نيل
الأوطار شرح منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار ط مكتبة الدعوة
الإسلامية كتاب القرض
باب فضيلته
1 - عن ابن مسعود: "أن النبي صلى اللّه عليه وآله
وسلم قال: "ما
من مسلم يقرض مسلما قرضا مرتين الا كان
كصدقتها مرة".
رواه ابن ماجه.
الحديث في إسناده سليمان
بن بشير وهو متروك قال الدارقطني والصواب أنه
موقوف على ابن مسعود وفي الباب عن أنس عند ابن
ماجه مرفوعا:
"الصدقة بعشرة أمثالها والقرض بثمانية عشر" وفي إسناده خالد بن يزيد بن عبد الرحمن الشامي قال النسائي ليس
بثقة. وعن أبي هريرة عند مسلم مرفوعا:
"من نفس عن أخيه كربة من كرب الدينا نفس
اللّه بها عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن
يسر على معسر يسر اللّه عليه في الدنيا
والآخرة واللّه في عون العبد ما كان في عون
أخيه" وفي فضيلة القرض أحاديث وعمومات الأدلة
القرآنية والحديثية القاضية بفضل المعاونة
وقضاء حاجة المسلم وتفريج كربته وسد فاقته
شاملة له ولاخلاف بين المسلمين في مشروعيته.
قال ابن رسلان ولاخلاف في جواز سؤاله عند
الحاجة ولانقص على طالبه ولو كان فيه شيء من
ذلك لما استسلف النبي صلى اللّه عليه وآله
وسلم قال في البحر وموقعه أعظم من الصدقة إذ
لا يفترض إلا محتاج اهـ. ويدل على هذا حديث
أنس المذكور وفي حديث الباب دليل على أن قرض
الشيء مرتين يقوم مقام التصدق به مرة.
ج / 5 ص -230-
باب استقراض الحيوان والقضاء من الجنس فيه وفي
غيره
1 - عن أبي هريرة قال:
"ما استقرض رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله
وسلم سنا فأعطى سنا خيرا من سنه وقال خياركم
أحاسنكم قضاء". رواه أحمد والترمذي
وصححه.
2 - وعن أبي رافع قال:
"استلف النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بكرا
فجاءته إبل الصدقة فأمرني أن أقضي الرجل بكره
فقلت إني لم أجد في الأبل إلا جملا خيارا
رباعيا فقال
أعطه أياه فأن من خير الناس أحسنهم قضاء".
رواه الجماعة إلا البخاري.
3 - وعن أبي سيعد قال:
"جاء أعرابي إلى النبي صلى اللّه عليه وآله
وسلم يتقاضاه دينا كان عليه فأرسل إلى خولة
بنت قيس فقال لها
إن كان عندك تمر فأقرضينا حتى يأتينا تمر فنقضيك". مختصر لابن ماجه.
حديث أبي هريرة هو في
الصحيحين بلفظ: "كان لرجل على رسول اللّه صلى
اللّه عليه وآله وسلم حق فأغلظ له فهم به
أصحابه فقال
دعوه فإن لصاحب الحق مقالا
فقال لهم
اشتروا له سنا
فأعطوه أياه فقالوا إنا لانجد إلا سنا هو خير
سنه قال
فاشتروه واعطوه أياه فإن من خيركم أو أخيركم
أحسنكم قضاء"
وسيأتي - وفي الباب - عن العرباض بن سارية عند
النسائي والبزار قال: "بعث النبي صلى اللّه
عليه وآله وسلم بكرا وأتيته أتقاضاه فقلت أقضي
ثمن بكري فقال لا أقضيك إلا نجيبة
فدعاني فأحسن قضائي ثم جاء أعرابي فقال
أقض بكرى فقضاه بعيرا"
وحديث أبي سعيد في إسناده عند ابن ماجه ابن
أبي عبيده عن أبيه وهما ثقتان وبقية إسناده
ثقات: قوله: "أحاسنكم قضاء" جمع أحسن.
ورواية الصحيحين: "أحسنكم" كما سلف وهو
الفصيح. ووقع في رواية لأبي داود محاسنكم
بالميم كمطلع ومطالع: قوله: "بكرا" بفتح
الباء الموحدة وهو الفتى من الأبل. قال
الخطابي هو من الأبل بمنزلة الغلام من الذكور
والقلوص بمنزلة الجارية من الإناث: قوله:
"رباعيا" بفتح الراء وتخفيف الموحدة
وهوالذي استكمل ست سنين ودخل في السابعة - وفي
الحديثين - دليل على جواز الزيادة على مقدار
القرض من المستقرض وسيأتي الكلام على ذلك.
