏ ويوض بأن الرواية المطلقة شلملة لكل سفرينبغي الأخذ بها وطرح ما سواها فإنه مشكوك فيه والولى أن يقال أن الرواية المطلقة مقيدة بأقل ما ورد وهي رواية اللأميال إن صحت وإلا فرواية البريد‏.‏ وقال سفيان يعتبر المحرم في المسافة البعيدة لا القريبة وقال أحمد لا يجب الحج على المرأة إذا لم تجد محرما‏.‏ وإلى كون المحرم شرطا في الحج ذهبت العترة وأبو حنيفة والنخعي وإسحاق والشافعي في أحد قوليه على خلاف بينهم هل هو شرط أداء أو شرط وجوب‏.‏ وقال مالك وهو مروى عن أحمد أنه لا عتبر المحرم في سفر الفريضة وروى عن الشافعي وجعلوه مخصوصا من عموم الأحاديث بالإجماع‏.‏ ومن جملة سفر الفريضة سفر الحج وأجيب بأن المجمع عليه إنما هو سفر الضرورة فلا يقاس عليه سفر الاختيار كذا قال صاحب المغني‏.‏ وأيضا وقع عند الدارقطني بلفظ: "‏لا تحجن امرأة إلا ومعها زوج‏"‏ وصححه أبو عوانة‏.‏ وفي رواية للدارقطني أيضا عن أبي أمامة مرفوعا: "‏لا تسافر المرأة سفر ثلاثة أيام أو تحج إلا ومعها زوجها‏"‏ فكيف يخص سفر الحج من بقية الأسفار‏.‏ وقد قيل أن اعتبار المحرم إنما هو في حق من كانت شابة لا في حق العجوز لأنها لا تشتهي‏.‏ وقيل لا فرق لأن لكل ساقط لاقطا وهو مراعاة للأمر النادر وقد أحتج أيضا من لم يعتبر المحرم في سفر الحج بما في البخاري من حديث عدي بن حاتم مرفوعا بلفظ: "‏يوشك أن تخرج الظعينة من الحيرة تؤم البيت لا جوار معها‏"‏ وتعقب بأنه يدل على وجود ذلك لا على جوازه وأجيب عن هذا بأنه خبر في سياق المدح ورفع منار الإسلام فيحمل على الجواز والأولى على ما قال المتعقب جمعا بينه وبين أحاديث الباب‏.‏
قوله: "‏إلا مع ذي محرم‏"‏ يعني فيحل لها السفر‏.‏ قال في الفتح وضابط المحرم عند العلماء من محرم عليه نكاحها على التأبيد بسبب مباح لحرمتها خرج بالتأبيد زوج الأخت والعمة وبالمباح أم الموطوءة بشبهة وبنتها وبحرمتها الملاعنة‏.‏ واستثنى أحمد الأب الكافر فقال لا يكون محرما لإبنته المسلمة لأنه لا يؤمن أن يفتنها عن دينها ومقتضاه إلحاق سائر القرابة الكفار لوجود العلة‏.‏ وروي عن البعض أن العبد كمالمحرم وقد روى سعيد بن منصور من حديث ابن ابن عمر مرفوعا:
"‏سفر المرأة مع عبدها ضيعة‏"‏ قال الحافظ لكن في إسناده ضعف قال وينبغي لمن قال بذلك ان يقيده بما إذا كانا في قافلة بخلاف ما إذا كانا وحدهما فلا لهذا الحديث‏:‏ قوله: "‏فحج

 

ج / 4 ص -292-       مع امرأتك‏"‏ فيه دليل على أن الزوج داخل في مسمى المحرم أو قائم مقامه‏.‏ قال في الفتح وقد أخذ بظاهر الحديث بعض أهل العلم فأوجب على الزوج السفر مع امرأته إذا لم يكن لها غيره وبه قال أحمد ووهو وجه للشافعي والمشهور أنه لا يلزمه كالولي في الحج عن المريض فلو امتنع إلا بأجرة لزمتها لأنه من سبيلها فصار في حقها كالمؤنة واستدل به على أنه ليس للزوج منع امرأته من حج الفرض وبه قال أحمد وهو وجه للشافعية والأصح عندهم أنه لو منعها لكون الحج على التراخي‏.‏ وقد روى الداقطني عن ابن عمر مرفوعا في امرأة لها زوج ولها مال ولا يأذن لها في الحج ليس لها أن تنطلق إلا بإذن زوجها وأجيب عنه بأنه محمول على حج التطوع جمعا بين الحديثين ونقل ابن المنذر الإجماع على أن للرجل منع زوجته عن الخروج في الأسفار كلها وإنما اختلفوا فيما إذا كان واجبا وقد استدل ابن حزم بهذا الحديث على أ،ه يجوز للمرأة السفر بغير زوج ولا محرم لكونه صلى اللّه عليه وآله وسلم لم يعب عليها ذلك السفر بعد أن أخبره زوجها وتعقب بأنه لو لم يكن ذلك شرطا لما أمر زوجها بالسفر معها وترك الغزو والذي كتب فيه‏:‏ قوله: "‏إلا ومعها أبوها‏"‏الخ وقع في هذه الرواية بيان بعض المحارم‏.‏
وقوله: "‏أو ذو محرم منها‏"‏ من عطف العام على الخاص
وأحاديث الباب تدل على أنه لا يجب الحج على المرأة إلا إذا كان لها محرم‏.‏ قال ابن دقيق العيد هذه المسألة تتعلق بالعامين إذا تعارضا فإن قوله تعالى‏:‏ ‏:
{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ}‏ الآية عام في الرجال والنساء فمقتضاه أن الاستطاعة على السفر إذا وجدت وجب الحج على الجميع‏.‏ وقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم: "‏لا تسافر المرأة إلا مع محرم‏"‏ عام في كل سفر فيدخل فيه الحج فمن أخرجه عن خص الحديث بعموم الآية ومن أدخله فيه خص الآية بعموم الحديث فيحتاج إلى الترجيح من خارج انتهى‏.‏ ويمكن أن يقال أن أحاديث الباب لا تعارض الآية لأنها تضمنت أن المحرم في حق المرأة من جملة افستطاعة على السفر التي أطلقها القرآن وليس فيها إثبات أمر غير الاستطاعة المشروطة حتى تكون من تعارض العمومين لا يقال الاستطاعة المذكورة قد بينت بالزاد والراحلة كما تقدم لأنا نقول قد تضمنت أحاديث الباب زيادة على ذلك البيان باعتبار النساء غير منافية فيتعين قبولها على أن التصريح بغير اشتراط المحرم في سفر الحج لخصوصه كما في الرواية التي تقدمت مبطل لدعوى التعارض‏.‏

باب من حج عن غيره ولم يكن حج عن نفسه
1 - عن ابن عباس: "‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم سمع رجلا يقول لبيك عن شبرمة قال
من شبرمة قال أخ لي أو قريب لي قال حججت عن نفسك قال لا قال حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة‏"‏‏.‏ رواه أبو داود وابن ماجه‏.‏ وقال: "‏فاجعل هذه عن نفسك ثم احجج عن شبرمة‏"‏ والدارقطني وفيه قال: "‏هذه لك وحج عن شبرمة‏"‏‏.‏

 

ج / 4 ص -293-       الحديث أخرجه أيضا ابن حبان وصححه البيهقي وقال إسناده صحيح وليس في هذا الباب أصح منه وقد روى موقوفا والرفع زيادة يتعين قبولها إذا جاءت من طريق ثقة وهي ههنا كذلك لأن الذي رفعه عبدة بن سليمان قال الحافظ وهو ثقة محتج به في الصحيحين وقد تابعه محمد بن بشر ومحمد بن عبيد اللّه الأنصاري وكذا رجح عبد الحق وابن القطان رفعه ورجحه الطحاوي أنه موقوف وقال أحمد رفعه خطأ‏.‏ وقال ابن المنذر لا يثبت رفعه وقد أطال الكلام صاحب التلخيص ومال إلى صحته‏:‏ قوله: "‏سمع رجلا‏"‏ زعم ابن باطيش أن اسم الملبي نبيشة قال الحافظ وهو وهم منه فإنهاسم الملبي عنه فيما زعم الحسن بن عمارة وخالفه الناس فيه فقالوا أنه شبرمة وقد قيل أن الحسن بن عمارة رجع عن ذلك وقد بين الدارقطني في السنن وظاهر الحديث أنه لا يجوز لمن لم يحج عن نفسه أن يحج عن غيره وسواء كان مستطيعا أو غير مستطيع لأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لم يستفصل الرجل الذي سمعه يلبي عن شبرمة وهو ينزل منزلة العموم وإلى ذلك ذهب الشافعي والناصر وقال الثوري والهادي والقاسم أنه يجزي حج من لم يحج عن نفسه ما لم يتضيق عليه واستدل لهم في البحر بقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم: "‏هذه عن نبيشة وحج عن نفسك‏"‏ فكأنهم جمعوا بين هذا وبين حديث الباب بحمل حديث الباب على من كان مستطيعا ولكن الحديث الذي غستدل لهم به صاحب البحر لا أدرؤي من رواه ولم أقف عليه في شيء من كتب الحديث المعتمدة فينبغي افعتماد على حديث الباب ومن زعم أن في السنة ما يعارضه فليطلب منه التصحيح لمدعاه‏.‏ وقد روى الدارقطني حديث نبيشة موافقا لحديث شبرمة لا مخالفا له كما زعم صاحب البحر وتقدم قول من قال أن اسم شبرمة نبيشة‏.‏

باب صحة حجة الصبي والعبد من غير إيجاب له عليهما
1 - عن ابن عباس: "‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لقي ركبا بالروحاء فقال
من القوم قالوا المسلمون فقالوا من أنت فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فرفعت إليه امرأة صبيا فقالت ألهذا حج قال نعم ولك أجر‏"‏‏.‏
رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي‏.‏
2 - وعن السائب بن يزيد قال: "‏حج بي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في حجة الوداع وأنا ابن سبع سنين‏"‏ رواه أحمد والبخاري والترمذي وصححه‏.‏
3 - وعن جابر قال: "‏حججنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ومعنا النساء والصبيان فلبينا عن الصبيان ورمينا عنهم‏"‏‏.‏ رواه أحمد وابن ماجه‏.‏
4 - وعن محمد بن كعب القرظي: "‏عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال
أيما صبي حج به أهله فمات أجزأت عنه فإن أدرك فعليه الحج وأيما

 

ج / 4 ص -294-       رجل مملوك حج به أهله فمات أجزأت عنه فإن أعتق فعليه الحج‏"‏‏.‏ ذكره أحمد بن حنبل في رواية ابنة عبد اللّه هكذا مرسلا‏.‏
حديث جابر أخرجه أيضا ابن أبي شيبة وفي إسناده أشعث بن سوار وهو ضعيف ورواه الترمذي من هذا الوجه بلفظ آخر قال: "‏كنا إذا حججنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فكنا نلبي عن النساء ونرمي عن الصبيان‏"‏ قال ابن القطان ولفظ ابن أبي شيبة أشبه بالصواب فإن المرأة لا يلبي عنها غيرها أجمع على ذلك أهل العلم‏.‏ وأخرج الترمذي أيضا من حديث جابر نحو حديث ابن عباس واستغربه وحديث محمد بن كعب أخرجه أيضا أبو داود في المراسيل وفيه راو مبهم - وفي الباب - عن ابن عباس عند البخاري: "‏أنه بعثه صلى اللّه عليه وآله وسلم في الثقل‏"‏ بفتح المثلثة والقاف ويجوز إسكانها أي الأمتعة ووجه الدلالة منه أن ابن عباس كان دون البلوغ
استدل بأحاديث الباب من قال أنه يصح حج الصبي ابن بطال أجمع أئمة الفتوى على سقوط الفرض عن الصبي حتى يبلغ إلا أنه إذا حج كان له تطوعا عند الجمهور وقال أبو حنيفة لا يصح إحرامه ولا يلزمه شيء من محظورات الإحرام وإنما يحج به على جهة التدريب وشذ بعضهم فقال إذا حج الصبي أجزأه ذلك عن حجة الإسلام لظاهر قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم: "‏نعم‏"‏ في جواب قولها ألهذا حج‏.‏ وإلى مثل ما ذهب إليه أبو حنيفة ذهبت الهادوية وقال الطحاوي لا حجة في قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم نعم على أنه يجزئه عن حجة الإسلام بل فيه حجة على من زعم أنه لا حج له قال لأن ابن عباس راوي الحديث قال أيما غلام حج به أهله ثم بلغ فعليه حجة أخرى ثم شاقه بإسناد صحيح وقد أخرج هذا الحديث مرفوعا الحاكم وقال على شرطهما والبيهقي وابن حزم وصححه وقال ابن خزيمة الصحيح موقوفا وأخرجه كذلك قال البيهقي تفرد برفعه محمد بن المنهال ورواه الثوري عن شعبة موقوفا ولكنه قد تابع محمد بن المنهال على رفعه الحرث بن شريح أخرجه كذلك الإسماعيلي والخطيب ويؤيد صحة رفعه ما رواه ابن أبي شيبة عن ابن عباس قال احفظوا عني ولا تقولوا قال ابن عباس قال احفظوا عني ولا تقولوا قال ابن عباس فذكره وهو ظاهر في الرفع‏.‏ وقال أخرج ابن عدي من حديث جابر بلفظ:
"‏لو حج صغير حجة لكان عليه حجة أخرى‏"‏‏.‏ ومثل هذا حديث محمد بن كعب المذكور في الباب فيؤخذ من المجموع هذه الأحاديث أنه يصح حج الصبي ولا يجزئه عن حجة افسلام إذا بلغ وهذا هو الحق فيتعين المصير إليه جمعا بين الأدلة‏.‏ قال القاضي عياض أجمعوا على أنه لا يجزئه إذا بلغ عن فريضة الإسلام إلا فرقة شذت فقالت يجزئه لقوله نعم‏.‏ وظاهره استقامة كون حج الصبي حجا مطلقا‏.‏ والحج إذا أطلق تبادر منه إسقاط الواجب ولكن العلماء ذهبوا إلى خلافه ولعل ميتندهم حديث ابن عباس يعني المتقدم فقال وقد ذهبت طائفة من أهل البدع إلى منع الصغير من الحج قال النووي وهو مردود لا يلتفت غليه لفعل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وأصحابه وإجماع الأمة على خلافه انتهى‏.‏
وقد احتج أصحاب الشافعي بحديث ابن عباس الذي ذكره المصنف رحمة اللّه على أن الأم تحرم عن الصبي وقال ابن الصباغ ليس في الحديث دلالة على ذلك‏.

 

ج / 4 ص -295-       أبواب مواقيت الإحرام وصفته وإحكامه
باب المواقيت المكانية وجواز التقدم عليها

1 - عن ابن عباس قال: "‏وقت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل نجد قرن المنازل ولأهل اليمن يلملم قال فهن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن كان يريد الحج والعمرة فمن كان دونهن فمهله من أهله وكذلك حتى أهل مكة يهلون منها‏"‏‏.‏
2 - وعن ابن عمر: "‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال
يهل أهل المدينة من ذي الحليفة ويهل أهل الشام من الجحفة ويهل أهل نجد من قرن قال ابن عمر وذكر لي ولم أسمع أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال ومهل أهل اليمن من يلملم‏"‏‏.‏ متفق عليهما زاد أحمد في رواية وقاس الناس ذات عرق بقرن‏.‏
قوله‏:‏: "‏وقت‏"‏ المراد بالتوقيت هنا التحديد ويحتمل أن يريد به تعليق الإحرام بوقت الوصول إلى هذه الأماكن بالشرط المعتبر‏.‏ وقال القاضي عياض وقت أي حدد قال الحافظ وأصل التوقيت أن يجعل للشيء وقت يختص به وهو بيان مقدار المدة ثم إتسع فيه فأطلق على المكان أيضا قال ابن الأثير التأقيت أن يجعل للشيء وقت يختص به وهو بيان مقدار المدة يقال وقت الشيء بالتشديد يؤقته ووقته بالتخفيف يقته إذا بين مدته ثم اتسع فيه فقيل للموضع ميقات‏.‏ وقال ابن دقيق العيد أن التأقيت في اللغة تعليق الحكم بالوقت ثم استعمل للتحديد والتعيين وعلى هذا فالتحديد من لوازم الوقت وقد يكون وقت بمعنى أوجب ومنه قوله تعالى ‏:
{إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً‏}‏:‏ قوله: "‏لأهل المدينة ذا الحليفة‏"‏‏.‏بالحاء المهملة والفاء مصغرا قال في الفتح مكان معروف بينه وبين مكة مائتا ميل غير ميلين قاله ابن حزم وقال غيره بينهما عشر مراحل‏.‏ قال النووي بينها وبين المدينة ستة أميال ووهم من قال بينهما واحدوهو ابن الصباغ وبها مسجد يعرف بمسجد الشجرة خراب وفيها بئر يقال لها بئر على انتهى‏:‏ قوله: "‏الجحفة‏"‏‏.‏بضم الجيم وسكون المهملة قال في الفتح وهي قرية خربة بينها وبين مكة خمس مراحل أوست وفي قول النووي في شرح المهذب ثلاث مراحل نظر وقال في القاموس هي على اثنين وثمانين ميلا من مكة وبها غدير خم كما قال صاحب النهاية‏.‏ قوله: "‏قرن المنازل‏"‏‏.‏ بفتح القاف وسكون الراء بعدها نون وضبطه صاحب الصحاح بفتح الراء وغلطة صاحب القاموس وحكى النووي الأتفاق على تخطئته وقيل أنه بالسكون الجبل وبالفتح الطريق حكاه عياض عن القابسي قال في الفتح والجبل المذكور بينه

 

