نيل
الأوطار شرح منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار ط مكتبة الدعوة
الإسلامية كتاب الحوالة
والضمان
باب وجوب قبول الحوالة إلى الملئ
1 - عن أبي هريرة قال:
"مطل الغني ظلم وإذا اتبع أحدكم على ملئ فليتبع". رواه الجماعة. وفي لفظ لأحمد:
"ومن أحيل على ملئ فليحتمل".
2 - وعن ابن عمر عن
النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال:
"مطل الغني ظلم وإذا أحلت على ملئ فاتبعه".
رواه ابن ماجه.
حديث ابن عمر إسناده في
سنن ابن ماجه هكذا حدثنا إسماعيل بن توبة
حدثنا هشيم عن يونس بن عبيد عن نافع عن ابن
عمر فذكره. وإسماعيل بن توبة قال ابن أبي
حاتم صدوق وبقية رجاله رجال الصحيح وقد أخرجه
أيضا الترمذي وأحمد. قوله: "الحوالة" هي
بفتح الحاء المهملة وقد تكسر قال في الفتح
مشتقة من التحويل أو من الحول يقال حال عن
العهد إذا انتقل عنه حولا وهي عند الفقهاء نقل
دين من ذمة إلى ذمة اختلفوا هل هي بيع دين
بدين رخص فيه فاستثنى من النهي عن بيع الدين
بالدين أو هي استيفاء وقيل هي عقد إرفاق
ويشترط في صحتها رضا المحيل لا خلاف والمحتال
عند الأكثر والمحال عليه عند بعض. ويشترط
أيضا تماثل النقدين في الصفات وأن يكون في شيء
معلوم ومنهم من خصها بالنقدين ومنعها في
الطعام لأنها بيع طعام قل أن يستوفي اه.
قوله: "مطل الغني" من إضافة المصدر إلى
الفاعل عند الجمهور
ج / 5 ص -237-
والمعنى أنه يحرم على الغني القادر أن يمطل
صاحب اليد بخلاف العاجز وقيل هو من إضافة
المصدر إلى المفعول أي يجب على المستدين أن
يوفي صاحب الدين ولو كان المستحق للدين غنيا
فإن مطله ظلم فكيف إذا كان فقيرا فإنه يكون
ظلما بالأولى ولا يخفى بعد هذا كما قال الحافظ
والمطل في الأصل المد وقال الأزهري
المدافعة. قال في الفتح والمراد هنا تأخير
ما استحق أداؤه بغير عذر: قوله: "وإذا
اتبع" باسكان التاء المثناة الفوقية على
البناء للمجهول. قال النووي هذا هو المشهور
في الرواية واللغة. وقال القرطبي أما أتبع
فبضم الهمزة وسكون التاء مبنيا لما لم يسم
فاعله عند الجميع وأما فليتبع فالأكثر على
التخفيف وقيده بعضهم بالتشديد والأول أجود
وتعقب الحافظ ما ادعاه من الاتفاق بقول
الخطابي إن أكثر المحدثين يقولونه يعني أتبع
بتشديد التاء والصواب التخفيف والمعنى إذا
أحيل فليحتل كما وقع في الرواية الأخرى.
قوله: "على ملئ" قيل هو بالهمز وقيل بغير
همز ويدل على ذلك قول الكرماني الملى كالغني
لفظا ومعنى. وقال الخطاب إنه في الأصل
بالهمز ومن رواه بتركها فقد سهله: قوله:
"فاتبعه" قال في الفتح هذا بتشديد التاء
بلا خلاف ـ والحديثان ـ يدلان على أنه يجب على
من أحيل بحقه على ملئ أن يحتال وإلى ذلك ذهب
أهل الظاهر وأكثر الحنابلة وأبو ثور وابن جرير
وحمله الجمهور على الاستحباب. قال الحافظ
ووهم من نقل فيه الإجماع. ـ وقد اختلف ـ هل
المطل مع الغني كبيرة أم لا وقد ذهب الجمهور
إلى أنه موجب للفسق واختلفوا هل يفسق بمرة أو
يشترط التكرار وهل يعتبر الطلب من المستحق أم
لا. قال في الفتح وهو يتصف بالمطل من ليس
القدر الذي عليه حاضرا عنده لكنه قادر على
تحصيله بالتكسب مثلا أطلق أكثر الشافعية عدم
الوجوب وصرح بعضهم بالوجوب مطلقا وفصل آخرون
بين أن يكون أصل الدين وجب بسبب يعصى به فيجب
وإلا فلا اه. والظاهر الأول لأن القادر على
التكسب ليس بمليء والوجوب إنما هو عليه فقط
لان تعليق الحكم بالوصف مشعر بالعلية.
