أدب المفتي والمستفتي تعريف:
تعريف الفتوى لغة
واصطلاحًا:
1- الفتوى لغة:
قال ابن منظور: "أفتاه في الأمر أبان له، وأفتى الرجل في
المسألة واستفتيته فيها فأفتاني إفتاء ... يقال: أفتيت فلانًا
رؤيا رآها إذا عبرتها له، وأفتيته في مسألة إذا أجبته عنها ...
يقال: أفتاه في المسألة إذا أجابه ... والفتيا والفُتْوى
والفَتْوى: ما أفتى به الفقيه، الفتح في الفتوى لأهل المدينة1
... قال ابن سيدة: وإنما قضينا على ألف أفتى بالياء لكثرة ف ت
ي، وقلة ف ت و ... "2.
وفي تفسير قوله تعالى: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ
اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ} 3 قال عبد الحق بن عطية: "أي
يبين لكم حكم ما سألتم"4.
"ومما تقدم نعلم أن الاستفتاء في اللغة يعني السؤال عن أمر أو
عن حكم مسألة، وهذا السائل يسمى المستفتي، والمسئول الذي يجيب:
هو المفتي، وقيامه
__________
1 قال في المحكم: "وهو الجاري على القياس" مواهب الجليل
للخطاب: 1/ 32.
2 لسان العرب: "15/ 147، 148" مادة "فتا".
3 النساء: آية: "127".
4 المحرر الوجيز: 4/ 267.
(1/23)
بالجواب هو الإفتاء، وما يجيب به هو
الفتوى، فالإفتاء يتضمن وجود المستفتي والمفتي والإفتاء نفسه
والفتوى"1.
الإفتاء اصطلاحًا:
قال الدكتور عبد الكريم زيدان: "والمعنى الاصطلاحي للإفتاء هو
المعنى اللغوي لهذه الكلمة وما تتضمنه من وجود مستفتٍ ومفتٍ
وإفتاء وفتوى، ولكن بقيد واحد هو أن المسألة التي وقع السؤال
عن حكمها تعتبر من المسائل الشرعية، وأن حكمها المراد معرفته
هو حكم شرعي2.
2- وعرف العلماء المفتي بتعاريف عدة:
قال الشاطبي: "المفتي هو القائم في الأمة مقام النبي صلى الله
عليه وسلم ... "3.
وقال ابن حمدان: "المفتي: هو المخبر بحكم الله تعالى لمعرفته
بدليله. وقيل: هو المخبر عن الله بحكمه.
وقيل: هو المتمكن من معرفة أحكام الوقائع شرعًا بالدليل مع
حفظه لأكثر الفقه"4.
وقال ابن القيم: "المفتي هو المخبر عن حكم الله غير منفذ"5.
وقال ابن الصلاح: " ... ولذلك قيل في الفتوى: إنها توقيع عن
الله تبارك وتعالى"6.
__________
1 أصول الدعوة للدكتور عبد الكريم زيدان: 130.
2 أصول الدعوة للدكتور عبد الكريم زيدان: 130.
3 الموافقات للشاطبي: 4/ 244.
4 صفة الفتوى: 44.
5 إعلام الموقعين: 4/ 224.
6 أدب المفتي: 72.
(1/24)
3- المجتهد والمفتي:
الاجتهاد لغة:
قال في التاج: ""الجهد" بالفتح الطاقة والوسع، ويضم. قال ابن
الأثير: "الجَهْدُ والجُهْدُ ... بالضم: الوسع والطاقة،
وبالفتح: المشقة. وقيل: المبالغة والغاية. وقيل: هما لغتان في
الوسع والطاقة، فأما في المشقة والغاية فالفتح لا غير ... "1.
وفي المشارق لعياض نقلا عن ابن عرفة: الجُهد بالضم الوسع
والطاقة، والجهد المبالغة والغاية ومنه قوله تعالى: {جَهْدَ
أَيْمَانِهِمْ} أي بالغوا في اليمين واجتهدوا فيها.
والتجاهد: بذل الوسع والمجهود كالاجتهاد افتعال من الجهد
الطاقة ... "2.
4- الاجتهاد في الاصطلاح:
وأما الاجتهاد في الاصطلاح فقال الرازي هو: "استفراغ الوسع في
النظر فيما لا يلحقه فيه لوم، مع استفراغ الوسع فيه"3.
وقال الغزالي: في الاجتهاد التام: "أن يبذل الوسع في الطلب
بحيث يحس من نفسه بالعجز عن مزيد طلب"4.
وقال الزركشي: "الاجتهاد: بذل الوسع لنيل حكم شرعي بطريق
الاستنباط"5.
__________
1 النهاية: 1/ 320.
2 تاج العروس: "2/ 329، 330" مادة "جهد".
3 المحصول: 2/ 3/ 7 وانظر اعتراض الإمام القرافي على تعريف
الرازي في: "نفائس الأصول شرح المحصول": "3/ ... ".
4 المستصفى: 2/ 350. وانظر الرسالة للإمام الشافعي: 511.
5 البحر المحيط: 3/ 281.
(1/25)
وقال الآمدي: "استفراغ الوسع في طلب الظن
بشيء من الأحكام الشرعية على وجه يحس من النفس العجز عن المزيد
فيه"1.
وقال ابن السبكي: "الاجتهاد: استفراغ الفقيه الوسع لتحصيل ظن
بحكم"2.
