أدب المفتي والمستفتي بيان شرف الفتوى
وخطرها وغررها:
بسم الله الرحمن الرحيم
ربنا أتمم لنا نورنا، واغفر لنا إنك على كل شيء قدير1.
قال العبد الفقير عثمان بن عبد الرحمن2، المعروف بابن الصلاح
غفر الله له ولهم3:
الحمد لله الذي كرم هذه الأمة بالشريعة السمحة الظاهرة، وأيدها
بالحجج الباهرة، القاهرة4، ووطدها بالقواعد المتظاهرة
المتناصرة، ونورها بالأوضاع المتناسبة المتوازرة.
أحمده على نعمه الباطنة والظاهرة، وأصلي على رسوله محمد، وسائر
النبيين والصالحين، وأسلم صلاة وتسليمًا متواصلي "الصلات"5 في
الدنيا والآخرة آمين.
هذا ولما عظم شأن الفتوى في الدين وتسنم المفتون6 منه سنام
السناء،
__________
1 في ج "بسم الله الرحمن الرحيم نسأله الهداية إلى الطريق
المستقيم قال".
2 ناقصة من ف وج.
3 في ش "بسم الله الرحمن الرحيم، صلى الله على محمد وسلم الحمد
لله الذي ... ".
4 ناقصة من ف.
5 من ش، وفي الأصل وف وج "الصلاة".
6 في الأصل "المعنيون".
(1/69)
وكانوا قرات1 الأعين، لا تلم بهم على
كثرتهم أعين الأسواء، فنعق بهم في أعصارنا ناعق الفناء، وتفانت
بتفانيهم أندية ذاك2 العلاء، على أن الأرض لا تخلوا من قائم
بالحجة إلى أوان الانتهاء، رأيت أن أستخير الله تبارك
"وتعالى"3، وأستعينه، وأستهديه، وأستوقفه، وأتبرأ من الحول
والقوة إلا به في تأليف كتاب في الفتوى لائق بالوقت، أفصح فيه
إن شاء الله العظيم4 عن شروط المفتي، وأوصافه، وأحكامه، وعن
صفة المستفتي وأحكامه، وعن كيفية الفتوى والاسفتاء وآدابهما
جامعًا فيه شمل نفائس التقطتها من خبايا الروايا5، وخفايا
الزوايا، ومهمات تقر بها أعين أعيان الفقهاء، ويرفع من قدرها
من كثرت مطالعاته6 من الفهماء7، ويبادر إلى تحصيلها كل من
ارتفع عن "حضيض"8 الضعفاء، مقدمًا في أوله بيان شرف مرتبة
الفتوى، وخطرها، والتنبيه على آفاتها وعظيم9 غررها، ليعلم
المقصر عن شأوها، المتجاسر عليها أنه على النار يجرأ ويجسر،
وليعرف متعاطيها المضيع شروطها أنه لنفسه يضيع ويخسر، وليتقاصر
عنها القاصرون الذين إذا انتزوا10 على منصب تدرس، أو اختلسوا11
ذروا من تقديم وترئيس، وجانبوا جانب المحترس، ووثبوا على
الفتيا وثبة المفترس.
__________
1 كذا في النسخ، ولعل الأسلم: "قرة" لأنها مصدر.
2 في ف وج: "ذلك".
3 من ف وج وش.
4 في ف وج: "تعالى".
5 في هامش ج: "الروايا جمع رواية، وهو الكثير الرواية قاله رضي
الله عنه"، ومثله في ش وجاء في آخره "المصنف" بدل "قاله رضي
الله عنه", وانظر تاج العروس: 10/ 158 مادة "روى".
6 في ج: "مطالعاتها".
7 في ف: "الفقهاء".
8 من ف وج وش وفي الأصل: "تحضيض".
9 من ف: "وعظم".
10 نزا: أي وثب، انظر تاج العروس مادة "نزا".
11 في ف وج "واختلسوا".
(1/70)
اللهم فعافنا، واعف عنا، وأحلنا منها
بالمحل المغبوط ولا تحلنا منها بالمحل المغموط، واجعل ما
نعانيه منها على وفق هداك وسببًا واصلا بيننا وبين رضاك، إنك
الله لا إله إلا أنت، أنت1 حسبنا ونعم الوكيل.
بيان شرف حرمة الفتوى وخطرها، وغررها:
روينا ما رواه أبو داود السجستاني2، وأبو عيسى الترمذي3، وأبو
عبد الله ابن ماجه القزويني4 في كتبهم المعتمدة في "السنن" من
حديث أبي الدرداء5، عن
__________
1 ناقصة من ف وج.
2 هو "الإمام الحافظ أبو داود سليمان بن الأشعث بن شداد،
الأزدي السجستاني، روى عن القعنبي، ومسلم بن إبراهيم، وأبي
الوليد السجستاني، وأحمد بن حنبل، وخلق، روى عنه الترمذي، وأبو
عوانة، وخلق، له كتاب "السنن" و"الناسخ والمنسوخ" و" القدر"
و"المراسيل"، وغير ذلك.
قال الخلال: أبو داود الإمام المقدم في زمانه، رجل لم يسبقه
أحد إلى معرفته بتخريج العلوم، وبصره بمواضعه في زمانه. توفي
في شوال سنة خمس وسبعين ومائتين"، ترجمته في: تاريخ بغداد9/
55, البداية والنهاية: 11/ 54، تذكرة الحفاظ: 2/ 591، طبقات
الشافعية الكبرى للسبكي: 2/ 293، وغير ذلك من المراجع.
3 هو "الإمام الحافظ أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة بن الضحاك
السلمي، طاف البلاد، وسمع خلقًا كثيرًا، وروى عنه خلق كثير،
قال ابن حبان: كان ممن جمع وصنف، وحفظ، وذاكر، توفي بترمذ سنة
تسع وسبعين ومائتين"، ترجمته في: وفيات الأعيان: 1/ 457، تذكرة
الحفاظ: 2/ 633، العبر: 2/ 633، ميزان الاعتدال: 3/ 678.