ج / 4 ص -296-       وبين مكة من جهة المشرق مرحلتان‏.‏ قوله: "‏يلملم‏"‏‏.‏ بفتح التحتانية واللام وسكون الميم بعدها لام مفتوحة ثم ميم قال في القاموس ميقات أهل اليمن على مرحلتين من مكة وقال في الفتح كذلك وزاد بينهما ثلاثون ميلا‏:‏ قوله: "‏فهن‏"‏‏.‏أي المواقيت المذكورة وهي ضمير جماعة المؤنث واصله لما يعقل وقد يستعمل فيما لا يعقل لكن فيما دون العشرة كذا في الفتح‏:‏ قوله: "‏لهن‏"‏‏.‏أي للجماعات المذكورة ويدل عليه ما وقع في رواية في الصحيحين بلفظ: "‏هن لهم أو لأهلهن‏"‏‏.‏على حذف المضاف كما وقع في البخاري بلفظ: "‏هن لاهلن‏"‏‏.‏
قوله‏:‏: "‏ولمن أتى عليهن‏"‏‏.‏ أي على المواقيت من غير أهل البلاد المذكورة فإذا أراد الشامي الحج فدخل المدينة فميقاته ذو الحليفة لاجتيازه عليها ولا يؤخر حتى يأتى الجحفة التي هي ميقاته الأصلي فإن أخر أساء ولزمه دم عند الجمهور وادعى النووي الإجماع على ذلك وتعقب بأن المالكية يقولون يجوز له ذلك وإن كان الأفضل خلافه وبه قالت الحنفية وأبو ثور وابن المنذر من الشافعية وهكذا ما كان من البلد ان خارجا عن البلدان المذكورة فإن ميقات أهلها الميقات الذي يأتون عليه‏:‏ قوله: "‏فمن كان دونهن‏"‏‏.‏أي بين الميقات ومكة‏:‏ قوله: "‏فمهله من أهله‏"‏‏.‏أي فميقاته من محل أهله وفي رواية للبخاري:
"‏فمن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ‏"‏‏.‏أي من حيث أنشأ الأحرام إذا سافر من مكانه إلى مكة قال في الفتح وهذا متفق عليه إلا ما روى عن مجاهد انه قال ميقات هؤلاء نفس مكة ويدخل في ذلك من سافر غير قاصد للنسك فجاوز الميقات ثم بد اله بعد ذلك النسك فإنه يحرم من حيث تجدد له القصد ولا يجب عليه الرجوع إلى الميقات‏:‏ قوله: "‏يهلون منها‏"‏‏.‏ الأهلال رفع الصوت لأنهم كانوا يرفعون أصواتهم بالتلبية عند الأحرام ثم أطلق على نفس الأحرام اتساعا والمراد بقوله يهلون منها أي من مكة ولا يحتاجون إلى الخروج إلى الميقات للأحرام منه وهذا في الحج وأما في العمرة فيجب الخروج إلى أدنى الحل كما سيأتي قال المحب الطبري لا أعلم أحدا جعل مكة ميقاتا للعمرة واختلف في القارن فذهب الجمهور إلى أن حكمه حكم الحاج في الأهلال من مكة‏.‏ وقال ابن الماجشون يتعين عليه الخروج إلى أدنى الحل قوله: "‏وقاس الناس ذات عرق بقرن‏"‏‏.‏سيأتي الكلام عليه‏.‏
3 - وعن ابن عمر: "‏قال لما فتح هذان المصران أتوا عمر بن الخطاب فقالوا يا أمير المؤمنين أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم حد لأهل نجد قرنا وأنه جور عن طريقنا وان أردنا قرنا شق علينا قال فأنظروا حذوها من طريقكم قال فحد لهم ذات عرق‏"‏‏.‏ رواه البخاري‏.‏
4 - وروى عن عائشة: "‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وقت لأهل العراق ذات عرق‏"‏‏.‏ رواه أبو داود والنسائي‏.‏
5 - وعن أبي الزبير: "‏أنه سمع جابرا سئل عن المهل فقال سمعت أحسبه رفع إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال
مهل أهل المدينة من ذي الحليفة

 

ج / 4 ص -297-       والطريق الآخر الجحفة ومهل أهل العراق ذات عرق ومهل أهل نجد من قرن ومهل أهل اليمن من يلملم‏"‏‏.‏
رواه مسلم‏.‏ وكذلك أحمد وابن ماجه ورفعاه من غير شك‏.‏
حديث عائشة سكت عنه أبو داود والمنذري وقال في التلخيص هو من رواية القاسم عنها تفرد به المعافي بن عمران عن أفلح عنه والمعافي ثقة‏.‏ وحديث جابر أخرجه مسلم على الشك في رفعه كما قال المصنف وأخرجه أبو عوانة في مستخرجه كذلك وجزم برفعه أحمد وابن ماجه كما ذكر المصنف ولكن في إسناد أحمد ابن لهيعة وهو ضعيف وفي إسناد ابن ماجه إبراهيم بن يزيد الخوزي وهو غير محتج به ـ وفي الباب ـ عن الحرث بن عمرو السهمي عند أبي داود‏.‏ وعن أنس عند الطحاوي‏.‏ وعن ابن عباس عند ابن عبد البر‏.‏ وعن عبد اللّه بن عمرو عند أحمد وفي إسناده الحجاج بن أرطأة وهذه الطرق يقوى بعضها بعضا وبها يرد على ابن خزيمة حيث قال في ذات عرق أخبار لا يثبت منها شيء عند أهل الحديث وعلى ابن المنذر حيث يقول لم نجد في ذات عرق حديثا يثبت قال في الفتح لعل من قال أنه غير منصوص لم يبلغه أو رأي ضعف الحديث باعتبار أن كل طريق منا لا يخلو عن مقال قال لكن الحديث بمجموع الطرق يقوى وممن قال بأنه غير منصوص وإنما أجمع عليه الناس طاوس وبه قطع الغزالي والرافعي في شرح السند والنووي في شرح مسلم وكذا وقع في المدونة لمالك‏.‏ وممن قال بأنه منصوص عليه الحنفية والحنابلة وجمهور الشافعية والرافعي في الشرح الصغير والنووي في شرح المهذب وقد أعله بعضهم بأن العراق لم تكن فتحت حينئذ‏.‏ قال ابن عبد البرهي غفلة لأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وقت المواقيت لأهل النواحي قبل الفتوح لكونه علم أنها ستفتح فلا فرق في ذلك بين الشام والعراق وبهذا أجاب الماوردي وآخرون وقد ورد ما يعارض أحاديث الباب فأخرج أبو داود والترمذي عن ابن عباس: "‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وقت لأهل المشرق العقيق‏"‏‏.‏وحسنه الترمذي ولكن في إسناده يزيد بن أبي زياد قال النووي ضعيف باتفاق المحدثين قال الحافظ في نقل الأتفاق نظر يعرف من ترجمته انتهى‏.‏ ويزيد المذكور أخرج حديثه أهل السنن الأربع ومسلم مقرونا بآخر قال شعبة لا أبالي إذا كتبت عن يزيد أن لا أكتب عن أحد وهو من كبار الشيعة وعلمائها ووصفه في الميزان بسوء الحفظ وقد جمع بين هذا الحديث وبين ماقبله بأوجه‏.‏ منها ان ذات عرق ميقات الوجوب والعقيق ميقات الاستحباب لأنه أبعد من ذات عرق‏.‏ منها أن العقيق ميقات لبعض العراقيين وهم أهل المدائن والآخر ميقات لأهل البصرة ووقع ذلك في حديث أنس عند الطبراني وإسناده ضعيف‏.‏ منها ان ذات عرق كانت أولا في مواضع العقيق الآن ثم حولت وقربت إلى مكة فعلى هذا فذات عرق والعقيق شيء واحد حكى هذه الأوجه صاحب الفتح‏:‏ قوله: "‏لما فتح هذان المصران‏"‏‏.‏بالبناء للمجهول‏.‏ وفي رواية للكشميهني: "‏لما فتح هذين المصرين‏"‏‏.‏بالبناء للمعلوم والمصران تثنية

 

ج / 4 ص -298-       مصر والمراد بهما البصرة والكوفة‏:‏ قوله: "‏أنه جور‏"‏‏.‏ بفتح الجيم وسكون الواو بعدها راءاي ميل والجور الميل عن القصد ومنه قوله تعالى: {وَمِنْهَا جَائِرٌ}‏:‏ قوله: "‏فانظروا حذوها‏"‏‏.‏ أي اعتبروا ما يقابل الميقات من الأرض التي تسلكونها من غير ميل فاجعلوه ميقاتا وظاهره ان عمر حد لهم ذات عرق باجتهاد‏.‏ ولهذا قال المصنف رحمه اللّه والنص بتوقيت ذات عرق ليس في القوة كغيره فإن ثبت فيلس ببدع وقوع اجتهاد عمر على وفقه فإنه كان موفقا للصواب انتهى‏.‏
6 - وعن أنس: "‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم اعتمر أربع عمر في ذي القعدة إلا التي اعتمر مع حجته‏.‏ عمرته من الحديبية ومن العام المقبل ومن الجعرانة حيث قسم غنائم حنين وعمرته مع حجته‏"‏‏.‏
7 - وعن عائشة: "‏قالت نزل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم المحصب فدعا عبد الرحمن بن أبي بكر فقال اخرج بأختك من الحرم فتهل بعمرة ثم لتطف بالبيت وبالصفا والمروة فجئنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وهو في منزله في جوف الليل فقال
هل فرغت قلت نعم فإذن في أصحابه بالرحيل فخرج فمر بالبيت فطاف به قبل صلاة الصبح ثم خرج إلى المدينة‏"‏‏.‏ متفق عليهما‏.‏
8 - وعن أم سلمة: "‏قالت سمعت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول من أهل المسجد الأقصى بعمرة أو بحجة غفر له ما تقدم من ذنبه‏"‏‏.‏ رواه أحمد وأبو داود بنحوه وابن ماجه وذكر فيه العمرة دون الحجة‏.‏
حديث أم سلمة في إسناده علي بن يحيى بن أبي سفيان الأخنسي قال أبو حاتم الرازي شيخ من شيوخ المدينة ليس بالمشهور وذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن كثير في حديث ام سلمة هذا اضطراب‏:‏ قوله: "‏أربع عمر‏"‏‏.‏ ثبت مثل هذا من حديث عائشة وابن عمر عند البخاري وغيره وأخرج البخاري من حديث البراء أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم اعتمر مرتين والجمع بينه وبين أحاديثهم بأن البراء لم يعد عمرته التي حجته لأن حديثه مقيد بكون ذلك في ذي القعدة والتي في حجته كانت في ذي الحجة وكأنه أيضا لم يعد التي صد عنها وإن كانت وقعت في ذي القعدة أو عدها ولم يعد الجعرانة لخفائها عليه كما خفيت على غيره ـ وفي الباب ـ عن أبي هريرة عند عبد الرزاق: "‏قال اعتمر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ثلاث عمر في ذي القعدة‏"‏‏.‏وعن عائشة عند سعيد بن منصور: "‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم اعتمر ثلاث عمر مرتين في ذي القعدة وعمرة في شوال‏"‏‏.‏قال في الفتح وإسناده قوي وقولها في شوال مغاير لقول غيرها‏.‏ ويجمع بينهما بأن ذلك وقع في آخر شوال وأول ذي القعدة ويؤيده م رواه ابن ماجة

 

ج / 4 ص -299-       بإسناد صحيح عن عائشة بلفظ طلم يعتمر صلى اللّه عليه وآله وسلم إلا في ذي القعدة‏"‏‏.‏وفي البخاري عن عائشة: "‏أنها لما سمعت ابن عمر يقول اعتمر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أربع عمر إحداهن في رجب قالت يرحم اللّه أبا عبد الرحمن ما اعتمر عمرة إلا وهو شاهده وما اعتمر في رجب قط‏"‏‏.‏وروى الدارقطني عن عائشة أنها قالت: "‏خرجت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في عمرة في رمضان فأفطر وصمت وقصر وأتممت‏"‏‏.‏الحديث‏.‏ وقد قدمنا الكلام عليه في قصر الصلاة‏.‏ قال ابن القيم في الهدى ما اعتمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في رمضان قط وقال لا خلاف أن عمره صلى اللّه عليه وآله وسلم لم تزد على أربع فلو كان قد اعتمر في رجب لكانت خمسا ولو كان قد اعتمر في رمضان لكانت ستا إلا أن يقال بعضهن في رجب وبعضهن في رمضان وبعضهن في ذي القعدة وهذا لم يقع وإنما الواقع اعتماره في ذي القعدة كما قال أنس وابن عباس وعائشة‏:‏ قوله: "‏من الجعرانة‏"‏‏.‏قال في القاموس الجعرانة وقد تكسر العين وتشدد الراء‏.‏ وقال الشافعي التشديد خطأ موضع بين مكة والطائف سمي بريطة بنت سعد وكانت تلقب بالجعرانة انتهى‏.‏ قوله: "‏المحصب‏"‏‏.‏هو على ما في القاموس الشعب الذي مخرجه إلى الأبطح وموضع رمى الجمار بمنى‏:‏ قوله: "‏اخرج بأختك من الحرم‏"‏‏.‏لفظ البخاري: "‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أمره أن يردف عائشة ويعمرها من التنعيم‏"‏‏.‏وقد وقع الخلاف هل يتعين التنعيم لمن اعتمر من مكة قال الطحاوي ذهب قوم إلى أنه لا ميقات للعمرة لمن كان بمكة إلا التنعيم ولا ينبغي مجاوزته كما لا ينبغي مجاوزة المواقيت التي للحج وخالفهم آخرون فقالوا ميقات العمرة الحل وإنما أمر عائشة بالإحرام من التنعيم لأنه كان أقرب الحل إلى مكة ثم روى عن عائشة في حديثها أنها قالت فكان أدنانا من الحرم التنعيم فاعتمرت منه قال فثبت بذلك أن التنعيم وغيره سواء في ذلك وقال صاحب الهدى ولم ينقل أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم اعتمر مدة إقامته بمكة قبل الهجرة ولا أعتمر بعد الهجرة إلا داخلا إلى مكة ولم يعتمر قط خارجا من مكة إلى الحل ثم يدخل إلى مكة بعمرة كما يفعل الناس اليوم ولا ثبت عند أحد من الصحابة فعل ذلك في حياته إلا عائشة وحدها قال في الفتح وبعد أن فعلته عائشة بأمره دل على مشروعيته انتهى‏.‏ ولكنه إنما يدل على المشروعية إذا لم يكن أمره صلى اللّه عليه وآله وسلم بذلك لأجل تطييب قلبها كما قيل‏:‏ قوله‏:‏: "‏من المسجد الأقصى‏"‏‏.‏فيه دليل على جواز تقديم الإحرام على الميقات ويؤيد ذلك ما أخرجه الشافعي في الأم عن عمر والحاكم في المستدرك بإسناد قوي عن علي عليه السلام: "‏أنهما قالا إتمام الحج والعمرة في قوله تعالى ‏: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ‏}‏ بأن تحرم لهما من دويرة أهلك‏"‏‏.‏ بل قد ثبت ذلك مرفوعا من حديث أبي هريرة قال في الدار المنثور وأخرج ابن عدي والبيهقي عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم في قوله تعالى: {أتمموا الحج والعمرة للّه} قال إن من تمام الحج أن تحرم من دويرة أهلك وأما قول صاحب المنار أنه لو كان أفضل لما تركه جميع الصحابة فكلام على غير قانون الاستدلال وقد حكى في التلخيص أنه فسره ابن عينية فيما حكاه عنه أحمد بأن ينشئ لهما سفرا من أهله ولكن لا يناسب لفظ إلا هلال الواقع في حديث الباب ولفظ الإحرام الواقع في حديث أبي هريرة وفي تفسير على وعمر وقد قمنا في باب حكم العمرة تفسير آخر للآية‏.‏

 

ج / 4 ص -300-       باب دخول مكة بغير إحرام بعذر
1 - عن جابر: "‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم دخل يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء بغير إحرام‏"‏‏.‏
رواه مسلم والنسائي‏.‏
2 - وعن مالك عن ابن شهاب عن أنس: "‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه المغفر فلما نزعه جاء رجل فقال ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال
أقتلوه قال مالك ولم يكن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يومئذ محرما‏"‏‏.‏ رواه أحمد والبخاري‏.‏
قوله: "‏عمامة سوداء‏"‏‏.‏فيه جواز لبس السواد وإن كان البياض أفضل منه لما سلف في اللباس في الجنائز قوله: "‏وعلى راسه المغفر‏"‏‏.‏زاد أبو عبيد القاسم بن سلام في روايته من حديد وكذا رواه عشرة من أصحاب مالك خارج الموطأ‏.‏ قال القاضي عياض وجه الجميع بينه وبين قوله: "‏وعلى رأسه عمامة سوداء‏"‏‏.‏ إن أول دخوله وعلى رأسه المغفر ثم بعد ذلك كان على راسه العمامة بدليل قوله في بعض الروايات فخطب الناس وعليه عمامة سوداء قوله‏:‏ فقال ابن خطل الخ إنما قتله صلى اللّه عليه وآله وسلم لأنه كان ارتد عن الإسلام وقتل مسلما كان يخدمه وكان يهجو النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ويسبه وكان له قينتان تغنيان بهجاء المسلمين‏.‏ واسم أبي خطل عبد العزى وقال محمد بن إسحاق اسمه عبد اللّه وقال ابن الكلبي اسمه غالب وخطل بخاء معجمة وطاء مهملة مفتوحتين والحديثان يدلان على جواز دخول مكة للحرب بغير إحرام وقد اعترض عليه بأن القتال في مكة خاص بالنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لما ثبت في الصحيح: "‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال
فإن ترخص أحد لقتال لقتال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فيها فقولوا إن اللّه تعالى أذن لرسوله ولم يأذن لكم‏"‏‏.‏ فدل على عدم جواز قياس غيره عليه ويجاب بأن غاية ما في هذا الحديث اختصاص القتال به صلى اللّه عليه وآله وسلم وأما جواز المجاوزة فلا وأمته أسوته في أفعاله وقد اختلف في اختلف في المجاوزة لغير عذر فمنعه الجمهور وقالوا لا يجوز إلا بإحرام من غير فرق بين من دخل لأحد النسكين أو لغيرهما ومن فعل إثم ولزمه دم وروى عن ابن عمر والناصر وهو الأخير من قولي الشافعي وأحد قولي أبي العباس أنه لا يجب الإحرام إلا على من دخل لأحد النسكين لا على من أراد مجرد الدخول استدل الأولون بقوله تعالى‏:‏ ‏: {‏وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا‏}‏ وأجيب بأنه تعالى قدم تحريم الصيد عليهم وهم محرمون في قوله تعالى ‏: {إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ‏}‏ وقد علم أنه لا إحرام إلا عن أحد النسكين ثم أخبرهم بإباحة الصيد لهم إذا حلوا فليس في الآية ما يدل على المطلوب واستدلوا ثانيا بحديث ابن عباس عند البيهقي بلفظ: "‏لا يدخل أحد مكة إلا محرما‏"‏‏. ‏قال الحافظ وإسناده جيد ورواه ابن عدي مرفوعا من وجهين ضعيفين‏.‏ وأخرجه ابن أ‏ي شيبة عنه بلفظ: "‏لا يدخل أحد مكة بغير إحرام

 

 

ج / 4 ص -301-       إلا الحطابين والعمالين وأصحاب منافعها‏"‏‏.‏ وفي إسناده طلحة ابن عمرو وفيه ضعف وروى الشافعي عنه أيضا أنه كان يرد من جاوز الميقات غير محرم‏.‏ وقد اعتذر بعض المتأخرين عن حديث ابن عباس هذا بأنه موقوف على ابن عباس من تلك الطريق التي ذكرها البيهقي ولا حجة فيما عداها ثم عارض ما ظنه موقوفا بما أخرجه مالك في الموطأ أن ابن عمر جاوز الميقات غير محرم فإن صح ما إدعاه من الوقف فليس في غيجاب الإحرام على من أراد المجاوزة لغير النسكين دليل وقد كان المسلمون في عصره صلى اللّه عليه وآله وسلم يختلفون إلى مكة لحوائجهم ولم ينقل أنه أمر أحدا منهم بإحرام كقصة الحجاج بن علاط وكذلك قصة أبي قتادة لما عقر حمار الوحش داخل الميقات وهو حلال وقد كان أرسله لغرض قبل الحج فجاوز الميقات لا بنية الحج ولا العمرة فقرره صلى اللّه عليه وآله وسلم ولا سيما مع ما يقضي بعدم الوجوب من استصحاب البراء الأصلية إلى أن يقوم دليل ينقل عنها‏.‏

