نيل
الأوطار شرح منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار ط مكتبة الدعوة
الإسلامية ج / 7 ص -2-
بسم الله الرحمن الرحيم
من يرد الله به خيرا
يفقهه في الدين
باب نفقة الرقيق
والرفق بهم
1 - عن عبد اللّه بن عمرو: "أنه قال لقهرمان
له: هل أعطيت الرقيق قوتهم قال: لا.
قال: فانطلق فأعطهم فإن رسول اللّه صلى
اللّه عليه وآله وسلم قال:
"كفى بالمرء إثماً أن يحبس عمن يملك قوته".
رواه مسلم.
2 - وعن أبي هريرة:
"عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال:
"للمملوك طعامه وكسوته ولا يكلف من العمل ما لا
يطيق".
رواه أحمد ومسلم.
3 - وعن أبي ذر: "عن
النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال:
"هم إخوانكم وخولكم جعلهم اللّه تحت أيديكم فمن كان
أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما
يلبس ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم
فأعينوهم عليه".
متفق عليه.
4 - وعن أبي هريرة:
"عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال:
"إذا أتي أحدكم خادمه بطعامه فإن لم يجلسه منه
فليناوله لقمة أو لقمتين أو أكلة أو أكلتين
فإنهولي حره وعلاجه". رواه الجماعة.
5 - وعن أنس قال:
"كانت عامة وصية رسول اللّه صلى اللّه عليه
وآله وسلم حين حضرته الوفاة وهو يغرغر بنفسه
الصلاة وما ملكت أيمانكم".
رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه.
حديث أنس أخرجه أيضاً
النسائي وابن سعد وله عند النسائي أسانيد منها
ما رجاله رجال الصحيح وله شاهد من حديث علي
عند أبي داود وابن ماجه زاد فيه:
"والزكاة بعد الصلاة".
- وأحاديث الباب - فيها
دليل على وجوب نفقة المملوك وكسوته وهو مجمع
على ذلك كما حكاه صاحب البحر وغيره وظاهر حديث
عبد اللّه بن عمرو وحديث أبي هريرة أنه لا
يتعين على إطعامه مما يأكل بل الواجب الكفاية
بالمعروف وظاهر حديث أبي ذر أنه يجب على السيد
إطعامه مما يأكل وكسوته مما يلبس وهو محمول
على الندب والقرينة الصارفة إليه الإجماع على
أنه لا يجب على السيد ذلك وذهبت العترة
والشافعي إلى أن الواجب الكفاية بالمعروف كما
وقع في رواية فلا يحوز التقتير الخارج عن
العادة ولا يجب بذل فوق المعتاد قدراً وجنساً
وصفة.
قوله: "ولا
ج / 7 ص -3-
يكلف من العمل ما لا يطيق" فيه دليل على
تحريم تكليف العبيد والإماء فوق ما يطيقونه من
الأعمال وهذا مجمع عليه.
قوله: "إذا أتى
أحدكم خادمه" بنصب أحدكم ورفع خادمه.
والخادم يطلق على الذكر والأنثى وهو أعم من
الحر والمملوك.
قوله: "فإن لم
يجلسه" أي لم يجلس المخدوم الخادم.
قوله: "لقمة أو
لقمتين" بضم اللام وهي العين المأكولة من
الطعام وروي بفتح اللام والصواب الأول إذا كان
المراد العين وهو ما يلتقم والثاني إذا كان
المراد الفعل وهكذا قوله: "أكلة أو
أكلتين" وهو شك من الراوي وفي هذا دليل على
أنه لا يجب إطعام المملوك من جنس ما يأكله
المالك بل ينبغي أن يناوله منه ملء فمه للعلة
المذكورة آخراً وهي توليه لحره وعلاجه ويدفع
إليه ما يكفيه من أي طعام أحب على حسب ما
تقتضيه العادة لما سلف من الإجماع وقد نقله
ابن المنذر فقال: الواجب عند جميع أهل العلم
إطعام الخادم من غالب القوت الذي يأكل منه
مثله في تلك البلد وكذلك الإدام والكسوة
وللسيد أن يستأثر بالنفيس من ذلك وإن كان
الأفضل المشاركة وقال الشافعي بعد أن ذكر
الحديث: هذا عندنا على وجهين: الأول أن
إجلاسه معه أفضل فإن لم يفعل فليس بواجب.