4 هو "الإمام الحافظ أبو عبد الله محمد بن يزيد الربعي مولاهم،
القزويني، سمع بخراسان، والعراق، والحجاز، ومصر، وغيرها.
قال الخليلي: ثقة كبير متفق عليه، محتج به ... توفي سنة ثلاث
وسبعين ومائتين"، ترجمته في البداية والنهاية: 11/ 52، تذكرة
الحفاظ 2/ 636، العبر: 2/ 51، طبقات المفسرين للداودي: 2/ 272.
5 هو "الإمام القدوة، قاضي دمشق، وصاحب رسول الله صلى الله
عليه وسلم، أبو الدرداء، عويمر بن زيد القيسي، ويقال: عويمر بن
عامر، وقيل غير ذلك، الأنصاري الخزرجي، حكيم هذه الأمة، وسيد
القراء. توفي سنة اثنتين وثلاثين". ترجمته في: طبقات ابن سعد:
7/ 391، الاستيعاب: "1226، 1646"، تاريخ ابن عساكر: 13/ 366أ،
أسد الغابة: 6/ 97، سير أعلام النبلاء: 2/ 335، تذكرة الحفاظ1/
24، تهذيب التهذيب: 8/ 175.
(1/71)
رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال1:
"إن العلماء ورثة الأنبياء" 2.
فأثبت للعلماء خصيصة فاقوا بها سائر الأمة، وما هم بصدده من
أمر الفتوى، يوضح تحققهم بذلك للمستوضح، ولذلك قيل في الفتيا:
إنها توقيع عن الله تبارك وتعالى.
وقد أخبرنا الشيخ "الإمام"3 المسند4 أبو بكر منصور بن عبد
المنعم الفراوي5، قراءة عليه بنيسابور6، قال: أخبرنا أبو
المعالي محمد بن إسماعيل الفارسي7، قال: أخبرنا الإمام أبو بكر
أحمد بن الحسين البيهقي8، قال: أخبرنا
__________
1 ناقصة من ف وج.
2 رواه أحمد في المسند: 5/ 196، وأبو داود في العلم، باب الحث
على طلب العلم حديث رقم: "3641، 3642"، والترمذي في العلم، باب
ما جاء في فضل الفقه على العبادة، حديث رقم "2683، 2684"، وابن
ماجه في المقدمة، باب فضل العلماء والحث على طلب العلم، حديث
رقم، "223"، والدارمي في السنن: 1/ 98، وابن حبان كما في موارد
الظمآن: 48 حديث رقم "88"، وانظر المقاصد الحسنة: 286، كشف
الخفاء: 2/ 64. وقال الحافظ ابن حجر في الفتح: 1/ 160, "وشاهده
في القرآن قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ
الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} ورواه ابن عبد البر
في جامع بيان العلم: 1/ 34.
3 من ف وج.
4 ناقصة من ف.
5 هو "الشيخ الإمام المسند أبو بكر، وأبو الفتح، وأبو القاسم
منصور بن عبد المنعم بن عبد الله بن محمد بن الفضل بن أحمد.
قال ابن نقطة: كان شيخًا ثقة مكثرًا صدوقًا. توفي في سنة ثمان
وستمائة"، ترجمته في معجم البلدان: 3/ 866، التقييد لابن نقطة:
207، التكملة للمنذري: 2/ 371، سير أعلام النبلاء: 21/ 494،
تاريخ الإسلام: 18/ 332.
6 "بفتح النون، وسكون الياء المنقوطة من تحتها باثنتين وفتح
السين المهملة، وبعد الألف منقوطة بواحدة، وفي آخرها الراء ...
هي أحسن مدن خراسان، وأجمعها للخيرات، وإنما قيل لها: نيسابور
لأن سابور لما رآها قال: يصلح بأن يكون هاهنا مدينة، وكانت
قصبًا فأمر بقطع القصب وأن يبنى مدينة، فقيل: نيسابور، والتي
هي القصب". الأنساب: 13/ 234، اللباب: 3/ 341.
7 هو أبو المعالي محمد بن إسماعيل الفارسي، ثم النيسابوري راوي
"السنن الكبير" عن البيهقي وراوي "البخاري" عن العيار، توفي في
جمادى الآخرة سنة تسع وثلاثين وخمسمائة". ترجمته في شذرات
الذهب: "4/ 124-125".
8 هو "الإمام الحافظ العلامة شيخ خراسان أبو بكر أحمد بن
الحسين بن علي البيهقي، صاحب التصانيف، ولزم الحاكم وتخرج به
... توفي في سنة ثمان وخمسين وأربعمائة بنيسابور، ونقل في
تابوت إلى بيهق مسيرة يومين"، ترجمته في: المنتظم: 8/ 242،
تذكرة الحفاظ: 3/ 132، "طبقات الشافعية الكبرى: 4/ 8، شذرات
الذهب: 3/ 304.
(1/72)
أبو عبد الله الحافظ1، وأبو سعيد2 بن أبي
عمرو3، قالا: حدثنا4 أبو العباس محمد بن يعقوب5، قال: حدثنا
أبو محمد عبد الله بن هلال بن الفرات6، ببيروت7، حدثنا أحمد بن
أبي الحواري8، حدثنا إسماعيل بن عبد الله، حدثنا سفيان بن
__________
1 هو "الحاكم الحافظ الكبير، إمام المحدثين أبو عبد الله محمد
بن عبد الله بن حمدويه النيسابوري، يعرف بابن البيع، كان إمام
عصره في الحديث، توفي سنة خمس وأربعمائة"، ترجمته في: وفيات
الأعيان: 1/ 484، العبر: 3/ 91، الوافي بالوفيات: 3/ 320،
مقدمة سؤالات الحاكم النيسابوري للدارقطني في الجرح والتعديل.