باب ما جاء في أشهر الحج وكراهة الإحرام به قبلها
1 - عن ابن عباس: "‏قال من السنة أن لا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج‏"‏‏.‏ أخرجه البخاري وله عن ابن عمر قال: "‏اشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة‏"‏‏.‏وللدارقطني مثله عن ابن مسعود وابن عباس وابن الزبير‏.‏
2 - وروى عن أبي هريرة قال: "‏بعثني أبو بكر فيمن يؤذن يوم الحج بمنى لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ويوم الحج الأكبر يوم النحر‏"‏‏.‏ رواه البخاري‏.‏
3 - وعن ابن عمر: "‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وقف يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج فقال أي يوم هذا فقالوا يوم النحر قال هذا يوم الحج الأكبر‏"‏‏.‏ رواه البخاري وأبو داود وابن ماجه‏.‏
قوله‏:‏ عن ابن عباس، علقه البخاري ووصله ابن خزيمة والحاكم والدارقطني من طريق الحكم عن مقسم عنه بلفظ: "‏لا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج فإن من سنة الحج أن يحرم بالحج في أشهره‏"‏‏.‏ ورواه ابن خزيمة من وجه آخر عنه بلفظ: "‏لا يصلح أن يحرم بالحج أحد إلا في أشهر الحج‏"‏‏.‏ قوله وعن ابن عمر، علقه البخاري ووصله الطبري والدارقطني من طريق ورقاء عن عبد اللّه بن دينار عنه‏:‏ قوله: "‏ويوم الحج الأكبر يوم النحر‏"‏‏.‏إنما سمي بذلك لأن تمام أعمال الحج يكون فيه أو إشارة بالأكبر إلى الأصغر أعني العمرة‏.‏ وقد استدل المصنف بهذه الآثار على كراهة الإحرام بالحج قبل أشهر الحج وقد روى مثل ذلك عن عثمان وقال ابن عمر وابن عباس وجابر وغيرهم من الصحابة والتابعين أنه لا يصح الإحرام بالحج إلا فيها وهو قول الشافعي وقد تقرر في

 

ج / 4 ص -302-       الأصول أن قول الصحابي ليس بحجة وليس في الباب إلا أقوال الصحابة إلا أن يصح ما ذكرنا عن ابن عباس من قوله فإن من سنة الحج الخ فإن هذه الصيغة لها حكم الرفع وقد قدمنا في آخر باب المواقيت ما يدل على استحباب الإحرام من دويرة الأهل وظاهره عدم الفرق بين من يفارق دويرة أهله قبل دخول أشهر الحج أو بعد دخولها إلا أنه يقوي المنع من الأحرام قبل أشهر الحج أن اللّه سبحانه ضرب لأعمال الحج أشهرا معلومة والإحرام عمل من أعمال الحج فمن إدعى أنه يصح قبلها فعليه الدليل وقد أجمع العلماء على أن المراد بأشهر الحج ثلاثة أولها شوال لكن اختلفوا هل هي بكمالها أو شهران وبعض الثالث فذهب إلى الأول مالك وهو قول للشافعي وذهب غيرهما من العلماء إلى الثاني ثم اختلفوا فقال ابن عمر وابن عباس وابن الزبير وآخرون عشر ليال من ذي الحجة وهل يدخل يوم النحر أو لا فقال أحمد وأبو حنيفة نعم وقال الشافعي في المشهور المصحح عنه لا وقال بعض أتباعه تسع من ذي الحجة ولا يصح في يوم النحر ولا في ليلته وهو شاذ ويرد على من أخرج يوم النحر من أشهر الحج قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم في يوم النحر: "‏هذا يوم النحر الأكبر‏"‏‏.‏كما في حديث ابن عمر المذكور في الباب‏.‏

باب جواز العمرة في جميع السنة
1 - عن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم:
"‏قال عمرة في رمضان تعدل حجة‏"‏‏.‏ رواه الجماعة إلا الترمذي لكنه له من حديث أم معقل‏.‏
2 - وعن ابن عباس: "‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم اعتمر أربعا إحداهن في رجب‏"‏‏.‏ رواه الترمذي وصححه‏.‏
3 - وعن عائشة: "‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم اعتمر عمرتين عمرة في ذي القعدة وعمرة في شوال‏"‏‏.‏
رواه أبو داود‏.‏
4 - وعن علي رضي اللّه عنه: "‏قال في كل شهر عمرة‏"‏‏.‏ رواه الشافعي‏.‏
حديث أم معقل أخرجه أيضا النسائي من طريق معمر عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن امرأة من بني أسد يقال لها أم معقل: "‏قالت أردت الحج فاعتل بعيري فسألت رسول الله صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال
اعتمري في شهر رمضان فإن عمرة في رمضان تعدل حجة‏"‏‏.‏وقد اختلف في إسناده فرواه مالك عن سمي عن أبي بكر بن عبد الرحمن قالت جاءت امرأة فذكره مرسلا ورواه أبو داود من طريق عمارة بن عمير وغيره عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي معقل‏.‏ ورواه أبو داود من طريق إبراهيم بن مهاجر عن أبي بكر ابن عبد الرحمن عن رسول مروان عن أم معقل ويجمع بين الروايتين بتعدد الواقعة‏.‏ وأما حديث ابن عباس فقد قدمنا في باب المواقيت ما يخالفه وحدييث عائشة سكت عنه أبو داود ورجال إسناده رجال الصحيح وحديث علي

 

ج / 4 ص -303-       أخرجه البيهقي من طريق الشافعي بإسناد صحيح‏"‏‏.‏ قوله‏:‏: "‏تعدل حجة‏"‏‏.‏ فيه دليل على أن العمرة في رمضان تعدل حجة في الثواب لا لأنها تقوم مقامها في إسقاط الفرض للإجماع على أن الاعتمار لا يجزئ عن حج الفرض ونقل الترمذي عن إسحاق بن راهويه أن معنى هذا الحديث نظير ما جاء: "‏أن قل هو اللّه أحد تعدل ثلث القرآن‏"‏‏.‏وقال ابن العربي حديث العمرة هذا صحيح وهو فضل من اللّه ونعمة فقد أدركت العمرة منزلة الحج بانضمام رمضان إليها‏.‏ وقال ابن الجوزي فيه أن ثواب العمل يزيد بززيادة شرف الوقت كما يزيد بحضور القلب وخلوص المقصد‏:‏ قوله: "‏اعتمر أربعا‏"‏‏.‏قد تقدم الكلام في عدد عمره صلى اللّه عليه وآله وسلم والاختلاف في ذلك وقد وقع خلاف هل الأفضل العمرة في رمضان لهذ الحديث أو في أشهر الحج لأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لم يعتمر إلا فيها فقيل أن العمرة في رمضان لغير النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أفضل وأما في حقه فما صنعه فهو أفضل لأنه فعله للرد على أهل الجاهلية الذين كانوا يمنعون من الاعتمار في أشهر الحج وأحاديث الباب وما ورد في معناها مما تقدم تدل على مشروعية العمرة في أشهر الحج وإليه ذهب الجمهور وذهبت الهادوية إلى أن العمرة في أشهر الحج مكروهة وعللوا ذلك بأنها تشغل عن الحج في وقته وهذا من الغرائب التي يتعجب الناظر منها فإن الشارع صلى اللّه عليه وآله وسلم إنما جعل عمره كلها في أشهر الحج لإبطال ما كانت عليه الجاهلية من منع الاعتمار فيها كما عرفت فما الذي سوغ مخالفة هذه الأدلة الصحيحة والبراهين الصريحة وألجأ إلى مخالفة الشارع ومافقة ما كانت عليه الجاهلية ومجرد كونها تشغل عن أعمال الحج لا يصلح مانعا ولا يحسن نصبه في مقابلة الأدلة الصحيحة وكيف يجعل مانعا وقد اشتغل بها المصطفي في أيام الحج وأمر غيره بالاشتعال بها فيها ثم أي شغل لمن لم يرد الحج أو أراده وقدم مكة من أول شوال لا جرم من لم يشتغل بعلم السنة المطهرة حق افشتغال يقع في مثل هذه المضايق التي هي السم القتال والداء العضال‏.‏ وحكى في البحر عن الهادي أنها تكره في أيام التشريق قال أبو يوسف ويوم النحر قال أبو حنيفة ويوم عرفة‏.‏

باب من يصنع من أراد الإحرام من الغسل والتطيب ونزع المخيط وغيره
1 - عن ابن عباس رفع الحديث إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم:
"‏أن النفساء والحائض تغتسل وتحرم وتقضي المناسك كلها غير أن لا تطوف بالبيت‏"‏‏.‏ رواه أبو داود والترمذي‏.‏
2 - وعن عائشة قالت: "‏كنت أطيب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عند إحرامه بأطيب ما أجد‏"‏‏.‏ وفي رواية: "‏كان النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم إذا أراد أن يحرم تطيب بأطيب ما يجد ثم أرى وبيض الدهن في رأسه ولحيته بعد ذلك أخرجاهما‏.‏
حديث ابن عباس في إسناده خصيف بن عبد الرحمن الحراني كنيته أبو عون‏.‏ قال المنذري

 

ج / 4 ص -304-       وقد ضعفه غير واحد وقال في التقريب صدوق سيء الحفظ خلط بآخره ورمى بالإرجاء‏.‏
وقد استدل المصنف بهذا الحديث على أنه يشرع للمحرم الاغتسال عند ابتداء الإحرام وهو محتمل لإمكان أن يكون الغسل لأجل قذر الحيض ولكن في الباب أحاديث تدل على مشروعية الغسل للإحرام وقد تقدمت في أبواب الغسل فليرجع إليها‏.‏ قوله‏:‏: "‏عند إحرامه‏"‏‏.‏أي في وقت إحرامه وللنسائي حين أراد أن يحرم‏.‏ وفي البخاري لإحرامه ولحله قوله‏:‏: "‏وبيض‏"‏‏.‏بالموحدة المكسورة وبعدها تحتية ساكنة وآخر صاد مهملة وهو البريق‏.‏ وقال الإسماعيلي أن الوبيص زيادة على البريق وأن المراد به التلألؤ وأنه يدل على وجود عين قائمة لا الريح‏.‏ واستدل بالحديث على استحباب التطييب عند إرادة الإحرام ولو بقيت رائحته عند الإحرام وعلى أنه لا يضر بقاء رائحته ولونه وإنما المحرم ابتداؤه بعد الإحرام قال في الفتح وهو قول الجمهور وذهب ابن عمر ومالك ومحمد بن الحسن والزهري وبعض أصحاب الشافعي ومن أهل البيت الهادي والقاسم والناصر والمؤيد باللّه وأبو طالب إلى أنه لا يجوز التطييب عند الإحرام واختلفوا هل هو محرم أو مكروه وهل تلزم الفدية أولا واستدلوا على عدم الجواز بأدلة منها ما وقع عند البخاري وغيره بلفظ: "‏ثم طاف على نسائه ثم أصبح محرما‏"‏‏.‏والطواف الجماع ومن لازمه الغسل بعده فهذا يدل على أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم اغتسل بعد أن تطيب‏.‏ وأجيب عن هذا بما في البخاري أيضا بلفظ: "‏ثم أصبح محرما ينضح طيبا‏"‏‏.‏وهو ظاهر في أن نضح الطيب وظهور رائحته كان في حال إحرامه ودعوى بعضهم أن فيه تقديما وتأخيرا أو التقدير طاف على نسائه ينضح طيبا ثم أصبح محرما خلاف الظاهر ويرده قول عائشة المذكور ثم ارى وبيص الدهن في رأسه ولحيته بعد ذلك‏.‏ وفي رواية لها ثم أراه في رأسه ولحيته بعد ذلك‏.‏ وفي رواية للنسائي وابن حبان: "‏رأيت الطيب في مفرقه بعد ثلاث وهو محرم‏"‏‏.‏وفي رواية متفق عليها: "‏كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفرق رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بعد أيام‏"‏‏.‏ ولمسلم: "‏وبيص المسك‏"‏‏.‏وسيأتي ذلك في باب منع المحرم من ابتداء الطيب ومن أدلتهمم نهيه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن الثوب الذي مسه الورس والزعفران كما سيأتي في أبواب ما يتجنبه المحرم وأجيب بأن تحريم الطيب على من قد صار محرما مجمع عليه والنزاع إنما هو في التطيب عند إرادة الأحرام واستمرار أثره لا غبتدائهز ومنها أمره صلى اللّه عليه وآله وسلم للأعرابي بنزع المنطقة وغسلها عن الخلوق وهو متفق عليه ويجاب عنه بمثل الجواب عن الذي قبله ولا يخفي ان غاية هذين الحديثين تحريم لبس ما مسه الطيب‏.‏ ومحل النزاع تطييب البدنولكنه سيأتي في باب ما يصنع من أحرم في قميص أمره صلى اللّه عليه وآله وسلم لمن سأله بأنه يغسل الخلوق عن بدنه وسيأتي الجواب عنه‏.‏
وقد أجاب عن حديث الباب المهلب وأبو الحسن القصار وابو الفرج من المالكية بأن ذلك من خصائصه ويرده ما أخرجه أبو داود وابن أبي شيبة عن عائشة قالت: "‏كنا ننضح وجوهنا بالسك المطيب قبل أن نحرم ثم نحرم فنعرق ويسيل على وجوهنا ونحن مع

 

ج / 4 ص -305-       رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فلا ينهانا‏"‏‏.‏وهو صريح في بقاء عين الطيب وفي عدم اختصاصه بالنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏.‏ وسيأتي الحديث في باب منع المحرم من ابتداء الطيب‏.‏ قال في الفتح ولا يقال أن ذلك خاصا بالنساء لأنهم أجمعوا أن النساء والرجال سواء في تحريم استعمال الطيب إذا كانوا محرمين وقال بعضهم كان ذلك طيبا لا رائحة له لما وقع في رواية عن عائشة: "‏بطيب لا يشبه طيبكم‏"‏‏.‏قال بعض رواته يعني لا بقاء له أخرجه النسائي‏.‏ ويرده ما تقدم في الذي قبله وأيضا المراد بقولها لا يشبه طيبكم أي أطيب منه كما يدل على ذلك ما عند مسلم عنها بلفظ: "‏بطيب فيه مسك‏"‏‏.‏وفي أخرى له عنها: "‏كأني أنظر إلى وبيص المسك‏"‏‏.‏وأوضح من ذلك قولها في حديث الباب بأطيب ما نجد ولهم جوابات أخرى غير ناهضة فتركها أولى‏.‏ والحق أن المحرم من الطيب على المحرم هو ما تطيب به ابتداء بعد إحرامه لا ما فعله عند إرادة الإحرام وبقي أثره لونا وريحا ولا يصح أن يقال لا يجوز استدامة الطيب قياسا على عدم جواز استدامة اللباس لأن استدامة اللبس لبس يخلاف استدامة الطيب فليست بطيب سلمنا استواءهما فهذا قياس في مقابلة النص وهو فاسد الاعتبار‏.‏
3 - وعن ابن عمر في حديث له عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال:
"‏وليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين فإن لم يجد نعلين فليلبس خفين وليقطعهما أسفل من الكعبين‏"‏‏.‏ رواه أحمد‏.‏
هذا الحديث ذكره صاحب المذهب عن ابن عمر‏.‏ قال الحافظ كأنه أخذه من كلام ابن المنذر فإنه ذكره كذلك بغير إسناد وقد بيض له المنذري والنواوي في الكىلام على المذهب ووهم من عزاه إلى الترمذي وقد عزاه المصنف إلى أحمد قال في مجمع الزوائد أخرجه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن وهو ببعض ألفاظه للجماعة كلهم كما سياتي في باب ما يتجنبه المحرم من اللباس وهو أيضا متفق على بعض ما فيه من حديث ابن عباس: "‏وفيه دليل‏"‏ على أنه يجوز للمحرم لبس الإزار والرداء والنعلين وفي البخاري من حديث ابن عباس قال: "‏انطلق النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم من المدينة بعد ما ترجل وادهن ولبس إزاره ورداءه هو وأصحابه فلم ينه عن شيء من الأردية والأزر تلبس إلا المزعفرات التي تردع على الجلد‏"‏‏.‏قوله: "وليقطعهما أسفل الكعبين‏"‏‏.‏الكعبان هما العظمان الناتئان عند مفصل الساق والقدم وهذا هو المعروف عند أهل اللغة واستدل به على اشتراط القطع خلافا للمشهور عن أحمد فإنه أجاز لبس الخفين من غير قطع واستدل على ذلك بحديث ابن عباس الآتي في باب ما يتجنبه المحرم من اللباس بلفظ:
"‏ومن لم يجد نعلين فليلبس خفين‏"‏‏.‏ويجاب عنه بأن حمل المطلق على المقيد لازم وهو من جملة القائلين به وأجاب الحنابلة بجوابات أخر لعله يأتي ذكر بعضها عند ذكر حديث ابن عباس‏.‏
4 - وعن ابن عمر قال: "‏بيداؤكم هذه التي تكذبون

 

ج / 4 ص -306-       على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيها ما أهل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إلا من عند المسجد يعني مسجد ذي الحليفة‏"‏ متفق عليه‏.‏
وفي لفظ‏:‏: "‏ما أهل إلا من عند الشجرة حين قام به بعيره‏"‏ أخرجاه:‏ وللبخاري: "‏إن ابن عمر كان إذا أراد الخروج إلى مكة أدهن بدهن ليس له رائحة طيب ثم يأتي مسجد ذي الحليفة فيصلي ثم يركب فإذا أستوت به راحلته قائمة أحرم ثم قال هكذا رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يفعل‏"‏‏.‏
5 - وعن أنس: "‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم صلى الظهر ثم ركب راحلته فلما علا على حبل البيداء أهل‏"‏‏.‏
رواه أبو داود‏.‏
6 - وعن جابر: "‏أن إهلال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم من ذي الحليفة حين أستوت به راحلته‏"‏‏.‏ رواه البخاري‏.‏ وقال رواه أنس وابن عباس‏.‏
7 - وعن سعيد بن جبير قال: "‏قلت لابن عباس عجبا لأختلاف أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في إهلاله فقال إني لأعلم الناس بذلك إنما كانت منه حجة واحدة فمن هنالك اختلفوا خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم حاجا فلما صلى في مسجده في ذي الحليفة ركعيتيه أوجب في مجلسه فأهل بالحج حين فرغ من ركعتيه فسمع ذلك منه أقوام فحفظوا عنه ثم ركب فلما أستقلت به ناقته أهل فأدرك ذلك منه أقوام فحفظوا عنه وذلك أن الناس إنما كانوا يأتون إرسالا فسمعوه حين استقلت به ناقته يهل فقالوا إنما أهل حين استقلت به ناقته ثم مضى فلما علا على شرف البيداء أهل فأدرك ذاك أقوام فقالوا إنما أهل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم حين علا على شرف البيداء وأيم اللّه لقد أوجب في مصلاه وأهل حين استقلت به راحلته وأهل حين علا شرف البيداء‏"‏‏.‏
رواه أحمد وأبو داود‏.‏ ولبقية الخمسة منه مختصرا: "‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أهل في دبر الصلاة‏"‏‏.‏
حديث أنس الذي عزاه المصنف إلى أبي داود أخرجه أيضا النسائي وسكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده رجال الصحيح إلى أشعث بن عبد الملك الحمراني وهو ثقة‏.‏ وحديث ابن عباس الذي رواه عنه سعيد بن جبير في إسناده خصيف بن عبد الرحمن الحراني وهو ضعيف ومحمد بن إسحاق ولكنه صرح بالتحديث‏.‏ وقد أخرجه الحاكم من طريق أخر عن عطاء عن