وقال ابن الحاجب: "الاجتهاد، استفراغ الفقيه الوسع لتحصيل ظن
بحكم شرعي"3.
وقال البيضاوي: "الاجتهاد استفراغ الجهد في درك الأحكام
الشرعية"4.
وقال البهاري: "الاجتهاد: بذل الطاقة من الفقيه في تحصيل حكم
شرعي ظني"5.
وقال ابن الهمام: "الاجتهاد: بذل الطاقة من الفقيه في تحصيل
حكم شرعي ظني"6.
وقال ملاخسرو: "الاجتهاد: استفراغ المجهود في استنباط الحكم
الشرعي الفرعي عن دليله"7.
وقال ابن بدران: "الاجتهاد: استفراغ الوسع في طلب الظن بشيء من
الأحكام الشرعية على وجه يحس من النفس العجز عن المزيد عليه"8.
__________
1 الإحكام: 4/ 218.
2 جمع الجوامع: 2/ 379.
3 مختصر ابن الحاجب مع شرح العضد: 2/ 289.
4 المنهاج: 3/ 191.
5 مسلم الثبوت: 2/ 336.
6 التحرير: 4/ 179.
7 مرقاة الوصول: 2/ 464.
8 المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل: 367.
(1/26)
وقال القرافي: "الاجتهاد: بذل الوسع في
الأحكام الفرعية الكلية ممن حصلت شرائط الاجتهاد"1.
وبعد تعريف "الإفتاء" و"المفتي" و"الاجتهاد" نريد أن نعرف هل
هناك فرق بين "المجتهد" و"المفتي". ذهب كثير من الأصوليين إلى
أنه لا فرق بين "المجتهد" و"المفتي"، وأن "المجتهد" هو
"المفتي".
قال ابن الهمام: "إن المفتي هو المجتهد وهو الفقيه"2, وقال
المحلاوي: "إن المفتي عند الأصوليين هو المجتهد المطلق"3.
وقال الشوكاني: "إن المفتي هو المجتهد ... ومثله قول من قال:
إن المفتي هو الفقيه لأن المراد به المجتهد في مصطلح الأصول"4.
وهذا هو رأي الحافظ ابن الصلاح رحمه الله تعالى فإنه عندما
يتحدث عن "المجتهد وصفاته وأحكامه وآدابه" يعبر عنه بقوله:
"القول في شروط المفتي وصفاته وأحكامه وآدابه" وقوله: "المفتي
المستقل وشروطه".
وقوله: "فمن جمع هذه الفضائل فهو المفتي المستقل ... ".
وقوله: "والمجتهد المستقل هو الذي يستقل بإدراك ... ", وهكذا
ذهب ابن الصلاح رحمه الله تعالى إلى أنه لا فرق بين المفتي
والمجتهد، وأن المفتي هو المجتهد.
__________
1 نفائس الأصول شرح المحصول: "3/ ... ".
2 التحرير في أصول الفقه: 547.
3 تسهيل الأصول إلى علم الأصول: 327.
4 إرشاد الفحول: 547.
(1/27)
دراسة الكتاب:
1- تسمية الكتاب والأسباب التي
دفعت ابن الصلاح إلى تأليف الكتاب:
ذكرت المصادر كتاب ابن الصلاح هذا وسمته بأسماء متعددة. فقد
جاء على صفحة العنوان من نسخة سليمانية كتبخانه برقم: "1/ 650"
"فتاوى ابن الصلاح، وشروط المفتي وأوصافه وأحكامه وصفة
المستفتي وأحكامه وكيفية الفتوى والاستفتاء وآدابهما". وجاء في
صفحة العنوان على نسخة الفاتح المرقمة: "2347" "فتاوى ابن
الصلاح على مذهب الشافعي".
وجاء في صفحة العنوان على نسخة مكتبة جو رلولو علي باشا
المرقمة "266" "جواهر الفتاوى وآداب المفتي والمستفتي". وجاء
في صفحة العنوان على نسخة شستربتي المرقمة: "3854" "آداب
المفتي" لابن الصلاح.
ولعل ذكر كلمة "فتاوى" في تسمية الكتاب يرجع إلى مقدمة الكتاب
التي قال فيها ابن الصلاح: "وأتبرأ من الحول والقوة إلا به في
تأليف كتاب في الفتوى لائق بالوقت أفصح فيه إن شاء الله العظيم
عن شروط المفتي وأوصافه، وأحكامه".
وذكر السبكي الكتاب في "طبقات الشافعية الكبرى"1. وسماه "أدب
الفتيا"، كما ذكره في كتاب "طبقات الشافعية الوسطى"2 وسماه
"أدب
__________
1 4/ 200.
2 مطبوعة بهامش الطبقات الكبرى: 8/ 327.
(1/31)
المفتي"، وكذا سماه ابن كثير في "البداية
والنهاية"1 وذكره ابن قاضي شهبة في "طبقات الشافعية"2، وسماه
"أدب المفتي والمستفتي"، كذا سماه ابن العماد الحنبلي في
"شذرات الذهب"3، وحاجي خليفة في "كشف الظنون"4، وبروكلمان في
"تاريخ الأدب العربي"5. إذن فاسم الكتاب الكامل هو "أدب المفتي
والمستفتي" كما ذكره ابن قاضي شهبة وغيره.