2 في ج "سعد".
3 هو" الشيخ الثقة، أبو سعيد، محمد بن موسى بن الفضل بن شاذان،
الصيرفي، ابن أبي عمرو النيسابوري ... حدث عنه البيهقي،
والخطيب، وأبو صالح المؤذن ... توفي سنة إحدى وعشرين وأربعمائة
عن نيف وتسعين سنة" ترجمته في: سير أعلام النبلاء: 17/ 350،
العبر: 3/ 144، شذرات الذهب: 3/ 220.
4 في ف "أخبرنا".
5 هو "الإمام المفيد الثقة محدث الشرق أبو العباس محمد بن
يعقوب بن معقل بن سنان الأموي، مولاهم، المعقلي، النيسابوري
الأصم.
قال الحاكم: حدث في الإسلام ستًّا وسبعين سنة ولم يختلف في
صدقه وصحة سماعه ... توفي سنة ست وأربعين وثلاثمائة"، مصادر
ترجمته في: الأنساب: 1/ 294، تاريخ ابن عساكر: "16/ 67أ-69ب"،
المنتظم: 6/ 386، سير أعلام النبلاء: 15/ 453، تذكرة الحفاظ:
3/ 860، الوافي بالوفيات: 5/ 223.
6 هو "عبد الله بن هلال الرومي الدمشقي، نزيل بيروت، روى عن
أحمد بن عاصم الأنطاكي وأحمد بن أبي الحواري ... "قال ابن أبي
حاتم": روى عنه أبي وكتبت عنه وهو صدوق، وسئل أبي عنه فقال:
صدوق"، الجرح: 5/ 193.
7 "بالفتح، ثم سكون، وضم الراء، وسكون الواو، والتاء فوقها
نقطتان: مدينة مشهورة على بحر الشام", مراصد الاطلاع: 1/ 240,
وهي عاصمة لبنان في وقتنا الحاضر.
8 هو "أحمد بن عبد الله بن ميمون بن العباس بن الحارث، أبو
الحسن بن أبي الحواري: بفتح المهملة، والواو الخفيفة، وكسر
الراء، ثقة، زاهد، توفي سنة ست وأربعين ومائتين"، ترجمته في
الجرح: 2/ 47، طبقات الصوفية للسلمي: "98، 102"، الحلية: 10/
5, تهذيب الكمال: 1/ 369، تهذيب التهذيب: 1/ 49، التقريب: 1/
18.
(1/73)
عيينة1، عن محمد بن المنكدر2، قال: "إن
العالم3 بين الله، وبين خلقه، فلينظر كيف يدخل بينهم"4.
وفيما نرويه5 عن سهل بن عبد الله التستري6، وكان رضي الله عنه
أحد الصالحين المعروفين بالمعارف والكرامات أنه قال: "من أراد
أن ينظر إلى مجالس الأنبياء عليهم السلام، فلينظر إلى مجالس
العلماء، يجيء الرجل7 فيقول: يا فلان أيش تقول في رجل حلف على
امرأته بكذا وكذا؟ فيقول: طلقت امرأته, وهذا مقام الأنبياء
فاعرفوا لهم ذلك ... ".
ولما ذكرناه هاب الفتيا من هابها من أكابر العلماء العاملين
وأفاضل السابقين8، والخالفين، وكان أحدهم لا تمنعه شهرته
بالأمانة، واضطلاعه بمعرفة المعضلات في اعتقاد من يسأله من
العامة من أن يدفع بالجواب، أو يقول: لا أدري، أو يؤخر الجواب
إلى حين يدري.
__________
1 هو "الإمام الحافظ أبو محمد سفيان بن عيينة بن ميمون
الهلالي، الكوفي، الأعور، ثقة حافظ إمام حجة، توفي بمكة سنة
ثمان وتسعين ومائة"، ترجمته في: تاريخ بغداد9/ 174، تذكرة
الحفاظ: 1/ 262، الحلية: 7/ 270، التقريب: 1/ 312.
2 هو "الإمام شيخ الإسلام، أبو عبد الله محمد بن المنكدر بن
الهدير التيمي، ثقة فاضل، توفي سنة ثلاثين ومائة، وقيل:
بعدها"، ترجمته في: تذكرة الحافظ: 1/ 123، تهذيب التهذيب: 9/
473، التقريب: 2/ 210.
3 في ج "العلماء".
4 الفقيه والمتفقه: 2/ 168.
5 في ف وج "يرويه".
6 هو "شيخ العارفين، أبو محمد سهل بن عبد الله بن يونس،
التستري، الصوفي الزاهد، قال الذهبي: له كلمات نافعة، ومواعظ
حسنة، وقدم راسخ في الطريق، توفي سنة ثلاث وثمانين ومائتين"،
ترجمته في: طبقات الصوفية للسلمي: 206, الحلية: 10/ 189،
المنتظم: 5/ 162، سير أعلام النبلاء: 13/ 330، طبقات الأولياء:
222، شذرات الذهب: 2/ 182.
7 في ج "رجل يقول".
8 في ف وج "السابقين".
(1/74)
فروينا عن عبد الرحمن بن أبي ليلى1 أنه
قال: "أدركت عشرين ومائة من الأنصار، من أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم يسأل أحدهم عن المسألة2، فيردها3 هذا إلى هذا،
وهذا4 إلى هذا حتى ترجع إلى الأول". وفي رواية: "ما منهم من
أحد يحدث بحديث إلا ود أن أخاه كفاه إياه5 ولا يستفتى عن شيء
إلا ود أن أخاه كفاه الفتيا"6.