باب ضمان دين
الميت المفلس
1 - عن سلمة بن الأكوع
قال: "كنا عند النبي صلى اللّه عليه وآله
وسلم فأتي بجنازة فقالوا يا رسول اللّه
صلّ عليها قال
هل ترك شيئا ؟ قالوا
لا فقال
هل عليه دين
قالوا ثلاثة دنانير قال
صلوا على صاحبكم فقال أبو قتادة صل عليه يا رسول اللّه وعلىّ دينه فصلى عليه".
رواه أحمد والبخاري والنسائي. وروى الخمسة
الا أبا داود هذه القصة من حديث أبي قتادة
وصححه الترمذي. وقال فيه النسائي وابن ماجه:
"فقال أبو قتادة أنا أتكفل به" وهذا صريح
في إن الانشاء لا يحتمل الإخبار بما مضى.
ج / 5 ص -238-
2 - وعن جابر قال: "كان النبي صلى اللّه عليه
وآله وسلم لا يصلي على رجل مات عليه دين بميت
فسأل عليه دين قالوا نعم ديناران قال صلوا على صاحبكم
فقال أبو قتادة هما علي يا رسول اللّه فصلى
عليه فلما فتح اللّه على رسوله قال أنا أولى بكل مؤمن من نفسه فمن ترك دين فعلى ومن ترك مالا فلورثته".
رواه أحمد وأبو داود والنسائي.
حديث أبي قتادة أخرجه
أيضا ابن حبان وحديث جابر أخرجه أيضا ابن حبان
والدارقطني والحاكم وفي الباب عن أبي سعيد عند
الدارقطني والبيهقي بأسانيد قال الحافظ ضعيفة
بلفظ: "كنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه
وآله وسلم في جنازة فلما وضعت قال صلى اللّه
عليه وآله وسلم
"هل على صاحبكم من دين
قالوا نعم درهمان قال
صلوا على صاحبكم
فقال علي عليه السلام يا رسول اللّه هما علي
وأنا لهما ضامن فقام يصلي ثم أقبل على علي
عليه السلام فقال جزاك اللّه عن الإسلام خيرا وفك رهانك كما فككت رهان أخيك ما من مسلم
فك رهان أخيه الا فك اللّه رهانه يوم القيامة" فقال بعضهم هذا لعلي رضي اللّه عنه خاصة أم للمسلمين عامة فقال
بل للمسلمين عامة".