أما الأسباب التي صنف "ابن الصَّلاح كتابه هذا من أجلها فقد
بيَّنها رحمه الله تعالى في مقدمة كتابه فقال: " ... ولما عظم
شأن الفتوى في الدين وتسنم المفتون منه سنام السناء، وكانوا
قرات الأعين، لا تلم بهم على كثرتهم أعين الأسواء، فنعق بهم في
أعصارنا ناعق الفناء، وتفانت بتفانيهم أندية ذلك العلاء إلى أن
قال: "وأتبرأ من الحول والقوة إلا به في تأليف كتاب في الفتوى،
لائق بالوقت، أفصح فيه إن شاء الله العظيم عن شروط المفتي،
وأوصافه، وأحكامه، وعن صفة المستفتي وأحكامه، وعن كيفية الفتوى
والاستفتاء وآدابهما"6 إن شعور ابن الصلاح رحمه الله تعالى
بمنزلة "الإفتاء" العظيمة، وموقعها الكبير في المجتمع المسلم،
وفضلها العظيم، هو الذي دفعه إلى تصنيف هذا الكتاب، ومن أجل
توعية الآخرين بخطر الفتوى وأنه يجب التهيب من الإفتاء، وعدم
الجرأة على إصدار الأحكام مع قلة العلم ... والرغبة في تعليم
المستفتي أدب السؤال، وآداب الكلام، بل أدب المسلم نحو أهل
العلم ... كل هذه الأسباب دفعت ابن الصلاح رحمه الله تعالى إلى
تأليف هذا الكتاب القيم النفيس.
__________
1 12/ 43.
2 طبقات ابن قاضي شهبة: 2/ 146.
3 5/ 22.
4 1/ 48.
5 6/ 210.
6 أدب المفتي: "69-70".
(1/32)
2- منهج ابن
الصلاح في الكتاب:
الإسلام دين الله تبارك وتعالى، ومشرع أحكامه ومناهجه هو الله
عز وجل فعلى المسلم أن ينقاد لشريعة الله ويستسلم لرب
العالمين، وأن لا يأتي ما يناقض حقيقة الإسلام لا في الاعتقاد
ولا في الأقوال ولا في الأفعال، والمسلم قبل أن يفعل الفعل أو
يقول القول لا بد أن يسأل نفسه إن كان هذا الفعل موافقًا
لشريعة الإسلام أو غير موافق، فإن عرف الجواب فخير، وإن لم
يعرف الجواب فلا بد أن يسأل أهل العلم كي يتعلم، قال الله
تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا
تَعْلَمُونَ} .
فإن لم يسأل وفعل الفعل أو قال القول فقد يقع في العصيان أو
الابتداع، بل قد يؤدي به الأمر إلى الارتداد عن الإسلام.
"وسؤال الجاهل أهل العلم، وجواب هؤلاء له، وما يتعلق بهذين
الموقفين: موقف الجاهل وهو يسأل، وموقف العالم وهو يجيب، من
وجوب عليهما في السؤال والجواب أو ندب أو إباحة بلا وجوب في
السؤال والجواب، وغير ذلك من الأمور، كل ذلك يكون ما يعرف في
الشريعة الإسلامية بنظام الإفتاء1. ونظام الإفتاء في الإسلام
له ضوابط وأصول، ومن أجل بيان هذه الضوابط والأصول ألف ابن
الصلاح كتابه هذا ولقد بين ابن الصلاح منهجه هذا في مقدمة
الكتاب فقال:
" ... في تأليف كتاب في الفتوى لائق بالوقت، أفصح فيه إن شاء
الله العظيم عن شروط المفتي وأوصافه وأحكامه، وعن صفة المستفتي
وأحكامه، وعن كيفية الفتوى والاستفتاء، وآدابهما جامعًا فيه
شمل نفائس التقطتها من خبايا الروايا، وخفايا الزوايا، ومهمات
تقر بها أعين أعيان الفقهاء، ويرفع من قدرها من كثرت مطالعته
من الفهماء، ويبادر إلى تحصيلها كل من ارتفع عن حضيض الضعفاء
مقدمًا: بيان شرف مرتبة الفتوى وخطرها، والتنبيه على آفاتها
وعظيم غدرها ... "2, ونظرة سريعة على
__________
1 أصول الدعوة للدكتور عبد الكريم زيدان: 130.
2 أداب المفتي والمستفتي: 70.
(1/33)
فهرست المواضيع تعطي للقارئ الكريم فكرة عن
الكتاب ومباحثه.
ويلحظ القارئ في منهج ابن الصلاح رحمه الله تعالى أنه حاول أن
يجمع بين أسلوب المحدثين والفقهاء في كتابه هذا وليس هذا
بالمستغرب عن ابن الصلاح فهو محدث كبير وإمام حافظ، فهو صاحب
"المقدمة" في علوم الحديث، و"صيانة صحيح مسلم" ... وهو فقيه
كبير من الفقهاء.
ومحاولة ابن الصلاح في الجمع بين الأسلوب الحديثي والفقهي تجلت
بوضوح في فصل "بيان شرف حرمة الفتوى وخطرها وغررها", إذ نقل
الأقوال بالسند، وأفاد في هذا الفصل من المحدثين الذين سبقوه
في الكتابة عن "المفتي والمستفتي"، كالخطيب البغدادي في كتابه
"الفقيه والمتفقه"، وابن عبد البر في كتابه "جامع بيان العلم
وفضله"، فإن الخطيب البغدادي، وابن عبد البر لم يسهبا بذكر
أقوال الفقهاء والأصوليين في كتبايهما، وإنما كانا يذكران
المسألة التي يريدان الحديث عنها, ثم يبرهنان على صوابها بما
ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم، أو عن الصحابة أو التابعين،
أو الأئمة المعتبرين. وغالب روايتهم بالإسناد ... فتابعهم ابن
الصلاح في هذا الفصل واقتبس الكثير منهم حتى يكاد معظم هذا
الفصل يكون مقتبسًا من كتابي "الفقيه والمتفقه" و"جامع بيان
العلم وفضله".