"و"7 روينا عن ابن مسعود8 رضي الله عنه أنه قال: "من أفتى
الناس في كل ما يستفتونه فهو مجنون"9.
وعن ابن عباس10 رضي الله عنهما نحوه.
__________
1 هو "عبد الرحمن بن أبي ليلى يسار، ويقال: بلال، وقيل غير
ذلك، أبو عيسى الأنصاري الأوسي، الكوفي، ثقة، مات سنة ست
وثمانين، وقيل غير ذلك", ترجمته في تذكرة الحفاظ: 1/ 58،
العبر: 1/ 96، تهذيب التهذيب: 6/ 260، التقريب: 1/ 496.
2 ساقطه من ج.
3 في ف "غيرها".
4 ساقطة من ف.
5 ساقطة من ف.
6 أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى: 6/ 110، والدارمي في
السنن: 1/ 53، وابن عبد البر في جامع بيان العلم: 1/ 177 وعزاه
للبراء, و2/ 163 وعزاه لعبد الرحمن بن أبي ليلى. شرح السنة
للبغوي 1/ 405، وأخرجه ابن المبارك في الزهد: 19، وابن حمدان
في صفة الفتوى:7، وابن القيم في إعلام الموقعين: "4/ 218-219"،
والسيوطي في "آداب الفتيا". الورقة: "21ب".
7 من ف وج وش.
8 هو "صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد
السابقين الأولين، ومن كبار البدريين وأحد أوعية العلم رضي
الله عنه، توفي سنة اثنتين وثلاثين" ترجمته في: تاريخ بغداد:
1/ 147، أسد الغابة: 3/ 384، تذكرة الحفاظ: 1/ 31.
9 جامع بيان العلم: "1/ 177، 2/ 165" الفقيه والمتفقه: 2/ 198،
الدارمي المقدمة: 21، شرح السنة للبغوي: 1/ 306، صفة الفتوى:
7، وانظر مجمع الزوائد: 1/ 183, الجامع لابن أبي زيد
القيرواني: 151، آداب الفتيا للسيوطي: "22ب-23أ".
10 هو "أبو العباس، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم
وصاحبه، عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي، حبر الأمة،
وترجمان القرآن، توفي بالطائف سنة ثمان وستين". ترجمته في
تاريخ بغداد: 1/ 173، أسد الغابة: 3/ 290، تذكرة الحافظ: 1/
40، وقول ابن عباس هذا في جامع بيان العلم: 2/ 164.
(1/75)
وروينا1 عن أبي حصين الأسدي2 أنه قال: "إن
أحدكم ليفتي في المسألة، ولو وردت3 على عمر "بن الخطاب"4 رضي
الله عنه5 لجمع لها أهل بدر"6.
وروي عن الحسن7، والشعبي8، مثله.
وأخبرنا الشيخ "الأجل"9 الأصيل أبو القاسم، منصور بن أبي
المعالي الفراوي بنيسابور، قال: أخبرنا أبو المعالي محمد بن
إسماعيل الفارسي، قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي،
قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: سمعت أبا عبد الله محمد
بن عبد الله الصفار10 يقول: سمعت عبد الله بن
__________
= الأمة، وترجمان القرآن، توفي بالطائف سنة ثمان وستين".
ترجمته في تاريخ بغداد: 1/ 173، أسد الغابة: 3/ 290، تذكرة
الحافظ: 1/ 40، وقول ابن عباس هذا في جامع بيان العلم: 2/ 164.
1 ساقطة من ف.
2 هو "عثمان بن عاصم بن حصين، ويقال: زيد بن كثير بن زيد بن
مرة، أبو حصين: بفتح المهملة، ثقة ثبت سني ... توفي سنة سبع
وعشرين ومائة، ويقال بعدها، ترجمته في المؤلف للدارقطني: 552،
والإكمال: 2/ 480، تهذيب التهذيب: 7/ 128، التقريب: 2/ 10، سير
أعلام النبلاء: 5/ 412.
3 في ج "ورد".
4 من ف وج وش.
6 الكنز: 5/ 241، شرح السنة للبغوي: 1/ 305، صفة الفتوى7، سير
أعلام النبلاء: 5/ 416.
7 هو الحسن بن أبي الحسن البصري واسم أبيه: يسار بالتحتانية
والمهملة، الأنصاري، مولاهم، ثقة فقيه، فاضل مشهور، توفي سنة
عشر ومائة"، ترجمته في الحلية: 2/ 131، طبقات القراء لابن
الجزري، 1/ 235، تذكرة الحفاظ: 1/ 71، تهذيب التهذيب: 2/ 263،
التقريب: 1/ 165.
8 هو: "الإمام الحافظ أبو عمرو عامر بن شراحيل الشعبي، الكوفي،
ثقة مشهور، فقيه، فاضل. مات بعد المائة"، ترجمته في تاريخ
بغداد: 12/ 229، الحلية: 4/ 310، تذكرة الحفاظ1/ 79، العبر: 1/
127.
9 من ش.
10 هو "أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني
الصفار، صنف في الزهد وغيره، قال الحاكم: هو محدث عصره مجاب
الدعوة ... توفي سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة". ترجمته في العبر:
2/ 250، طبقات الشافعية للأسنوي: 2/ 136، شذرات الذهب: 2/ 349.
(1/76)
أحمد بن حنبل1 يقول: سمعت أبي2 يقول: سمعت
الشافعي3، يقول: سمعت مالك بن أنس4 يقول: سمعت محمد بن عجلان5
يقول: "إذا أغفل العالم لا أدري أصيبت مقاتله"6.
هذا إسناد جليل عزيز جدًّا لاجتماع أئمة المذاهب الثلاثة فيه
بعضهم عن بعض.