 

ج / 4 ص -307-       ابن عباس وأخرج أيضا ما أخرجه الخمسة من حديثه مختصرا‏.‏ قوله: "‏بيداؤكم‏"‏‏.‏البيداء هذه فوق علمي على علمي ذي الحليفة لمن صعد من الوادي قاله أبو عبيد البكري وغيره وكان ابن عمر إذا قيل له الإحرام من البيداء أنكر ذلك وقال البيداء الذي تكذبون فيها على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يعني بقولكم أنه أهل منها وإنما أهل من مسجد ذي الحليفة وهو يشير إلى قول ابن عباس عند البخاري أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم ركب راحلته حتى استوت على البيداء أهل‏.‏ وإلى حديث أنس المذكور في الباب والتكذيب المذكور المراد به الأخبار عن الشيء على خلاف الواقع وإن لم يقع على وجه العمد‏:‏ قوله: "‏ادهن بدهن ليست له رائحة طيبة‏"‏‏.‏فيه جواز الأدهان بالأدهان التي ليست لها رائحة طيبة وقد ثبت من حديث ابن عباس عند البخاري أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ادهن ولم ينه عن الدهن‏.‏ قال ابن المنذر أجمع العلماء على أن للمحرم أن يأكل الزيت والشحم والشيرج وان يستعمل ذلك في جميع بدنه رأسه ولحيته وأجمعوا على أن الطيب لا يجوز استعماله في بدنه وفرقوا بين الطيب والزيت في هذا فقياس كون المحرم ممنوعا من استعماله الطيب في رأسه أن يباح له استعمال الزيت في رأسه وقد تقدم الكلام في الطيب‏:‏ قوله: "‏على حبل البيداء‏"‏‏.‏بالحاء المهملة هو الرمل المستطيل وهو المراد بقوله في الرواية الأخرى: "‏على شرف البيداء‏"‏‏.‏والشرف المكان العالي‏:‏ قوله: "‏فمن هناك اختلفوا‏"‏‏.‏الخ هذا الحديث بزول به الأشكاك ويجمع بين الروايات المختلفة بما فيه فيكون شروعه صلى اللّه عليه وآله وسلم في الأهلال بعد الفراغ من صلاته بمسجد ذي الحليفة في مجلسه قبل أن يركب فنقل عنه من سمعه يهل هنالك أنه أهل بذلك المكان ثم أهل لما أستقلت به راحلته فظن من سمع أهلاله عند ذلك أنه شرع فيه في ذلك الوقت لأنه لم سمع أهلاله بالمسجد فقال إنما أهل حين استقلت به راحلته ثم روى كذلك من سمعه يهل على شرف البيداء‏.‏ وهذا يدل على أن الأفضل لمن كان ميقاته ذا الحليفة أن يهل في مسجدها بعد فراغه من الصلاة ويكرر الأهلال عند ان يركب على راحلته وعندان يمر بشرف البيداء قال في الفتح وقد اتفق فقهاء الأمصار على جواز جميع ذلك وإنما الخلاف في الأفضل‏.‏

باب الاشتراط في الإحرام
1 - عن ابن عباس: "‏ان ضباعة بنت الزبير قالت يا رسول اللّه إني امرأة ثقيلة وأريد الحج فيكف تأمرني أهل فقال أهلي واشترطي أن محلي حيث حبستني قال فأدركت‏"‏‏.‏ رواه الجماعة إلا البخاري وللنسائي في رواية: "وقال فإن لك على ربك ما استثنيت‏"‏‏.‏
2 - وعن عائشة قالت: "‏دخل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم على ضباعة بنت الزبير فقال لها لعلك أردت الحج قالت واللّه ما أجدني إلى وجعة فقال لها

 

ج / 4 ص -308-       حجي واشترطي وقولي اللّهم محلى حيث حبستني وكان تحت المقداد ابن الأسود‏"‏‏.‏ متفق عليه‏.‏
3 - وعن عكرمة عن ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب قالت: "‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
أحرمي وقولي أن محلي حيث تحبسني فان حبست أو مرضت فقد حللت من ذلك بشرطك على ربك عز وجل‏"‏‏.‏ رواه أحمد‏.‏ حديث عكرمة أخرجه أيضا ابن خزيمة ـ وفي الباب ـ عن أنس عند البيهقي وعن جابر عنده‏.‏ وعن ابن مسعود وأم سليم عنده أيضا‏.‏ وعن أم سلمة عند أحم الطبراني في الكبير وفي إسناده ابن إسحاق ولكنه صرح بالتحديث وبقية رجاله رجال الصحيح وعن ابن عمر عند الطبراني في الكبير وفيه علي بن عاصم وهو ضعيف قال العقيلي روى عن ابن عباس قصة ضباعة بأسانيد ثابته جياد انتهى‏:‏ وقد غلط الأصلي غلطا فاحشا فقال إنه لا يثبت في الأشتراط حديث وكأنه ذهل عما في الصحيحين‏.‏ وقال الشافعي لوثبت حديث عائشة في الأستثناء لم أعده إلى غيره لأنه لا يحل عندي خلاف ما ثبت عن رسول اللّه‏.‏ قال البيهقي فقد ثبت هذا الحديث من أوجه‏.‏ قوله: "‏ضباعة‏"‏‏.‏بضم المعجمة بعدها موحدة قال الشافعي كنيتها أم حكيم وهي بنت عم النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أبوها الزبير بن عبد المطلب بن هاشم ووهم الغزالي الأسلمية وتعقبه النووي وقال صوابه الهاشمية‏.‏ قوله‏:‏: "‏محلى‏"‏‏.‏ بفتح الميم وكسر المهملة أن مكان إحلالي وأحاديث الباب تدل على أن من اشتراط هذا الأشتراط ثم عرض له ما يحبسه عن الحج جاز له التحلل وأنه لا يجوز التحلل مع عدم الاشتراط وبه قال جماعة من الصحابة منهم علي وابن مسعود وعمر وجماعة من التابعين وإليه ذهب أحمد وإسحاق وأبو ثور وهو المصحح للشافعي كما قال النووي‏.‏ وقال أبو حنيفة ومالك وبعض التابعين وإليه ذهب الهادي أنه لا يصح الأشتراط وهو مروي عن ابن عمر‏.‏ قال البيهقي لو بلغ ابن عمر حديث ضباعة لقال به ولم ينكر الأشتراط وهو مروي عن ابن عمر‏.‏ قال البيهقي لو بلغ ابن عمر حديث ضباعة لقال به ولم ينكر الأشتراط كما لم ينكره أبوه انتهى‏.‏ وقد اعتذروا عن هذه الأحاديث بأنها قصة عين وأنها مخصوصة بضباعة وهو يتنزل على الخلاف المشهور في الأصول في خطابه صلى اللّه عليه وآله وسلم لواحد هل يكون غيره فيه أم لا داعي بعضهم إن الاشتراط منسوخ روى ذلك عن ابن عباس لكن بإسناد فيه الحسن بن عمارة وهو متروك وادعى بعض أنه لم يثبت وقد تقدم الجواب عليه‏.‏

باب التخيير بين التمتع والأفراد والقران وبيان أفضلها
1 - عن عائشة قالت: "‏خرجنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال من أراد منكم أن يهل بحج وعمرة فليفعل ومن أراد أن يهل بحج فليهل

 

ج / 4 ص -309-       ومن أراد أن يهل بعمرة فليهل قالت وأهل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بالحج وأهل به ناس معه وأهل معه ناس بالعمرة والحج وأهل ناس بعمرة وكنت فيمن أهل بعمرة‏"‏‏.‏ متفق عليه‏.‏
2 - وعن عمران بن حصين قال: "‏نزلت آية المتعة في كتاب اللّه تعالى ففعلناها مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ولم ينزل قرآن بحرمه ولم منه عنها حتى مات‏"‏‏.‏ متفق عليه‏.‏ ولأحمد ومسلم: "‏نزلت آية المتعة في كتاب اللّه تعالى يعني متعة الحج وأمرنا بها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ثم لم تنزل آية تفسخ آية متعة الحج ولم ينه عنها حتى مات‏"‏‏.‏
3 - وعن عبد اللّه بن شقيق: "‏أن عليا كان يأمر بالمتعة وعثمان ينهي عنها فقال عثمان كلمة فقال علي لقد علمت إنا تمتعنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال عثمان أجل ولكنا كنا خائفين‏"‏‏.‏ رواه أحمد ومسلم‏.‏
4 - وعن ابن عباس قال: "‏أهل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بعمرة وأهل أصحابه بالحج فلم يحل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ولا من ساق الهدى من أصحابه وحل بقيتهم‏"‏‏.‏ رواه أحمد ومسلم‏.‏ وفي رواية قال: "‏تمتع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وأبو بكر وعمر عثمان كذلك وأول من نهى عنها معاوية‏"‏‏.‏ رواه أحمد والترمذي‏.‏ الرواية الأخرى حسنها الترمذي‏.‏ قوله: "‏فقال من أراد منكم أن يهل‏"‏‏.‏ الخ فيه الأذن منه صلى اللّه عليه وآله وسلم بالحج إفرادا وقرانا تمتعا‏.‏ والأفراد هو الاهلال بالحج وحده والاعتمار بعد الفراغ من أعمال الحج لمن شاء ولا خلاف في جوازه والقرآن هو الاهلال بالحج والعمرة معا وهو أيضا متفق على جوازه أو الأهلال بالعمرة ثم يدخل عليها الحج أو عكسه وهذا مختلف فيه والتمتع هو الأعتمال في أشهر الحج ثم التحلل من تلك العمرة والأهلال بالحج في تلك السنة ويطلقة التمتع في عرف السلف على القرآن‏.‏ قال ابن عبد البر ومن التمتع أيضا القرآن ومن التمتع أيضا فسخ الحج إلى العمرة انتهى‏.‏ وقد حكى النووي في شرح مسلم الإجماع على جواز الأنواع الثلاثة وتأويل ما ورد من النهي عن التمتع من بعض الصحابة‏.‏ قوله: "‏وأهل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بالحج‏"‏‏.‏ احتج به من قال كان حجه صلى اللّه عليه وآله وسلم مفردا وأجيب بأنه لا يلزم من أهلاله بالحج أن لا يكون أدخل عليه العمرة‏.‏
واعلم أنه قد اختلف في حجه صلى اللّه عليه وآله وسلم هل كان قرانا أو تمتعا أو أفرادا وقد اختلفت الأحاديث

 

ج / 4 ص -310-       في ذلك فروى أنه حج قرانا من جهة جماعة من الصحابة منهم ابن عمر عند الشيخين وعنه عند مسلم وعائشة عندهما أيضا وعنها عند أبي داود وعنها عند مالك في الموطأ وجابر عند الترمذي وابن عباس عند أبي داود وعمر بن الخطاب عند البخاري وسيأتي والبراء بن عازب عند أبي داود وسيأتي وعلى عند النسائي وعنه عند الشيخين وسيأتي‏.‏ وعمران بن حصين عند مسلم‏.‏ وأبو قتادة عند الدارقطني‏.‏ قال ابن القيم وله طرق صحيحة وسراقة بن مالك عند أحمد وسيأتي ورجال إسناده ثقات‏.‏ وأبو طلحة الأنصاري عند أحمد وابن ماجه في إسناده الحجاج بن ارطأة والهرماس بن زياد الباهلي عند أحمد أيضا وابن أبي أوفى عند البزار بإسناد صحيح‏.‏ وأبو سعيد عند البزار‏.‏ وجابر بن عبد اللّه عند أحمد وفيه الحجاج بن أرطأة وأم سلمة عنده أيضا‏.‏ وحفصة عند الشيخين وسعد ابن أبي وقاص عند النسائي والترمذي صححه‏.‏ وأنس عند الشيخين وسيأتي وأما حجة تمتعا فروى عن عائشة وابن عمر عند الشيخين وسيأتي وعلي وعثمان عند مسلم وأحمد كما في الباب وابن عباس عند أحمد والترمذي كما في الباب أيضا‏.‏ وسعد بن أبي وقاص كما سيأتي وأما حجة افرادا فروي عن عائشة كما في حديث الباب وعنها عند البخاري كما سيأتي‏.‏ وعن ابن عمر عند أحمد ومسلم كما سيأتي أيضا وابن عباس عند مسلم‏.‏ وجابر عند ابن ماجه وعنه عند مسلم
وقد اختلفت الأنظار واضطربت الأقوال لاختلاف هذه الأحاديث فمن أهل العلم من جمع بين الروايات كالخطابي فقال ان كلا أضاف إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ما أمر به اتساعا ثم رجح أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم أفرد الحج وكذا قال عياض وزاد فقال وأما احرامه فقد تظافرت الروايات الصحيحة بأنه كان مفردا وأما رواية من روى التمتع فمعناه أنه أمر به لأنه صرح بقوله: "‏ولولا أن معي الهدى لاحللت‏"‏‏.‏ فصح أنه لم يتحلل‏.‏ وأما رواية من روى القران فهو أخبار عن آخر أحواله لأنه أدخل العمرة على الحج لما جاء إلى الوادي وقيل قل عمرة في حجة‏.‏ قال الحافظ وهذا الجمع هو المعتمد وقد سبق إليه قديما ابن المنذر وبينه ابن حزم في حجة الوداع بيانا شافيا ومهده المحب الطبري تمهيدا بالغا يطول ذكره ومحصله ان كل من روى عنه الافراد حمل على ما أهل به في أول الحال كل من روى عنه التمتع أراد ما أمر به وكل من روى عنه القران أراد ما أستقر عليه الأمر وجمع شيخ الإسلام ابن تيمية جمعا حسنا فقال ما حاصله أن التمتع عند الصحابة يتناول القران فتحمل عليه رواية من روى أنه حج تمتعا وكل من روى الأفراذ قد روى أنه حج صلى اللّه عليه وآله وسلم تمتعا وقرانا فيتعين الحمل على القران وأنه أفرد أعمال الحج ثم فرغ منا وأتى بالعمرة‏.‏ ومن أهل العلم من صار إلى التعارض فرجح نوعا وأجاب عن الأحاديث القاضية بما يخالفه وهي جوابات طويلة أكثرها متسفة وأورد كل منهم لما اختاره مرجحات أقواها وأولاها مرجحات القران فإنه لا يقاومها شيء من مرجحات غيره‏.‏ منها أن أحاديثه مشتملة على زيادة على من روى الأفراد وغيره والزيادة مقبولة إذا خرجت مخرج صحيح فكيف إذا ثبتت من طرق كثيرة عن جمع من الصحابة‏.‏ ومنها أن من روى الأفراد والتمتع اختلف عليه في ذلك لأنهم جميعا روى عنهم أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم حج قرانا‏.‏ ومنها أن روايات القرآن لا تحتمل التأويل بخلاف روايات الأفراد

 

ج / 4 ص -311-       والتمتع فإنها تحتمله كما تقدم‏.‏
ومنها أن رواة القران أكثر كما تقدم‏.‏ ومنها أن فيهم من أخبر عن سماعه لفظا صريحا وفيهم من أخبر عن اخباره صلى اللّه عليه وآله وسلم بأنه فعل ذلك وفيهم من أخبر عن أمر ربه بذلك‏.‏ ومنها أنه النسك الذي أمر به كل من ساق الهدى فلم يكن ليأمرهم به إذا ساقوا الهدى ثم يسوق هو الهدى ويخالفه وقد ذكر صاحب الهدى مرجحات غيره هذه ولكنها مرجحات باعتبار أفضلية القران على التمتع والأفراد لا باعتبار أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم حج قرانا وهو بحث آخر قد اختلفت فيه المذاهب اختلافا كثيرا فذهب جمع من الصحابة والتابعين وأبو حنيفة وإسحاق ورجحه جماعة من الشافعية منهم النووي والمزني وابن المنذر وأبو إسحاق المروزي وتقي الدين السبكي إلى أن القران أفضل‏.‏ وذهب جمع من الصحابة والتابعين ومن بعدهم كمالك وأحمد والباقر والصادق والناصر وأحمد بن عيسى وإسماعيل بن جعفر الصادق وأخيه موسى والأمامية إلى أن التمتع أفضل‏.‏ وذهب جماعة من الصحابة وجماعة من بعدهم وجماعة من الشافعية وغيرهم ومن أهل البيت الهادي والقاسم والأمام يحيى وغيرهم من متأخريهم إلى أن الأفراذ أفضل وحكى القاضي عياض عن بعض العلماء أن الأنواع الثلاثة الفضل سواء قال في الفتح وهو مقتضى تصرف ابن خزيمة في صحيحه‏.‏ وقال أبو يوسف القران والتمتع في الفضل سواء وهما أفضل من الافراد‏.‏ وعن أحمد من ساق الهدى فالقران أفضل له ليوافق فعل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ومن لم يسق الهدى فالتمتع أفضل له ليوافق ما تمناه وأمر به أصحابه زاد بعض أتباعه ومن أراد أن ينشئ لعمرته من بلد سفره فالأفراد أفضل له قال وهذا أعدل المذاهب وأشبهها بموافقة الأحاديث الصحيحة ولكن المشهور عن أحمد أن التمتع أفضل مطلقا وقد احتج القائلون بأن القران أفضل بحجج منها أن اللّه اختاره لنبيه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏.‏ ومنها أن قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم دخلت العمرة في الحج إلىيوم القيامة يقتضى أنها قد صارت جزأ منه أو كالجزء الداخل فيه بحيث لا يفصل بينها وبينه ولا يكون ذلك إلا مع القران‏.‏ ومنها أن النسك الذي اشتمل على سوق الهدى افضل واستدل من قال بأن التمتع أفضل بما اتفق عليه من حديث جابر وغير أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏:
"‏لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدى ولجعلتها عمرة‏"‏‏.‏ قالوا و رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لا يتمنى إلا الأفضل واستمراره في القران إنما كان لاضطرار السوق إليه وهذا هو الحق فإنه لا يظن أن نسكا أفضل من نسك اختاره صلى اللّه عليه وآله وسلم لافضل الخلق وخير القرون وأما ما قيل من أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم إنما قال كذلك تطبيبا لقلوب أصحابه لحزنهم على فوات موافقته ففاسد لان المقام مقام تشريع للعبادة وهو لا يجوز عليه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن يخبر بما يدل على أن ما فعلوه من التمتع أفضل مما استمر عليه من القران والأمر على خلاف ذلك وهو هذا الا تغرير يتعالى مقام النبوة بالجملة لم يوجد في شيء من الأحاديث ما يدل على أن بعض الأنواع أفضل من بعض غيره هذا الحديث فالتمسك به متعين ولا ينبغي أن يلتفت إلى غيره من الرجحات فإنها في مقابلته ضائعة ‏.‏
واحتج من قال بأن الأفراد أفضل أن الخلفاء الراشدين رضي اللّه عنهم أفردوا الحج وواظبوا على إفراده فلولم يكن أفضل لم يواظبوا عليه وبأن الافراد لا يجب فيه دم قال النووي