الثاني أنه يكون الخيار إلى السيد بين أن
يجلسه أو يناوله ويكون اختياراً غير حتم.
قوله: "كانت عامة
وصية رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم"
فيه دليل على وقوع الوصية منه صلى اللّه عليه
وآله وسلم وقد قدمنا الكلام على ذلك في كتاب
الوصايا.
قوله: "يغرغر"
بغينين معجمتين وراءين مهملتين مبني
للمجهول.
قوله: "الصلاة وما
ملكت أيمانكم" أي حافظوا على الصلاة وأحسنوا
إلى المملوكين.
باب نفقة
البهائم
1 - عن ابن عمر: "أن
النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال:
"عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار
لا هي أطعمتها وسقتها إذ حبستها ولا هي تركتها
تأكل من خشاش الأرض" وروى أبو هريرة مثله.
2 - وعن أبي هريرة:
أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال:
"بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش فوجد بئراً
فنزل فيها فشرب ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل
الثرى من العطش فقال الرجل: لقد بلغ هذا
الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني فنزل
البئر فملأ خفه ماء ثم أمسكه بفيه حتى رقى
فسقى الكلب فشكر اللّه له فغفر له قالوا: يا
رسول اللّه وإن لنا في البهائم أجراً فقال:
في كل كبد رطبة أجر". متفق عليهن.
ج / 7 ص -4-
3 - وعن سراقة بن مالك قال: "سألت رسول
اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن الضالة من
الإبل تغشى حياضي قد لطنها للإبل هل لي من أجر
في شأن ما أسقيها قال:
"نعم في كل ذات كبد حراء أجر".
رواه أحمد.
حديث سراقة أخرجه أيضاً
ابن ماجه وأبو يعلى والبغوي والطبراني في
الكبير والضياء في المختارة.
قوله: "عذبت
امرأة" قال الحافظ: لم أقف على اسمها ووقع
في رواية أنها حميرية وفي أخرى أنها من بني
إسرائيل كما في مسلم والجمع ممكن لأن طائفة من
حمير دخلوا في اليهودية فيكون نسبتها إلى بني
إسرائيل لأنهم أهل دينها وإلى حمير لأنهم
قبيلتها.
قوله: "في هرة" أي
بسبب هرة والهرة أنثى السنور.
قوله: "خشاش
الأرض" بفتح الخاء المعجمة ويجوز ضمها
وكسرها وبعدها معجمتان بينهما ألف والمراد
هوام الأرض وحشراتها قال النووي: وروي
بالحاء المهملة والمراد نبات الأرض قال: وهو
ضعيف أو غلط. وفي رواية: "من حشرات الأرض"
وقد استدل بهذا الحديث على تحريم حبس الهرة
وما يشابهها من الدواب بدون طعام ولا شراب لأن
ذلك من تعذيب خلق اللّه وقد نهى عنه الشارع.
قال القاضي عياض: يحتمل أن تكون عذبت في
النار حقيقة أو بالحساب لأن من نوقش الحساب
عذب ولا يخفى أن قوله فدخلت فيها النار يدل
على الاحتمال الأول وقد قيل أن المرأة كانت
كافرة فدخلت النار بكفرها وزيد في عذابها لأجل
الهرة قال النووي: والأظهر أنها كانت مسلمة
وإنما دخلت النار بهذه المعصية.
قوله: "يلهث" قال
في القاموس: اللهثان العطشان وبالتحريك
العطش كاللهث واللهاث وقد لهث كسمع وكغراب حر
العطش وشدة الموت قال: ولهث كمنع لهثاً
ولهاثاً بالضم أخرج لسانه عطشاً أو تعباً أو
إعياءً كاللهث واللهثة بالضم التعب والعطش
انتهى.