وروى مالك مثل ذلك عن ابن عباس رضي الله7 عنهما، وذكر الحافظ
أبو
__________
1 هو "أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل. قال
الخطيب: كان ثقة ثبتًا فهمًا، توفي سنة تسعين ومائتين"، تاريخ
بغداد: 9/ 375، تذكرة الحفاظ: 2/ 565، العبر: 2/ 86، طبقات
الحفاظ: 288، شذرات الذهب: 2/ 203.
2 هو "إمام أهل السنة أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل
الشيباني، المروزي البغدادي، قال الشافعي: خرجت من بغداد فما
خلفت بها أفقه، ولا أزهد، ولا أورع، ولا أعلم منه ... توفي سنة
إحدى وأربعين ومائتين"، ترجمته في تاريخ بغداد: 4/ 412، تذكرة
الحفاظ: 2/ 431، طبقات الشيرازي: 91.
3 هو "إمام الأئمة، وقدورة الأمة أبو عبد الله محمد بن إدريس
بن العباس القرشي المطلبي، المكي نزيل مصر، قال أحمد: إن الله
تعالى يقبض للناس في رأس كل مائة سنة من يعلمهم السنن، وينفي
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الكذب، فنظرنا فإذا في رأس
المائة عمر بن عبد العزيز، وفي رأس المائتين الشافعي. توفي سنة
أربع ومائتين". ترجمته في تاريخ بغداد: 2/ 56، تذكرة الحفاظ:
1/ 361، ترتيب المدارك: 2/ 382، تهذيب التهذيب: 9/ 35.
4 هو "الإمام الحافظ أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك
الأصبحي، إمام دار الهجرة، رأس المتقين، وكبير المثبتين. قال
البخاري: أصح الأسانيد كلها: مالك، عن نافع، عن ابن عمر، توفي
سنة تسع وسبعين ومائة". ترجمته في وفيات الأعيان: 1/ 439،
البداية والنهاية: 10/ 174، تذكرة الحفاظ: 1/ 207، العبر: 1/
272.
5 هو "محمد بن عجلان القرشي مولاهم، المدني، أحد الفقهاء
العباد، صدوق، توفي سنة ثمان وأربعين ومائة بالمدينة". ترجمته
في: تذكرة الحفاظ: 1/ 165، العبر: 1/ 211، ميزان الاعتدال 3/
644، تهذيب التهذيب: 9/ 341، التقريب: 2/ 195.
6 جامع بيان العلم وفضله: 2/ 54، الفقيه والمتفقه: 2/ 173،
آداب الشافعي: 107، الانتفاء لابن عبد البر: "37-38" كشف
الخفاء: 2/ 347، الآداب الشرعية: 2/ 79، بدائع الفوائد: 3/
276، ترتيب المدارك: 1/ 146.
7 الانتفاء: 38، جامع بيان العلم وفضله: 2/ 54 تذكرة السامع:
42، المجموع: 1/ 40.
(1/77)
عمر ابن1 عبد البر الأندلسي2, عن القاسم بن
محمد3 بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم: "أنه جاءه رجل فسأله
عن شيء، فقال القاسم: لا أحسنه. فجعل الرجل يقول: إني دفعت
إليك لا أعرف غيرك؟
فقال القاسم: "لا تنظر إلى طول لحيتي، وكثرة الناس حولي، والله
ما أحسنه".
فقال شيخ من قريش جالس إلى جنبه: "يابن أخي الزمها فوالله ما
رأيتك في مجلس أنبل منك اليوم".
فقال القاسم: "والله لأن يقطع لساني أحب إليَّ من أن أتكلم بما
لا علم لي به"4.
وروى أبو عمر عن سفيان بن عيينة، وسحنون بن سعيد5. قالا: "أجسر
"الناس"6 على الفتيا أقلهم علمًا"7. وروينا عن عبد الرحمن بن
مهدي8،
__________
1 سقطت من ف وج.
2 هو "الإمام الحافظ أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد
البر النمري القرطبي قال أبو الوليد الباجي: لم يكن بالأندلس
مثله في الحديث، توفي سنة ثلاث وستين وأربعمائة". ترجمته في:
بغية الملتمس: 474، الصلة: 2/ 677، وفيات الأعيان: 2/ 348،
تذكرة الحفاظ: 3/ 1128.
3 هو "أبو محمد أو أبو عبد الرحمن القاسم بن محمد بن أبي بكر
الصديق. قال ابن سعد: ثقة رفيع، عالم فقيه، إمام ورع، كثير
الحديث, توفي سنة إحدى ومائة، أو بعدها". ترجمته في طبقات ابن
سعد: 5/ 139، الحلية: 3/ 183، تذكرة الحفاظ: 1/ 96، وفيات
الأعيان: 1/ 418.
4 جامع بيان العلم وفضله: 2/ 53، صفة الفتوى والمفتي: "7-8"
إعلام الموقعين: 4/ 219.
5 هو "القاضي الفقيه أبو سعيد عبد السلام بن سعيد بن حبيب
التنوخي، الملقب بسحنون، كان زاهدًا لإيهاب سلطانًا في حق
يقوله، انتهت إليه رياسة العلم في المغرب، وسحنون: بفتح السين
المهملة وضمها، وسكون الحاء المهملة، وضم النون، وبعد الواو
نون ثانية ولقب سحنون باسم طائر حديد بالمغرب يسمونه سحنونًا
لحدة ذهنه وذكائه، توفي سنة أربعين ومائتين"، ترجمته في: ترتيب
المدارك: 2/ 585، الديباج المذهب: 2/ 30، طبقات أبي العرب:
184، العبر: 1/ 432، وفيات الأعيان: 3/ 180.
6 من ف وج وش.
7 جامع بيان العلم وفضله: 2/ 55، صفة الفتوى والمفتي: 8.