ومن الأسلوب الحديثي الذي اتبعه ضبطه لألفاظ الروايات التي
يذكرها. ومن هذه الروايات الرواية التي ذكرها في "المسألة
السادسة عشرة" عن أبي بكر محمد بن داود الأصبهاني الظاهري في
المسألة التي سألته فيها امرأة: "ما تقول في رجل له زوجة لا هو
ممسكها ولا هو مطلقها، فقد جاء في الرواية "أبو العباس الخضري"
و"تؤمر بالصبر" و"يبعث على التطلب". وهذه الأسماء والكلمات
التصحيف فيها وارد لذا نرى ابن الصلاح رحمه الله تعالى يقول في
آخر الرواية:
"قلت: التصحيف شين فاعلم: أن أبا العباس الخضري: هذا هو بخاء
معجمة مضمومة، وبضاد معجمة مفتوحة.
(1/34)
وقوله: تؤمر بالصبر: في أوله التاء للمؤنث.
وقوله: يبعث على التطلب: في أوله الياء التي هي للمذكر"1، بل
أحيانًا يشرح المعنى اللغوي كما هو الحال في الرواية السابقة
إذ قال: "وقولها: لا هو ممسكها: أي ليس ينفق عليها"2. وقوله في
الرواية التي يرويها بسنده عن أبي سعيد الشحام التي رأى سهلا
الصعلوكي في المنام فسأله عن حاله فقال له: "غفر لي بمسائل كان
يسأل عنها العجز". قال ابن الصلاح رحمه الله تعالى:
العجز: بضم العين والجيم، العجائز3.
وأما أسلوبه الفقهي فواضح جلي بكثرة اقتباساته من المصادر
الفقهية والأصولية، وذكره لآراء الأئمة الفقهاء في المسائل
التي يتطرق إليها، كما يذكر الاختلافات في بعض المسائل ويرجح
بين الأقوال في أغلب الأحيان.
ومذهب ابن الصلاح رحمه الله تعالى هو المذهب الشافعي لذا نراه
لا يخرج عن هذا المذهب في الآراء التي يذكرها. بل إنه يفضل هذا
المذهب على غيره من المذاهب، ويبرز ذلك بقوله: "ولما كان
الشافعي قد تأخر عن هؤلاء الأئمة ونظر في مذاهبهم نحو نظرهم في
مذاهب من قبلهم، فسبرها وخبرها وانتقدها، واختار أرجحها، ووجد
من قبله قد كفاه مؤنة التصوير والتأصيل فتفرغ للاختيار
والترجيح والتنقيح والتكميل، مع كمال آلته وبراعته في العلوم،
وترجحه في ذلك على من سبقه, ثم لم يوجد بعده من بلغ محله في
ذلك، كان مذهبه أولى المذاهب بالاتباع والتقليد، وهذا مع ما
فيه من الإنصاف والسلامة من القدح في أحد الأئمة جلي واضح، إذا
تأمله العامي قاده إلى اختيار مذهب الشافعي والتمذهب به"4.
وابن الصلاح رحمه الله تعالى لم يكتف بتفصيل مذهب الشافعي رحمه
الله
__________
1 "أدب المفتي": 133.
2 "أدب المفتي": 133.
3 "أدب المفتي": 136.
4 "أدب المفتي": "163-164".
(1/35)
تعالى على غيره من المذاهب بل نراه يميل
إلى إغلاق باب الاجتهاد المطلق. فيقول: "وقد ذكر بعض الأصوليين
منا: أنه لم يوجد بعض عصر الشافعي مجتهد مستقل.
وحكى اختلافًا بين أصحابنا وأصحاب أبي حنيفة في أبي يوسف
ومحمد، والمزني، وابن سريج خاصًا، هل كانوا من المجتهدين
المستقلين، أو من المجتهدين في المذاهب؟ "1.
وقال أيضًا: " ... ومنذ دهر طويل طوى بساط المفتي المستقل
المطلق، والمجتهد المستقل، وأفضى أمر الفتوى إلى الفقهاء
المنتسبين إلى أئمة المذاهب المتبوعة ... "2.
__________
1 "أدب المفتي": "93-94".
2 "أدب المفتي": 91.
(1/36)
3- موارد ابن
الصلاح في الكتاب:
لم يكن ابن الصلاح رحمه الله تعالى أول من كتب في موضوع
"الفتيا"؛ بل هنالك من تقدمه في هذا المضمار سواء من المحدثين
أو الفقهاء والأصوليين ... فلا بد أن يقتبس منهم وينهل من
موردهم، ورغم صغر حجم الرسالة نرى أن ابن الصلاح رحمه الله
تعالى أكثر من الاقتباس عمن تقدمه من المحدثين والأصوليين ومن
هذه المصنفات.
1- "أدب المفتي والمستفتي": لأبي القاسم عبد الواحد بن الحسين
بن محمد القاضي الصيمري "ت386هـ" وقد اقتبس منه في أكثر من
عشرة مواضع.