قوله: "الثرى" هو
التراب الندي كما في القاموس.
قوله: "في كل كبد
رطبة" الرطب في الأصل ضد اليابس وأريد به
هنا الحياة لأن الرطوبة في البدن تلازمها وهي
كذلك الحرارة في الأصل ضد البرودة وأريد بها
هنا الحياة لأن الحرارة تلازمها وقد استدل
بأحاديث الباب على وجوب نفقة الحيوان على
مالكه وليس فيها ما يدل على الوجوب المدعى أما
حديث ابن عمر وحديث أبي هريرة الأول الذي أشار
إليه المصنف فليس فيهما إلا وجوب إنفاق
الحيوان المحبوس على حابسه وهو أخص من الدعوى
اللّهم إلا أن يقال إن مالك الحيوان حابس له
في ملكه فيجب الإنفاق على كل مالك لذلك ما دام
حابسا له لا إذا سيبه فلا وجوب عليه لقوله في
الحديث: "ولا
هي تركتها تأكل من خشاش الأرض"
كما وقع التصريح بذلك في كتب الفقه ولكن لا
يبرأ بالتسييب إلا إذا كان في مكان معشب يتمكن
الحيوان فيه من تناول ما يقوم بكفايته وأما
حديث أبو هريرة الثاني فليس فيه إلا أن المحسن
إلى الحيوان عند الحاجة إلى الشراب ويلحق به
الطعام مأجور وليس النزاع في استحقاق الأجر
بما ذكر إنما النزاع في الوجوب
ج / 7 ص -5-
وكذلك حديث سراقة بن مالك ليس فيه إلا مجرد
الأجر للفاعل وهو يحصل بالمندوب فلا يستفاد
منه الوجوب غاية الأمر أن الإحسان إلى الحيوان
المملوك أولى من الإحسان إلى غيره لأن هذه
الأحاديث مصرحة بأن الإحسان إلى غير المملوك
موجب للأجر وفحوى الخطاب يدل على أن المملوك
أولى بالإحسان لكونه محبوساً عن منافع نفسه
بمنافع مالكه وأما أن المحسن إليه أولى بالأجر
من المحسن إلى غير المملوكفلا فأولى ما يستدل
به على وجوب إنفاق الحيوان المملوك حديث الهرة
لأن السبب في دخول تلك المرأة النار ليس مجرد
ترك الإنفاق بل مجموع الترك والحبس فإذا كان
هذا الحكم ثابتاً في مثل الهرة فثبوته في مثل
الحيوانات التي تملك أولى لأنها مملوكة محبوسة
مشغولة بمصالح المالك.
وقد ذهبت العترة
والشافعي وأصحابه إلى أن مالك البهيمة إذا
تمرد عن علفها أو بيعها أو تسييبها أجبر كما
يجبر مالك العبد بجامع كون كل منهم مملوكاً ذا
كبد رطب مشغولاً بمصالح مالكه محبوساً عن
مصالح نفسه وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أن
مالك الدابة يؤمر بأحد تلك الأمور استصلاحاً
لا حتماً قالوا إذ لا يثبت لها حق ولا خصومة
ولا ينصب عنها فهي كالشجرة وأجيب بأنها ذات
روح محترم فيجب حفظه كالآدمي وأما الشجر فلا
يجبر على إصلاحه إجماعاً لكونه ليس بذي روح
فافترقا والتخيير بين الأمور المذكورة إنما هو
في الحيوان الذي دمه محترم وأما الحيوان الذي
يحل أكله فيخير المالك بين تلك الأمور الثلاثة
أو الذبح.
قوله: "قد لطتها"
بضم اللام وبالطاء المهملة وهو في الأصل
اللزوم والستر والإلصاق كما حققه صاحب القاموس
والمراد هنا إصلاح الحياض يقال لاط حوضه يليطه
إذا أصلحه بالطين والمدر ونحوهما ومنه قيل
اللائط لمن يفعل الفاحشة. |