قال الخطابي وفي حديث أبي رافع من الفقه جواز
تقديم الصدقة قبل محلها وذلك لأن النبي صلى
اللّه عليه وآله وسلم لا تحل له الصدقة فلا
يجوز أن يقضي من إبل الصدقة شيئا كان استسلفه
لنفسه فدل على أنه استسلفه لأهل الصدقة من
أرباب المال وهذا استدلال الشافعي - وقد اختلف
-العلماء في جواز تقديم الصدقة عن محل
ج / 5 ص -231-
وقتها فأجازه الأوزاعي وأبو حنيفة وأصحابه
وابن حنبل وابن راهويه. وقال الشافعي يجوز
أن يعجل الصدقة سنة واحدة وقال الشافعي لا
يجوز أن يخرجها قبل حلول الحول وكرهه سفيان
النوري وقد تقدم في الزكاة ذكر ما يدل على
الجواز - وفي الحديثين ـ أيضا جواز قرض
الحيوان وهو مذهب الجمهور ومنع ذلك الكوفيون
والهادوية قالوا لأنه نوع من البيع مخصوص وقد
نهى صلى اللّه عليه وآله وسلم عن بيع الحيوان
كما سلف. ويجاب بأن الاحاديث متعارضة في
المنع من بيع الحيوان بالحيوان والجواز وعلى
تسليم أن المنع هو الراجح فحديث أبي هريرة
وأبي رافع والعرباض بن سارية مخصصة لعموم
النهي ـ وأما الاستدلال ـ على المنع بأن
الحيوان مما يعظم فيه التفاوت فممنوع وقد
استثنى مالك والشافعي وجماعة من العلماء قرض
الولائد فقالوا لا يجوز لأنه يؤدي إلى عارية
الفرج وأجاز ذلك مطلقا داود والطبري والمزني
ومحمد بن داود وبعض الخراسانيين وأجازه بعض
المالكية بشرط أن يرد غيره ما استقرضه.
وأجازه بعض أصحاب الشافعي وبعض المالكية فيمن
يحرم وطؤه على المستقرض وقد حكى إمام الحرمين
عن السلف والغزالي عن الصحابة النهي عن قرض
الولائد. وقال ابن حزم ما نعلم في هذا أصلا
من كتاب ولا رواية صحيحة ولا سقيمة ولا من قول
صاحب ولا إجماع ولا قياس اه وحديث أبي سعيد
المذكور فيه دليل على أنه يجوز لمن عليه دين
أن يقضيه بدين آخر ولا خلاف في جواز ذلك فيما
أعلم.
باب جواز
الزيادة عند الوفاء والنهي عنها قبله
1 - عن أبي هريرة قال:
"كان لرجل على النبي صلى اللّه عليه وآله
وسلم سن من الإبل فجاء يتقاضاه فقال
اعطوه فطلبوا سنه فلم يجدوا إلا سنا فوقها فقال أعطوه
فقال أوفيتني أوفاك اللّه فقال النبي صلى
اللّه عليه وآله وسلم
إن خيركم أحسنكم قضاء".
2 - وعن جابر قال: "أتيت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وكان
لي عليه دين فقضاني وزادني". متفق عليه.
3 - وعن أنس: "وسئل
الرجل منا يقرض أخاه المال فيهدي إليه فقال
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إذا أقرض أحدكم قرضا فاهدي إليه أو حمله على الدابة فلا يركبها ولا
يقبله الا أن يكون جرى بينه وبينه قبل ذلك". رواه ابن ماجه.
4 - وعن أنس عن النبي
صلى اللّه عليه وآله وسلم قال:
"إذا أقرض فلا يأخذ هدية". رواه البخاري في تاريخه.
ج / 5 ص -232-
5 - وعن بن أبي موسى قال: "قدمت المدينة
فلقيت عبد اللّه ابن سلام فقال لي إنك بأرض
فيها الربا فاش فإذا كان لك على رجل حق فأهدي
إليك حمل تبن أو حمل شعير أو حمل قت فلا تأخذه
فإنه ربا". رواه البخاري في صحيحه.
