نيل
الأوطار شرح منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار ط مكتبة الدعوة
الإسلامية كتاب الرهن
1 - عن أنس قال: "رهن
رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم درعا عند
يهودي بالمدينة وأخذ منه شعيرا لأهله".
رواه أحمد والبخاري
والنسائي وابن ماجه.
2 - وعن عائشة: "أن
النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم اشترى طعاما
من يهودي إلى أجل ورهنه درعا من حديد" وفي
لفظ: "توفي ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين
صاعا من شعير".
أخرجاهما.ولأحمد
والنسائي وابن ماجه مثله من حديث ابن عباس
وفيه من الفقه جواز الرهن في الحضر ومعاملة
أهل الذمة.
حديث ابن عباس أخرجه
ايضا الترمذي وصححه. وقال صاحب الاقتراح هو
على شرط البخاري: قوله: "رهن" الرهن بفتح
أوله وسكون الهاء في اللغة الأحتباس من قولهم
رهن الشيء إذا دام وثبت ومنه :
{كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} وفي الشرع جعل مال وثيقة على دين ويطلق أيضا على العين المرهونة
تسمية للمفعول به باسم المصدر. وأما الرهن
بضمتين فالجمع ويجمع أيضا على رهان بكسر الراء
ككتب وكتاب وقرئ بهما. قوله: "عند يهودي"
هو أبو الشحم كما بينه الشافعي والبيهقي من
طريق جعفر بن محمد عن أبيه: "أن النبي صلى
اللّه عليه وآله وسلم رهن درعا له عند أبي
الشحم اليهودي رجل من بني ظفر في شعير" اه
وأبو الشحم بفتح المعجمة وسكون المهملة كنيته
وظفر بفتح الظاء والفاء بطن من الأوس وكان
حليفا لهم وضبطه بعض المتأخرين بهمزة ممدودة
وموحدة مكسورة اسم فاعل من الأباء وكأنه التبس
عليه بأبي اللحم الصحابي: قوله: "بثلاثين
صاعا من شعير" في رواية الترمذي والنسائي من
هذا الوجه بعشرين ولعله صلى اللّه عليه وآله
وسلم رهنه أول
ج / 5 ص -234-
الأمر في عشرين ثم استزاده عشرة فرواه
الراوي تارة على ما كان الرهن عليه أولا وتارة
على ما كان عليه آخرا. وقال في الفتح لعله
كان دون الثلاثين فجبر الكسر تارة والغى الجبر
أخرى: ووقع لابن حبان عن أنس أن قيمة الطعام
كانت دينارا وزاد أحمد في رواية فما وجد النبي
صلى اللّه عليه وآله وسلم ما يفتكها به حتى
مات ـ والأحاديث ـ المذكورة فيها دليل على
مشروعية الرهن وهو مجمع على جوازه وفيها أيضا
دليل على صحة الرهن في الحضر وهو قول الجمهور
والتقييد بالسفر في الآية خرج مخرج الغالب فلا
مفهوم له لدلالة الأحاديث على مشروعيته في
الحضر وأيضا السفر مظنة فقد الكاتب فلا يحتاج
إلى الرهن غالبا الا فيه. وخالف مجاهد
والضحاك فقالا لا يشرع الا في السفر حيث لا
يوجد الكاتب وبه قال داود وأهل الظاهر
والأحاديث ترد عليهم وقال ابن حزم إن شرط
المرتهن الرهن في الحضر لم يكن له ذلك وإن
تبرع به الراهن جاز وحمل أحاديث الباب على ذلك
وفيها أيضا دليل على جواز معاملة الكفار فيما
لم يتحقق تحريم العين المتعامل فيها وجواز رهن
السلاح عند أهل الذمة لا عند أهل الحرب
بالأتفاق وجواز الشراء بالثمن المؤجل وقد تقدم
تحقيق ذلك. قال العلماء والحكمة في عدوله
صلى اللّه عليه وآله وسلم عن معاملة سير
الصحابة إلى معاملة اليهود إما بيان الجواز أو
لانهم لم يكن عندهم إذ ذاك طعام فاضل عن
حاجتهم أو خشي أنهم لا يأخذون منه ثمنا أو
عوضا فلم يرد التضييق عليهم.