2- "أدب الدين والدنيا": لأبي الحسن على بن محمد بن حبيب
الماوردي "ت450هـ".
3- "الحاوي": لأبي الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي: كما
نقل نصوصًا عديدة عن الإمام الماوردي ولم يصرح باسم الكتاب
الذي اقتبس منه
(1/36)
ومجموع النصوص التي اقتبسها من الإمام
الماوردي سواء من كتاب "أدب الدين والدنيا"، أو "الحاوي" أو
غير ذلك تربو على ستة نصوص.
4- "الغياثي": لركن الدولة إمام الحرمين أبي المعالي عبد الملك
بن عبد الله بن يوسف بن محمد الجويني "ت478هـ".
5- "النهاية" وهو "نهاية المطلب في دراية المذهب": لإمام
الحرمين الجويني.
6- "شرح رسالة الشافعي": لإمام الحرمين الجويني. كما نقل
نصوصًا عديدة عن الإمام الجويني ولم يصرح باسم الكتاب الذي نقل
عنه. وهذه الاقتباسات عن الإمام الجويني تقرب من ثمانية نصوص.
7- "الشامل": لأبي نصر بن الصباغ عبد السيد بن محمد بن عبد
الواحد بن أحمد بن جعفر "ت477هـ".
8- "المختصر": لأبي إبراهيم إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل بن
عمرو بن إسحاق المزني "ت264هـ".
9- "أصول الفقه": لأبي الحسن علي بن محمد بن علي إلكيا الهراسي
"ت504هـ".
10- "فتاوى القاضي الحسين بن محمد بن أحمد المروروذي" "ت462هـ"
تعليق أبي محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي "ت516هـ".
11- "جامع بيان العلم وفضله": لأبي عمر يوسف عبد الله بن محمد
بن عبد البر النمري القرطبي الأندلسي "ت463هـ".
12- "الفقيه والمتفقه": لأبي بكر بن علي بن ثابت الخطيب
البغدادي "ت463هـ".
13- "مناقب أبي الحسن علي بن محمد بن خلف المعافري القابسي
المالكي ت403هـ": لأبي عبد الله المالكي.
14- كما اقتبس نصوصًا عن أبي الفتح أحمد بن علي بن محمد بن
برهان
(1/37)
"ت518هـ" ولم يصرح باسم الكتاب الذي اقتبس
منه.
15- واقتبس من الإمام أبي حامد محمد بن محمد بن أحمد الطوسي
الغزالي "ت505هـ" نصوصًا عديدة.
16- واقتبس من أبي السعادات المبارك بن محمد بن محمد بن الأثير
الجزري "ت606هـ".
17- واقتبس من أبي علي الحسين بن شعيب بن محمد السنجي
"ت430هـ".
18- واقتبس من أبي عبد الله الحسين بن الحسن بن محمد الحليمي
"ت430هـ".
19- واقتبس من أبي المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل بن أحمد
الروياني "ت502هـ".
20- ومن أبي بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر "ت318هـ".
21- ومن "تعاليق" أبي حامد أحمد بن محمد بن أحمد الإسفراييني
"ت406هـ".
22- ومن أبي المظفر منصور بن محمد بن عبد الجبار بن أحمد محمد
السمعاني الكبير "ت489هـ".
23- ومن أبي الحسين أحمد بن محمد بن أحمد المعروف بابن القطان
"ت359هـ".
24- ومن أبي بكر عبد الله بن أحمد بن عبد الله القفال الصغير
المروزي "ت417هـ".
25- ومن أبي الوليد سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب بن وارث
الباجي "ت474هـ".
26- ومن الأستاذ أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم
الإسفراييني "ت418هـ".
27- ومن الأستاذ أبي منصور عبد القاهر بن طاهر بن محمد التميمي
البغدادي
(1/38)
"ت429هـ".
28- ومن أبي إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي
الفيروزابادي "ت476هـ". وهذه النصوص بعضها من كتاب "اللمع"
وبعضها من كتاب "التبصرة"، لأبي إسحاق الشيرازي.
29- ومن أبي حاتم محمود بن الحسن بن محمد بن يوسف القزويني
ت"440هـ".
إن كثرة النصوص المقتبسة في هذه الرسالة تدل على مدى عناية ابن
الصلاح رحمه الله تعالى بهذا الكتاب كما أنها تدل على سعة
ثقافته وإحاطته بالمادة التي يصنف فيها, ولعل أكثر مصادر ابن
الصلاح في هذا الكتاب هو كتاب "أدب المفتي والمستفتي" لأبي
القاسم الصيمري. و"الفقيه والمتفقه" للخطيب البغدادي.
و"جامع بيان العلم وفضله" لابن عبد البر القرطبي. وكذلك نقوله
عن الإمام الماوردي، والجويني.
ويلاحظ على هذه الموارد أنها مصنفات لها القيمة العلمية
الكبيرة، وأنها لأئمة جهابذة لهم المكانة العلمية المرموقة ...
(1/39)
نقده للآراء التي
يذكرها:
اعتمد ابن الصلاح رحمه الله تعالى على مصادر عديدة كما تقدم.