 

ج / 4 ص -312-       بالإجماع وذلك لكماله ويجب الدم في التمتع والقران وهو دم جبران لفوات الميقات وغيره فكان مالا يحتاج إلى جبران أفضل‏.‏ ومنها أن الأمة أجمعت على جواز الافراد من غير كراهة وكره عمر وعثمان وغيرهما التمتع وبعضهم ويجاب عن هذا كله بأن الافراد لو كان أفضل لفعله النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أو تمنى فعله بعد أن صار ممنوعا بالسوق والكل ممنوع والسند ما سلف من أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم حج قرانا وأظهر أنه كان يود أن يكون حجه تمتعا وهذان البحثان أعني تعيين ما حجه صلى اللّه عليه وآله وسلم من الأنواع وبيان ما هو الأفضل منها من المضايق ومواطن البسط وفيما حررناه مع كونه في غاية الإيجاز ما يغني اللبيب‏.‏
5 - وعن حفصة أم المؤمنين: "‏قالت قلت للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ما شأن الناس حلو ولم تحل من عمر تلك قال
أني قلدت هديي ولبدت رأسي فلا أحل حتى أحل من الحج‏"‏‏.‏ رواه الجماعة إلا الترمذي‏.‏
6 - وعن غنيم بن قيس المازني قال: "‏سألت سعد بن أبي وقاص عن المتعة في الحج فقال فعلناها وهذا يومئذ كافر بالعروش يعني بيوت مكة يعني معاوية‏"‏‏.‏ رواه أحمد ومسلم‏.‏
7 - وعن الزهري عن سالم عن أبيه قال: "‏تمتع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج وأهدى فساق معه الهدى من ذي الحليفة وبدأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج وتمتع الناس مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بالعمرة إلى الحج فكان من الناس من أهدى فساق الهدى ومنهم من لم يهد فلما قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم مكة قال للناس من كان منكم أهدى فإنه لا يحل من شيء حرم منه حتى يقضي حجه ومن لم يكن منكم أهدى الميطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصر وليحل ثم ليهل بالحج وليهد فمن لم يجد هديا فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله وطاف رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم حين قدم مكة فاستلم الركن أول شيء ثم خب ثلاثة أشواط من السبع ومشى أربعة أطواف ثم ركع حين قضي طوافه بالبيت عند المقام ركعتين ثم سلم فانصرف فأتى الصفا فطاف بالصفا والمروة سبعة أطواف ثم لم يتحلل من شيء حرم منه حتى قضى حجة ونحر هدية يوم النحر وأفاض فطاف بالبيت ثم حل

 

ج / 4 ص -313-       من كل شيء حرم منه وفعل مثل ما فعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم من أهدى فساق الهدى‏"‏‏.‏ وعن عروة عن عائشة مثل حديث سالم عن أبيه‏"‏‏.‏ متفق عليه‏.‏
قوله: "‏ولم تحل‏"‏‏. ‏في رواية للبخاري: "‏ولم تحلل‏"‏‏.‏ بلامين وهو إظهار شاذ وفيه لغة معروفة‏.‏ قوله: "‏لبدت‏"‏‏. ‏بتشديد الموحدة أي شعر رأسي وهو أن يجعل فيه شيء ملتصق ويؤخذ منه استحباب ذلك للمحرم‏.‏ قوله: "‏فلا أحل من الحج‏"‏‏.‏ يعني حتى يبلغ الهدى محله‏.‏ واستدل به على أن من اعتمر فساق هدايا لا يتحلل من عمرته حتى ينحر هدية يوم النحر‏.‏ قوله: "‏بالعروش‏"‏‏.‏جمع عرش يقال لمكة وبيوتها كما في القاموس‏.‏ قوله: "‏تمتع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏"‏‏. ‏الخ قال المهلب معناه أمر ذلك لأنه كان ينكر على أنس قوله أنه قرن ويقول أه. كان مفردا‏.‏ وله: "‏فأهل بالعمرة‏"‏‏.‏ قال المهلب معناه أمرهم بالتمتع وهو أن يهلوا بالعمرة أولا ويقدموها قبل الحج قال ولا بد من هذا التأويل لدفع التناقض عن ابن عمر‏.‏ وقال ابن المنير أن حمل قوله تمتع على معنى أمر من أبعد التأويلات والاستشهاد عليه بقوله رجم وإنما أمر بالرجم من أوهن الاستشهادات لأن الرجم وظيفة الإمام والذي يتولاه إنما يتولاه نيابة عنه وأما أعمال الحج من إفراد وقران وتمتع فإنه وظيفة كل أحد عن نفسه ثم أورد تأويل آخر وهو أن الراوي عهد أن الناس لا يفعلون إلا كفعله لا سيما مع قوله:
"‏خذوا عني مناسككم‏"‏‏.‏فلما تحقق أن الناس تمتعوا ظن أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم تمتع فأطلق ذلك‏.‏ قال الحافظ ولا يتعين هذا أيضا بل يحتمل أن يكون معنى قوله تمتع محمولا على مدلوله اللغوي وهو الانتفاع بإسقاط عمل العمرة والخروج إلى ميقاتها وغيره‏.‏ قال النووي إن هذا هو المتعين قوله‏:‏ بالعمرة إلى الحج‏.‏ قال المهلب أيضا أي أدخل المرة على الحج‏.‏ قوله: "‏فإنه لا يحل من شيء حرم عليه‏"‏‏.‏تقدم بيانه‏:‏ قوله: "‏وليقصر‏"‏‏. ‏قال النووي معناه أنه ليفعل الطواف والسعي والتقصير يصير حلالا وهذا دليل على أن الحلق والتقصير نسك وهو الصحيح وقيل استباحة محظور قال وإنما أمره بالتقصير دون الحلق مع أن الحلق أفضل ليبقى له شعر يحلقه في الحج‏:‏ قوله: "‏وليحل‏"‏‏. ‏هو أمر معناه الخبر أي قد صار حلالا فله فعل كل ما كان محظورا عليه في الإحرام قوله‏:‏: "‏ثم يهل بالحج‏"‏‏. ‏أي يحرم وقت خروجه إلى عرفة ولهذا أتي بثم الدالة على التراخي فلم يرد أنه يهل بالحج عقب احلالا من العمرة‏:‏ قوله: "‏وليهد‏"‏‏. ‏أي هدى التمتع قوله: "‏فمن لم يحل‏"‏‏. ‏الخ أي لم يجد الهدى بذلك المكان أو لم يجد ثمنه أو كان يجد هديا ولكن يمتنع صاحبه من بيعه أو يبيعه بغلاء فينتقل إلى الصوم كما هو نص القرآن والمراد بقوله تعالى: {فِي الْحَجِّ‏}‏ أي بعد الاحرام به‏.‏ قال النووي هذا هو الأفضل‏.‏ وإن صامها قبل الأهلال بالحج أجزأه على الصحيح‏.‏ وأما قبل التحلل من العمرة فلا على الصحيح‏.‏ وجوزه الثوري وأهل الرأي‏:‏ قوله: "‏ثم خب‏"‏‏.‏ سيأتي الكلام عليه في الطواف ويأتي الكلام أيضا على صلاة الركعتين والسعي بين الصفا والمروة ونحر الهدى والأفاضة وسوق الهدى

 

ج / 4 ص -314-       "‏وقد استدل‏"‏ بالأحاديث المذكورة على أن حجة صلى اللّه عليه وآله وسلم كان تمتعا وقد تقدم الكلام على ذلك في أول الباب‏.‏ قوله: "‏من أهدى فساق الهدى‏"‏‏. ‏الموصول فاعل قوله فعل أي فعل من أهدى فساق الهدى مثل ما فعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏.‏ وأغرب الكرماني فشرحه على ان فاعل فعل هو ابن عمر راوي الخبر وفصل في رواية أبي الوقت بين قوله فعل وبين قوله من أهدى بلفظ باب قال في الفتح وهذا خطأ شنيع وقال أبو الوليد أمرنا أبو ذران نضرب على هذه الترجمة يعني قوله من أهدى وساق الهدى وذلك لظنه بأنها ترجمة من البخاري فحكم عليها بالوهم‏.‏
7 - وعن القاسم عن عائشة: "‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم افرد الحج‏"‏‏.‏ رواه الجماعة إلا البخاري‏.‏
8 - وعن نافع عن ابن عمر قال: "‏أهللنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بالحج مفردا‏"‏‏.‏ رواه أحمد ومسلم‏.‏ ولمسلم: "‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أهل بالحج مفردا‏"‏‏.‏
9 - وعن بكر المزني عن أنس قال: "‏سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يلبي بالحج والعمرة جميعا يقول
لبيك عمرة وحجا‏"‏‏.‏ متفق عليه‏.‏
10 - وعن أنس أيضا: "‏قال خرجنا نصرخ بالحج فلما قدمنا مكة أمرنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن نجعلها عمرة وقال
لو استقبلت من أمرى ما استدبرت لجعلتها عمرة ولكن سقت الهدى وقرنت بين الحج والعمرة‏"‏‏.‏
رواه أحمد‏.‏
11 - وعن عمر بن الخطاب قال: "‏سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وهو بوادي العقيق يقول
أتاني الليلة آت من ربي فقال صل في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة‏"‏‏.‏ رواه أحمد والبخاري وابن ماجه وأبو داود وفي رواية للبخاري: "‏وقل عمرة وحجة‏"‏‏.‏
قوله‏:‏: "‏أفرد الحج‏"‏‏.‏ قد تقدم إن رواية الافراد غير منافية لرواية القران لأن من روى القرآن ناقل للزيادة وغاية الأمر أن يجمع بأنه صلى اللّه عليه وآله وسلم أهل أولا بالحج مفردا ثم أضاف إليه العمرة وأما قول ابن عمر أهللنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بالحج مفردا فليس فيه ما ينافي قول من قال أن حجة صلى اللّه عليه وآله وسلم كان قرانا أو تمتعا لأنه أخبر عن اهلالهم مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ولم يخبر عن أهلاله صلى اللّه عليه وآله وسلم:‏ قوله: "‏يقول لبيك عمرة وحجة‏"‏‏.‏ هو من أدلة القائلين بأن حجة صلى اللّه عليه وآله وسلم كان قرانا وقد رواه عن أنس جماعة من التابعين منهم الحسن البصري وأبو قلابة وحميد بن هلال وحميد بن عبد الرحمن الطويلض

 

ج / 4 ص -315-       وقتادة ويحيى بن سعيد الأنصاري وثابت البناتي وبكر ابن عبد اللّه المزني وعبد العزيز بن صهيب وسليمات ابن أبي إسحاق وزيد بن أسلم ومصعب بن سليم وأبو قدامة عاصم بن حسين وسويد بن حجر الباهلي قوله: "‏خرجنا نصرخ بالحج فيه حجة للجمهور والقائلين أنه يستحب رفع الصوت بالتلبية وقد أخرج مالك في الموطأ وأصحاب السنن وصححه الترمذي وابن خزيمة والحاكم من طريق خلاذ بن السائب عن أبيه مرفوعا جاء في جبريل فأمرني أن آمر أصحابي يرفعون أصواتهم بالاهلال وروى ابن القاسم عن مالك أنه لا يرفع الصوت بالتلبية إلا عند المسجد الحرام ومسجد منى‏.‏ قوله: "‏لواستقبلت‏"‏‏.‏ الخ هو متفق عليه مثل معناه من حديث جابر وبه استدل من قال بأن التمتع أفضل أنواف الحج وقد تقدم البحث عن ذلك‏.‏ قوله أتاني الليلة آت هن جبريل كما في الفتح قوله‏:‏: "‏فقال صل في هذا الوادي المبارك‏"‏‏.‏ هو وادي العقيق وهو بقرب العقيق بينه وبين المدينة أربعة أميال وروى الزبير بن بكار في أخبار المدينة أن تبعا لما انحدر في مكان عند رجوعه من المدينة قال هذا عقيق الأرض فسمى العقيق‏:‏ قوله: "‏وقل عمرة في حجة‏"‏‏.‏ برفع عمرة في أكثر الروايات وبنصبها في بعضها باضمار فعل أي جعلتها عرمو وهو دليل على أن حجة صلى اللّه عليه وآله وسلم كان قرانا وأبعد من قال أن معناه أنه يعتمر في تلك السنة بعد فراغ حجة‏.‏ وظاهر حديث عمر هذا أن حجة صلى اللّه عليه وآله وسلم القران كان بأمر من اللّه فكيف يقول صلى اللّه عليه وآله وسلم لو استقبلت من ما استدبرت لجعلتها عمرة فينظر في هذا فإن أجيب بأنه إنما قال ذلك تطيبا لخواطر أصحابه فقد تقدم أنه تعزير لا يليق نسبة مثله إلى الشارع‏.‏
12 - وعن مروان بن الحكم: "‏قال شهدت عثمان وعليا وعثمان ينهي عن المتعة وان يجمع بينما فلما رأى ذلك على أهل بهما لبيك بعمرة وحجة وقال ما كنت لأدع سنة النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بقول أحد‏"‏‏.‏ رواه البخاري والنسائي‏.‏
13 - وعن الصبي بن معبد قال: "‏كنت رجلا نصرانيا فأسلمت فاهللت بالحج والعمرة قال فسمعني زيد بن صوخان وسلمان بن ربيعة وأنا أهل بهما فقالا لهذا أضل من بعير أهله فكأنما حمل على بكلمتيهما جبل فقدمت على عمر بن الخطاب فأخبرته فاقبل عليهما فلامهما وأقبل على فقال هديت لسنة نبيك محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم‏"‏‏.‏
رواه أحمد وابن ماجه والنسائي‏.‏
الحديث أخرج نحوه أبو داود وسكت عنه هو والمنذري ورجال إسناده رجال الصحيح‏.‏ قوله‏:‏: "‏وان يجمع بينهما‏"‏‏.‏ يحتمل أن تكون الواو عاطفة فيكون نهى عن التمتع والقران معا

 

ج / 4 ص -316-       ويحتمل أن يكون عطفا تفسيريا وهو على ما تقدم أن السلف كانوا يطلقون على القران تمتعا فيكون المراد ان يجمع بينهما قرانا أو ايقاعا لها في سنة واحدة بتقديم العمرة على الحج وقد زاد مسلم أن عثمان قال لعلي دعنا عنك فقال علي أني لا أستطيع ان أدعك وقد تقدم في أول الباب أن عثمان قال أجل ولكنا كنا خائفين‏:‏ قوله: "‏عن الصبي‏"‏‏.‏ هو بضم الصاد المهملة وفتح الموحدة بعدها تحتية قال في التقريب صبي بالتصغير ابن معبد التغلبي بالمثناة والمعجمة وكسر اللام ثقة مخضرم نزل الكوفة من الثانية‏:‏ قوله: "‏زيد بن صوخان‏"‏‏.‏بضم الصاد المهملة بعدها واو ساكنة ثم معجمة مخففة‏:‏ قوله: "‏فكأنما حمل على بكلمتيهما جبل‏"‏‏. ‏يعني أنه ثقل عليه ما سمعه منهما من ذلك اللفظ الغليظ‏:‏ قوله: "‏هديت لسنة نبيك‏"‏‏. ‏هو من أدلة القائلين بتفضيل القران ولا يخفى أنه لا يصح للاستدلال به على الأفضلية لأنه لا خلاف أن الثلاثة الأنواع ثابتة من سنته صلى اللّه عليه وآله وسلم إما بالقول أو بالفعل ومجرد نسبة بعضها إلى السنة لا يدل على أنه أفضل من غيره مع كونها مشتركة في ذلك‏.‏
14 - وعن سراقة بن مالك قال: "‏سمعت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول
دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة قال وقرن رسول اللّه في حجة الوداع‏"‏‏.‏ رواه أحمد‏.‏
15 - وعن البراء بن عازب قال: "‏لما قدم على من اليمن على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال وجدت فاطمة قد لبست ثيابا صبيغا وقد نضحت البيت بنضوح فقالت مالك أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قد أمر أصحابه فحلوا قال قلت لها إني أهلك باهلال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال فأيتت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال لي
كيف صنعت قال قلت فقال لي انحر من البدن سبعا وستين أو ستا وستين وانسك لنفسك ثلاثا وثلاثين أو أربعا وثلاثين وأمسك لي من كل بدنة منها بضعة‏"‏‏.‏ رواه أبو داود‏.‏
حديث سراقة في إسناده داود بن يزيد الاودي وهو ضعيف‏.‏ وقد أخرج نحوه أحمد وأبو داود والنسائي عن ابن عباس‏.‏ وسيأتي في باب فسخ الحج وحديث البراء أخرجه أيضا النسائي‏.‏ وفي إسناده يونس بن إسحاق السبيعي‏.‏ وقد احتج به مسلم‏.‏ وأخرج له جماعة‏.‏ وقال الإمام أحمد حديثه فيه زيادة على حديث الناس وقال البيهقي كذا في هذه الرواية وقرنت وليس ذلك في حديث جابر حين وصف قدوم علي واهلاله‏.‏ وحديث جابر أصح سندا وأحسن سياقة ومع حديث جابر حديث أنس يريد أن حديث أنس ذكر فيه قدوم علي وذكر اهلاله وليس فيه قرنت وهو في الصحيحين‏:‏ قوله: "‏دخلت العمرة في الحج‏"‏‏.‏ قد تقدم أنه يدل على أفضليةض

 

ج / 4 ص -317-       القران لمصير العمرة جزأ من الحج أو كالجزء‏:‏ قوله: "‏صبيغا‏"‏‏.‏فعيل ههنا بمعنى مفعول أي مصبوغات‏:‏ قوله: "‏وقد نضحت‏"‏‏.‏ بفتح النون والضاد المعجمة والحاء المهملة:‏ قوله: "‏بنضوح‏"‏‏.‏ بفتح النون وضم الضاد المعجمة بعد الواو حاء مهملة وهي ضرب من الطيب‏:‏ قوله: "‏فقالت‏"‏‏.‏ ههنا كلام محذوف تقديره فانكر عليها صبغ ثيابها ونضج بيتها بالطيب فقالت الخ‏:‏ قوله: "‏قد أمر أصحابه فحلوا‏"‏‏. ‏في رواية لمسلم فوجد فاطمة ممن حلت ولبست صبيغا واكتحلت فأنكر ذلك عليها قالت أمرني أبي بهذا‏"‏‏. ‏قوله‏:‏: "‏أو ستا وستين‏"‏‏.‏ هكذا في سنن أبو داود وكان جملة الهدى الذي قدم به على من اليمن والذي أتى به رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم مائة كما في صحيح مسلم‏.‏ وفي لفظ لمسلم: "‏فنحر ثلاثا وستين بيده ثم أعطى عليا فنحر ما غبر‏"‏‏.‏ قال النووي والقرطبي ونقله القاضي عن جميع الرواة‏.‏ إن هذا هو الصواب لا ما وقع في رواية مسلم: "‏ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر وطبخت فأكل هو وعلي من لحمها وشرابها من مرقها‏"‏‏. ‏واستدل بحديث سراقة والبراء من قال إن حجه صلى اللّه عليه وآله وسلم كان قرانا وقد تقدم الكلام على ذلك واستدل بحديث علي على صحة الإحرام معلقا وعلى جواز الأشتراك في الهدى وسيأتي الكلام على ذلك‏.‏