3 - وعن أبي هريرة عن
النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم: "أنه كان
يقول
الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا ولبن الدر
يشرب بنفقته إذا كان مرهونا وعلى الذي يركب
ويشرب النفقة".
رواه الجماعة إلا مسلما والنسائي. وفي لفظ:
"إذا كانت الدابة مرهونة فعلى المرتهن علفها
ولبن الدر يشرب وعلى الذي يشرب نفقته" رواه أحمد.
الحديث له ألفاظ منا ما
ذكره المصنف.ومنها بلفظ:
"الرهن مركوب ومحلوب"
رواه الدارقطني والحاكم وصححه من طريق الأعمش
عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا. قال
الحاكم لم يخرجاه لأن سفيان وغيره وقفوه على
الأعمش وقد ذكر الدارقطني الاختلاف فيه على
الأعمش وغيره ورجح الموقوف وبه جزم الترمذي
وقال ابن أبي حاتم قال أبي رفعة يعني أبا
معاوية مرة ثم ترك الرفع بعد روجح البيهقي
أيضا الوقف: قوله: "الظهر" أي ظهر
الدابة. قوله: "يركب" بضم أوله على
البناء للمجهول لجميع الرواة كما قال الحافظ
وكذلك يشرب وهو خبر في معنى الأمر كقوله تعالى
:
{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ}
وقد قيل إن فاعل الركوب والشرب لم يتعين فيكون
الحديث مجملا وأجيب بأنه لا إجمال بل المراد
المرتهن بقرينة إن انتفاع الراهن بالعين
المرهونة لأجل كونه مالكا والمراد هنا
الانتفاع في مقابلة النفقة وذلك يختص بالمرتهن
كما وقع التصريح بذلك في الرواية الأخرى.
ويؤيده ما وقع عند حماد بن سلمة في جامعه
بلفظ:
"إذا أرتهن شاة
ج / 5 ص -235-
شرب المرتهن من لبنها بقدر علفها فإن استفصل من
اللبن بعد ثمن العلف فهو ربا"
ففيه دليل على أنه يجوز للمرتهن الأنتفاع
بالرهن إذا قام بما يحتاج إليه ولو لم يأذن
المالك وبه قال أحمد وإسحاق والليث والحسن
وغيرهم وقال الشافعي وأبو حنيفة ومالك وجمهور
العلماء لا ينتفع المرتهن من الرهن بشيء بل
الفوائد للراهن والمؤن عليه قالوا والحديث رد
على خلاف القياس من وجهين أحدهما التجويز لغير
المالك أن يركب ويشرب بغير أذنه. والثاني
تضمينه ذلك بالنفقة لا بالقيمة. قال ابن عبد
البر هذا الحديث عند جمهور الفقهاء ترده أصول
مجمع عليها وآثار ثابتة لا يختلف في صحتها
ويدل على نسخه حديث ابن عمر عند البخاري وغيره
بلفظ: "لاتحلب ماشية امرئ بغير إذنه" ويجاب عن دعوى مخالفة هذا الحديث الصحيح للأصول بأن السنة الصحيحة
من جملة الأصول فلا ترد الا بمعارض أرجح منها
بعد تعذر الجمع. وعن حديث ابن عمر بأنه عام
وحديث الباب خاص فيبنى العام على الخاص والنسخ
لا يثبت إلا بدليل يقضي بتأخر الناسخ على وجه
يتعذر معه الجمع لا بمجرد الاحتمال مع
الإمكان. وقال الأوزاعي والليث وأبو ثور أنه
يتعين حمل الحديث على ما إذا امتنع الراهن من
الأتفاق على المرهون فيباح حينئذ للمرتهن
وأجود ما يحتج به للجمهور حديث أبي هريرة
الآتي وستعرف الكلام عليه: قوله: "الدر"
بفتح الدال المهملة وتشديد الراء مصدر بمعنى
الدارة أي لبن الدابة ذات الضرع. وقيل هو
ههنا من إضافة الشيء إلى نفسه كقوله تعالى :
{حَبَّ الْحَصِيدِ}.