ونقل أقوالا لكبار الفقهاء في معظم المسائل التي يذكرها ومما
يلاحظ لابن الصلاح رحمه الله تعالى, وهو ينقل هذه الأقوال أنه
لم يكن يكتفي بل كثيرا ما كان يدلي بدلوه، فيرجع ما يراه
صوابًا، ويبدي رأيه المستقل في معظم المسائل، ولا عجب في ذلك
فابن الصلاح حافظ كبير، وعالم يمتلك القدرة على نقد الروايات
والآراء التي يذكرها فهو عالم ناقد ممحص.
مثال ذلك قوله في باب "تنبيهات":
(1/39)
"الأول: قطع الإمام العلامة أبو عبد الله
الحليمي إمام الشافعيين بما وراء النهر، والقاضي أبو المحاسن
الروياني, وغيرهما: بأنه لا يجوز للمقلد أن يفتي بما هو مقلد
فيه.
وذكر الشيخ أبو محمد الجويني في "شرحه لرسالة الشافعي" عن شيخه
أبي بكر القفال المروزي: أنه يجوز لمن حفظ مذهب صاحب مذهب
ونصوصه أن يفتي به وإن لم يكن عارفًا بغوامضه وحقائقه.
وخالفه الشيخ أبو محمد وقال: لا يجوز أن يفتي بمذهب غيره إذا
لم يكن متبحرًا فيه.
قلت: قول من قال: لا يجوز أن يفتي بذلك معناه أنه لا يذكره في
صورة ما يقوله من عند نفسه، بل يضيفه ويحكيه عن إمامه الذي
قلده ... "1.
ومثال ذلك أيضًا قوله وهو يتحدث عن "صفة المستفتي وأحكامه
وآدابه":
"الخامسة: قال أبو المظفر السمعاني: إذا سمع المستفتي جواب
المفتي لم يلزمه العمل به إلا بالتزامه، ويجوز أن يقال: إنه
يلزمه إذا أخذ في العمل به، وقيل: يلزمه إذا وقع في نفسه صحته
وحقيقته.
قال: وهذا أولى الأوجه.
قلت: لم أجد هذا لغيره ... "2.
وغير ذلك من الأمثلة التي سيلاحظها القارئ وهو يطالع الكتاب.
فابن الصلاح رحمه الله تعالى ليس بحاطب ليل، فهو الفقيه
المتمكن الذي "أشغل وأفتى، وجمع وألف"3.
__________
1 "أدب المفتي": "101-102".
2 "أدب المفتي": 166.
3 سير أعلام النبلاء: 23/ 141.
(1/40)
كما أن ثقافته لم تأت من فراغ، فهو العلم
الذي رسخت قدمه في العلوم المختلفة سواء في التفسير، أو
الحديث، أو اللغة، أو الفقه، أو العقائد، أو غير ذلك من
العلوم1 ... قال الذهبي: "وكان مع تبحره في الفقه مجودًا لما
ينقله، قوي المادة من اللغة والعربية، متفننًا في الحديث،
متصونًا، مكبًّا على العلم، عديم النظير في زمانه"2.
__________
1 صيانة صحيح مسلم لابن الصلاح: 50.
2 سير أعلام النبلاء: "23/ 142-143".
(1/41)
أثر الكتاب فيما
بعده واقتباسات الأئمة منه:
لقد ذكر الكثير من الأئمة كتاب "أدب المفتي والمستفتي" ونسبوه
إلى ابن الصلاح.
قال النووي وهو يتحدث عن "آداب الفتوى والمفتي والمستفتي":
"اعلم أن هذا الباب مهم جدًّا فأحببت تقديمه لعموم الحاجة
إليه، وقد صنف في هذا جماعة من أصحابنا منهم أبو القاسم
الصيمري شيخ صاحب الحاوي، ثم الخطيب أبو بكر الحافظ البغدادي,
ثم الشيخ أبو عمرو ابن الصلاح، وكل منهم ذكر نفائس ولم يذكرها
الآخران، وقد طالعت كتب الثلاثة ولخصت منها جملة مختصرة
مستوعبة ... "1.
ثم اقتبس معظم كتاب ابن الصلاح، وأشرت إلى ذلك في حاشية الكتاب
أثناء تحقيقي له.
واقتبس من الكتاب شيخ الإسلام علي بن عبد الكافي السبكي
"ت756هـ"، وولده تاج الدين عبد الوهاب بن علي السبكي "ت771" في
كتاب "الإبهاج في شرح المنهاج"2.
__________
1 المجموع: 1/ 73.
2 الإبهاج: 3/ 256.
(1/41)
كما اقتبس من الكتاب السبكي في "طبقات
الشافعية الكبرى"1، وذكره في "طبقات الشافعية الوسطى"2، كما
ذكره ابن كثير في "البداية والنهاية"3 واقتبس منه، وذكره ابن
قاضي شهبة في "طبقات الشافعية"4، وابن العماد الحنبلي في
"شذرات الذهب"5، وحاجي خليفة في "كشف الظنون"6، وغير ذلك من
المراجع والمصادر التي كتبت في هذا المجال.
وأما "أحمد بن حمدان الحراني الحنبلي المتوفى "695هـ" فقد
اقتبس معظم كتاب "أدب المفتي" لابن الصلاح. في كتابه "صفة
الفتوى والمفتي والمستفتي" دون أن يشير إلى ذلك، وقد أوضحت ذلك
في هامش الكتاب أثناء التحقيق.