8 هو "الإمام الحافظ أبو سعيد عبد الرحمن بن مهدي بن حسان
البصري, قال ابن المديني: كان أعلم الناس، توفي سنة ثمان
وتسعين ومائة". ترجمته في تاريخ بغداد: 10/ 240، تذكرة الحفاظ:
1/ 329، العبر: 1/ 326.
(1/78)
قال: "جاء رجل إلى مالك بن أنس يسأله عن
شيء أيامًا ما يجيبه، فقال: يا أبا عبد الله إني أريد الخروج،
وقد طال التردد إليك؟
قال: فأطرق طويلا، ثم رفع رأسه، فقال: ما شاء الله يا هذا، إني
إنما أتكلم فيما أحتسب فيه الخير، ولست أحسن مسألتك هذه"1.
ورُوي عن الشافعي رضي الله عنه: "أنه سئل عن مسألة، فسكت، فقيل
له ألا تجيب رحمك الله؟ فقال: حتى أدري الفضل في سكوتي، أو في
الجواب"2.
وروينا عن أبي بكر الأثرم3، قال: "سمعت أحمد بن حنبل يستفتي
فيكثر أن يقول: لا أدري، وذلك فيما قد عرف الأقاويل فيه"4.
وبلغنا عن الهيثم بن جميل5، قال: "شهدت مالك بن أنس سئل عن
ثمان وأربعين مسألة فقال في اثنتين وثلاثين منها: لا أدري"6.
وعن مالك أيضًا: "أنه ربما كان يسأل عن خمسين مسألة فلا يجيب
في واحدة
__________
1 الحلية: 3/ 323، صفة الفتوى والمفتي: 8.
2 صفة الفتوى والمفتي: 10.
3 هو "الحافظ الفقيه أبو بكر أحمد بن محمد بن هانئ، الأثرم
الطائي البغدادي، قال إبراهيم الأصبهاني: كان أحفظ من أبي زرعة
الرازي وأتقن، توفي سنة ثلاث وسبعين ومائتين، قاله ابن قانع".
ترجمته في: تاريخ بغداد: 5/ 110، تذكرة الحفاظ: 2/ 570، تهذيب
التهذيب: 1/ 78.
4 الفقيه والمتفقه: "2/ 174-175"، صفة الفتوى والمفتي: 8.
5 هو "الحافظ أبو سهل الهيثم بن جميل البغدادي، وثقه أحمد
والعجلي، والدارقطني، توفي سنة ثلاث عشرة ومائتين". ترجمته في:
تذكرة الحفاظ: 1/ 363، ميزان الاعتدال: 4/ 320، العبر: 1/ 365،
التقريب: 2/ 326.
6 الانتقاء: 38، ترتيب المدارك: 1/ 146، سير أعلام النبلاء: 8/
77, صفة الفتوى: 8.
(1/79)
منها. وكان يقول: "من أجاب في مسألة فينبغي
من قبل أن يجيب فيها أن يعرض نفسه على الجنة أو النار، وكيف
يكون خلاصه1 في الآخرة؟ ثم يجيب فيها"2.
وعنه: "أنه سئل عن مسألة؟ فقال: لا أدري. فقيل "له"3: إنها
مسألة خفيفة سهلة. فغضب، وقال: ليس في العلم شيء خفيف، أما4
سمعت قوله جل ثناؤه: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا
ثَقِيلًا} 5 فالعلم كله ثقيل، وبخاصة ما يسأل عنه يوم
القيامة"6.
وقال: "إذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تصعب عليهم
مسائل7، ولا يجيب أحد منهم في مسألة حتى يأخذ رأى صاحبه. قال8:
مع ما رزقوا من السداد والتوفيق، مع الطهارة، فكيف بنا الذين
قد9 غطت الخطايا والذنوب قلوبنا؟ 10.
وعن سعيد بن المسيب11 رضي الله عنهما: "أنه كان لا يكاد يفتي
فتيا، ولا يقول شيئًا إلا قال: اللهم سلمني، وسلم مني"12.
__________
1 ساقطه من ج، وجاء في ج "وكون خلاصه".
2 ترتيب المدارك: 1/ 144.
3 من ش.
4 في ف وج "ألم".
5 سورة المزمل، الآية: 5.
6 ترتيب المدارك: 1/ 148، صفة الفتوى والمفتي: 80.
7 في ش "المسائل".
8 في ف وج "وقال".
9 سقطت من ف وج.
10 صفة الفتوى والمفتي: "8-9", وانظر ترتيب المدارك: 1/ 145.
11 هو "سيد التابعين أبو محمد سعيد بن المسيب بن حزن القرشي
المخزومي، أحد العلماء الأثبات الفقهاء الكبار، قال ابن
المديني: لا أعلم في التابعين أوسع علمًا منه. مات بعد
التسعين". ترجمته في طبقات الشيرازي: 57، العبر: 1/ 110، تذكرة
الحفاظ: 548، تهذيب التهذيب: 4/ 8، التقريب: 1/ 305.
12 طبقات ابن سعد: 5/ 136 بلفظ: "كان سعيد بن المسيب يكثر أن
يقول: اللهم سلم سلم". صفة الفتوى: 10.
(1/80)
وجاء عن أبي سعيد عبد السلام بن سعيد
التنوخي، الملقب بسحنون إمام المالكية، وصاحب "المدونة" التي
هي عند المالكيين ككتاب "الأم" عند الشافعيين أنه قال: "أشقى
الناس من باع آخرته بدنياه"، وأشقى منه من باع آخرته بدنيا
غيره.
قال: ففكرت فيمن باع آخرته بدنيا غيره، فوجدته المفتي يأتيه
الرجل قد حنث في امرأته ورقيقه، فيقول له:
لا شيء عليك، فيذهب الحانث فيتمتع بامرأته ورقيقه. وقد باع
المفتي دينه بدنيا هذا"1.