وعن أبي هريرة عند الشيخين وغيرهما أنه صلى
اللّه عليه وآله وسلم قال في خطبته: "من خلف مالا أو حقا فلورثته ومن خلف كلا أو دينا فكله إليّ ودينه
علي"
وعن سلمان عند الطبراني بنحو حديث أبي هريرة
وزاد:
"وعلى الولاة من بعدي من بيت مال المسلمين"
وفي إسناده عبد اللّه بن سعيد الأنصاري متروك
ومتهم. وعن أبي أمامة عن ابن حبان في
ثقاته: قوله: "ثلاثة دنانير" في الرواية
الأخرى: "ديناران" وفي رواية لابن ماجه
وابن حبان من حديث أبي قتادة: "سبعة عشر
درهما" وفي رواية لابن حبان من حديثه:
"ثمانية عشر" وهذان دون دينارين وفي رواية
لابن حبان أيضا من حديثه ديناران وفي رواية له
أيضا من حديث أبي أمامة نحو ذلك. وفي مختصر
المازني من حديث أبي سعيد الخدري إن الدينكان
درهمين ويجمع بين رواية الدينارين والثلاثة
بأن الدين كان دينارين وشطرا فمن قال ثلاثة
جبر الكسر ومن قال ديناران الغاه أو كان
أصلهما ثلاثة فوقي قبل موته دينارا وبقي عليه
ديناران فمن قال ثلاثة فباعتبار الأصل ومن قال
ديناران فباعتبار ما بقي من الدين والأول اليق
كذا في الفتح ولا يخفى ما في ذلك من التعسف
والأولى الجمع بين الروايات كلها بتعدد القصة
ـ وأحاديث الباب ـ تدل على أنها تصح الضمانة
عن الميت ويلزم الضمين ما ضمن به وسواء كان
الميت غنيا أو فقيرا وإلى ذلك ذهب الجمهور
وأجاز مالك للضامن الرجوع على مال الميت إذا
كان له مال وقال أبو حنيفة لا تصح الضمانة إلا
بشرط أن يترك الميت وفاء دينه وإلا لم يصح ـ
والحكمة ـ في ترك النبي صلى اللّه عليه وآله
وسلم الصلاة على من عليه دين تحريض الناس على
قضاء الديون في حياتهم والتوصل إلى البراء
لئلا تفوتهم صلاة النبي صلى اللّه عليه وآله
وسلم. قال في الفتح وهل كانت صلاته صلى
اللّه عليه وآله وسلم على من عليه دين محرمة
عليه
ج / 5 ص -239-
أو جائزة وجهان. قال النووي الصواب الجزم
وبجوازها مع وجود الضامن كما في حديث مسلم.
وحكى القرطبي أنه ربما كان يمتنع من الصلاة
على من أدان دينا غير جائز وأما من استدان
لأمر هو جائز فما كان يمتنع وفيه نظر لأن في
حديث أبي هريرة ما يدل على التعميم حيث قال في
رواية للبخاري من توفي وعليه دين ولو كان
الحال مختلفا لبينه صلى اللّه عليه وآله وسلم
نعم جاء في حديث ابن عباس أن النبي صلى اللّه
عليه وآله وسلم لما امتنع من الصلاة على من
عليه دين جاءه جبريل عليه السلام فقال إنما
الظالم في الديون التي حملت في البغي والأسراف
فأما المتعفف وذوالعيال فأنا ضامن له أؤدي عنه
فصلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بعد ذلك
وقال من ترك ضياعا الحديث. قال الحافظ وهو
ضعيف وقال الحازمي بعد أن أخرجه لا بأس به في
المتابعات وليس فيه أن التفصيل المذكور كان
مستمرا وإنما فيه إنه طرأ بعد ذلك وأنه السبب
في قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم من ترك دينا
فعلى وفي صلاته صلى اللّه عليه وآله وسلم على
من عليه دين بعد أن فتح اللّه عليه اشعار بأنه
كان يقضيه من مال المصالح. وقيل بل كان
يقضيه من خالص ملكه وهل كان القضاء واجبا عليه
أم لا فيه وجهان قال ابن بطال وهكذا يلزم
المتولي لأمر المسلمين أن يفعله بمن مات وعليه
دين فإن لم يفعل فالأثم عليه إن كان حق الميت
في بيت المال يفي بقدر ما عليه وإلا فبقسطه.
قوله: "فعلى" قال ابن بطال هذا ناسخ لترك
الصلاة على من مات وعليه دين وقد حكى الحازمي
اجماع الأمة على ذلك.
باب في أن
المضمون عنه إنما يبرأ بأداء الضامن لا بمجرد
ضمانه
1 - عن جابر قال: "توفى
رجل فغسلناه وحنطناه وكفناه ثم أتينا به النبي
صلى اللّه عليه وآله وسلم فقلنا تصلي عليه
فخطى خطوة ثم قال أعليه دين
قلنا ديناران فأنصرف فتحملهما أبو قتادة
فأتيناه فقال أبو قتادة الديناران علىّ فقال
النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم
قد أوفى اللّه حق الغريم وبرئ منه الميت
قال نعم فصلى عليه ثم قال بعد ذلك اليوم
ما فعل الديناران إنما مات أمس قال فعاد إليه من الغد فقال قد قضيتهما فقال
النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم
الآن بردت عليه جلده".