باب إدخال الحج على العمرة
1 - عن نافع قال‏:‏: "أراد ابن عمر الحج عام حجة الحرورية في عهد ابن الزبير فقيل له إن الناس كائن بينهم قتال فنخاف أن يصدوك فقال‏:‏ لقد كان لكم في رسول اللّه أسوة حسنة أذن أصنع كما صنع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أشهدكم أن قد أوجبت عمرة ثم خرج حتى إذا كان بظاهر البيداء قال‏:‏ ما شأن الحج والعمرة إلا واحد أشهدكم أني قد جمعت حجة مع عمرتي واهدى هديا مقلدا اشتراه بقديد وانطلق حتى قدم مكة فطاف بالبيت وبالصفا ولم يزد على ذلك ولم يحلل من شيء حرم منه حتى يوم النحر فحلق ونحر ورأى أن قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافة الأول ثم قال‏:‏ هكذا أصنع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏"‏‏.‏ متفق عليه‏.‏
قوله‏:‏: "‏حجة الحرورية‏"‏ هم الخوارج ولكنهم حجوا في السنة التي مات فيها يزيد بن معاوية وأربع وستين وذلك قبل أن يتسمى ابن الزبير بالخلافة ونزل الحجاج بابن الزبير في سنة ثلاث وسبعين وذلك في آخر أيام ابن الزبير فأما أن يحمل على أن الراوي أطلق على الحجاج وأتباعه حرورية لجامع ما بينهم من الخروج على أئمة الحق وأما أن يحمل على تعدد القصة وإن

 

ج / 4 ص -318-       الحرورية حجة سنة اخرى ولكنه يؤيد الأول ما في بعض طرق البخاري من طريق الليث عن نافع بلفظ حين نزل الحجاج بابن الزبير وكذا لمسلم من رواية يحيى القطان قوله‏:‏: "‏كما صنع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏"‏ في رواية للبخاري: "‏كما صنعنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏"‏ قوله‏:‏: "‏أشهدكم أني قد أوجبت عمرة‏"‏ يعني من أجل أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم كان أهل بعمرة عام الحديبية‏.‏ قال‏:‏ النووي معناه أن صددت عن البيت وأحصرت تحللت من العمرة كما تحلل النبي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم من العمرة‏.‏ وقال‏:‏ عياض يحتمل إن المراد أنه أوجب عمرة كما أوجب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ويحتمل أنه أراد الأمرين من الإيجاب والأحلال‏.‏ قال‏:‏ الحافظ وهذا هو الأظهر‏.‏ قوله‏:‏: "‏ما شأن الحج والعمرة إلا واحد‏"‏‏.‏ يعني فيما يتعلق بالاحصار والاحلال قوله‏:‏: "‏ولم يزد على ذلك‏"‏ هذا يقتضي أنه اكتفى بطواف القدوم عن طواف الإفاضة وهو مشكل وسيأتي إن شاء اللّه تعالى الكلام عليه وفي الحديث فوائد منا ما بوب له المصنف من جواز ادخال الحج على العمرة وإليه ذهب الجمهور لكن بشرط أن يكون الأدخال قبل الشروع في طواف العمرة وقيل ان كان قبل مضى أربعة أشواط صح وهو قول الحنفية وقيل ولو بعد تمام الطواف وهو قول المالكية ونقل ابن عبد البر أن أبا ثور شذ فمنع ادخال الحج على العمرة قياسا على منع ادخال العمرة على الحج‏.‏ ومنها أن القارن يقتصر على طواف واحد‏.‏ ومنها أن القارن بهدى وشذ ابن حزم فقال‏:‏ لا هدى على القارن‏.‏ ومنها جواز الخروج إلى النسك في الطريق المظنون خوفه إذا رجى السلامة قاله ابن عبد البر‏.‏ ومنها إن الصحابة كانوا يستعملون القياص ويحتجون به‏.‏
2 - وعن جابر: "‏انه قال‏:‏ أقبلنا مهلين مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بحج مفرد وأقبلت عائشة بعمرة حتى إذا كنا بسرف عركت حتى إذا قدمنا مكة طفنا بالكعبة والصفا والمروة فأمرنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن يحل منا من لم يكن معه هدى فقلنا حل ماذا قال‏:‏
الحل كله فواقعنا النساء وتطيبنا بالطيب ولبسنا ثيابنا وليس بيننا وبين عرفة إلى أربع ليال ثم أهللن يوم التروية ثم دخل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم على عائشة فوجدها تبكي فقال‏:‏ ما شأنك قالت شأني قد حضت وقد حل الناس ولم أحلل ولم أطف بالبيت والناس يذهبون إلى الحج الآن فقال‏:‏ إن هذا أمر كتبه اللّه على بنات آدم فاغتسلي ثم أهلي بالحج ففعلت ووقفت المواقف حتى إذا طهرت طافت بالكعبة وبالصفا والمروة ثم قال‏:‏ قد حللت من حجتك وعمرتك جميعا فقالت يا رسول اللّه اني أجد في نفسي أني لم أطف بالبيت حين حججت قال‏:‏ فأذهب بها يا عبد الرحمن فأعمرها

 

ج / 4 ص -319-       من التنعيم وذلك ليلة الحصبة‏"‏‏.‏ متفق عليه‏.‏
قوله‏:‏: "‏بحج مفرد‏"‏ استدل به من قال‏:‏ إن حجة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم كان مفردا وليس فيه ما يدل على ذلك لأن غاية ما فيه أنهم أفردوا مع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وليس فيه إن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أفرد الحج ولو سلم أنه يدل على ذلك فهو مؤول بما سلف‏.‏ قوله‏:‏: "‏عركت‏"‏ بفتح العين المهملة والراء أي حاضت يقال‏:‏ عركت تعرك عروكا كقعدت تقعد قعودا: "‏حل ماذا‏"‏ بكسر الحاء المهملة وتشديد اللام وحذف التنوين للإضافة وما استفهامية أي الحل من أي شيء ذا وهذا السؤال من جهة من جوز أنه حل من بعض الأشياء دون بعض‏.‏ قوله‏:‏: "‏الحل كله‏"‏ أي الحل الذي لا يبقى معه شيء من ممنوعات الأحرام بعد التحلل المأمور به‏.‏ قوله‏:‏: "‏ثم أهللنا يوم التروية‏"‏ هو اليوم الثامن من ذي الحجة قوله‏:‏: "‏أمر كتبه اللّه على بنات آدم فاغتسلي‏"‏ الخ هذا الغسل قيل هو الغسل للاحرام ويحتمل أن يكون الغسل من الحيض‏.‏ قوله‏:‏: "‏حتى إذا طهرت‏"‏ بفتح الهاء وضمها والفتح أفصح‏.‏ قوله‏:‏: "‏من حجتك وعمرتك‏"‏ هذا تصريح بأن عمرتها لم تبطل ولم تخرج منها وإن ما وقع في بعض الروايات من قوله‏:‏ أرفضي عمرتك وفي بعضها دعى عمرتك متأول‏:‏ قال‏:‏ النووي إن قوله‏:‏ حتى إذا طهرت طافت بالكعبة والصفا والمروة ثم قال‏:‏ قد حللت من حجتك وعمرتك يستنبط منه ثلاث مسائل حسنة‏.‏ احداها إن عائشة كانت قارنة ولم تبطل عمرتها وإن الرفض المذكور متأول‏.‏ الثانية إن القارن يكفيه طواف واحد هو مذهب الشافعي والجمهور وقال‏:‏ أبو حنيفة وطائفة يلزمه طوافان وسعيان‏.‏ الثالثة إن السعي بين الصفا والمروة يشترط وقوعه بعد طواف صحيح‏.‏ وموضع الدلالة إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أمرها أن تصنع ما يصنع الحاج غير الطواف بالبيت ولم تسع كما لم تطف فلو لم يكن السعي متوفقا على تقدم الطواف عليه لما أخرته قالوا‏:‏ علم إن طهر عائشة هذا المذكور كان يوم السبت وهو يوم النحر في حجة الوداع وكان ابتداء حيضها هذا يوم السبت أيضا لثلاث خلون من ذي الحجة سنة إحدى عشرة ذكره أبو محمد بن حزم في كتابه حجة الوداع‏.‏ قوله‏:‏: "‏فاذهب بها يا عبد الرحمن‏"‏ الخ قد تقدم شرح هذا في أول كتاب الحج‏.‏ والحديث ساقه المصنف رحمه اللّه ههنا للاستدلال به على جواز ادخال الحج على العمرة وقد تقدم ما فيه من الخلاف والأشتراط وللحديث فوائد يأتي ذكرها في مواضعها‏.‏

باب من أحرم مطلقا أو قال‏:‏ أحرمت بما أحرم به فلان
1 - عن أنس: "‏قال‏:‏ قدم علي على النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال‏:‏
بما أهللت يا علي فقال‏:‏ أهللت باهلال كهلال النبي قال‏:‏ لولا أن معي الهذى لأحلت‏"‏‏.‏ متفق عليه‏.‏ رواه النسائي من حديث جابر وقال‏:‏ فقال‏:‏: "لعلي بما أهللت قال‏:‏ قلت اللّهم أني أهل بما أهل به رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏"‏‏.‏

 

ج / 4 ص -320-       2 - وعن أبي موسى قال‏:‏: "‏قدمت على النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ سقت من هدي قلت لا قال‏:‏ فطف بالبيت وبالصفا والمروة ثم حل قال‏:‏ فطفت بالبيت وبالصفا والمروة ثم أتيت امرأة من قومي فمشطتني وغسلت رأسي‏"‏‏.‏ متفق عليه‏.‏ وفي لفظ: "‏قال‏:‏ كيف قلت حين أحرمت قال‏:‏ قلت لبيك باهلال كاهلال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏"‏ وذكره أخرجاه‏.‏
قوله‏:‏ في حديث علي:
"‏لولا معي الهدى لاحللت‏"‏ قال‏:‏ البخاري زاد محمد ابن بكر عن ابن جريج قال‏:‏ له النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بما أهللت يا علي قال‏:‏ بما أهل به النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ فاهد وامكث حراما كما أنت قوله‏:‏: "‏ثم أتيت امرأة من قومي‏"‏ في رواية للبخاري امرأة من قيس والمتبادر من هذا الأطلاق أنها من قيس عيسلان وليس بينهم وبين الأشعري نسبة‏.‏ وفي رواية من نساء بني قيس قال‏:‏ الحافظ فظهر لي من ذلك أن المراد بقيس أبوه قيس بن سليم والد أبي موسى الأشعري وإن المرأة زوج بعض اخوته فقد كان لأبي موسى من الأخوة أبو رهم وأبو بردة قيل ومحمد، والحديثان يدلان على جواز الاحرام كاحرام شخص يعرفه من أراد ذلك وأما مطلق الاحرام على الابهام فهو جائز ثم يصرفه المحرم إلى ماشاء لكونه صلى اللّه عليه وآله وسلم يم ينه عن ذلك وإلى ذلك ذهب الجمهور وعن المالكية لا يصح الاحرام على الابهام وهو قول الكوفيين قال‏:‏ ابن المنير وكأنه مذهب البخاري لأنه أشار في صحيحه عند الترجمة لهذين الحديثين إلى أن ذلك خاص بذلك الزمن وأما الآن فقد استقرت الأحكام وعرفت مراتب الاحرام فلا يصح ذلك وهذا الخلاف يرجع إلى قاعدة أصولية وهي هل يكون خطابه صلى اللّه عليه وآله وسلم لواحد أو لجماعة مخصوصة في حكم الخطاب العام للأمة أولا فمن ذهب إلى الأول جعل حديث علي وأبي موسى شرعا عاما ولم يقبل دعوى الخصوصية الا بدليل ومن ذهب إلى الثاني قال‏:‏ إن هذا الحكم مختص بهما والظاهر الأول‏.‏

باب التلبية وصفتها وأحكامها
1 - عن ابن عمر: "‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم كان إذا استوت به راحلته قائمة عند مسجد ذي الحليفة أهل فقال‏:‏
اللّهم لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لك لا شريك لك وكان عبد اللّه يزيد مع هذا لبيك لبيك وسعديك والخير بيديك والرغباء اليك والعمل‏"‏‏.‏ متفق عليه‏.‏
2 - وعن جابر قال‏:‏: "‏أهل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فذكر التلبية مثل

 

ج / 4 ص -321-       حديث ابن عمر قالوا‏:‏ لناس يزيدون ذا المعارج ونحوه من الكلام والنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يسمع فلا يقول لهم شيئا‏"‏‏.‏ رواه أحمد وأبو داود ومسلم بمعناه‏.‏
3 - وعن أبي هريرة: "‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ في تلبيته
لبيك اله الحق لبيك‏"‏‏.‏ رواه أحمد وابن ماجه والنسائي‏.‏
حديث أبي هريرة صححه ابن حبان والحاكم قوله‏:‏: "‏فقال‏:‏ لبيك‏"‏ قال‏:‏ في الفتح هو لفظ مثني عند سيبويه ومن تبعه وقال‏:‏ يونس هو اسم مفرد وألفه إنما انقلبت ياء لاتصالها بالضمير كلدى وعلى ورد بأنها قلبت ياء مع المظهر وعن الفراء هو منصوب على المصدر وأصله لبالك فثنى على التأكيد أي البابا بعد الباب وهذه التثنية ليست حقيقية بل هي للتكثير والمبالغة ومعناه أجابة بعد إجابة أو إجابة لازمة وقيل معناه غير ذلك‏.‏ قال‏:‏ ابن عبد البر قال‏:‏ جماعة من أهل العلم معنى التلبية إجابة دعوة إبراهيم حين أذن في الناس بالحج وهذا قد أخرجه عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم بأسانيدهم في تفاسيرهم عن ابن عباس ومجاهد وعطاء وعكرمة وقتادة في غير واحد‏.‏ قال‏:‏ الحافظ والأسانيد إليهم قوية وهذا مما ليس للاجتهاد فيه مسرح فيكون له حكم الرفع قوله‏:‏: "‏إن الحمد‏: "بكسر الهمزة على الاستئناف وبفتحها على التعليل قال‏:‏ في الفتح والكسر أجود عند الجمهور قال‏:‏ ثعلب لأن من كسر جعل معناه إن الحمد لك على كل حال ومن فتح قال‏:‏ معناه لبيك لهذا السبب الخاص ومثله قال‏:‏ ابن دقيق العيد‏.‏ وقال‏:‏ ابن عبد البر معناهما واحد وتعقب ونقل الزمخشري إن الشافعي اختار الفتح وأبا حنيفة اختار الكسر قوله‏:‏: "‏والنعمة لك‏"‏ المشهور فيه النصب ويجوز الرفع على الابتداء ويكون الخبر محذوفا قاله ابن الانباري وكذلك الملك المشهور فيه النصب ويجوز الرفع قوله‏:‏: "‏وكان عبد اللّه‏"‏ الخ أخرج ابن أبي شيبة من طريق المسور بن مخرمة قال‏:‏ كانت تلبية عمر فذكر مثل المرفوع وزاد:
"‏لبيك مرغوبا ومرهوبا إليك ذا النعماء والفضل الحسن‏"‏ قال‏:‏ الطحاوي بعد أن أخرجه من حديث عمر وابن مسعود وعائشة وجابر وعمرو بن معد يكرب أجمع المسلمون جميعا على ذلك غير أن قوما قالوا‏:‏ لابأس أن يزيد فيها من الذكر للّه تعالى ما أحب وهو قول محمد والثوري والأوزاعي واحتجوا بما في الباب من حديث أبي هريرة وجابر وبالآثار المذكورة وخالفهم آخرون فقالوا‏:‏ لا ينبغي أن يزاد على ماعلمه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم الناس وبجواز الزيادة قال‏:‏ الجمهور‏.‏ وحكى ابن عبد البرعن مالك الكراهة وهو أحد قولي الشافعي وقد اختلف في حكم التلبية فقال‏:‏ الشافعي وأحمد أنها سنة‏.‏ وقال‏:‏ ابن أبي هريرة واجبة وحكاه ابن قدامة عن بعض المالكية والخطابي عن مالك وأبي حنيفة واختلف هؤلاء في وجوب الدم لتركها وقال‏:‏ ابن شاس من المالكية وصاحب الهداية من الحنفية أنها واجبة يقوم مقامها فعل يتعلق

 

ج / 4 ص -322-       بالحج كالتوجيه على الطريق وحكى ابن عبد البر عن الثوري وأبي حنيفة وابن حبيب من المالكية والزبيري من الشافعية وأهل الظاهر أنها ركن في الأحرام لا ينعقد بدونها وأخرج ابن سعدعن عطاء بإسناد صحيح أنها فرض وحكاه ابن المنذر عن ابن عمر وطاوس وعكرمة‏.‏
4 - وعن السائب بن خلاد قال: "‏قال‏:‏ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالاهلال والتلبية‏"‏‏.‏ رواه الخمسة وصححه الترمذي‏.‏ وفي رواية: "‏أن جبريل أتى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال‏:‏ كن عجاجا ثجاجا والعج والتلبية والثج نحر البدن‏"‏‏.‏ رواه أحمد‏.‏
5 - وعن خزيمة بن ثابت عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم: "‏أنه كان إذا فرغ من تلبية سأل اللّه عز وجل رضوانه والجنة واستعاذ برحمته من النار‏"‏‏.‏ رواه الشافعي والدارقطني‏.‏
6 - وعن القاسم بن محمد قال‏:‏: "‏كان يستحب للرجل إذا فرغ من تلبيته إن يصلي على النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏"‏‏.‏ رواه الدارقطني‏.‏
7 - وعن الفضل عن العباس قال‏:‏ كنت رديف رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم من جمع إلى مني فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة‏"‏‏.‏ رواه الجماعة ‏.‏ وعن عطاء عن ابن عباس: "‏قال‏:‏ يرفع الحديث انه كان يمسك عن التلبية في العمرة إذا استلم الحجر‏"‏‏.‏ رواه الترمذي وصححه‏.‏
8 - وعن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم: "‏قال‏:‏
يلبي المعتمر حتى يستلم الحجر‏"‏‏.‏ رواه أبو داود‏.‏
حديث السائب بن خلاد أخرجه أيضا مالك في الموطأ والشافعي عنه وابن حبان والحاكم والبيهقي وصححوه وأخرج نحوه الحاكم عن أبي هريرة مرفوعا وأحمد من حديث ابن عباس‏.‏ وأخرج ابن أبي شيبة عن المطلب بن عبد اللّه بن حنطب قال‏:‏: "‏كان أصحاب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يرفعون أصواتهم حتى تبح أصواتهم‏"‏‏.‏ وأخرج الترمذي وابن ماجة والحاكم من حديث أبي بكر الصديق:
"أفضل الحج العج والثج‏"‏ واستغر به الترمذي وحكي الدارقطني الاختلاف فيه وأشار الترمذي إلى نحوه من حديث جابر‏.‏ ووصله أبو القاسم في الترغيب والترهيب ورواية متروك