وعن سحنون: أن رجلا أتاه، فسأله عن مسألة فأقام يتردد إليه
ثلاثة أيام، فقال له مسألتي أصلحك الله لي2 اليوم ثلاثة أيام؟
فقال له: وما أصنع لك يا خليلي؟ مسألتك معضلة3، وفيها أقاويل،
وأنا متحير في ذلك.
فقال له: وأنت أصلحك الله لكل معضلة.
فقال له سحنون: هيهات يابن أخي ليس بقولك هذا أبذل لك لحمي
ودمي إلى النار4، ما أكثر ما لا أعرف، إن صبرت رجوت أن تنقلب
بمسألتك، وإن أردت أن تمضي إلى غيري فامض تجاب5 مسألتك في
ساعة؟
فقال "له":6 إنما جئت إليك ولا أستفتي غيرك.
__________
1 صفة الفتوى: 10.
2 ساقطة من ف وج، وفي الأصل كأنها "إلى".
3 في ف وج "معضلة فقال له سحنون: وفيها".
4 إلى هنا في "صفة الفتوى": 10.
5 في الأصل وش: "في مسألتك".
6 من ف وج وش.
(1/81)
فقال له: "فاصبر عافاك الله، ثم أجابه بعد
ذلك".
وقد كان فيهم رضي الله عنهم من يتباطئوا بالجواب عما هو فيه
غير مستريب، ويتوقف في الأمر السهل الذي هو عنه مجيب.
بلغنا عمن سمع سحنون بن سعيد: "يزري على من يعجل في الفتوى،
ويذكر النهي عن ذلك، عن المتقدمين من معلميه، وقال: إني لأسأل
عن المسألة، فأعرفها، وأعرف في أي كتاب هي، وفي أي ورقة، وفي
أي "صفحة"1، وعلى كم هي من سطر، فما يمنعني من الجواب فيها إلا
كراهة الجرأة بعدي على الفتوى"2.
وبلغنا عن الخليل بن أحمد3، أنه كان يقول: "إن4 الرجل ليسأل عن
المسألة ويعجل في الجواب فيصيب فأذمُّه، ويسأل عن مسألة
فيتثبَّت في الجواب فيخطئ5 فأحمدُه"6.
وروي عن سحنون بن سعيد أنه قيل له: "إنك لتسأل عن المسألة، لو
سئل عنها أحد من أصحابك لأجاب فيها، فتترجَّح فيها7 وتتوقف؟
فقال: إن فتنة الجواب بالصواب، أشد من فتنة المال"8. رضي الله
عنه.
ولما ذكره نَلفُتُ إلى نحو ما بلغنا عن القاضي أبي "الحسن"9
علي بن محمد
__________
1 من ف وج وفي الأصل وش "صفح".
2 مثله في صفة الفتوى: 10.
3 هو "أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد الأزدي الفراهيدي البصري،
صاحب العروض والنحو، قال ابن حجر: صدوق عالم عابد، مات بعد
الستين ومائة، وقيل سنة سبعين أو بعدها"، ترجمته في تهذيب
التهذيب: 3/ 163، التقريب: 1/ 228.
4 ساقطة من ف وج.
5 في ج "ويخطئ".
6 صفة الفتوى:11.
7 سقطت من ج.
8 صفة الفتوى: 11.
9 من ف وج وش وفي الأصل "الحسين".
(1/82)
ابن حبيب الماوردي1، أحد المصنفين
الشافعيين، قال: "صنفت في "البيوع"، كتابًا جمعت له ما استطعت
من كتب الناس، وجهدت فيه نفسي، وكددت فيه خاطري، حتى إذا تهذب
واستكمل، وكدت أعجب به، وتصورت أنني أشد الناس اضطلاعًا2 بعلمه
حضرني وأنا في مجلسي أعرابيان، فسألاني عن بيع عقداه3 في
البادية على شروط تضمنت أربع مسائل، لم أعرف لشيء منها جوابًا،
فأطرقت مفكرًا، بحالي4 وحالهما معتبرًا. فقالا: أما عندك فيما
سألناك جواب وأنت زعيم هذه الجماعة؟
قلت: لا. فقالا: إيهًا لكَ، وانصرفا، ثم أتيا من قد يتقدمه في
العلم كثيرٌ من أصحابي, فسألاه، فأجابهما مسرعًا بما أقنعهما،
فانصرفا عنه راضيين بجوابه، مادحين لعلمه، فبقيت مرتبكًا، وإني
لعلى ما كنت عليه في تلك المسألة إلى وقتي، فكان ذلك لي زاجر
نصيحة، ونذير عظة"5. وقال: "القاضي"6 أبو القاسم الصيمري7 أحد
الأئمة8 الشافعيين، ثم أبو بكر الخطيب الحافظ9، الفقيه
__________
1 هو "الإمام الجليل القدر أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب
الماوردي قال الخطيب: كان من وجوه الفقهاء الشافعيين، وله
تصانيف عدة في أصول الفقه وفروعه، وغير ذلك. توفي سنة خمسين
وأربعمائة". ترجمته في: تاريخ بغداد: 12/ 102، البداية
والنهاية: 12/ 80، العبر: 3/ 223، معجم الأدباء: 15/ 52، طبقات
الشافعية الكبرى: 5/ 267.
2 كذا في الأصل ومثله في "أدب الدين والدنيا". وفي ف وج
"اطلاعًا" ومثله في طبقات الشافعية الكبرى: 5/ 269.
3 في ش: "عاقداه".
4 في ش: "وبحالي".
5 "أدب الدين والدنيا" للماوردي: 57. ونقل السبكي هذه الفقرة
أيضًا في طبقات الشافعية الكبرى 5/ 269.
6 من ف وج وش.