واقتبس ابن قيم الجوزية "ت751هـ" من كتاب ابن الصلاح في "إعلام
الموقعين عن رب العالمين"7، ووافق ابن الصلاح في مواضع كثيرة،
وخالفه في بعض المواضع.
واقتبس السيوطي "ت911هـ" في كتابه "الرد على من أخلد إلى الأرض
وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض" في عدة مواضع، وسماه مرة "أدب
الفتيا"8، ومرة أخرى "آداب الفتيا"9. كما اقتبس منه السيوطي
كثيرًا في كتابه "آداب الفتيا"10.
إن كثرة الاقتباس من كتاب ابن الصلاح هذا بقدر ما تثبت صحة
نسبة الكتاب إلى ابن الصلاح رحمه الله تعالى, فإنها تدل على
أهميته وقيمته العلمية، وأنه كتاب نفيس في بابه.
__________
1 طبقات الشافعية الكبرى: 4/ 200.
2 المطبوع بهامش الكبرى: 8/ 327.
3 البداية والنهاية: 12/ 43.
4 طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة: 2/ 146.
5 شذرات الذهب: 5/ 222.
6 1/ 48.
7 "إعلام الموقعين": "4/ 195، 223، 237" وغير ذلك من الصفحات.
8 "الرد على من أخلد إلى الأرض: 36.
9 "الرد على من أخلد إلى الأرض": 97 وغير ذلك من المواضع.
10 أو "أدب المفتي" مخطوط نسخة منه في مكتبة برستن, مجموعة
يهودا، ضمن مجموع تحت رقم "831".
(1/42)
وصف الكتاب وصحة
نسبته إلى المصنف:
كتاب "أدب المفتي والمستفتي" من الكتب المشهورة التي ذكرها
المصنفون ونسبوها لابن الصلاح، واهتموا بها, واقتبسوا منها
الكثير، ولا عجب في ذلك فابن الصلاح كما وصفه الذهبي: وأشغل،
وأفتى، وجمع وألف، تخرج به الأصحاب، وكان من كبار الأئمة.
وللكتاب نسخ كثيرة، اعتمدت في تحقيقه على أربع نسخ فقط وهي:
1- نسخة السليمانية كتبخانه برقم "650/ 1". وتبدأ من الورقة:
"1أ-22ب"، ومكتوب على صفحة العنوان ""فتاوى ابن الصلاح، وشروط
المفتي وأوصافه وأحكامه وصفة المستفتي وأحكامه، وكيفية الفتوى
والاستفتاء وآدابهما" تغمده الله برحمته، من كتب إبراهيم بن
الطهوسي الحنفي", وكتب على صفحة العنوان: "وقف سلطان سليمان
خان عليه الرحمة". وفي كل صفحة من صفحاتها "17 سطرًا"، وخطها
جيد ومقروء كما أن النسخة نادرة الأخطاء، وتكاد تتطابق مع نسخة
"ابن حمدان" الذي اقتبس كتاب ابن الصلاح في كتاب "صفة الفتوى"
ومع نسخة الإمام النووي الذي هو الآخر اقتبس كتاب ابن الصلاح
في كتابه القيم "المجموع". وعلى بعض صفحات هذه النسخة حواش
كتبت بخط دقيق، وأشار الناسخ إلى دخولها في الأصل، وهذا يدل
على تصحيحها بعد النسخ، فهي نسخة مصححة ... والنسخة كاملة
تامة، كما جاء في الورقة الأخيرة.
ورءوس المواضيع كتبت بحروف كبيرة وباللون الأحمر، ولم يذكر اسم
الناسخ ولا تاريخ النسخ.
وقد اتخذت هذه النسخة أصلا في تحقيقي للكتاب، ورمزت لها بالحرف
(1/43)
"س"، نظرًا لقلة أخطائها, ولمطابقتها
للمصادر التي اقتبست كلام ابن الصلاح رحمه الله تعالى:
2- والنسخة الثانية هي نسخة الفاتح تحت رقم: "2347/ 1", وتبدأ
من الورقة "161ب-185أ", فهي تقع في 24 ورقة عدا صفحة العنوان.
وفي كل صفحة "20" سطرًا وكتب على صفحة العنوان: "فتاوى ابن
الصلاح على مذهب الشافعي".
وجاء في الورقة الأخيرة: "ووافق الفراغ من نسخة بعون الله
تعالى يوم السبت رابع شهر صفر سنة تسع وثمانين وسبعمائة، على
يد الفقير إلى الله تعالى الراجي عفو ربه وغفرانه المعترف
بالذنب والتقصير عبد الله بن محمد بن أبي بكر الخليلي لطف الله
تعالى به، وهي نسخة تامة، وجيدة ومقروءة، وعلى بعض صفحاتها
حواش كتبت بخط دقيق، وأشار الناسخ إلى دخولها في الأصل، وهذا
يدل على تصحيحها بعد النسخ.
وقد كتبت رؤوس المواضيع بحروف كبيرة وباللون الأحمر وهي نسخة
جيدة، غير أنها لا تخلو من الأخطاء والسقط، وقد أشرت إلى ذلك
في تحقيقي للكتاب.