رواه أحمد وإنما أراد بقوله والميت منهما برئ
دخوله في الضمان متبرعا لا ينوي به رجوعا
بحال. الحديث أخرجه أيضا أبو داود والنسائي
والدارقطني وصححه ابن حبان والحاكم: قوله:
"أتينا به النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم"
زاد الحاكم: "ووضعناه حيث توضع الجنائز عند
مقام جبريل عليه السلام": قوله:
"فانصرف" لفظ البخاري في حديث أبي هريرة:
"فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم
صلوا على صاحبكم" وتقدم نحوه في حديث سلمة. قوله: "الآن بردت عليه" فيه دليل
على أن خلوص الميت من ورطة الدين وبراءة ذمته
على الحقيقة ورفع العذاب عنه إنما يكون
بالقضاء عنه لا بمجرد التحمل بلفظ الضمانة
ولهذا سارع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم
إلى سؤال أبي قتادة في اليوم الثاني عن القضاء
وفيه دليل على
ج / 5 ص -240-
أنه يستحب للإمام أن يخص من تحمل حمالة عن
ميت على الأسراع بالقضاء. وكذلك يستحب لسائر
المسلمين لأنه من المعاونة على الخير وفيه
أيضا دليل على صحة التبرع بالضمانة عن الميت
وقد تقدم الكلام على ذلك.
باب في أن ضمان
درك المبيع على البائع إذا خرج مستحقا
1 - عن الحسن عن سمرة
قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم:
"من وجد عين ماله عند رجل فهو أحق به ويتبع البيع من
باعه".
رواه أحمد وأبو داود والنسائي. وفي لفظ:
"إذا سرق من الرجل متاع أو ضاع منه فوجده بيد
رجل بعينه فهو أحق به ويرجع المشتري على
البائع بالثمن".
رواه أحمد وابن ماجه.
سماع الحسن من سمرة فيه
خلاف قد ذكرناه وبقية الاسناد رجاله ثقات لأن
أبا داود رواه عن عمرو بن عوف الواسطي الحافظ
شيخ البخاري عن هشيم عن موسى بن السائب وثقه
أحمد عن قتادة عن الحسن: قوله: "من وجد عين ماله"
يعني المغصوب أو المسروق عند رجل أو امرأة فهو
أحق به من كل أحد إذا ثبت أنه ملكه بالبينة
أوصدقة من في يده العين ثم إن كانت العين
بحوزه فله مع أخذ العين المطالبة بمنفعتها مدة
بقائها في يده سواء انتفع بها من كانت في يده
أم لا وإذا كانت العين قد نقصت بغير استعمال
كتعثث الثوب ـ العثة بوزن الحقة السوسة التي
تلحس الصوف ـ وعمي العبد وسقوط يده بآفة فقيل
يجب أخذ الأرش مع أجرته سليما لما قبل النقص
وناقصا لما بعده وكذلك لو كان النقص
بالاستعمال: قوله: "البيع" بتشديد
التحتية مكسورة وهو المشتري أي يرجع على من
باع تلك العين منه ولا يرجع عند الهادوية إلا
إذا كان تسليم المبيع إلى مستحقه بأذن البائع
أو بحكم الحاكم بالبينة أو بعلمه لا إذا كان
الحكم مستندا إلى إقرار المشتري أو نكوله فلا
يرجع على البائع ثم إن كان المشتري علم بأن
تلك العين مغصوبة فيتوجه عليه من المطالبة كل
ما يتوجه إليه على الغاصب من الأجر والأرش وإن
جهل لغصب ونحوه كانت يده عليها يد أمانه
كالوديعة وقيل يد ضمانة ولكن يرجع بما غرم على
البائع. قوله: "بالثمن" يعني الذي دفعه
إلى البائع. |