حديث أنس في إسناده يحيى
بن أبي إسحاق الهنائي وهو مجهول وفي إسناده
أيضا عتبة بن حميد الضبي وقد ضعفه أحمد
والراوي عنه إسماعيل بن عياش وهو ضعيف قوله:
"سن" أي جمل هل سن معين وفي حديث أبي هريرة
دليل على جواز المطالبة بالدين إذا حل أجله
وفيه أيضا دليل على حسن خلق النبي صلى اللّه
عليه وآله وسلم وتواضعه وانصافه. وقد وقع في
بعض ألفاظ الصحيح: "أن الرجل أغلظ على النبي
صلى اللّه عليه وآله وسلم فهم به أصحابه فقال
دعوه فإن لصاحب الحق مقالا"
كما تقدم وفيه دليل على جواز قرض الحيوان وقد
تقدم الخلاف في ذلك. وفيه جواز رد ما هو
أفضل من المثل المقترض إذا لم تقع شرطية ذلك
في العقد وبه قال الجمهور وعن المالكية إن
كانت الزيادة بالعدد لم يجز وإن كانت بالوصف
جازت وبرد عليهم حديث جابر المذكور في الباب
فإنه صرح بأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم
زاده والظاهر أن الزيادة كانت في العدد وقد
ثبت في رواية للبخاري إن الزيادة كانت قيراطا
وأما إذا كانت الزيادة مشروطة في العقد فتحرم
اتفاقا ولا يلزم من جواز الزيادة في القضاء
على مقدار الدين جواز الهدية ونحوها قبل
القضاء لأنها بمنزلة الرشولة فلا تحل كم يدل
على ذلك حديثا أنس المذكوران في الباب وأثر
عبد اللّه بن سلام - والحاصل - أن الهدية
والعارية ونحوهما إذا كانت لأجل التنقيس في
أجل الدين أو لأجل رشوة صاحب الدين أو لأجل أن
يكون لصاحب الدين منفعة في مقابل دينه فذلك
محرم لأنه نوع من الربا أو رشوة وإن كان ذلك
لأجل عادة جارية بين المقرض والمستقرض قبل
التداين فلا بأس وإن لم يكن ذلك لغرض أصلا
فالظاهر المنع لإطلاق النهي عن ذلك وأما
الزيادة على مقدار الدين عند القضاء بغير شرط
ولا اضمار فالظاهر الجواز من غير فرق بين
الزيادة في الصفة والمقدار والقليل والكثير
لحديث أبي هريرة وأبي رافع والعرباض وجابر بل
مستحب. قال المحاملي وغيره من الشافعية
يستحب للمستقرض أن يرد أجود مما أخذ للحديث
الصحيح في ذلك يعين قوله: "إن خيركم أحسنكم
قضاء" ومما يدل على عدم حل القرض الذي يجر
إلى المقرض نفعا ما أخرجه البيهقي في المعرفة
عن فضالة بن عبيد موقوفا بلفظ: "كل قرض جر
منفعة فهو وجه من وجوه الربا" ورواه في
السنن الكبرى عن ابن مسعود وأبيّ بن كعب وعبد
اللّه بن سلام وابن عباس موقوفا عليهم.
ورواه الحرث بن أبي أسامة من حديث علي عليه
السلام بلفظ: "أن النبي صلى اللّه عليه وآله
وسلم نهى عن قرض جر منفعة" وفي رواية: "كل
قرض حر منفعة فهو ربا" وفي إسناده سوار بن
مصعب وهو متروك قال عمر بن زيد في المغنى لم
يصح فيه شيء ووهم إمام الحرمين والغزالي فقالا
أنه صح
ج / 5 ص -233-
ولاخبرة لهما بهذا الفن وأما إذا قضى
المقترض المقرض دون حقه وحللّه من البقية كان
ذلك جائزا وقد استدل البخاري على جواز ذلك
بحديث جابر في دين أبيه وفيه: "فسألهم أن
يقبلوا ثمرة حائطي ويحللوا أبي" وفي رواية
للبخاري أيضا: "أن النبي صلى اللّه عليه وآله
وسلم سأل له غريمه في ذلك" قال ابن بطال لا
يجوز أن يقضي دون الحق بغير محاللة ولو حللّه
من جميع الدين جاز عند العلماء فكذلك إذا
حللّه من بعضه اه قوله: "أوحمل قت" بفتح
القاف وتشديد التاء المثناة وهو الجاف من
النبات المعروف بالفصفصة بكسر الفاءين وأهمال
الصادين فما دام رطبا فهو الفصفصة فإذا جف فهو
القت والفصفصة هي القضب المعروف وسمي بذلك
لانه يجز ويقطع والقت كلمة فارسية عربت فإذا
الفصفصة كبست وضم بعضها على بعض إلى أن تجف
وتباع لعلف الدواب كما في بلاد مصر
ونواحيها. |