7 هو "أبو القاسم عبد الواحد بن الحسين بن محمد القاضي
الصيمري: بفتح الصاد المهملة، وسكون الياء المنقوطة باثنتين من
تحتها، وفتح الميم، وفي آخرها الراء ... منسوبًا إلى نهر من
أنهار البصرة، يقال له: الصيمري، ومن تصانيفه: "الإيضاح في
المذهب", وكتاب صغير في "أدب المفتي والمستفتي", توفي بعد سنة
ست وثمانين وثلاثمائة". ترجمته في طبقات الشافعية الكبرى: 3/
339، تهذيب الأسماء واللغات: 2/ 265، طبقات الشيرازي: 104،
طبقات ابن هداية الله: 129.
8 في ش "أئمة".
9 هو "الحافظ الكبير محدث الشام والعراق، أبو بكر أحمد بن علي
بن ثابت الخطيب البغدادي. قال فيه الشيخ أبو إسحاق الشيرازي:
أبو بكر الخطيب يشبه الدارقطني ونظرائه في معرفة الحديث وحفظه
... توفي سنة ثلاث وستين وأربعمائة"، ترجمته في: إرشاد الأريب:
1/ 246، البداية والنهاية: 12/ 101، تذكرة الحفاظ: 3/ 1135،
المنتظم: 8/ 265، وفيات الأعيان: 1/ 27.
(1/83)
الشافعي الإمام في علم الحديث: "قَلَّ من
حرص على الفتوى، وسابق "إليها"1، وثابر عليها إلا قل توفيقه،
واضطرب في أمره، وإذا كان كارهًا لذلك غير مختار له، ما وجد
مندوحة عنه، وقدر أن يحيد بالأمر فيه على غيره، كانت المعونة
له من الله أكثر والصلاح في جوابه وفتاويه أغلب2.
قال ذلك الصيمري أولًا، ثم تلقاه عنه الخطيب فقاله في بعض
تصانيفه.
وروى بإسناده عن بشر بن الحارث3 أنه قال:
"من أحب أن يسأل فليس بأهل أن يسأل"4.
وذكر أبو عبد الله المالكي5 فيما جمعه من "مناقب شيخه أبي
الحسن القابسي" الإمام المالكي6: أنه كان ليس شيء "أشد"7 عليه
من الفتوى، وأنه قال له عشية
__________
1 في الأصل: "عليها"، وما جاء في ف وج وش هو الموافق لكتاب
الفقيه والمتفقه.
2 الفقيه والمتفقه: 2/ 166، صفة الفتوى: 11.
3 هو "الزاهد الجليل، القدوة، أبو نصر بشر بن الحارث بن عبد
الرحمن المروزي البغدادي، المعروف ببشر الحافي. توفي سنة سبع
وعشرين ومائتين". ترجمته في طبقات ابن سعد: 7/ 342، المعارف:
525، طبقات الصوفية: 39، الحلية: 8/ 336، تاريخ بغداد: 7/ 67،
سير أعلام النبلاء: 10/ 469، تهذيب التهذيب: 1/ 444، التقريب:
1/ 98.
4 الفقيه والمتفقه: 2/ 166، صفة الفتوى: 11.
5 انظر ترتيب المدارك: "4/ 618، 620".
6 هو "الإمام الحافظ الفقيه علامة المغرب، أبو الحسن علي بن
محمد بن خلف المعافري القابسي المالكي، قال حاتم الأطرابلسي:
كان أبو الحسن القابسي زاهدًا ورعًا يقظًا، لم أر بالقيروان
إلا معترفًا بفضله ... توفي سنة ثلاث وأربعمائة"، ترجمته في:
ترتيب المدارك: "4/ 616-621"، وفيات الأعيان: 3/ 320، سير
أعلام النبلاء: 17/ 158، تذكرة الحفاظ: 3/ 85.
7 من ف وج وش.
(1/84)
من العشايا: ما ابتلي أحد بما ابتليت به،
أفتيت اليوم في عشر مسائل1.
قلت: قول الله تبارك وتعالى: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ
أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ
لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ
يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ, مَتَاعٌ
قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} 2. شامل بمعناه من زاغ في
فتواه، فقال في الحرام: هذا حلال، أو في الحلال: هذا حرام، أو
نحو ذلك.
وفيما رواه أبو عمر بن عبد البر الحافظ بإسناده، عن مالك، قال:
"أخبرني رجل أنه دخل على ربيعة بن أبي3 عبد الرحمن4، فوجده
يبكي، فقال له: ما يبكيك؟ وارتاع5 لبكائه. فقال له: أمصيبة
دخلت عليك؟ فقال: لا ولكن استفتي من لا علم له، وظهر في
الإسلام أمر عظيم"6. قال ربيعة: "ولبعض من يفتي ههنا أحق
بالسجن من السراق"7. رحم الله ربيعة. كيف لو أدرك زماننا؟ وما
شاء الله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وحسبنا الله
ونعم الوكيل.
__________
1 إلى هنا في "صفة الفتوى": 11.
2 سورة النحل آية "116-117".
3 سقطت من ف وج.
4 هو "أبو عبد الرحمن ربيعة بن فروخ مولى آل المنكدر، المعروف
بربيعة الرأي، ثقة، فقيه مشهور، مات سنة ست وثلاثين ومائة"،
ترجمته في تاريخ بغداد: 8/ 420، وفيات الأعيان: 1/ 183، تذكرة
الحفاظ: 1/ 157، التقريب: 1/ 247.
5 في ف وج "فارتاع".
6 الفقيه والمتفقه: 2/ 153، صفة الفتوى: 11.
7 البيان والتحصيل: 5/ 2ب, جامع مسائل الأحكام: "1/ 5أ-ب",
إعلام الموقعين: 4/ 207.
(1/85)
|