3- نسخة جور لولو علي باشا تحت رقم 266، وتقع في 31 ورقة من
ضمنها صفحة العنوان. "1أ-31ب". وخطها واضح ومقروء ... ورؤوس
المواضيع كتبت بخط أحمر وبعضها وضع تحته خط أحمر. وفي كل صفحة
من صفحاتها "19" سطرًا. وعلى بعض صفحات هذه النسخة حواش كتبت
بخط دقيق، وأشار الناس إلى دخول بعضها في الأصل، وهذا يدل على
تصحيحها بعد النسخ ... وجاء على صفحة العنوان "جواهر الفتاوى,
وآداب المفتي والمستفتي". كما كُبت على هذه الصفحة "قد وقف هذه
النسخة الشريفة الوزير الأعظم، والمشير الأفخم علي باشا يسره
الله ما يريده وما يشاء طلبًا لنيل مرضاة الله وقفًا صحيحًا
شرعيًّا بحيث لا يباع ولا يوهب ولا يورث ولا يرهن ولا يخرج من
الحجرة التي عنيها حضرت الواقف لحفظ الكتب الموقوفة فمن بدله
بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبذلونه إن الله
(1/44)
سميع عليم". ثم وضع عليها ختم "الوزير
الأعظم علي باشا بن الحاج محمد أغا عفا الله عنهما، سنة ... "،
وجاء في الصفحة الأخيرة "قوبل وصحح من نسخة مصححة عن نسخة
المؤلف فصحح بقدر الإمكان بفضل الملك المنان، بأمر مولانا شيخ
الإسلام مفتي الأنام فسح الله تعالى في أجله ونفع العالمين
بعلمه وعمله، حرره الفقير حسن بن علي الخضر".
4- نسخة شستربتي تحت رقم "3854"، وتقع في 29 ورقة من ضمنها
صفحة العنوان "1أ-29"، وخطها واضح ومقروء ... ورؤوس المواضيع
كتبت بخط أحمر، وفي كل صفحة من صفحاتها "23" سطرًا، وعلى بعض
صفحات هذه النسخة حواش كتبت بخط دقيق، وأشار الناسخ إلى دخولها
في الأصل، وهذا يدل على تصحيحها بعد النسخ. وجاء على صفحة
العنوان "آداب المفتي لابن الصلاح"، وجاء في الصفحة الأخيرة
"كمل الكتاب وربنا المحمود الوهاب لخمس خلت من شوال سنة ست
وثلاثين وسبعمائة، وصلى الله على محمد نبيه وسلم تسليمًا
كثيرًا". وهي نسخة جيدة وقديمة ومشكلة في بعض المواضع.
أما صحة نسبة الكتاب إلى ابن الصلاح، فأمر ثابت، فقد ذكرته
معظم المصادر التي تحدثت عن ابن الصلاح، كما أن معظم الذين
كتبوا في "صفة الفتوى والمستفتي" ممن جاء بعد ابن الصلاح
اقتبسوا من الكتاب ... وقد ذكرت هذا في دراسة الكتاب في فقرة
"أثر الكتاب فيما بعده واقتباسات الأئمة منه".
(1/45)
المنهج الذي التزمته
في التحقيق والدراسة
...
المنهج الذي التزمته في التحقيق والدارسة:
لما كان الهدف من التحقيق هو نشر النص المحقق وإثبات صحته، لذا
فإن عملي في التحقيق تركز على هذا الأمر، ويمكن تلخيص خطتي
ومنهجي في النقاط الآتية:
1- نشر نص الكتاب مضبوطًا بالشكل.
2- المقارنة بين النسخ وإثبات ما هو أولى بالصواب مع اتخاذ
نسخة السليمانية كتبخانه أصلا ورمزت لها بحرف "س".
3- عمل ترجمة مختصرة للأعلام الذين ذكرهم ابن الصلاح في
الكتاب.
4- عزو الآيات القرآنية إلى السور.
5- تخريج الأحاديث النبوية التي وردت في الكتاب تخريجًا
علميًّا.
6- الإشارة إلى المراجع التي اقتبست كلام ابن الصلاح.
7- تخريج النصوص التي ينقلها ابن الصلاح من أقوال الأئمة الذين
سبقوه، وهي نصوص كثيرة.
8- اقتصر ابن الصلاح رحمه الله تعالى على الرمز في بعض ألفاظ
التحمل، فكتب "ثنا"، الثاء والنون من غير نقط، والألف بدل من:
"حدثنا"، وكتب "أنا" الهمزة والنون والألف من غير نقط بدل من:
"أخبرنا"، فأبدلت هذه الرموز وأرجعتها إلى أصلها.
9- ضبط وبيان الألفاظ من الأسماء، أو الكنى والأنساب، أو
الألقاب، أو الأماكن، أو غير ذلك مما يتطلبه تحقيق النص.
10- التحقيق في بعض الاختلافات حول بعض المسائل التي ترد في
النصوص، من اعتراضات لابن الصلاح، أو اعتراض عليه، أو غير ذلك
مما له علامة بتحقيق النص، أو إيضاحه للقارئ، ولقد توخيت
الاختصار في كل هذه الأمور، وأكتفي أحيانًا بالإشارة إلى
المراجع.
أما منهجي في الدراسة فإنه يتلخص بما يأتي:
1- تسمية الكتاب والأسباب التي دفعت ابن الصلاح إلى تأليف
الكتاب.
2- منهج ابن الصلاح في الكتاب.
3- موارد ابن الصلاح في الكتاب.
4- نقده للآراء التي يذكرها.
5- أثر الكتاب فيما بعده واقتباسات الأئمة منه.
(1/46)
صور المخطوطات
المعتمدة في التحقيق تحقيق النص:
(1/47)
يوجد اسكانر
(1/50)
|