4 - وعن أبي هريرة عن
النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال:
"لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه له غنمه وعليه غرمه".
رواه الشافعي والدارقطني وقال هذا إسناد حسن
متصل.
الحديث أخرجه أيضا
الحاكم والبيهقي وابن حبان في صحيحه وأخرجه
أيضا ابن ماجه من طريق أخرى وصحح أبو داود
والبزار والدارقطني وابن القطان إرساله عن
سعيد بن المسيب بدون ذكر أبي هريرة. قال في
التلخيص وله طرق في الدارقطني والبيهقي كلها
ضعيفة وقال في بلوغ المرام إن رجاله ثقات الا
أن المحفوظ عند أبي داود وغيره إرساله اه
وساقه ابن حزم من طريق قاسم بن أصبغ قال حدثنا
محمد بن إبراهيم حدثنا يحيى بن أبي طالب
الأنطاكي وغيره من أهل الثقة حدثنا نصر بن
عاصم الأنطاكي حدثنا شبابة عن روقاء عن ابن
أبي ذئب عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي
سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال قال رسول
اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم:
"لا يغلق الرهن الرهن لمن رهنه له غنمه وعليه غرمه" قال ابن حزم هذا إسناد حسن وتعقبه الحافظ بأن قوله نصر بن عاصم
تصحيف وإنما هو عبد اللّه بن نصر الأصم
الأنطاكي وله أحاديث منكرة. وقد رواه
الدارقطني عبد اللّه بن نصر المذكور وصحح هذه
الطريق عبد الحق وصحح أيضا وصله ابن عبد البر
وقال هذه اللفظة يعني له غنمه وعليه غرمه
اختلف الرواة في رفعها
ج / 5 ص -236-
ووقفها فرفعها ابن أبي ذئب ومعمر وغيرهما
ووقفها غيرهم. وقد روى ابن وهب هذا الحديث
فجوده وبين إن هذه اللفظة من قول سعيد بن
المسيب. وقال أبو داود في المراسيل قوله:
"له غنمه وعليه غرمه" من كلام سعيد بن
المسيب نقله عنه الزهري. قوله: "لا يغلق
الرهن" يحتمل أن تكون لانافية ويحتمل أن
تكون ناهية. قال في القاموس غلق الرهن
استحقه المرتهن وذلك إذا لم يفتكه في الوقت
المشروط اه وقال الأزهري الغلق في الرهن ضد
الفك فإذا فك الراهن الرهن فقد أطلقه من وثاقه
عند مرتهنه. وروى عبد الرزاق عن معمر أنه
فسر غلاق الرهن بما إذا قال الرجل إن لم آتك
بما لك فالرهن لك قال ثم بلغني عنه أنه قال إن
هلك لم يذهب حق هذا إنما هلك من رب الرهن له
غنمه وعليه غرمه. وقد روى أن المرتهن في
الجاهلية كان يتملك الرهن إذ لم يؤد الراهن
إليه ما يستحقه في الوقت المضروب فأبطله
الشارع: قوله: "له غنمه وعليه غرمه" فيه
دليل لمذهب الجمهور المتقدم لأن الشارع قد جعل
الغنم والغرم للراهن ولكنه قد اختلف في وصله
وإرساله ورفعه ووقفه وذلك مما يوجب عدم
انتهاضه لمعارضة ما في صحيح البخاري وغيره كما
سلف. |