 

ج / 4 ص -323-       وهو إسحاق بن أبي فروة‏.‏ وروى ابن المقري في مسند أبي حنيفة عن ابن مسعود نحوه‏:‏ وأخرجه أبو يعلى‏.‏ وحديث خزيمة في إسناده صالح ابن محمد بن أبي زائدة وهو مدني ضعيف وفيه أيضا إبراهيم بن أبي يحيى ولكنه قد تابعه عليه عبد اللّه بن عبيد اللّه الأموي أخرجه البيهقي والدارقطني‏.‏ وحديث ابن عباس الأول في إسناده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وفيه مقال‏:‏ وحديثه الثاني قال‏:‏ المنذري أخرجه الترمذي وقال‏:‏ صحيح وفي إسناده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وقد تكلم فيه جماعة من الأئمة انتهى كلام المنذري‏.‏ وليس في الترمذي إلا الحديث الأول والذي عزاه إليه المصنف وهو والذي بعده حديث واحد ولكنه لما اختلف لفظهما جعلهما المصنف حديثين‏.‏ قوله‏:‏: "‏إن آمر أصحابي‏"‏ الخ استدل به على استحباب رفع الصوت للرجل بالتلبية بحيث لا يضر نفسه وبه قال‏:‏ ابن رسلان‏.‏ وخرج بقوله‏:‏ أصحابي النساء فإن المرأة لا نجهر بها بل تقتصر على إسماع نفسها‏.‏ قال‏:‏ الروياني فإن رفعت صوتها لم يحرم لأنه ليس بعورة على المصحح بل يكون مكروها وكذا قال‏:‏ أبو لطيب وابن الرفعة وذهب داود إلى أن رفع الصوت واجب وهو ظاهر قوله‏:‏ فأمرني أن آمر أصحابي لا سيما وأفعال الحج وأقواله بيان لمجمل واجب هو قول اللّه تعالى ‏: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ}‏ وقوله‏:‏ صلى اللّه عليه وآله وسلم: "‏خذوا عني مناسككم‏"‏ قوله‏:‏: "‏حتى رمى جمرة العقبة‏"‏ فيه دليل على أن التلبية إذا دخل الحرم وهو مذهب ابن عمر لكن يعاود التلبية إذا خرج من مكة إلى عرفة‏.‏ وقالت طائفة يقطعها إذا راح إلى المووقف رواه ابن المنذر وسعيد بن منصور بأسانيد صحيحة عن عائشة وسعد ابن أبي وقاص وعلي وبه قال‏:‏ مالك وقيده بزوال الشمس يوم عرفة وهو قول الأوزاعي والليث‏.‏ وعن الحسن البصري مثله لكن قال‏:‏ إذا صلى الغداة يوم عرفة واختلف الأولون هل يقطع التلبية مع رمى أول حصاة وعند تمام الرمي فذهب جمهور إلى الأول وإلى الثاني أحمد وبعض أصحاب الشافعي ويدل لهم ما روى ابن خزيمة من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين عن ابن عباس عن الفضل قال‏:‏: "‏أفضت عمع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم من عرفات فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة ويكبر مع كل حصاة ثم قطع التلبية مع آخر حصاة‏"‏ قال‏:‏ ابن خزيمة هذا حديث صحيح مفسرا لما أبهم في الروايات الأخرى وأن المراد حتى رمي جمرة العقبة أي أتم رميها انتهى‏.‏ والأمر كما قال‏:‏ ابن خزيمة فإن هذه زيادة مقبولة خارجة من مخرج صحيح غير منافية للمزيد وقبولها متفق عليه كما تقرر في الأصول قوله‏:‏: "‏حتى يستلم الحجر‏"‏ ظاهره أن يلبي في حال دخول المسجد بعد رؤية البيت وفي حال مشية حتى يشرع في الاستلام ويستثنى منه الأوقات التي فيها دعاء مخصوص وقد ذهب إلى ما دل عليه الحديث من ترك التلبية عند الشروع في الاستلام أبو حنيفة والشافعي في الجديد وفال في القديم يلبي ولكنه يخفض صوته وهو قول ابن عباس وأحمد‏.‏

 

ج / 4 ص -324-       باب ما جاء في فسخ الحج إلى العمرة
1 - عن جابر قال‏:‏: "‏أهللنا بالحج مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فلما قدمنا مكة أمرنا أن نحل ونجعلها عمرة فكبر ذلك علينا وضاقت به صدورنا فقال‏:‏
يا أيها الناس أحلوا فلولا الهدى معي لفعلت كما فعلتم قال‏:‏ فأحللنا حتى وطئنا النساء وفعلنا كما يفعل الحلال حتى إذا كان يوم التروية وجعلنا مكة بظهر أهللنا بالحج‏"‏‏.‏ متفق عليه‏.‏ وفي رواية: "‏اهللنا مع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بالحج خالصا لا يخالطه شيء فقدمنا مكة لأربع ليال خلون من ذي الحجة فطفنا وسعينا ثم أمرنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن نحل وقال‏:‏ لولا هدي لحللت ثم قام سراقة بن مالك فقال‏:‏ يا رسول اللّه أرأيت متعتنا هذه لعامنا هذا أم للأبد فقال‏:‏ بلى هي للأبد‏"‏‏.‏ رواه البخاري وأبو داود ولمسلم معناه‏.‏
2 - وعن أبي سعيد قال‏:‏: "‏خرجنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ونحن نصرخ بالحج صراخا فلما قدمنا مكة أمرنا أن نجعلها عمرة إلا من ساق الهدي فلما كان يوم التروية ورحلنا إلى منى أهللنا بالحج‏"‏‏.‏ رواه أحمد ومسلم‏.‏
3 - وعن أسماء بنت أبي بكر قالت: "‏خرجنا محرمين فقال‏:‏ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
من كان معه هدي فليقم على إحرامه ومن لم يكن معه هدي فليحلل فلم يكن معي هدي فحللت وكان مع الزبير هدي فلم يحلل‏"‏‏.‏ رواه مسلم وابن ماجه‏.‏ ولمسلم في رواية: "‏قدمنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم مهلين بالحج‏"‏‏.‏ قوله‏:‏: "‏وجعلنا مكة بظهر‏"‏ أي جعلناها وراء أظهرنا وذلك عند إرادتهم الذهاب إلى منى قوله‏:‏: "‏لا يخالطه شيء‏"‏‏.‏ يعني من العمرة ولا القران ولا غيرهما قوله‏:‏: "‏من ذي الحجة‏: "بكسر الحاء على الأفصح‏.‏ قوله‏:‏: "‏أرأيت متعتنا هذه‏"‏ أي أخبرني عن فسخنا الحج إلي عمرتنا هذه التي تمتعنا فيها بالجماع والطيب واللبس‏.‏ قوله‏:‏: "‏لعامنا هذا‏"‏ أي مخصوصة به لا تجوز في غيره أم للأبد أي جميع الإعصار‏.‏ وقد ستدل بهذه الأحاديث وبما يأتي بعدها مما ذكره المصنف من قال‏:‏ أنه يجوز فسخ الحج إلى العمرة لكل واحد وبه قال‏:‏ أحمد وطائفة من أهل الظاهر وقال‏:‏ مالك وأبو حنيفة

 

ج / 4 ص -325-       والشافعي قال‏:‏ النووي وجمهور العلماء من السلف والخلف إن فسخ الحج إلى العمرة هو مختص بالصحابة في تلك السنة لا يجوز بعدها قالوا‏:‏ وإنما أمروا به في تلك السنة ليخالفوا ما كانت عليه الجاهلية من تحريم العمرة في أشهر الحج واستدلوا بحديث أبي ذر وحديث الحرث بن بلال عن أبيه وسيأتيان ويأتي الجواب عنهما قالوا‏:‏ ومعنى قوله‏:‏ للأبد جواز الاعتمار في أشهر الحج والقران فهما جائزان إلى يوم القيامة وأما فسخ الحج إلى العمرة فمختص بتلك السنة وقد عارض المجوزون للفسخ ما احتج به المانعون بأحاديث كثيرة عن أربعة عشر من الصحابة قد ذكر المصنف في هذا الباب منها أحاديث عشرة منهم وهم جابر وسراقة بن مالك وأبو سعيد وأسماء وعائشة وابن عباس وأنس وابن عمر والربيع بن سبرة والبراء وأربعة لم يذكر احاديثهم وهم حفصة وعلي وفاطمة بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وأبو موسى‏.‏ قال‏:‏ في الهدي وروى ذلك عن هؤلاء الصحابة طوائف من كبار التابعين حتى صار منقولا عنهم نقلا يرفع الشك ويوجب اليقين ولا يمكن أحد أن ينكره أو يقول لم يقع وهو مذهب أهل بيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ومذهب حبر الأمة وبحرها ابن عباس وأصحابه ومذهب أبو موسى الأشعري ومذهب أمام أهل السنة والحديث أحمد بن حنبل وأهل الحديث معه ومذهب عبد اللّه ابن الحسن العنبري قاضي البصرة ومذهب أهل الظاهر انتهى‏.‏ واعلم إن هذه الأحاديث قاضية بجواز الفسخ‏.‏ وقول أبي ذر لا يصلح للاحتجاج به عليها إنها مختصة بتلك السنة وبذلك الركب وغاية ما فيه أنه قول صحابي فيما هو مسرح للاجتهاد فلا يكون حجة على أحد على فرض أنه لم يعارضه غيره فكيف إذا عارضه رأي غيره من الصحابة كان عباس فإنه أخرج عنه مسلم أنه كان يقول: "‏لا يطوف بالبيت حاج الاحل‏"‏ وأخرج عبد الرزاق أنه قال‏:‏ من جاء مهلا بالحج فإن الطواف بالبيت يصيره إلى عمرة شاء أم أبى فقيل له إن الناس ينكرون ذلك عليك فقال‏:‏ هي سنة نبيهم وإن رغموا وكابى موسى فإنه كان يفتي بجواز الفسخ في خلافة عمر كما في صحيح البخاري على ان قول أبي ذر معارض بصريح السنة كما تقدم في جوابه صلى اللّه عليه وآله وسلم لسراقة بقوله‏:‏ للأبد لما سأله عن متعتهم تلك بخصوصها مشيرا إليها بقوله‏:‏ متعتنا هذه فليس في المقام متمسك بيد المانعين يعتد به ويصلح لنصبه في مقابلة هذه السنة المتواترة وأما حديث الحرث بن بلال عن أبيه فسيأتي أنه غير صالح للتمسك به على فرض أنفراده فكيف إذا وقع معارضا لأحاديث أربعة عشر صحابيا كلها صحيحة وقد أبعد من قال‏:‏ أنها منسوخة لأن دعوى النسخ تحتاج إلى نصوص صحيحة متأخرة عن هذه النصوص وأما مجرد الدعوى فأمر لا يعجز عنه أحد
وأما ما رواه البزار عن عمر أنه قال‏:‏: "‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أحل لنا المتعة ثم حرمها علينا‏"‏ فقال‏:‏ ابن القيم إن هذا الحديث لا سند له ولا متن أما سنده فمما لا تقوم به حجة عند أهل الحديث وأما متنه فإن المراد بالمتعة فيه متعة النساء‏.‏ ثم استدل على أن المراد ذلك بإجماع الأمة على أن متعة الحج غير محرمة ويقول عمر لو حججت لتمتعت كما ذكره الأثرم في سننه‏.‏ ويقول عمر لما سئل‏.‏ هل نهى عن متعة الحج فقال‏:‏ لا أبعد كتاب اللّه

 

ج / 4 ص -326-       أخرجه عنه عبد الرزاق وبقوله‏:‏ صلى اللّه عليه وآله وسلم: "‏بل للأبد‏"‏ فإن قطع لتوهم ورود النسخ عليها واستدل على النسخ بما أخرجه أبو داود: "‏أن رجلا من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أتى عمر بن الخطاب فشهد عنده أنه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في مرضه الذي قبض فيه ينهي عن العمرة قبل الحج‏"‏ وهو من رواية سعيد بن المسيب عن الرجل المذكور وهو لم يسمع من عمر وقال‏:‏ أبو سليمان الخطابي في إسناد هذا الحديث مقال‏:‏ وقد أعتمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قبل موته وجوز ذلك إجماع اهل العلم ولم يذكر فيه خلافا انتهى‏.‏ إذا تقرر لك هذا علمت أن هذه السنة عامة لجميع الأمة وسيأتي في أخر هذا الباب بقية متمسكات الطائفتين وقد اختلف هل الفسخ على جهة الوجوب أو الجواز فما بعض إلى انه واجب قال‏:‏ ابن القيم في الهدى بعد أن ذكر الحديث البراء الأتي وغضبه صلى اللّه عليه وآله وسلم لما لم يفعلوا ما أمرهم به من الفسخ ونحن نشهد اللّه علينا أنا لو أحرمنا بحج لرأينا فرضا علينا فسخه إلى عمرة تفاديا من غضب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم واتباعا لأمره فواللّه ما نسخ هذا في حياته ولا بعده ولا صح حرف واحد يعارضه ولا خص به أصحابه دون من بعدهم بل أجرى اللّه على لسانة سراقة أن سأله هل ذلك مختص بهم فأجابه بأن ذلك كائن لا بد فما ندري ما يقدم على هذه الأحاديث وهذا الأمر المؤكد الذي غضب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم على من خالفه انتهى‏.‏ والظاهر أن الوجوب رأي ابن عباس لقوله‏:‏ فيما تقدم أن الطواف بالبيت يصيره إلى عمرة شاء أم أبى‏.‏
4 - وعن الأسود عن عائشة قالت‏:‏: "‏خرجنا مع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ولا نرى إلى أنه الحج فلما قدمنا تطوفنا بالبيت وأمر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم من لم يكن ساق الهدي أن يحل فحل من لم يكن ساق ونساؤه لم يسقن فأحللن قالت عائشة فحضت فلم أطف بالبيت وذكرت قصتها‏"‏‏.‏ متفق عليه‏.‏
5 - وعن ابن عباس قال‏:‏: "‏كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض ويجعلون المحرم صفر ويقولون إذا برأ الدبر وعفى الأثر وأنسلخ صفر حلت العمرة لمن اعتمر فقدم النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وأصحابه صبيحة رابعة مهلين بالحج فأمرهم أن يجعلوها عمرة فتعاظم ذلك عندهم فقالوا‏:‏ يا رسول اللّه أي الحل قال‏:‏
حل كله‏"‏‏.‏ متفق عليه‏.‏
6 - وعنه قال: "‏قال‏:‏ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
هذه عمرة أستمتعنا به فلم يكن عند هدي فليحلل الحل كله فإن العمرة قد دخلت في الحج إلى يوم القيامة‏"‏‏.‏ رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي‏.‏
7- وعنه أيضا: "‏أنه سئل عن متعة الحج فقال‏:‏ أهل المهاجرون

 

ج / 4 ص -327-       والأنصار وأزواج النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم في حجة الوداع وأهللنا فلما قدمنا مكة قال‏:‏ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم اجعلوا أهلا لكم بالحج عمرة إلا من قلد الهدي فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة أتينا النساء ولبسنا الثياب وقال‏:‏ من قلد الهدى فإنه لا يحل له حتى يبلغ الهدي محله ثم أمرنا عشية التروية أن نهل بالحج وإذا فرغنا من المناسك جئنا طفنا بالبيت وبالصفا والمروة فقد تم حجنا وعلينا الهدي كما قال‏:‏ تعالي ‏: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ}: "إلى أمصاركم‏"‏‏.‏ رواه البخاري‏.‏
قوله‏:‏: "‏ولانرى إلى أنه الحج‏"‏ في لفظ لمسلم ولا نذكر إلا الحج وظاهر هذا أن عائشة مع غيرها من الصحابة كانوا محرمين بالحج وقد تقدم قولها‏:‏: "‏فمنا من أهل بعمرة ومنا من أهل بالحج والعمرة ومنا من أهل بالحج‏"‏ فيحتمل أنها ذكرت ما كانوا يعتادونه من ترك الاعتمار في أشهر الحج فخرجوا لا يعرفون إلا الحج ثم بين لهم النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وجوه الأحرام وجوز لهم الأعتمار في أشهر الحج قوله‏:‏: "‏ونساؤه لم يسقن‏"‏ أي الهدي‏.‏ قوله‏:‏: "‏وذكرت قصتها‏"‏ وهي كما في البخاري وغيره: "‏فلما كانت لية الحصبة قلت يا رسول اللّه يرجع الناس بحجة وعمرة وأرجع أنا بحجة قال‏:‏
وما طفت ليالي قدمنا مكة قلت لا قال فاذهبي مع أخيك إلى التنعيم فاهلي بعمرة ثم موعدك كذا وكذا فقالت‏:‏ صفية ما أراني الا حابستهم قال‏:‏ عقرا حلقا أو ما طفت يوم النحر قالت قلت بلى قال‏:‏ لا بأس انفري قالت عائشة‏:‏ فلقيني النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وهو مصعد من مكة وأنا منهبطة عليها أو أنا مصعدة وهو منهبط منها‏"‏ قوله‏:‏ من أفجر الفجور هذا من أباطيلهم المستندة إلى غير أصل كسائر أخاواتها قوله‏:‏: "‏ويجعلون المحرم صفر‏"‏ قال‏:‏ في الفتح كذا هو في جميع الأصول من الصحيحين قال‏:‏ النووي كان ينبغي أن يكتب بالألف ولكن على تقدير حذفها لا بد من قراءته منصوبا لأنه مصروف بلا خلاف يعني والمشهور في اللغة الربعية كتابة المنصوب بغير الألف فلا يلزم من كتابته بغير ألف أن لا يصرف فيقرأ بالألف وسبقه عياض إلى نفي الخلاف فيه لكن في المحكم كان أبو عبيدة لا يصرفه فقيل لا يمنع الصرف حتى يجتمع علتان فما هما قال‏:‏ المعرفة والساعة وفسره المظفري بأن مراده بالساعة الزمان والأزمنة ساعات والساعات مؤنثة انتهى‏.‏ وإنما جعلوا المحرم صفرا لما كانوا عليه من النسيء في الجاهلية فكانوا يسمون المحرم صفرا ويحلونه ويؤخرون تحريم المحرم لئلا يتوالى عليهم ثلاثة أشهر محرمة فيضيق عليهم فيها ما يعتادون من المقاتلة والغارة والنهب فضللّهم اللّه عز وجل في ذلك فقال‏:‏ ‏: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا}‏ قوله‏:‏: "‏إذا برأ الدبر‏"‏ بفتح الدال المهملة والموحدة أي ما كان يحصل بظهور الأبل من الحمل عليها ومشقة السفر فإنه كان يبرأ عند انصرافهم من الحج قوله‏:‏: "‏وعفا الأثر‏: "أي اندرس أثر

 

ج / 4 ص -328-       الأبل وغيرها في سيرها ويحتمل أثر الدبر المذكور وهذه الالفاظ تقرأ ساكنة الراو لإرادة السجع ووجه تعليق جواز الأعتمار بانسلاخ صفر مع كونه ليس من أشهر الحج أنهم لما جعلوا المحرم صفرا وكانوا لا يستقرون ببلادهم في الغالب ويبرأ دبرابلهم إلى عند انسلاخه ألحقوه بأشهر الحج على طريق التبعية وجعلوا أول أشهر الأعتمار شهر المحرم الذي هو في الأصل صفر والعمرة عندهم في غير أشهر الحج‏.‏ قوله‏:‏: "‏قال‏:‏ حل كله‏"‏ أي الحل الذي يجوز معه كل محظورات الأحرام حتى الوطء للنساء قوله‏:‏ هذه عمرة استمتعنا بها هذا من متمسكات من قال‏:‏ إن حجه صلى اللّه عليه وآله وسلم كان تمتعا وتأوله من ذهب إلى خلافه بأنه أراد من تمتع من أصحابه كما يقول الرجل الرئيس في قومه فعلنا كذا وهو لم يباشر ذلك وقد تقدم الكلام على حجه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏.‏ قوله‏:‏: "‏فإن العمرة قد دخلت في الحج إلى يوم القيامة‏"‏ قيل معناه سقط فعلها بالدخول في الحد هو على قول من لا يرى العمرة واجبة وأما من يرى أنها واجبة فقال‏:‏ النووي قال‏:‏ أصحابنا وغيرهم فيه تفسير أن أحدهما معناه دخلت أفعال العمرة في الحج في أفعال الحج إذا جمع بينهما بالقران والثاني معناه لا بأس بالعمرة في أشهر الحج‏.‏ قال‏:‏ الترمذي هكذا قال‏:‏ الشافعي وأحمد وإسحاق وهذه الأحاديث من أدلة القائلين بالفسخ وقد تقدم البحث في ذلك‏.‏
8 - وعن أنس: "‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بات بذي الحليفة حتى أصبح ثم أهل بحج وعمرة وأهل الناس بهما فلما قدمنا أمر الناس فحلوا حتى كان يوم التروية أهلوا بالحج قال‏:‏ ونحر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم سبع بدنات بيده قياما وذبح بالمدينة كبشين أملحين‏"‏‏.‏ رواه أحمد والبخاري وأبو داود‏.‏
9 - وعن ابن عمر: "‏قال‏:‏ قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم مكة وأصحابه مهلين بالحج فقال‏:‏ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
من شاء أن يجعلها عمرة إلا من كان معه الهدى قالوا‏:‏ يا رسول اللّه أيروج أحدنا إلى مني وذكره يقطر منيا قال‏:‏ نعم وسطعت المجامر‏"‏‏.‏ رواه أحمد‏.‏
حديث ابن عمر قال‏:‏ في مجمع الزوائد رجال الصحيح وهو في الصحيح باختصار وهو من احاديث الفسخ التي قال‏:‏ ابن القيم كلها صحاح وهو أحد الأحاديث التي قال‏:‏ أحمد بن حنبل ان عنده في الفسخ أحد عشر حديثا صحاحا قوله‏:‏: "‏بات بذي الحليفة حتى أصبح‏"‏ فيه استحباب المبيت بميقات الاحرام قوله‏:‏ وأهل الناس بهما فيه استحباب أن تكون تلبية الناس بعد تلبية كبير القوم ولفظ أبي داود: "‏ثم أهل الناس بهما‏"‏ قوله‏:‏: "‏فحلوا‏"‏ أي أمر من فسخ الحج إلى العمرة ممن كان معه أن يحل من عمرته:‏قوله‏:‏: "‏يوم التروية‏"‏ هو اليوم الثامن من ذي الحجة كما تقدم قوله‏:‏: "‏قياما‏: "فيه استحباب نحر الأبل قائمة قوله‏:‏: "‏وذبح بالمدية كبشين‏"‏ فيه مشروعية

 

ج / 4 ص -329-       الأضحية وسيأتي الكلام عليها إن شاء اللّه تعالى ويأتي إن شاء اللّه تعالى تفسير الاملح قوله‏:‏: "وذكره يقطر منيا‏"‏ فيه اشارة إلى قرب العهد بوطء النساء وفيه دليل على جواز استعمال الكلام في المبالغة‏.‏ قوله‏:‏: "‏وسطعت المجامر‏"‏ في رواية لابن أبي شيبة عن أسماء بنت أبي بكر ما لفظه: "‏جئنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم حجاجا فجعلناها عمرة فحللنا الاحلال كله حتى سطعت المجامر بين الرجال والنساء‏"‏ والمراد انهم تبخروا والبخور نوع من انواع الطيب‏.‏
10 - وعن الربيع بن سبرة عن أبيه قال‏:‏: "‏خرجنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم حتى إذا كان بعسفان قال‏:‏ له سراقة بن مالك المدلجي يا رسول اللّه اقض لنا قوم كأنما ولدوا اليوم فقال‏:‏
إن اللّه عز وجل قد أدخل عليكم في حجكم عمرة فإذا قدمتم فمن تطوف بالبيت وبين الصفا والمروة فقد حل الا من كان معه هدي‏"‏‏.‏ رواه أبو داود‏.‏
11 - وعن البراء بن عازب قال‏:‏: "‏حج رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وأصحابه قال‏:‏ فاحرمنا بالحج فلما قدمنا مكة قال‏:‏
اجعلوا حجكم عمرة قال‏:‏ فقال‏:‏ الناس يا رسول اللّه قد أحرمنا بالحج كيف نجعلها عمرة قال‏:‏ انظروا ما آمركم به فافعلوا فردوا عليه القول فغضب ثم انطلق حتى دخل على عائشة وهو غضبان فرأت الغضب في وجهه فقالت من أغضبك أغضبه اللّه قال‏:‏ ومالي لا أغضب وأنا آمر بالأمر فلا أبتع‏"‏‏.‏ رواه أحمد وابن ماجه‏.‏
الحديث الأول سكت عنه أبو داود ورجاله رجال الصحيح والمنذري والحديث الثاني أخرجه أيضا أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح كما قال‏:‏ في مجمع الزوائد وهو من الأحاديث في الفسخ التي صححها أحمد وابن القيم قوله‏:‏: "‏بعسفان‏"‏ قرية بين مكة والمدينة على نحو مرحلتين من مكة قال‏:‏ في الموطأ بين مكة وعسفان أربع برد قوله‏:‏: "‏اقض لنا قضاء قوم كأنما ولدوا اليوم‏"‏ أي أعلمنا كأنما وجدوا الآن وفي رواية لأبي داود كأنما وفدوا اليوم أي كأنما وردوا عليك الأن قوله‏:‏: "‏إلامن كان معه هدي‏"‏ يعني فإنه لا يحل حتى يبلغ الهدي محله قوله‏:‏: "‏فغضب‏"‏ استدل به من قال‏:‏ بوجوب الفسخ لأن الأمر لو كان أمر ندب لكان المأمور مخيرا بين فعله وتركه ولما كان يغضب رسول اللّه ‏؟‏‏؟‏ عند مخالفته لأنه لا يغضب الا لانتهاك حرمة من حرمات الدين لا لمجرد ما أرشد إليه على جهة الندب ولا سيما وقد قالوا‏:‏ له قد أحرمنا بالحج كيف نجعلها عمرة فقال‏:‏ لهم انظروا ما أمركم به فافعلوا فإن ظاهر هذا إن ذلك أمر حتم لأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لو كان أمره ذلك لبيان الأفضل أو لقصد الترخيص لهم بين بعد هذه المراجعة إن ما أمرتكم به هو الأفضل أو قال‏:‏ لهم أني أردت الترخيص لكم والتخفيف عنكم‏.‏
12 - وعن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن الحرث بن بلال عن أبيه:

 

ج / 4 ص -330-       "‏قال‏:‏ قلت يا رسول اللّه سخ الحج خاصة أم للناس عامة قال‏:‏ بل لنا خاصة‏"‏‏.‏ رواه الخمسة إلى الترمذي وهو بلال بن الحرث المزني‏.‏
13 - وعن سليم بن الأسود إن أبا ذر كان يقول: "‏فيمن حج ثم فسخها بعمرة لم يكن ذلك إلا للركب الذين كانوا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏"‏‏.‏ رواه أبو داود‏.‏ ولمسلم والنسائي وابن ماجه عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر‏: "‏قال‏:‏ كانت المتعة في الحج لأصحاب محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم خاصة‏"‏ قال‏:‏ أحمد بن حنبل حديث بلال بن الحرث عندي ليس يثبت ولا أقول به ولا يعرف هذا الرجل يعني الحرث بن بلال وقال‏:‏ أرأيت لو عرف الحرث بن بلال الا أن أحد عشر رجلا من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يرون ما يرون من الفسخ أين يقع الحرث بن بلال منهم‏.‏ وقال‏:‏ في رواية أبي داود ليس يصح حديث في أن الفسخ كان لهم خاصة وهذا أبو موسى الأشعري يفتي به في خلافة أبي بكر وشطرا من خلافة عمر‏.‏ قلت ويشهد لما قاله قوله‏:‏ في حديث جابر‏:
"‏بل هي للأبد‏"‏ وحديث أبي ذر موقوف وق خالفه أبو موسى وابن عباس وغيرهما‏.‏
أما حديث بلال بن الحرث ففيه ما نقله المصنف عن أحمد‏.‏ وقال‏:‏ المنذري إن الحرث يشبه المجهول‏.‏ وقال‏:‏ الحافظ الحرث بن بلال من ثقات التابعين وقال‏:‏ ابن القيم نحن نشهد باللّه إن حديث بلال بن الحرث هذا لا يصح عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وهو غلط عليه قال‏:‏ ثم كيف يكون هذا ثابتا عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وابن عباس يفتي بخلافه ويناظر عليه طول عمره بمشهد من الخاص والعام واصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم متوافرون ولا يقول له رجل واحد منهم هذا كان مختصا بنا ليس لغيرنا انتهى‏.‏ وقد روى عن عثمان مثل قول أبي ذر في اختصاص ذلك بالصحابة ولكنهما جميعا مخالفان للمروى عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أن ذلك للأبد بمحض الرأي وقدحمل ما قال‏:‏ اه على محامل‏.‏ أحدها أنهما أرادا اختصاص وجوب ذلك بالصحابة وهو قول ابن تيمية حفيد المصنف لا مجرد الجواز والاستحباب فهو للأمة إلى يوم القيامة‏.‏ وثانيهما أنه ليس لأحد بعد الصحابة أن يبتدئ حجا قارنا أو مفردا بلا هدى يحتاج معه إلى الفسخ ولكن فرض عليه أن يفعل ما أمر به النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وهو التمتع لمن لم يسق الهدى والقران لمن ساقه وليس لأحد بعدهم أن يحرم بحجة مفردة ثم يفسخها أو يجعلها متعة وإنما ذلك خاص بالصحابة وهذان المحملان يعارضان ما حمل المانعون كلامهما عليه من أن المراد أن الجواز مختص بالصحابة إذا لم يكن الثاني منهما مرادا لهم راجحان عليه وأقل الأحوال أن يكون مساويين له فتسقط معارضة الأحاديث

 

ج / 4 ص -331-       الصحيحة به‏.‏ وأما ما في صحيح مسلم عن أبي ذر من أن المتعة في الحج كانت لهم خاصة فيرده اجماع المسلمين على جوازها إلى يوم القيامة فإن أراد بذلك متعة الفسخ ففيه تلك الاحتمالات ـ ‏ومن جملة ـ‏ ما احتج به المانعون من الفسخ أن مثل ما قاله عثمان وأبو ذر لا يقال‏:‏ بالرأي ويجاب بأن هذا من مواطن الأجتهاد ومما للرأي فيه مدخل على أنه قد ثبت في الصحيحين عن عمران بن حصين أنه قال‏:‏: "‏تمتعنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ونزل القرآن فقال‏:‏ رجل برأية ما شاء‏: "فهذا تصريح من عمران أن المنع من التمتع بالعمرة إلى الحج من بعض الصحابة إنما هو من محض الرأي فكما أن المنع من التمتع على العموم من قبيل الرأي كذلك دعوى اختصاص التمتع الخاص أعني به الفسخ بجماعة مخصوصة
ومن جملة ماتمسك به المانعون من الفسخ حديث عائشة المتقدم حيث قالت: "‏خرجنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في حجة الوداع فمنا من أهل بعمرة ومنا من أهل بحج حتى قدمنا مكة فقال‏:‏ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
من أحرم بعمرة ولم يهد فليحل ومن أحرم بعمرة وأهدى فلا يحل حتى ينحر هديه ومن أهل بحج فليتم حجه‏"‏‏.‏ وهذا لفظ مسلم وظاهر أنه لم يأمر من حج مفردا بالفسخ بل أمره باتمام حجه‏.‏ وأجيب عن ذلك بأن هذا الحديث غلط فيه عبد الملك ابن شعيب وأبوه شعيب أو جده الليث أو سيخه عقيل فإن الحديث رواه مالك ومعمر والناس عن الزهري عنها وبينوا أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أمر من لم يكن معه هدى إذا طاف وسعى أن يحل وقد خالف عبد الملك جماعة من الحفاظ فرووه على خلاف ما رواه قال‏:‏ في الهدى بعد أن ساق الروايات المخالفة لرواية عبد الملك فإن كان محفوظا يعني حديث عبد الملك فيتعين أن يكون قبل الأمر بالاحلال وجعله عمرة ويكون هذا أمرا زائدا قد طرأ على الأمر بالاتمام كما طرأ على التخيير بين الأفراد والتمتع والقران ويتعين هذا ولابد وإذا كان هذا ناسخا للأمر بالفسخ والأمر بالفسخ ناسخا للأذن في الأفراد فهذا محال قطعا فإنه بعد أن أمرهم بالحل لم يأمرهم بنقيضه والبقاء على الأحرام الأول وهذا باطل قطعا فيتعين ان كان محفوظا أن يكون قبل الأمر لهم بالفسخ لا يجوز غيره هذا البتة انتهى: "‏ومن متمسكاتهم‏"‏ ما في لفظ لمسلم من حديث عائشة أنها قالت: "‏فأما من أهل بعمرة فحل وأما من أهل بحج أو جمع بين الحج والعمرة فلم يحل حتى كان يوم النحر‏" وأجيب بأن هذا من حديث أبي الأسود عن عروة عنها وقد أنكره عليه الحفاظ قال‏:‏ أحمد بن حنبل بعد أن ساقه أيش في هذا الحديث من العجب هذا خطأ فقلت له الزهري عن عروة عن عائشة بخلافه قال‏:‏ نعم وهشام بن عروة وقد أنكره ابن حزم وأنكر حديث يحيى بن عبد الرحمن ابن حاطب عن عائشة بنحوه عند مسلم وقال‏:‏ لإخفاء في نكرة حديث أبي الأسود ووهنه وبطلانه والعجب كيف جاز علي من رواه قالوا‏:‏ سلم الوجوه للحديثين المذكورين عن عائشة أن تخرج روايتهما على أن المراد بقولها‏:‏ إن الذين أهلوا بحج أو بحج وعمرة لم يحلوا أنها عنت بذلك من كانت معه الهدى لأن الزهري قد خالفهما وهو أحفظ منهما وكذلك خالفهما غيره ممن له مزيد اختصاص بعائشة ثم أن حديثيهما موقوفان غير مسندين لأنهما إنما ذكرا عنها فعل من فعل

 

ج / 4 ص -332-       ما ذكرت دون أن تذكر أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أمرهم أن لا يحلوا ولا حجة في أحد دون النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فلو صح ما ذكراه وقد صح أمر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم من لا هدي معه بالفسخ فتمادى المأمورون بذلك ولم يحلوا لكانوا عصاة للّه وقد أعاذهم اللّه من ذلك وبأهم منه قال‏:‏ فثبت يقيينا أن حديث أبي الأسود ويحيى إنما عني فيه من كان معه هدى وهكذا جاءت الأحاديث الصحاح بأنه صلى اللّه عليه وآله وسلم أمر من معه الهدي بأن يجمع حجا مع العمرة ثم لا يحل حتى بحل منها جميعا
ومن جملة ما تمسك به المانعون من الفسخ أنه إذا اختلف الصحابة ومن بعدهم في جواز الفسخ فالاحتياط يقتضي المنع منه صيانة للعبادة وأجيب بأن الاحتياط إنما يشرع إذا لم تتبين السنة فإذا ثبت فالاحتياط هوإتباعها وترك ما خالفها فإن الاحتياط نوعان احتياط للخروج من خلاف العلماء واحتياط للخروج من خلاف السنة ولا يخفى رجحان الثاني على الأول‏.‏ قال‏:‏ في الهدي وأيضا فإن الاحتياط ممتنع فإن للناس في الفسخ ثلاثة أقوال على ثلاثة أنواع‏.‏ أحدها أنه محرم‏.‏ الثاني أنه واجب وهو قول جماعة من السلف والخلف‏.‏ الثالث أنه مستحب فليس الاحتياط بالخروج من خلاف من حرمة أولى بالاحتياط من الخروج من خلاف من أوجبه وإذا تعذر الاحتياط بالخروج من الخلاف تعين الاحتياط بالخروج من خلاف السنة انتهى ومن متمسكاتهم أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أمرهم بالفسخ ليبين لهم جواز العمرة في أشهر الحج لمخالفته الجاهلية وأجيب بأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قد اعتمر قبل ذلك ثلاث عمر في أشهر الحج كما سلف وبأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قد بين لهم جواز الاعتمار عند المبقات فقال‏:‏ من شاء أن يهل بعمرة فليفعل الحديث‏.‏ في الصحيحين فقد علموا جوازها بهذا القول قبل الأمر بالفسخ ولو سلم أن الأمر بالفسخ لتلك العلة لكان أفضل لأجلها فيحصل المطلوب لأن ما فعله صلى اللّه عليه وآله وسلم في المناسك لمخالفة أهل الشرك مشروع إلى يوم القيامة ولا سيما وقد قال‏:‏ صلى اللّه عليه وآله وسلم أن عمرة الفسخ للأبد كما تقدم‏.‏ وقد أطال ابن القيم في الهدي الكلام على الفسخ ورجح وجوبه وبين بطلان ما احتج به المانعون منه فمن أحب الوقوف على جميع ذيول هذه المسألة فليراجعه وإذا كان الموقع في مثل هذا المضيق هو إفراد الحج فالحازم المتحري لدينه الوقت الواقف عند مشتبهات الشريعة ينبغي له أن يجعل حجة من الابتداء تمتعا أو قرانا فرارا مما هو مظة البأس إلى مالا بأس به فإنه وقع في ذلك فالسنة أحق بالإتباع‏.‏ وإذا جاء نهر اللّه بطل نهر معقل‏.